درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

(وملخص الجواب) عن جميع تلك الاحاديث انه لا ينبغى الشك فى كون الامر فيها للارشاد من قبيل اوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع فى المضار اذ قد تبين فيها حكمة طلب التوقف ولا يترتب على مخالفته عقاب غير ما يترتب على ارتكاب الشبهة احيانا من الهلاك المحتمل فيها فالمطلوب فى تلك الاخبار ترك التعرض للهلاك المحتمل فى ارتكاب الشبهة فان كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروى كما لو كان التكليف متحققا فعلا فى موارد الشبهة نظير الشبهة المحصورة ونحوها او كان المكلف قادرا على الفحص وازالة الشبهة بالرجوع الى الامام (ع) او الطرق المنصوبة او كانت الشبهة من العقائد او الغوامض التى لم يرد الشارع التدين به بغير علم وبصيرة بل نهى عن ذلك بقوله ان الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فربما يوقع تكلف التدين فيه بالاعتبارات العقلية او الشواذ النقلية الى العقاب بل الى الخلود فيه اذا وقع التقصير فى مقدمات تحصيل المعرفة فى تلك المسألة ففى هذه المقامات ونحوها يكون التوقف لازما عقلا وشرعا من باب الارشاد كاوامر الطبيب بترك المضار وان كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب سواء كانت دينية كصيرورة المكلف بارتكاب الشبهة اقرب الى ارتكاب المعصية كما دل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة ام دنيوية كالاحتراز عن اموال الظلمة فبمجرد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا والمفروض ان الامر بالتوقف فى هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته لان المفروض كونه للارشاد فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضار المحتملة فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيا بمعنى ترتب العقاب على ارتكابه.

(حاصل الجواب) عن الاخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة لا يصلح إلّا للارشاد من قبيل اوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع فى المضار ولا يمكن ان يكون امرا مولويا يستتبع العقاب اذ علّل التوقف فيها بانه خير من الاقتحام فى الهلكة

١٦١

ولا يصح هذا التعليل إلّا ان تكون الهلكة مفروضة التحقق فى ارتكاب الشبهة مع قطع النظر عن هذه الاخبار الآمرة بالتوقف ولا يمكن ان تكون الهلكة المعللة بها وجوب التوقف مترتبة على نفس وجوب التوقف المستفاد من هذه الاخبار كما هو ظاهر فحينئذ

(ان كان الهلاك المحتمل) فى ارتكاب الشبهة من قبيل العقاب الاخروى كما لو كان التكليف متحققا فعلا فى موارد الشبهة كما فى الشبهة المحصورة او كان المكلف قادرا على الفحص وازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام او الطرق المنصوبة او كانت الشبهة فى الاعتقاديات او الغوامض التي لو لم تستند الى العلم واليقين كان المضى فيها اقتحاما فى الهلكة كصفات الله تعالى ومسائل الجبر والتفويض ونحوها بل نهى عن التدين بها بغير علم وبصيرة بقوله عليه‌السلام ان الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فربما يوقع تكلف التدين فى العقائد والغوامض بالاعتبارات العقلية والشواذ النقلية الى العقاب بل الى الخلود فيه اذا وقع التقصير فى مقدمات تحصيل المعرفة فى تلك المسألة ففى هذه المقامات المذكورة ونحوها يكون التوقف لازما عقلا وشرعا من باب الارشاد كأوامر الطبيب بترك المضار.

(وان كان الهلاك المحتمل) مفسدة غير العقاب سواء كانت دينية كصيرورة المكلف بارتكاب الشبهة اقرب الى ارتكاب المعصية كما دل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة ام دنيوية كالاحتراز عن اموال الظلمة فان فى ارتكابها ضررا دنيويا وهو الذلة والقسوة فبمجرد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا.

(والمفروض) ان الامر بالتوقف فى هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته لان المفروض كونه للارشاد فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضار المحتملة فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيا بمعنى ترتب العقاب على ارتكابه.

١٦٢

(وبالجملة) ان النهى عن القاء النفس فى التهلكة ان اريد بها التهلكة الدنيوية فلا شك فى انه ليس فى ارتكاب الفعل مع الشك فى حرمته احتمال التهلكة فضلا عن القطع بها وان اريد بها التهلكة الاخروية اعنى العقاب فكان الحكم بترك القاء النفس فيها ارشاديا محضا اذ لا يترتب على ايقاع النفس فى العقاب الاخروى عقاب آخر كى يكون النهى عنه مولويا مضافا الى ان الاصولى يرى ثبوت المؤمّن من العقاب فلا اثر لهذا النهى.

١٦٣

(وما نحن فيه) وهى الشبهة الحكمية التحريمية من هذا القبيل لان الهلكة المحتملة فيها لا تكون هى المؤاخذة الاخروية باتفاق الاخباريين لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد مخالفة الحرمة الواقعية المجهولة وان زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف فى الشبهة باوامر التوقف والاحتياط فاذا لم يكن المحتمل فيها هو العقاب الاخروى كان حالها حال الشبهة الموضوعية كاموال الظلمة والشبهة الوجوبية فى انه لا يحتمل فيها الا غير العقاب من المضار والمفروض كون الامر بالتوقف فيها للارشاد والتخويف عن ذلك المضرة المحتملة وبالجملة فمفاد هذه الاخبار باسرها التحذير عن التهلكة المحتملة فلا بد من احراز احتمال التهلكة عقابا كانت او غيره وعلى تقدير احراز هذا الاحتمال فلا اشكال ولا خلاف فى وجوب التحرز عنه اذا كان المحتمل عقابا واستحبابه اذا كان غيره فهذه الاخبار لا تنفع فى احداث هذا الاحتمال ولا فى حكمه فان قلت ان المستفاد منها احتمال التهلكة فى كل محتمل التكليف والمتبادر من التهلكة فى الاحكام الشرعية الدينية هى الاخروية فيكشف هذه الاخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لاجل الجهل ولازم ذلك ايجاب الشارع الاحتياط اذ الاقتصار فى العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهرى بالاحتياط قبيح.

(الحاصل) ان الشبهة الحكمية التحريمية كان حالها حال الشبهة الموضوعية كاموال الظلمة والشبهة الوجوبية فى انه لا يحتمل فيها الا غير العقاب من المضار لان الهلكة المحتملة فيها لا تكون هى المؤاخذة الاخروية بمجرد احتمال الحرمة الواقعية المجهولة باتفاق الاخباريين لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد احتمال الحرمة وان زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف فى الشبهة باوامر الاحتياط (وبالجملة) فمفاد هذه الاخبار بجميعها التحذير عن التهلكة المحتملة فلا بد من احراز احتمال التهلكة عقابا كانت او غيره وعلى تقدير احراز هذا الاحتمال من الخارج فلا اشكال ولا خلاف فى لزوم التحرز عنه اذا احرز كون الهلكة

١٦٤

المحتملة عقابا كما فى الشبهة المحصورة اذ عرفت عدم الخلاف بل الاجماع على وجوب الاحتياط وعدم جواز العمل باصل البراءة فيه واستحباب التحرز عنه اذا كان الهلكة المحتملة غير العقاب من المضار فهذه الاخبار لا تنفع فى احداث هذا الاحتمال اى العقاب ولا فى حكمه اذ مع احراز العقاب لا اشكال فى وجوب دفعه.

(قوله فان قلت الخ) حاصل السؤال ان هذه الاخبار تنفع فى احداث احتمال العقاب وفى حكمه بوجوب الاحتياط والاجتناب عن الشبهة بتقريب ان المستفاد من الاخبار احتمال التهلكة فى كل محتمل التكليف مع ظهور الهلكة فى مورد الشبهة(والمتبادر) من التهلكة فى الاحكام الشرعية الدينية هى الاخروية فيكشف هذه الاخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لاجل الجهل وقضية ذلك ايجاب الشارع الاحتياط اذ الاقتصار فى العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهرى بالاحتياط قبيح.

١٦٥

(قلت) ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعى فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعترف به وان كان حكما ظاهريا نفسيا فالهلكة الاخروية مترتبة على مخالفته لا مخالفة الواقع وصريح الاخبار ارادة الهلكة الموجودة فى الواقع على تقدير الحرمة الواقعية هذا كله مضافا الى دوران الامر فى هذه الاخباريين حملها على ما ذكرنا وبين ارتكاب التخصيص فيها باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية وما ذكرنا اولى وحينئذ فخيرية الوقوف عند الشبهة من الاقتحام فى الهلكة اعم من الرجحان المانع من النقيض ومن غير المانع منه فهى قضية تستعمل فى المقامين وقد استعملها الائمة عليهم‌السلام كذلك فمن موارد استعمالها فى مقام لزوم التوقف مقبولة ابن حنظلة التى جعلت هذه القضية فيها علة لوجوب التوقف فى الخبرين المتعارضين عند فقد المرجح وصحيحة جميل المتقدمة التى جعلت القضية فيها تمهيدا لوجوب طرح ما خالف كتاب الله ومن موارد استعمالها فى غير اللازم رواية الزهرى المتقدمة التى جعلت القضية فيها تمهيدا لترك رواية الخبر الغير المعلوم صدوره او دلالته فان من المعلوم رجحان ذلك لا لزومه وموثقة سعد بن زياد المتقدمة التى فيها قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة فان مولانا الصادق عليه‌السلام فسره فى تلك الموثقة بقوله عليه‌السلام اذا بلغك انك قد وضعت من لبنها اوانها لك محرمة وما اشبه ذلك فان الوقوف عند الشبهة من الاقتحام فى الهلكة الخبر ومن المعلوم ان الاحتراز عن نكاح ما فى الرواية من النسبة المشتبهة غير لازم باتفاق الاخباريين لكونها شبهة موضوعية ولاصالة عدم تحقق مانع النكاح.

(حاصل ما افاده قدس‌سره) فى الجواب عن الاشكال المذكوران ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن العقوبة المحتملة فهو مستلزم لترتب العقوبة على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعترف به المستشكل فى قوله الاقتصار فى العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهرى بالاحتياط قبيح.

١٦٦

(وان كان ايجاب الاحتياط) حكما ظاهريا نفسيا لا مقدميا وارشاديا فالهلكة وان كانت معلومة لكنها مترتبة حينئذ على مخالفة نفس هذا التكليف لا على مخالفة الواقع وصريح الاخبار ارادة الهلكة الموجودة فى الواقع على تقدير الحرمة الواقعية.

(هذا كله) مضافا الى دوران الامر فى هذه الاخبار بين حملها على ما ذكرنا من كون الامر فيها ارشاديا وبين كونه تكليفيا والالتزام بالتخصيص باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية والاول اولى اذ على ارادة الثانى يلزم ارتكاب التخصيص فى اخبار التوقف باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية سواء كانت تحريمية او وجوبية مع انهما اكثر افراد الشبهة فحينئذ يلزم تخصيص الاكثر بخلاف جعل الامر فيها ارشاديا.

(غاية الامر) يلزم التجوز فى الاخبار المذكورة بارادة الارشاد مع القرينة وهذا مجاز شايع لا محذور فيه قيل وفيه ان الاول مجاز اصولى والثانى مجاز لغوى واولوية تقديم الاول على الثانى اول الكلام وفيه ما لا يخفى عليك.

(وعلى ما ذكره قدس‌سره) خيرية الوقوف عند الشبهة من الاقتحام فى الهلكة اعم من الرجحان المانع من النقيض الذى ينطبق بالوجوب ومن غير المانع من النقيض الذى ينطبق بالندب فحينئذ جملة الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة تستعمل فى المقامين اى الوجوب والندب.

(وقد استعملها الائمة عليهم‌السلام) كذلك ففى مقبولة ابن حنظلة الواردة فى الخبرين المتعارضين وصحيحة جميل المتقدمة استعملت فى لزوم التوقف وفى رواية الزهرى المتقدمة وموثقة سعد بن زياد المتقدمة استعملت فى رجحان التوقف لا لزومه.

(قوله لكونها شبهة موضوعية) قيل محض كونها شبهة موضوعية لا توجب جريان اصل البراءة مع جريان اصالة الفساد المسلمة عندهم فى المعاملات الواردة

١٦٧

على اصل البراءة او الحاكمة عليه ولا يعارضه عموم اوفوا بالعقود ونحوه لعدم جريانه فى الشبهة الموضوعية نعم جريان اصالة عدم تحقق مانع النكاح مانع عن اصالة الفساد اذ هى اصل موضوعى والاصل الموضوعى حاكم على الاصل الحكمى اى اصالة الفساد فالاولى الاقتصار على الوجه الثانى فقط وهو اصالة عدم تحقق مانع النكاح.

١٦٨

(الثالثة) ما دلّ على وجوب الاحتياط وهى كثيرة منها صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين اصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما او على كل واحد منهما جزاء قال بل عليهما ان يجزى كل واحد منهما الصيد فقلت ان بعض اصحابنا سألنى عن ذلك فلم ادر ما عليه قال اذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا وتعلموا ومنها موثقة عبد الله بن وضاح على الاقوى قال كتبت الى العبد الصالح يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون فأصلى حينئذ وافطر ان كنت صائما او انتظر حتى تذهب الحمرة التى فوق الجبل فكتب عليه‌السلام ارى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك الخبر فان الظاهر ان قوله عليه‌السلام تأخذ بيان لمناط الحكم كما فى قولك للمخاطب ارى لك ان توفى دينك وتخلص نفسك فتدل على لزوم الاحتياط مطلقا ومنها ما عن أمالي المفيد الثانى ولد الشيخ قدس‌سرهما بسند كالصحيح عن مولانا ابى الحسن الرضا (ع) قال قال امير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت وليس فى السند الا على بن محمد الكاتب الذى يروى عنه المفيد قدس‌سره ومنها ما عن خط الشهيد قده فى حديث طويل عن عنوان البصرى عن ابى عبد الله (ع) يقول فيه سل العلماء ما جهلت واياك ان تسألهم تعنتا وتجربة واياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط فى جميع امورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الاسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس ومنها ما ارسله الشهيد وحكى عن الفريقين من قوله دع ما يريبك الى ما لا يريبك فانك لن تجد فقد شىء تركته لله عزوجل ومنها ما ارسله الشهيد ايضا من قوله (ع) لك ان تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك ومنها ما ارسل ايضا عنهم عليهم‌السلام ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط.

(اقول) ان الروايات التى استدل بها الاخباريون على القول بالاحتياط على طوائف اربع وقد تقدم منها الطائفة الاولى والثانية واما الطائفة الثالثة فهى الروايات

١٦٩

التى دلت على وجوب الاحتياط وهى كثيرة.

(منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين اصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما او على كل واحد منهما جزاء قال لا بل عليهما ان يجزى كل واحد منهما الصيد قلت ان بعض اصحابنا سألنى عن ذلك فلم ادر ما عليه قال اذا اصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.

(ولا يخفى) ان تمامية الاستدلال بهذه الرواية مبنية على جعل المماثلة هى المماثلة الجنسية لا الصنفية المختصة بالكفارات ولا النوعية المختصة بالشبهة الوجوبية ويكون المراد مثل هذه الشبهة الحكمية سواء كانت وجوبية او تحريمية غاية الامر خروج الوجوبية بالدليل إلّا ان ذلك خلاف الظاهر منها اذ الظاهر خصوص الصنفية المختصة بالكفارات الدائرة بين الاقل والاكثر والاحتياط فيها على تقدير لزومه فيها لا يوجب الاحتياط فى غيرها كما نبّه عليه المصنف.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن وضاح وقد ذكره فى الوسائل فى ذيل اخبار التوقف والاحتياط مختصرا وتمامه فى مواقيت الصلاة وهو هكذا قال كتبت الى العبد الصالح يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون أفأصلي حينئذ وافطر ان كنت صائما او انتظر حتى تذهب الحمرة التى فوق الجبل فكتب الىّ ارى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك (قوله) على الاقوى اشارة الى ان الرواية ضعيفة عند البعض وما ذكره من كونها موثقة على الاقوى انما هو باعتبار توثيق جماعة له.

(قوله) ويستر عنا الشمس اى قرص الشمس وان بقى ضوئها وشعاعها على الجدران والحيطان ونحوهما او المراد ستر شعاع الشمس بحيث لا يبقى اصلا فى الجدران والحيطان والاخير اولى لان المعنى الاول هو الذى يفيده قوله يتوارى القرص مع انه لا يناسب قوله عليه‌السلام يزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس.

١٧٠

(ومنها) ما رواه داود بن القاسم الجعفرى عن الرضا (ع) ان امير المؤمنين (ع) قال لكميل بن زياد اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت وقال السيد الكاظمى فى شرح الوافية ان على بن السندى لا يخلو عن جهالة انتهى إلّا ان يدفع الخلل برواية المفيد عنه كما اشار اليه الشيخ قدس‌سره.

(ومنها) ما عن خط الشهيد رحمه‌الله فى حديث طويل عن عنوان البصرى عن ابى عبد الله (ع) يقول فيه سل العلماء ما جهلت واياك ان تسألهم تعنّتا وتجربة واياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط فى جميع امورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتياء هربك من الاسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس.

(ومنها) ما ارسله الشهيد وحكى عن الفريقين من قوله دع ما يريبك الى ما لا يريبك فانك لن تجد فقد شىء تركته لله عزوجل.

(اقول) فى المجمع وفى الحديث المشهور دع ما يريبك الى ما لا يريبك يروى بفتح الياء وضمها والفتح اكثر والمعنى اترك ما فيه شك وريب الى ما لا شك فيه ولا ريب انتهى قوله فانك لن تجد فقد شىء الخ يعنى ما تركت شيئا لله تعالى الا وجدت اجره وثوابه فى الآخرة ولن تجد فقده وفى آخر الرواية اشعار بكونها مختصة بالشبهة التحريمية.

(ومنها) ما ارسله الشهيد ايضا قال وقال الصادق (ع) لك ان تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك قوله الحزم بالحاء المهملة والزاء المعجمة اى المتيقن.

(ومنها) ما ارسل ايضا عنهم عليهم‌السلام ليس بناكب على الصراط من سلك سبيل الاحتياط وغير ذلك من الروايات الواردة فى هذا المعنى والصحيح على ما يأتى عدم دلالة هذه الاخبار ايضا على وجوب الاحتياط فى المقام.

١٧١

(والجواب) اما عن الصحيحة فبعدم الدلالة لان المشار اليه فى قوله (ع) بمثل هذا اما نفس واقعة الصيد واما ان يكون السؤال عن حكمها وعلى الاول فان جعلنا المورد من قبيل الشك فى التكليف بمعنى ان وجوب نصف الجزاء على كل واحد متيقن ويشك فى وجوب النصف الآخر عليه فيكون من قبيل وجوب اداء الدين المردد بين الاقل والاكثر وقضاء الفوائت المرددة والاحتياط فى مثل هذه غير لازم بالاتفاق لانه شك فى الوجوب وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط فى مورد الرواية وامثاله مما ثبت التكليف فيه فى الجملة لاجل هذه الصحيحة وغيرها لم يكن ما نحن فيه من الشبهة مماثلا له لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا وان جعلنا المورد من قبيل الشك فى متعلق التكليف وهو المكلف به لكون الاقل على تقدير وجوب الاكثر غير واجب بالاستقلال نظير وجوب التسليم فى الصلاة فالاحتياط فيها وان كان مذهب جماعة من المجتهدين ايضا إلّا ان ما نحن فيه من الشبهة الحكمية التحريمية ليس مثلا لمورد الرواية لان الشك فيه فى اصل التكليف هذا مع ان ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلم فيها بعد ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط فى هذه الواقعة الشخصية حتى يتعلم المسألة مما يستقبل من الوقائع ومنه يظهر انه ان كان المشار اليه بهذا هو السؤال عن حكم الواقعة كما هو الثانى من شقّى الترديد فان اريد بالاحتياط فيه الافتاء بالاحتياط لم ينفع فيما نحن فيه وان اريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها اصلا حتى بالاحتياط فكذلك.

(محصل الجواب) عن الصحيحة على ما افاده قدس‌سره ان المشار اليه فى قوله عليه‌السلام بمثل هذا يحتمل وجهين (احدهما) ان يكون المشار اليه نفس واقعة الصيد بان كان المراد هى الاشارة الى المماثلة فى خصوص الواقعة بان يراد انكم اذا ابتليتم بمثل هذه الواقعة وما علمتم ما عليكم من الفعل فعليكم بالاحتياط فى كل ما كان مثلها.

(ثانيهما) ان يكون المشار اليه السؤال عن حكمها بمعنى اذا اشتبه عليكم

١٧٢

الامر ولم تعلموا حكمه فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا كما ان جزاء الصيد المشترك بين شخصين كان كذلك على ما فرض فى السؤال فالمعنى ان كلما سألتم عن مسئلة لا تدرون حكمها كما سألتم عن واقعة الصيد ولم تدروا حكمها فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا.

(وعلى الاول) فان جعلنا المورد من قبيل الشك فى التكليف النفسى المستقل بمعنى ان وجوب نصف الجزاء على كل واحد متيقن ويشك فى وجوب النصف الآخر عليه فيكون من قبيل وجوب اداء الدين المردد بين الاقل والاكثر وقضاء الفوائت المرددة.

وبعبارة اخرى يكون ما نحن فيه على الفرض المذكور من قبيل الاقل والاكثر الاستقلاليين والاحتياط فى مثل هذا غير لازم بالاتفاق لانه شك فى الوجوب وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط فى مورد الرواية وامثاله مما ثبت التكليف فيه فى الجملة لاجل هذه الصحيحة وغيرها لم يكن ما نحن فيه من الشبهة التحريمية مماثلا لمورد الرواية لعدم ثبوت التكليف فيما نحن فيه رأسا بخلاف مورد الرواية.

(ثم) ان مراده قدس‌سره من دعوى الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط فى الفرض المذكور اى فى الاقل والاكثر الاستقلاليين هو الاتفاق بعنوان الايجاب الكلى فلا ينافى ذهاب غير واحد الى وجوب الاحتياط فى الفوائت المرددة بين الاقل والاكثر.

(وان جعلنا المورد) من قبيل الشك فى متعلق التكليف وهو المكلف به نظرا الى رجوع الدوران فيها الى الاقل والاكثر الارتباطيين فتدل على وجوب الاحتياط فى كل ما كان امره من الشك فى المكلف به مرددا بين الاقل والاكثر فى الجملة فالاحتياط فيها وان كان مذهب الاخباريين جميعا وجماعة من المجتهدين ايضا إلّا ان ما نحن فيه من الشبهة الحكمية التحريمية ليس مثلا لمورد الرواية لان الشك فيه فى اصل التكليف.

(هذا) مع ان ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلم

١٧٣

فيما بعد ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط فى هذه القضية الشخصية حتى يتعلم المسألة لما يستقبل من الوقائع والفرض فيما نحن فيه عدم التمكن من استعلام حكم الواقعة فيجرى البراءة.

(قوله ومنه يظهر انه لو كان المشار اليه الخ) يعنى ومما ذكر من كون مورد الرواية هو الاقل والاكثر الاستقلاليان او الارتباطيان ظهران ما نحن فيه ليس مماثلا لمورد الرواية فلا وجه لسراية الاحتياط اليه سواء كان المراد منه هو الافتاء بالاحتياط او الاحتياط فيه بالاحتراز عنه حتى بالاحتياط.

(ثم الفرق) بين الاقل والاكثر الاستقلاليين والارتباطيين ان المراد من الاول كون الاقل واجبا مستقلا على تقدير وجوب الاكثر مثلا اذا شك فى اشتغال الذمة بين درهم ودرهمين والاشتغال بدرهم واحد متيقن والشك فى الاشتغال فى الزائد عنه فعلى تقدير وجوب الاكثر فى الواقع يبرئ الذمة باتيان الاقل بالنسبة اليه.

(واما المراد من الثانى) كون الاقل واجبا مقدميا على تقدير وجوب الاكثر لا استقلاليا مثلا اذا كان الواجب فى مسئلة الصيد على كل واحد جزاء لم يحصل الامتثال والبراءة باداء نصف الجزاء وهذا من قبيل الصلاة مع السورة وبدونها ولا يحصل الامتثال بالصلاة بدون السورة لو كان الواجب فى الواقع هو الصلاة معها.

١٧٤

(واما عن الموثقة) فبان ظاهرها الاستحباب والظاهر ان مراده الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعية لاحتمال عدم استتار القرص وكون الحمرة المرتفعة امارة عليها لان ارادة الاحتياط فى الشبهة الحكمية بعيدة عن منصب الامام عليه‌السلام لانه لا يقرر الجاهل بالحكم على جهله ولا ريب ان الانتظار مع الشك فى الاستتار واجب لانه مقتضى استصحاب عدم الليل والاشتغال بالصوم وقاعدة الاشتغال بالصلاة فالمخاطب بالاخذ بالحائطة هو الشاك فى براءة ذمته عن الصوم والصلاة ويتعدى منه الى كل شاك فى براءة ذمته عما يجب عليه يقينا لا مطلق الشاك لان الشاك فى الموضوع الخارجى مع عدم تيقن التكليف لا يجب عليه الاحتياط باتفاق من الاخباريين ايضا هذا كله على تقدير القول بكفاية استتار القرص فى الغروب وكون الحمرة غير الحمرة المشرقية ويحتمل بعيدا ان يراد من الحمرة الحمرة المشرقية التى لا بد من زوالها فى تحقق الغروب وتعليله عليه‌السلام ح بالاحتياط وان كان بعيدا عن منصب الامام (ع) كما لا يخفى إلّا انه يمكن ان يكون هذا النحو من التعبير لاجل التقية لايهام ان الوجه فى التأخير هو حصول الجزم باستتار القرص وزوال احتمال عدمه لا أن المغرب لا يدخل مع تحقق الاستتار كما ان قوله (ع) ارى لك يستشم منه رايحة الاستحباب فلعل التعبير به مع وجوب التأخير من جهة التقية وحينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدل إلّا على رجحانه.

(واما الجواب عن الموثقة) الدالة على الاحتياط فان ظاهرها بقرينة قوله ارى لك الاستحباب لا وجوب الاحتياط مضافا الى انه يمكن ان يكون المراد من الاحتياط الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعية لاحتمال عدم استتار قرص الشمس وكون الحمرة المغربية امارة عليها لان ارادة الاحتياط فى الشبهة الحكمية بعيدة عن منصب الامام المنصوب لازالة الشبهة عن حكم الوقائع فان احتمال الجهة المقتضية لتقرير الجاهل على جهله وبيان الحكم الظاهرى له على خلاف الاصل والقاعدة. (ولا ريب) ان الانتظار فى مورد السؤال وامثاله من الشبهات الموضوعية

١٧٥

الراجعة الى الشك فى الاتيان بما كلف به يقينا لازم قطعا لقاعدة الشغل فالموثقة حينئذ تكون دليلا على مذهب جماعة اختاروا فى الغروب الشرعى مجرد استتار القرص كما عليه مذهب العامة ايضا خلافا للمشهور حيث اعتبروا ذهاب الحمرة المشرقية كما اشار الى ذلك قدس‌سره بقوله هذا كله على تقدير القول بكفاية استتار القرص فى الغروب وكون الحمرة المرتفعة فوق الجبل غير الحمرة المشرقية فتخرج الرواية عن مفروض البحث.

(وقوله ويحتمل بعيدا الخ) يعنى يحتمل بعيدا ان تكون الشبهة فى مورد الموثقة حكمية بان يكون المراد من الحمرة المرتفعة الحمرة المشرقية التى لا بد من زوالها فى تحقق الغروب فيكون السؤال حينئذ عن وقت المغرب الذى تجب الصلاة فيه ويجوز الافطار عنده وانه هل يتحقق باستتار القرص او لا بد من ذهاب الحمرة المشرقية والامام (ع) فى مقام رفع هذه الشبهة وبيان ان الحمرة المشرقية لا بد من زوالها فى جواز الافطار وصحة الصلاة كما هو المشهور عند الخاصة فبيّن الحكم الشرعى بلسان الامر بالاحتياط وقال (ع) تأخذ بالحائطة لدينك.

(ولعل السر) فى الامر بالاحتياط مع انه كان ينبغى ازالة الشبهة ورفع جهل السائل بالزامه بالانتظار الى ان تذهب الحمرة المشرقية هو التقية والتباس الامر على العامة القائلين بتحقق المغرب باستتار القرص فامره (ع) بالاحتياط لكى يتخيل لهم ان الامر بالانتظار انما كان لاجل الاحتياط وحصول اليقين باستتار القرص لا لاجل ان المغرب لا يتحقق إلّا بذهاب الحمرة المشرقية فالامام عليه‌السلام قد افاد وجوب الانتظار على خلاف فتوى العامة ببيان لا ينافى التقية كما ان قوله (ع) ارى لك ان تنتظر الذى يستشم منه رائحة الاستحباب انما كان للتقية والتباس الامر على العامة لكن يزعموا ان الحكم بالتأخير الى ذهاب الحمرة عند الخاصة انما هو لاجل الاحتياط وحينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدل إلّا على رجحانه وان كان الاحتياط فى مورد الموثقة لازما قطعا بمقتضى الاستصحاب إلّا ان التعبير به مع وجوب التأخير من جهة التقية.

١٧٦

(واما عن رواية الامالى) فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم اخراج اكثر موارد الشبهة وهى الشبهة الموضوعية مطلقا والحكمية الوجوبية والحمل على الاستحباب ايضا مستلزم لاخراج موارد وجوب الاحتياط فيحمل على الارشاد او على الطلب المشترك بين الوجوب والندب وحينئذ فلا ينافى وجوبه فى بعض الموارد وعدم لزومه فى بعض آخر لان تأكد الطلب الارشادى وعدمه بحسب المصلحة الموجودة فى الفعل لان الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرة فيختلف رضاء المرشد بتركه وعدم رضاءه بحسب مراتب المضرة كما ان الامر فى الاوامر الواردة فى اطاعة الله ورسوله للارشاد المشترك بين فعل الواجبات وفعل المندوبات هذا والذى يقتضيه دقيق النظر ان الامر المذكور بالاحتياط لخصوص الطلب الغير الالزامى لان المقصود منه بيان اعلى مراتب الاحتياط لا جميع مراتبها ولا المقدار الواجب والمراد من قوله (ع) بما شئت ليس التعميم من حيث القلة والكثرة والتفويض الى مشية الشخص لان هذا كله مناف لجعله بمنزلة الاخ بل المراد ان اىّ مرتبة من الاحتياط شئتها فهى فى محلها وليس هنا مرتبة من الاحتياط لا نستحسن بالنسبة الى الدين لانه بمنزلة الاخ الذى هو لك وليس بمنزلة سائر الامور لا يستحسن فيها بعض مراتب الاحتياط كالمال وما عدا الاخ من الرجال فهو بمنزلة قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ومما ذكرنا يظهر الجواب عن سائر الاخبار المتقدمة مع ضعف السند فى الجميع نعم يظهر من المحقق فى المعارج اعتبار سند النبوى دع ما يريبك حيث اقتصر فى رده على انه خبر واحد لا يعوّل عليه فى الاصول وان الزام المكلف بالاثقل مظنة الريبة وما ذكره قدس‌سره محل تأمل لمنع كون المسألة اصولية ثم منع كون النبوى من اخبار الآحاد المجردة لان مضمونه وهو ترك الشبهة يمكن دعوى تواتره ثم منع عدم اعتبار اخبار الآحاد فى المسألة الاصولية وما ذكره من ان الزام المكلف بالاثقل الخ فيه ان الالزام من هذا الامر فلا ريبة فيه. (واما لجواب عن رواية الامالى) التى لم ترد فى مورد خاص فبعدم دلالتها على

١٧٧

وجوب الاحتياط وان كان الامر بحسب الهيئة ظاهرا فيه نظرا الى ان حمله عليه يوجب اخراج اكثر موارد الشبهة وهى الشبهة الموضوعية مطلقا وجوبية كانت او تحريمية والشبهة الحكمية الوجوبية مضافا الى ان الرواية آبية عن التخصيص جدا وان لم يلزم تخصيص الاكثر نظرا الى جعل الدين بمنزلة الاخ وجعله عليه وحصر الاخوة فى الدين يقتضى محافظته عن جميع ما يرد عليه من النقص والعيب لا محافظته عن بعض دون بعض كما هو مقتضى ارتكاب التخصيص.

(قوله والحمل على الاستحباب) يعنى ان حمل الامر بالاحتياط فى الرواية على الاستحباب فهو مستلزم لاخراج موارد وجوب الاحتياط كما فى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى وغيرها(فيحمل الامر بالاحتياط) فى الرواية على الطلب الارشادى المشترك بين الوجوب والندب او على الطلب المولوى المشترك بينهما ويدل على الاول قوله قدس‌سره لان تأكد الطلب الارشادى الخ ثم ان الاولى ذكر هذا التعليل قبل قوله او على الطلب المشترك بين الوجوب والندب الخ.

(فحاصل) ما ذكره قدس‌سره ان الامر بالاحتياط فى الرواية ليس امرا مولويا يوجب الثواب بموافقته والعقاب بمخالفته كما هو شأن الاوامر المولوية بل هو امر ارشادى كالاوامر الواردة فى اطاعة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فان مقتضى هذا الامر للارشاد والهداية الى المصالح التى كانت فى الاوامر الشرعية الواردة فى التكاليف الشرعية من الواجبات والمندوبات هذا.

(قوله والذى يقتضيه دقيق النظر الخ) حاصل ما يقتضيه دقة نظره قدس‌سره ان المقصود من الامر بالاحتياط فى الرواية خصوص الطلب الغير الالزامى لان الغرض منه بيان اعلى مراتب الاحتياط والقرينة عليه التعبير بالاخ وليس المراد منه الاحتياط بجميع مراتبه بحيث لا يدع مرتبة من مراتبه حتى يدل على وجوب الاحتياط ولا المقدار الواجب منه وترك ما زاد عنه من مراتب الاحتياط لمنافاتهما لجعله بمنزلة الاخ الذى هو لك لا الجار ولا العم والخال اذ لا يستحسن فى حقهم بعض مراتب الاحتياط فيكون مفاد الرواية كمفاد قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) كما ان

١٧٨

الآية لا تفيد الالزام بل مجرد الرجحان فكذلك الرواية.

(ومما ذكرنا) يعنى من حمل الامر بالاحتياط فى الرواية على الطلب الارشادى المشترك او الطلب المولوى المشترك يظهر الجواب عن سائر الاخبار المتقدمة التى لم ترد فى مورد خاص مع ضعف السند فى الجميع (نعم) يظهر من المحقق اعتبار سند النبوى دع ما يريبك حيث اقتصر فى رده على انه خبر واحد لا يعوّل عليه فى الاصول لان باب العلم فيه مفتوح فلا يعتنى فيه بالظن وان الزام المكلف بالاثقل اى الاحتياط مظنة الريبة اذ فى ايجابه مشقة للعباد ولعل الله تعالى لا يرضى بتحميل عباده على العمل الذى فيه المشقة.

(قوله وما ذكره قدس‌سره محل تأمل الخ) يعنى ما ذكره المحقق محل تأمل لمنع كون المسألة اصولية لان البحث عن الاحتياط مضافا الى ان الذى لا يعتنى فيه بالظن هو اصول الدين لا اصول الفقه مما يعرض فعل المكلف فيكون البحث عنه من المسائل الفرعية لا الاصولية ثم منع كون النبوى من اخبار الآحاد المجردة لان مضمونه وهو ترك الشبهة يمكن دعوى تواتره ثم منع عدم اعتبار اخبار الآحاد فى المسألة الاصولية لان الدليل الدال على حجية خبر العادل ولزوم تصديقه يشمل الاحكام الاصولية والفقهية نعم لو كان المستند فى حجيته الاجماع او السيرة امكن ادعاء اختصاصهما من جهة لزوم الاخذ بالقدر المتيقن بالمسائل الفقهية وعلى تقدير الشك فى حجيته فى مسائل الاصول يرجع الى اصالة عدم الحجية.

(وفى بحر الفوائد) فى حاشيته على الفرائد قال قد تقدم ما اختاره المحقق قدس‌سره فى مسئلة العمل باخبار الآحاد وانه ليس تابعا لصحة السند ولا يعتبرها وانما المعتبر عنده فى عنوان القبول عمل جلّ الاصحاب بالخبر وفى عنوان الرد اعراضهم عنه فلعله الوجه عنده فى ترك العمل بالخبر فى المسألة الاصولية حيث انه لم يعهد منهم بزعمه العمل به فيها انتهى.

(قوله فيه ان الالزام من هذا الامر الخ) يعنى فيما ذكره المحقق من ان الزام المكلف بالاثقل مظنة الريبة فيه ان الالزام من هذا الامر فلا ريبة فيه وبعبارة

١٧٩

اخرى ان الريب والشك فى ايجاب الاحتياط انما يكون اذا لم يدل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله دع ما يريبك الخ او غيره من الادلة واما مع الدلالة عليه فيكون معلوما لا مشكوكا.

(التحقيق) عدم دلالة الاخبار الآمرة بالاحتياط على وجوب الاحتياط فى المقام لوجهين :

(الاول) ان حسن الاحتياط مما استقل به العقل وظاهر هذه الاخبار هو الارشاد الى هذا الحكم العقلى فيكون تابعا لما يرشد اليه وهو يختلف باختلاف الموارد ففى بعضها كان الاحتياط واجبا كما فى الشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالى وفى بعضها كان مستحبا كما فى الشبهة البدوية بعد الفحص وهى محل البحث فى المقام.

(الوجه الثانى) ان الاخبار الآمرة بالاحتياط باطلاقها تعم الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية الوجوبية مع ان الاحتياط فيها غير واجب قطعا فلا بد حينئذ من رفع اليد عن ظهورها فى الوجوب او الالتزام فيها بالتخصيص وحيث ان لسانها آب عن التخصيص كما ترى فتعيّن حملها على الاستحباب او على مطلق الرجحان الجامع بينه وبين الوجوب فلا يستفاد منها وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية بعد الفحص وهى محل الكلام.

(ثم) انه لو سلم دلالة اخبار التوقف او الاحتياط على وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية فهى لا تعارض اخبار البراءة اذ بعد تماميّتها تتقدم على هذه الاخبار لكونها اخص منها فان اخبار البراءة لا تعم الشبهة قبل الفحص ولا المقرونة بالعلم الاجمالى اما فى نفسها او من جهة الاجماع وحكم العقل بل بعضها مختص بالشبهات التحريمية كقوله (ع) كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى بخلاف اخبار التوقف والاحتياط فانها شاملة لجميع الشبهات فيخصص بها.

(ثم) قيل ان هنا وجها آخر لتقديم اخبار البراءة على خصوص اخبار الاحتياط وهو ان اخبار البراءة كقوله (ع) كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى نص فى عدم وجوب الاحتياط واخبار الاحتياط على تقدير تمامية دلالتها ظاهرة فى وجوبه والجمع

١٨٠