درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

(الوجه الثانى) ان الاصل فى الافعال الغير الضرورية الحظر كما نسب الى طائفة من الامامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الاباحة ولم يرد الاباحة فيما لا نص فيه وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الامر بالتوقف والاحتياط فالمرجع الى الاصل ولو تنزلنا عن ذلك فالوقف كما عليه الشيخان واحتج عليه فى العدة بان الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة وقد جزم بهذه القضية السيد ابو المكارم فى الغنية وان قال باصالة الاباحة كالسيد المرتضى تعويلا على قاعدة اللطف وانه لو كان فى الفعل مفسدة لوجب على الحكيم بيانه لكن ردها فى العدة بانه قد يكون المفسدة فى الاعلام ويكون المصلحة فى كون الفعل على الوقف والجواب بعد تسليم استقلال العقل بدفع الضرر انه ان اريد ما يتعلق بامر الآخرة من العقاب فيجب على الحكيم تعالى بيانه فهو مع عدم البيان مأمون وان اريد غيره مما لا يدخل فى عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتبة مع الجهل ايضا فوجوب دفعها غير لازم عقلا اذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوى المقطوع اذا كان لبعض الدواعى النفسانية وقد جوز الشارع بل امر به فى بعض الموارد وعلى تقدير الاستقلال فليس مما يترتب عليه العقاب لكونه من باب الشبهة الموضوعية لان المحرم هو مفهوم الاضرار وصدقه فى المقام مشكوك كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاص والشبهة الموضوعية لا يجب الاجتناب عنها باتفاق الاخباريين ايضا وسيجىء تتمة الكلام فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى.

(الوجه الثانى) من تقريب حكم العقل ما ذكره بعضهم من ان الاصل فى الافعال الغير الضرورية والتى لا يتوقف عليها حفظ النظام هو الحظر بحكم العقل فلا يجوز الاقتحام فى كل امر لم يعلم الاذن فيه كما نسب ذلك الى طائفة من الامامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الاباحة ولم يرد الاباحة فيما لا نص فيه وما ورد من ادلة البراءة والاباحة على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الامر بالتوقف والاحتياط وبعد تعارضهما فالمرجع هو الاصل اى اصالة الحظر فى الافعال الغير الضرورية

٢٠١

ولو تنزلنا عن الاصل المذكور فالوقف كما عليه الشيخان قدس‌سرهما واحتج الشيخ على الحظر فى العدة بان الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم المفسدة فيه بمعنى كما يحكم العقل بقبح ما فيه المفسدة كالكذب والظلم كذلك يحكم بقبح ما فيه احتمال المفسدة كشرب التتن مثلا.

(وقد جزم) السيد ابو المكارم فى الغنية بالقضية المذكورة اى بان الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم المفسدة فيه وان قال باصالة الاباحة اعتمادا على قاعدة اللطف (قيل) انه لا تنافى بين الحكمين الصادرين عنه لان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل انما هو فى موضوع احتمال الضرر ومع ملاحظة قاعدة اللطف لا يحتمل الضرر فتكون قاعدة اللطف واردة على الحكم المذكور رافعة لموضوعه.

(واما الجواب) عن هذا الوجه الثانى مضافا الى النقض ايضا بالشبهة الوجوبية لان احتمال وجود المضرة والمفسدة كما يوجد فى الشبهة التحريمية كذا يوجد فى الشبهة الوجوبية غاية الامر انه فى احدهما بالنسبة الى الفعل والآخر بالنسبة الى الترك والمنع عن كون الاصل فى الاشياء الحظر بل الاصل فيها الاباحة لعموم قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فحاصله انا سلمنا استقلال العقل بدفع الضرر المحتمل لكن نقول انه ان اريد من الضرر المحتمل العقاب الاخروى فيجب على الحكيم تعالى بيانه فهو مع عدم البيان مأمون وان اريد من الضرر المحتمل غير العقاب مما لا يدخل فى عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتبة مع الجهل ايضا مثل كون شرب التتن موجبا للضعف والقسوة مثلا فوجوب دفعها غير لازم عقلا لان العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوى المقطوع اذا كان لبعض الدعاوى النفسانية كتحمل الشخص للتعب والمشقة فى المسافرة لداعى جلب المنفعة فى التجارة والحال ان الشارع قد امر بالضرر الدنيوى فى بعض الموارد كالجهاد ورد الحقوق المالية وغيرهما.

(وعلى تقدير استقلال العقل) بوجوب دفع الضرر المحتمل فليس مما يترتب عليه العقاب لكونه من باب الشبهة الموضوعية اذ المحرم هو مفهوم الاضرار

٢٠٢

وصدقه فى الموارد التى احتمل فيها الضرر مشكوك كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاص والشبهة الموضوعية لا يجب الاجتناب عنها باتفاق الاخباريين ايضا وسيجىء تتمة الكلام فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى.

(التحقيق) فى الجواب عن الوجه الثانى من تقريب حكم العقل اولا انه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف والاشكال بل كاد ان يكون الاجماع على خلافه لما تقدم من ان الاصل فى الاشياء هو الاباحة لعموم قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وثانيا انه لو سلم ان الاصل فى الافعال الغير الضرورية الحظر او الوقف حتى يثبت من الشرع الاباحة فقد ثبت من الشرع الاباحة للادلة المتقدمة الدالة على البراءة الشرعية كحديث الرفع والسعة والحجب بل وبعض الآيات ايضا واما الاخبار التى دلت على الاحتياط او الوقف فقد عرفت الجواب عنه وانه مما لا يصلح للمعارضة مع ما دل على الاباحة اصلا فالاقوى جواز الاقتحام فى الشبهات الحكمية التحريمية التى هى مورد البحث والنزاع بين الاخباريين والاصوليين.

٢٠٣

(وينبغى التنبيه على امور) الاول ان المحكى عن المحقق التفصيل فى اعتبار اصل البراءة بين ما يعمّ به البلوى وغيره فيعتبر فى الاول دون الثانى ولا بد من حكاية كلامه قدس‌سره فى المعتبر والمعارج حتى يتضح حال النسبة قال فى المعتبر الثالث يعنى من ادلة العقل الاستصحاب واقسامه ثلاثة (الاول) استصحاب حال العقل وهو التمسك بالبراءة الاصلية كما يقال الوتر ليس واجبا لان الاصل براءة الذمة ومنه ان يختلف العلماء فى حكم الدية المرددة بين الاقل والاكثر كما فى دية عين الدابة المترددة بين النصف والربع الى ان قال (الثانى) ان يقال عدم الدليل على كذا فيجب انتفائه وهذا يصح فيما يعلم انه لو كان هنا دليل لظفرنا به اما لامع ذلك فيجب التوقف ولا يكون ذلك الاستدلال حجة ومنه القول بالاباحة لعدم دليل الوجوب والحظر (الثالث) استصحاب حال الشرع فاختار انه ليس بحجة انتهى موضع الحاجة من كلامه قده وذكر فى المعارج على ما حكى عنه ان الاصل خلوّ الذمة عن الشواغل الشرعية فاذا ادعى مدع حكما شرعيا جاز لخصمه ان يتمسك فى انتفائه بالبراءة الاصلية فيقول لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعية لكن ليس كذلك فيجب نفيه وهذا الدليل لا يتمّ الّا ببيان مقدمتين إحداهما انه لا دلالة عليه شرعا بان يضبط طرق الاستدلالات الشرعية وتبين عدم دلالتها عليه والثانية ان يبيّن انه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلت عليه احدى تلك الدلائل لانه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق ولو كانت عليه دلالة غير تلك الادلة لما كانت الدلالات منحصرة فيها لكنا بينّا انحصار الاحكام فى تلك الطرق وعند ذلك يتم كون ذلك دليلا على نفى الحكم انتهى.

(اقول) يستفاد من عبارته قدس‌سره ولا بد من حكاية كلامه فى المعتبر والمعارج حتى يتضح حال النسبة انّها ليست بصادقة وليس كلامه فيهما ظاهرا فى التفصيل فى اعتبار اصل البراءة بين ما يعم به البلوى وغيره بل الظاهر من العبارة انه جعل اصل البراءة حجة مطلقا وتعرض للتفصيل بين ما يعم به البلوى وغيره فى عدم الدليل دليل

٢٠٤

على العدم لا فى اصل البراءة ويمكن ان يدعى التفصيل من عبارته فى المعتبر فيه لا فيها بناء على انهما اصلان متغايران ولكن قد سمّى بعض المحققين عدم الدليل ايضا باصل البراءة فتأمل.

(ولذلك) احال الشيخ قدس‌سره بقوله ولا بد من حكاية كلامه الخ الى فهم الناظر فى العبارتين من الكتابين واشار الى كذب الحكاية فى آخر التنبيه بقوله والحاصل انه لا ينبغى الشك فى ان بناء المحقق قدس‌سره على التمسك بالبراءة الاصلية مع الشك فى الحرمة كما يظهر من تتبع فتاويه فى المعتبر.

(قوله ره ومنه القول بالاباحة لعدم دليل الوجوب والحظر) حيث يتخيل من العبارة المذكورة ان المحقق قد جعل القول بالاباحة بالمعنى الذى هو محل الكلام من قسام ما لا يصح إلّا فيما علم انه لو كان هناك دليل لظفرنا به ومن المعلوم انه لا يكون كذلك الا ما يعم به البلوى وكذا يتخيل من قوله فى المعارج انه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّ عليه احدى تلك الدلائل انه لا يتم إلّا فيما يعم به البلوى.

(ولكن صرح بعض المحققين) بعدم صلاحية واحدة منهما لذلك حيث قال (اما الاول) فلان الاباحة فى قوله رحمه‌الله ومنه القول بالاباحة ليس بالمعنى الذى هو محل الكلام بل هو الاباحة الشرعية الواقعية التى هو احد الاحكام (واما الثانية) فلان تعليله ره ذلك لقوله ره لانه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به الخ يشهد بصراحته ان مراده من الحكم المنفى بذلك هو الحكم الفعلى المنجز ضرورة انه لا تكليف بنفس الواقع من حيث هو ليلزم من عدم الدلالة عليه التكليف بما لا يطاق ومن المعلوم انه لا يتفاوت الحال فى الحكم الفعلى بحسب الدليل بين ما يعم به البلوى وغيره.

(وقد افاد بعض المحققين) من المحشين ان التأمل فى اطراف كلمات المحقق قدس‌سره سيما قوله فى آخر كلامه فى المعارج المحكى فى الكتاب يقتضى القطع بعدم تعرضه لاصل البراءة وان محله فى الكتابين عدم الدليل دليل العدم مع

٢٠٥

ان جعله عدم الدليل على الحكم دليلا على عدم الحكم من جهة لزوم التكليف بما لا يطاق على تقدير ثبوته مع عدم الدليل لا تعلق له بالتفصيل المذكور فى عدم الدليل دليل العدم ايضا(ثم) ان كان مراده جعل ذلك دليلا على نفى الحكم فى مرحلة الواقع كما هو الظاهر من كلامه فلا تعلق له بباب البراءة اصلا وان كان ما افاده محل مناقشة من حيث ان عدم الدليل على حكم الفعل لا يجعله غير مقدور وان كان مراده جعل ذلك دليلا على نفى التكليف فى مرحلة الظاهر اى التكليف الفعلى كما استظهره شيخنا الانصارى قدس‌سره منه امكن الاستدلال به فى باب البراءة وان لم يكن تاما فان الدليل العقلى على نفى التكليف الفعلى انما هو حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان لا قبح التكليف بما لا يطاق على ما عرفته فى محله انتهى.

(قوله ومنه ان يختلف العلماء فى حكم الدية الخ) اقول اختلف الاصحاب فى حكم دية عين الدابة قال بعضهم انها ربع ثمنها استنادا الى بعض الروايات ونظرا الى البراءة الاصلية وقد افتى بمضمونها الشيخ ره وجماعة فى عين الدابة وعن الشيخ فى المبسوط والخلاف الافتاء بوجوب دفع نصف القيمة ولم يعرف لذلك مستند سوى القياس على عين الانسان بل ولم يعمل احد من المتأخرين بالروايات الدالة على الربع ايضا عدا المحقق ره فى النافع على ما حكى عنه ولكن المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم فى قطع اعضاء الدوّاب الحكم بوجوب الارش ويحمل الروايات الدالة على الربع على صورة مساواة الارش للربع.

(قال المحدث الاسترآبادى) فى الفوائد المدنية قد رجع المحقق عن جواز التمسك بالبراءة الاصلية فى غير ما يعم به البلوى فى اوائل كتاب المعتبر ثم قال المحدث وانا اقول التمسك بالبراءة الاصلية من حيث هى هى انما يجوز قبل اكمال الدين واما بعد ان كمل الدين وتواترت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم‌السلام بان كل واقعة تحتاج اليها الامة الى يوم القيامة وكل واقعة تقع فيها الخصمة بين اثنين ورد فيها خطاب قطعى من قبل الله تعالى حتى ارش الكف فلا يجوز قطعا وكيف يجوز فقد تواترت الاخبار عنهم عليهم‌السلام بوجوب التوقف فى كل واقعة لم نعلم حكمها معللين

٢٠٦

بانه بعد ان كمل الدين لا تخلو واقعة عن حكم قطعى وارد من الله تعالى وبان من حكم بغير ما انزل الله تعالى (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).

(وفى موضع آخر) فى الفوائد المدنية قال ايضا واما الاستصحاب فاقسامه ثلاثة استصحاب حال العقل وهو التمسك بالبراءة الاصلية كما تقول ليس الوتر واجبا لان الاصل براءة العهدة ومنه ان يختلف الفقهاء فى الحكم بالاقل والاكثر فيقتصر على الاقل كما يقول بعض الاصحاب فى عين الدابة نصف قيمتها ويقول الآخر ربع قيمتها فيقول المستدل يثبت الربع اجماعا فينتفى الزائد نظرا الى البراءة الاصلية.

(الثانى) ان يقال عدم الدليل على كذا فيجب انتفائه وهذا يصح فيما يعلم انه لو كان هناك دليلا لظفر به اما لامع ذلك فانه يجب التوقف ولا يكون ذلك الاستدلال حجة ومنه القول بالاباحة لعدم دليل الوجوب والحظر.

(الثالث) استصحاب حال الشرع كالمتيمّم يجد الماء فى اثناء الصلاة فيقول المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فتكون كذلك بعده وليس هذا حجة لان شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه ثم هذا لا يسلم عن المعارضة بمثله لانك تقول الذمة مشغولة قبل الاتمام فتكون مشغولة بعده انتهى.

٢٠٧

(وحكى عن المحدث الأسترآباديّ) فى فوائده ان تحقيق هذا الكلام هو ان المحدث الماهر اذا تتبع الاحاديث المروية عنهم عليهم‌السلام فى مسئلة لو كان فيها حكم مخالف للاصل لاشتهر لعموم البلوى بها فاذا لم يظفر بحديث دلّ على ذلك الحكم ينبغى ان يحكم قطعا عاديا بعدمه لان جما غفيرا من افاضل علمائنا اربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليه‌السلام كما فى المعتبر كانوا ملازمين لائمتنا عليهم‌السلام فى مدة تزيد على ثلاثمائة سنة وكان همّهم وهمّ الائمة اظهار الدين عندهم وتاليفهم كلما يستمعون منهم فى الاصول لئلا يحتاج الشيعة الى سلوك طريق العامة وليعمل بما فى تلك الاصول فى زمان الغيبة الكبرى فان رسول الله والائمة عليهم‌السلام لم يضيّعوا من كان فى اصلاب الرجال من شيعتهم كما فى الروايات المتقدمة ففى مثل تلك الصورة يجوز التمسك بان نفى ظهور دليل على حكم مخالف للاصل دليل على عدم ذلك الحكم فى الواقع الى ان قال ولا يجوز التمسك به فى غير المسألة المفروضة الّا عند العامة القائلين بانه صلى‌الله‌عليه‌وآله اظهر عند اصحابه كلما جاء به وتوفرت الدواعى على جهة واحدة على نشره وما خص احدا بتعليم شىء لم يظهره عند غيره ولم يقع بعده ما اقتضى اختفاء ما جاء به انتهى كلامه.

(اقول) لما كان هذا التحقيق من المحدث الأسترآباديّ لكلام المحقق بعد نقله فلا بأس بالاشارة الى نقل كلام المحقق قبل توضيح تحقيق المحدث لكلامه لتكون على بصيرة فى المبحث.

(قال المحقق) على ما حكى عنه فى كتاب الاصول اعلم ان الاصل خلوّ الذمة عن الشواغل الشرعية فاذا ادعى مدع حكما شرعيا جاز لخصمه ان يتمسك فى انتفائه بالبراءة الاصلية فقول لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعية لكن ليس كذلك فيجب نفيه ولا يتم هذا الدليل إلّا ببيان مقدمتين (إحداهما) انه لا دلالة عليه شرعا بان يضبط طرق الاستدلالات الشرعية وتبين عدم دلالتها عليه (والثانية) ان يبيّن انه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلت عليه احدى تلك الدلائل لانه لو لم تكن

٢٠٨

عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق ولو كان عليه دلالة غير تلك الادلة لما كانت ادلة الشرع منحصرة فيها لكن بينا انحصار الاحكام فى تلك الطرق وعند هذا يتم كون ذلك دليلا على نفى الحكم انتهى كلامه قدس‌سره.

(ثم قال المحدث الأسترآباديّ) بعد نقل كلامه وانا اقول لقد احسن واجاد المحقق الحلىّ فيما نقلناه عنه وما رأيت فقيها يكون حكيما بعد السيد المرتضى ورئيس الطائفة قدس الله سرهما الا اياه يشهد بذلك من تتبع كلامه فى الاصول وفى كتاب المعتبر وكلام غيره من المتأخرين.

(وتحقيق كلامه) ان المحدث الماهر اذا تتبع الاحاديث المروية عنهم عليهم‌السلام فى مسئلة لو كان فيها حكم مخالف للاصل لاشتهر لعموم البلوى بها ولم يظفر بحديث يدل على ذلك الحكم ينبغى ان يقطع قطعا عاديا بعدمه لان جما غفيرا من علمائنا اربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليه‌السلام كما مرّ نقله عن كتاب المعتبر كانوا ملازمين لائمتنا عليهم‌السلام فى مدة تزيد على ثلاثمائة سنة وكان همّهم وهمّ الائمة عليهم‌السلام اظهار الدين عندهم وتأليفهم كلما يسمعونه منهم فى الاصول لئلا يحتاج الشيعة الى سلوك طرق العامة ولتعمل بما فى تلك الاصول فى زمن الغيبة الكبرى فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام لم يضيّعوا من كان فى اصلاب الرجال من شيعتهم كما تقدم فى الروايات المتقدمة ففى مثل تلك الصورة يجوز التمسك بان نفى ظهور الدليل على حكم مخالف للاصل دليل على عدم ذلك الحكم فى الواقع مثاله نجاسة ارض الحمام ونجاسة الغسالة ووجوب قصد سورة معينة عند قراءة البسملة ووجوب نية الخروج من الصلاة بالتسليم وقد نقل عن امير المؤمنين عليه‌السلام ما يدل على ما ذكرناه حيث قال لمحمد بن الحنفية ما مضمونه لو سألت عن دليل على وحدة الاله فقل لو كان إله آخر لظهر منه اثر.

(ثم قال ايضا) واقول تحقيق المقام ان الاصوليين والكلاميين والمنطقيين يسمون تلك المقدمة وامثالها بالقطعيات العادية يشهد بذلك من تتبع شرح العضدى

٢٠٩

للمختصر الحاجبى وشرح المواقف والمقاصد ولا يجوز التمسك به فى غير المسألة المفروضة الا عند العامة القائلين بانه صلى‌الله‌عليه‌وآله اظهر عند اصحابه كل ما جاء به وتوفرت الدواعى على اخذه ونشره وما خص أحدا بتعليم شىء لم يظهره عند غيره ولم تقع بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله فتنة اقتضت اخفاء بعض ما جاء به صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى محل الحاجة من كلامه فى تحقيق كلام المحقق.

٢١٠

(اقول) المراد بالدليل المصحح للتكليف حتى لا يلزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به هو ما تيسر للمكلف الوصول اليه والاستفادة منه فلا فرق بين ما لم يكن فى الواقع دليل شأنى أصلا او كان ولم يتمكن المكلف من الوصول اليه او يمكن لكن بمشقة رافعة للتكليف او تيسر ولم يتم دلالته فى نظر المستدل فان الحكم الفعلى فى جميع هذه الصور قبيح على ما صرح به المحقق قدس‌سره فى كلامه السابق سواء قلنا بان وراء الحكم الفعلى حكما آخر يسمى حكميا واقعيا او حكما شأنيا على ما هو مقتضى مذهب المخطئة ام قلنا بأنه ليس ورائه حكم آخر للاتفاق على ان مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف هو الحكم الفعلى وحينئذ فكلما تتبع المستنبط فى الادلة الشرعية فى نظره الى ان علم من نفسه عدم تكليفه بازيد من هذا المقدار من التتبع ولم يجد فيها ما يدل على حكم مخالف للاصل صحّ له دعوى القطع بانتفاء الحكم الفعلى ولا فرق فى ذلك بين العام البلوى وغيره ولا بين العامة والخاصة ولا بين المخطئة والمصوبة ولا بين المجتهدين والاخباريين ولا بين احكام الشرع وغيرها من احكام ساير الشرائع وساير الموالى بالنسبة الى عبيدهم هذا بالنسبة الى الحكم الفعلى واما بالنسبة الى الحكم الواقعى النازل به جبرئيل عليه‌السلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لو سميّناه حكما بالنسبة الى الكل فلا يجوز الاستدلال على نفيه بما ذكره المحقق من لزوم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به لان المفروض عدم اناطة التكليف به.

(محصل الكلام) ان المحقق ان كان فى مقام اثبات البراءة الفعلية فلا وجه للتفصيل المذكور والحال انها يتوقف على عدم الدليل على ثبوت التكليف فاذا تفحص المكلف ولم يجد الدليل عليه فهو علّة تامة لعدم ثبوت التكليف الفعلى بحكم العقل من غير فرق بين العام البلوى وغيره بل مجرد عدم العلم بالبيان يوجب تقييده لقاعدة القبح بلا بيان.

(وان كان) فى مقام اثبات البراءة الواقعية فهو ليس ببعيد بداهة انها انما تثبت فيما يعم به البلوى فاذا المكلف بعد الفحص وعدم وجدانه كان مطمئنا بعدمه

٢١١

فى الواقع وإلّا لنقل لان المفروض كونه محل الابتلاء لعامة المكلفين وهذا بخلاف ما لا يعم به البلوى لان عدم وجدانه لا يدل على عدم الوجود فى الواقع.

(وكيف كان) ان ظاهر كلام المحقق فى المعتبر هو اثبات البراءة الواقعية دون الفعلية والقرينة عليه على ما قيل امران (احدهما) حكمه بوجوب التوقف فانه مما لا معنى له بالنسبة الى الحكم الظاهرى (وثانيهما) اثبات البراءة بالملازمة المستفادة من كلامه حيث قال لو كان هنا دليل لظفرنا به لانها ناظرة الى اثبات الحكم الواقعى ولكن ظاهر كلامه فى المعارج اثبات البراءة الفعلية كما يشهد به تمسكه بقاعدة التكليف بما لا يطاق.

(قوله فلا يجوز الاستدلال على نفيه بما ذكره المحقق) لما ذكره من عدم اناطة التكليف به لان التكليف منوط بالحكم الفعلى المنجز مع انه لا يكون تكليفا بما لا يطاق مع امكان الاحتياط ومن هذا يعلم عدم صحة الاستدلال بما ذكره المحقق من التعليل لا فى نفى الحكم الفعلى ولا فى نفى الحكم الواقعى ولكن يمكن ان يكون مراد المحقق نفى الحكم الواقعى فتأمل.

٢١٢

(نعم قد يظن) من عدم وجدان الدليل عليه بعدمه بعموم البلوى به لا بمجرده بل مع ظن عدم المانع عن نشره فى اول الامر من الشارع او خلفائه او من وصل اليه لكن هذا الظن لا دليل على اعتباره ولا دخل له باصل البراءة التى هى من الادلة العقلية ولا بمسألة التكليف بما لا يطاق ولا بكلام المحقق فما تخيّله المحدث تحقيقا لكلام المحقق مع انه غير تام فى نفسه اجنبى عنه بالمرة نعم قد يستفاد من استصحاب البراءة السابقة الظن بها فيما بعد الشرع كما سيجىء عن بعضهم لكن لا من باب لزوم التكليف بما لا يطاق الذى ذكره المحقق ومن هنا يعلم ان تغاير القسمين الاولين باعتبار كيفية الاستدلال حيث ان مناط الاستدلال فى هذا القسم الملازمة بين عدم الدليل وعدم الحكم مع قطع النظر عن ملاحظة الحالة السابقة فجعله من اقسام الاستصحاب مبنىّ على ارادة مطلق الحكم على طبق الحالة السابقة عند الشك ولو لدليل آخر غير الاتكال على الحالة السابقة فيجزى فيما لم يعلم فيه الحالة السابقة ومناط الاستدلال فى القسم الاول ملاحظة الحالة السابقة حتى مع عدم العلم بعدم الدليل على الحكم ويشهد لما ذكرنا من المغايرة الاعتبارية ان الشيخ لم يقل بوجوب مضى المتيمّم الواجد للماء اثناء صلاته لاجل الاستصحاب وقال به لاجل ان عدم الدليل دليل العدم نعم هذا القسم الثانى اعم موردا من الاول لجريانه فى الاحكام العقلية وغيرها كما ذكره جماعة من الاصوليين والحاصل انه لا ينبغى الشك فى ان بناء المحقق قدس‌سره على التمسك بالبراءة الاصلية مع الشك فى الحرمة كما يظهر من تتبع فتاويه فى المعتبر.

(اقول) هذا تعريض لما تقدم فى كلام المحدث الاسترآبادى من ان المحدث الماهر اذا تتبع الاحاديث المروية عن الائمة عليهم‌السلام فى مسئلة فلم يظفر بحديث دلّ على حكمها ينبغى ان يحكم قطعا عاديا بعدمه اذ لو كان فيها حكم مخالف للاصل لاشتهر لعموم البلوى بها(وبيان ذلك) ان الملازمة القطعية المستفادة من كلامه بين عدم وجدان الدليل على الحكم الواقعى فيما يعم به البلوى وبين عدمه ممنوعة(نعم) قد يظن من عدم وجدان الدليل عليه بعدمه لعموم البلوى به لكن لا بمجرده بل مع

٢١٣

ظن عدم المانع عن نشره فى اول الامر من الشارع او خلفائه او من وصل اليه من الصحابة.

(لكن هذا الظن) لا دليل على اعتباره عند المحقق وامثاله القائلين بعدم حجية الظن المطلق ولا دليل عليه بالخصوص حتى يكون ظنا خاصا وكذا لا دخل لهذا الظن باصل البراءة ضرورة انها من الادلة العقلية وهذا الظن خارج عن الحكم العقلى وكذا لا دخل له بمسألة التكليف بما لا يطاق لان حصول الظن فيما يعم به البلوى من جهة الفحص مع ظن عدم المانع من نشره فى اول الامر من الشارع او من خلفائه او من وصل اليه من الصحابة لا من جهة بطلان التكليف بما لا يطاق واما عدم دخله بكلام المحقق فلان كلام المحقق ناظر الى نفى الحكم الفعلى وكلام المحدث الى نفى الحكم الواقعى.

(قوله مع انه غير تام فى نفسه اجنبى عنه بالمرة) يعنى ما ذكره المحدث الأسترآباديّ توجيها لكلام المحقق غير تام لان حصول الظن فيما يعم به البلوى ليس دائميا بل قد يحصل وقد لا يحصل مع انه لو حصل الظن منه فليس مستند الى عموم البلوى فقط بل مع ظن عدم المانع من نشره فى اول الامر مع ان الظن قد يحصل فى غير عام البلوى ايضا مع انه لو حصل الظن فلا دليل على اعتباره بالخصوص حتى يكون ظنا خاصا وكونه حجة من باب دليل الانسداد موقوف على تماميته (مضافا الى ان) ما تخيله المحدث تحقيقا لكلام المحقق اجنبى عنه وغير مربوط بالنسبة الى كلامه لان كلام المحقق ناظر الى نفى الحكم الفعلى المعبر عنه بالحكم الظاهرى وكلام المحدث الى نفى الحكم الواقعى فيما يعم به البلوى دون غيره.

(نعم) قد يستفاد من استصحاب البراءة السابقة الظن بها فيما بعد الشرع كما سيجىء عن بعضهم لكن لا من باب لزوم التكليف بما لا يطاق الذى ذكره المحقق (ومن هنا يعلم) يعنى قد تبين من الفرق بين عدم الدليل واستصحاب البراءة السابقة ان تغاير القسمين الاولين من الاقسام الثلاثة التى ذكرها المحقق للاستصحاب فى المعتبر وهما استصحاب حال العقل المعبر عنه بالبراءة الاصلية وقاعدة عدم الدليل دليل العدم باعتبار كيفية الاستدلال

٢١٤

حيث ان مناط الاستدلال فى هذا القسم اى فى القسم الثانى الملازمة بين عدم الدليل وعدم الحكم اما من جهة قبح العقاب بلا بيان واما من جهة قبح التكليف بما لا يطاق وغير ذلك مع قطع النظر عن ملاحظة الحالة السابقة فيجرى حتى فيما لم يعلم فيه الحالة السابقة واما مناط الاستدلال فى القسم الاول اى البراءة الاصلية فهو ملاحظة الحالة السابقة والحكم بالبقاء فيه من جهة وجوده فى السابق حتى مع عدم العلم بعدم الدليل على الحكم.

(قوله فجعله من اقسام الاستصحاب مبنى الخ) يعنى ان الغالب فى عدم الدليل العلم بالحالة السابقة وان الحكم بعدم الحكم من جهة عدم الدليل موافق لعدم الحكم الثابت فى السابق فيكون الحكم فيه غالبا على طبق الحالة السابقة مع عدم الاعتماد عليها ولذا سمى هو ايضا استصحابا وإلّا فليس هو استصحابا حقيقيا من جهة عدم لزوم العلم بالحالة السابقة فيه وعدم الاتكال عليها لو وجدت.

(نعم) هذا القسم الثانى اى قاعدة عدم الدليل دليل العدم اعم موردا من الاول اى البراءة الاصلية لجريان القسم الثانى فى الاحكام العقلية وغيرها من الاحكام الفرعية بخلاف القسم الاول فانه لا يجرى الّا فى غير الاحكام العقلية من الاحكام الشرعية.

(وقد افاد صاحب بحر الفوائد) فى توضيح قوله قدس‌سره نعم هذا القسم الثانى اعم موردا من الاول ان النسبة بين الاصلين بحسب المورد هى عموم من وجه لجريان الاصل المذكور فى المسائل الاعتقادية والعملية دون الموضوعات الخارجية وجريان الاستصحاب فى الاحكام الشرعية العملية بالمعنى الاعم من الاصولية العملية والفقهية والموضوعات الخارجية دون المسائل الاعتقادية فغرض الشيخ قدس‌سره من الحكم بتعميم مورد الثانى انما هو لدفع كونه اخص مطلقا من الاستصحاب موردا لا لبيان كون الاستصحاب اخص منه مطلقا وان كان الاصل المذكور لا دليل عليه عندنا مع دعوى الاجماع عليه فى كلماتهم إلّا اذا افاد القطع بالعدم فان جرى فى مورده الاستصحاب حكمنا بمقتضاه وإلّا اعرضنا عنه فيرجع الى اصل آخر لكنه كلام آخر لا تعلق له بالمقام انتهى كلامه رفع مقامه.

٢١٥

(الثانى) مقتضى الادلة المتقدمة كون الحكم الظاهرى فى الفعل المشتبه الحكم هى الاباحة من غير ملاحظة الظن بعدم تحريمه فى الواقع فهذا الاصل يفيد القطع بعدم اشتغال الذمة لا الظن بعدم الحكم واقعا ولو افاده لم يكن معتبرا إلّا ان الذى يظهر من جماعة كونه من الادلة الظنية منهم صاحب المعالم عند دفع الاعتراض عن بعض مقدمات دليل الرابع الذى ذكره لحجية خبر الواحد ومنهم شيخنا البهائى قدس‌سره ولعل هذا هو المشهور بين الاصوليين حيث لا يتمسكون فيه إلّا باستصحاب البراءة السابقة بل ظاهر المحقق فى المعارج الاطباق على التمسك بالبراءة الاصلية حتى يثبت الناقل وظاهره ان اعتمادهم فى الحكم بالبراءة على كونها هى الحالة السابقة الاصلية والتحقيق انه لو فرض حصول الظن من الحالة السابقة فلا يعتبر والاجماع ليس على اعتبار هذا الظن وانما هو على العمل على طبق الحالة السابقة ولا يحتاج اليه بعد قيام الاخبار المتقدمة وحكم العقل.

(يعنى) مقتضى الادلة التى تقدمت فى اول البراءة خصوصا الروايات الواردة فى الباب كون الحكم الظاهرى فى الموضوع المشتبه الحكم هى الاباحة الظاهرية من غير ملاحظة الظن بعدم تحريمه فى الواقع.

(فاصل البراءة) يفيد القطع بعدم اشتغال الذمة لا الظن بعدم الحكم واقعا ولو أفاده لم يكن معتبرا الّا انه يظهر من جماعة ومنهم صاحب المعالم ان أصل البراءة من الادلة الظنية بمعنى ان اعتباره من باب الظن حيث قال واصالة البراءة لا يفيد غير الظن بل هو الظاهر من الاكثر حيث قالوا بأن اعتبار الاستصحاب من باب الظن.

(ولا يخفى) ان تمسكهم باستصحاب البراءة السابقة فى موارد الشبهة لا يدل على كون أصل البراءة من الادلة الظنية خصوصا عند من يقول بحجية الاستصحاب من باب الاخبار ويجعله أصلا تعبديا يعمل به فى مورد الشك ويأتى تفصيل البحث فى الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

٢١٦

(والتحقيق) ان أصل البراءة ان كان الاعتماد فى اعتباره الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان وما هو بمثابتها من الآيات والروايات فلا يدور مدار افادة الظن بل هو أصل تعبدى يفيد القطع بعدم العقاب ولذا ترى يتمسكون به فى موارد الشك والوهم فتخصيصه بصورة الظن ممّا لا وجه له وان فرض حصول الظن من الحالة السابقة فليس وجه لاعتبار هذا الظن اذ لم يدّع احد باعتباره من باب الظن الخاص وانما الاجماع منهم على العمل على طبق الحالة السابقة ولا حاجة الى هذا الاجماع بعد قيام الاخبار المتقدمة وحكم العقل.

(واعترض بعض المحشين) على قوله ولا يحتاج اليه الخ بابه قد استدل قدس‌سره فيما سبق على حجية أصل البراءة مضافا الى الاخبار المتقدمة والعقل بالاجماع فالحكم هنا بعدم الاحتياج اليه غير سديد ثم دفعه بأنه يمكن ان يكون المراد ان الاجماع على العمل على طبق الحالة السابقة انما يفيد فى الصورة المزبورة فقط ولا يجرى فيما لم يعلم فيه الحالة السابقة والعقل والاخبار المتقدمة يدلان على البراءة مطلقا حتى فيما لم يعلم فيه الحالة السابقة فتأمل.

٢١٧

(الثالث) لا اشكال فى رجحان الاحتياط عقلا ونقلا كما يستفاد من الاخبار المذكورة وغيرها وهل الاوامر الشرعية للاستحباب فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعى أو غيرى بمعنى كونه مطلوبا لاجل التحرز عن الهلكة المحتملة والاطمينان بعدم وقوعه فيها فيكون الامر به ارشاديا لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى الخاصية المترتبة على الفعل او الترك نظير اوامر الطبيب ونظير الامر بالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع وجهان من ظاهر الامر بعد فرض عدم ارادة الوجوب ومن سياق جلّ الاخبار الواردة فى ذلك فان الظاهر كونها مؤكدة لحكم العقل بالاحتياط والظاهر ان حكم العقل بالاحتياط من حيث هو احتياط على تقدير كونه الزاميا لمحض الاطمينان لدفع احتمال العقاب وكما اذا تيقن بالضرر يكون الزام العقل لمحض الفرار عن العقاب المتيقن فكذلك طلبه الغير الالزامى اذا احتمل الضرر بل وكما ان امر الشارع بالاطاعة فى قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) لمحض الارشاد لئلا يقع العبد فى عقاب المعصية ويفوته ثواب الطاعة ولا يترتب على مخالفته سوى ذلك فكذلك امر بالاخذ بما يأمن معه من الضرر لا يترتب على موافقته سوى الامان المذكور ولا على مخالفته سوى الوقوع فى الحرام الواقعى على تقدير تحققه ويشهد لما ذكرنا ان ظاهر الاخبار حصر حكمة الاجتناب عن الشبهة فى التفصى عن الهلكة الواقعية لئلا يقع فيها من حيث لا يعلم واقترانه مع الاجتناب عن الحرام المعلوم فى كونه ورعا.

(ملخص التنبيه الثالث) من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية ان رجحان الاحتياط مما لا اشكال فيه عقلا سواء كانت الشبهة تحريمية أو وجوبية وحكمية أو موضوعية لاحتمال وجود الواقع فيها ولا ريب ان حفظ الواقع مهما أمكن ولو مع الامن من العقاب راجح عقلا(واما رجحانه) شرعا فلكثير من الاخبار المتقدمة الآمرة بالتوقف أو الاحتياط ممّا كان ظاهره الاستحباب والرجحان دون الحتم والالزام.

٢١٨

(وانما الاشكال) فى ان الاوامر الدالة على الاحتياط هل هى للاستحباب المولوى من جهة الاخبار الآمرة بالاحتياط فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعى او للارشاد الى عدم الوقوع فى المفاسد الواقعية على تقدير وجودها واقعا كأمر الشارع بالاطاعة فى قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لمحض الارشاد فلا يترتب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصية المترتبة على الفعل أو الترك واليه يرجع كلامه قدس‌سره من حيث تنظيره باوامر الطبيب ونواهيه وبالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع فيها(وجهان) قضية ظاهر الامر هو الاول بعد فرض عدم ارادة الوجوب نظرا الى ان الاستحباب اقرب المجازات للامر وقضيّة سياق الاخبار الواردة فى الاحتياط هو الثانى لان ظاهرها يقتضى كونها مؤكدة لحكم العقل فى مرحلة امتثال الاحكام الواقعية فتكون تلك الاوامر ارشادية فيكون النهى عن الاخذ بالشبهات للارشاد الى عدم الوقوع فى المحرمات لان التجنب عن الشبهات يوجب حصول ملكة الردع عن المحرمات كما ان الاقتحام فيها يوجب التجرى على فعل المحرمات.

(نعم) اذا ارتفع موضوع الاحتياط وهو الشك واحتمال وجود الواقع فى المشتبه بان حصل القطع الوجدانى بالعدم أو كان الاحتياط سببا للعسر والحرج على المكلف أو للاخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس فحينئذ لا يحسن الاحتياط لا عقلا ولا شرعا بل يحرم فى بعض الصور كما فى صورة الاخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس كما لا يخفى.

٢١٩

(ومن المعلوم) ان الامر باجتناب المحرمات فى هذه الاخبار ليس إلّا للارشاد لا يترتب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصية الموجودة فى المأمور به وهو الاجتناب عن الحرام أو فوتها فكذلك الامر باجتناب الشبهة لا يترتب على موافقته سوى ما يترتب على نفس الاجتناب لو لم يامر به الشارع بل فعله المكلف حذرا من الوقوع فى الحرام ولا يبعد التزام ترتب الثواب عليه من حيث انه انقياد واطاعة حكمية فيكون حينئذ حال الاحتياط والامر به حال نفس الاطاعة الحقيقية والامر بها فى كون الامر لا يزيد فيه على ما ثبت فيه من المدح أو الثواب لو لا الامر هذا ولكن الظاهر من بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه‌السلام من ارتكب الشبهات نازعته نفسه الى أن يقع فى المحرمات وقوله من ترك الشبهات كان لما استبان له من الاثم اترك وقوله من يرتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه هو كون الامر به للاستحباب وحكمته ان لا يهون عليه ارتكاب المحرمات المعلومة ولازم ذلك استحقاق الثواب على اطاعة أوامر الاحتياط مضافا الى الخاصية المترتبة على نفسه ثم لا فرق فيما ذكرنا من حسن الاحتياط بالترك بين افراد المسألة حتى دوران الامر بين الاستحباب والتحريم بناء على ان دفع المفسدة الملزمة للترك أولى من جلب المصلحة الغير الملزمة وظهور الاخبار المتقدمة فى ذلك ايضا ولا يتوهم انه يلزم من ذلك عدم حسن الاحتياط فيما احتمل كونه من العبادات المستحبة بل حسن الاحتياط بتركه اذ لا ينفك ذلك عن احتمال كون فعله تشريعا محرما لان حرمة التشريع تابعة لتحققه ومع اتيان ما احتمل كونها عبادة لداعى هذا الاحتمال لا يتحقق موضوع التشريع ولذا قد يجب الاحتياط مع هذا الاحتمال كما فى الصلاة الى أربع جهات أو فى الثوبين المشتبهين وغيرهما وسيجىء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.

(يعنى) كما ان الامر باجتناب المحرمات ليس الّا للارشاد لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى الخاصية الموجودة فى المأمور به وهى الاجتناب عن الحرام الذى يترتب على الموافقة او فوتها الذى يترتب على المخالفة فكذلك الامر باجتناب

٢٢٠