درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

تحقيق الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

(قوله ومنها ان الاحتياط عسر منفى وجوبه الخ) نسب هذا القول الى السيد الطباطبائى فى المفاتيح ومحصل الاشكال فيه ان تعسّر الاحتياط ليس الامن حيث كثرة موارده وهى ممنوعة لان محل النزاع فى المقام انما هو فيما لا نص فيه وهو يختلف بين الاخباريين والمجتهدين لان مجرى الاحتياط عند الاخباريين موارد فقد النص على الحرمة وتعارض النصوص من غير مرجح (وعند المجتهدين) موارد فقد الظنون الخاصة وهو على التقديرين ليس بحيث يفضى الاحتياط فيه الى الحرج ولو فرض لبعضهم قلة الظنون الخاصة فلا بد له من العمل بالظن المطلق فى المظنونات لئلا يلزم الحرج ويتضح ذلك بما ذكروه فى دليل الانسداد الذى اقاموه على وجوب التعدى عن الظنون الخاصة.

(قوله ومنها ان الاحتياط قد يتعذر الخ) ان ضعف هذا القول غنىّ عن البيان فان ذلك خارج عن محل النزاع رأسا ضرورة ان محل الكلام فى وجوب الاحتياط فيما أمكن فيه والمورد المذكور مما لا يمكن فيه الاحتياط فكيف يظن باحد القول بوجوب الاحتياط فى دوران الامر بين المحذورين مع عدم امكان الاحتياط فيه هذا كله فيما استدل به للبراءة فى الشبهة الحكمية التحريمية من جهة عدم النص.

١٤١

(احتج للقول الثانى) وهو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالادلة الثلاثة فمن الكتاب طائفتان (إحداهما) ما دل على النهى عن القول بغير علم فان الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول عليه بغير علم وافتراء حيث انه لم يؤذن فيه ولا يرد ذلك على اهل الاحتياط لانهم لا يحكمون بالحرمة وانما يتركون لاحتمال الحرمة وهذا بخلاف الارتكاب فانه لا يكون إلّا بعد الحكم بالرخصة والعمل على الاباحة (والاخرى) ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والاتقاء والتورع مثل ما ذكره الشهيد ره فى الذكرى فى خاتمة قضاء الفوائت للدلالة على مشروعية الاحتياط فى قضاء ما فعلت من الصلاة المحتملة للفساد وهى قوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) اقول ونحوهما فى الدلالة على وجوب الاحتياط فاتقوا الله ما استطعتم وقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقوله (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).

(أقول) انه قد استدل الاخباريون للاحتياط فى الشبهة الحكمية التحريمية من جهة عدم النص بالادلة الثلاثة اما الكتاب فبآيات.

(منها) ما دل على النهى عن القول بغير علم لكونه افتراء عليه سبحانه كقوله عزوجل (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وقوله سبحانه (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) بتقريب ان الحكم بالترخيص فى محتمل الحرمة قول بغير علم وافتراء عليه سبحانه.

(قوله ولا يرد ذلك على اهل الاحتياط الخ) فيه ما لا يخفى من ان دعواهم ليس مجرد الترك فى الشبهة التحريمية لاحتمال الحرمة بل انهم يحكمون بوجوب الاحتياط والمنع من الرجوع الى الاباحة وهو ايضا قول بغير علم فان قالوا ان الحكم بوجوب الاحتياط قول بعلم من جهة ادلة الاحتياط قلنا ان الحكم بالبراءة ايضا قول بعلم من جهة ادلة البراءة وهل هذا الا مثل قول الاخبارى بالبراءة فى الشبهة الوجوبية والموضوعية.

١٤٢

(ومنها) ما دل على لزوم الورع والاتقاء ولزوم المجاهدة فى الله كقوله سبحانه (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) بتقريب دلالتها على لزوم الاتقاء عما يحتمل الحرمة والمجاهدة بعدم ارتكابه لكونه حق التقوى وحق الجهاد الذى امر به فى الآية.

(ومنها) ما دل على حرمة القاء النفس فى التهلكة كقوله عزّ من قائل ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة بتقريب ان فى ارتكاب المشتبه القاء النفس فى التهلكة فيجب التوقف والاحتياط.

(ومنها) ما دل على المنع عن متابعة ما لا يعلم الظاهر فى وجوب التوقف وعدم المضى كقوله سبحانه (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).

(ومنها) ما دل على التوقف وردّ ما لا يعلم حكمه الى الله سبحانه ورسوله كقوله تعالى فى سورة نساء آية ٥٩ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (بتقريب) ان المراد من التنازع فى الآية الشريفة هو التردد والشك لا مجرد الاختلاف فى حكم المسألة مع جزم كل فريق من الاصوليين والاخباريين بما حكم به وبان المراد من الشىء فى قوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) هو الحكم يعنى ان تنازعتم فى حكم فردّ واعلمه الى الله تعالى والرسول ولا تقولوا فيه بشىء.

(ولا يخفى عليك) ان استدلال الاخباريين بالآيات المذكورة مع قولهم بعدم حجية ظواهر الكتاب اما من جهة صراحة الآيات المذكورة عندهم واما من جهة الالزام واما من جهة موافقتها للاخبار التى استدلوا بها على وجوب الاحتياط.

١٤٣

(والجواب) اما عن الآيات الناهية عن القول بغير علم مضافا الى النقض بشبهة الوجوب والشبهة فى الموضوع فبأن فعل الشىء المشتبه حكمه اتكالا على قبح العقاب من غير بيان المتفق عليه بين المجتهدين والاخباريين ليس من ذلك واما عما عدا آية التهلكة فبمنع منافات الارتكاب للتقوى والمجاهدة مع ان غايتها الدلالة على الرجحان على ما استشهد به الشهيد قدس‌سره واما عن آية التهلكة فبان الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم وبمعنى غيره يكون الشبهة موضوعية لا يجب فيها الاجتناب بالاتفاق.

(اقول) الجواب اما عن الطائفة الاولى فبمنع كون الحكم بالترخيص الظاهرى بمقتضى الادلة المتقدمة من العقلية والنقلية قولا بغير علم فقول المجتهد بالاباحة الظاهرية بمقتضى الدليل مثل قول الاخبارى بوجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية الحكمية بزعمه الدليل عليه.

(واما الحكم) بالترخيص الواقعى فهو وان كان قولا بغير علم ولكنه لا يدعيه القائل بالبراءة لان تمام همّه انما هو اثبات الترخيص الظاهرى فى ارتكاب المشتبه وعدم وجوب الاحتياط كما ان همّ القائل بالاحتياط انما هو اثبات المنع الظاهرى بمقتضى ما دل على وجوب الاحتياط والتوقف فالطائفة الاولى من الآيات الكريمة الدالة على حرمة القول بغير العلم اجنبية عن المقام.

(واما عن الطائفة الثانية) فبمنع كون ارتكاب المشتبه بمقتضى الادلة المرخصة منافيا مع المجاهدة والتقوى بل المنافى لها هو ترك الواجبات وفعل المحرمات كما تدل عليه النصوص الكثيرة على ان غاية ما تقتضيه انما هى الدلالة على رجحان هذه المرتبة من التقوى التى ينافيها ارتكاب المشتبه فان حق التقوى لا يكون إلّا باتيان المندوبات وترك التعرض للمكروهات والمشتبهات فتكون هذه المرتبة هى حق التقوى التى لا تكون فوقها مرتبة وهى مما لا اشكال فى رجحانها عقلا ونقلا.

١٤٤

كما استدل بها الشهيد قدس‌سره على مشروعية الاحتياط فى قضاء ما يأتى بها من الصلوات المحتملة للفساد فتكون الآيات الآمرة بتقوى الله سبحانه حق تقاته مساوقا لما فى الآية الاخرى من قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فى كونه للاستحباب لا للوجوب.

(واما عن الطائفة الثالثة) فالهلاك بمعنى العقوبة مقطوع العدم بمقتضى ادلة البراءة فيكون الحكم بترك القاء النفس فى الآية ارشاديا محضا اذ لا يترتب على ايقاع النفس فى العقاب الاخروى عقاب آخر كى يكون النهى عنه مولويا مضافا الى ان الاصولى يرى ثبوت المؤمّن فلا اثر لهذا النهى.

(وان اريد) من التهلكة : التهلكة الدنيوية المحتملة فى موارد الحكم الالزامى فلا يجب دفعه باعتراف الاخباريين من حيث كون الشبهة من هذه الجهة موضوعية لا يجب فيها الاحتياط بالاتفاق.

(واما عن الطائفة الرابعة) المذكورة فى الشرح فيعلم الجواب عنها بما يأتى فى الجواب عما دل على وجوب التوقف والاحتياط من الاخبار الآتية فانتظر.

(واما الطائفة الخامسة) كآية التنازع الآمرة برد ما لا يعلم الى الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعد الغض عن دعوى ظهورها فى عدم الحكم بالترخيص الواقعى عند الشك انها محمولة على صورة التمكن من ازالة الشبهة بالرد الى الائمة صلوات الله عليهم اجمعين فلا تعم الشبهات البدوية بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يوجب ازالة الشبهة ولعله لضعف دلالتها على المطلوب لم يتعرض الشيخ قدس‌سره للجواب عنها.

(فتبين) مما ذكرناه ان الآيات الشريفة المتقدمة بمعزل عن الدلالة على مذهب الاخباريين.

١٤٥

(ومن السنة) طوائف احدها ما دل على حرمة القول والعمل بغير العلم وقد ظهر جوابها مما ذكر فى الآيات (الثانية) ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وعدم العلم وهى لا تحصى كثرة وظاهر التوقف المطلق السكون وعدم المضىّ فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل وهو محصل قوله عليه‌السلام فى بعض ذلك الاخبار الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات فلا يرد على الاستدلال ان التوقف فى الحكم الواقعى مسلم عند كلا الفريقين والافتاء بالحكم الظاهرى منعا او ترخيصا مشترك كذلك والتوقف فى العمل لا معنى له فنذكر بعض تلك الاخبار تيمنا منها مقبولة ابن حنظلة عن ابى عبد الله عليه‌السلام وفيها بعد ذكر المرجحات اذا كان كذلك فارجه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ونحوها صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام وزاد فيها ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.

(اقول) الاخبار المناسبة للمقام كثيرة جدا وقد ذكرها فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوب التوقف والاحتياط فى القضاء والفتوى والعمل وعمدتها طوائف اربع (الطائفة الاولى) ما دل على حرمة الافتاء بغير علم كقوله عليه‌السلام فى خبر زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حجة الله على العباد وفى رواية ما حق الله على العباد قال ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون ومثل ما رواه هشام بن سالم قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ما حق الله على خلقه قال ان يقوموا ما يعلمون ويكفّوا عما لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادوا الى الله حقه الى غير ذلك من الاخبار وهذه الطائفة الاولى لم يشر اليها الشيخ قدس‌سره ولعله لظهور جوابها مما ذكر آنفا فى جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم (وقد ظهر الجواب) عنها بما ذكره قدس‌سره فى الآيات من منع كون الحكم بالاباحة الظاهرية بمقتضى ادلة البراءة من العقلية والنقلية قولا وافتاء بغير علم.

(الطائفة الثانية) وهى عمدة الطوائف ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة

١٤٦

اما مطابقة او التزاما معللا فى بعضها بان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وهى روايات كثيرة(منها) قوله عليه‌السلام فى رواية المسمعى الواردة فى اختلاف الحديثين ، وما لم تجدوا فى شىء من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.

(ومنها) قوله عليه‌السلام اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم ما شرح الله لنا.

(وظاهر التوقف المطلق) فى الاخبار المشتملة عليه السكون وعدم المضى فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل (ويؤيد) المعنى المذكور كلمة التوقف مضافا الى وقوعه فى بعض الاخبار عقيب التثبت والكف الظاهرين فى عدم ايجاد الفعل ومقابلته فى بعض الاخبار بالاقتحام الذى هو الدخول فى الشىء.

(فعلى المعنى المذكور للتوقف) لا يرد على الاستدلال ان التوقف فى الحكم الواقعى مسلم عند كلا الفريقين فان الاصولى والاخبارى كلاهما متوقفان فى الحكم الواقعى والافتاء بالحكم الظاهرى منعا او ترخيصا مشترك كذلك والتوقف فى العمل لا معنى له.

(والمورد) على ما قيل هو الفاضل النراقى حيث قال ان الاخبار الدالة على التوقف لو كانت دالة لكان ورودها علينا وعلى الخصم سواء لان الاصولى والاخبارى كلهم متفقون فى التوقف فى الحكم الواقعى والخلاف فى التكليف الظاهرى فالاصولى يقول بالاباحة الظاهرية والخصم يقول بالحرمة فكيف صار قولنا قولا بما لا يعلم ولم يصر قولهم كذلك فكما انا لسنا بمتوقفين فكذلك الخصم انتهى.

(ومنها) اى من اخبار التوقف مقبولة ابن حنظلة عن ابى عبد الله عليه‌السلام وهى ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم الى عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما منازعة فى دين او ميراث فتحاكما الى السلطان او الى القضاة أيحل ذلك قال عليه‌السلام من تحاكم اليهم فى حق او باطل فانما تحاكم

١٤٧

الى الطاغوت وما يحكم له فانما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا لانه اخذ بحكم الطاغوت وانما امر الله ان يكفر به قال الله تعالى ويتحاكمون الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به.

(قلت) فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر فى حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله استخف وعلينا قد ردّ والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.

(قلت) فان كان كل رجل يختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين فى حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا فى حديثكم قال الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما فى الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر.

(قلت) فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذى ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه.

(وانما الامور ثلاثة) امر بين رشده فيتبع وامر بين غيّه فيجتنب وامر مشكل يردّ حكمه الى الله تعالى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ الشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قال.

(قلت) فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة.

(قلت) جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا باى الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد.

١٤٨

(فقلت) جعلت فداك فان وافقها الخبران جميعا قال ينظر الى ما هم اميل اليه حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

(قلت) فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات وهذه الرواية الشريفة وان لم يخل عن الاشكال بل الاشكالات من جهات تأتى إن شاء الله تعالى فى التعادل والتراجيح.

(ولكن مورد الاستشهاد) فيها للاحتياط قوله عليه‌السلام بعد ذكر المرجحات اذا كان ذلك اى وافق حكامهم الخبرين جميعا فارجه اى اخّر تعيين الحكم حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات.

(قوله « ع » فارجه) قيل فى تفسيره انه بكسر الجيم والهاء من ارجيت الامر او من ارجأت الامر بالهمزة وكلاهما بمعنى اخّرته فعلى الاول حذف الياء فى الامر وعلى الثانى ابدلت الهمزة ياء ثم حذفت والهاء ضمير راجع الى الاخذ باحد الخبرين يعنى فأخر الاخذ باحد الخبرين فتوى وحكما وعملا على انه مطلوب للشارع حتى تلقى امامك يعنى تسمع منه حقيّة احدهما ورجحانه على الآخر او من ارجه الامر اى اخّره عن وقته كما ذكره فى القاموس لكنه تفرّد به كذا فى مرآة العقول.

(ونحوها) اى مثل مقبولة بن حنظلة صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام وزاد فيها بعد قوله الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه فما يوافق الكتاب حق وصواب وما يخالفه ليس فيه صواب وحقيقة.

(ولعل المراد بالحق على ما قيل) الخبر المطابق للواقع والمراد بحقيقته مهيته الموجودة فيه وكلمة على مع ان الظاهران يقول لكل حق اما للتنبيه بالاستعلاء على ان حقيّة كل خبر باعتبار حقيقته الموجود فى نفس الامر اذ لو لم يكن له تلك

١٤٩

الحقيقة لم يكن حقا واما باعتبار المجانسة مع قوله وعلى كل صواب نورا.

(وملخص القول) فيه انكم ان اردتم ان تعرفوا حقيّة الخبر والاعتقاد فانظروا فان كان له حقيقة ونور اى اصل اخذ منه ذلك الخبر والاعتقاد وذلك الاصل هو الكتاب فهو حق وصواب وإلّا فهو باطل وخطاء.

١٥٠

وفى رواية الزهري والسكونى وعبد الاعلى الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه ورواية ابى شيبة عن احدهما عليهما‌السلام وموثقة سعد بن زياد عن جعفر عليه‌السلام عن ابيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة الى ان قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وتوهم ظهور هذا الخبر المستفيض فى الاستحباب مدفوع بملاحظة ان الاقتحام فى التهلكة لا خير فيه اصلا مع ان جعله تعليلا لوجوب الارجاء فى المقبولة وتمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب فى الصحيحة قرينة على المطلوب فمساقه مساق قول القائل اترك الاكل يوما خير من ان امنع منه سنة وقوله (ع) فى مقام وجوب الصبر حتى يتيقن الوقت لان اصلّى بعد الوقت احب الىّ من ان اصلى قبل الوقت وقوله (ع) فى مقام التقية لان افطر يوما من شهر رمضان فاقضيه احب الىّ من ان يضرب عنقى ونظيره فى اخبار الشبهة قول على (ع) فى وصيته لابنه (ع) امسك عن طريق اذا خفت ضلالة فان الكف عنده خير من الضلال وخير من ركوب الاهوال.

(اقول) من الروايات التى استدل الاخباريون على الاحتياط فى الشبهة التحريمية رواية الزهري والسكونى وعبد الاعلى والغرض من هذه الروايات الثلاثة الحث على ترك الحديث الذى لم يصل الى المكلف من طريق معتبر عملا او رواية.

(قد تعرض بعض المحققين) قدس‌سره لتفسير الرواية وتوضيحها حيث قال ان الشبهة الالتباس والمشتبهات الامور المشكلات والمتشابهات المتماثلات لان بعضها يشبه بعضا ومنه تشبيه شىء بشىء وقال امير المؤمنين (ع) وانما سميت الشبهة شبهة لانها تشبه الحق.

(والقحوم والاقتحام) القاء النفس فى مشقة والدخول فيها بلا روية يقال قحم فى الامر كنصر قحوما رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية واقتحم عقبة او وهدة رمى بنفسه فيها على شدة ومشقة والهلكة بضم الهاء وسكون اللام وقيل على مثال همزة.

١٥١

(وملخص القول) فى هذا المقام انه اذا ورد على احد امر من الامور الشرعية سواء كان متعلقا بالعبادات او بالمعاملات او بالمناكحات او بغيرها فاما ان يعلم بنور بصيرته رشده فيتبع او غيّه فيجتنب او لا يعلم شيئا منها واشتبه عليه الامران مثلا لا يعلم ان هذا الفعل الخاص مما احلّ له الشارع او حرّمه عليه فان الوقوف عليه وعدم الاخذ به من حيث الحكم ومن حيث العمل متعيّن حتى ينكشف له الحال بالرجوع الى حديث اهل الذكر عليهم‌السلام ولو بواسطة :

(وتركك حديثا لم تروه) الفعل اما مجرد معلوم يقال روى الحديث رواية اى حمله يعنى اخذه من مأخذه وضبطه متنا وسندا وحفظه كلمة وحروفا من غير تبديل وتغيير مخل بالمعنى المقصود او مزيد معلوم من باب التفعيل او الافعال يقال روّيته الحديث تروية وأرويته اى حملته على روايته او مزيد مجهول من البابين ومنه روّينا فى الاخبار.

(خير من روايتك حديثا لم تحصه) كلمة لم مع مدخوله فى الموضعين فى محل النصب على انه حال من ضمير الخطاب او صفة لحديثا والاحصاء العدّ والحفظ تقول احصيت الشىء اذا عدّدته وحفظته وكان استعماله فى الحفظ باعتبار انه لازم للعدّ اذ عدّ الشىء يستلزم العلم بواحد واحد معدود وحفظه على ابلغ الوجوه فمعنى احصاء الحديث علمه بجميع احواله وحفظه من جميع جهاته التى ذكرت فى محله.

(والمعنى) ان تركك رواية حديث لم تحمله على الوجه المذكور خير من روايتك اياه لانك ان رويته هلكت واهلكت الناس بمتابعتهم لك فيما ليس لك به علم وان تركت روايته سلمت وسلم الناس من الوقوع فى الضلال.

(فان قلت) لا خير فى ترك رواية الحديث المحفوظ فما الوجه لاثباته له قلت الوجه هو المبالغة فى نفى الخير عن رواية الحديث الغير المحفوظ والزجر عن نقله ونشره حيث جعل ما ليس خيرا خيرا بالنسبة اليه ولعل سبب التفاوت بينهما

١٥٢

ان الثانى بدعة وزيادة فى الدين دون الاول انتهى.

(ومنها) موثقة سعد بن زياد عن جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة الى ان قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة.

(وتوهم ظهور) هذا الخبر المستفيض فى الاستحباب لاجل التعبير بلفظ الخير الظاهر فى الرجحان المطلق مدفوع (اولا) بملاحظة ان الاقتحام فى الهلكة لا خير فيه يعنى لو كان فى اقتحام الهلكة حسنا وكان الوقوف احسن منه لدل الخبر على الاستحباب لكن لا حسن فى الاقتحام فى الهلكة فيكون المراد بالخير مقابل الشر وهذا المعنى يجتمع مع الوجوب (وثانيا) بأن جعله تعليلا لوجوب الارجاء فى المقبولة وتمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب فى الصحيحة قرينة على المطلوب.

(وبعبارة واضحة) ان الامام عليه‌السلام قد علل فى المقبولة قوله فارجه حتى تلقى امامك بقوله فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة والارجاء واجب من جهة ان الامر ظاهر فيه او حقيقة فيه فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبا لم يصلح لكونه تعليلا لوجوب الارجاء لعدم المناسبة بينهما فلا بد ان يكون هو ايضا واجبا ليناسب التعليل للمعلل.

(وقد جعل) الامام عليه‌السلام فى الصحيحة قوله الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات الخ تمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب واخذ ما وافق الكتاب فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبا لم يناسب جعله تمهيدا ومقدمة لذلك.

(قوله فمساقه مساق قول القائل اترك الاكل يوما خير من ان امنع منه سنة الخ) يعنى مجرى قوله (ع) الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات مساق قول القائل اترك الاكل يوما خير من ان امنع منه سنة يعنى ان الخير كله فى ترك اكل اليوم وقس على ذلك الامثلة التى ذكرها الشيخ قدس‌سره ومن هذا الباب قوله تعالى حكاية عن يوسف (ع) السجن احبّ الىّ مما يدعوننى

١٥٣

اليه وقول سيد الشهداء (ع) القتل اولى من ركوب العار والعار اولى من دخول النار.

(قال نجم الائمة) الرضى رحمة الله عليه لا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل فى المعنى اما تحقيقا كما فى زيد احسن من عمرو او تقديرا كقول على (ع) لان اصوم يوما من شعبان احبّ إليّ من ان افطر يوما من رمضان لان افطار يوم الشك الذى يمكن ان يكون من رمضان محبوب عند المخالف فقدره محبوبا الى نفسه ايضا ثم فضّل صوم يوم شعبان عليه فكأنه قال هب انه محبوب عندى ايضا أليس صوم يوم من شعبان احبّ منه.

١٥٤

(ومنها) موثقة حمزة بن الطيار انه عرض على ابى عبد الله عليه‌السلام بعض خطب ابيه عليه‌السلام حتى اذا بلغ موضعا منها قال له كف واسكت ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام انه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد الى الائمة الهدى حتى يحملوكم فيه الى القصد ويجلو عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق قال الله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ومنها رواية جميل عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام انه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الامور ثلاثة امر بيّن لك رشده فاتبعه وامر بيّن لك غيه فاجتنبه وامر اختلف فيه فرده الى الله عزوجل ومنها رواية جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام فى وصيته لاصحابه اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا ومنها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام ما حقّ الله على العباد قال ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون وقوله عليه‌السلام فى رواية المسمعى الواردة فى اختلاف الحديثين وما لم تجدوا فى شىء من هذه الوجوه فردّوا الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكفّ والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا الى غير ذلك مما ظاهره وجوب التوقف.

(اقول) من الروايات التى استدل الاخباريون على الاحتياط فى الشبهة التحريمية موثقة حمزة بن الطيار انه عرض على ابى عبد الله عليه‌السلام بعض خطب ابيه حتى اذا بلغ موضعا منها.

كلمة اذا اسم يدل على زمان ولا تستعمل الّا مضافة الى جملة وكثيرا ما تستعمل فى زمان ماض مثل قوله تعالى (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) وهاهنا من هذا القبيل.

(قوله عليه‌السلام له كف واسكت) الامر بالكف والسكوت اما لان من عرض الخطبة فسر هذا الموضع وبيّنه برأيه وأخطأ فامره عليه‌السلام بالكف عن تفسيره برأيه وبيانه بفهمه وافاد ان مثل هذا يجب طلب تفسيره من الائمة عليهم‌السلام او لانه كان

١٥٥

فى هذا الموضع غموض موجب لصعوبة فهم المقصود ولم يتثبت عنده القارى ولم يطلب تفسيره منه عليه‌السلام واراد المرور عليه فامره عليه‌السلام بالكف عن العرض والسكوت عن القراءة وافاد ان فى امثال ذلك يجب التثبت وطلب فهم المقصود منهم عليهم‌السلام او لانه عليه‌السلام.

اراد انشاد ما افاد وبيان ما اراد لشدّة الاهتمام به فأمره بالكفّ عن العرض والسكوت عن التكلم.

(ثم) قال ابو عبد الله عليه‌السلام لا يسعكم اى لا يجوز لكم (فيما ينزل بكم مما لا تعلمون) اى فيما ينزل بكم من قضية لا تعلمون حكمها او من حديث لا تعلمون ما هو المقصود منه لغموضه وصعوبة فهمه لكونه دقيقا او مجملا او متشابها او مؤولا(الا الكف عنه والتثبت) اى عدم الاخذ به قولا وفعلا واعتقادا وعدم المبادرة الى انكاره بل اللازم عليكم التثبت والرد الى أئمة الهدى الذى حازوا كل كمال ومكرمة بالهام الهى وفازوا بكل فضيلة ومنقبة بتعليم نبوى وتقدسوا عن كل رذيلة بتقديس ربانى فعلموا ما كان وما يكون وما يحتاج اليه الامة الى قيام الساعة(حتى يحملوكم فيه على القصد) اى على العدل والعلم والقول والفعل وهو الوسط بين طرفى الافراط والتفريط.

(ويجلوا عنكم فيه العمى) اى يكشفوا عنكم عمى بصيرتكم واوضحوا لكم سبيل هدايتكم لتشاهدوه بنظر صحيح وتأخذوه بنص صريح (ويعرفوكم فيه الحق) لئلا يزيغ عنه قلوبكم ولا يميل الى الباطل صدوركم فتخلّصوا من الاقتحام فى الشبهات والتورط فى الهلكات ثم علل عليه‌السلام وجوب الرد اليهم بقوله (قال الله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) اهل الذكر هم العترة من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين جعلهم الله تعالى هداة الى صراطه فى بيداء الضلالة ودعاة الى حضرة قدسه فى ظلمات الجهالة وقارن طاعتهم بطاعة الرسول وطاعته فقال جل شأنه واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم.

١٥٦

(ومنها) رواية جميل عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام انه قال رسول الله (ص) الامور ثلاثة(امر بين رشده فيتبع) اى امر ظاهر مكشوف وجه صحته وحقيته لوضوح مأخذه من الكتاب والسنة فيجب اتباعه (وامر بين غيه فيجتنب) اى امر واضح بطلانه وعدم حقيّته للعلم بانه مخالف لما نطق به الكتاب والسنة فيجب اجتنابه (وامر مشكل) اى لا يعلم وجه صحته ولا وجه بطلانه ولا يعلم موافقته للكتاب والسنة ولا مخالفته لهما(يرد علمه الى الله والى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا يجوز فيه الاعتقاد بشىء من طرفى النقيض والحكم به قبل الرد.

(ومنها) رواية زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حق الله على العباد قال ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون والمراد من حق الله هو الذى يطالبهم به ووجب عليهم اداؤه والخروج عن عهدته قال عليه‌السلام ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

(خص) هذا الحق من بين حقوق الله تعالى بالذكر لان الغرض من السؤال طلب ما هو احرى واجدر باطلاق اسم الحق عليه من بين حقوق الله تعالى على العباد فاجاب عليه‌السلام بان الحرىّ بذلك الاسم والحقيق به هو القول بما يعلم والسكوت عما لا يعلم لانه اجلّها واعظمها وذلك لان دين الحق الذى هو منهج العباد للوصول الى قرب جنابه انما يستقيم بنشر العلم وضبط النفس عن الكذب فيه ولان هذا حق مستلزم لاكثر الحقوق اذ حصوله متوقف على صفاء النفس عن الرذائل وتحليها بالفضائل واستقرار الفكرية والغضبية والشهوية فى الاوساط وعدم انحرافها وميلها الى جانبى التفريط والافراط ولان فى تكلم اللسان بالحق والاجتناب عن الكذب نظام الدين والدنيا (أ لا ترى) ان رئيس الكذابين الشيطان اللعين كيف افسد نظام آدم وصاحبته وذريتهما بكذب واحد حين قال ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلّا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين ولان هذا الحق متعلق باستقامة اللسان وهى من اهم المطالب اذ آفات اللسان ومعاصيه كثيرة فانه ما من موجود ومعدوم وخالق ومخلوق ومعلوم وموهوم إلّا ويتناوله اللسان بنفى او اثبات وهذه الحالة لا توجد فى بقية الاعضاء

١٥٧

لان العين لا تصل الى غير الاضواء والالوان والاذن لا يصل الى غير الاصوات وقس عليها البواقى.

واما اللسان فميدانه واسع جدا وله فى كل من الخير والشر مجال عريض فلذلك حق المتعلق به اعظم الحقوق واجلها الى غير ذلك مما ذكر فى وجه التخصيص الذى لا يهمّنا التعرض له.

(منها) رواية جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام فى وصيته لاصحابه اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا.

(ومنها) خبر هشام بن سالم قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ما حق الله على خلقه فقال ان يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عما لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادوا الى الله حقه

(ومنها) رواية المسمعى الواردة فى اختلاف الحديثين وما لم تجدوا فى شىء من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا الى غير ذلك من الاخبار الدالة على التوقف عند الشبهة ولو التزاما.

١٥٨

(والجواب) ان بعض هذه الاخبار مختص بما اذا كان المضى فى الشبهة اقتحاما فى الهلكة ولا يكون ذلك إلّا مع عدم معذورية الفاعل لاجل القدرة على ازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام او الى الطرق المنصوبة منه عليه‌السلام كما هو ظاهر المقبولة وموثقة حمزة بن الطيار ورواية الجابر ورواية المسمعى وبعضها وارد فى مقام النهى عن ذلك لاتكاله فى الامور العلمية على الاستنباطات العقلية الظنية او لكون المسألة من الاعتقاديات كصفات الله تعالى ورسوله والائمة صلوات الله وسلامه عليهم كما يظهر من قوله (ع) فى رواية زرارة لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا والتوقف فى هذه المقامات واجب وبعضها ظاهر فى الاستحباب مثل قوله عليه‌السلام اورع الناس من وقف عند الشبهة وقوله (ع) لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقول امير المؤمنين (ع) من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها وفى رواية نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله (ص) يقول لكل ملك حمى وحمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك لو ان راعيا رعى الى جانب الحمى لم يثبت غنمه ان يقع فى وسطه فدعوا المشتبهات وقوله من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه.

(اقول هذا جواب عن الطائفة الثانية) حاصل الجواب عنها ان بعضا منها ظاهر فى استحباب التوقف عند الشبهة كقوله (ع) من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك او لا ورع كالوقوف عند الشبهة او اورع الناس من وقف عند الشبهة او من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وهذا القسم من الاخبار مما لا يصلح الاستدلال به على وجوب التوقف عند الشبهة فان اقصى ما يستفاد منها هو حسن التوقف ورجحانه ولا كلام لنا فيه.

(وان بعضا منها) بقرينة التعليل بالهلكة وركوب الاهوال لا دلالة فيه على وجوب الاحتياط لوجهين (الاول) ان المذكور هو عنوان الشبهة وهو ظاهر فيما يكون الامر فيه ملتبسا بقول مطلق فلا يعم ما علم فيه الترخيص الظاهرى لان ادلة

١٥٩

الترخيص تخرجه عن عنوان المشتبه وتدرجه فى معلوم الحلية ويدل على ما ذكرناه من اختصاص الشبهة بغير ما علم فيه الترخيص ظاهرا انه لا اشكال فى عدم وجوب التوقف فى الشبهات الموضوعية بل فى الشبهة الحكمية الوجوبية بعد الفحص فلولا ان ادلة الترخيص اخرجتها عن عنوان الشبهة لزم التخصيص فى اخبار التوقف ولسانها آب عن التخصيص وكيف يمكن الالتزام بالتخصيص فى مثل قوله (ع) الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة.

(الوجه الثانى) ان الامر بالتوقف فيه للارشاد ولا يمكن ان يكون امرا مولويا يستتبع العقاب اذ علل التوقف فيها بانه خير من الاقتحام فى الهلكة ولا يصح هذا التعليل إلّا ان تكون الهلكة مفروضة التحقق فى ارتكاب الشبهة مع قطع النظر عن هذه الاخبار الآمرة بالتوقف ولا يمكن ان تكون الهلكة المعللة بها وجوب التوقف مترتبة على نفس وجوب التوقف المستفاد من هذه الاخبار كما هو ظاهر فيختص موردها بالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الاجمالى.

(وان بعضا منها) فى مقام النهى عن المضى لا تكال الشخص فى الامور العلمية على الاستنباطات العقلية الظنية مثل قوله (ع) فى رواية المسمعى ولا تقولوا فيه بآرائكم ومثل قول امير المؤمنين (ع) فى خطبة له على ما حكى قال ويا عجبا وما لى لا اعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها فى دينها لا يقتفون اثر نبى ولا يقتدون بعمل وصى يعملون فى الشبهات ويسيرون فى الشهوات المعروف منهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما انكروا مفرّهم فى المعضلات الى انفسهم وتعويلهم فى المبهمات على آرائهم الخ او لكون المسألة من الاعتقاديات كصفات الله تعالى اذ الاعتقاديات لو لم تستند الى العلم واليقين كان المضى فيها اقتحاما فى الهلكة كما يظهر من قوله (ع) فى رواية زرارة لو ان العباد اذا جهلوا ولم يجحدوا لم يكفروا والتوقف فى هذه المقامات لازم عقلا وشرعا.

١٦٠