درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

نفى الملازمة وان لم يدل عليه كما هو مبنى الايراد فلا وجه (للاول) اى التمسك بالآية فى المقام (قوله) فان الاخبار بنفى التعذيب الخ بيان لوجه التناقض.

(قوله ويمكن دفعه الخ) حاصل الدفع ان محل الكلام فى المقام بين الاخبارى والاصولى ان الاول يدعى فيه عدم حصول الامن من العقاب من جهة اخبار الاحتياط والتوقف عند الشبهة ولذا لا يجوز ارتكاب المشتبه الحكم والثانى يدعى فيه حصول الامن فيه ولو من جهة حصول العفو وحينئذ فله ان يتمسك فى هذا الباب بالآية لنفى العذاب وحصول الامن منه وهذا بخلاف باب الملازمة فان المقصود فيها اثبات الحكم الشرعى فى مورد حكم العقل وعدم ترتب العقاب على مخالفته لا ينافى ثبوته لانه من باب العفو.

(قوله كما فى الظهار حيث قيل الخ) اقول انه لا خلاف بين الفقهاء فى حرمة الظهار لقوله تعالى وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا ثم وقع الخلاف بينهم فى العفو عنه قيل انه معصية يعفى عنه ولا يعاقب عليه لقوله تعالى بعد ذلك وان الله لعفوّ غفور فتعقيبه بالعفو يستلزم نفى العقاب وهذا القول ذكره بعض المفسرين ولم يثبت عن الاصحاب.

(وكيف كان) ففيه نظر اما اولا فلان العفو عن المعصية مع كون المؤاخذة فى انواعها من الالطاف الواجبة فى الحكمة موجب للتجرى وهو لا يناسب حماية الحمى واما ثانيا فلانه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران تعلقهما بهذا النوع من المعصية ومجرد ذكره بعده لا يدل عليه وان كان تعقيبه له لا يخلو من باعث على الرجاء والطمع فى عفو الله ونظائره كثيرة فى القرآن مثل قوله تعالى ليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما مع انه لم يقل احد بوجوب عفوه عن هذا الذنب المذكور قبله فالحق انه كغيره من الذنوب امره راجع الى مشية الله تعالى.

(قوله كما فى العزم على المعصية على احتمال) قد تقدم فى القطع فى البحث عن التجرى ان عدة من الاخبار يدل على ثبوت العقاب على قصد المعصية

٤١

ولكن المصرح به فى الاخبار الكثيرة العفو عنه وقد تعرض قدس‌سره هنا لجمعهما بعدة طرق من المحامل التى تقدم ذكرها فراجع.

(قوله كما يظهر من بعض ما فرعوا عليه) اقول ان المراد بما فرعوا على مسئلة حجية العقل هو ما ذكروه من ترتب الثواب والعقاب على موافقة حكم العقل ومخالفته ومن زوال العدالة بمجرد المخالفة او بالاصرار بها وعدمه ووجه الظهور واضح اذ الثواب والعقاب والموافقة والمخالفة ليس إلّا على الالزاميات.

(قوله لجاز التمسك بها هناك) يعنى فى مقام نفى الملازمة (قوله) لا دلالة لها على المطلب فى المقامين اما فى مقام اصل البراءة فلما ذكره المصنف من ان الآية واردة فى مقام نفى العذاب الدنيوى لا الاخروى واما فى مقام نفى الملازمة بين حكم العقل والشرع فلما ذكره ايضا من ان نفى العذاب فعلا لا ينافى استحقاقه والمطلوب فى باب الملازمة هو ثبوت الاستحقاق فقط.

٤٢

(ومنها) قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) اى ما يجتنبون به من الافعال والتروك وظاهرها انه تعالى لا يخذلهم بعد هدايتهم الى الاسلام الا (بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ) وعن الكافى وتفسير العياشى وكتاب التوحيد حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه (وفيه) ما تقدم فى الآية السابقة مع ان دلالتها اضعف من حيث ان توقف الخذلان على البيان غير ظاهر الاستلزام للمطلب المهم الا بالفحوى.

(اقول) هذه الآية الشريفة مع نظائرها مورد بحث واشكال من جهة نسبة الهداية والاضلال الى الله تعالى فليرجع الى التفاسير والاخبار الواردة فى تفسيرها وتوجيهها عن المعصومين عليهم‌السلام ومع قطع النظر عن الاشكال المذكور يرد فى هذه الآية اشكال آخر من جهة اشتمالها على الحكم بالاضلال مع البيان بعد الهداية مع انه لا يعقل الضلال بعد هداية الله تعالى سيما الضلال من قبل الله تعالى مع ان الهداية تحصل بالبيان فكيف يكون بعدها.

(قيل) فى دفع هذا الاشكال ان الهداية فيها بمعنى إراءة الطريق لا الايصال الى المطلوب والاضلال بمعنى الخذلان وهو بكسر الخاء ترك العون والنصر وكذلك الخذل يقال خذله خذلا اذا ترك عونه ونصرته ومنه قوله تعالى (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ).

(فيكون المعنى) ان الله تعالى لا يدخل قوما فى الضلالة والمعصية بعد اذ هداهم التوحيد والاسلام حتى يبين لهم المعاصى وموجبات الضلالة اى لا يكون فيما يدخلون فيه قبل البيان ضلالة ومعصية فلا يكون حراما.

(وقال) فى مجمع البيان وما كان الله ليحكم بضلالة قوم بعد ما حكم بهدايتهم حتى يبين لهم ما يتقون من الامر بالطاعة والنهى عن المعصية فلا يتقون فعند ذلك يحكم بضلالتهم.

(وقيل) وما كان الله ليعذب قوما فيضلهم عن الثواب والكرامة وطريق الجنة بعد اذ هديهم ودعاهم الى الايمان حتى يبين لهم ما يستحقون به الثواب والعقاب من

٤٣

الطاعة والمعصية وقال فى سبب النزول قيل مات قوم من المسلمين على الاسلام قبل ان تنزل الفرائض فقال المسلمون يا رسول الله اخواننا الذين ماتوا قبل الفرائض ما منزلتهم فنزل.

(وقيل) لما نسخ بعض الشرائع وقد غاب اناس وهم يعلمون بالامر الاول اذ لم يعلموا بالامر الثانى مثل تحويل القبلة وغير ذلك وقد مات الاولون على الحكم الاول وسئل النبى (ص) عن ذلك فانزل الله الآية وبيّن انه لا يعذب هؤلاء على التوجه الى القبلة الاولى حتى يسمعوا بالنسخ ولا يعلموا بالناسخ فحينئذ يعذبهم انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله وفيه ما تقدم فى الآية السابقة الخ) يعنى ان هذه الآية كالآية السابقة كانت لمجرد الاخبار عن حال الامم السابقة مع ان دلالة هذه الآية اضعف من الآية السابقة لان مفادها توقف العذاب على البيان ومفاد هذه الآية توقف الخذلان على البيان وهو غير المدعى (إلّا ان يقال) ان الخذلان بدون البيان والاعلام اذا كان منفيا من حيث كونه على خلاف الحكمة الالهية كان العذاب الاخروى ايضا منفيا بالفحوى ومفهوم الموافقة كما استدركه الشيخ قدس‌سره بقوله اللهم بالفحوى.

٤٤

(ومنها) قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وفى دلالتها تأمل ظاهر ويرد على الكل ان غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهى المجهول عند المكلف لو فرض وجوده واقعا فلا ينافى ورود الدليل العام على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم ومعلوم ان القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول به الا عن دليل علمى وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل بل هى من قبيل الاصل بالنسبة اليه كما لا يخفى.

(ان الآية الشريفة) نزلت فى بيان قصة غزوة بدر ونصرة المسلمين فيها كما يشهد به السياق فبملاحظة مورد النزول يحتمل ان يكون المراد من الهلاكة الكفر الذى يوجب الهلاك الدائم والمراد بالحياة الاسلام وبالبينة المعجزة الدالة على صدق الرسول (ص) فالمعنى ليكون كفر من كفر عن وضوح بينة وعلم لا عن شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ويكون ايمان من آمن بالله ورسوله (ص) عن برهان ويقين ليستقر فى دينه وعلى كل تقدير لا تدل الآية على نفى المؤاخذة على الحكم المشتبه غاية الامر كونها مشعرة بذلك ليس ببعيد.

(قال فى الفصول) فى تقريب الاستدلال بها ما لفظه فان قضية تخصيص الهلاك والحياة بصورة وجود البينة نفيهما عند انتفائها وقضية ذلك نفى الوجوب والحرمة واخويهما حينئذ على اشكال فى دلالته على نفى الكراهة انتهى.

(قوله وفى دلالتها تأمل ظاهر) قيل لعل وجه التأمل ان المراد من الهلاك فى الآية ليس هو العذاب كى تكون من ادلة البراءة كما زعم صاحب الفصول بل هو الموت اى ليموت من مات عن بينة ويعيش من عاش عن بينة فتكون الآية اجنبية عن المقام.

(قال الطبرسى) اعلى الله مقامه فى تفسير الآية ما ملخصه ثم بين سبحانه وتعالى نصرته للمسلمين ببدر فقال سبحانه (اذ انتم) ايها المسلمون (بالعدوة الدنيا) اى بشفير الوادى الاقرب الى المدينة(وهم) يعنى المشركين (بالعدوة القصوى) اى بالشفير الاقصى

٤٥

من المدينة (والركب) يعنى أبا سفيان واصحابه وهم العير اسفل منكم اى فى موضع اسفل منكم الى ساحل البحر ولو تواعدتم لاختلفتم فى الميعاد اى لو تواعدتم ايها المسلمون للاجتماع فى الموضع الذى اجتمعتم فيه لاختلفتم بما يعرض من العوائق والقواطع (ولكن ليقضى الله امرا كان مفعولا) اى ولكن قدر الله التقائكم وجمع بينكم وبينهم على غير ميعاد منكم ليقضى الله امرا كان كائنا لا محالة وهو اعزاز الدين واهله واذلال الشرك واهله (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) اى فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه قول وقيل ان البينة ما وعد الله من النصر للمؤمنين على الكافرين صار ذلك حجة على الناس فى صدق النبى (ص) فيما أتاهم به من عند الله انتهى

(قوله ويرد على الكل الخ) حاصل ما اورده قدس‌سره على جميع الآيات المذكورة ان مدلولها عدم المؤاخذة على الحكم المجهول لو فرض وجوده واقعا فحينئذ لا ينافى ورود الدليل العام على وجوب الاجتناب فى الحكم المشتبه ومعلوم ان القائل بوجوب الاحتياط لا يقول به الا عن دليل علمى وهو اخبار الاحتياط والآيات المذكورة بعد تسليم دلالتها على ما نحن فيه غير معارضة لذلك الدليل العام بل الآيات فى حكم الاصل بالنسبة الى الدليل.

(ولا يخفى عليك) ما فى كلامه قدس‌سره من المناقشة قد اوردها صاحب بحر الفوائد بيان ذلك ان المستفاد من اخبار الاحتياط مطابقة كاخبار التثليث او التزاما ثبوت المؤاخذة على النهى الواقعى المجهول على تقدير تسليم دلالتها على وجوب الاحتياط فى محل البحث فلا محالة تكون منافية للآيات المذكورة فكيف يجعل نسبتهما نسبة الاصل والدليل اللهم إلّا ان يكون المراد من الجهل الجهل بجميع مراتب النهى الواقعى حتى من حيث الظاهر كما يظهر من قوله بعد ذلك. والانصاف ما ذكرناه الخ فانه قرينة على مراده من هذه العبارة ايضا فان العلم بوجوب الاجتناب عن محتمل التحريم على بحرمته فى مرحلة الظاهر فليس مجهولا على الاطلاق إلّا ان هذا التوجيه ربما ينافى ظاهر ما افاده من اناطة الجعل بالحكم الواقعى مع ان ايجاب الاحتياط قد يمنع كونه موجبا للعلم بالنهى ولو فى مرحلة الظاهر انتهى كلامه.

٤٦

(ومنها) قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملقنا اياه طريق الرد على اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه قل لا أجد فيما اوحى الىّ محرما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا فابطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرموه فى جملة المحرمات التى اوحى الله اليه وعدم وجدانه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فيما اوحى اليه وان كان دليلا قطعيا على عدم الوجود إلّا ان فى التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان فى ابطال الحكم بالحرمة (لكن الانصاف) ان غاية الامر ان يكون فى العدول عن التعبير من عدم الوجود الى عدم الوجدان اشارة الى المطلب واما الدلالة فلا ولذا قال فى الوافية وفى الآية اشعار بأن اباحة الاشياء مركوزة فى العقل قبل الشرع مع انه لو سلّم دلالتها فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فيما صدر من الله تعالى من الاحكام يوجب عدم التحريم لا عدم وجدانه فيما بقى بايدينا من احكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنا وسيأتى توضيح ذلك عند الاستدلال بالاجماع العملى على هذا المطلب.

(اقول) تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على وجهين (احدهما) ما فى المتن من ان التعبير بعدم الوجدان فى مقام ابطال الحرمة الذى زعمه اليهود بالنسبة الى بعض ما رزقهم الله يدل على ان عدم الوجدان يكفى فى ابطال الحكم بالحرمة(وفيه) اولا انه مجرد اشعار فلا اعتماد عليه كما أشار الى ذلك قدس‌سره بقوله لكن الانصاف الخ.

(ثم) أيّد قوله بقول الوافية حيث قال صاحب الوافية وفى الآية اشعار بأن اباحة الاشياء مركوزة فى العقل قبل الشرع وثانيا انه حينئذ مؤكد لحكم العقل بأن عدم الوجدان يدل على عدم الوجود فهو من مؤيدات الدليل العقلى لا انه بنفسه مؤسس لحكم مستقلا فى عرض الدليل العقلى كما هو شأن الدليل الشرعى اذا ذكر منفردا عن الدليل العقلى.

(وثانيهما) ان شرب التتن وامثاله من المشتبهات لما لم يكن من افراد

٤٧

المستثنى فهو مندرج تحت المستثنى منه وحكمه الاباحة وفيه ان الحصر المستفاد من الآية اضافى يعنى انه بالنسبة الى ما حرمه اليهود من بعض ما رزقهم الله تعالى لا بالنسبة الى جميع الاشياء حتى الشبهات.

(ثم) لو سلم دلالة الآية على ما نحن فيه فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فى الاحكام التى صدرت من الله تعالى يوجب عدم التحريم بلا اشكال اما عدم وجدان التحريم فيما بقى بأيدينا من احكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنا فلا يوجب عدم التحريم وسيأتى توضيح ذلك عند الاستدلال بالاجماع العملى على هذا المطلب.

(واعلم) ان الشيخ قدس‌سره قد اورد ايرادا عاما على الاستدلال بالآيات الشريفة المتقدمة بل وعلى بعض الروايات الآتية ايضا لا بأس بالاشارة اليه قال فى ذيل الآية الرابعة وهى قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) الآية انه يرد على الكل ان غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهى المجهول عند المكلف لو فرض وجوده واقعا فلا ينافى ورود الدليل العام على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم ومعلوم ان القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول به الا عن دليل علمى والآيات المذكورة بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل بل هى من قبيل الاصل بالنسبة اليه كما لا يخفى وعنى بقوله من قبيل الاصل بالنسبة اليه ان دليل الاحتياط حاكم أو وارد على الآيات لانتفاء موضوعها به فان موضوعها اللابيان وهو ينتفى بمجىء البيان على وجوب لاحتياط كحكومة الدليل الاجتهادى أو وروده على الاصل العملى عينا نظرا الى انتفاء موضوعه به وهو الشك.

(وقال ايضا قدس‌سره) فى ذيل الآية الاخيرة ما لفظه والانصاف ما ذكرناه من ان الآيات المذكورة لا تنهض على ابطال القول بوجوب الاحتياط لان غاية مدلول الدال منها هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل وهذا مما لا نزاع فيه لاحد وانما اوجب الاحتياط من اوجبه بزعم قيام الدليل العقلى أو

٤٨

النقلى على وجوبه فاللازم على منكره رد ذلك الدليل أو معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه واما الآيات المذكورة فهى كبعض الاخبار الآتية لا تنهض لذلك ضرورة انه اذا فرض انه ورد بطريق معتبر فى نفسه انه يجب الاحتياط فى كل ما يحتمل ان يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يعارضه شىء من الآيات المذكورة.

٤٩

(ومنها) قوله تعالى وما لكم ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرّم عليكم يعنى مع خلوّ ما فصل عن ذكر هذا الذى يجتنبونه ولعل هذه الآية اظهر من سابقتها لان السابقة دلت على انه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما اوحى الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه تدل على انه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصل وان لم يحكم بحرمته فيبطل وجوب الاحتياط ايضا الّا ان دلالتها موهونة من جهة أخرى وهى ان ظاهر الموصول العموم فالتوبيخ على الالتزام بترك الشىء مع تفصيل جميع المحرمات الواقعية وعدم كون المتروك منها فلا ريب ان اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك محرما واقعيا فالتوبيخ فى محله.

(اقول) كيفية دلالة الآية الشريفة على ما نحن فيه بلحاظ ان الله تعالى قد ذم المشركين على الالزام بترك ما لم يوجد فيما فصّل من المحرمات فتدل على اباحة ما لم يوجد تحريمه فيما فصل.

(ولعل هذه الآية اظهر من سابقتها) ان هذه الآية اظهر دلالة على ما نحن فيه من الآية السابقة لان غاية مفاد السابقة ان الشىء ما لم يوجد تحريمه فيما اوحى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز الحكم بحرمته واما اثبات الاباحة فلا دلالة لها عليها بخلاف هذه الآية فانها تدل زائدا على عدم جواز الحكم بالحرمة على انه لا بد من الالتزام بالاباحة لان مفاد قوله تعالى (ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) انما هو الامر بالاكل وهو ينافى وجوب الاحتياط (لكن فيه) ان الآية تدل على اصالة الاباحة فى الذبائح والحيوانات والحال ان الغرض اثبات الاباحة فى تمام الاشياء المشتبه هذا.

(قوله ولا ريب ان اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك الخ) يعنى ان دلالة الآية مخدوشة من جهة اخرى وهى ان الموصول فى قوله ما حرم عليكم مفيد للعموم فيدل على ان كل ما حرمه الله على عباده قد بين لهم بحيث لم يترك منه شىء مع انه لم يجد المتروك فيما فصل لهم من المحرمات الواقعية ولا ريب ان اللازم من ذلك فى هذا الفرض هو العلم بعدم كون المتروك محرما واقعيا

٥٠

(والانصاف) ما ذكرنا من ان الآيات المذكورة لا تنهض على ابطال القول بوجوب الاحتياط لان غاية مدلول الدال منها هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل وهذا مما لا نزاع فيه لاحد وانما اوجب الاحتياط من اوجبه بزعم قيام الدليل العقلى او النقلى على وجوبه فاللازم على منكره رد ذلك الدليل أو معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه واما الآيات المذكورة فهى كبعض الاحبار الآتية لا تنهض لذلك ضرورة انه اذا فرض انه ورد بطريق معتبر فى نفسه انه يجب الاحتياط فى كل ما يحتمل ان يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يعارضه شىء من الآيات المذكورة.

وكونه من المباحات الواقعية فالتوبيخ على الملتزم بترك المباح الواقعى وما علم عدم حرمته فى محله وخارج عن محل النزاع الذى هو الشك فى كونه حراما او مباحا فالتوبيخ على ترك ما علم انه غير محرم لا يستلزم التوبيخ على ترك ما شك فى كونه محرما او غيره.

(والانصاف ما ذكرنا) من ان الآيات المذكورة لا تنهض على ابطال القول بوجوب الاحتياط لان غاية مدلول الدال من الآيات هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصا او عموما بالعقل او النقل وهذا مما لا نزاع فيه لاحد وانما اوجب الاحتياط من اوجبه بزعم قيام العقلى او النقلى على وجوب الاحتياط فاللازم على منكر الاحتياط ردّ ذلك الدليل او معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه واما الآيات المذكورة فهى كبعض الاخبار الآتية لا تنهض لذلك ضرورة انه اذا فرض انه ورد بطريق معتبر فى نفسه انه يجب الاحتياط فى كل ما يحتمل ان يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يعارضه شىء من الآيات المذكورة.

(هاهنا تحقيق) من بعض المعلقين للكتاب لا يخلو نقله عن فائدة وهو ان الدليلين اذا افاد كل منهما حكما ينافى الآخر فاما ان يكون الموضوع فيهما امرا واحدا لا يوجب العمل باحدهما رفع الموضوع فى الآخر ام لا بل يكون العمل به

٥١

رافعا للموضوع فى الآخر فان كان الاول فهو من باب التعارض وان كان الثانى فاما ان يكون العمل باحدهما بعينه موجبا لرفع الموضوع فى الآخر من غير عكس كما فى الدليل بالنسبة الى الاصل فهو من باب الحكومة.

(او يكون العمل) بكل منهما موجبا لرفع الموضوع فى الآخر فهو من باب التحاكم وحكمه حكم التعارض اذا عرفت هذا فنقول ان الحكومة فى المقام قائمة بكل من الطرفين لانه لا شبهة فى ان المشتبه بوصف الاشتباه كما يكون موضوعا فى ادلة البراءة كذلك يكون هو الموضوع فى دليل الاحتياط.

(كيف) والاحتياط لا يكون إلّا فى مورد الشبهة واذا كان الموضوع فيهما هو المشتبه وما لا يعلم فالاشتباه ان فرض فى الحكم الواقعى كما هو ظاهر الاخبار فى هذا الباب فهو بالنسبة الى كل من دليل البراءة والاحتياط فى حد سواء وان فرض فيما هو اعم من الحكم الواقعى والظاهرى كما هو مقتضى حكم العقل فهو ايضا بالنسبة الى كل من الطرفين فى حد سواء فكما يقال ان دليل الاحتياط رافع لموضوع دليل البراءة فكذلك يقال ان الثانى رافع لموضوع الاول فيكون النسبة بينهما هو التحاكم.

(نعم) لو قلنا بان المراد بالمشتبه فى موضوع البراءة ما هو مشتبه الحكم فى الواقع والظاهر وفى موضوع دليل الاحتياط ما هو مشتبه الحكم فى الواقع فقط يمكن ان يقال ان الثانى رافع لموضوع الاول ولا عكس لان جعل الاحتياط فى الظاهر رافع لموضوع الاول لانه اعم من مشتبه الحكم فى الواقع والظاهر وجعل البراءة لا يوجب رفع موضوع دليل الاحتياط لان العلم بالحكم الظاهرى لا يوجب رفع الاشتباه عن الحكم الواقعى هذا لكنه تفكيك بين مفاد الدليلين من غير ان ينتهى الى وجه فتدبر انتهى.

٥٢

(واما السنة) فيذكر منها فى المقام اخبار كثيرة (منها) المروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند صحيح فى الخصال كما عن التوحيد رفع عن امتى تسعة اشياء الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون ولا ما لا يطيقون وما اضطروا اليه والطيرة والحسد والتفكر فى الوسوسة فى الخلق ما لم ينطق الانسان بشفتيه فان حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلمون فهى مرفوعة عنهم ومعنى رفعها كرفع الخطاء والنسيان رفع آثارها او خصوص المؤاخذة فهو نظير قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (ويمكن) ان يورد عليه بأن الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة اخواتها هو الموضوع اعنى فعل المكلف الغير المعلوم كالفعل الذى لا يعلم انه شرب الخمر وشرب الخل وغير ذلك من الشبهات الموضوعية فلا يشمل الحكم الغير المعلوم مع ان تقدير المؤاخذة فى الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم لان المقدر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة نعم هى من آثارها فلو جعل المقدر فى كل من هذه التسعة ما هو المناسب من اثره امكن ان يقال اثر حرمة شرب التتن المؤاخذة على فعله فهى مرفوعة لكن الظاهر بناء على تقدير المؤاخذة نسبة المؤاخذة الى نفس المذكورات.

(اقول) دلالة الصحيحة على ما نحن فيه باحد وجهين (احدهما) ان يراد من الموصول فيما لا يعلمون خصوص الحكم المجهول (ثانيهما) ان يراد من الموصول المعنى الاعم من فعل المكلف الذى هو الموضوع ومن الحكم على فرض جواز ارادتهما معا من الموصول وهذا هو الظاهر من كلام الشيخ قدس‌سره بقرينة ما سيأتى من تصريحه بان تقدير المؤاخذة فى الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم الخ. وعلى ارادة المعنى الاول من الموصول يختص بالشبهات الحكمية وعلى الثانى يعمها والشبهات الموضوعية كما انه على ارادة خصوص الموضوع يختص بالشبهات الموضوعية فقط فحينئذ لا يجوز الاستدلال بها على ما نحن فيه وكيف كان.

٥٣

(محصل الاستدلال) انه لا بد من باب دلالة الاقتضاء من تقدير شىء فى الجملات المذكورة فى الرواية لان هذه الاشياء بانفسها لم ترفع عن هذه الامة بالحس والعيان ومحتملات هذا المقدر أمور ثلاثة(احدها) ان يكون المقدر جميع الآثار فى كل واحد من التسعة من التكليفية والوضعية وهو الاقرب اعتبارا الى المعنى الحقيقى.

(وثانيها) ان يكون المقدر هو المؤاخذة فى الجميع وهو أقرب عرفا من الاول واظهر من الثالث (وثالثها) ما هو الاثر المناسب فى كل منها وعلى التقادير المذكورة كلها يتم الاستدلال اما على الاولين فواضح واما على الاخير فلان موضع الاستدلال هو ما لا يعلمون والاثر المناسب له هو المؤاخذة.

(لا يقال) انه لا يلزم تقدير شىء من الامور المذكورة بالنسبة الى قوله ما لا يعلمون لان ارادة الحكم فيه امر ممكن فلا موجب للتصرف فى ظاهره وهذا بخلاف أخواته من فقرات الرواية فان نسبة الرفع اليها غير صحيح للزوم الكذب على تقدير حملها على ظواهرها لما عرفت فلا بد من ارتكاب خلاف الظاهر فيها اما بتقدير جميع الآثار او خصوص المؤاخذة وهذا المحظور لا يلزم فى قوله ما لا يعلمون لان رفع الحكم الشرعى كاثباته باختيار الشارع وجعله فلا يلزم هناك كذب على تقدير ارادة الظاهر منه.

ومجرد ارادة خلاف الظاهر من اخواته بالقرينة العقلية الصارفة لا يوجب ارادته منه اذ ليس فيه إلّا التفكيك فى السياق ولا يقام الظهور السياقى على تقدير اعتباره للظهور اللفظى كما ثبت فى محله.

(فانه يقال) ان المراد من رفع الحكم فيما لا يعلمون ان كان رفعه بحسب الواقع بحيث يكون الحكم الواقعى الشأنى مرفوعا عن الجاهل ومختصا بالعالم به فهو مناف لنفس الرواية مضافا الى استلزامه للتصويب وان اريد منه الحكم المنجر الفعلى فلا شك فى انه عين الحكم الواقعى وتسميته بالفعلى انما هو من جهة ترتب المؤاخذة على مخالفته فيرجع الامر بالاخرة الى رفع المؤاخذة.

٥٤

(فتبين) مما ذكرنا أنه لا بد من تقدير المؤاخذة فى قوله ما لا يعلمون كما فى اخواته من فقرات الرواية وقد أشار الشيخ قدس‌سره الى تقدير شىء فيه (بقوله) ومعنى رفعها كرفع الخطاء والنسيان رفع آثارها أو خصوص المؤاخذة.

(قوله ويمكن ان يورد عليه بان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة اخواتها هو الموضوع الخ).

(اقول) انه قد تقدم ان الموصول فى قوله ما لا يعلمون يحتمل أن يكون المراد منه خصوص الحكم او خصوص الموضوع أو الاعم منهما وقد عرفت ان الاستدلال بالرواية مبنى على الاول والاخير اذ على الوسط تكون الرواية خارجة عن محل النزاع اذ النزاع انما هو فى الشبهة الحكمية وقد عرفت ايضا انه لا اشكال فى عدم جواز ارادة الظاهر من نسبة الرفع الى التسعة من حيث لزوم الكذب على الشارع بعد فرض وجود التسعة بالوجدان فى الامة المرحومة فلا بد ان يكون المراد بمقتضى العقل بالنظر الى دلالة الاقتضاء خلاف الظاهر منها بأن يريد من نسبة الرفع الى التسعة رفع غيرها مما سبق ذكره من الوجوه اى جميع الآثار او المؤاخذة أو الاثر المناسب.

(وكيف كان) غرض الشيخ قدس‌سره فى قوله ويمكن ان يورد عليه الخ كون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الموضوع أعنى فعل المكلف الذى لم يعلم انه فعل مباح أو فعل حرام وهو من الشبهات الموضوعية واستدل له بان المراد من الموصول فى الفقرات المذكورة فى الرواية هو الموضوع ضرورة ان المراد منه فى ما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما اضطروا عليه هو الفعل فلما كان تعلق الرفع فيها بالفعل فليكن فى ما لا يعلمون ايضا كذلك وقد اشار قدس‌سره الى هذا بقوله بان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة اخواتها هو الموضوع الخ.

(قوله مع ان تقدير المؤاخذة فى الرواية لا يلائم عموم الموصول الخ) دفع دخل كأنّ قائلا يقول انه يمكن حمل الموصول فيما لا يعلمون على معناه الاعم الشامل للحكم والموضوع معا حتى يصح التمسك بالرواية فى الشبهة الحكمية

٥٥

والموضوعية معا.

(وحاصل الدفع) مضافا الى بعد المعنى الجامع بين الموضوع والحكم بل قد يقال بعدم امكانه لعدم الجامع بين نسبة عدم العلم الى الحكم والموضوع فان المراد من عدم العلم بالحكم عدم العلم بذاته ومن عدم العلم بالموضوع عدم العلم بعنوانه اى عدم العلم بكونه من مصاديق الحلال او الحرام من حيث كونه مرددا بينهما انه لو كان المراد من الموصول المعنى الاعم الشامل للحكم والموضوع فلا يناسب تقدير المؤاخذة لان المقدر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة لان المؤاخذة تقع على فعل العبد لا على حكم الشارع.

(نعم) ان المؤاخذة من آثار الحرمة المجهولة فلو جعل المقدر فى كل من هذه التسعة ما هو المناسب من اثره امكن ان يقال اثر حرمة شرب التتن المؤاخذة على فعله فهى مرفوعة لكن الظاهر بناء على تقدير المؤاخذة نسبة المؤاخذة الى نفس المذكورات.

٥٦

(والحاصل) ان المقدر فى الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل ان يكون جميع الآثار فى كل واحد من التسعة وهو الاقرب اعتبارا الى المعنى الحقيقى وان يكون فى كل منها ما هو الاثر الظاهر فيه وان يقدر المؤاخذة فى الكل وهذا اقرب عرفا من الاول واظهر من الثانى ايضا لان الظاهر ان نسبة الرفع الى مجموع التسعة على نسق واحد فاذا اريد من الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا اليه المؤاخذة على انفسها كان الظاهر فيما لا يعلمون ذلك ايضا.

(اقول) ان توضيح المراد من دلالة الاقتضاء يتوقف على بيان اقسام الدلالة وهى على ما ذكره المحقق القمى فى القوانين بعد ذكر تعريف المنطوق والمفهوم.

(ان المنطوق) اما صريح او غير صريح فالمراد من الاول هو المعنى المطابقى او التضمنى (واما الغير الصريح) فهو المدلول الالتزامى وهو على ثلاثة اقسام المدلول عليه بدلالة الاقتضاء والمدلول عليه بدلالة التنبيه والايماء والمدلول عليه بدلالة الاشارة لانه اما ان يكون الدلالة مقصودة للمتكلم اولا.

(فاما الاول) فهو على قسمين (الاول) ما يتوقف صدق الكلام عليه كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن امتى الخطاء والنسيان فان المراد رفع المؤاخذة عنها وإلّا لكذب او صحته عقلا كقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) فلو لم يقدّر الاهل لما صح الكلام عقلا او شرعا كقول القائل اعتق عبدك عنّى على الف اى مملكا لى على الف اذ لا يصح العتق شرعا الا فى ملك وهذا يسمى مدلولا بدلالة الاقتضاء فيكون المراد من دلالة الاقتضاء(هى الدلالة المقصودة للمتكلم التى يتوقف صدق الكلام او صحته عقلا او شرعا عليها) كما فى الخبر فانه لو لم يقدر فيه المؤاخذة ونحوها لزم الكذب لوقوع كثير من الامور المذكورة فى الامة المرحومة.

(والثانى) ما لا يتوقف صدق الكلام ولا صحته عليه ولكنه كان مقترنا بشىء لو لم يكن ذلك الشىء علة له لبعد الاقتران فيفهم منه التعليل فالمدلول هو علية ذلك الشىء لحكم الشارع مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّر بعد قول الاعرابى هلكت واهلكت واقعت

٥٧

اهلى فى نهار رمضان فيعلم من ذلك ان الوقاع علة لوجوب الكفارة عليه وهذا يسمى مدلولا(بدلالة التنبيه والايماء) وهذا فى مقابل المنصوص العلة فيصير الكلام فى قوة ان يقال اذا واقعت فكفّر.

(واما الثانى) فهو ما يلزم من الكلام بدون قصد المتكلم على ظاهر المتعارف فى المحاورات مثل دلالة قوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) مع قوله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) على كون اقل الحمل ستة اشهر فانه غير مقصود فى الآيتين والمقصود فى الاولى تعب الأمّ فى الحمل والفصال وفى الثانية بيان اكثر مدة الفصال وهذا يسمى (مدلولا بدلالة الاشارة).

(ثم) انه لما علم الاحتياج فى تصحيح الخبر الى التقدير بدلالة الاقتضاء فنقول فى تنقيح المرام يحتمل ان يكون المقدر جميع الآثار فى كل واحد من التسعة وهو الاقرب اعتبارا الى المعنى الحقيقى لانه ثبت فى محله اذا تعذرت الحقيقة تعين اقرب المجازات فحينئذ لا بد فيها من تقدير جميع الآثار فى كل واحد من التسعة فاذا دلت الرواية على رفع نفس الخطاء فلا بد من حملها على رفع جميع آثار الخطاء لكونه اقرب المجازات بالنسبة اليه بخلاف ما لو رفع بعض الآثار دون بعض لكونه ابعد بحسب الاعتبار بالنسبة الى رفع نفس الخطاء مثلا.

(ويحتمل) ان يكون المقدر فى كل منها ما هو الاثر الظاهر فيه ويحتمل ان يقدر المؤاخذة فى الكل (وهذا اقرب عرفا من الاول واظهر من الثانى ايضا) يعنى تقدير المؤاخذة فى كل واحد من التسعة اقرب عرفا من تقدير جميع الآثار لان الملاك فى التقديم والترجيح على الاقربية العرفية اذ لا عبرة بالاقربية الاعتبارية لان الاقرب بالاعتبار انما يؤخذ به اذا لم يكن اللفظ ظاهرا فى شيء عرفا وبعد ظهوره عرفا فى شىء يجب الاخذ به كما فى لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد فبعد ظهوره ولو بقرينة خارجة فى نفى الكمال لم يصح نفى الصحة بملاحظة الاقربية الاعتبارية.

٥٨

(ووجه الاظهرية) بالنسبة الى الثانى واضح بعد ملاحظة ظهور وحدة السياق كما ذكره الشيخ قدس‌سره من ان نسبة الرفع الى مجموع التسعة على نسق واحد فاذا اريد من الخطاء والنسيان وما اكرهوا عليه وما اضطروا اليه المؤاخذة على انفسها كان الظاهر فيما لا يعلمون ذلك ايضا.

٥٩

(نعم) يظهر من بعض الاخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الامة بخصوص المؤاخذة فعن المحاسن عن ابيه عن صفوان بن يحيى والبزنطى جميعا عن ابى الحسن عليه‌السلام فى الرجل يستحلف عن اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك فقال لا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن امتى ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطئوا الخبر فان الحلف بالطلاق والعتق والصدقة وان كان باطلا عندنا مع الاختيار ايضا إلّا ان استشهاد الامام عليه‌السلام على عدم لزومها مع الاكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة لكن النبوى المحكى فى كلام الامام عليه‌السلام مختص بثلاثة من التسعة فلعل نفى جميع الآثار مختص بها فتأمل.

(اقول) ان الشيخ قدس‌سره قد اختار فيما سبق ان تقدير المؤاخذة فى حديث الرفع اقرب عرفا من تقدير جميع الآثار بملاحظة الاقربية العرفية ولكن يكون هذا الخبر قرينة خارجية على ارادة عموم الآثار من خبر الرفع بناء على كون ما تضمنه هذا الخبر جزء من خبر الرفع قد نقله الامام فى مقام الاستشهاد.

(لا يقال) ان استدلال الامام عليه‌السلام فيها بحديث الرفع بالنسبة الى بعض الآثار لا يستكشف عن كون المقدر فى حديث الرفع هو جميع الآثار.

(لانه يقال) كون الامام عليه‌السلام فى مقام الاستدلال كاشف صدق عن كون الرواية واردة فى مقام بيان الكبرى الكلية وإلّا لخرج عليه‌السلام عن قاعدة الاستدلال.

(فان قيل) ان النبوى المحكى فى كلام الامام عليه‌السلام مختص بالثلاثة ولعله غير النبوى الذى هو محل الكلام فى المقام ولو سلم عدم التعدد فاقتصاره عليه‌السلام على الثلاثة يدل على ان نفى جميع الآثار مختص بها فلا يثبت فى غيرها.

(وقد اجيب) اولا ان الاصل عدم التعدد وثانيا بعد تسليم التعدد ان كلامهم عليهم‌السلام يكون بعضه مفسرا لبعض الآخر واذا ثبت نفى جميع الآثار فى هذه الثلاثة فمقتضى وحدة السياق كون الباقى ايضا بمثابتها وثالثا ان المقصود من الاستدلال رد

٦٠