درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

(وينبغى التنبيه على امور) الاول ان محل الكلام فى هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسى المستقل واما اذا احتمل كون شىء واجبا لكونه جزأ او شرطا لواجب آخر فهو داخل فى الشك فى المكلف به وان كان المختار جريان اصل البراءة فيه ايضا كما سيجىء إن شاء الله تعالى لكنه خارج عن هذه المسألة الاتفاقية (الثانى) انه لا اشكال فى رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه اذا اتى به لداعى احتمال المحبوبية لانه انقياد واطاعة حكمية والحكم بالثواب هنا اولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللازم بناء على انه فى حكم المعصية وان لم يفعل محرما واقعيا وفى جريان ذلك فى العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان اقواهما العدم لان العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا او اجمالا كما فى كل من الصلوات الاربع عند اشتباه القبلة وما ذكرنا من ترتب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلق الامر به بل هو لاجل كونه انقيادا للشارع والعبد معه فى حكم المطيع بل لا يسمى ذلك ثوابا ودعوى ان العقل اذا استقل بحسن هذا الاتيان ثبت بحكم الملازمة الامر به شرعا مدفوعة لما تقدم فى المطلب الاول من ان الامر الشرعى بهذا النحو من الانقياد كامره بالانقياد الحقيقى والاطاعة الواقعية فى معلوم التكليف ارشادى محض لا يترتب على موافقته ومخالفته ازيد مما يترتب على نفس وجود المأمور به او عدمه كما هو شأن الاوامر الارشادية فلا اطاعة لهذا الامر الارشادى ولا ينفع فى جعل الشىء عبادة كما ان اطاعة الاوامر المتحققة لم تصر عبادة بسبب الامر الوارد بها فى قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ويحتمل الجريان بناء على ان هذا المقدار من الحسن العقلى يكفى فى العبادة ومنع توقفها على ورود امر بها بل يكفى الاتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا.

(اقول) التنبيه الاول فى الشبهة الوجوبية من جهة عدم النص هو احتمال الوجوب النفسى المستقل كالشك فى وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فان الشك

٣٠١

فيه هو الشك فى الواجب النفسى المستقل فيرجع الشك فيه الى الشك فى التكليف الذى هو مورد البحث فى المقام هذا بخلاف ما اذا كان الشك فيه فى شىء احتمل كونه واجبا لكونه جزء او شرطا لواجب آخر كالشك فى الاستعاذة او السورة وفى الطمأنينة مثلا فان الشك فيها شك فى المكلف به مع ثبوت أصل التكليف وان كان مختاره قدس‌سره جريان أصل البراءة فيه ايضا كما سيجىء إن شاء الله تعالى لكنه خارج عن هذه المسألة الاتفاقية.

(التنبيه الثانى) انه لا اشكال فى حسن الاحتياط عقلا وشرعا فى الشبهة الوجوبية ايضا لعدم اختصاص ادلته بخصوص الشبهة التحريمية حتى فيما كان الدوران بين الوجوب والكراهة والظاهر يترتب عليه المثوبة ايضا لكونه مرددا بين الطاعة والانقياد كما لا اشكال ايضا فى جريانه فى العبادات فيما لو كان الدوران بين الوجوب والاستحباب ولو على القول باعتبار القربة الجزمية فى العبادة فانه بعد الجزم بتعلق الامر الشرعى بالعمل يمكن الاحتياط فيها باتيانها بداعى الامر الجزمى المتعلق به.

(واما لو كان الدوران بين الوجوب وغير الاستحباب) ففى جريان الاحتياط فيه اشكال ينشأ من اعتبار الجزم بالامر الشرعى تفصيلا او اجمالا فى تحقق القرب المعتبر فى العبادة فانه قد يقوى عنده قدس‌سره العدم نظرا الى ان العبادة لا بد فيها من نيّة التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا او اجمالا كما فى كل من الصلوات الاربع عند اشتباه القبلة وما ذكرنا من ترتب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلق الامر به بل هو لاجل كونه انقيادا للشارع والعبد معه فى حكم المطيع بل لا يسمى ذلك ثوابا لان الثواب عبارة عن الجزاء فى مقابل الاطاعة وهى لا تتحقق الا بعد وجود الامر من المولى.

(ولكن الاظهر هو الجريان) لمنع اعتبار القربة الجزمية فى عباديته مطلقا وكفاية مجرد احتمال المطلوبية فى ذلك فيما لا يعلم مطلوبيته ويترتب عليه المثوبة ايضا كما فى التوصليات حيث يستقل العقل بالمثوبة على الاتيان بما يحتمل الوجوب بداعى احتمال وجوبه من جهة كونه اطاعة وانقيادا لامر الشارع كاستقلاله بذلك فى

٣٠٢

الاتيان بالواجب بداعى وجوبه الجزمى اذ لا فرق بين التعبدى والتوصلى من هذه الجهة وانما الفرق بينهما من جهة حصول الغرض فى التوصليات باتيانها كيفما اتفق بخلاف التعبديات فان حصول الغرض وسقوط الامر فيها يتوقف على اتيانها عن داعى قربى الهى (نعم) لو قلنا بعدم كفاية القربة الرجائية فى عباديته واحتياج العبادة الى ضم القربة الجزمية لاشكل جدا جريان الاحتياط فى العبادة.

(قوله ودعوى) الغرض مما ذكر فى الدعوى بيان احراز الامر من جهة ان العقل اذا استقل بحسن الاحتياط يستكشف منه بقاعدة التلازم بين حكم العقل وحكم الشرع وجود أمر شرعى بالاحتياط فيصدق كون الشىء عبادة والاحتياط فيها مع ملاحظة الامر الشرعى المستكشف عنه المذكور.

(قوله مدفوعة الخ) لما تقدم فى المطلب الاول من ان أوامر الاحتياط كالامر بالانقياد الحقيقى والاطاعة الواقعية فى معلوم التكليف ارشادية الى ما استقل به العقل فلا يترتب عليها سوى ما كان العقل مستقلا به من حسن الانقياد واستيفاء الواقع فلا ينفع الامر الارشادى فى جعل الشىء عبادة كما ان اطاعة الاوامر المتحققة لم تصر عبادة بسبب الامر الوارد بها فى قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

٣٠٣

(ولذا استقرت) سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على اعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوى النادرة واستدل فى الذكرى فى خاتمة قضاء الفوائت على شرعية قضاء الصلوات لمجرد احتمال خلل فيها موهوم بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) و (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) والتحقيق انه ان قلنا بكفاية احتمال المطلوبية فى صحة العبادة فيما لم يعلم المطلوبية ولو اجمالا فهو وإلّا فما اورده قدس‌سره فى الذكرى كاوامر الاحتياط لا يجدى فى صحتها لان موضوع التقوى والاحتياط الذى يتوقف عليه هذه الاوامر لا يتحقق إلّا بعد اتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر فى العبادة حتى نية التقرب وإلّا لم يكن احتياطا فلا يجوز ان يكون تلك الاوامر منشأ للقربة المنوية فيها اللهم إلّا ان يقال بعد النقض بورود هذا الايراد فى الاوامر الواقعية بالعبادات مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) حيث ان قصد القربة مما يعتبر فى موضوع العبادة شطرا او شرطا والمفروض ثبوت مشروعيتها بهذا الامر الوارد فيها ان المراد من الاحتياط

(يعنى) ولاجل كفاية مجرد احتمال المطلوبية فى كون الاحتياط مستحبا شرعيا استقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على اعادة العبادات التى شك فى صحتها لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة الدالة المعتبرة على اعتبار شىء جزءا او شرطا فيها(ويؤيده) استدلال الشهيد قده فى الذكرى بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) و (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) على استحباب اعادة الصلوات التى شك فى صحتها لمجرد احتمال خلل موهوم فيها وان كانت محكومة بالصحة لقاعدة الفراغ ونحوها.

(والتحقيق عنده قدس‌سره) ان قلنا بكفاية احتمال المطلوبية فى صحة العبادة فيما لم يعلم المطلوبية ولو اجمالا فلا كلام فيه وإلّا فما اورده الشهيد فى الذكرى من الاستدلال بظاهر اوامر التقوى كاوامر الاحتياط لاثبات شرعية قضاء الصلوات يكون

٣٠٤

والاتقاء فى هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة فاوامر الاحتياط يتعلق بهذا الفعل وحينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب باطاعة هذا الامر ومن هنا يتجه الفتوى باستحباب هذا الفعل وان لم يعلم كون هذا الفعل مما شك فى كونها عبادة ولم يأت به بداعى احتمال المطلوبية ولو اريد بالاحتياط فى هذه الاوامر معناه الحقيقى وهو اتيان الفعل لداعى احتمال المطلوبية لم يجز للمجتهد ان يفتى باستحبابه إلّا مع التقييد باتيانه بداعى الاحتمال حتى يصدق عليه عنوان الاحتياط مع استقرار سيرة اهل الفتوى على خلافه فعلم ان المقصود اتيان الفعل بجميع ما يعتبر فيه عدا نية الداعى دوريا حيث ان تحقق موضوع التقوى كموضوع الاحتياط على القول بتوقف مشروعية العبادة على العلم بالامر يتوقف على الاتيان بمحتمل العبادة بجميع ما له دخل فيه شطرا او شرطا حتى قصد القربة المتوقف على العلم بالامر كما هو المفروض وليس هناك امر محقق بالفرض الا الامر بالتقوى المتوقف على التقوى المتوقفة على الامر حيث ان الامر فى مرتبة المحمول للمأمور به فيلزم توقف الامر بالتقوى عليها وتوقفها عليه وهذا دور ظاهر هذا محصّل الاعتراض على استدلال الشهيد قده (وحاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره) فى الجواب عن الاعتراض المذكور بقوله اللهم إلّا ان يقال الخ يرجع الى الوجهين اللذين بيّنهما فى بحر الفوائد بأدقّ بيان واحسن تحقيق انا نكتفى بنقل عبارته حيث قال (احدهما) النقض بالعبادات المحققة التى يعلم تعلق الامر بها فى الشريعة حيث ان المفروض ثبوت مشروعيتها بتلك الاوامر المتوقفة على قدرة المكلف على الاتيان بها بجميع ما له دخل فيها شرطا او شطرا التى منها قصد التقرب المتوقف على العلم بالامر والمفروض انه لا امر هناك الا تلك الاوامر فيتوقف العبادة التى هى مدلول المادة على الامر الذى هو مدلول الهيئة العارضة على المادة فيلزم الدور.

٣٠٥

(ثانيهما) الحل وبيانه ان المراد من المأمور به الذى هو الفعل الجامع لجميع ما يعتبر فيه باحد الوجهين عدا نية التقرب فلم يؤخذ قصد التقرب المتوقف على العلم بالامر فى المأمور به حتى يلزم الدور فان قصد القربة ليس فى عداد سائر الشرائط المأخوذة فى المأمور به وفى عرضها ومرتبتها وانما هى مأخوذة فى الاطاعة المتأخرة عن الامر فكيف يعتبر فى المأمور به المقدم على الامر فيقال ان المراد من الصلاة مثلا المتعلقة بها الامر هو الفعل الجامع لجميع الاجزاء والشرائط من غير ان يلاحظ فيها قصد التقرب وبعد قيام الدليل على كونها عبادة يحكم بوجوب ايجادها بعنوان العبادة وامتثال امر الشارع المتوقف على الامر المفروض تعلقه بها مجردة عن قصد التقرب وكذلك يقال فى التقوى والاحتياط وان المراد من عنوانهما المنطبق على العبادة المحتملة.

(والذى يشهد) لما ذكر من تجريد الفعل عن قصد الامر استوار سيرة المجتهدين على الفتوى باستحباب الفعل المذكور وان لم يعلم المقلد بكونه محتمل الوجوب فضلا عن ان يوجبون عليه الاتيان به لداعى امتثال الامر المحتمل ولو اريد بالاحتياط معناه الظاهر لم يجز للمفتى ان يفتى باستحبابه على الوجه المزبور هذا حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى دفع الاشكال والاعتراض على استدلال الشهيد قدس‌سره

٣٠٦

(ثم) ان منشأ احتمال الوجوب اذا كان خبرا ضعيفا فلا حاجة الى اخبار الاحتياط وكلفة اثبات ان الامر فيها للاستحباب الشرعى دون الارشاد العقلى لورود بعض الاخبار باستحباب فعل كل ما يحتمل فيه الثواب كصحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله شىء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله وعن البحار بعد ذكرها ان هذا الخبر من المشهورات رواه العامة والخاصة باسانيد والظاهر ان المراد من شىء من الثواب بقرينة ضمير فعمله واضافة الاجر اليه هو الفعل المشتمل على الثواب وفى عدة الداعى عن الكلينى قده انه روى بطرقه عن الائمة عليهم‌السلام انه من بلغه شىء من الخبر فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما فعله وارسل نحوه السيد قده فى الاقبال عن الصادق عليه‌السلام إلّا ان فيه كان له ذلك والاخبار الواردة فى هذا الباب كثيرة إلّا ان ما ذكرناها اوضح دلالة على ما نحن فيه وان كان يورد عليه ايضا تارة بان ثبوت الاجر لا يدل على الاستحباب الشرعى واخرى بما تقدم فى اوامر الاحتياط من ان قصد القربة مأخوذ فى الفعل المأمور به بهذه الاخبار فلا يجوز ان تكون هى المصححة لفعله فيختص موردها بصورة تحقق الاستحباب وكون البالغ هو الثواب الخاص فهو المتسامح فيه دون اصل شرعية الفعل وثالثة بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض لا العقاب محضا او مع الثواب لكن يرد هذا منع الظهور مع اطلاق الخبر ويرد ما قبله ما تقدم فى اوامر الاحتياط.

(اقول) انه لو كان منشأ احتمال الوجوب قيام خبر ضعيف عليه فقد يقال بعدم الاحتياج حينئذ فى الافتاء بالاستحباب الى اوامر الاحتياط وكلفة اثبات كونها للاستحباب المولوى لا الارشاد العقلى لورود الاخبار الكثيرة الآمرة بفعل كل ما بلغ فيه الثواب بخبر ضعيف حيث ان المستفاد منها هو استحباب ما بلغ فيه الثواب وحيث انجر الكلام الى ذلك فلا بأس بالتعرض لذكر الاخبار الواردة فى الباب وبيان ما يستفاد منها من الوجوه المحتملة فيها فنقول ان الاخبار الواردة فى الباب كثيرة.

٣٠٧

(منها) صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله شىء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان كان رسول الله لم يقله.

(ومنها) المروى عن صفوان عن الصادق عليه‌السلام قال من بلغه شىء من الثواب على شىء من الخير فعمل به كان له اجر ذلك وان كان رسول الله (ص) لم يقله (ومنها) خبر محمد بن مروان عن ابى عبد الله (ع) قال من بلغه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله شىء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله (ومنها) خبره الآخر قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل فعمله التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المستفيضة المتقاربة بحسب المضمون.

(ولا اشكال) فيها من جهة الاعتماد عليها بعد استفاضتها وكون بعضها من الصحاح وعمل المشهور بها والفتوى على طبقها وانما الاشكال فى دلالتها على الاستحباب حيث ان الوجوه المحتملة فيها كثيرة.

(احدها) ان يكون مفادها الاستحباب وذلك بجعل عنوان البلوغ قيدا للموضوع بان يكون العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان فيه المصلحة اقتضت استحبابه نظير عنوان ما اخبر به العادل على الموضوعية فكان المستفاد من قوله عليه‌السلام فعمله او ففعله هو الامر بالفعل اما لكون الجملة الخبرية بمعنى بالانشاء والطلب كما قيل او لدلالتها عليه بالملازمة او غير ذلك من الوجوه المذكورة فى وجه استفادة الطلب من امثال هذه الجمل الواردة فى مقام تشريع الاحكام كقوله من سرح لحيته فله كذا وقوله تسجد سجدتى السهو وتعيد الصلاة.

(ثانيها) ان تكون ارشادا الى حكم العقل بحسن الانقياد فى مورد بلوغ الثواب واحتمال المطلوبية كما يقتضيه ظهور قوله (ع) طلب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب بل وقوله (ع) فعمله الظاهر فى تفريع العمل على البلوغ الذى هو كناية عن احتمال المطلوبية.

٣٠٨

(ثالثها) ان يكون مفادها اسقاط شرائط حجية الخبر فى باب المستحبات وانه لا يعتبر فيها ما اعتبر فى الخبر القائم على وجوب شىء من العدالة والوثاقة وغيرهما وانها انما تعتبر فى الخبر القائم على الحكم الالزامى كالوجوب والحرمة.

(رابعها) ان يكون مفادها مجرد الاخبار عن فضل الله سبحانه وانه اذا عمل العامل عملا بلغه ثواب عليه اعطاه الله سبحانه بفضله ذلك الثواب الذى بلغه وان لم يكن الامر فى الواقع كما بلغه من غير ان تكون الاخبار الواردة فى المقام بصدد بيان حال العمل قبل صدوره من العامل وانه مستحب اولا.

(هذه) هى الوجوه المحتملة بدوا فى اخبار من بلغ والمناسب لما اشتهر بين الفقهاء من قاعدة التسامح فى ادلة السنن هو الاحتمال الثالث وان استشكل بعض بانه بعيد عن ظاهر الروايات الواردة فى المقام حيث قال ان لسان الحجية انما هو الغاء احتمال الخلاف والبناء على ان مؤدى الطريق هو الواقع كما فى ادلة الطرق والامارات لا فرض عدم ثبوت المؤدى فى الواقع كما هو لسان اخبار من بلغ فهو غير مناسب لبيان حجية الخبر الضعيف فى باب المستحبات ولا اقل من عدم دلالتها عليها فتامل.

(قوله وثالثة بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض) حاصل الاشكال الثالث ان اخبار من بلغ اخص من المدعى فحينئذ لا يكون شاملا لجميع الاقسام قيل يمكن ان يراد من العبارة ان ظاهرها اختصاصها بما اذا كان مدلول الخبر الضعيف هو الاستحباب فقط من جهة ان فيه بلوغ الثواب فقط لا ما اذا كان مدلوله العقاب على الفعل فقط بان كان مدلوله التحريم مع انهم حكموا فيه بالكراهة ولا ما اذا كان مدلوله الثواب على الفعل والعقاب على الترك بان كان مدلوله الوجوب فان فى بلوغ الوجوب بلوغ الثواب على الفعل والعقاب على الترك مع انهم قد حكموا فيه ايضا بالاستحباب فيكون الدليل اخص من المدعى من الوجهين المزبورين.

(قيل) يرد على العبارة على التقدير المزبور بان فى بلوغ التحريم ايضا

٣٠٩

بلوغ ثواب على الترك وعقاب على الفعل فكان الاولى عدم ذكر قوله لا العقاب فقط ويمكن ان يريد بما بلغ فيه الثواب المحض ما اذا تعلق الخبر الضعيف باستحباب شىء او بكراهته اذ فى تركها ايضا ثواب وليس فى فعلها عقاب ويحمل قوله لا العقاب فقط على التحريم وقوله او مع الثواب على الوجوب وفيه ما سلف وفيها احتمالات أخر لا تخلو عن القصور على جميعها انتهى.

(وكيف كان) قد اشتهر فى السنة الفقهاء كثر الله امثالهم قاعدة التسامح فى ادلة السنن والمكروهات وادعى الشهرة عليها جمع من الاصحاب منهم الشهيد الثانى فى الروضة والشيخ البهائى فى شرح الاربعين بل صريح عدة الداعى كظاهر الذكرى الاجماع عليها.

(والمراد) من التسامح انهم قد اكتفوا فى الحكم باستحباب شىء او كراهته بمجرد قيام خبر ضعيف عليهما او وجوبه لو قلنا بان الخبر الضعيف القائم على وجوب الشىء يندرج فى اخبار من بلغ ولا يختص بالخبر القائم على الاستحباب بل منهم من يحكم بالشهرة وفتوى الفقيه ايضا ولكن منشأ احتمال الوجوب اذا كان فتوى الفقيه لا يكون مشمولا لاخبار من بلغ لان المفتى ليس مخبرا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل مخبر عن رأيه واعتقاده فلا يصدق عليه البلوغ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(وربما) اورد على التسامح فى ادلة السنن بان الاحكام الخمسة كلها توقيفية ولا فرق فى ذلك بين الالزامى منها كالوجوب والحرمة وغيره كالاستحباب والكراهة اذ الدليل المثبت للحكم ان كان معتبرا فهو المتبع فى جميعها ولا يعد العمل به مسامحة وان لم يكن معتبرا لم يكن الاعتماد عليه فى شىء منها وقد اجيب عنه بان الحصر غير حاصر لجواز كون قسم من اقسام الدليل مما يعتمد عليه فى الحكم الغير الالزامى دون الحكم الالزامى لقيام الدليل العام على الفرق بينهما كاخبار من بلغ فافهم.

(تنبيه) هل يلحق بالخبر الضعيف فتوى الفقيه بالوجوب والاستحباب فتشمله الاخبار ام لا فيه وجهان بل قولان (ومحل الكلام) فيما لو كان الافتاء بالاستحباب

٣١٠

بمثل قوله يستحب كذا مع احتمال استناده الى رواية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واما مع عدم احتمال ذلك بان علم استناد فتواه الى بعض القواعد العقلية كتحسين العقل الاقدام على الاتيان بمقدمات الواجب مثلا فلا اشكال فى عدم الالحاق خصوصا لو كان مستنده غير تام لدى مجتهد آخر(فحينئذ) يقال اما على القول بالانقياد فلا اشكال واما على الاستحباب النفسى المولوى او الطريقى ففى التعدى الى فتوى الفقيه اشكال خصوصا على الطريقية حيث ان الاستحباب خلاف الاصل والقدر المتيقن من تلك الاخبار هى صورة قيام الخبر على الاستحباب مضافا الى دعوى انصراف اخبار بلوغ الثواب الى الثواب البالغ من غير جهة الحدس فلا تشمل حينئذ لمثل فتوى الفقيه المستندة الى حدسه باعمال اجتهاداته الظنية.

٣١١

(واما الايراد الاول) فالانصاف انه لا يخلو عن وجه لان الظاهر من هذه الاخبار كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعى على العمل ويؤيده تقييد العمل فى غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبى (ص) والتماس الثواب الموعود ومن المعلوم أن العقل مستقل باستحقاق هذا العامل المدح والثواب و(ح) فان كان الثابت فى هذه الاخبار اصل الثواب كانت مؤكدة يحكم العقل بالاستحقاق واما طلب الشارع لهذا الفعل فان كان على وجه الارشاد لاجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور وهو عين الامر بالاحتياط وان كان على وجه الطلب الشرعى المعبّر عنه بالاستحباب فهو غير لازم للحكم بتنجز الثواب لان هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجزه فيشبه قوله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي) إلّا ان هذا وعد على الاطاعة الحقيقية وما نحن فيه وعد على الاطاعة الحكمية وهو الفعل الذى يعد معه العبد فى حكم المطيع فهو من باب وعد الثواب على نية الخير التى يعد معها العبد فى حكم المطيع من حيث الانقياد واما ما يتوهم من ان استفادة الاستحباب الشرعى فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعى من الاخبار الواردة فى الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل مثل قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا.

(واما الايراد الاول) فهو ما اشار اليه قدس‌سره فيما تقدم بقوله وان كان يورد عليه ايضا تارة الخ اقول حاصل الايراد الاول انما يستفاد من اخبار من بلغ كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعى على العمل وهذا مفاد حكم العقل فلا يستكشف منها الاستحباب وذلك لان الانقياد بما هو ولو مع عدم تحقق الاطاعة الحقيقية موجب للمدح عقلا بلا اشكال ولا ريب (ومفاد) اخبار من بلغ ولو بملاحظة بعضها المشتمل على قوله من عمل كذا طلب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ترتب الثواب على العمل الموعود عليه الثواب اذا كان بداعى كونه مما يحتمل ان يكون مطلوبا فهو عين الانقياد الذى يستقل العقل بحسنه فيكون اخبار من بلغ مطابقا

٣١٢

لحكم العقل مضمونا(ولازمه) ان يكون المستفاد منه امرا ارشاديا لا شرعيا اذ حكم الشارع بترتب الثواب انما يدل على الاستحباب فيما اذا لم يكن ترتب الثواب من مستقلات العقل كما فى الموارد الموعود عليها الثواب كتسريح اللحية وقلم الاظفار ونحوهما من الامور التوقيفية التى لا مسرح للعقل فيها وهذا بخلاف المقام.

(قوله واما ما يتوهم) قد توهم بعض فى دلالة اخبار من بلغ على الاستحباب الشرعى من ترتب الثواب على الفعل وهو يستلزم الامر الشرعى استلزام اللازم للملزوم نظير استفادة الاستحباب الشرعى من الاخبار الواردة فى الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب مثل قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا وغير ذلك.

٣١٣

(مدفوع) بان الاستفادة هناك باعتباران ترتب الثواب لا يكون إلّا مع الاطاعة حقيقة او حكما فيرجع تلك الاخبار الى بيان الثواب على اطاعة الله سبحانه بهذا الفعل فهى تكشف عن تعلق الامر بها من الشارع فالثواب هناك لازم للامر يستدل به عليه استدلاليا انيّا ومثل ذلك استفادة الوجوب والتحريم مما اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك او الفعل واما الثواب الموعود فى هذه الاخبار فهو باعتبار الاطاعة الحكمية فهو لازم لنفس عمله المتفرع على السماع واحتمال الصدق ولو لم يرد به امر آخر اصلا فلا يدل على طلب شرعى آخر له نعم يلزم من الوعد على الثواب طلب ارشادى لتحصيل ذلك الموعود والغرض من هذه الاوامر كاوامر الاحتياط تأييد حكم العقل وترغيب فى تحصيل ما وعد الله عباده المنقادين المعذورين بمنزلة المطيعين وان كان الثابت بهذه الاخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها فهو وان كان مغايرا لحكم العقل باستحقاق اصل الثواب على هذا العمل بناء على أن العقل لا يحكم باستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعى الى الفعل بل قد يناقش فى تسمية ما يستحقه هذا العامل المجرد احتمال الامر ثوابا وان كان نوعا من الجزاء والعوض إلّا ان مدلول هذه الاخبار اخبار عن تفضل الله عزوجل على العامل بالثواب المسموع وهو ايضا ليس لازما لامر شرعى هو الموجب بهذا الثواب بل هو نظير قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ملزوم لامر ارشادى يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.

(حاصل الدفع) عن التوهم المذكوران الثابت بالاخبار فى الموارد الخاصة كقوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا وغير ذلك هو الوعد بالثواب على العمل الخاص فالعامل يعمل به من باب انه اطاعة الله سبحانه وانه مندوب ومأمور به فهى تكشف عن تعلق الامر بها من الشارع فالثواب هناك لازم للامر يمكن الاستدلال به عليه بالطريق الإنّي ومثل ذلك استفادة الوجوب والتحريم مما اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك او الفعل هذا بخلاف الثواب الموعود فى اخبار من بلغ فهو باعتبار الاطاعة

٣١٤

الحكمية فالعامل انما يعمل بفعل ما بلغ فيه ثواب بداعى بلوغ الثواب ورجاء ذلك وهو لا يستلزم ثبوت كون العمل طاعة حقيقية(نعم) يلزم من الوعد على الثواب طلب ارشادى لتحصيل ذلك الموعود والغرض من هذه الاوامر كاوامر الاحتياط تأييد حكم العقل وترغيب فى تحصيل ما وعد الله عباده المنقادين المعذورين بمنزلة المطيعين.

(والحاصل) ان الثواب الثابت بالاخبار الواردة فى الموارد الخاصة لا يحتاج فى اثباته الى غير تلك الإخبار إن كانت اسانيدها معتبرة فنفس تلك الاخبار المشتملة على ذكر ترتب الثواب متكفلة لاستحبابه بخلاف ما بلغ فيه ثواب بمثل خبر ضعيف فان اثبات الثواب فيه انما يتم بالنظر الى اخبار التسامح وغاية ما تفيده ترتب الثواب وهو لا يستلزم الاستحباب الشرعى.

(قوله فلا يدل على طلب شرعى آخر) يعنى لا يدل الثواب الموعود على كون الطلب شرعيا مولويا لان الامر المتعلق بالاطاعة الحكمية كالامر بالاطاعة الحقيقية فكما ان الامر بالاطاعة الحقيقية فى مثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ليس مولويا كذلك الامر المتعلق بالاطاعة الحكمية المستكشف من الوعد على الثواب عليها ليس إلّا ارشاديا.

(قوله وان كان مغايرا لحكم العقل الخ) يعنى ان العقل لا يحكم باستحقاق الثواب المسموع بل انما يحكم باستحقاق اصل الثواب فمن هذه الجهة لا تكون الاخبار مؤكدة لحكم العقل بل يفهم منه مطلب جديد لكن يشارك هذا الفرض ، الفرض السابق الذى كانت الاخبار عليه مؤكدة لحكم العقل من حيث ان ترتب الثواب المسموع لا يكون إلّا كاشفا عن الامر الارشادى المتعلق بالاطاعة الحكمية التى يترتب عليها ذلك الثواب الموعود فانه قد تقدم ان الامر المتعلق بالاطاعة حكمية كانت او حقيقية لا يكون إلّا ارشاديا.

(قوله بل هو نظير قوله تعالى من جاء بالحسنة الخ) يعنى ان الآية الشريفة

٣١٥

تدل على ترتب عشر الامثال على الاتيان بالحسنة وبعد توجه العقل الى مضمونها يحكم حكما قطعيا وامرا ارشاديا بالاتيان بها وتحصيل ذلك الثواب المضاعف وما يستفاد من الآية هو الامر الارشادى بتحصيل ذلك الثواب المضاعف فيكون الامر المستكشف منها ارشاديا مثل الامر العقلى المذكور.

٣١٦

(والحاصل) انه كان ينبغى للمتوهم ان يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير لا على ما ورد من الثواب فى بيان المستحبات ثم ان الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعى يظهر فى ترتب الآثار المترتبة على المستحبات الشرعية مثل ارتفاع الحدث المرتب على الوضوء المأمور به شرعا فان مجرد ورود خبر غير معتبر بالامر به لا يوجب إلّا استحقاق الثواب عليه ولا يترتب عليه رفع الحدث فتامل وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية فى الوضوء من باب مجرد الاحتياط لا يسوّغ جواز المسح ببلله بل يحتمل قويا ان يمنع من المسح ببلله وان قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا فافهم.

(حاصل الجواب) عن التوهم المذكور فى الشق الاول من شقى الترديد المذكورين فى العبارة انه ينبغى للمتوهم ان يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير حيث ان كلا منهما انقياد واطاعة حكمية وان الثواب انما يترتب عليهما بخلاف ما ورد من الثواب فى بيان المستحبات فان الثواب هناك انما يترتب على الاطاعة الحقيقية وترتبه انما يدل على كون الفعل مستحبا شرعيا ومأمورا به بالامر الشرعى فلا يناسب المقام فلا معنى لتنظيره اذ قد عرفت ان الثواب فى المقام انما يترتب على الاطاعة الحكمية وترتبه عليها لا يدل على كون الفعل مستحبا شرعيا بل انما يدل على كون الفعل بعنوان الرجاء مستحبا.

(قوله ان الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعى الخ) اشار قدس‌سره الى بيان الثمرة بين القول بدلالة اخبار من بلغ على الحكم المولوى والقول بكون مفادها الارشاد الى حكم العقل بحسن الانقياد فى ترتب الثواب على العمل الذى بلغ الثواب عليه (اقول) ان الشيخ قده ذكر فى بيان الثمرة موردين

(المورد الاول) جواز المسح ببلة المسترسل من اللحية لو دل على استحباب غسله فى الوضوء خبر ضعيف بناء على ثبوت الاستحباب الشرعى بالخبر الضعيف وعدم جواز المسح بها بناء على عدم ثبوته لعدم احراز كونه من اجزاء الوضوء حينئذ

٣١٧

(ولكن اورد) قدس‌سره على هذه الثمرة بأنه لا دليل على جواز الاخذ من بلة الوضوء مطلقا حتى من الاجزاء المستحبة وانما ثبت جواز الاخذ من الاجزاء الاصلية فالقول باستحباب غسل المسترسل من اللحية لا يستلزم جواز المسح ببلته.

(المورد الثانى) الوضوء الذى دل خبر ضعيف على استحبابه لغاية خاصة كقراءة القرآن مثلا فانه على القول باستحبابه يرتفع به الحدث وعلى القول بعدمه لا يرتفع به الحدث (واورد عليه) بان كل وضوء مستحب لم يثبت كونه رافعا للحدث فانه يستحب الوضوء للجنب والحائض فى بعض الاحوال مع انه لا يرتفع به الحدث وكذا الوضوء التجديدى مستحب ولا يرفع الحدث (وقد اجيب) عنه بان الوضوء انما يرفع الحدث الاصغر والجنب والحائض محدثان بالحدث الاكبر فعدم ارتفاع الحدث فيهما انما هو من جهة عدم قابلية المورد فلا ينتقض بذلك على الارتفاع فى مورد قابل كما هو محل الكلام ومن ذلك ظهر الجواب عن النقض بالوضوء التجديدى وغير ذلك من الثمرات التى تعرّض لها بعض المحشين فراجع.

(قوله فتامل) لعله اشارة الى عدم الدليل على كون كل وضوء مأمور به بالامر الشرعى رافع للحدث اذ وضوء الجنب والحائض مأمور به بالامر الشرعى مع انه لا يرفع الحدث ودعوى دلالة الاخبار على الاطلاق مشكلة جدا.

٣١٨

(الثالث) ان الظاهر اختصاص ادلة البراءة بصورة الشك فى الوجوب التعيينى سواء كان اصليا او عرضيا كالواجب المخير المتعين لاجل الانحصار واما لو شك فى الوجوب التخييرى والاباحة فلا يجرى فيه ادلة البراءة لظهورها فى عدم تعيين الشىء المجهول على المكلف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه وفى جريان اصالة عدم الوجوب تفصيل لانه ان كان الشك فى وجوبه فى ضمن كلى مشترك بينه وبين غيره او وجوب ذلك الغير بالخصوص فيشكل جريان اصالة عدم الوجوب اذ ليس هنا إلّا وجوب واحد مردد بين الكلى والفرد فتعين هنا اجراء اصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك واما اذا كان الشك فى ايجابه بالخصوص جرى فيه اصالة عدم الوجوب واصالة عدم لازمه الوضعى وهو سقوط الواجب المعلوم اذا شك فى اسقاطه له اما اذا قطع بكونه مسقطا للواجب المعلوم وشك فى كونه واجبا مسقطا للواجب الآخر او مباحا مسقطا لوجوبه نظير السفر المباح المسقط لوجوب الصوم فلا مجرى للاصل إلّا بالنسبة الى طلبه وتجرى اصالة البراءة عن وجوبه التعيينى بالعرض اذا فرض لتعذر ذلك الواجب الآخر.

(التنبيه الثالث) من تنبيهات الشبهة الوجوبية فى ان ادلة البراءة هل تختص بما لو كان الشك فى الوجوب التعيينى بالاصل او بالعرض كالواجب المخير المتعين لاجل الانحصار او يعم الشك فى الوجوب التخييرى فيه خلاف بين الاعلام وما عليه الشيخ قدس‌سره هو اختصاص ادلة البراءة بصورة الشك فى الوجوب التعيينى سواء كان اصليا او عرضيا فلا تجرى ادلتها فى الوجوب التخييرى. (ولكن قال بعض الاعلام) الظاهر هو عدم الاختصاص لانتفاء ما يقتضى التخصيص بالوجوب التعيينى بعد عموم ادلتها(ودعوى) ان الظاهر من ادلتها هو عدم تعين الشىء المجهول على المكلف بنحو يلتزم به ويعاقب على تركه وليس المشكوك المردد حكمه بين الوجوب التخييرى والاباحة من هذا القبيل (مدفوع) بان ما يحتمل كونه من افراد الواجب المخير ايضا كان مما يعاقب على تركه ولو

٣١٩

على تركه المقرون بترك الآخر المعبر عنه بالترك لامع البدل فمن هذه الجهة تعمه ادلة البراءة.

(واما توهم) ان المنسبق من ادلتها هو الاختصاص بما لو كان المشكوك مما يحتمل العقوبة على تركه بقول مطلق فتختص حينئذ بما لو كان الشك فى الوجوب التعيينى (فمدفوع) بان ذلك مجرد دعوى لا برهان عليها ولا شاهد لها بل لا يعتبر فى جريانها ازيد من كون الشىء مما يحتمل فيه العقوبة ولو على بعض انحاء تروكه وهو الترك فى حال ترك العدل والبدل لان مثل هذه الجهة ايضا نحو ضيق على المكلف فترفعه ادلة البراءة عقليها ونقليها.

(وعلى كل حال) ان المهم فى المقام هو التكلم حول جريان البراءة عن الوجوب التخييرى وعدمه فلا بأس من التعرض لبعض اقسامه (الاول) ان يعلم اجمالا بتوجه تكليف تخييرى لا محالة ولم يعلم ان التخيير هل هو بين امرين مثلا او بين امور ثلاثة كما اذا علم اجمالا انه مخير بين العتق وصوم ستين يوما ولكن لم يعلم انه هل هو مخير بينهما فقط او بينهما وبين اطعام ستين مسكينا وفى هذا الفرض لا اشكال فى جريان البراءة عن الوجوب التخييرى للامر الثالث كما تجرى عن الوجوب التعيينى عينا وهذا القسم لم يتعرض له الشيخ قدس‌سره صريحا ولكن لا يبعد استفادة حكمه من عموم كلامه.

(الثانى) ما اذا دار امر التكليف بين تعلقه بفرد معين او بكلى شامل له ولغيره كما اذا علم اجمالا انه اما يجب اكرام زيد العالم تعيينا او يجب اكرام مطلق العالم المنطبق على زيد وعمرو ويطلق على هذا القسم بدوران الامر بين التعيين الشرعى والتخيير العقلى فان الوجوب ان كان متعلقا باكرام زيد العالم فهو واجب تعيينى شرعى وان كان متعلقا باكرام العالم فكل من اكرام زيد وعمرو واجب تخييرى عقلى كما هو الشأن فى الكلى وافراده.

(وقد حكم الشيخ) قدس‌سره فى هذا القسم على ما يقتضى عبارته بعدم جريان ادلة البراءة عن الوجوب التخييرى بالنسبة الى عمرو نظر الى ما تقدم من

٣٢٠