درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

ابطن بل الى سبعين بطنا وانهم عالمون بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وغير ذلك.

(ولا اشكال ايضا) فى انهم عالمون بجميع اللغات بل لمنطق الطير وسائر الحيوانات وقد قال الله تعالى علمنا منطق الطير فى حق سليمان بن داود ولا شك ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام افضل منه عليه‌السلام ولا اشكال ايضا فى انهم لا يحيطون علما بالواجب بالكنه لاستحالته قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عرفناك حق معرفتك وقال ايضا انا لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك.

(ولا اشكال ايضا) فى اختصاص الواجب بعلوم لا تحصى قد استأثرها فى علم الغيب عنده وقد عرفت فى الروايات من ان العلم علمان علم استأثره الله فى علم الغيب عنده وعلم اطلع عليه انبيائه ورسله وان المعصومين عليهم‌السلام يعلمون الثانى وفى دعاء السمات وبكلماتك التى استأثرت بها فى علم الغيب عندك وهذا بديهى جدا ومنه علم الساعة فقد دلت الآيات الكثيرة على عدم علم احد بها حتى الرسول (ص) بل هى صريحة فى ذلك (ولا اشكال ايضا) فى ان علوم المعصومين متناهية وانهم انما يعلمون ما يعلمون من جهة الله تبارك وتعالى وان العلم الغير المتناهى من خواص الله تعالى ولا اشكال فى علم المعصومين بكثير من الغيوب الواقعة فى الماضى أو الحادثة فى المستقبل مما لا يحصى عدده إلّا الله تعالى وقد عدّدنا شطرا قليلا فى غاية القلة الى أن قال فالحق وفاقا لمن عرفت وللمحدث الحر العاملى وغيرهم كون علومهم عليهم‌السلام ارادية وانهم اذا شاءوا ان يعلموا علموا انتهى.

(فى عنايات الرضوية) قال ره فى تفسير الصراط وبيان اقسامه فى قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) والحاصل ان معرفة الامام عليه‌السلام شرط فى التوحيد وبها يستكمل المعرفة والدين كما قال الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) والتوحيد باركانه صراط مستقيم يسلكنا سبيل النجاة والفلاح.

(وفى الزيارة) واحكمتم توحيده فمعرفة التوحيد تتوقف على معرفة حقائقهم فلا توحيد ولا ايمان لمن لا يعرفهم وبهم يسلك الى التوحيد والرضوان قال عليه‌السلام بنا

٢٨١

عرف الله ولولانا ما عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عبد الله فهم عليهم‌السلام صراط الخلق الى معرفة الله والى عبادة الله ولو لا فيضهم وعنايتهم لم يتحقق المعرفة لاحد من الممكنات الى ان قال.

(وفى الزيارة) بكم بدء الله وبكم يختم فهم ابواب المشية ومفاتيح الاستفاضة فالمشية خزانة الله وهى حادثة كما قال عليه‌السلام خلقت المشية بنفسها ثم خلق الله الاشياء بالمشية وهم عليهم‌السلام محالها كما فى الزيارة السلام على محالّ مشية الله وقال امير المؤمنين عليه‌السلام نحن مشية الله وفى آخر نحن اوعية مشية الله اذا شئنا شاء الله ولانشاء إلّا ان يشاء الله.

(والحاصل) انهم فنوا انفسهم فى مشية الله فلا يجدون لانفسهم اعتبارا فى جنب مشية الله عباد مكرمون (لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون) فهم عليهم‌السلام صراط الله الى خلقه الى ان قال وفى الحديث اول ما خلق الله الماء وفى آخر الروح وفى آخر العقل وفى آخر القلم وفى آخر نور نبيك يا جابر ومرجع الكل الى حقيقة الولاية فالولى المطلق هو الصراط المستقيم.

(ثم قال فى الكتاب المذكور) فى تحقيق احاطة علومهم عليهم‌السلام بسائر الممكنات (ايقاظ) وان كبر عليك هذا المقام فاعلم ان الاعتقاد باحاطة علومهم عليهم‌السلام لجميع الممكنات ليس مستلزما للتشبيه المنافى للتنزيه والتقديس فان علمه تعالى قديم ازلى سرمدى متحد مع ذاته تعالى جامع لجميع لوازم الوجوب وعلمهم عليهم‌السلام حادث فقير الى الله حصولىّ لانه انما حصلت بتعليم الله تعالى اياهم متصف بجميع لوازم الامكان محتاج فى وجوده وبقائه الى الواجب تعالى والنسبة بين الواجب والممكن تباين فهو منزّه عن التشبيه وعلمه تعالى حضوريا ولا نفس الحضور ولا حصوليا ولا نفس الحصول لان ذلك كله من لوازم الكيفية وهو تعالى منزّه عنها.

(فالمحصل) ان القول بالعلم الحضورى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام فى مقاماتهم النورانية او بملاحظة حقائقهم المقدسة ليس مستلزما لشىء من الشرك والتشبيه إلّا ان الذى يقتضيه التحقيق والنظر الدقيق ان علمهم عليهم‌السلام حصولى يعنى انما يعلمون الممكنات

٢٨٢

كلها بتعليم الله تعالى اياهم فاحاطة علومهم بالجميع على ترتيب الحصول وليس لازما لذواتهم المقدسة وليس العلم متحدا مع حقائقهم على سبيل الحضور حتى يكون حضوريا أو نفس الحضور (إلّا ان) كثيرا من أهل المعرفة والشهود قالوا بالعلم الحضورى وجماعة من الشيعة فصلوا بين مرتبتهم النورانية والجسمانية فقالوا بالعلم الحضورى فى الاولى والحصولىّ فى الثانية.

(وقال ايضا) فى البحث عن تفسير الغيب قال الله تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) والمراد من ارتضى ان كان هو الرسل أو خصوص أولو العزم منهم او خصوص ابراهيم وآل ابراهيم او خصوص الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله فالائمة عليهم‌السلام مشاركون معهم فى هذه الفضيلة من جهة مشاركتهم اياهم فى مراتب الولاية والمقامات النورانية وهذا ايضا من مراتبهم التى رتبهم الله فيها قال الله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) انتهى.

(هذا المقدار) من البحث اجمالا فى معلومات الائمة عليهم‌السلام من باب لا يدرك كله لا يترك كله فلا مجال لبسط الكلام فى كيفية علمهم عليهم‌السلام زيادة عما ذكرنا وردّ الاقوال الفاسدة فيها مع شدة اختلاف الروايات فى ذلك الباب فان البحث فى علمهم من المباحث الغامضة والاولى كما قال الشيخ قدس‌سره ووكول علم ذلك اليهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين اعاذنا الله من شرور انفسنا ونسبة الاقوال الفاسدة اليهم عليهم‌السلام كما قد توهم ان علمهم مختص بالاحكام فقط دون الموضوعات وغير ذلك فان هذا ناش من عدم الوقوف على ما امتازت به هذه الذوات القدسية التى لا يحدّها الا من اودع العصمة فيها.

(اللهم) وال من والاهم وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم والعن من ظلمهم وعجل فرج آل محمد وانصر شيعة آل محمد واهلك اعداء آل محمد وارزقنى رؤية قائم آل محمد واجعلنى من اتباعه واشياعه والراضين بفعله برحمتك يا ارحم الراحمين (ربنا) لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب.

٢٨٣

(ثم قال) ومنها ان اجتناب الشبهة فى نفس الحكم امر ممكن مقدور لان انواعه محصورة بخلاف الشبهة فى طريق الحكم فاجتنابها غير ممكن لما اشرنا اليه من عدم وجود الحلال البيّن ولزوم تكليف ما لا يطاق والاجتناب عما يزيد على قدر الضرورة حرج عظيم وعسر شديد لاستلزام الاقتصار فى اليوم والليلة على لقمة واحدة وترك جميع الانتفاعات انتهى اقول لا ريب ان اكثر الشبهات الموضوعية لا يخلو عن امارات الحل والحرمة كيد المسلم والسوق واصالة الطهارة وقول المدعى بلا معارض والاصول العدمية المجمع عليها عند المجتهدين والاخباريين على ما صرح به المحدث الأسترآباديّ كما سيجىء نقل كلامه فى الاستصحاب وبالجملة فلا يلزم حرج من الاجتناب فى الموارد الخالية عن هذه الامارات لقلتها ثم قال ومنها ان اجتناب الحرام واجب عقلا ونقلا ولا يتم إلّا باجتناب ما يحتمل التحريم مما اشتبه حكمه الشرعى ومن الافراد الغير الظاهرة بالفردية وما لا يتم الواجب الا به وكان مقدورا فهو واجب الى غير ذلك من الوجوه وان امكن المناقشة فى بعضهم فمجموعها فى مثل ذلك كاف شاف فى هذا المقام والله اعلم بحقايق الاحكام انتهى اقول الدليل المذكور اولى بالدلالة على وجوب الاجتناب عن الشبهة

(ثم قال الشيخ الحر العاملى) ومنها ان اجتناب الشبهة فى نفس الحكم امر ممكن مقدور الخ (اقول) ان صاحب بحر الفوائد قد نقل عين عبارة الفاظ الشيخ الحرّ فى الوجه المذكور فقال قال الشيخ الحرّ ومنها ان اجتناب الشبهة فى نفس الحكم الشرعى امر ممكن مقدور لان انواعها قليلة لكثرة الانواع التى ورد النص باباحتها والانواع التى ورد النص بتحريمها وجميع الانواع التى يعمّ بها البلوى منصوصة وكلما كان فى زمان الائمة عليهم‌السلام متداولا ولم يرد النهى عنه فتقريرهم فيه كاف.

(واما الشبهة فى طريق الحكم) فاجتنابها غير ممكن لما اشرنا اليه سابقا من عدم وجود الحلال البين فيها وتكليف ما لا يطاق باطل عقلا ونقلا ووجوب

٢٨٤

فى طريق الحكم بل لو تم لم يتم الا فيه لان وجوب الاجتناب عن الحرام لم يثبت إلّا بدليل حرمة ذلك الشىء او امر وجوب اطاعة الاوامر والنواهى مما ورود به فى الشرع وحكم به العقل فهى كلها تابعة لتحقق الموضوع اعنى الامر والنهى والمفروض الشك فى تحقق النهى وحينئذ فاذا فرض عدم الدليل على الحرمة فاين وجوب ذى المقدمة حتى يثبت وجوبها نعم يمكن ان يقال فى الشبهة فى طريق الحكم بعد ما قام الدليل على حرمة الخمر يثبت وجوب الاجتناب عن جميع افراده الواقعية ولا يحصل العلم بموافقة هذا الامر العام إلّا بالاجتناب عن كل ما احتمل حرمته لكنك عرفت الجواب عنه سابقا وان التكليف بذى المقدمة غير محرز إلّا بالعلم التفصيلى او الاجمالى فالاجتناب عما يحتمل الحرمة احتمالا مجردا عن العلم الاجمالى لا يجب نفسا ولا مقدمة والله العالم.

اجتناب كل ما زاد على قدر الضرورة حرج عظيم وعسر شديد وهو منفى لاستلزامه وجوب الاقتصار فى اليوم والليلة على لقمة واحدة وترك جميع الانتفاعات الا ما استلزم تركه الهلاك والاعتذار بامكان الحمل على الاستحباب لا يفيد شيئا لان تكليف ما لا يطاق باطل بطريق الوجوب والاستحباب كما لو كان صعود الانسان الى السماء واجبا او مستحبا فان كليهما محال من الحكيم انتهى كلامه فى بيان هذا الوجه (ثم) انه اورد الشيخ قدس‌سره على ما افاده الشيخ الحر بقوله ان اكثر الشبهات الموضوعية لا يخلو عن امارات الحل والحرمة كيد المسلم والسوق واصالة الطهارة وقول المدعى بلا معارض والاصول العدمية المجمع عليها عند المجتهدين والاخباريين على ما صرح المحدث الاسترآبادى كما سيجىء نقل كلامه فى الاستصحاب وبالجملة فلا يلزم حرج من الاجتناب فى الموارد الخالية عن هذه الامارات لقلتها.

(ثم قال) الشيخ الحر ومنها ان اجتناب الحرام واجب عقلا ونقلا ولا يتم الاجتناب عن الحرام الواقعى إلّا باجتناب ما يحتمل التحريم مما اشتبه حكمه الشرعى ومن الافراد الغير الظاهرة بالفردية وما لا يتم الواجب الا به وكان مقدورا فهو واجب الى

٢٨٥

غير ذلك من الوجوه وان امكن المناقشة فى بعضها فمجموعها فى مثل ذلك التفصيل دليل كاف شاف فى هذا المقام والله اعلم بحقائق الاحكام انتهى.

(وقد اورد) الشيخ قدس‌سره على هذا الوجه ايضا بقوله ان الدليل المذكور اولى بالدلالة على وجوب الاجتناب عن الشبهة فى طريق الحكم بل لو تم لم يتم الا فيه لان وجوب الاجتناب عن الحرام لم يثبت إلّا بدليل حرمة ذلك الشىء اوامر وجوب اطاعة الاوامر والنواهى مما ورد فى الشرع وحكم به العقل فدليل الحرمة والامر بوجوب الاطاعة كلها تابعة لتحقق الموضوع اعنى الامر والنهى والمفروض الشك فى تحقق النهى.

(فحينئذ) اذا فرض عدم الدليل على الحرمة فاين وجوب ذى المقدمة حتى يثبت وجوبها.

(نعم) يمكن ان يقال بتمامية الدليل المذكور فى شبهة الموضوعية بعد ما قام الدليل مثلا على حرمة الخمر يثبت وجوب الاجتناب عن جميع افراده الواقعية ولا يحصل العلم بموافقة هذا الامر العام إلّا بالاجتناب عن كل ما احتمل حرمته لكنك قد عرفت الجواب عنه فيما تقدم من ان التكليف بذى المقدمة غير محرز إلّا بالعلم التفصيلى او الاجمالى فحينئذ الاجتناب عما يحتمل الحرمة احتمالا مجردا عن العلم الاجمالى لا يجب نفسا ولا مقدمة والله العالم.

٢٨٦

(الثالث) انه لا شك فى حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقا حتى فيما كان هناك امارة على الحل مغنية عن اصالة الاباحة إلّا انه لا ريب فى ان الاحتياط فى الجميع موجب لاختلال النظام كما ذكره المحدث المتقدم ذكره بل يلزم ازيد مما ذكره فلا يجوز الامر به من الحكيم لمنافاته للغرض والتبعيض بحسب الموارد واستحباب الاحتياط حتى يلزم الاختلال ايضا مشكل لان تحديده فى غاية العسر فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات فيحتاط فى المظنونات واما المشكوكات فضلا عن انضمام الموهومات اليها فالاحتياط فيها حرج مخل بالنظام ويدل على هذا العقل بعد ملاحظة حسن الاحتياط مطلقا واستلزام كلية الاختلال ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات فالحرام المحتمل اذا كان من الامور المهمة فى نظر الشارع كالدماء والفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة الى حقوق الله تعالى يحتاط فيه وإلّا فلا.

(اقول) لا اشكال عقلا ونقلا فى رجحان الاحتياط فى جميع اقسام الشبهة التحريمية والوجوبية الحكمية والموضوعية حتى فيما كان هناك امارة على الحل مغنية عن اصالة الاباحة كاليد والسوق وغيرهما من الامارات الشرعية(ولكن) فى استحبابه الشرعى من جهة اوامر الاحتياط اشكال لاحتمال ان تكون الاخبار الواردة فى باب الاحتياط على كثرتها للارشاد الى ما يستقل به العقل من حسن الاحتياط تحرزا عن الوقوع فى المفسدة الواقعية وفوات المصلحة النفس الامرية وحكم العقل برجحان الاحتياط وحسنه انما يكون طريقا الى ذلك لا انه نشأ عن مصلحة فى نفس ترك ما يحتمل الحرمة وفعل ما يحتمل الوجوب بحيث يكون ترك المحتمل وفعله بما انه محتمل ذا مصلحة يحسن استيفائها عقلا.

(نعم) يمكن ان يستفاد استحبابه الشرعى من بعض الاخبار الواردة فى الترغيب على الاحتياط كقوله عليه‌السلام من ارتكب الشبهات نازعته نفسه ان يقع فى المحرمات وقوله (ع) من ترك الشبهات كان لما استبان له من الاثم اترك وقوله (ع) من يرتع حول الحمى او شك ان يقع فيه ونحو ذلك من الاخبار التى يمكن ان يستظهر من

٢٨٧

التعليلات الواردة فيها انها من قبيل الحكمة لتشريع استحباب الاحتياط وعلى كل حال لا شبهة فى حسن الاحتياط فى كل الامور عقلا ونقلا.

(فتبين) مما ذكرنا انه لا ريب فى حسن الاحتياط عقلا وشرعا حتى فيما اذا قامت الامارة على عدم التكليف فى الواقع فان احتمال ثبوت التكليف فى الواقع كاف فى حسن الاحتياط لتدارك المصلحة الواقعية على تقدير وجودها إلّا ان حسنه مقيد بعدم استلزامه اختلال النظام وذلك يختلف باختلاف الاشخاص واختلاف الحالات الطارئة لهم وهذا امر واضح انما المقصود هو الاشارة الى ان كل فرد من افراد الشبهة لا يكون الاحتياط فيه مستلزما لاختلال النظام وانما المستلزم لذلك هو الجمع بين المحتملات والاخذ بالاحتياط فى جميع الشبهات وعليه فالاحتياط فى كل شبهة فى نفسها مع قطع النظر عن الاخرى باق على حسنه ويترتب على ذلك انه على تقدير كون الاحتياط فى جميع الشبهات مستلزما لاختلال النظام لا بأس بالتبعيض فى الاحتياط(وبعبارة اخرى) كون الاحتياط الكلى قبيحا لاستلزامه اختلال النظام لا ينافى حسن التبعيض فيه.

(وللتبعيض طريقان) (الاول) ان يختار الاحتياط فى جميع الشبهات العرضية الى ان ينتهى الامر الى اختلال النظام فيترك الاحتياط رأسا وفى جميع الشبهات (الثانى) ان يختار الاحتياط فى بعض الافراد العرضية دون بعض حتى لا ينتهى الامر الى اختلال النظام ابدا.

(ثم) ان لهذا الطريق الثانى ايضا صورتين (الاولى) ان يحتاط فى الموارد التى كان التكليف المحتمل فيها اهم فى نظر الشارع من التكليف المحتمل فى غيرها كالدماء والفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة الى حقوق الله تعالى (الثانية) ان يحتاط فى الموارد التى كان ثبوت التكليف فيها مظنونا او مشكوكا ويترك الاحتياط فيما كان احتمال التكليف فيه موهوما فان كان ذلك ايضا مخلا بالنظام يكتفى بالاحتياط فى المظنونات فقط.

٢٨٨

(ويدل على هذا) جميع ما ورد من التأكيد فى امر النكاح وانه شديد وانه يكون منه الولد منها ما تقدم من قوله عليه‌السلام لا تجامعوا على النكاح بالشبهة قال عليه‌السلام فاذا بلغك ان امرأة ارضعتك الى ان قال ان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وقد تعارض هذه بما دل على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه وعدم قبول قول من يدعى حرمة المعقودة مطلقا او بشرط عدم كونه ثقة وغير ذلك وفيه ان مساقها التسهيل وعدم وجوب الاحتياط فلا ينافى الاستحباب ويحتمل التبعيض بين موارد الامارة على الاباحة وموارد لا يوجد إلّا اصالة الاباحة فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات والوقوف عند الشبهات على الثانى دون الاول لعدم صدق الشبهة بعد الامارة الشرعية على الاباحة فان الامارات فى الموضوعات بمنزلة الادلة فى الاحكام مزيلة للشبهة خصوصا اذا كان المراد من الشبهة ما يتخير فى حكمه ولا بيان من الشارع لا عموما ولا خصوصا بالنسبة اليه دون مطلق ما فيه الاحتمال وهذا بخلاف اصالة الاباحة فانها حكم فى مورد الشبهة لا مزيلة لها هذا ولكن ادلة الاحتياط لا ينحصر فيما ذكر فيه لفظ الشبهة بل العقل مستقل بحسن الاحتياط مطلقا فالاولى الحكم برجحان الاحتياط فى كل موضع لا يلزم منه الحرام وما ذكر من ان تحديد الاستحباب بصورة لزوم الاختلال عسر فهو انما يقدح فى وجوب الاحتياط لا فى حسنه.

(اقول) يدل على التفصيل المذكور فى الاحتياط من التبعيض الاخبار الدالة على التأكيد فى امر النكاح وانه شديد وانه يكون منه الولد منها ما تقدم من قوله عليه‌السلام لا تجامعوا على النكاح بالشبهة قال عليه‌السلام فاذا بلغك ان امرأة ارضعتك الى ان قال ان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة.

(ولكن) قد تعارض الاخبار المذكورة عدة من الروايات الدالة على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه (منها) رواية عمر بن حنظلة قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انى تزوجت امرأة فسألت عنها فقيل فيها فقال عليه‌السلام وانت لم سألت ايضا ليس عليكم التفتيش

(ومنها) ما فى الوسائل عن محمد بن يعقوب باسناده قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام

٢٨٩

ألقى المرأة بالفلاة التى ليس فيها احد فاقول لها ألك زوج فتقول لا فأتزوجها قال نعم هى المصدقة على نفسها.

(ومنها) رواية سماعة قال سألته عن رجل تزوج جارية او تمتع بها فحدثه رجل ثقة او غير ثقة فقال ان هذه امرأتى وليست لى بينة فقال ان كان ثقة فلا يقربها وان كان غير ثقة فلا يقبل منه.

(ومنها) رواية يونس قال سألته عن رجل تزوج امرأة فى بلد من البلدان فسألها لك زوج فقالت لا فتزوجها ثم ان رجلا اتاه فقال هى امرأتى فانكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج فقال هى امرأته إلّا ان يقيم البينة الى غير ذلك من الاخبار الدالة على عدم وجوب التفتيش.

(وقد اجاب الشيخ قدس‌سره) عن التعارض المذكور بان الروايات الدالة على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه لجهة تسهيل الامر على المكلفين وعدم وجوب الاحتياط فحينئذ لا منافاة بينها وبين استحباب الاحتياط فانه راجح فى كل موضع لا يلزم منه الحرام وقد اشار الى ذلك بقوله ان العقل مستقل بحسن الاحتياط مطلقا فالاولى الحكم برجحان الاحتياط فى كل موضع لا يلزم منه الحرج يعنى البالغ اختلال النظام.

(ويحتمل التبعيض) يعنى فى كل مورد توجد فيه الامارة على حلية شىء من يد او غيرها لم تبق فيه الشبهة حتى توجب الاحتياط بخلاف الموارد التى لا يوجد فيها إلّا اصالة الاباحة فيحمل ما ورد من استحباب الاجتناب عن الشبهات الموضوعية والوقوف عند الشبهات على الثانى دون الاول لعدم صدق الشبهة بعد الامارة الشرعية على الاباحة فان الامارات فى الموضوعات بمنزلة الادلة فى الاحكام مزيلة للشبهة خصوصا اذا كان المراد من الشبهة ما يتحير فى حكمه ولا بيان من الشارع لا عموما ولا خصوصا بالنسبة اليه دون مطلق ما فيه الاحتمال وهذا اى وجود امارة الاباحة بخلاف اصالة الاباحة فانها حكم ظاهرى فى مورد الشبهة لا مزيلة لها هذا.

(قوله ولكن ادلة الاحتياط لا تنحصر الخ) اشارة الى ضعف التبعيض المذكور

٢٩٠

لان جملة من اخبار الاحتياط ليست شاملة للفظ الشبهة حتى يحمل ما ورد من استحباب الاجتناب عن الشبهة على ما لا يوجد إلّا اصالة الاباحة(منها) ما عن أمالي المفيد الثانى ولد الشيخ قدس‌سرهما بسند كالصحيح عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال امير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت (ومنها) ما عن خط الشهيد قده فى حديث طويل عن عنوان البصرى عن ابى عبد الله (ع) يقول فيه سل العلماء ما جهلت واياك ان تسألهم تعنتا وتجربة واياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط فى جميع امورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتياء هربك من الاسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس (ومنها) ما ارسله الشهيد ايضا من قوله (ع) لك ان تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك ومنها ما ارسل ايضا عنهم عليهم‌السلام ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط الى غير ذلك من الاخبار التى ليس فيها لفظ الشبهة فيستفاد منها رجحان الاحتياط مطلقا من دون فرق بين موارد الامارة على الاباحة وموارد لا يوجد فيها إلّا اصالة الاباحة.

٢٩١

(الرابع) اباحة ما يحتمل الحرمة غير مختصة بالعاجز عن الاستعلام بل يشمل القادر على تحصيل العلم بالواقع لعموم ادلته من العقل والنقل وقوله عليه‌السلام فى ذيل رواية مسعدة بن صدقة والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره أو تقوم به البينة فان ظاهره حصول الاستبانة وقيام البينة لا بالتحصيل وقوله هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان لكن هذا واشباهه مثل قوله عليه‌السلام فى اللحم المشترى من السوق كل ولا تسئل وقوله عليه‌السلام ليس عليكم المسألة ان الخوارج ضيّقوا على انفسهم وقوله عليه‌السلام فى حكاية المنقطعة التى تبين لها زوج لم سألت واردة فى موارد وجود الامارة الشرعية على الحلية فلا تشمل ما نحن فيه إلّا ان المسألة غير خلافية مع كفاية الاطلاقات.

(اقول) محصل ما افاده قدس‌سره فى التنبيه الرابع انه لا يشترط فى الرجوع الى اصالة الاباحة فى الشبهة الموضوعية وجوب الفحص عن الامارات التى يمكن الوصول اليها بخلاف الشبهة الحكمية التحريمية فان الرجوع الى اصالة الاباحة فيها مشروط بالفحص.

(ويدل) على ما افاده مضافا الى اطلاق ما دل على الحكم فيها مثل قوله عليه‌السلام كل شىء لك الحلال وقوله كل شىء فيه حلال وحرام الخ جملة من الاخبار الظاهرة فى نفى اشتراط الفحص كقوله عليه‌السلام فى ذيل رواية مسعدة بن صدقة والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره او تقوم به البينة فان ظاهره حصول الاستبانة وقيام البينة لا بالتحصيل وقوله عليه‌السلام هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان.

(لا يقال) ما الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية حيث اتفقوا على عدم جواز العمل بالاصل فى الاولى قبل الفحص بخلاف الثانية فانهم متفقون على جواز العمل به فيها مطلقا.

(فانه يقال) مضافا الى الادلة المذكورة الدالة على عدم وجوب الفحص فى الشبهة الموضوعية انه لو بنى على عدم الفحص فى الاولى يلزم طرح اكثر الاحكام الكلية الواقعية نظرا الى جريان عادة الشرع على التبليغ من جهة الطرق المعهودة

٢٩٢

المتعارفة بخلاف الثانية لعدم انحصار طريق الامتثال فيها فى الفحص فافهم.

(قد يتوهم) لزوم الاحتياط فى الشبهات التحريمية الموضوعية بل وفى الشبهات الوجوبية الموضوعية ايضا بدعوى ان الشارع اذا بين حرمة الخمر مثلا او وجوب قضاء ما فات من الصلاة مثلا فيجب الاجتناب عن كل ما احتمل كونه خمرا او الاتيان بكل ما احتمل فوته من الصلاة من باب المقدمة العلمية.

(وقد اجاب عنه قدس‌سره) بان توهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظرا الى ان الشارع بيّن حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام مدفوع بان النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا او المعلومة اجمالا المتردد بين محصور والاول لا يحتاج الى مقدمة علمية والثانى يتوقف على الاجتناب من اطراف الشبهة لا غيرها واما ما احتمل كونه خمرا من دون علم اجمالى فلم يعلم من النهى تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلى المشتبه حكمه كشرب التتن فى قبح العقاب عليه.

(ونظير هذا التوهم) قد وقع فى الشبهة الوجوبية حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلاة بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدمة العلمية.

(ومحصل الدفع) ان النهى عن الخمر بنحو الكبرى الكلية مما يوجب تنجز حرمة الصغريات المعلومة تفصيلا او اجمالا المترددة بين اطراف محصورة والاجتناب عن الاول مما لا يحتاج الى مقدمة علمية والاجتناب عن الثانى وان كان يحتاج اليها ولكن المقدمة العلمية هى اطراف العلم الاجمالى فقط لا كل ما احتمل كونه خمرا وهكذا الامر فى الامر بقضاء الفوائت حرفا بحرف.

(هذا) تمام الكلام فى الشبهة التحريمية باقسامها الاربعة المذكورة فى المطلب الاول.

٢٩٣

(المطلب الثانى) فى دوران حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة من الاحكام وفيه ايضا مسائل (المسألة الاولى) فيما اشتبه حكمه الشرعى الكلى من جهة عدم النص المعتبر كما اذا ورد خبر ضعيف او فتوى جماعة بوجوب فعل كالدعاء عند رؤية الهلال وكالاستهلال فى رمضان وغير ذلك والمعروف من الاخباريين هنا موافقة المجتهدين فى العمل باصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط قال المحدث الحر العاملى فى باب القضاء من الوسائل انه لا خلاف فى نفى الوجوب عند الشك فى الوجوب إلّا اذا علمنا اشتغال الذمة بعبادة معينة وحصل الشك بين الفردين كالقصر والاتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد او اثنين ونحو ذلك فانه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معا للنص وتحريم الجزم بوجوب احدهما لا بعينه عملا باحاديث الاحتياط انتهى موضع الحاجة وقال المحدث البحرانى فى مقدمات كتابه بعد تقسيم اصل البراءة الى قسمين احدهما انها عبارة عن نفى وجوب فعل وجودى بمعنى ان الاصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب وهذا القسم لا خلاف فى صحة الاستدلال به اذ لم يقل احد ان الاصل الوجوب وقال فى محكى كتابه المسمى بالدرر النجفية ان كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف ولا اشكال فى انتفائه حتى يظهر دليله لاستلزام التكليف به بدون الدليل الحرج والتكليف بما لا يطاق انتهى

(اقول) المطلب الثانى فيما لو دار حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة من الاحكام كالدعاء عند روية الهلال المردد حكمه بين الوجوب والاستحباب وفيه ايضا المسائل الاربع المتقدمة على حذو الشبهة التحريمية.

(والتحقيق) فيها ايضا هو البراءة من غير فرق بين ان يكون منشأ الشك هو فقدان النص او اجماله او تعارض النصين او الامور الخارجية للادلة المتقدمة من مثل حديث الرفع ودليل الحجب وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم الفصل بين المقامين لان كل من قال بالبراءة وعدم وجوب الاحتياط فى المسائل الاربع المذكورة فى المطلب الاول قال بها فى هذه المسألة وان لم يكن الامر بالعكس

٢٩٤

لمصير جماعة من محققى الاخباريين فى الشبهة الوجوبية الى البراءة وفاقا للمجتهدين مع قولهم بالاحتياط فى الشبهة التحريمية الحكمية.

فلا يحتاج الى افرادها بالبحث المستقل واطناب الكلام فيها ولكن الشيخ قدس‌سره قد افرد البحث عن كل واحد منها.

(المسألة الاولى) فيما اذا كان منشأ الشك فى الوجوب فقدان النص والمعروف من الاخباريين هنا موافقة المجتهدين فى جريان البراءة فيه وعدم وجوب الاحتياط سواء كان طرف احتمال الوجوب الاستحباب او الاباحة او الكراهة للادلة المتقدمة فى الشبهة التحريمية فان تلك الادلة تعم الشبهات الوجوبية ايضا ما عدا بعض منها.

(وممن صرح) باتفاق الفريقين على العمل بالبراءة هنا المحدث الحر العاملى فى الوسائل والفصول المهمة فانه قال فى باب القضاء من الوسائل انه لا خلاف فى نفى الوجوب عند الشك فى الوجوب إلّا اذا علمنا اشتغال الذمة بعبادة معينة وحصل الشك بين الفردين كالقصر والاتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد او اثنين ونحو ذلك فانه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معا للنص وتحريم الجزم بوجوب احدهما لا بعينه عملا باحاديث الاحتياط.

(قوله كالقصر والاتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد او اثنين) تمثيله بالامثلة الثلاثة للاشارة الى ان حصول الفردية للكلى على اقسام احدها ان يكون باعتبار الكلى النوعى كما فى القصر والاتمام فانهما فردان من صلاة الظهر الذى هو نوع من الصلاة وثانيهما ان يكون حصول الفردية للكلى باعتبار الكلى الجنسى كالظهر والجمعة فان القدر المشترك بينهما هو الصلاة المطلق الشامل لكل من نوعى الظهر والجمعة وثالثها انه قد يكون حصول الفردية للكلى باعتباران الفردين للكلى فردين حقيقيين تارة كما فى المثالين الاولين واخرى بانهما فردان له بالاعتبار كما فى المثال الثالث فان الجزاء بوصف الوحدة مباين للجزاء بوصف التعدد.

٢٩٥

(ولا يخفى) ان المثال الثالث لا يناسب المقام لانه من قبيل الاقل والاكثر الاستقلاليين فيرجع الشك بالنسبة الى الزائد الى الشك البدوى كالشك فى اشتغال الذمة بالدرهم او الدرهمين.

(قوله تحريم الجزم بوجوب احدهما الخ) يعنى يحرم البناء على وجوب احدهما لا بعينه دون كليهما فى الظاهر من جهة اصل البراءة ولكن المعروف عند الاصوليين هو البناء على وجوب الكل فى الظاهر فى مثل مسئلة الظهر والجمعة والقصر والاتمام لكونها من الشبهة المحصورة الوجوبية التى حكموا بوجوب الاتيان بالكل فيها لاجل قاعدة الاشتغال والاحتياط.

(قوله وقال المحدث البحرانى الخ) اقول قال فى المقدمة الثالثة من كتابه الحدائق اعلم ان البراءة الاصلية على قسمين احدهما انها عبارة عن نفى الوجوب فى فعل وجودى الى ان يثبت دليله بمعنى ان الاصل عدم الوجوب حتى يثبت دليله وهذا القسم مما لا خلاف ولا اشكال فى صحة الاستدلال به والعمل عليه اذ لم يذهب احد الى ان الاصل الوجوب لاستلزام ذلك تكليف ما لا يطاق وللاخبار الدالة على ان ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم والناس فى سعة ما لا يعلمون او رفع القلم عن تسعة اشياء وعد منها ما لا يعلمون.

(وثانيهما) انه عبارة عن نفى التحريم فى فعل وجودى الى ان يثبت دليله بمعنى ان الاصل الاباحة وعدم التحريم فى ذلك الفعل الى ان يثبت دليل تحريمه وهذه هى البراءة الاصلية التى وقع النزاع فيها نفيا واثباتا فالعامة كملا واكثر اصحابنا على القول بها والتمسك فى نفى الاحكام بها حتى طرحوا فى مقابلتها الاخبار الضعيفة باصطلاحهم بل الاخبار الموثقة كما لا يخفى على من طالع كتبهم الاستدلالية كالمسالك والمدارك ونحوهما فالاشياء عندهم اما حلال او حرام خاصة وجملة علمائنا المحدثين وطائفة من الاصوليين على وجوب التوقف والاحتياط فالاشياء عندهم مبنية على التثليث حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك انتهى محل

٢٩٦

الحاجة من كلامه.

(وقال فى محكى كتابه) المسمى بالدرر النجفية ان كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف ولا اشكال فى انتفائه حتى يظهر دليله لاستلزام التكليف به بدون الدليل الحرج والتكليف بما لا يطاق انتهى قال بعض المحشين لو قلنا بان التكليف بالوجوب بدون الدليل يستلزم الحرج والتكليف بما لا يطاق قلنا جريانه فى الشبهة التحريمية ايضا حرفا بحرف وتوهم عدم لزوم الحرج فى التروك واختصاصه بالافعال فاسد انتهى.

٢٩٧

(لكنه قده) فى مسئلة وجوب الاحتياط قال بعد القطع برجحان الاحتياط ان منه ما يكون واجبا ومنه ما يكون مستحبا فالاول كما اذا تردد المكلف فى الحكم اما لتعارض الادلة او لتشابهها وعدم وضوح دلالتها او لعدم الدليل بالكلية بناء على نفى البراءة الاصلية او لكون ذلك الفرد مشكوكا فى اندراجه تحت بعض الكليات المعلومة الحكم او نحو ذلك والثانى كما اذا حصل الشك باحتمال وجود النقيض لما قام عليه الدليل الشرعى احتمالا مستندا الى بعض الاسباب المجوزة كما اذا كان مقتضى الدليل الشرعى اباحة شىء وحليته لكن يحتمل قريبا بسبب بعض ذلك الاسباب انه مما حرمه الشارع وان لم يعلم به المكلف ومنه جوائز الجائر ونكاح امرأة بلغك انها ارضعتك او ارتضعت معك الرضاع المحرّم إلّا انه لم يثبت ذلك شرعا ومنه ايضا الدليل المرجوح فى نظر الفقيه اما اذا لم يحصل ما يوجب الشك والريبة فانه يعمل على ما ظهر له من الادلة وان احتمل النقيض باعتبار الواقع ولا يستحب له الاحتياط هنا بل ربما كان مرجوحا لاستفاضة الاخبار بالنهى عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين ثم ذكر الامثلة للاقسام الثلاثة لوجوب الاحتياط اعنى اشتباه الدليل وتردّده بين الوجوب والاستحباب وتعارض الدليلين وعدم النص قال ومن هذا القسم ما لم يرد فيه نص من الاحكام التى لا يعم به البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الاصلية فان الحكم فيه ما ذكرنا كما سلف انتهى.

(اقول) قال صاحب الحدائق فى المقدمة الرابعة فى مسئلة وجوب الاحتياط ان التحقيق فى المقام على ما ادّى اليه النظر القاصر من اخبار اهل الذكر عليهم‌السلام هو ان يقال لا ريب فى رجحان الاحتياط شرعا واستفاضة الامر به كما سيمر بك شطر من اخباره وهو عبارة عما يخرج به المكلف من عهدة التكليف على جميع الاحتمالات ومنه ما يكون واجبا ومنه ما يكون مستحبا.

(فالاول) كما اذا تردد المكلف فى الحكم اما لتعارض ادلته او لتشابهها وعدم وضوح دلالتها او لعدم الدليل بالكلية بناء على نفى البراءة الاصلية او لكون

٢٩٨

ذلك الفرد مشكوكا فى اندراجه تحت بعض الكليات المعلومة الحكم او نحو ذلك.

(والثانى) كما اذا حصل الشك باحتمال وجود النقيض لما قام عليه الدليل الشرعى احتمالا مستندا الى بعض الاسباب المجوزة كما اذا كان مقتضى الدليل الشرعى اباحة شىء وحليته لكن يحتمل قريبا بسبب بعض تلك الاسباب انه مما حرّمه الشارع وان لم يعلم به المكلف ومنه جوائز الجائر ونكاح امرأة بلغك انها ارضعت معك الرضاع المحرم إلّا انه لم يثبت ذلك شرعا ومنه ايضا الدليل المرجوح فى نظر الفقيه (اما) اذا لم يحصل له ما يوجب الشك والريبة فى ذلك فانه يعمل على ما ظهر له من الدليل وان احتمل النقيض باعتبار الواقع ولا يستحب له احتياط هنا بل ربما كان مرجوحا لاستفاضة الاخبار بالنهى عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين ما يحتمل تطرق احتمال النجاسة او الحرمة اليه كاخبار الجبن واخبار الفراء جريا على مقتضى سعة الحنيفية كما اشار اليه فى صحيحة البزنطى الواردة فى السؤال عن شراء جبة فراء لا يدرى أذكية هى ام غير ذكية ليصلى فيها حيث قال عليه‌السلام ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول ان الخوارج ضيّقوا على انفسهم بجهالتهم وان الدين اوسع من ذلك.

(ثم قال ره) ومن الاحتياط الواجب فى الحكم الشرعى المتعلق بالفعل ما اذا اشتبه الحكم من الدليل بان تردد بين احتمالى الوجوب والاستحباب فالواجب التوقف فى الحكم والاحتياط بالاتيان بذلك الفعل ومن يعتمد على اصالة البراءة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب الى ان قال :

ومن هذا القسم ايضا ما تعارضت فيه الاخبار على وجه يتعذر الترجيح بينها بالمرجحات المنصوصة فان مقتضى الاحتياط التوقف عن الحكم ووجوب الاتيان بالفعل متى كان مقتضى الاحتياط ذلك الى ان قال :

ومن هذا القسم ايضا ما لم يرد فيه نص من الاحكام التى لا تعم بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الاصلية فان الحكم فيه ما ذكر كما سلف بيانه فى مسئلة البراءة الاصلية انتهى كلام الحدائق فى مسئلة وجوب الاحتياط فى بعض الموارد فى

٢٩٩

المسألة الاولى.

(وكيف كان) يظهر من المعارج القول بالاحتياط فى المقام عن جماعة حيث قال العمل بالاحتياط غير لازم وصار آخرون الى لزومه وفصل آخرون انتهى وحكى عن المعالم نسبته الى جماعة قال الشيخ قدس‌سره فالظاهر ان المسألة خلافية لكن لم يعرف القائل به بعينه وان كان يظهر من الشيخ والسيدين التمسك به احيانا لكن يعلم مذهبهم من اكثر المسائل والاقوى عنده كما هو الاظهر جريان اصالة البراءة فيه للادلة الاربعة المتقدمة مضافا الى الاجماع المركب اذ كل من قال بالبراءة فى الشبهة التحريمية قال بها فى الشبهة الوجوبية ايضا وان لم يثبت العكس اذ لم يقل كل من قال بوجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية بوجوبه فى الشبهة الوجوبية بل تقدم من بعض المحدثين نفى الخلاف فى التمسك باصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة الوجوبية.

٣٠٠