درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

العرفى يقتضى رفع اليد عن ظهور الامر فى الوجوب بسبب النص وحمله على الرجحان الجامع بين الوجوب والندب ولكن هذا الوجه لا يجرى بالنسبة الى اخبار التوقف لان العلة المذكورة فيها وهى الوقوع فى الهلكة تجعلها نصا فى عدم جواز الاقتحام فتأمل.

١٨١

(الرابعة) التثليث المروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصى (ع) وبعض الائمة صلوات الله عليهم اجمعين ففى مقبولة ابن حنظلة الواردة فى الخبرين المتعارضين بعد الامر بأخذ المشهور منهما وترك الشاذ النادر معللا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فان المجمع عليه لا ريب فيه وقوله (ع) انما الامور ثلاثة امر بيّن رشده فيتبع وامر بيّن غيّه فيجتنب وامر مشكل يردّ حكمه الى الله ورسوله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ الشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم وجه الدلالة ان الامام (ع) اوجب طرح الشاذ معللا بأن المجمع عليه لا ريب فيه والمراد ان الشاذ فيه ريب لا ان الشهرة تجعل الشاذ مما لا ريب فى بطلانه وإلّا لم  يكن معنى لتأخير الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالاعدلية والأصدقيّة والاورعية ولا لفرض الراوى الشهرة فى كلا الخبرين ولا لتثليث الامور ثم الاستشهاد بتثليث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(اقول) الطائفة الرابعة من الروايات التى استدل الاخباريون على الاحتياط فى الشبهة التحريمية اخبار التثليث وهو ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم الى عمر ابن حنظلة وقد نقلناه بطوله فيما سبق (ومورد الاستشهاد) قوله (ع) فى ذيله انما الامور ثلاثة امر بيّن رشده فيتبع وامر بيّن غيّه فيجتنب وامر مشكل يردّ حكمه الى الله تعالى ورسوله قال (ص) حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

(تقريب الاستدلال) بها هو انه لا اشكال فى دلالة استدلال الامام (ع) بالنبوى صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب ترك الشاذ من حيث وجود ريب فيه لا يوجد فى مقابله وهو المشهور رواية ومقتضى عموم العلة هو وجوب ترك كل ما كان فيه الريب والشك.

(ومنه) ما هو المبحوث عنه من الشبهات التحريمية بل مورد الرواية مختص بما كان الشك فيه لاجل احتمال الحرمة كما يظهر من قوله (ص) حلال بيّن وحرام

١٨٢

بيّن وشبهات بين ذلك اى بين الحلال والحرام فدلالة اخبار التثليث على وجوب التحرز عن الشبهات التحريمية وحرمة الاقتحام فيها اوضح من الاخبار السابقة.

(فتبين) مما ذكر ان المراد بالمجمع عليه فى كلام الامام (ع) هو المشهور رواية المقابل للشاذ النادر والمقصود اثبات رجحان للمشهور بالنسبة الى الشاذ النادر مع اثبات ريب فيه فى الجملة لا نفى الريب عنه رأسا فيكون الشاذ من المشكل فى التثليث الامامى لا بيّن الغىّ.

(قوله وإلّا لم يكن معنى لتاخير الترجيح الخ) حاصله لا تجعل الشهرة الشاذ مما لا ريب فى بطلانه وإلّا لم يكن معنى لتأخير الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالاعدلية والأصدقيّة والاورعية حيث لا يعقل ملاحظة الترجيح بين ما لا ريب فى صحته وما لا ريب فى بطلانه وهكذا الثانى اذ لا يمكن فرض الراوى الشهرة فى كلا الخبرين لانها توجب اتصاف كل واحد منهما بنفى الريب عن صحته وبطلانه فانها فى كل موجبة صحته وبطلان معارضه حسب الفرض فكيف يصح فرضها فيهما وكذا الثالث اى لا معنى لتثليث الامور لان احد الخبرين على الفرض يكون بيّن الرشد والآخر بيّن الغى ولا مشكل فى البين فيحتاج فى بيان حكمه الى تثليث الامور والاستشهاد بتثليث النبى (ص).

١٨٣

(والحاصل) ان الناظر فى الرواية يقطع بأن الشاذ مما فيه الريب فيجب طرحه وهو الامر المشكل الذى أوجب الامام رده الى الله ورسوله فيعلم من ذلك كله ان الاستشهاد بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى التثليث لا يستقيم إلّا مع وجوب الاحتياط والاجتناب عن الشبهات مضافا الى دلالة قوله نجى عن المحرمات بناء على ان تخليص النفس من المحرمات واجب وقوله عليه‌السلام وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم ودون هذا النبوى فى الظهور النبوى المروى عن ابى عبد الله (ع) فى كلام طويل وقد تقدم فى اخبار التوقف وكذا مرسلة الصدوق عن امير المؤمنين (ع).

(اقول) حاصل الاستدلال باخبار التثليث على الاحتياط فى الشبهة التحريمية ان من نظر اليها يقطع بان الشاذ النادر مما فيه الريب فى الجملة لا نفى الريب عنه رأسا فيكون الشاذ من الامر المشكل فى التثليث الامامى الذى يردّ علمه الى الله ورسوله لا بيّن الغى.

(فلو كان) الشاذ داخلا فى بيّن الغى والحرام البيّن كما زعمه صاحب الفصول على ما حكى عنه كان اللازم ذكر القسمين من الثلاثة بيّن الرشد وبيّن الغىّ فى كلام الامام (ع) وحلال بيّن وحرام بيّن فى كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيعلم من ذلك كله ان الاستشهاد بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى التثليث لا يستقيم إلّا مع وجوب الاحتياط والاجتناب عن الشبهات مضافا الى دلالة قوله نجى عن المحرمات بناء على ان تخليص النفس من المحرمات واجب وقوله (ع) وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

(ودون هذا النبوى) فى الظهور ما رواه جميل بن صالح عن الصادق (ع) عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله (ص) فى كلام طويل الامور ثلاثة أمر تبيّن لك رشده فاتبعه وأمر تبيّن لك غيّه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده الى الله عزوجل وكذا مرسلة الصدوق عن أمير المؤمنين انه خطب وقال حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك والمعاصى حمى

١٨٤

الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.

(ولا يخفى) انه لا يبعد ان يكون الوجه فى كون خبر جميل ومرسلة الصدوق دون النبوى الاول فى الظهور عدم ورودهما فى مقام الاستشهاد لوجوب ترك الخبر الشاذ النادر كالنبوى الاول فتأمل.

١٨٥

(والجواب عنه) ما ذكرنا سابقا من ان الامر بالاجتناب عن الشبهة ارشادى للتحرز عن المضرة المحتملة فيها فقد يكون المضرة عقابا وحينئذ فالاجتناب لازم وقد يكون مضرة أخرى فلا عقاب على ارتكابها على تقدير الوقوع فى الهلكة كالمشتبه بالحرام حيث لا يحتمل فيه الوقوع فى العقاب على تقدير الحرمة اتفاقا لقبح العقاب على الحكم الواقعى المجهول باعتراف الاخباريين ايضا كما تقدم واذا تبيّن لك ان المقصود من الامر بطرح الشبهات ليس خصوص الالزام فيكفى حينئذ فى مناسبة ذكر كلام النبوى المسوق للارشاد انه اذا كان الاجتناب عن المشتبه بالحرام راجحا تفصيا عن الوقوع فى مفسدة الحرام فكذلك طرح الخبر الشاذ واجب لوجوب التحرى عند تعارض الخبرين فى تحصيل ما هو أبعد من الريب وأقرب الى الحق اذ لو قصر فى ذلك وأخذ بالخبر الذى فيه الريب احتمل أن يكون قد أخذ بغير ما هو الحجة له فيكون الحكم به حكما من غير الطرق المنصوبة من الشارع فتأمل.

(واما الجواب) عن اخبار التثليث فهو ما ذكره قدس‌سره فيما سبق عن اخبار التوقف والاحتياط من ان الامر بالاجتناب عن الشبهة لا يصلح إلّا للارشاد من قبيل أوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع فى المضار ولا يمكن ان يكون أمرا مولويا يستتبع العقاب فحينئذ.

(ان كان الهلاك المحتمل) فى ارتكاب الشبهة من قبيل العقاب الاخروى كما لو كان التكليف متحققا فعلا فى موارد الشبهة كما فى الشبهة المحصورة أو كان المكلف قادرا على الفحص وازالة الشبهة بالرجوع الى الامام (ع) أو الطرق المنصوبة فاجتناب الشبهة فى هذه الموارد يكون لازما عقلا وشرعا.

(وان كان الهلاك المحتمل) مفسدة غير العقاب سواء كانت دينية كصيرورة المكلف بارتكاب الشبهة أقرب الى ارتكاب المعصية كما دلّ عليه غير واحد من الاخبار أم دنيوية كالاحتراز عن أموال الظلمة فان فى ارتكابها ضررا دنيويا وهو الذلة والقسوة فبمجرد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا لقبح

١٨٦

العقاب على الحكم الواقعى المجهول باعتراف الاخباريين ايضا كما تقدم.

(واذا تبين لك) ان المقصود من الامر بطرح الشبهات ليس خصوص الطلب الالزامى فيكفى حينئذ فى مناسبة ذكر كلام النبوى (ص) المسوق للارشاد انه اذا كان الاجتناب عن المشتبه بالحرام فى الشبهات التكليفية راجحا تفصيا عن الوقوع فى مفسدة الحرام فلا بد أن يكون الاجتناب عن الشاذ واجبا عند تعارضه مع المشهور لان الشك فى طريق الحكم ولا بد فيه من الاحتياط ولو قلنا بالبراءة فى الشبهة التكليفية لان الاخذ بالخبر المشهور يكون مبرءا للذمة بيقين ولو فى مرحلة الظاهر بخلاف الاخذ بالشاذ وبعبارة اخرى يكون المشهور متيقن الحجية والشاذ مشكوك الحجية فلا بد من أن يبنى على عدمها من جهة الاصل.

(قوله فتامل) لعل وجه الامر بالتامل على ما قيل اشارة الى أن ما ذكر من التوجيه لذكر كلام النبوى فى كلام الامام (ع) انما يتم على تقدير كون الامام (ع) فى مقام بيان المناسبة وهو خلاف ظاهر الرواية حيث ان الظاهر منها كونه (ع) فى مقام الاستشهاد.

١٨٧

(ويؤيد ما ذكرنا) من ان النبوى ليس واردا فى مقام الالزام بترك الشبهات أمور (احدها) عموم الشبهات للشبهة الموضوعية التحريمية التى اعترف الاخباريون بعدم وجوب الاجتناب عنها وتخصيصه بالشبهة الحكمية مع انه اخراج لاكثر الافراد مناف للسياق فان سياق الرواية آب عن التخصيص لانه ظاهر فى الحصر وليس الشبهة الموضوعية من الحلال البيّن ولو بنى على كونها منه لاجل أدلة جواز ارتكابها قلنا بمثله فى الشبهة الحكمية (الثانى) انه (ص) رتب على ارتكاب الشبهات الوقوع فى الحرام والهلاك من حيث لا يعلم والمراد منها جنس الشبهة لانه فى مقام بيان ما تردد بين الحرام والحلال لا فى مقام التحذير عن ارتكاب المجموع مع انه ينافى استشهاد الامام (ع) ومن المعلوم ان ارتكاب جنس الشبهة لا يوجب الوقوع فى الحرام ولا الهلاك من حيث لا يعلم إلّا على مجاز المشارفة كما يدل عليه بعض ما مضى وما يأتى من الاخبار فالاستدلال موقوف على اثبات كبرى وهى ان الاشراف على الوقوع فى الحرام والهلاك من حيث لا يعلم محرم من دون سبق علم به أصلا.

(اقول) انه قدس‌سره قد أفاد فيما تقدم ان المقصود من الامر بطرح الشبهات ليس خصوص الطلب الالزامى بل المقصود من النبوى هو الارشاد من قبيل أوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع فى المضار.

(ويؤيده) امور(احدها) عموم الشبهات فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشبهات بين ذلك الخ للشبهة الموضوعية التحريمية التى اعترف الاخباريون بعدم وجوب الاجتناب عنها كما اذا شك فى حرمة شرب مائع واباحته للتردد فى انه خل او خمر والظاهر عدم الخلاف فى ان مقتضى الاصل فيه الاباحة(لا يقال) انه يمكن تخصيص النبوى بالشبهة الحكمية(فانه يقال) هذا مع انه اخراج لاكثر الافراد باخراج الشبهات الموضوعية التحريمية مناف لسياق الرواية فان سياقها آب عن التخصيص لانها ظاهرة فى الحصر حيث قال انما الامور ثلاثة وليس الشبهة الموضوعية التحريمية من الحرام البيّن ولا من الحلال البيّن ولو بنى على كون الشبهة الموضوعية من الحلال البيّن

١٨٨

على ما زعمه الشيخ الحر فى بعض كلماته لاجل ادلة جواز ارتكابها قلنا بمثله فى الشبهة الحكمية لادلة البراءة.

(قال بعض المحشين) انما يلزم تخصيص اكثر الافراد اذا كان المخرج افراد الشبهة لا نوعها. ولكن يمكن فى المقام ان يلاحظ نوع الشبهة وان كان افراده كثيرة فحينئذ لا يلزم تخصيص الاكثر والشيخ قدس‌سره على ما تعرض له بعض المحشين كان مبناه فى مباحث التخصيص على ملاحظة النوع فعلى هذا لا يرد الاشكال على مذاقه لا يقال ان الشبهة الوجوبية خارجة ايضا فيلزم تخصيص الاكثر وان لوحظ النوع لان الشبهة الوجوبية ليست داخلة فى هذا الخبر ونظائره كما يرشد الى ذلك سياقها فخروجها من قبيل التخصص لا التخصيص.

(قيل) ان اخراج الاكثر انما يقبح اذا لم يكن بيان الحكم بالنسبة الى الفرد الباقى محلا لاهتمام المتكلم وإلّا فلا قبح فيه وما نحن فيه من هذا القبيل فاذا قال المولى اكرم العلماء واخرج جميع الطوائف سوى الفقهاء اهتماما بشأنهم فهو مما لا قبح فيه لان الباقى وان كان قليلا بحسب الكم لكنه كثير بحسب الكيف كيف وهم من اولى الشرف وهذا النحو من التأدية يوجب تجليلهم.

(الثانى) من الامور التى تؤيّد ان النبوى ليس واردا فى مقام الالزام بترك الشبهات انه صلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب على ارتكاب الشبهات الوقوع فى الحرام والهلاك من حيث لا يعلم.

(توضيح هذا الامر الثانى) يحتاج الى بيان بعض اقسام العام فنقول ان له اقساما ثلاثة وهى الاستغراقى والمجموعى والبدلى والظاهر ان انقسامه الى الاقسام الثلاثة انما يكون باعتبار الحكم لا بلحاظ نفس العام نظير الوصف باعتبار المتعلق وذلك لان العام فى جميع الاقسام بمعنى واحد وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح لان ينطبق عليه ومن المعلوم ان هذا المعنى موجود فى الثلاثة بوزان واحد من دون تفاوت فى نفسه.

(غاية الامر) ان تعلق الحكم بالعموم تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على

١٨٩

حدة للحكم وهذا القسم يسمى بالعام الاستغراقى واخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا بحيث لو اخلّ باكرام واحد فى اكرم كل فقيه مثلا لما امتثل اصلا بخلاف الصورة الاولى فانه اطاع وعصى الاطاعة بالنسبة الى الفرد الذى اتى به والعصيان بالنسبة الى ترك الفرد الآخر وهذا القسم يسمى بالعام المجموعى وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل بحيث لو اكرم واحدا منهم لقد اطاع وامتثل وهذا القسم الثالث يسمى بالعام البدلى ولكن الظاهر ان العموم البدلى ليس من اقسام العموم وانما هو اطلاق فى الحقيقة يعبر عنه احيانا بالعموم البدلى كما انه قد يعبر عن العموم بالاطلاق الشمولى.

(فقد تبين) ان لازم العام الاستغراقى حصول الاطاعة بفعل واحد والعصيان بترك الآخر ولازم العام المجموعى حصول الاطاعة بفعل الجميع والعصيان بترك واحد ولازم العام البدلى حصول الاطاعة بفعل واحد من الافراد والعصيان بترك الجميع.

(والغرض) من بيان انقسام العام الى الاقسام الثلاثة المعروفة الاشارة الى ان المواد من الشبهات فى كلام النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس الاستغراق لا المجموعى ولا الافرادى بل المراد هو الجنس المفرد الصادق على القليل والكثير كقولهم فلان يركب الخيل والشاهد عليه مضافا الى ما فى المتن من الوجهين عدم امكان تحقق ارتكاب جميع الشبهات بحسب العادة فطلب الشارع الاجتناب عن جميع الشبهات ولو ارشادا يكون لغوا اذ ترك جميع الشبهات حاصل لكل مكلف وطلبه تحصيل للحاصل.

(ومن المعلوم) ان ارتكاب جنس الشبهة لا يوجب الوقوع فى الحرام ولا الهلاك من حيث لا يعلم إلّا على مجاز المشارفة بمعنى انه كان فى شرف ان يقع فى المحرمات ويئول الامر بالاخرة الى الارتكاب بها كما يدل عليه قول امير المؤمنين عليه‌السلام والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها فالاستدلال بالنبوى موقوف على اثبات كبرى وهى ان الاشراف على الوقوع فى الحرام والهلاك من حيث لا يعلم حرام وهذا بمحل المنع لانه اول الكلام فى الشبهة البدوية.

١٩٠

(الثالث) الاخبار الكثيرة المساوقة لهذا الخبر الشريف الظاهرة فى الاستحباب بقرائن مذكورة فيها منها قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى رواية النعمان وقد تقدم فى اخبار التوقف ومنها قول امير المؤمنين عليه‌السلام فى مرسلة الصدوق انه خطب وقال حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها ومنها رواية ابى جعفر الباقر عليه‌السلام قال قال جدى رسول الله فى حديث يأمر بترك الشبهات بين الحلال والحرام من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه الى ان يرعيها فى الحمى الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه فاتقوا حمى الله ومحارمه ومنها ما ورد من ان فى حلال الدنيا حسابا وفى حرامها عقابا وفى الشبهات عتابا ومنها رواية فضيل بن عياض قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام من الورع من الناس قال الذى يتورع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء فاذا لم يتق الشبهات وقع فى الحرام وهو لا يعرفه.

(الامر الثالث) من الامور التى تؤيد ان النبوى ليس واردا فى مقام الطلب الالزامى بترك الشبهات الاخبار الكثيرة المساوقة لخبر التثليث المروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصى وبعض الائمة عليهم‌السلام وكلها ظاهرة فى الاستحباب بقرائن مذكورة فيها.

(منها) رواية نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لكل ملك حمى وحمى الله حلاله وحرامه او المشتبهات بين ذلك لو ان راعيا رعى الى جانب الحمى لم يثبت غنمه ان يقع فى وسطه فدعوا المشتبهات.

(ومنها) قول امير المؤمنين عليه‌السلام فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك اقول فى هذه العبارة اشعار بان الغرض من الاحتياط فى الشبهات ليس إلّا كونه وسيلة للاجتناب عن المحرمات المعلومة فلا يكون الامر به الا للاستحباب.

(ومنها) رواية ابى جعفر الباقر عليه‌السلام قال قال جدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ايها الناس حلالى حلال الى يوم القيمة وحرامى حرام الى يوم القيمة الا وقد بيّنهما الله تعالى فى

١٩١

الكتاب وبينتهما لكم فى سنتى وسيرتى وبيّنهما شبهات من الشيطان ويدع بعدى من تركها صلح له امر دينه وصلحت له مروته وعرضه ومن تلبس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قريب الحمى نازعته نفسه الى ان يرعاها فى الحمى الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله عزوجل محارمه فاتقوا حمى الله ومحارمه.

(قوله وفى الشبهات عتابا) بمعنى ان فى الارتكاب اليها ملامة قال بعض الاعلام ان العتاب ليس بمعنى الملامة لكن يثبت به مراد الشيخ قدس‌سره بل هو قسم خاص من العقاب وجعله مقابلا للعقاب لا يدل على التغاير لان الخاص اذا قوبل بالعام يدل على ان المراد به غير هذا الخاص كما فى مقابلة الحيوان للانسان انتهى فتامل.

(قوله ويجتنب هؤلاء) قيل المشار اليه اموال الظلمة من بنى امية وبنى العباس ولم يصرح باسمهم تقية او مطلق الاموال المشتبهة او معاشرة الناس من جهة عدم مبالاتهم بالنجاسة ومعاشرتهم اليهود والنصارى وعلى اىّ تقدير فرواية ابن عياض ايضا ظاهرة فى الاستحباب.

١٩٢

(واما العقل) فتقريره بوجهين احدهما انا نعلم قبل مراجعة لادلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه لليقين بالاجتناب او اليقين بعدم العقاب لان الاشتغال اليقينى يستدعى البراءة اليقينية باتفاق المجتهدين والاخباريين وبعد مراجعة الادلة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرمات الواقعية فلا بد من اجتناب كل ما احتمل ان يكون منها اذا لم يكن هنا دليل شرعى يدل على حليته اذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على تقدير حرمته واقعا (فان قلت) بعد مراجعة الادلة نعلم تفصيلا بحرمة امور كثيرة ولا نعلم اجمالا بوجود ما عداها فالاشتغال بما عدا المعلوم بالتفصيل غير متيقن حتى تجب الاحتياط وبعبارة اخرى العلم الاجمالى قبل الرجوع الى الادلة واما بعده فليس هنا علم اجمالى.

(اقول) الدليل الثالث الذى استدل به الاخبارى على وجوب الاحتياط فى الشبهات التحريمية هو حكم العقل وتقريره على ما افاده الشيخ قدس‌سره بوجهين (احدهما) العلم الاجمالى بثبوت محرمات فى الشريعة وهذا العلم الاجمالى حاصل لدى كل احد قبل مراجعة ادلة الاحكام ولا اشكال فى استقلال العقل بان الاشتغال اليقينى يستدعى البراءة اليقينية فلا بد من ترك كل ما يحتمل الحرمة ليحصل اليقين بالفراغ ولا يجوز الاكتفاء على ترك ما علم حرمته لان ذلك لا يوجب حصول العلم بالفراغ.

(نعم) يرد عليهم مضافا الى ما يأتى من انحلال العلم الاجمالى النقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية فانا كما نعلم اجمالا قبل مراجعة الادلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين فكذلك نعلم اجمالا قبل مراجعة الادلة الشرعية بوجود واجبات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه الخروج عن عهدة فعلها على وجه اليقين فان العلم الاجمالى لو كان مانعا عن الرجوع الى البراءة فى الشبهات الحكمية

١٩٣

التحريمية كان مانعا عن الرجوع اليها فيها ايضا مع ان الاخبارى لا يقولون بوجوب الاحتياط فى الشبهات الوجوبية إلا جماعة منهم.

(قوله يجب بمقتضى قوله تعالى (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الخ) قد اورد بعض المحققين على الاستدلال بالآية فى المقام بانها لا تنهض لافادة وجوب الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة اجمالا الا عن بعض الوجوه المحتملة فيها وهو ان يكون امره تعالى بقوله فانتهوا الخ نفسيا بان يكون اتباع قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلوبا ذاتيا له تعالى فتدل على ان المحرمات المعلومة واجبة الاجتناب لكونها مما نهى عنها النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن لا يبعد ان يكون ظاهرها انه للارشاد من قبيل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) نظرا الى ان نواهى الرسول هى نواهيه تعالى ومعه لا دلالة لها على وجوب الخروج عن العهدة لتبعية الامر الارشادى لما يرشد اليه فى الوجوب وعدمه وكذا لا دلالة لها لو كان طريقيا كما يحتمل بعيدا ان يكون غرضه تعالى جعل نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة وطريقا الى نواهيه تعالى فان الآية على هذا لا تزيد على ما هو قضية نفس العلم اجمالا بنواهيه تعالى فانها بعد العلم بها منجزة يجب الخروج عن عهدتها عقلا ومن هنا انقدح عدم الحاجة اليها فى اثبات ذلك على الوجه الاول الا على وجه التأكيد والتأييد انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله فان قلت الخ) حاصل الاشكال هو المنع من بقاء الاجمالى المذكور بعد الاطلاع على محرمات كثيرة من الادلة الشرعية يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها فيخرج المشكوكات بالملاحظة المذكورة عن اطراف العلم الاجمالى فلا يتم الدليل المذكور حيث ان الاختلاف بين الاصوليين والاخباريين فى الشبهة الحكمية التحريمية كان بعد الفحص عن الدليل واما قبل الفحص عنه فلم يقل احد بعدم وجوب الاحتياط والرجوع الى البراءة.

١٩٤

(قلت) ان اريد من الادلة ما يوجب العلم بالحكم الواقعى الاولى فكل مراجع فى الفقه يعلم ان ذلك غير ميسر لان الاخبار لو فرض قطعيا لكن دلالتها ظنية وان اريد منها ما يعم الدليل الظنى المعتبر من الشارع فمراجعتها لا توجب اليقين بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم اجمالا اذ ليس معنى اعتبار الدليل الظنى الا وجوب الاخذ بمضمونه فان كان تحريما صار ذلك كانه احد المحرمات الواقعية وان كان تحليلا كان اللازم منه عدم العقاب على فعله وان كان فى الواقع من المحرمات وهذا المعنى لا يوجب انحصار المحرمات الواقعية فى مضامين تلك الادلة حتى يحصل العلم بالبراءة بموافقتها بل ولا يحصل الظن بالبراءة عن جميع المحرمات المعلومة اجمالا وليس الظن التفصيلى بحرمة جملة من الافعال كالعلم التفصيلى بها لان العلم التفصيلى بنفسه مناف لذلك العلم الاجمالى والظن غير مناف له لا بنفسه ولا بملاحظة اعتباره شرعا على الوجه المذكور نعم لو اعتبر الشارع هذه الادلة بحيث انقلب التكليف على العمل بمؤداها بحيث يكون هو المكلف به كان ما عدى ما تضمنته الادلة من محتملات التحريم خارجا عن المكلف به فلا يجب الاحتياط فيها وبالجملة فما نحن فيه بمنزلة قطيع غنم يعلم اجمالا بوجود محرمات فيها ثم قامت البينة على تحريم جملة منها وتحليل جملة وبقى الشك فى جملة ثالثة لان مجرد قيام البينة على تحريم البعض لا يوجب العلم ولا الظن بالبراءة من جميع المحرمات نعم لو اعتبر الشارع البينة فى المقام بمعنى انه أمر بتشخيص المحرمات المعلومة وجودا وعدما بهذا الطريق رجع التكليف الى وجوب اجتناب ما قام عليه البينة لا الحرام الواقعى.

(حاصل ما افاده قدس‌سره) فى الجواب عن الاشكال المذكور هو المنع من حصول الاطلاع التفصيلى العلمى بالمحرمات الاجمالية بعد الرجوع الى الادلة وان حصل العلم ببعضها لانه ان كان المراد من الادلة الشرعية ما يوجب العلم بالحكم الواقعى الاولى فكل مراجع فى الفقه يعلم ان ذلك غير ميسّر لان الاخبار على

١٩٥

فرض قطعيّة سندها عند الاخباريين دلالتها ظنيّة وما حكى عن الامين الأسترآباديّ من قطعيّتها مطلقا لا يخلو عن التعسف.

(وان كان المراد من الادلة) ما يعم الدليل الظنى الذى اعتبره الشارع فمراجعتها أى مراجعة الادلة الظنية المعتبرة لا يوجب انحلال العلم الاجمالى واليقين بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم اجمالا اذ تقدم فى الجزء الاول من الشرح فى اوائل الظن انه ليس معنى اعتبار الدليل الظنى الا وجوب الاخذ بمضمونه فان كان تحريما صار ذلك كانه أحد المحرمات وان كان تحليلا كان اللازم منه عدم العقاب على فعله وان كان فى الواقع حراما.

سواء قلنا بأن التعبد بالامارات الغير العلمية من باب الطريقية بمعنى أن لا يلاحظ فى التعبد بها سوى الكشف عن الواقع فلا مصلحة فى سلوك هذا الطريق غير ادراك مصلحة الواقع أو من باب السببية بمعنى أن يكون التعبد بالامارة لمدخلية سلوك الامارة فى مصلحة العمل بها وقد سبق فى أول الظن ان كلا منهما يتصور على وجوه ثلاثة.

(والقسم الثانى) اعنى التعبد بالامارة من باب السببية بمعنى ان التعبد بالامارة لمدخلية سلوك الامارة فى مصلحة العمل بها يتصور فيه وجوه ثلاثة :

(احدها) ان يكون الحكم تابعا لتلك الامارة بحيث أن لا يكون مع قطع النظر عن قيام الطرق حكم أصلا بل يكون قيامها سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى مستتبعة لثبوت الحكم على طبقها فعلى هذا يكون الاحكام الواقعية مختصة فى الواقع بالعالمين بها ولكن السببية بهذا المعنى غير معقولة فى نفسها لان هذا تصويب باطل عند أهل الصواب من المخطئة وهذا التصويب يعبر عنه (بالتصويب الاشعري) وهذا التصويب مع انه مستلزم للدور كما تقدم مخالف للاجماع والروايات الدالة على اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ومن قامت عنده الامارة أو لم تقم ولازم هذا الوجه الاول عدم وجود الحكم الواقعى فى حق الجاهل أصلا قبل قيام الامارة.

(والوجه الثانى) ان يكون الحكم الفعلى تابعا لهذه الامارة بمعنى ان فى

١٩٦

الواقع احكاما شأنية يشترك فيها العالم والجاهل على طبق المصالح والمفاسد النفس الامرية إلّا ان قيام الامارة على الخلاف يكون مانعا عن فعلية الحكم الواقعى فحينئذ ولا بد ان تكون المصلحة الطارية بسبب قيام الامارة غالبة على مصلحة الواقع فيكون الحكم الواقعى فعليا فى حق غير الظان بخلافه يعنى ان فعلية الحكم ثابت فى حق العالم بالواقع او من قامت عنده الامارة موافقة للواقع وشأنيا فى حق الظان بالخلاف اى الجاهل الذى قامت عنده الامارة بخلاف الواقع (وهذا الوجه الثانى) هو التصويب المعتزلى وهذا ايضا يتلو الوجه السابق اعنى التصويب الاشعري فى الفساد والبطلان لورود الروايات والاجماع على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بقيام الامارة على خلاف الواقع.

(والوجه الثالث) هو ثبوت المصلحة السلوكية بسبب قيام الامارة مع بقاء الواقع والمؤدى على ما هما عليه من المصلحة والمفسدة من دون ان يحدث فى الفعل مصلحة بسبب قيام الامارة اصلا بل المصلحة فى سلوك الامارة وتطبيق العمل على مؤداها والبناء على انه هو الواقع بهذه المصلحة السلوكية يتدارك ما فات على المكلف من مصلحة الواقع بسبب قيام الامارة على خلافه وإلّا كان تفويتا لمصلحة الواقع وهو قبيح (وهذا هو التصويب) على مسلك بعضى العدلية وهو الالتزام بالمصلحة السلوكية والسببية بهذا المعنى وان كانت معقولة فى نفسها ولا يخالفها شىء من الاجماع والروايات إلّا انه لا دليل عليها عند البعض ومما ذكرنا من اقسام التصويب ظهر توضيح قوله قدس‌سره نعم لو اعتبر الشارع هذه الادلة الخ.

١٩٧

(والجواب) اولا منع تعليق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلّا بما ادى اليه الطرق الغير العلمية المنصوبة له فهو مكلف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو ولا بمؤدى هذه الطرق من حيث هو حتى يلزم التصويب او ما يشبهه لان ما ذكرناه هو المتحصل من ثبوت الاحكام الواقعية للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بالطرق وتوضيحه فى محله وحينئذ فلا يكون ما شك فى تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا (وثانيا) سلمنا التكليف الفعلى بالمحرمات الواقعية إلّا ان من المقرر فى الشبهة المحصورة كما سيجىء إن شاء الله تعالى انه اذا ثبت فى الشبهات المحصورة وجوب الاجتناب عن جملة منها لدليل آخر غير التكليف المتعلق بالمعلوم الاجمالى اقتصر فى الاجتناب على ذلك القدر لاحتمال كون المعلوم الاجمالى هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا فاصالة الحل فى البعض الآخر غير معارضة بالمثل سواء كان ذلك الدليل سابقا على العلم الاجمالى كما اذا علم نجاسة احد الإناءين تفصيلا فوقع قذرة فى احدهما المجهول فانه لا يجب الاجتناب عن الآخر لان حرمة احدهما معلومة تفصيلا ام كان لاحقا كما فى مثال الغنم المذكور فان العلم الاجمالى غير ثابت بعد العلم التفصيلى بحرمة بعضها بواسطة وجوب العمل بالبينة وسيجىء توضيحه إن شاء الله تعالى وما نحن فيه من هذا القبيل.

(اقول) يمكن الجواب عن التقرير الاول من الدليل العقلى بالنقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية فان العلم الاجمالى لو كان مانعا عن الرجوع الى البراءة فى الشبهات الحكمية التحريمية كان مانعا عن الرجوع اليها فيهما ايضا مع ان جل الاخباريين التزموا فيهما بالرجوع الى البراءة ولم يوجبوا الاحتياط.

(واما ما اجاب به) عن الدليل اولا فحاصله انا سلمنا ثبوت العلم الاجمالى ووجوب الاحتياط من قبل العقل بعد ثبوته لكن لنا منع تعليق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلّا بما ادى اليه الامارات الغير العلمية المنصوبة له فهو مكلف

١٩٨

بالواقع بحسب تأدية الامارات لا بالواقع من حيث هو حتى يتحقق وجوب الاحتياط ولا بمؤدى الامارات بحيث ينقلب التكليف بالواقع الى العمل به حتى يلزم التصويب الاشعري الذى تقدم ذكره او ما يشبهه من التصويب المعتزلى لان ما ذكرناه من انه مكلف بالواقع بحسب تأدية الامارات هو المتحصل من ثبوت الاحكام الواقعية للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بمؤدى الامارات فحينئذ لا يكون ما شك فى تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا (واما ما اجاب به) ثانيا فحاصله انا سلمنا التكليف الفعلى بالمحرمات الواقعية إلّا ان المقرر فى الشبهة المحصورة كما سيجىء التعرض له انه اذا خرج بعض اطراف العلم الاجمالى عن مورد الاصل بان وجب الاجتناب عنه او ارتكابه فلا يخلو اما أن يكون ثبوت هذا الوجوب فى كل من طرفى الفعل والترك من جهة الالجاء والاضطرار او من جهة قيام دليل يدل عليه وعلى التقديرين فاما أن يكون ذلك الدليل او الالجاء والاضطرار سابقا على العلم الاجمالى او يكون لاحقا فان كان من مقولة الالجاء والاضطرار فيفرق فيه بين السبق واللحوق ففى الاول لا يكون العلم الاجمالى موجبا لتنجز التكليف وفى الثانى يوجبه وان كان من مقولة الدليل فلا يفرق فيه بين الحالتين فى عدم ايجاب العلم الاجمالى لتنجز التكليف وجريان البراءة فى الباقى.

(وفيما نحن فيه) وان كان العلم الاجمالى بالمحرمات سابقا لكن لما كان ما دل على تعيين جملة من المحرمات من مقولة الادلة فلا يوجب العلم الاجمالى فيه تنجز التكليف بحيث يوجب الاحتياط بالنسبة الى الباقى بل يكون الشك فيه بدويا هذا محصل الجوابين عن التقرير الاول من الدليل العقلى.

(ولكن اورد صاحب الكفاية) على كلا الجوابين حيث قال لا يخفى ما فيهما من الضعف والقدح اما فى الاول فلاستقلال العقل بتنجز التكاليف المعلومة بالاجمال على القادر على الامتثال ووجوب الخروج عن عهدتها كما سيأتى تحقيقه فى كلامه ومر منه غير مرة ومجرد نصب الطريق لا يفيد ازيد من وجوب البناء على كون مؤداه هو الواقع لا ان الشارع ما اراد من الواقع الا ما ساعد عليه الطريق حسب ما حقق القول

١٩٩

فيه عند كلامه على القائلين بان نتيجة دليل الانسداد حجية الظن فى الطريق فراجع ومن المعلوم ان البناء على ان مؤديه الواقع لا يوجب ان يكون مكلفا بالواقع بحسب تأدية هذا الطريق لا بالواقع من حيث هو مع العلم به فلا يجب مراعاته بالاحتياط.

(واما فى الثانى) فلانه ليس مجرد عدم ثبوت العلم الاجمالى بعد العلم بحرمة بعضها يوجب ارتفاع اثره ما لم ينطبق ما علم تفصيلا على ما علم اجمالا كما اذا علم بحرمة غنم من قطيع اجمالا ثم علم بحرمة واحد تفصيلا وذلك لان العلم الاجمالى بعد تأثيره التنجز والاشتغال لا عبرة ببقائه وارتفاعه فى لزوم تحصيل الفراغ اليقينى من ذاك التكليف ولذا لو فقد بعض الاطراف او اضطر اليه او خرج عن مورد الابتلاء كان باقيها على ما كان عليه من وجوب مراعاة جانب التكليف المحتمل فيه قبل طرو احدها كما سيصرح به فى الشبهة المحصورة نعم لو كان طرو احدها او التكليف ببعضها قبل العلم الاجمالى لكان مانعا عن اصل تأثيره.

(وبالجملة) العلم الاجمالى لا يرتفع اثره بلحوق احد هذه الامور التى كان سبق كل واحد منها مانعا عن تأثيره بل باق كما كان قبل اللحوق إلّا اذا انقلب الاجمالى بالتفصيلى وانطبق ما علم اجمالا بما علم تفصيلا كما فى المثال.

٢٠٠