درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

الشبهة لا يترتب على موافقته سوى ما يترتب على نفس الاجتناب وهو الوقوع فى الحرام فى بعض الاحيان لو فعله وعدم الوقوع فى الحرام لو تركه.

(قوله ولا يبعد التزام ترتب الثواب عليه من حيث الخ) هذا استدراك عما تقدم من ان ظاهر اخبار الاحتياط لمحض الارشاد الى عدم الوقوع فى المفاسد الواقعية فلا يترتب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصية المترتبة على الفعل أو الترك (ومحصله) انه لا يبعد التزام ترتب الثواب على نفس عنوان الاحتياط لما فيه من الحسن والرجحان العقلى مطلقا حتى فى صورة عدم مصادفة الاحتمال للواقع لكونه انقيادا واطاعة حكيمة نظير الامر بعنوان الاطاعة ولازمه استحقاق المثوبة عليه وان لم يصادف الواقع جزاء لانقياده هذا والتحقيق فى المقام يحتاج الى بيان حقيقة الاحتياط وبيان الوجوه المتصورة فى الامر به من حيث الارشادية والمولوية كما تعرض لها بعض الاعاظم ولكن لا يسعها هذا المختصر.

(ولكن ظاهر) بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه‌السلام من ارتكب الشبهات نازعته نفسه الى أن يقع فى المحرمات وقول امير المؤمنين عليه‌السلام من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها وقوله عليه‌السلام اورع الناس من وقف عند الشبهة وقوله عليه‌السلام لا ورع كالوقوف عند الشبهة هو كون الامر للاستحباب المولوى ولازم ذلك استحقاق الثواب على اطاعة اوامر الاحتياط مضافا الى الخاصية المترتبة على نفسه.

(ثم لا فرق فيما ذكر من حسن الاحتياط) بين افراد الشبهة وان كان البحث فى المقام فيما دار الامر فيه بين الحرمة وغير الوجوب من كونها شبهة حكمية تحريمية كانت او وجوبية بأقسامهما وشبهة موضوعية بجميع اقسامها وعلى التقادير سواء كان منشأ الاشتباه فقدان النص او اجماله او تعارضه.

(قوله ولا يتوهم انه يلزم من ذلك الخ) لما ذكر قدس‌سره انه لا فرق فى حسن الاحتياط بالترك بين افراد المسألة حتى فيما دار الامر فيه بين الاستحباب والتحريم جاز لقائل ان يقول انه يلزم من عدم الفرق بين افراد المسألة عدم حسن

٢٢١

الاحتياط فيما احتمل كونه من العبادات المستحبة كالغفيلة وصلاة الاعرابى مثلا بل حسن الاحتياط بتركه اذ لا ينفك ذلك عن احتمال كون فعله تشريعا محرما فدفعه قدس‌سره بقوله ان حرمة التشريع تابعة لتحققه مع اتيان ما احتمل كونها عبادة رجاء للواقع وبعنوان الاحتياط لا يتحقق موضوع التشريع لانه ادخال ما لم يعلم انه من الدين فيه لا الاتيان بما احتمل ان يكون منه رجاء ان يكون منه ولذا قد يجب الاحتياط مع هذا الاحتمال كما فى الصلاة الى أربع جهات او فى الثوبين المشتبهين وغير ذلك من موارد العلم الاجمالى.

٢٢٢

(الرابع) نسب الوحيد البهبهانى قدس‌سره الى الاخباريين مذاهب اربعة فيما لا نص فيه التوقف والاحتياط والحرمة الظاهرية والحرمة الواقعية فيحتمل رجوعها الى معنى واحد وكون اختلافها فى التعبير لاجل اختلاف ما ركنوا اليه من ادلة القول بوجوب اجتناب الشبهة فبعضهم ركن الى اخبار التوقف وآخر الى اخبار الاحتياط وثالث الى اوامر ترك الشبهات مقدمة لتجنب المحرمات كحديث التثليث ورابع الى اوامر ترك المشتبهات من حيث انها مشتبهات فان هذا الموضوع فى نفسه حكمه الواقعى الحرمة والاظهر ان التوقف اعم بحسب المورد من الاحتياط لشموله الاحكام المشتبهة فى الاموال والاعراض والنفوس مما يجب فيها الصلح او القرعة فمن عبر به اراد وجوب التوقف فى جميع الوقائع الخالية عن النص العام والخاص والاحتياط اعم من موارد احتمال التحريم فمن عبر به اراد الاعم من محتمل التحريم ومحتمل الوجوب مثل وجوب السورة او وجوب الجزاء المردد بين نصف الصيد وكله واما الحرمة الظاهرية والواقعية فيحتمل الفرق بينهما بان المعبر بالاولى قد لاحظ الحرمة من حيث عروضها لموضوع محكوم بحكم واقعى فالحرمة ظاهرية والمعبر بالثانية قد لاحظها من حيث عروضها لمشتبه الحكم وهو موضوع من الموضوعات الواقعية فالحرمة واقعية اذ بملاحظة انه اذا منع الشارع المكلف من حيث انه جاهل بالحكم من الفعل فلا يعقل اباحته له واقعا لان معنى الاباحة الاذن والترخيص فتأمل ويحتمل الفرق بان القائل بالحرمة الظاهرية يحتمل ان يكون الحكم فى الواقع هى الاباحة إلّا ان ادلة الاجتناب عن الشبهات حرمتها ظاهرا والقائل بالحرمة الواقعية انما يتمسك فى ذلك باصالة الحظر فى الاشياء من باب قبح التصرف فيما يختص بالغير بغير اذنه.

(اقول) ان العلامة البهبهانى ره على ما حكى عنه نسب الى الاخباريين اقوالا اربعة فيما لا نص فيه وقال التوقف وهو المشهور والحرمة ظاهرا والحرمة واقعا ووجوب الاحتياط وصرح بعضهم بان هذه المذاهب فيما اذا احتمل الحرمة وغيرها

٢٢٣

من الاحكام اما اذا احتمل الوجوب وغيره سوى الحرمة فهم مثل المجتهدين.

(وكيف كان) يحتمل الفرق بينها وبين بعضها من وجوه تعرض لها المحشين ولا فائدة مهمة فى نقلها كلها والتحقيق فى توضيحها ومنها ما افاده قدس‌سره من انه يحتمل رجوعها الى معنى واحد وكون اختلافها فى التعبير لاجل اختلاف ما ركنوا اليه من ادلة القول بوجوب اجتناب الشبهة فبعضهم اعتمادا على اخبار التوقف عبر به وآخر على اخبار الاحتياط وثالث الى اوامر ترك الشبهات مقدمة لتجنب المحرمات كحديث التثليث ورابع الى اوامر ترك المشتبهات من حيث انها مشتبهات فان هذا الموضوع فى نفسه حكمه الواقعى الحرمة فتأمل.

(قوله والاظهر ان التوقف اعم بحسب المورد من الاحتياط الخ) قال المحقق القمى فى المجلد الثانى من القوانين واما التوقف والاحتياط فلم اتحقق الفرق بين مواردهما وقال بعض المتأخرين ان التوقف عبارة عن ترك الامر المحتمل للحرمة وحكم آخر من الاحكام الخمسة والاحتياط عبارة عن ارتكاب الامر المحتمل للوجوب وحكم آخر ما عدا التحريم كما هو ظاهر موارد التوقف والاحتياط ومن توهم ان التوقف هو الاحتياط فقد سها وغفل.

(اقول) المراد بالتوقف هو السكوت عن الفتوى فى الواقعة الخاصة وعدم الاذعان بالمطلوبية والمبغوضية ثم بعد ذلك فاما ان يحكم باصالة البراءة والرخصة او يحكم بلزوم الاحتياط الى ان قال (واما ما يتوهم) من ان المراد من التوقف التوقف عن الافتاء والمراد من الاحتياط الاحتياط فى العمل فهو غلط لان من اوجب الاحتياط يفتى بوجوب الاحتياط والاخذ بما لا يحتمل الضرر او يكون اقل ضررا والحاصل ان جعل التوقف والاحتياط قولين فى المسألة لا يرجع الى محصّل انتهى.

(قوله فتامل) قيل وجهه ظاهر لظهور انه لا منافاة بين الاباحة الواقعية والحرمة من حيث كون الشيء مجهول الحكم فان الاباحة الواقعية هى الاذن الواقعى لا الظاهرى حتى ينافى المنع الظاهرى وهذا واضح لا سترة فيه بعد وضوح بطلان التصويب.

٢٢٤

(ويحتمل الفرق) بان القائل بالحرمة الظاهرية يحتمل ان يكون الحكم فى الواقع هى الاباحة إلّا ان ادلة الاجتناب عن الشبهات حرمتها ظاهرا والقائل بالحرمة الواقعية انما يتمسك فى ذلك باصالة الحظر فى الاشياء من باب قبح التصرف فى مال الغير بغير اذنه.

٢٢٥

(ويحتمل الفرق) بان معنى الحرمة الظاهرية حرمة الشيء فى الظاهر فيعاقب عليه مطلقا وان كان مباحا فى الواقع والقائل بالحرمة الواقعية يقول بانه لا حرمة ظاهرا اصلا فان كان فى الواقع حراما استحق المؤاخذة عليه وإلّا فلا وليس معناها ان المشتبه حرام واقعا بل معناه انه ليس فيه إلّا الحرمة الواقعية على تقدير ثبوتها فان هذا احد الاقوال للاخباريين فى المسألة على ما ذكر العلامة الوحيد المتقدم فى موضع آخر حيث قال بعد رد خبر التثليث المتقدم بانه لا يدل على الحظر ووجوب التوقف بل مقتضاه ان من ارتكب الشبهة واتفق كونه حراما فى الواقع تهلك لا مطلقا ويخطر بخاطرى ان من الاخباريين من يقول بهذا المعنى انتهى ولعل هذا القائل اعتمد فى ذلك على ما ذكرنا سابقا من ان الامر العقلى والنقلى بالاحتياط للارشاد من قبيل اوامر الطبيب لا يترتب على موافقتها ومخالفتها عدا ما يترتب على نفس الفعل المأمور به او تركه لو لم يكن امر نعم الارشاد على مذهب هذا الشخص على وجه اللزوم كما فى بعض اوامر الطبيب لا للاولوية كما اختاره القائلون بالبراءة واما ما يترتب على نفس الاحتياط فليس إلّا التخلص عن الهلاك المحتمل فى الفعل نعم فاعله يستحق المدح من حيث تركه لما يحتمل ان يكون تركه مطلوبا عند المولى ففيه نوع من الانقياد ويستحق عليه المدح والثواب واما تركه فليس فيه إلّا التجرى بارتكاب ما يحتمل ان يكون مبغوضا للمولى ولا دليل على حرمة التجرى على هذا الوجه واستحقاق العقاب عليه بل عرفت فى مسئلة حجية العلم المناقشة فى حرمة التجرى بما هو اعظم من ذلك كأن يكون الشيء مقطوع الحرمة بالجهل المركب ولا يلزم من تسليم استحقاق الثواب على الانقياد بفعل الاحتياط استحقاق العقاب بترك الاحتياط والتجرى فى الاقدام على ما يحتمل كونه مبغوضا وسيأتى تتمة توضيح ذلك فى الشبهة المحصورة إن شاء الله تعالى (ويمكن الفرق) بين الحرمة الظاهرية والحرمة الواقعية بان معنى الاول حرمة الشىء فى الظاهر فيعاقب مرتكبه وان كان مباحا فى الواقع للامر فى بعض الروايات بان الاجتناب من الشبهة لازم حملا له للوجوب المولوى والقائل بالثانى يقول بانه

٢٢٦

لا حرمة ظاهرا اصلا فان كان فى الواقع حراما استحق المؤاخذة عليه وإلّا فلا وليس معناها ان المشتبه حرام واقعا بل معناه انه ليس فيه إلّا الحرمة الواقعية على تقدير ثبوتها(فان القول) بالعقاب على تقدير ثبوت الحرمة الواقعية احد الاقوال للاخباريين على ما ذكره العلامة البهبهانى حيث قال بعد رد خبر التثليث المتقدم بانه لا يدل على الحظر ووجوب التوقف بل مقتضاه ان من ارتكب الشبهة واتفق كونه حراما فى الواقع يهلك لا مطلقا ويخطر ببالى ان من الاخبارى من يقول بهذا المعنى انتهى.

(ولعل هذا القائل) اى من قال بالحرمة الواقعية بالتفسير المذكور اعتمد فى ذلك على ما ذكر فيما تقدم من ان الامر العقلى والنقلى بالاحتياط للارشاد الى عدم الوقوع فى المفاسد الواقعية على تقدير وجودها واقعا فلا يترتب على موافقته ومخالفته سوى الخاصية المترتبة على الفعل او الترك نظير اوامر الطبيب ونظير الامر بالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع.

(نعم) حمل الامر بالاحتياط للارشاد على مذهب القائل المذكور على وجه اللزوم كما فى بعض اوامر الطبيب لا للاولوية كما اختاره القائلون بالبراءة واما ما يترتب على نفس الاحتياط فليس إلّا التخلص من الهلاك المحتمل فى الفعل وهو العقاب مضافا الى ان فاعله يستحق المدح من حيث تركه لما يحتمل ان يكون تركه مطلوبا عند المولى ففى هذا الاحتياط نوع انقياد ويستحق عليه المدح والثواب واما فى تركه فليس فيه إلّا التجرى بارتكاب ما يحتمل ان يكون مبغوضا للمولى ولا دليل على حرمة التجرى على هذا الوجه اى فيما يحتمل الحرمة مع عدم ثبوتها فى الواقع بل قد عرفت فى مسئلة حجية القطع المناقشة فى حرمة التجرى بما هو اعظم من ذلك كأن يكون الشيء مقطوع الحرمة بالجهل المركب.

(قوله ولا يلزم من تسليم استحقاق الثواب الخ) اقول يمكن الفرق بينهما بان العقل حاكم مستقل باستحقاق العبد الثواب على الانقياد بفعل الاحتياط بخلاف الاتيان لما يحتمل حرمته فانه لا مقتضى لاستحقاق العقاب بترك الاحتياط

٢٢٧

والتجرى فى الاقدام على ما يحتمل كونه مبغوضا للمولى وفيه ان التفكيك بين المدح الفعلى المتحقق فى الاحتياط والمخالفة الحكمية التى تحققت فى التجرى بالثواب فى الاول دون العقاب فى الثانى فى غاية الاشكال ان كان مبنى الكلام على الاستحقاق كما هو الظاهر منه.

٢٢٨

(الخامس) ان اصل الاباحة فى مشتبه الحكم انما هو مع عدم اصل موضوعى حاكم عليه فلو شك فى حل اكل حيوان مع العلم بقبوله التذكية جرى اصالة الحل وان شك فيه من جهة الشك فى قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لاصالة عدم التذكية لان من شرائطها قابلية المحل وهى مشكوكة فيحكم بعدمها وكون الحيوان ميتة ويظهر من المحقق والشهيد الثانيين قدس‌سرهما فيما اذا شك فى حيوان متولد من طاهر ونجس لا يتبعهما فى الاسم وليس له مماثل ان الاصل فيه الطهارة والحرمة فان كان الوجه فيه اصالة عدم التذكية فانما يحسن مع الشك فى قبول التذكية وعدم عموم يدل على جواز تذكية كل حيوان الا ما خرج كما ادعاه بعض وان كان الوجه فيه اصالة حرمة اكل لحمه قبل التذكية ففيه ان الحرمة قبل التذكية لاجل كونه من الميتة فاذا فرض اثبات جواز التذكية خرج عن الميتة فيحتاج حرمته الى موضوع آخر ولو شك فى قبول التذكية رجع الى الوجه السابق وكيف كان فلا يعرف وجه لرفع اليد عن اصالة الحل والاباحة.

(ملخص الكلام) فى التنبيه الخامس من تنبيهات البراءة ان اصالة البراءة انما تجرى فى الشبهة الحكمية او الموضوعية اذا لم يكن هناك اصل موضوعى جار فيها اذ لا مجال لها مع الاصل الموضوعى بلا كلام لوروده عليها وارتفاع موضوعها بسببه وهو الشك ولو رفعا تعبديا عبّر عنه الشيخ قدس‌سره فى الغالب بالحكومة.

(ولا يخفى) ان مراد الشيخ قدس‌سره من الاصل الموضوعى الذى افاده هنا ليس هو خصوص الاصل الجارى فى الموضوع فى الشبهات الحكمية او فى الشبهات الموضوعية فى قبال الاصل الجارى فى الحكم فيهما بل المراد منه كل اصل جار فى السبب رافع لموضوع الشك فى المسبب سواء كان ذلك الاصل جاريا فى الموضوع كاستصحاب عدم التذكية فى المقام الرافع للشك فى الحلية عن الحيوان المشكوك قابليته لها واستصحاب الموضوعات الخارجية كالعدالة والفسق الرافع للشك فى الاحكام

٢٢٩

المترتبة عليها او جاريا فى الحكم كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغيّره من قبل نفسه واستصحاب نجاسة الثوب الخارجى المعلوم نجاسته مثلا المانعين عن جريان اصالة الطهارة فيهما ففى كل مورد كان اصل سببى رافع للشك فى الحلية والحرمة لما كان تصل النوبة الى اصالتى البراءة او الاحتياط المتأخرتين رتبة عن تمام الاصول.

(ثم انه) لا فرق فى عدم جريان اصالة البراءة فى الشبهة الحكمية او الموضوعية مع الاصل الموضوعى بين ان يكون الاصل الموضوعى مخالفا لها او ان يكون موافقا لها بان كانت البراءة والاصل الموضوعى كلاهما يحكمان بالاباحة لان الملاك فى عدم جريانها مع الاصل الموضوعى هو الورود او الحكومة وهو موجود فى كلتا الصورتين.

(ثم انه) قدس‌سره مثّل لعدم جريان البراءة فى مورد جريان الاصل الموضوعى بمسألة الشك فى التذكية حيث قال وان شك فيه من جهة الشك فى قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لاصالة عدم التذكية لان من شرائطها قابلية المحل وهى مشكوكة فيحكم بعدمها وكون الحيوان ميتة اى غير مذكى.

(وبعبارة اخرى) لو علم فى حيوان بقبوله التذكية وشك فى الحلية كبعض انواع الغراب مثلا بناء على فرض عدم وجود دليل على الحرمة فاصالة الاباحة فيه محكمة ويحكم بالحل لعدم اصل موضوعى حاكم على اصل الاباحة فانه حينئذ انما يشك فى ان هذا الحيوان المذكى حلال او حرام ولا اصل فيه إلّا اصالة الاباحة كسائر ما شك فى انه من الحلال او الحرام وهذا بخلاف ما لو شك فيه من جهة الشك فى قبوله للتذكية كحيوان متولد من طاهر ونجس لا يتبعهما فى الاسم وليس له مماثل فانه اذا ذبح مع سائر الشرائط المعتبرة فى التذكية من الاسلام والقبلة والحديد والتسمية وفرى الاوداج فاصالة عدم التذكية تدرجه فيما لم يذك.

(قوله ويظهر من المحقق والشهيد الثانيين الخ) قال المحقق الثانى فى جامع المقاصد فى شرح قول المصنف والمتولد من الكلب والشاة يتبع الاسم تنقيحه انه اذا

٢٣٠

كان بصورة احد النوعين بحيث استحق اطلاق اسم ذلك النوع عليه عرفا لحقه احكامه لا انه اذا سمى باحدهما اقتراحا يلحقه الاحكام ولو لم يغلب عليه صورة احد النوعين فهو طاهر غير حلال تمسكا بالاصل فى الامرين انتهى قال الشهيد الثانى فى الروضة اما المتولد من احدهما وطاهر فانه يتبع فى الحكم الاسم ولو لغيرهما فان انتفى المماثل فالاقوى طهارته وان حرم لحمه للاصل فيهما انتهى.

(قال الشيخ قدس‌سره) فى توضيح كلامهما(ان كان الوجه) فى اصالة الحرمة اصالة عدم التذكية فانما يحسن مع الشك فى قبول التذكية مع عدم دليل عام يدل على جواز تذكية كل حيوان الا ما خرج اذ مع وجوده لا يرجع الى الاصل المذكور لانه اصل عملى لا يجرى مع الدليل الاجتهادى وفى المحكى انه قدس‌سره اختار فى كتاب الطهارة وجود الدليل الاجتهادى حيث قال الاقوى اصالة وقوع التذكية على كل حيوان عدا ما خرج ويدل على الاصل المذكور قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ) الآية وقوله تعالى (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ويدل على اختياره ذلك هنا قوله وكيف كان فلا يعرف وجه لرفع اليد عن الحل والاباحة انتهى (وان كان الوجه) فى اصالة الحرمة اصالة حرمة لحمه قبل التذكية بمعنى يستصحب حرمة اكله الثابتة قبل زهاق الروح ففيه ان الحرمة قبل التذكية انما هى لاجل كونه ميتة وبعد اثبات جواز التذكية ووقوعها بالدليل الاجتهادى خرج عن كونه ميتة فلا يمكن جريان الاستصحاب مع تغير الموضوع فيحتاج حرمته الى دخوله فى موضوع معلوم الحرمة نعم لو شك فى قابليته للتذكية رجع الى الوجه السابق.

(قوله فلا يعرف وجه لرفع اليد عن اصالة الحل والاباحة) قد افاد بعض المحشين فى شرح العبارة ان مقصوده قدس‌سره عدم صحة جريان اصالة عدم التذكية فى الوجه الثانى من الوجهين المذكورين فعلى هذا لا وجه لرفع اليد عن اصالة الحل والاباحة مع فرض جواز اثبات التذكية ووقوعها.

٢٣١

(نعم) ذكر شارح الروضة هنا وجها آخر ونقله بعض محشيها عن الشهيد فى تمهيد القواعد قال شارح الروضة ان كلا من النجاسات والمحللات محصورة فاذا لم يدخل فى المحصور منها كان الاصل طهارته وحرمة لحمه وهو ظاهر انتهى ويمكن منع حصر المحللات بل المحرمات محصورة والعقل والنقل دل على اباحة ما لم يعلم حرمته ولذا يتمسكون كثيرا باصالة الحل فى باب الاطعمة والاشربة ولو قيل ان الحل انما علق فى قوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) المفيد للحصر فى مقام الجواب عن الاستفهام فكل ما شك فى كونه طيبا فالاصل عدم احلال الشارع له قلنا ان التحريم محمول فى القرآن على الخبائث والفواحش فاذا شك فيه فالاصل عدم التحريم ومع تعارض الاصلين يرجع الى اصالة الاباحة وعموم قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) وقوله عليه‌السلام ليس الحرام الا ما حرم الله مع انه يمكن فرض كون الحيوان مما ثبت كونه طيبا بل الطيب ما لا يستقذر فهو امر عدمى يمكن احرازه بالاصل عند الشك فتدبر.

(اقول) ذكر شارح الروضة فى مشكوك الطهارة والحلية وجها آخر وهو على ما حكى عنه ان كلا من النجاسات وكذا المحللات معنونة ومحصورة فاذا لم يدخل ما شك فى طهارته وحليته فى المحصور منها كان مقتضى الاصل طهارته وحرمة لحمه وهو ظاهر انتهى.

(وقد افاد قدس‌سره) فى ردّ الوجه المذكور ان الحصر بالنسبة الى المحللات ممنوع بل يمكن دعوى الحصر فى المحرمات لان بناء الشرع على بيان المحرمات والمحظورات دون المباحات والعقل والنقل دل على اباحة ما لم يعلم حرمته ولذا يتمسكون كثيرا باصالة الحل فى باب الاطعمة والاشربة.

(ولو قيل) ان المستفاد فى قوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) فى مقام الجواب عن الاستفهام حيث قال الله تعالى قبل هذه الآية فى سورة المائدة (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) هو الحصر الاجمالى للمحللات فى الطيبات فكل ما شك

٢٣٢

فى كونه طيبا فالاصل عدم احلال الشارع له.

(قلنا) ان التحريم محمول فى القرآن على الخبائث والفواحش كقوله تعالى فى سورة الاعراف (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) الآية وفى سورة الشورى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) الى غير ذلك من الآيات ومع تعارض الاصلين أى مع تعارض اصالة عدم احلال الشارع باصالة عدم التحريم وتساقطهما يرجع الى اصالة الاباحة وعموم قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) وقوله عليه‌السلام ليس الحرام الا ما حرّم الله هذا مضافا الى انه يمكن فرض كون الحيوان مما ثبت كونه طيبا بل الطيب ما لا يستقذره النفس فهو أمر عدمى يمكن احرازه بالاصل عند الشك.

(وقد ناقش) صاحب بحر الفوائد فيما اجاب به الشيخ قدس‌سره من المعارضة بقوله قلنا ان التحريم محمول الخ بقوله وفيه أولا ان مجرد تحريم الخبائث فى كتاب العزيز مع عدم دلالة القضية على الحصر لا يفيد شيئا فان تحريمها من حيث كونها من أفراد المفهوم وثانيا ان تقابل الطيب والخبيث تقابل التضاد كما حكى عن الصحاح والقاموس ويستفاد من تفسير الطيب بما يستلذ به النفس والخبيث بما يستكرهها ولم يعلم عدم ثالث لهما بل الثالث بين المعنيين موجود بالوجدان فاذا لا معنى للتعارض بين الاصلين حتى يرجع الى اصالة الحل وعموم الحلية فى الآية والرواية نعم لو كان تقابل الخبيث والطيب تقابل الايجاب والسلب امكن الحكم بالحلية فى مورد الشك من جهة الاصل الموضوعى كما ذكره اذ لا يتصور هناك معارض له انتهى.

(قوله بل الطيب ما لا يستقذر) اقول ان ظاهر كلمات أهل اللغة بل الفقهاء ان الطيب والخبيث متضادان قال فى مجمع البحرين الخبيث ضد الطيب يقال خبث الشىء خبثا من باب قرب وخباثة ضد طاب فهو خبيث والخبيثة واحدة الخبائث ضد الطيبة قال الله تعالى ويحرّم عليكم الخبائث قوله ليميز الله الخبيث من الطيب اى ليميز الفريق الخبيث من الفريق الطيب (وقال ايضا) فيه فى موضع آخر الطيب

٢٣٣

يقال لمعان الاول المستلذ الثانى ما حلله الشارع الثالث ما كان طاهرا الرابع ما خلى عن الاذى فى النفس والبدن وهو حقيقة فى الاول لتبادره الى الذهن عند الاطلاق والخبيث يقابل الطيب بمعانيه انتهى.

(ثم ان الضدين) فى اصطلاح أهل المعقول يطلقان على الامرين الوجوديين الآبيين عن الاجتماع مع عدم التلازم بينهما فى التعقل والتصور بخلاف الاصوليين فان المراد من الضد عندهم مطلق المعاند والمنافى أعم من كون الامرين وجوديين أو احدهما وجوديا والآخر عدميا فالمتناقضان ضدان عندهم لان كلا من العدم والوجود يباين الآخر.

(واعلم) ان كل أمر اذا لوحظ مع أمر آخر فهما ان كانا من نوع واحد فهما متماثلان والّا فان كانا غير آبيين عن الاجتماع كالسواد والحلاوة فهما متخالفان وإلّا فهما متقابلان وأقسام التقابل أربعة فالمتقابلان اما وجوديان أو احدهما وجودى والآخر عدمى ولا تقابل بين العدميين فالمتقابلان الوجوديان ان كانا متلازمين فى التعقل والتصور فهما المتضايفان كالابوة والبنوة وإلّا فهما المتضادان كالسواد والبياض ونحوهما والمتقابلان اللذان احدهما وجودى والآخر عدمى ان كان العدمى منهما مما يشترط فى صدقه قابلية المحل كما فى العمى والبصر اذ لا يصدق العمى الا على محل كان من شأنه البصر فهما العدم والملكة وإلّا فهما الايجاب والسلب وهو الشىء ونقيضه كالانسان واللاانسان.

٢٣٤

(السادس) حكى عن بعض الاخباريين كلام لا يخلو ايراده عن فائدة وهو انه هل يجوز احد أن يقف عبد من عباد الله تعالى فيقال له بم كنت تعمل فى الاحكام الشرعية فيقول كنت أعمل بقول المعصوم واقتفى اثره وما يثبت من المعلوم فان اشتبه علىّ شىء عملت بالاحتياط أفيزل قدم هذا العبد عن الصراط ويقابل بالاهانة والاحباط فيؤمر به الى النار ويحرم مرافقة الابرار هيهات هيهات ان يكون أهل التسامح والتساهل فى الدين فى الجنة خالدين وأهل الاحتياط فى النار معذبين انتهى كلامه اقول لا يخفى على العوام فضلا عن غيرهم ان احدا لا يقول بحرمة الاحتياط ولا ينكر حسنه وانه سبيل النجاة واما الافتاء بوجوب الاحتياط فلا اشكال فى انه غير مطابق للاحتياط لاحتمال حرمته فان ثبت وجوب الافتاء فالامر يدور بين الوجوب والتحريم وإلّا فالاحتياط فى ترك الفتوى وحينئذ فيحكم الجاهل بما يحكم به عقله فان التفت الى قبح العقاب من غير بيان لم يكن عليه بأس بارتكاب المشتبه وان لم يلتفت اليه واحتمل العقاب كان مجبولا على الالتزام بتركه كمن احتمل ان فيما يريد سلوكه من الطريق سبعا وعلى كل تقدير فلا ينفع قول الاخباريين له ان العقل يحكم بوجوب الاحتياط من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ولا قول الاصولى له ان العقل يحكم بنفى البأس مع الاشتباه وبالجملة فالمجتهدون لا ينكرون على العامل بالاحتياط والافتاء بوجوبه من الاخباريين نظير الافتاء بالبراءة من المجتهدين ولا متيقن من الامرين فى البين ومفاسد الالتزام بالاحتياط ليست بأقل من مفاسد ارتكاب المشتبه كما لا يخفى فما ذكره هذا الاخبارى من الانكار لم يعلم توجهه الى احد والله العالم وهو الحاكم.

(التنبيه السادس) فى نقل كلام لا يخلو ايراده عن فائدة وفى المحكى ان قائله هو السيد نعمة الله الجزائرى وهو انه هل يجوّز عاقل ان عبدا من عباد الله تعالى ان يعمل فى الاحكام الشرعية بقول المعصوم واقتفى أثره وان يحتاط فى المشتبهات بالاحتياط ان يزل قدم هذا العبد عن الصراط ويقابل بالاهانة والاحباط فيدخل النار

٢٣٥

واما من كان من اهل التسامح والتساهل فى الاحكام الشرعية وبعبارة اخرى ليس عاملا بالاحتياط فيها فيدخل الجنة خالدا فيها هيهات هيهات ان يكون اهل الاحتياط فى النار معذبين واهل التسامح فى الجنة خالدين فيها انتهى.

(ومحصل الجواب عنه) ان طعنه (ره) على علماء الاصول كاشف عن عدم توجهه لمحل النزاع فى المقام فان طعنه يناسب لو كانوا قائلين بحرمة الاحتياط عند الشبهة ولا يلتزم به احد وقد تقدم غير مرّة انه لا اشكال فى حسن الاحتياط عقلا ونقلا وانه سبيل النجاة سواء كانت الشبهة تحريمية أو وجوبية وحكمية او موضوعية لاحتمال وجود الواقع فيها ولا ريب ان حفظ الواقع مهما امكن ولو مع الامن من العقاب راجح عقلا.

(واما الافتاء) بوجوب الاحتياط فلا اشكال فى انه غير مطابق للاحتياط لاحتمال حرمته فان ثبت وجوب الافتاء فالامر يدور بين الوجوب والتحريم لاحتمال وجوب الاحتياط فيجب عليه الافتاء بوجوبه وعدم وجوبه فيحرم عليه الافتاء بوجوبه لعدم مرجح فى البين على ما هو المفروض وان لم يثبت وجوب الافتاء فالاحتياط فى ترك الفتوى.

(وحينئذ) اى حين تقدير عدم افتاء المجتهد الحىّ بناء على عدم وجوبه عليه فالجاهل ان التفت الى قاعدة القبح بلا بيان فيجوز له ارتكاب المشتبه بمقتضى حكم عقله وان لم يلتفت اليها واحتمل العقاب فيجب عليه اجتناب المشتبه بحسب حكم عقله كمن احتمل ان فيما يريد سلوكه من الطريق سبعا وعلى كل تقدير فلا ينفع له قول الاخبارى بوجوب الاحتياط ولا قول الاصولى بالبراءة اذ بعد ان فرضنا ان المسألة عقلية وكان عالما بحكمها فلا معنى للرجوع الى قولهما بل لا بد له من الرجوع الى ما حكم به عقله.

(وبالجملة) فالمجتهدون لا ينكرون على العامل بالاحتياط وفتوى الاخبارى بوجوب الاحتياط نظير فتوى الاصولى بالبراءة بمعنى ان الدليل عند الاخبارى على

٢٣٦

وجوب الاحتياط ادلة الاحتياط كما ان الدليل عند الاصولى ادلة البراءة ولا متيقن من الامرين فى البين ومفاسد الالتزام بالاحتياط ليست بأقل من مفاسد ارتكاب المشتبه لان بناء الشرع على تسهيل الامر للمكلفين ووجوب الاحتياط لا يخلو عن العسر والحرج ولو فى بعض الموارد كما استلزم ذلك التكرار فما ذكره الاخبارى المذكور لم يعلم توجهه الى احد والله العالم وهو الحاكم (هذا) تمام الكلام فى الشبهة التحريمية الحكمية اذا كان منشأ الشبهة فقدان النص

٢٣٧

(المسألة الثانية) ما اذا كان حكم الفعل بين الحرمة وغير الوجوب من جهة اجمال النص اما بان يكون اللفظ الدال على الحكم مجملا كالنهى المجرد عن القرينة اذا قلنا باشتراكه لفظا بين الحرمة والكراهة واما بان يكون الدال على متعلق الحكم كذلك سواء كان الاجمال فى وضعه كالغناء اذا قلنا باجماله فيكون المشكوك فى كونه غناء محتمل الحرمة ام كان الاجمال فى المراد منه كما اذا شك فى شمول الخمر للخمر الغير المسكر ولم يكن هناك اطلاق يؤخذ به والحكم فى ذلك كله كما فى المسألة الاولى والادلة المذكورة من الطرفين جارية هنا وربما يتوهم ان الاجمال اذا كان فى متعلق الحكم كالغناء وشرب الخمر الغير المسكر كان ذلك داخلا فى الشبهة فى طريق الحكم وهو فاسد.

(المسألة الثانية) فى الشبهة الحكمية التحريمية لاجل اجمال النص (وهو قد يكون) من جهة اجمال ما يدل على الحكم اما ذاتا كما لو قلنا باشتراك الصيغة فى النهى بين الحرمة والكراهة واما من جهة وجود القرائن الحافة بالكلام المانعة عن ظهوره فى الحرمة كما فى النهى عقيب توهم الوجوب.

(وقد يكون) لاجل اجمال متعلق الحكم بحسب ما له من المعنى اللغوى والعرفى كالغناء اذا قلنا باجماله وتردّده بين كونه خصوص الصوت المطرب المشتمل على الترجيع وبين كونه مطلق الصوت المطرب وكما فى فى الفسق اذا قلنا باجماله وتردده بين خصوص المرتكب للكبائر او ما يعم المرتكب للصغائر.

(ثم ان التردد) فى المتعلق تارة يكون بين الاقل والاكثر كالامثلة المذكورة واخرى يكون بين المتباينين كما لو دل الدليل على حرمة اكرام زيد وتردد بين شخصين فهذه صور الاجمال فى المسألة والحكم باستثناء الصورة الاخيرة هى البراءة(وذلك) اما فى صورة الاجمال فى ناحية الدال على الحكم اما ذاتا واما من جهة احتفافه بما يصلح للقرينية فظاهر لكون الشك حينئذ فى اصل التكليف التحريمى فيكون كصورة فقد النص فيجرى فيه جميع ما ذكر من الادلة الدالة على البراءة عقليها ونقليها.

٢٣٨

(واما) فى صورة اجمال المتعلق كمثال الغناء او اجمال المراد منه فكذلك من جهة انتفاء العلم بالتكليف فى الزائد عن المقدار المعلوم من غير فرق فى ذلك بين ان يكون تعلق النهى على نحو الطبيعة السارية او على نحو صرف الوجود فانه فى الجميع تجرى البراءة فى المشكوك ويحكم فيه بجواز الارتكاب (واما توهم) ان المطلوب فى النهى بعد ان كان عبارة عن ترك صرف الطبيعى كان اللازم هو الاحتياط(فمدفوع) بان هذا الاشكال لو تم لكان ساريا فى جميع الاقل والاكثر الارتباطيين ولا يكون له اختصاص بالمقام.

(فتحصل) ان الحكم فى جميع صور اجمال النص هى البراءة الا فى فرض اجمال المتعلق وتردده بين المتباينين فان المرجع فيه هى قاعدة الاحتياط للعلم الاجمالى بحرمة اكرام احد الشخصين.

(وربما يتوهم) اذا كان الاجمال فى متعلق الحكم كالغناء وشرب الخمر الغير المسكر كان ذلك من قبيل الشبهة الموضوعية التى اتفق الاصولى والاخبارى على البراءة فيها ولكنه فاسد لان الشبهة الموضوعية التى تجرى البراءة فيها بالاتفاق هو ما يكون منشأ الاشتباه فيه الامور الخارجية لا الشك فى الموضوع المستنبط الكلى لانه يكون من الشبهة الحكمية التى معناها عدم العلم بالموضوع او بالمحمول كما يأتى التعرض لها فى محله إن شاء الله تعالى.

٢٣٩

(المسألة الثالثة) ان يدور حكم الفعل بين الحرمة وغير الوجوب من جهة تعارض النصين وعدم ثبوت ما يكون مرجحا لاحدهما والاقوى فيه ايضا عدم وجوب الاحتياط لعدم الدليل عليه عدا ما تقدم من الوجوه المذكورة التى عرفت حالها وبعض ما ورد فى خصوص تعارض النصين مثل ما فى غوالى اللئالى عن مرفوعة العلامة الى زرارة عن مولانا ابى جعفر عليه‌السلام قال قلت جعلت فداك يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل فقال يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فقلت يا سيدى انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال عليه‌السلام خذ بما يقوله اعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان عندى فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم فان الحق فيما خالفهم قلت ربما كانا موافقين لهم او مخالفين فكيف نصنع قال فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط فقلت انهما معا موافقان للاحتياط او مخالفان فكيف اصنع قال اذن فتخير احدهما فتأخذ به وتدع الآخر الحديث وهذه الرواية وان كانت اخص من اخبار التخيير إلّا انها ضعيفة السند وقد طعن صاحب الحدائق فيها وفى كتاب الغوالى وصاحبه فقال ان الرواية المذكورة لم نقف عليها فى غير كتاب الغوالى مع ما هى عليها من الارسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه الى التساهل فى نقل الاخبار والاهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور انتهى.

(المسألة الثالثة) ما لو اشتبه الحكم الشرعى من جهة تعارض النصين كما لو قام نص على حرمة شىء وقام نص آخر على عدم حرمته والحكم فيها ايضا كما فى صورة فقدان النص هى البراءة فان المناط فيها انما هو فقد الحجة على التكليف فلا يفرق فيها بين ان لا يكون فى المسألة نص اصلا او كان ولكنه سقط عن الحجية بالمعارضة (وقد يستدل) على الاحتياط بما فى غوالى اللئالى لابن ابى جمهور الاحسائى على المشهور من مرفوعة العلامة الى زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام من قوله بعد ذكر المرجحات

٢٤٠