درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

اخذت من باب التسليم كان صوابا الخبر.

(قوله فان الحديث الثانى وان كان اخص من الاول) لاشتماله على قيود كان الحديث الاول فاقدا عنها(فى بحر الفوائد) ان اخصية الثانى مما لا اشكال فيها كعدم الاشكال فى ترتب التخيير كالترجيح الراجعين الى الطرح فى الجملة على الجمع الذى يساعده العرف بين المتعارضين فتجويز الامام عجل الله فرجه وصلواته عليه وعلى آله الطاهرين الاخذ بهما تخييرا يكشف عن كونهما بمنزلة المتباينين فى عدم تطرق التخصيص نظرا الى ثبوت التلازم بين افراد العام بحسب الحكم فالتخصيص يوجب طرح العام رأسا فلا يمكن حصر الارادة فى غير مورد التعارض مع الخاص وهذا هو المراد بقوله قدس‌سره بحيث لا يتمكن غير هذا الفرد منه اى على وجه الحصر فتأمل انتهى.

(ثم ان وظيفة الامام عليه‌السلام) وان كانت ازالة الشبهة عن الحكم الواقعى حيث ان الارجاع الى الحكم الظاهرى فى القضايا الشخصية التى يسأل عنها من الامام عليه‌السلام خلاف منصب الامام المنصوب لحفظ الاحكام والمكلفين عن الخطاء فيها ورفع جهلهم عما بيّنه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله للوقائع عن الله تعالى إلّا ان هذا الجواب يمكن ان يكون طريق تعليم العمل عند التعارض مع عدم وجوب التكبير عنده فى الواقع (وليس فيه الاغراء بالجهل) من جهة قصد الوجوب فيما ليس بواجب وهو غير مضر لاحتمال اقتران المقام بمصلحة تقتضى عدم بيان الامام عليه‌السلام للحكم الواقعى اذ ربما كانت المصلحة فى بيان الحكم الظاهرى اقوى من مصلحة الواقع وليس فيه الاغراء بالجهل اصلا ضرورة عدم الاغراء فى عدم البيان وعلى تقديره نمنع قبحه من حيث هو فان المسلم منه ما اذا اوجبت تفويت الواقع.

(قوله لاجل كفاية قصد القربة) تعليل لقوله ليس فيه الاغراء بالجهل كما ان قوله من حيث قصد الوجوب قيد للمنفى اى الاغراء بالجهل وبعبارة اخرى انه انما يلزم الاغراء بالجهل من جهة قصد الوجوب فيما ليس بواجب واما اذا قلنا بكفاية قصد القربة فى العمل فلا يلزم الاغراء بالنسبة الى الوجه الواقعى وإلّا لزم ذلك بالنسبة

٣٤١

الى موارد الامارات الظاهرية المخالفة للاحكام الواقعية.

(وكيف كان) فاذا ثبت التخيير بين دليلى وجوب الشىء على وجه الجزئية وعدمه ثبت فيما نحن فيه من تعارض الخبرين فى ثبوت التكليف المستقل بالاجماع والاولوية القطعية وبيانها ان البحث فى المقام فى الشك فى التكليف واما مورد الرواية ففى الشك فى المكلف به فاذا لم يوجب الامام عليه‌السلام الاحتياط فى الثانى ففى الاول بطريق اولى.

(ثم ان جماعة) من علماء الاصول ذكروا فى باب التراجيح الخلاف فى ترجيح الناقل او المقرر وحكى عن الاكثر ترجيح الناقل وذكروا تعارض الخبر المفيد للوجوب والمفيد للاباحة وذهب جماعة الى ترجيح الاول وذكروا تعارض الخبر المفيد للاباحة والمفيد للحظر وحكى عن الاكثر بل الكل تقديم الحاظر ولعل هذا كله مع قطع النظر عن الاخبار.

(هذا تمام الكلام) فى الشبهة الوجوبية الحكمية اذا كان منشأ الشبهة فقد النص وفى حكمها ما اذا كان منشأ الشبهة اجمال النص او تعارض النصين فان الادلة الدالة على البراءة لا تختص بصورة فقدان النص بل تعم صورة اجمال النص وتعارضه وقد تقدم نسبة الخلاف الى بعض المحدثين حيث قال بوجوب الاحتياط فى صورة اجمال النص وتعارضه ولكن ليس له وجه وجيه.

٣٤٢

(المسألة الرابعة) دوران الامر بين الوجوب وغيره من جهة الاشتباه فى موضوع الحكم ويدل عليه جميع ما تقدم فى الشبهة الموضوعية التحريمية من ادلة البراءة عند الشك فى التكليف وتقدم فيها ايضا اندفاع توهم ان التكليف اذا تعلق بمفهوم وجب مقدمة لامتثال التكليف فى جميع افراده موافقته فى كل ما يحتمل ان يكون فردا له ومن ذلك يعلم انه لا وجه للاستناد الى قاعدة الاشتغال فيما اذا ترددت الفائتة بين الاقل والاكثر كصلاتين وصلاة واحدة بناء على ان الامر بقضاء جميع ما فات واقعا يقتضى لزوم الاتيان بالاكثر من باب المقدمة (توضيح ذلك) مضافا الى ما تقدم فى الشبهة التحريمية ان قوله اقض ما فات يوجب العلم التفصيلى بوجوب قضاء ما علم فوته وهو الاقل ولا يدل اصلا على وجوب ما شك فى فوته وليس فعله مقدمة لواجب حتى يجب من باب المقدمة فالامر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضى إلّا وجوب المعلوم فواته لا من جهة دلالة اللفظ على المعلوم حتى يقال ان اللفظ ناظر الى الواقع من غير تقييد بالعلم بل من جهة ان الامر بقضاء الفائت الواقعى لا يعد دليلا الا على ما علم صدق الفائت عليه وهذا لا يحتاج الى مقدمة ولا يعلم منه شىء آخر يحتاج الى المقدمة العلمية.

(المسألة الرابعة) من الشبهة الحكمية الوجوبية فى دوران الامر بين الوجوب وغير الحرمة اذا كان منشأ الشبهة موضوعية كما اذا علم بوجوب اكرام العالم على وجه يكون الحكم انحلاليا وشك فى بعض مصاديقه فقد تقدم البحث عنها فى الشبهة التحريمية وعرفت ان العلم بالكبريات الكلية ما لم يعلم انطباقها على الموارد الجزئية غير منجز للتكليف لا يستتبع استحقاق العقوبة والظاهر كما تقدم اطباق الاصوليين والاخباريين على ذلك.

(نعم نسب الى المشهور) وجوب الاحتياط عند تردد الفرائض الفائتة بين الاقل والاكثر ويشكل الفرق بينه وبين تردد الدين بين الاقل والاكثر مع ان الظاهر اتفاقهم على عدم وجوب الاحتياط فى الدين المردد بين الاقل والاكثر وجواز الاكتفاء

٣٤٣

باداء القدر المتيقن وجريان البراءة عن الاكثر ولكن يمكن ان يكون نظر المشهور فى مسئلة قضاء الفوائت التى قاعدة الاشتغال وانها تقتضى الاحتياط لا لاجل التعبد وقيام دليل خاص على ذلك فيتوجه حينئذ سؤال الفرق بينها وبين مسئلة الدين المردد بين الاقل والاكثر(ولذا) قال بعض الاعاظم الانصاف انه لا يمكن تطبيق فتوى المشهور على القاعدة فالاقوى جريان البراءة عن الاكثر المشكوك فى قضاء الصلوات الفائتة وان كان لا ينبغى ترك الاحتياط خروجا عن مخالفة المشهور انتهى.

(وكيف كان) يدل على البراءة فيما نحن فيه جميع ما تقدم فى الشبهة الموضوعية التحريمية من ادلة البراءة عند الشك فى التكليف قال فى بحر الفوائد لا يخفى عليك ان العموم المستفاد من لفظ الجميع فى عبارته قده انما يعتبر بالنسبة الى نوع ما دل على حكم الشبهة الموضوعية التحريمية اعنى الادلة الاربعة لا اشخاص ما دل على الحكم فى تلك الشبهة ضرورة اختصاص جملة من الاخبار المتقدمة بالشبهة التحريمية(واما المناقشة) فى الاجماع فى الشبهة الموضوعية الوجوبية من جهة ذهاب اكثر المجتهدين الى وجوب الاحتياط فى الفائتة المرددة بين الاقل والاكثر وعدم تجويزهم الرجوع الى البراءة ففاسدة حيث انها بزعمهم من الاقل والاكثر لا الشبهة الموضوعية الابتدائية فان العلم الاجمالى فيها من حيث رجوع امرها الى الاقل والاكثر الاستقلاليين وان لم يقتض الاحتياط ومن هنا لم يلتزموا به فى نظائر الفائتة المرددة إلّا ان مجرده يكفى فارقا بين المسألتين موضوعا ومن هنا اجمعوا على عدم وجوب الاحتياط فيما احتمل فوت صلاة واحدة.

(هذا كله) مضافا الى امكان دعوى الاجماع على كون الاصل فى الشبهة الوجوبية الموضوعية البراءة ما لم يكن هناك مخرج عنه وقد قام ما يقضى بالخروج عنه فى الفائتة المرددة بين الاقل والاكثر من بعض الاخبار وان لم يكن تاما عندنا كما ستقف عليه فالاجماع المدعى من الاجماع على القاعدة فتدبر(وبالجملة) لا ينبغى الاشكال فى عدم الفرق بين الشبهتين من حيث الحكم من جهة الادلة النقلية كما انه لا فرق بينهما من جهة الدليل العقلى على البراءة ثبوتا ومنعا عند التامل انتهى.

٣٤٤

(قوله وتقدم فيها ايضا اندفاع توهم ان التكليف الخ) اقول قد تقدم هذا التوهم مع جوابه تفصيلا فى المسألة الرابعة من الشبهة التحريمية الموضوعية ولا بأس الى نقله وان كان يوجب التكرار إلّا ان الاعادة ليست بلا فائدة لتكون على بصيرة فى المقام.

(فاعلم) ان ما توهمه المتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظرا الى ان الشارع بيّن حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام.

(وقد اجاب عنه قدس‌سره) هنا بما هذا لفظه ان النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا او المعلومة اجمالا المتردد بين محصور والاول لا يحتاج الى مقدمة علمية والثانى يتوقف على الاجتناب من اطراف الشبهة لا غير واما ما احتمل كونه خمرا من دون علم اجمالى فلم يعلم من النهى تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلى المشتبه حكمه كشرب التتن فى قبح العقاب عليه وما ذكر من التوهم جار فيه ايضا لان العمومات الدالة على حرمة الخبائث والفواحش وما نهيكم عنه فانتهوا يدل على حرمة امور واقعية يحتمل كون شرب التتن منها.

(ومنشأ التوهم) المذكور ملاحظة تعلق حكم بكلى مردد بين مقدار معلوم وبين اكثر منه فيتخيل ان الترديد فى المكلف به فمع العلم بالتكليف يجب الاحتياط(ونظير هذا التوهم) قد وقع فى الشبهة الوجوبية حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلوات بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدمة العلمية كما عرفت.

(وقد اجاب الشيخ قدس‌سره فى المقام) مضافا الى الجواب المذكور فى الشبهة التحريمية بان قوله عليه‌السلام اقض ما فات يوجب العلم التفصيلى بوجوب

٣٤٥

قضاء ما علم فوته وهو الاقل ولا يدل اصلا على وجوب ما شك فى فوته اى الزائد وليس فعل المشكوك فواته مقدمة لواجب حتى يجب من باب المقدمة العلمية فالامر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضى إلّا تنجز وجوب المعلوم فواته وهو الاقل لا من جهة دلالة اللفظ اى اقض ما فات على المعلوم حتى يقال ان اللفظ ناظر الى الواقع من غير تقييد بالعلم بل من جهة ان الامر بقضاء الفائت الواقعى لا يعد دليلا الا على ما علم صدق الفائت عليه وهذا لا يحتاج الى مقدمة ولا يعلم منه وجوب شىء آخر يحتاج الى المقدمة العلمية.

٣٤٦

(والحاصل) ان المقدمة العلمية المتصفة بالوجوب لا يكون إلّا مع العلم الاجمالى نعم لو اجرى فى المقام اصالة عدم الاتيان بالفعل فى الوقت فيجب قضاؤه فله وجه وسيجىء الكلام عليه هذا ولكن المشهور بين الاصحاب رضوان الله عليهم بل المقطوع به من المفيد الى الشهيد الثانى انه لو لم يعلم كمية ما فات قضى حتى يظن الفراغ منها وظاهر ذلك خصوصا بملاحظة ما يظهر من استدلال بعضهم من كون الاكتفاء بالظن رخصة وان القاعدة تقتضى وجوب العلم بالفراغ كون الحكم على القاعدة قال فى التذكرة لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات الى أن يغلب فى ظنه الوفاء لاشتغال الذمة بالفائت فلا يحصل البراءة قطعا إلّا بذلك ولو كانت واحدة ولم يعلم العدد صلى تلك الصلاة مكررا حتى يظن الوفاء ثم احتمل فى المسألة احتمالين آخرين احدهما تحصيل العلم لعدم البراءة إلّا باليقين والثانى الاخذ بالقدر المعلوم لان الظاهر ان المسلم لا يفوّت الصلاة ثم نسب كلا الوجهين الى الشافعية انتهى وحكى هذا الكلام بعينه عن النهاية وصرح الشهيد ان بوجوب تحصيل العلم مع الامكان وصرح فى الرياض بأن مقتضى الاصل القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء تحصيلا للبراءة اليقينية وقد سبقهم فى هذا الاستدلال الشيخ (قده) فى التهذيب حيث قال اما ما يدل على انه يجب ان يكثر منها فهو ما ثبت ان قضاء الفرائض واجب واذا ثبت وجوبها ولا يمكنه ان يتخلص من ذلك إلّا بأن يستكثر منها وجب انتهى.

(والمحصل) ان اتصاف المقدمة العلمية بالوجوب لا يكون إلّا مع العلم الاجمالى فان الامر بقضاء الفائت يتوقف تنجزه على العلم بما فات والقدر المعلوم هو الاقل فلا يجرى فيه حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان بخلاف الاكثر فان التكليف بالنسبة غير معلوم فلا يجرى فيه استصحاب الاشتغال لعدم اليقين السابق به بل الجارى فيه ادلة البراءة الناشئة من جهة حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان فالمعلوم الوجوب يجب امتثاله تفصيلا فالاكثر المشكوك الوجوب لم يثبت فيه

٣٤٧

التكليف حتى يجب الاتيان بالفرد المشكوك من باب المقدمة العلمية.

(نعم) لو اجرى فى المقام اصالة عدم الاتيان بالفعل فى الوقت فيجب قضاؤه فله وجه والوجه فيه ان اصالة عدم الاتيان بالفعل فى الوقت على تقدير جريانها موضوعى فهو حاكم على اصالة البراءة عن الزائد المشكوك فيه.

(ولكن المشهور) بين الاصحاب رضوان الله عليهم بل المقطوع به من المفيد الى الشهيد الثانى انه لو لم يعلم كمية ما فات قضى حتى يظن الفراغ منها وهذه الشهرة مقطوع بها عند غير واحد من الاصحاب (وفى المدارك) هذا الحكم مقطوع به فى كلام الاصحاب قيل وقد يظهر من الغنية دعوى الاجماع عليه وظاهر ذلك خصوصا بملاحظة ما يظهر من استدلال بعضهم من كون الاكتفاء بالظن رخصة وان القاعدة تقتضى وجوب العلم بالفراغ كون الحكم على القاعدة أى قاعدة الاشتغال.

(قال فى التذكرة) لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات الى أن يغلب فى ظنه الوفاء لاشتغال الذمة بالفائت فلا يحصل البراءة قطعا إلّا بذلك ولو كانت واحدة ولم يعلم العدد كما اذا فاتت الظهر من أيام لم يعلم عددها صلى تلك الصلاة مكررا حتى يظن الوفاء ثم احتمل فى المسألة احتمالين آخرين (احدهما) تحصيل العلم لعدم البراءة إلّا باليقين بملاحظة ان الاشتغال اليقينى يقتضى البراءة اليقينية وهى لا تحصل إلّا بالعلم بالفراغ (والثانى) الاخذ بالقدر المعلوم لان الظاهر ان المسلم لا يفوت الصلاة ثم نسب كلا الوجهين الى الشافعية انتهى.

(وحكى هذا الكلام) بعينه عن النهاية وصرح الشهيدان بوجوب تحصيل العلم مع الامكان وصرح فى الرياض بأن مقتضى الاصل القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء تحصيلا للبراءة اليقينية وقد سبقهم فى هذا الاستدلال الشيخ قدس‌سره فى التهذيب حيث قال اما ما يدل على انه يجب ان يكثر منها فهو ما ثبت ان قضاء

٣٤٨

الفرائض واجب واذا ثبت وجوبها ولا يمكنه ان يتخلص من ذلك إلّا بان يستكثر منها وجب انتهى.

(قوله خصوصا بملاحظة ما يظهر من استدلال بعضهم الخ) قال بعض المحشين للكتاب انه قد اختلفت كلمات الاصحاب فى التعبير فى المقام حيث عبّر بعضهم بأن مقتضى الاصل القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء وتارة عبّر بعضهم بأن مقتضى الاصل القضاء حتى يظن الوفاء واخرى مقتضى الاصل القضاء الى ان يغلب فى ظنه الوفاء.

(ثم قال) التحقيق ان القاعدة بناء على اجراء اصل الاشتغال هنا يقتضى اعتبار العلم الّا ان يكون موجبا للعسر والحرج او تعذر تحصيله لان الاشتغال اليقينى يقتضى البراءة اليقينية فلا بد ان يراد من الظن الغالب فى كلماتهم بعد حمل الظن المطلق عليه العلم العادى الذى هو فى أيدى الناس فى جميع امورهم الذى لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التى تقدح فى العلم المصطلح عليه عند اهل المعقول اذا اكتفى بذلك فى اليقين بالبراءة بعد ثبوت الاشتغال وإلّا فلا ان يراد منه معنى العلم المصطلح ليوافق التعبيرات سيما ما وقع فى كلام المحقق ره حيث عبر فى الشرائع فى بعض المسائل التى هى من واد واحد بالظن الغالب وفى بعضها بالعلم حتى الجأ ذلك سيد المدارك ره على حمل العلم على الظن عكس ما صنعناه وقد التزم بعض الاواخر نظرا الى كثرة التعبير بالظن فى كلماتهم بالاكتفاء به وان تمكن من العلم حاكيا له عن استاده العلامة الطباطبائى متمسكا فيه مع اطلاقات كلمات القوم ببعض الروايات الغير الصريحة فى مطلوبه المعارضة بغيرها الواردة فى النوافل التى لا يقاس عليها حكم الفرائض حيث انها اشدّ احتياط المحمولة بعد تسليم دلالتها لمخالفتها القاعدة العقلية المتقنة على صورة عدم التمكن من العلم المقتضية لحمل كلمات الاصحاب لو أبقى على ظاهرها من ارادة الظن على الفرد النادر اعنى صورة عدم التمكن من العلم وتحقق العسر والحرج فان الغالب العلم بعدد الفائتة ولو تقريبا

٣٤٩

والتمكن من ادائها ولو تدريجا فى الازمان المتطاولة مضافا الى ما ذكره بعض أجلة الفقهاء ره من ان عادة الاصحاب اطلاق الحكم المقيد بعدم التمكن او الحرج اتكالا على ما علم من العقل والنقل من سقوط التكاليف عندهما لا الاطلاق الموافق لمقتضاهما مع ارادتهم خروج صورة التمكن والحرج فقضية ذلك ان يعبّر هاهنا بالعلم او ما ينزّل منزلته او ما يراد هو منه.

٣٥٠

(وقد عرفت) ان المورد من موارد جريان اصالة البراءة والاخذ بالاقل عند دوران الامر بينه وبين الاكثر كما لو شك فى مقدار الدين الذى يجب قضاؤه او فى ان الفائت منه صلاة العصر فقط أو هى مع الظهر فان الطاهر عدم افتائهم بلزوم قضاء الظهر وكذا ما لو تردد فيما فات عن ابويه او فيما تحمله بالاجارة بين الاقل والاكثر وربما يظهر عن بعض المحققين الفرق بين هذه الامثلة وبين ما نحن فيه حيث حكى عنه فى ردّ صاحب الذخيرة القائل بأن مقتضى القاعدة فى المقام الرجوع الى البراءة قال ان المكلف حين علم بالفوائت صار مكلفا بقضاء هذه الفائتة قطعا وكذلك الحال فى الفائتة الثانية والثالثة وهكذا ومجرد عروض النسيان كيف يرفع الحكم الثابت من الاطلاقات والاستصحاب بل الاجماع ايضا واى شخص يحصل منه التأمل فى انه قبل صدور النسيان كان مكلفا وبمجرد صدور النسيان يرتفع التكليف الثابت وان انكر حجية الاستصحاب فهو يسلم ان الشغل اليقينى يستدعى البراءة اليقينية الى ان قال نعم فى الصورة التى يحصل للمكلف علم اجمالى باشتغال ذمته بفوائت متعددة يعلم قطعا تعددها لكن لا يعلم مقدارها فانه يمكن حينئذ ان يقال لا نسلم تحقق الشغل بأزيد من المقدار الذى تيقنه الى ان قال :

(اقول) انه قد صرح غير واحد من الاصحاب بعدم وجوب الاحتياط فى الاقل والاكثر الاستقلاليين لان الاقل معلوم الوجوب والشك فى الاكثر شك فى التكليف فتجرى البراءة بالنسبة الى الزائد المشكوك فيه كما لو شك فى مقدار الدين الذى يجب قضاؤه او فى ان الفائت منه صلاة العصر فقط اوهى مع الظهر فان الظاهر عدم افتائهم بلزوم قضاء الظهر وكذا ما لو تردد فيما فات عن ابويه او فيما تحمله بالاجارة بين الاقل والاكثر(وبالجملة) فالمشهور بين الاصحاب هو العمل بالبراءة بل يظهر من بعضهم الاجماع عليه.

(قوله وربما يظهر عن بعض المحققين الخ) قيل ان المراد منه هو الشيخ البهائى قيل هو العلامة الطباطبائى قدس‌سره فى المصابيح على ما حكاه فى مفتاح

٣٥١

الكرامة وقال بعض المحشين ان المراد به هو المولى البهبهانى وعلى أى حال.

(محصل ما يظهر منه) فى بيان الفرق بين ما نحن فيه الذى هو عبارة عن حصول القطع باشتغال ذمته بمتعدد بعضه معلوم الوجوب وهو الاقل وبعضه مشكوك الوجوب وهو الاكثر وبين الامثلة المذكورة حيث جعل الاول موردا للبراءة بالنسبة الى الاكثر والثانى موردا للاشتغال ان الامثلة غير مسبوقة بالعلم التفصيلى فينجّز به التكليف بخلاف ما نحن فيه حيث ان الفرض فيه انقلاب العلم التفصيلى بالاجمالى بطروّ النسيان وبمجرده كيف يرتفع اثره من تنجز التكليف بالواقع ولو كان بالاكثر.

(لكن لا يخفى) ان النسيان وان كان لا يصلح لذلك عقلا اذا امكن التحفظ على حسب المتعارف حيث ان العقل لا يرى قبحا فى مؤاخذة الناسى على مخالفة التكليف المنسى مع تمكنه منه بحسب العادة بالتحفظ عليه إلّا انه صالح له شرعا لمكان حديث الرفع والناس فى سعة ما لا يعلمون نعم لا يبعد دعوى انصرافهما عمّا اذا كان عروضه بسبب منه لا بمجرد ترك تحفظه كما لا يخفى.

(قوله كيف يرفع الحكم الثابت من الاطلاقات الخ) ان المراد من الاطلاقات هو اطلاق دليل وجوب القضاء كقوله عليه‌السلام اقض ما فات والمراد بالاستصحاب هو استصحاب وجوب الاتيان بعد العلم بالفوت والتمسك بالاستصحاب لا ان يكون مع قطع النظر عن الاطلاق والاجماع كما ان التمسك بالاطلاق لا بد أن يكون مع قطع النظر عن الاجماع لكن سيأتى عن الفاضل التونى فى باب الاستصحاب ان الاستصحاب بعد الوقت لم يقل به احد ولم يجبر اجماعا.

(قوله واى شخص يحصل منه التامل) قال بعض المحشين فى شرح العبارة نعم لا تأمل فى ان النسيان لا يرفع الحكم الثابت واقعا لكن المقصود انه بعد النسيان لا يعلم مقدار ما فات ويكون الشك بالنسبة الى الزائد شكا فى اصل التكليف المستقل فلا بد من الرجوع الى البراءة لنفى التكليف فى مرحلة الظاهر.

٣٥٢

(قوله وان انكر حجية الاستصحاب) والمراد من الاستصحاب هو استصحاب الحكم الثابت قبل النسيان المشكوك بقائه بعده فهذا غير الاستصحاب السابق لكن فيه ان الحالة السابقة فى هذا الاستصحاب غير معلومة فلا معنى له وكذلك قاعدة الاشتغال اذ الاشتغال لم يثبت بالزائد حتى يستدعى الفراغ اليقينى عنه.

٣٥٣

(والحاصل) ان المكلف اذا حصّل القطع باشتغال ذمته بمتعدد والتبس عليه ذلك كمّا وامكنه الخروج عن عهدته فالامر كما افتى به الاصحاب وان لم يحصل ذلك بان يكون ما علم به خصوص اثنين او ثلث واما ازيد من ذلك فلا بل احتمال احتمله فالامر كما ذكره فى الذخيرة ومن هنا لو لم يعلم اصلا بمتعدد فى فائتة وعلم ان صلاة صبح يومه فاتت واما غيرها فلا يعلم ولا يظن فوته اصلا فليس عليه الا الفريضة الواحدة دون المحتمل لكونه شكا بعد خروج الوقت والمفروض انه ليس عليه قضاؤها بل لعله المفتى به انتهى كلامه رفع مقامه ويظهر النظر فيه مما ذكرنا سابقا ولا يحضرنى الآن حكم لاصحابنا بوجوب الاحتياط فى نظير المقام بل الظاهر منه اجراء اصل البراءة فى امثال ما نحن فيه مما لا يحصى وربما بوجه الحكم فيما نحن فيه بان الاصل عدم الاتيان بالصلاة الواجبة فيترتب عليه وجوب القضاء الا فى صلاة علم الاتيان بها فى وقته ودعوى ترتب وجوب القضاء على صدق الفوت الغير الثابت بالاصل لا مجرد عدم الاتيان الثابت بالاصل ممنوعة لما يظهر من الاخبار وكلمات الاصحاب من ان المراد بالفوت مجرد الترك كما بيناه فى الفقه.

(قوله والحاصل ان المكلف الخ) اشارة الى الصورة الاولى التى ذكرها من كون الفوائت قدرا لا يحصيها بحيث لا يمكن تحصيل الحاصر اليقينى ولم يحصل القدر المتيقن ولا يمكنه الخروج عن عهدته بان لا يكون تحصيل الظن بالوفاء عسرا وحرجا فالامر كما افتى به الاصحاب فان حصول القطع باشتغال الذمة بمتعدد مع التباس الامر عليه كما بان يقع الشك فى التكليف بين مقدار الاقل والزائد منه ولا ريب انه يمكن الخروج عن عهدة هذا التكليف باتيان الاقل لانه القدر المتيقن فى الاشتغال والشك فى الزائد شك فى التكليف ومرجعه البراءة لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان كما افتى به الاصحاب (وان لم يحصل ذلك) بان يكون ما علم به خصوص اثنين او ثلث واما ازيد من ذلك فلا بل احتمال احتمله فالامر كما ذكره فى الذخيرة ومن هنا لو لم يعلم اصلا بمتعدد فى فائتة وعلم ان صلاة صبح يومه فاتت واما غيرها فلا يعلم ولا يظن فوته اصلا

٣٥٤

فليس عليه الا الفريضة الواحدة دون المحتمل لكونه شكا بعد خروج الوقت والمفروض انه ليس قضاؤها بعد المفتى به انتهى كلامه رفع مقامه.

(ومحصل ما يستفاد من ظاهر قوله والحاصل ان المكلف الخ) هو القول بوجوب الاحتياط فى المسألة مطلقا فيما كان هنا علم اجمالى مطلقا من غير فرق بين الصورتين وتخصيص عدم وجوب الاحتياط بما لم يكن هناك علم اجمالى اصلا بل لو علم تفصيلا بفوت صلاتين او ثلث مثلا معلومة العين وشك فى فوت صلاة اخرى من غير ان يكون علم اجمالى ينحل الى طرفين.

(قال صاحب بحر الفوائد) وهو كما ترى لا يجتمعان اصلا واما دليلا فلان احدا لم يتوهم كون النسيان رافعا للحكم الثابت بالادلة الاجتهادية من القطعية كالاجماع والظنية كالاطلاقات والاصول الفقهائية كالاستصحاب مع انه لا محصل للاستصحاب فى الفرض فانه قبل النسيان لم يكن شاكا وبعد النسيان وعروض الشك فى الكمّية لم يتيقن التكليف بالاكثر حتى يستصحب وإلّا لم يكن معنى للشك فاين الاستصحاب حتى يقبل او ينكر بل المدعى انه مع عروض نسيان المقدار والشك لا تكليف ظاهرا بالمشكوك لرجوع الشك فيه الى الشك فى اصل التكليف واين هذا من رفع الحكم الواقعى الثابت باحد الوجوه المذكورة فى كلامه ومنه يظهر انه لا معنى للرجوع الى قاعدة الاشتغال بعد انكار الاستصحاب فانا لا نعلم الاشتغال بالاكثر من اول الامر(وانما الحاصل) من العلم الاجمالى بالفائتة المرددة العلم بالتكليف بالاقل ليس إلّا فتبين ان التحكيم المذكور مضافا الى انه لا محصل له فى الظاهر لا دليل يساعده اصلا كما تبين انه بناء على اعمال قاعدة الشك بعد الوقت مع عدم الحاجة اليها لا معنى للتفصيل المذكور ايضا.

(قوله ويظهر النظر فيه مما ذكرنا سابقا) من ان الشك فى الزائد شك فى اصل التكليف المستقل فلا بد من الرجوع الى اصل البراءة فى الجميع وعلى تقدير امكان الرجوع الى الاستصحاب او الاشتغال لا فرق بين جميع الصور وحسنة زرارة لو شملت المقام لدلت على عدم اعتبار الشك بعد الوقت فى جميع الصور.

٣٥٥

(قوله وربما يوجه الحكم فيما نحن فيه الخ) يعنى حكم المشهور بوجوب القضاء حتى يعلم او يظن الفراغ وبعبارة اخرى ان استصحاب عدم الاتيان بالمشكوك فيه حاكم على اصالة البراءة عنه ولا فرق فيه بين القول بكون القضاء تابعا للاداء او بامر جديد لثبوت بقاء الامر وكذا توجه الخطاب بقضاء الفوائت باثبات عدم الاتيان بالاصل.

(قوله لما يظهر من الاخبار وكلمات الاصحاب الخ) يعنى ان المستفاد من كلمات الاصحاب وغير واحد من الاخبار صدق الفوت على مجرد الترك منها ما روى عن النبى (ص) من فاتته فريضة فليقضها اذا ذكرها وذلك وقتها ومنها رواية معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال الى ان قال واذا نسيت فصل اذا ذكرت ومنها رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الصلاة وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك قال يتطهر ويؤذّن ويقيم فى اوليهن ثم يصلى ويقيم بعد ذلك فى كل صلاة الى غير ذلك من الاخبار الدالة على صدق الفوت بمجرد الترك هذا

٣٥٦

(واما ما دل) على ان الشك فى اتيان الصلاة بعد وقتها لا يعتد بها فلا يشمل ما نحن فيه وان شئت تطبيق ذلك على قاعدة الاحتياط اللازم فتوضيحه ان القضاء وان كان بامر جديد إلّا ان ذلك الامر كاشف عن استمرار مطلوبية الصلاة من عند دخول وقتها الى آخر زمان التمكن من المكلف غاية الامر كون هذا على سبيل تعدد المطلوب بأن يكون الكلى المشترك بين ما فى الوقت وخارجه مطلوبا وكون اتيانه فى الوقت مطلوبا آخر كما ان اداء الدين وردّ السلام واجب فى أول اوقات الامكان ولو لم يفعل ففى الآن الثانى وهكذا وحينئذ فاذا دخل الوقت وجب ابراء الذمة عن ذلك الكلى فاذا شك فى براءة ذمته بعد الوقت فمقتضى حكم العقل باقتضاء الشغل اليقينى البراءة اليقينية وجوب الاتيان كما لو شك فى البراءة قبل خبر خروج الوقت وكما لو شك فى اداء الدين الفورى فلا يقال ان الطلب فى الزمان الاول قد ارتفع بالعصيان ووجوده فى الزمان الثانى مشكوك فيه وكذلك جواب السلام والحاصل ان التكليف المتعدد بالمطلق والمقيد لا ينافى جريان الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بالنسبة الى المطلق فلا يكون المقام مجرى البراءة هذا ولكن الانصاف ضعف هذا التوجيه لو سلم استناد الاصحاب اليه فى المقام اما اولا فلان من المحتمل بل الظاهر على القول بكون القضاء بامر جديد كون كل من الاداء والقضاء تكليفا مغايرا للآخر فهو من قبيل وجوب الشىء ووجوب تداركه بعد فوته كما يكشف عن ذلك تعلق امر الاداء بنفس الفعل وامر القضاء به بوصف الفوت.

(واما دلالة بعض الروايات) مثل حسنة زرارة متى ما استيقنت او شككت فى وقت صلاة انك لم تصلها صليتها وان شككت بعد ما خرج وقت الفوائت فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شىء حتى تستيقن وان استيقنت فعليك ان تصليها فى اى حال على ان الشك فى اتيان الصلاة بعد وقتها لا يعتد بها فلا يشمل ما نحن فيه فانه مختص بغير المقام مما لم يكن فيه علم اجمالى ولذا قال فى الجواهر ان ادلة عدم الاعتبار بالشك فى الصلاة خارج وقتها ظاهرة فى الشك فى نفس الفوت ابتداء لا فيما يتناول الفرض هذا.

٣٥٧

(وان شئت تطبيق ذلك على القاعدة) يعنى ان شئت تطبيق ما نحن فيه وهو اتيان الاكثر على قاعدة الاحتياط فتوضيحه ان القضاء وان كان بامر جديد إلّا ان ذلك الامر الجديد كاشف عن استمرار مطلوبية الصلاة من عند دخول وقتها الى آخر زمان التمكن من المكلف (غاية الامر) كون هذا على سبيل تعدد المطلوب بان يكون الكلى المشترك بين ما فى الوقت وخارجه مطلوبا وكون اتيانه فى الوقت مطلوبا آخر كما ان اداء الدين وردّ السلام واجب فى اول اوقات الامكان ولو لم يفعل ففى الآن الثانى وهكذا(وحينئذ) فاذا دخل الوقت وجب ابراء الذمة عن ذلك الكلى فاذا شك فى براءة ذمته بعد الوقت فمقتضى حكم العقل باقتضاء الشغل اليقينى البراءة اليقينية وجوب الاتيان كما لو شك فى البراءة قبل خروج الوقت لان وجوب القضاء بامر جديد كاشف عن استمرار مطلوبية الصلاة عند دخول وقتها الى آخر زمان التمكن من المكلف فيكون الشك قبل الوقت او بعده متساويين فى قاعدة الاشتغال.

(والحاصل) ان التكليف المتعدد بالمطلق والمقيد لا ينافى جريان الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بالنسبة الى المطلق لانه اذا امتنع المقيد بانقضاء وقته بقى مطلوبية المطلق واذا شك فى بقائه المطلوبية صح التمسك بالاستصحاب وقاعدة الاشتغال فلا يكون المقام مجرى البراءة هذا(ولكن الانصاف) ضعف هذا التوجيه بكلا تقريريه من الرجوع الى استصحاب عدم الاتيان بالصلاة الواجبة ومن الرجوع الى قاعدة الاحتياط اللازم الذى اوضحه بقوله المتقدم ان القضاء وان كان بامر جديد الخ.

(قوله اما اولا فلان من المحتمل بل الظاهر الخ) يعنى منع كون المقام من باب تعدد المطلوب على القول بكون القضاء بالامر الجديد لاحتمال كل من القضاء والاداء تكليفا مغايرا للآخر فاذا كان التكليف القضائى مغايرا للتكليف الادائى وحادثا بعد خروج الوقت كان الشك راجعا الى الشك فى حدوث التكليف المستقل ابتداء ويكون المرجع اصل البراءة لا اصل الاشتغال اذ هو انما يكون مرجعا اذا كان التكليف راجعا الى التكليف بالكلى بان يكون الامر بالقضاء كاشفا عن ثبوت

٣٥٨

التكليف بفعل الصلاة من اول الوقت الى آخر زمان التمكن من المكلف على ما ذكر فى التوضيح واذا لم يكن كذلك بان كان الامر الادائى حادثا من اول الوقت الى آخره والامر القضائى حادثا بعد خروج الوقت الى آخر زمان التمكن لا مجال لتوهم ذلك.

(والدليل) على كون التكليف القضائى مغايرا للادائى لا انهما من باب الكلى والفرد ان فى قوله عليه‌السلام اقض ما فات تعليقا للحكم بالوصف وهو مشعر بالعلية فيكون علة الوجوب الفوت فكيف يمكن تقدمه عليه مع لزوم تقدم العلة على المعلول بالذات ومع الاغماض عن ذلك لا شك ان الفوت موضوع والموضوع فى القضايا العقلية والشرعية علة للمحمول او ينطبق عليها فكيف يكون هذا اللفظ كاشفا عن ثبوت الوجوب من اول الوقت مضافا الى ما قد يقال من ان القضاء بمعنى فعل الشىء خارج الوقت فكيف يكون ثابتا فيه وهذا امر واضح.

(ولكن قد قيل) ان هذا الجواب انما يتم على تقدير عدم جريان اصالة عدم الاتيان اذ على تقديره لا يجرى اصل البراءة لان الاستصحاب حاكم او وارد عليه وعلى تقدير كونه فى عرضه لا شك فى ان الشك فى الوجوب مسبب عن الشك فى الفوت فاذا جرى الاصل فى الفوت لا يجرى الاصل فى نفى الوجوب لعدم جريان الاصل فى المسبب مع جريانه فى السبب كما سيجىء تحقيقه فى باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

٣٥٩

(ويؤيده) بعض ما دل على ان لكل من الفرائض بدلا وهو قضاؤه عدا الولاية لا من باب الامر بالكلى والامر بفرد خاص منه كقوله صم وصم يوم الخميس او الامر بالكلى والامر بتعجيله كردّ السلام وقضاء الدين فلا مجرى لقاعدة الاشتغال واستصحابه واما ثانيا فلان منع عموم ما دل على ان الشك فى الاتيان بعد خروج الوقت لا يعتد به للمقام خال عن السند خصوصا مع اعتضاده بما دل على ان الشك فى الشىء لا يعتنى به بعد تجاوزه مثل قوله عليه‌السلام انما الشك فى شىء لم تجزه ومع اعتضاده فى بعض المقامات بظاهر حال المسلم فى عدم ترك الصلاة واما ثالثا فلانه لو تمّ ذلك جرى فيما يقضيه عن ابويه اذا شك فى مقدار ما فات منهما ولا اظنهم يلتزمون بذلك وان التزموا بانه اذا وجب على الميت لجهله بما فاته مقدار معين يعلم او يظن معه البراءة وجب على الولى قضاء ذلك المقدار لوجوبه ظاهرا على الميت بخلاف ما لم يعلم بوجوبه عليه وكيف كان فالتوجيه المذكور ضعيف واضعف منه التمسك فيما نحن فيه بالنص الوارد فى ان من عليه من النافلة ما لا يحصيه من كثرته قضى حتى لا يدر كم صلى من كثرته بناء على ان ذلك طريق لتدارك ما فات ولم يحص لا انه مختص بالنافلة مع ان الاهتمام فى النافلة بمراعات الاحتياط يوجب ذلك بطريق اولى فتامل.

(اقول) حاصل الاشكال الاول على التوجيه المذكور انه من المحتمل بل الظاهر على القول بكون القضاء بامر جديد كون كل من الاداء والقضاء تكليفا مغايرا للآخر فهو من قبيل وجوب الشىء ووجوب تداركه بعد فوته كما يكشف عن ذلك تعلق امر الاداء بنفس الفعل وامر القضاء به بوصف الفوت فعلى هذا لا مجرى لقاعدة الاشتغال واستصحابه هذا.

(واما ثانيا فلان منع عموم ما دل الخ) حاصله منع ما دل على ان الشك فى الاتيان بعد خروج الوقت لا يعتد به للمقام خال عن السند خصوصا مع اعتضاده بالاخبار التى دلت بعمومها على ان الشك فى الشىء لا يعتنى به بعد تجاوزه كموثقة

٣٦٠