درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

(وفيه) ان الجهل بكونها فى العدة ان كان مع العلم بالعدة فى الجملة والشك فى انقضائها فان كان الشك فى اصل الانقضاء مع العلم بمقدارها فهو شبهة فى الموضوع خارج عما نحن فيه مع ان مقتضى الاستصحاب المركوز فى الاذهان عدم الجواز ومنه يعلم انه لو كان الشك فى مقدار العدة فهى شبهة حكمية قصّر فى السؤال عنها فهو ليس معذورا اتفاقا لاصالة بقاء العدة واحكامها بل فى رواية اخرى انه اذا علمت ان عليها لعدة لزمتها الحجة فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا لا من حيث المؤاخذة ويشهد له ايضا قوله عليه‌السلام بعد قوله نعم انه اذا انقضت عدتها فهو معذور فى ان يزوجها وكذا مع الجهل باصل العدة لوجوب الفحص واصالة عدم تأثير العقد خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل هذا ان كان ملتفتا شاكا وان كان غافلا او معتقدا للجواز فهو خارج عن مسألة البراءة لعدم قدرته على الاحتياط وعليه يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله عليه‌السلام لانه لا يقدر وان كان تخصيص الجاهل بالحرمة بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط فلا يجوز حمله على الغافل إلّا انه اشكال يرد على الرواية على كل تقدير ومحصله لزوم التفكيك بين الجهالتين فتدبر فيه وفى دفعه.

(اقول) ان المناقشة فى الاستدلال بالخبر بين امور(احدها) لو كان الشك فى الانقضاء مع العلم بمقدار العدة وكميّتها وكون المرأة ذات عدة فهو شبهة موضوعية خارج عما نحن فيه وهو البراءة فى الشبهة الحكمية التحريمية دون الموضوعية مع ان مقتضى الاستصحاب المركوز فى الاذهان عدم الجواز.

(ولكن اورد) على هذا الاستصحاب الذى ذكره قدس‌سره بانه مخالف لمذهبه لان الشك فى المقام شك فى المقتضى وحجية الاستصحاب عنده على ما سيجىء فى الشك فى الرافع دون المقتضى وقد اجيب بان استصحاب الليل والنهار من المسلمات حتى عند الاخباريين ايضا ولا فرق بينهما وبين غيرهما من استصحاب الشهر وغيره فيكون الفرض المذكور من الشك فى المقتضى ملحقا بالشك فى الرافع

١٠١

فى جريان الاستصحاب فيه ايضا لكن هذا الجواب انما يتم اذا كان انقضاء العدة بالشهور واما اذا كان بالاقراء فلا يتم التوجيه المذكور.

(الثانى) لو كان الشك فى مقدار العدة بحسب الشرع فيكون الشبهة من هذه الجهة شبهة حكمية قصّر فى السؤال عنها فهو ليس معذورا اتفاقا لاصالة بقاء العدة واحكامها فليزم على الجاهل بمقدار العدة السؤال عنه لازالة الجهل عن نفسه بالنسبة اليه.

(بل فى رواية اخرى) انه اذا علمت ان عليها العدة لزمتها الحجة فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا لا المعذورية من حيث المؤاخذة والتكليف ويشهد لكون المراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبدا قوله عليه‌السلام بعد قوله نعم انه اذا انقضت عدتها فهو معذور فى ان يزوجها.

(الثالث) انه قد يكون الشك من جهة الجهل باصل العدة اى باصل تشريع العدة فتكون الشبهة حينئذ حكمية ايضا فيجب فيه الاحتياط قبل الفحص مع ان الاصل عدم تأثير العقل خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل هذا ان كان جاهلا بسيطا فحينئذ لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفى لكشف شكه عن عدم فحصه وإلّا لاطلع على الحكم لوضوحه بين المسلمين بل هو من ضروريات الفقه فلا يجرى فى حقه البراءة.

(وان كان) غافلا او معتقدا للجواز فهو خارج عن مسئلة البراءة لعدم قدرته على الاحتياط مع الغفلة واعتقاد الخلاف (وعليه يحمل) اى على كونه غافلا او معتقدا للجواز يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله عليه‌السلام لانه لا يقدر وان كان تخصيص الجاهل بالحرمة بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط فلا يجوز حمله على الغافل.

(قوله إلّا انه اشكال يرد على الرواية على كل تقدير الخ) يعنى يرد اشكال على الرواية على كل تقدير سواء حملناها على الشبهة الموضوعية او الحكمية او عليهما واريد من الجهل فى الرواية الجهل البسيط او المركب.

١٠٢

(ومحصل الاشكال) انه ان اريد بالجهالة فى قوله عليه‌السلام فقد يعذر الناس فى الجهالة بما هو اعظم من ذلك الجاهل الغافل فلا يناسبه تخصيص التعليل بانه لا يقدر على الاحتياط بالجاهل بالحرمة لان الجاهل بالعدة ايضا بعد فرض كونه غافلا لا يقدر على الاحتياط وان اريد بالجهالة الجاهل المتردد فلا يستقيم التعليل لانه يقدر على الاحتياط ايضا كالجاهل المتردد فى العدة وان اريد بالجهالة مطلق الجاهل الشامل لكلا القسمين فالمتردد من كل منهما يقدر على الاحتياط والغافل منهما لا يقدر عليه فلم حكم عليه‌السلام فى الرواية باهونية الجهل بالحرمة لاجل هذه العلة الغير المطردة المشتركة بين القسمين فحينئذ اللازم التفكيك بين الجهالتين (وقد اجاب بعض المحشين) للكتاب عن الاشكال المذكور بما حاصله ان المقصود بالجهالة هو مطلق الجهل الشامل للمتردد والغافل فالمراد بالجاهل مقابل العالم غافلا كان ام مترددا.

(ولكن) الجاهل بحرمة تزويج المرأة بعد وفاة زوجها ما دامت فى العدة لا يكاد يوجد له مصداق فى الخارج الا على تقدير غفلته عن اصل شرعية العدة وحكمها الذى هو حرمة التزويج وإلّا فحرمة تزويج المعتدة من الضروريات التى لا تكاد تختفى على من التفت اليها او الى موضوعها اعنى مشروعية العدة فى الجملة كى يبقى مترددا فى ذلك وهذا بخلاف الجاهل بانها فى العدة مع علمه بحرمة تزويج المعتدة فانه بعكس ذلك فان الشخص العالم بحرمة تزويج المعتدة لا محالة عند ارادة تزويج امرأة يلتفت الى ثيبوبتها وبكارتها والى كونها بلا مانع او مع المانع فلا ينفك ارادة التزويج عادة عن الالتفات الى كونها فى العدة فجهله بأنها فى العدة غالبا يجامع التردد دون الغفلة.

(نعم) قد يجامع اعتقاد الخلاف الذى هو بحكم الغافل لكن هذا ايضا فرض نادر والرواية منزّلة على الغالب فتنزيل الجهل بالعدة على المتردد والجهل بالحرمة على الغافل ليس تفكيكا فى الجهالة بل الجهل فى كلا الموردين بمعنى عدم العلم ولكن الاختلاف نشأ من خصوصية الموردين فتأمل.

١٠٣

(وقد يستدل) على المطلب اخذا من الشهيد فى الذكرى بقوله عليه‌السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه وتقريب الاستدلال كما فى شرح الوافية ان معنى الحديث ان كل فعل من جملة الافعال التى تتصف بالحل والحرمة وكذا كل عين مما يتعلق به فعل المكلف ويتصف بالحل والحرمة اذا لم يعلم الحكم الخاص به من الحل والحرمة فهو حلال فخرج ما لا يتصف بهما جميعا من الافعال الاضطرارية والاعيان التى لا يتعلق بها فعل المكلف وما علم انه حلال لا حرام فيه او حرام لا حلال فيه وليس الفرض من ذكر الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بيان ما فيه الاشتباه (فصار الحاصل) ان ما اشتبه حكمه وكان محتملا لان يكون حلالا ولان يكون حراما فهو حلال سواء علم حكم كلى فوقه او تحته بحيث لو فرض العلم باندراجه تحته او تحققه فى ضمنه لعلم حكمه ام لا (اقول) انه قد يستدل على المطلب بصحيحة عبد الله بن سنان رواها فى الكافى فى نوادر المعيشة عن الصادق عليه‌السلام قال كل شىء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (وقد رواها فى الوسائل) فى التجارة فى باب عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام مسندا عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول كل شىء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا او امرأة تحتك وهى اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة.

(وحاصل) ما ذكره السيد صدر الدين فى شرح الوافية فى توجيه الرواية بحيث تشمل الشبهة فى نفس الحكم الشرعى ليتم الاستدلال بها على اصالة البراءة فيما لا نص فيه وجوه ثلاثة :

(احدها) ان كل فعل من جملة الافعال التى تتصف بالحل والحرمة وكذا كل عين مما يتعلق به فعل المكلف ويتصف بالحل والحرمة اذا لم يعلم الحكم الخاص

١٠٤

(وبعبارة اخرى) ان كل شىء فيه الحلال والحرام عندك بمعنى انك تقسمه الى هذين وتحكم عليه باحدهما لا على التعيين ولا تدرى المعين منهما فهو لك حلال فيقال حينئذ ان الرواية صادقة على مثل اللحم المشترى من السوق المحتمل للمذكى والميتة وعلى شرب التتن وعلى لحم الحمير ان لم نقل بوضوحه وشككنا فيه لانه يصدق على كل منها انه شىء فيه حلال وحرام عندنا بمعنى انه يجوز لنا ان نجعل مقسما لحكمين فنقول هو اما حلال واما حرام وانه يكون من جملة الافعال التى يكون بعض انواعها او اصنافها حلالا وبعضها حراما واشتركت فى أن الحكم الشرعى المتعلق بها غير معلوم انتهى كلام السيد الصدر. به من الحل او الحرمة فهو لك حلال فيخرج ما لا يتصف بهما جميعا.

(كالافعال الاضطرارية) مثل التنفس فى الهواء وهضم الغذاء وغير ذلك مما يضطر اليه الانسان فانهما لا يتصف بالحكم الشرعى من الحل والحرمة وانما المتصف بهما هو الافعال الاختيارية.

(وكالاعيان التى) لا يتعلق بها فعل المكلف كالسماء وذات البارى تعالى شأنه بداهة ان موضوع الحكم هو فعل المكلف (وما) علم انه حلال لا حرام فيه او حرام لا حلال فيه (وليس الغرض من ذكر الوصف مجرد الاحتراز) يعنى ان الغرض من الوصف وهو جملة قوله عليه‌السلام فيه حلال وحرام لانها صفة نحوية لشىء أمران (احدهما) الاحتراز عما ذكر من الافعال الاضطرارية وغيرها(وثانيهما) بيان المشتبه بمعنى ان المراد منه هو الشىء القابل لتعلق الحكم به عقلا وعادة.

(فصار الحاصل) ان ما اشتبه حكمه وكان محتملا لان يكون حلالا ولان يكون حراما فهو حلال سواء علم حكم كلى فوقه كاللحم المشترى من مجهول الحال المشكوك فى حله وحرمته والكلى الذى فوقه هو المذكى والميتة ولو علم اندراجه تحت المذكى او الميتة لعلم حكمه او علم حكم كلى تحته كمطلق لحم الغنم الذى له نوعان او صنفان المذكى منه والميتة فقد علم حكم الكلى الذى تحت ذلك اللحم

١٠٥

من المذكى والميتة ويكون الشك فى اللحم من جهة الشك فى تحققه فى ضمن ايهما فلو علم تحققه فى ضمن المذكّى كان حكمه معلوما بأنه حلال وكذا لو علم اندراجه تحت الميتة علم كونه حراما.

(والثانى) من الوجوه الثلاثة ان كل شىء فيه الحلال والحرام عندك بمعنى انك تقسمه الى هذين وتحكم عليه بأحدهما لا على التعيين ولا تدرى المعين منهما فهو لك حلال.

(والثالث) ان كل شىء تعلم له نوعين او صنفين نصّ الشارع على احدهما بالحل وعلى الآخر بالحرمة واشتبه عليك اندراج فرد فلا تدرى من أى النوعين او الصنفين فهو لك حلال فيكون معنى قوله فيه حلال وحرام انه ينقسم اليهما ويمكن ان يكون المراد بالشىء الجزئى المعين وحينئذ يكون المعنى انه يحتمل الحلّ والحرمة للاشتباه فى كونه فردا للحلال والحرام مع العلم بهما لنص الشارع عليهما وحاصل المعنيين امر واحد والمعنى الثالث اخص من الاولين والثانى مرجعه الى الاول وهو الذى ينفع القائلين بالاباحة والثالث هو الذى حمل القائل بوجوب التوقف والاحتياط هذه الاحاديث عليه.

(قوله مثل اللحم المشترى من السوق) المحتمل للمذكى والميتة مثال للشبهة الموضوعية وقوله على شرب التتن وعلى لحم الحمير مثال للشبهة الحكمية وقوله ان لم نقل بوضوحه وشككنا فيه قيد لقوله على لحم الحمير انتهى كلام السيد الشارح رفع مقامه.

١٠٦

(اقول) الظاهر ان المراد بالشىء ليس هو خصوص المشتبه كاللحم المشترى ولحم الحمير على ما مثل بهما اذ لا يستقيم ارجاع الضمير فى منه اليهما لكن لفظة منه ليس فى بعض النسخ وايضا الظاهر ان المراد بقوله عليه‌السلام فيه حلال وحرام كونه منقسما اليهما ووجود القسمين فيه بالفعل لا مرددا بينهما اذ لا تقسيم مع الترديد اصلا لا ذهنا ولا خارجا وكون الشىء مقسما لحكمين كما ذكره المستدل لم يعلم له معنى محصل خصوصا مع قوله قدس‌سره انه يجوز لنا ذلك لان التقسيم الى الحكمين الذى هو فى الحقيقة ترديد لا تقسيم امر لازم قهرى لا جائز لنا وعلى ما ذكرنا فالمعنى والله العالم ان كل كلى فيه قسم حلال وقسم حرام كمطلق لحم الغنم المشترك بين المذكى والميتة فهذا الكلى لك حلال الى ان تعرف القسم الحرام معينا فى الخارج فتدعه وعلى الاستخدام يكون المراد ان كل جزئى خارجى فى نوعه القسمان المذكوران فذلك الجزئى لك حلال حتى تعرف القسم الحرام من ذلك الكلى فى الخارج فتدعه وعلى اى تقدير فالرواية مختصة بالشبهة فى الموضوع.

(اقول) ملخص ما اجاب قدس‌سره عن السيد الشارح ان المراد بالشىء ليس خصوص المشتبه الذى هو جزئى من الجزئيات الحقيقية اذ ليس فيه حلال وحرام حتى يعرف الحرام منه بعينه (بل المراد) مطلق الشىء مع قطع النظر عن الاشتباه لان كلمة منه فى الرواية ظاهرة فى ان مرجعه وهو الشىء أمر كلى حتى يصح اتصاف بعض افراده بالحلية وبعضه بالحرمة ووقع الاشتباه فى بعض افراده من جهة الخارج ولم يعلم اندراج ذلك الفرد المشتبه فى أىّ فرد منه فاذا علم اندراجه فى الفرد الحلال او الحرام يعلم حكم المشتبه وهو ظاهر فى الشبهة الموضوعية. (والمراد) من انقسامه الى القسمين وجودهما فيه بالفعل كاللحم فان فيه الحلال والحرام بالفعل وليس المراد احتمال كل منهما فى مقام الاتصاف بأحدهما كشرب التتن حيث انه يمكن ان يكون حلالا وان يكون حراما اذ لا تقسيم مع الترديد أصلا لا ذهنا

١٠٧

ولا خارجا.

(والمراد) بالتقسيم الذهنى على ما قيل تقسيم الكلى الى الافراد الذهنية كشريك البارى وبالتقسيم الخارجى تقسيمه الى الافراد الخارجية كالانسان خلافا لبعض المحققين حيث قال ان المراد بالاول تقسيم الكلى الى افراده والمراد بالثانى هو تقسيم الكل الى أجزائه والظاهر ان الاول أولى.

(وكون الشىء مقسما لحكمين) كما ذكره السيد الشارح لم يعلم له معنى محصل خصوصا مع قوله قدس‌سره انه يجوز لنا ذلك لان التقسيم الى الحكمين الذى هو فى الحقيقة ترديد لا تقسيم أمر لازم قهرى لا جائز لنا وبعبارة اخرى ان الشىء المشتبه لازمه القهرى كونه مقسما الى الحكمين ترديدا فتعبير السيد بأنه يجوز لنا ذلك لم يعلم له معنى محصل وكيف كان ظاهر القضية هو التقسيم لا الترديد فلا بد من حمل الشىء فى الرواية على الكلى لانه المنقسم دون المشتبه.

(فالمعنى) على ما ذكره قدس‌سره من ان المراد بالشىء ليس هو خصوص المشتبه ان كل كلى فيه قسم حلال وقسم حرام كمطلق لحم الغنم المشترك بين المذكى والميتة فهذا الكلى لك حلال الى أن تعرف القسم الحرام معينا فى الخارج فتدعه وعلى أىّ تقدير فالرواية مختصة بالشبهة فى الموضوع.

(قوله وعلى الاستخدام الخ) يعنى لو كان المراد بالشىء هو الجزئى فهو مستلزم للاستخدام فى الضمير فى الموضعين من الرواية أى فى ضمير منه وفيه بأن يكون المراد من المرجع وهو الشىء هو الجزئى الخارجى كاللحم المشترى من السوق ويكون الضمير فى كلمة منه راجعا الى النوع وهكذا الاستخدام فى ضمير فيه ايضا باعتبار ان الشىء اريد منه جزئى خارجى وضمير فيه راجع الى نوع ذلك الجزئى لا الى نفسه لعدم كونه منقسما للحلال والحرام مع ظهور قضية فيه حلال وحرام فى ذلك.

(فعلى الاستخدام) يكون المراد ان كل جزئى خارجى فى نوعه القسمان

١٠٨

المذكوران فهذا الجزئى لك حلال الى ان تعرف القسم الحرام معينا فى الخارج فتدعه وبالجملة من تأمل فى الرواية صدرا وذيلا يحصل له القطع باختصاصها بالشبهة الموضوعية كاللحم المشترى مثلا لا مثل حكم شرب التتن ونحوه من الشبهات الحكمية.

١٠٩

(واما ما ذكره المستدل) من ان المراد من وجود الحلال والحرام فيه احتماله وصلاحيته لهما فهو مخالف لظاهر القضية ولضمير منه ولو على الاستخدام (ثم الظاهر) ان ذكر هذا القيد مع تمام الكلام بدونه كما فى قوله عليه‌السلام فى رواية اخرى كل شىء لك حلال حتى تعرف الخ بيان منشأ الاشتباه الذى يعلم من قوله عليه‌السلام حتى تعرف كما ان الاحتراز عن المذكورات فى كلام المستدل ايضا يحصل بذلك.

(يعنى) ما ذكره السيد الشارح من ان المراد من وجود الحلال والحرام فيه احتمال المشتبه وصلاحيته لهما مخالف لظاهر القضية لان ظاهرها وجود الحلال والحرام بالفعل.

(واما) مخالفته لضمير منه ولو على الاستخدام فلان كلمة من الظاهرة فى التبعيض ظاهرة فى وجود القسمين فى الشىء بالفعل لا ما يكون محتملا لهما فحينئذ لا يستقيم رجوع ضمير منه الى المشتبه المحتمل للحلّ والحرمة لعدم وجود القسمين فيه

(قوله ولو على الاستخدام) يعنى ما ذكره السيد مخالف لضمير منه ولو على الاستخدام لانه عليه يكون الضمير راجعا الى النوع ولا يمكن شموله لمثل شرب التتن لعدم النوع له.

(ثم الظاهر) ان ذكر هذا القيد أى قوله عليه‌السلام فيه حلال وحرام مع تمام الكلام بدونه لعدم مدخليته فى المطلب كما لم يذكر هذا القيد فى قوله عليه‌السلام فى رواية اخرى كل شىء لك حلال حتى تعرف الخ (بيان) منشأ الاشتباه وسببه بمعنى ان الاشتباه فى الشىء المشتبه انما حصل من جهة وجود الحلال والحرام فيه وكونه مقسما للقسمين ووقع الاشتباه فيه من جهة اندراجه فى ايهما.

(فتبين) ان المقصود فى الرواية بيان حكم مشتبه خاص وهو المشتبه بالشبهة الموضوعية اذ منشأ الاشتباه وسببه فيها وجود القسمين فى الخارج فيه او فى نوعه لا مطلق المشتبه فالمراد بمنشإ الاشتباه فى كلام الشيخ قدس‌سره هو السبب الباعث على الاشتباه.

١١٠

(ومنه يظهر) فساد ما انتصر بعض المعاصرين للمستدل بعد الاعتراف بما ذكرنا من ظهور القضية فى الانقسام الفعلى فلا يشمل مثل شرب التتن من انا نفرض شيئا له قسمان حلال وحرام واشتبه قسم ثالث منه كاللحم فانه شىء فيه حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الخنزير فهذا الكلى المنقسم حلال فيكون لحم الحمار حلالا حتى تعرف حرمته (ووجه الفساد) ان وجود القسمين فى اللحم ليس منشأ لاشتباه لحم الحمار ولا دخل له فى هذا الحكم اصلا ولا فى تحقق الموضوع وتقييد الموضوع بقيد اجنبى لا دخل له فى الحكم ولا فى تحقق الموضوع مع خروج بعض الافراد منه مثل شرب التتن حتى احتاج هذا المنتصر الى الحاق مثله بلحم الحمار وشبهه مما يوجد فى نوعه قسمان معلومان بالاجماع المركب مستهجن جدا لا ينبغى صدوره من متكلم فضلا عن الامام عليه‌السلام هذا مع ان اللازم مما ذكر عدم الحاجة الى الاجماع المركب فان الشرب فيه قسمان شرب الماء وشرب البنج فشرب التتن كلحم الحمار بعينه وكذا الافعال المجهولة الحكم.

(اقول) ان المراد من بعض المعاصرين هو الفاضل النراقى على ما حكى وانه احتمل فى الرواية احتمالات ثلاثة مضافا الى الاحتمالات الثلاثة المتقدمة من شارح الوافية.

(الاول) ان كل فعل او عين له انواع نص الشارع على احدها بالحل وعلى الآخر بالحرمة واشتبه عليك فى نوع ثالث هل نص عليه بالحل او الحرمة فهو لك حلال مثاله اللحم له انواع لحم الغنم ولحم الخنزير ولحم الحمير تعلم حلية الاول وحرمة الثانى واشتبه عليك الامر فى الثالث.

(الثانى) ان كل شىء من فعل او عين له نوعان حلال وحرام واشتبه عليك الامر فى صنف انه هل هو مندرج تحت الاول او الثانى فهو من الاول اى حلال مثاله اللحم له نوعان حلال وحرام واشتبه عليك الامر فى لحم الحمير انه هل هو من النوع الحلال او الحرام.

١١١

(الثالث) ان كل شىء له نوعان او انواع واشتبه عليك الامر فى فردا وصنف فى حليته وحرمته لاجل الاشتباه فى الحكم او الاندراج تحت احد النوعين او فى نوع فى انه هل هو ايضا نوع حلال او حرام فهو لك حلال مثاله اللحم فيه الحلال والحرام والمذكّى والميتة ولحم الغنم والخنزير والحمير واشتبه عليك الامر فى لحم اما لاجل انه لا يعلم انه من المذكى او الميتة او لاجل انه لا يعلم انه من الحلال او الحرام او لاجل انه لا يعلم انه فى نفسه كيف هو ثم قال قدس‌سره ثم نقول لا شك فى دلالة هذه الاحاديث اى الاخبار الواردة بان كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال التى منها صحيحة عبد الله بن سنان على اباحة ما لا نص فيه كما ظهر من الامثلة انتهى محل الحاجة من كلامه قدس‌سره اذا عرفت محصل كلامه قدس‌سره.

(فاعلم) ان الفاضل النراقى انتصر للمستدل اى للسيد شارح الوافية بعد الاعتراف بما ذكره الشيخ قدس‌سره من ظهور القضية فى الانقسام الفعلى لا الانقسام الاحتمالى كما ذكره السيد بان الرواية لا تشتمل مثل شرب التتن لعدم وجود القسمين فى نوعه كاللحم فانه شىء فيه حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الخنزير فهذا الكلى المنقسم حلال فيكون لحم الحمار حلالا حتى تعرف حرمته.

(قوله ووجه الفساد) انه ليس اشتباه لحم الحمار من جهة وجود القسمين وعدم معلومية اندراجه تحت احدهما ولا دخل لوجود القسمين فى هذا الحكم اصلا اى فى الحكم بحلية المشتبه ولا فى تحقق الموضوع اى فى كون الشىء مشتبها بل لو فرض جميع انواع اللحم حلالا او حراما غير لحم الحمار لكان اشتباه حكم لحم الحمار باقيا من جهة فقد النص او اجماله او تعارض النصين حسبما هو سبب الاشتباه فى مطلق اشتباه الحكم الشرعى الكلى.

(قوله تقييد الموضوع بقيد اجنبى) هذا ايراد للمستدل اى السيد الصدر فى تقريب الاستدلال بناء على التقرير الاول من جعل قوله عليه‌السلام فيه حلال وحرام من القيود الاحترازية ودخيلا فى الحكم بالحلية وفى تحقق الموضوع.

(محصل) الجواب عنه قدس‌سره تقييد الامام عليه‌السلام الموضوع اى كل شىء

١١٢

بقيد اجنبى اى فيه حلال وحرام لا دخل له فى الحكم بحلية المشتبه ولا فى تحقق الموضوع مع خروج بعض الافراد منه مما لا يوجد فى نوعه حلال وحرام مثل شرب التتن حتى احتاج المنتصر اى الفاضل النراقى الى الحاق مثل شرب التتن بلحم الحمار وشبهه مما يوجد فى نوعه قسمان معلومان بالاجماع المركب يعنى حكم بشمول الرواية بمثل لحم الحمار والحق به شرب التتن بعدم القول بالفصل.

(والحاصل) تقييد الموضوع بقيد اجنبى مستهجن جدا لا ينبغى صدوره من متكلم عادى فضلا عن الامام عليه‌السلام هذا مع ان اللازم مما ذكر اى من ان نفرض شيئا له قسمان حلال وحرام واشتبه قسم ثالث منه كاللحم عدم احتياج المنتصر الى الاجماع المركب فان الشرب كلى فيه قسمان شرب الماء وشرب البنج فشرب التتن كلحم الحمار بعينه وكذا الافعال المجهولة الحكم.

(قوله) تقييد الموضوع مبتداء وقوله مستهجن خبره فافهم.

١١٣

(واما الفرق) بين الشرب واللحم بان الشرب جنس بعيد لشرب التتن بخلاف اللحم فمما لا ينبغى ان يصغى اليه هذا كله مضافا الى ان الظاهر من قوله عليه‌السلام حتى تعرف الحرام منه معرفة ذلك الحرام الذى فرض وجوده فى الشيء ومعلوم ان معرفة لحم الخنزير وحرمته لا يكون غاية لحلية لحم الحمار.

(اقول) ان الجنس فى اصطلاح اهل الميزان على قسمين قريب وبعيد وبيان ذلك ان الجنس لا بد ان يقع جوابا عن الماهية وعن بعض الحقائق المخالفة لها المشاركة اياها فى ذلك الجنس فان كان مع ذلك جوابا عن الماهية وعن كل واحدة من المهيات المختلفة المشاركة لها فى ذلك الجنس فالجنس قريب كالحيوان حيث يقع جوابا عن الانسان وعن كل ما يشاركه فى الماهية الحيوانية.

(وان لم يقع جوابا) عن الماهية وعن كل ما يشاركها فى ذلك الجنس فبعيد كالجسم حيث يقع جوابا عن السؤال بالانسان والحجر والفرس ولا يقع جوابا عن السؤال بالانسان والشجر والفرس مثلا بل يقع فى جوابها الجسم النامى اذا عرفت ذلك.

(فاعلم) انه قد قيل فى الفرق بين الشرب واللحم ان الشرب جنس بعيد لشرب التتن بخلاف اللحم وانه جنس قريب للحم الغنم والخنزير والحمار كالحيوان بالنسبة الى الانسان والفرس والبقر فيصدق على اللحم انه شيء فيه حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الخنزير فهذا الكلى المنقسم حلال فيكون لحم الحمار حلالا حتى تعرف حرمته.

(فلما) كان هذا الفرق المذكور بعيدا فقال الشيخ قدس‌سره واما الفرق بين الشرب واللحم فمما لا ينبغى ان يصغى اليه لان كون الشرب جنسا بعيدا واللحم جنسا قريبا غير معلوم وعلى تقديره فالرواية شاملة للجنس القريب والبعيد كليهما.

(قوله مضافا الى ان الظاهر من قوله حتى تعرف الحرام الخ) يعنى

١١٤

ان الظاهر من الرواية الحكم بحلية المشتبه الى ان يعلم تحقق الكلى فى ضمن الحرام المعلوم المندرج فى ضمنه فيكون حاصل المعنى بناء على فرض المنتصر الحكم بحلية لحم الحمار حتى يعلم تحقق اللحم فى ضمن الخنزير المعلوم الحرمة ولا يصح بوجهين.

(الاول) انه لا علاقة بين حرمة لحم الخنزير وحلية لحم الحمار وان هى الا مثل سائر المحرمات الالهية التى لا ارتباط بينها وبين حلية لحم الحمار فكيف يكون تحقق مثلها موجبة لارتفاع الحلية فى لحم الحمار بخلاف العلم بحرمة لحم الحمار فانه موجب لارتفاع الحلية الظاهرية الثابتة له.

(والثانى) ان العلم بتحقق اللحم الكلى فى ضمن لحم الخنزير وحرمته من جهة ذلك حاصل ابدا فيكون ارتفاع الحلية للحم الحمار ثابتا ابدا فانشاء الحلية له الى حصول العلم بالحرمة المزبورة لغو تنزيه كلام الحكيم منه فافهم.

١١٥

(وقد اورد) على الاستدلال بلزوم استعمال قوله عليه‌السلام فيه حلال وحرام فى معنيين (احدهما) انه قابل للاتصاف بهما وبعبارة اخرى يمكن تعلق الحكم الشرعى به ليخرج ما لا يقبل الاتصاف بشىء منهما (والثانى) انه ينقسم اليهما ويوجد النوعان فيه اما فى نفس الامر او عندنا وهو غير جائز وبلزوم استعمال قوله (ع) حتى تعرف الحرام منه بعينه فى المعنيين ايضا لان المراد حتى تعرف من الادلة الشرعية اذا اريد معرفة الحكم المشتبه وتعرف من الخارج من بينة او غيرها الحرمة اذا اريد معرفة الموضوع المشتبه فليتأمل انتهى وليته امر بالتامل فى الايراد الاول ايضا ويمكن ارجاعه اليهما معا وهو الاولى وهذه جملة ما استدل به من الاخبار (والانصاف) ظهور بعضها فى الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه فى الشبهة بحيث لو فرض تمامية الاخبار الآتية للاحتياط وقعت المعارضة بينهما لكن بعضها غير دال الاعلى عدم وجوب الاحتياط لو لم يرد امر عام به فلا يعارض بما سيجىء من اخبار الاحتياط لو نهضت للحجية سندا ودلالة.

(اقول) ان المورد هو المحقق القمى وقد تنظّر فيما ذكره السيد الشارح من وجوه اربعة ولكن الشيخ قدس‌سره اشار الى اثنين منها(الاول) لزوم استعمال قوله (ع) فيه حلال وحرام فى معنيين (احدهما) قابلية الاتصاف باحدهما ويمكن تعلق الحكم به ليخرج ما لا يقبل الاتصاف بشىء منهما اصلا كالاعيان التى لا يتعلق بها فعل المكلف كالسماء وذات البارى تعالى مثلا ووجه خروجها عدم امكان الاتصاف بشىء من الحل والحرمة وعدم قابليتها لانقسامها اليهما(والثانى) ما يوجد فيه النوعان فى الواقع او عندنا ليخرج ما تعين حليته وحرمته وهو غير جائز.

(والاشكال الثانى) لزوم استعمال لفظ المعرفة فى المعنيين فى قوله (ع) حتى تعرف الحرام منه بعينه لان لفظ المعرفة فى صيغة تعرف فانها فى الشبهات الحكمية تحصل من الدليل وفى الشبهات الموضوعية من الامارة وهما فردان من المعرفة وقد اريدا من لفظها.

١١٦

(قوله فليتامل انتهى) وجه التأمل فى الاشكال الثانى ظاهر من حيث ان اختلاف اسباب المعرفة لا يوجب اختلاف معناها وقال الشيخ قدس‌سره وليته امر بالتأمل فى الايراد الاول ايضا ضرورة عدم لزوم استعمال قوله (ع) فيه حلال وحرام فى معنيين ايضا اذ لازم وجود الاحتمال امكان تعلق الحكم الشرعى فارادته من حيث اللزوم لا من حيث استعمال اللفظ فيه ويمكن ارجاع التأمل اليهما كما قال قدس‌سره وهو الاولى.

(والانصاف) ان الاخبار التى استدلت بها على البراءة بعضها ظاهر فى الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه فى الشبهة الحكمية كقوله عليه‌السلام كل شىء مطلق حتى يرد فيه النهى فانه ظاهر فى عدم وجوب الاحتياط بحيث لو فرض تمامية الاخبار الآتية للاحتياط وقعت المعارضة بينهما لكن بعضها غير دال الاعلى عدم وجوب الاحتياط لو لم يرد امر عام بالاحتياط فلا يعارض هذا الصنف من الاخبار بما سيجىء من اخبار الاحتياط لو نهضت للحجية سندا ودلالة.

١١٧

(واما الاجماع) فتقريره من وجهين الاول دعوى اجماع العلماء كلهم من المجتهدين والاخباريين على ان الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلى او نقلى على تحريمه من حيث هو ولا على تحريمه من حيث انه مجهول الحكم هى البراءة وعدم العقاب على الفعل وهذا الوجه لا ينفع إلّا بعد عدم تمامية ما ذكر من الدليل العقلى والنقلى للحظر والاحتياط فهو نظير حكم العقل الآتى (الثانى) دعوى الاجماع على ان الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو هو عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب وتحصيل الاجماع بهذا النحو من وجوه (الاول) ملاحظة فتاوى العلماء فى موارد الفقه فانك لا تكاد تجد من زمان المحدثين الى زمان ارباب التصنيف فى الفتوى من يعتمد على حرمة شيء من الافعال بمجرد الاحتياط نعم ربما يذكرونه فى طى الاستدلال فى جميع الموارد حتى فى الشبهة الوجوبية التى اعترف القائلون بالاحتياط بعدم وجوبه فيها.

(اقول) محصل تقريره من وجهين (الاول) اجماع العلماء كافة على ان الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلى او نقلى على تحريمه من حيث انه مجهول الحكم هى البراءة وهذا الوجه لا ينفع إلّا بعد عدم تمامية ما ذكر من الدليل العقلى والنقلى للحظر والاحتياط(والثانى) اجماعهم على عدم وجوب الاحتياط فيما لم يرد دليل معتبر على حرمته من حيث هو.

(والفرق) بين التقريرين ان الاجماع على الاول يسمى عند بعضهم بالاجماع التقديرى والتعليقى وعلى الثانى يسمى بالتنجيزى.

(ولا يخفى) ما فى كلا التقريرين لان المراد من الاجماع ان كان هو الاجماع على البراءة الشرعية فى الشبهة التحريمية فلا اشكال فى عدم ثبوته لذهاب معظم الاخباريين على وجوب الاحتياط فكيف يمكن دعوى الاجماع على البراءة وان كان المراد منه الاجماع على البراءة العقلية التى مرجعها الى قبح العقاب بلا بيان من جهة تسليم الاخباريين ان الحكم هى البراءة على تقدير عدم تمامية ادلة وجوب

١١٨

الاحتياط فهو غير مفيد فان الاجماع لا بد وان يكون مورده هو الحكم الشرعى الظاهرى او الواقعى ولا معنى لدعوى الاجماع فى المسألة العقلية.

(ثم) ان تحصيل الاجماع من وجوه (الاول) ملاحظة فتاوى العلماء فى موارد الفقه فانك لا تجد من زمان المحدثين وهم اصحاب الائمة وتابعيهم الى زمان ارباب التصنيف فى الفتوى من يعتمد على حرمة شىء من الافعال بمجرد الاحتياط والاجماع بهذا النحو يسمى اجماعا محصلا.

(نعم) ربما يذكرون الاحتياط فى ضمن الاستدلال فى موارد الفقه لتأييد الدليل به لا لاجل القول بوجوبه كما يشهد بذلك تمسك بعض فى الشبهة الوجوبية التى اعترف الخصم بعدم وجوب الاحتياط فيها كما يظهر ذلك من السيد فى المسائل الناصرية والانتصار على ما حكى عنه من انه ذكر فى الانتصار وجوب القنوت بين كل تكبيرتين فى صلاة العيد وتمسك فى اثباته بالاجماع وبانه لا يحصل اليقين ببراءة الذمة عن الواجب إلّا بذلك وذكره الاشتغال تأييد له.

١١٩

(ولا بأس) بالاشارة الى من وجدنا فى كلماتهم ما هو ظاهر فى هذا القول (فمنهم) ثقة الاسلام الكلينى قدس‌سره حيث صرح فى ديباجة الكافى بأن الحكم فيما اختلف فيه الاخبار التخيير ولم يلزم الاحتياط مع ما ورد فيه من الاخبار بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النصان ولم يرد نص بوجوبه فى خصوص ما لا نص فيه فالظاهر ان كل من قال بعدم وجوب الاحتياط هناك قال به هنا (ومنهم) الصدوق قدس‌سره فانه قال اعتقادنا ان الاشياء على الاباحة حتى يرد النهى ومن هذا يظهر موافقة والده ومشايخه لانه لا يعبر بمثل هذه العبارة مع مخالفته لهم بل ربما يقول الذى اعتقده وافتى به واستظهر من عبارته هذه انه من دين الامامية (واما السيدان) فقد صرحا باستقلال العقل باباحة ما لا طريق الى كونه مفسدة وصرحا ايضا فى مسئلة العمل بخبر الواحد انه متى فرضنا عدم الدليل على حكم الواقعة رجعنا فيها الى حكم العقل واما الشيخ قدس‌سره فانه وان ذهب وفاقا لشيخه المفيد الى ان الاصل فى الاشياء من طريق العقل الوقف إلّا انه صرح فى العدة بأن حكم الاشياء من طريق العقل وان كان هو الوقف لكنه لا يمتنع ان يدل دليل سمعى على ان الاشياء على الاباحة بعد ان كانت على الوقف بل عندنا الامر كذلك واليه نذهب واما من تأخر عن الشيخ كالحلبى والمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم فحكمهم بالبراءة يعلم من مراجعة كتبهم وبالجملة فلا نعرف قائلا معروفا بالاحتياط وان كان ظاهر المعارج نسبته الى جماعة.

(اقول) انه قدس‌سره قد اشار الى من وجد فى كلماتهم ما هو ظاهر فى القول بالبراءة فمنهم ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكلينى وهو من اعاظم فقهاء الشيعة والكلين بضم الكاف وتخفيف اللام منسوب الى فرية كلين وفى القاموس كلين كامير قرية بالرى منها محمد بن يعقوب من فقهاء الشيعة.

(حيث) صرح فى ديباجة الكافى بأن الحكم فى صورة تعارض الاخبار هو التخيير لا الاحتياط مع ورود بعض الاخبار بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النصان

١٢٠