درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

على كونها عبارة عن غير المذكى كما قيل به فالامر اوضح.

(واما على الثانى) وهو كون التذكية عبارة عن نفس فرى الاوداج بشرائطه مع كون القابلية شرطا فى تأثيره فان كان الشك فى الطهارة والحلية من جهة الشك فى ورود فعل المذكى عليه تجرى فيه اصالة عدم التذكية واما ان كان الشك من جهة قابلية الحيوان للتذكية اما من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كالشك فى كون اللحم المطروح من الحيوان الذى يقبل التذكية كالغنم أو من الذى لا يقبل التذكية فمع العلم بورود فعل المذكى عليه من فرى الاوداج الاربعة بما اعتبر فيه لا تجرى اصالة عدم التذكية بل ومع الشك فيه ايضا فانه وان لم يكن قصور حينئذ فى جريان اصالة عدم التذكية ولكنه مع الشك فى القابلية لا ينتج شيئا كيف وان القطع بوجوده لا تثمر شيئا مع الشك فى القابلية وحينئذ فان كانت القابلية مسبوقة بوجودها كما لو شك فى زوالها بمثل الجلل ونحوه تجرى فيها استصحابها ويترتب عليه آثار فرى الاوداج وعدمه ولو بالاصل وإلّا فتجرى اصالة الطهارة والحلية فى اللحم المزبور لعدم كون القابلية المزبورة مسبوقة باليقين بالعدم حتى تستصحب.

(واما على الاحتمال الثالث) وهو كونها عبارة عن مجموع الامور وقابلية المحل فانه مع الشك فى قابلية الحيوان للتذكية لاجل الشبهة الحكمية او الموضوعية لا تجرى فيه اصالة عدم التذكية لان التذكية على ذلك تكون من الموضوعات المركبة التى لا بد فى جريان الاصل فيها من لحاظ خصوص الجهة المشكوكة لا المجموع المركب من حيث المجموع وبعد عدم جريان الاصل فى الجهة المشكوكة وهى القابلية تجرى فيه لا محالة اصالة الطهارة والحلية من غير فرق فى ذلك بين صورة العلم بورود فعل المذكى على الحيوان وعدمه نظرا الى ما تقدم من عدم ترتب فائدة على استصحاب عدمه مع الشك فى القابلية وعدم كون القطع بوجوده مع الشك المزبور منتجا لشىء نعم ينتج ذلك فى فرض احراز قابلية الحيوان للتذكية فانه مع الشك فى ورود فعل المذكى عليه يجرى فيه اصالة العدم فيترتب عليه الحرمة والنجاسة.

(ثم ان الاظهر) من المحتملات الثلاثة المتصورة فى التذكية انما هو المعنى

٢٦١

الثانى فان المستفاد من قوله سبحانه (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) من نسبة التذكية الى الفاعلين وكذا قوله عليه‌السلام فى ذيل موثقة ابن بكير ذكّاه الذبح أم لا وقوله عليه‌السلام فى خبر على بن ابى حمزة بعد قول السائل أو ليس الذكى ما ذكى بالحديد بلى اذا كان مما يؤكل لحمه هو ان التذكية عبارة عن فعل المذكى وان قابلية المحل أمر خارج عن حقيقة التذكية وكان لها دخل فى تأثيرها فى الطهارة والحلية لا انها عبارة عن مجموع فعل الذابح بما اعتبر فيه مع قابلية المحل ولا كونها عبارة عن الاثر الحاصل منهما وعليه ينبغى التفصيل فى جريان اصالة الطهارة والحلية بين أن يكون الشك فى حرمة اللحم ونجاسته من جهة الشك فى قابلية الحيوان المذبوح للتذكية وبين أن يكون ذلك من جهة الشك فى ورود فعل الذابح عليه فتجرى فى الاول اصالة الطهارة والحلية لعدم أصل حاكم عليهما بخلاف الثانى فانه تجرى فيه اصالة عدم التذكية ويترتب عليها الحرمة والنجاسة.

٢٦٢

(الثانى) ان الشيخ الحر أورد فى بعض كلماته اعتراضا على معاشر الاخباريين وحاصله انه ما الفرق بين الشبهة فى نفس الحكم وبين الشبهة فى طريقه حيث اوجبتم الاحتياط فى الاول دون الثانى وأجاب بما لفظه ان حدّ الشبهة فى الحكم ما اشتبه حكمه الشرعى أعنى الاباحة والتحريم كمن شك فى أكل الميتة انه حلال أو حرام وحد الشبهة فى طريق الحكم الشرعى ما اشتبه فيه موضوع الحكم مع كون محموله معلوما كما فى اشتباه اللحم الذى يشترى من السوق لا يعلم انه مذكى أو ميتة مع العلم بأن المذكى حلال والميتة حرام ويستفاد هذا التقسيم من احاديث الائمة عليهم‌السلام ومن وجوه عقلية مؤيدة لتلك الاحاديث ويأتى بعضها إن شاء الله وقسم متردد بين القسمين وهى الافراد التى ليست بظاهرة الفردية لبعض الانواع وليس اشتباهها بسبب شىء من الامور الدنيوية كاختلاط الحلال بالحرام بل اشتباهها بسبب أمر ذاتى اعنى اشتباه صنفها فى نفسها كبعض أفراد الغناء الذى قد ثبت تحريم نوعه واشتبه انواعه فى افراد يسيرة وبعض افراد الخبائث الذى قد ثبت تحريم نوعه واشتبه بعض أفرادها حتى اختلف العقلاء فيها ومنها شرب التتن وهذا النوع يظهر من الاخبار دخوله فى الشبهات التى ورد الامر باجتنابها.

(التنبيه الثانى) من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية فى بيان الاعتراض الذى أورده الشيخ الحر فى بعض كلماته حاصله انه رحمه‌الله على ما نقل قال فى الفوائد الطوسية فائدة سئل بعض الفضلاء عن الشبهة التى يجب اجتنابها كيف خصصتموها بالشبهة فى نفس الحكم الشرعى دون طريق الحكم الشرعى وما حدهما وما الدليل على التقسيم وعلى هذا يكون شرب التتن داخلا فى القسم الثانى يعنى على تقدير عدم الدليل على التقسيم والتخصيص يكون شرب التتن داخلا فى الشبهة فى طريق الحكم ولو حكما فيرجع فيه أيضا الى البراءة.

(وقد اجاب عن السؤال المذكور) ان حد الشبهة فى نفس الحكم الشرعى ما اشتبه حكمه الشرعى أعنى الاباحة والتحريم كمن شك فى أن أكل الميتة حلال

٢٦٣

أو حرام وحد الشبهة فى طريق الحكم الشرعى ما اشتبه فيه موضوع الحكم الشرعى مع كون محموله معلوما كما فى اشتباه اللحم المشترى من السوق لم يعلم انه مذكى أو ميتة مع العلم بأن الميتة حرام والمذكى حلال وهذا التفسير يستفاد حكمه من أحاديث الائمة عليهم‌السلام ومن وجوه عقلية مؤيدة لتلك الاحاديث ويأتى جملة منها ويبقى قسم آخر مردد بين القسمين الى آخر ما حكاه عنه فى الكتاب.

(قوله وقسم مردد بين القسمين الخ) قد افاد بعض المحشين فى شرحه وتوضيحه ان كان مراد ، من القسم الاول كون الشك فى الحكم الكلى مطلقا سواء كان ابتداء او بواسطة الشك فى الموضوع الكلى المستنبط فهو داخل فى القسم الاول فلا معنى لجعله مرددا بين القسمين وان كان مراده فى القسم الاول كون الشك فى الحكم الشرعى ابتداء فهو خارج عنه قطعا فلا معنى ايضا لجعله مرددا(وحينئذ) فان فى القسم الثانى كون الشك فى الحكم الجزئى وكون منشأ الاشتباه فيه امورا خارجية فهو خارج عنه قطعا حيث اعتبر فيه كون منشأ الاشتباه فيه اشتباهه لذاته لا للامور الدنيوية والّا فهو داخل فيه قطعا فلا معنى لكونه مرددا بين الامرين ايضا وايضا على تقدير كونه مرددا بين القسمين لا بد ان يتوقف فى حكمه من الاباحة والتحريم لفرض الحكم بوجوب الاجتناب فى الاول وبالاباحة فى الثانى فكيف حكم بوجوب الاجتناب عن القسم المردد المذكور هذا.

(قال السيد الفاضل صدر الدين) فى شرح الوافية واما القسم الذى جعله مترددا بين القسمين فالظاهر انه من القسم الثانى اذا علم ما يقابل هذا النوع الذى اشتبه المراد منه مثلا اذا علمنا من النص ان الغناء حرام والذى ليس غناء حلال واشتبه علينا حال بعض الاصوات لعدم العلم بالمراد من الغناء فلا شك ان هذا البعض حكمه الشرعى مشتبه لاجل الشك فى اندراجه تحت الغناء او تحت ما ليس غناء ولو لا الشك لعلم حكمه الشرعى من غير احتياج الى نص خاص به ولا يصدق عليه حد الشبهة فى نفس الحكم على النحو الذى قررناه لا يقال انه اعتبر فى القسم الثانى ان يكون سبب الشك فى الاندراج الخلط وليس سبب الشك فى اندراج بعض الاصوات

٢٦٤

هذا الخلط لانا نقول فعلى هذا لا شك فى خروج القسم الثالث من القسم الثانى فلا وجه لقوله انه متردد بين القسمين وبالجملة هذا القسم اما فرد للقسم الثانى او مباين للقسمين وليس مرددا بينهما محتملا لان يكون فردا لواحد منهما انتهى.

(قوله كبعض افراد الغناء الخ) اذا قلنا باجماله وتردده بين كونه خصوص الصوت المطرب المشتمل على الترجيع الذى قد ثبت تحريمه وبين كونه مطلق الصوت المطرب الذى اشتبه دخوله فى الغناء المحرم وقد أشار الى هذا بقوله واشتبه أنواعه فى أفراد يسيرة الخ قوله ومنها شرب التتن يعنى ومن الافراد المشتبهة للخبائث.

٢٦٥

(وهذه التفاصيل) يستفاد من مجموع الاحاديث ونذكر مما يدل على ذلك وجوها منها قوله عليه‌السلام كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال فهذا واشباهه صادق على الشبهة فى طريق الحكم الى أن قال واذا حصل الشاك فى تحريم الميتة لم يصدق عليها ان فيها حلالا وحراما أقول كان مطلبه ان هذه الروايات وامثالها مخصصة لعموم ما دل على وجوب التوقف والاحتياط فى مطلق الشبهة والّا فجريان اصالة الاباحة فى الشبهة الموضوعية لا ينفى جريانها فى الشبهة الحكمية مع ان سياق اخبار التوقف والاحتياط يأبى من التخصيص من حيث اشتمالها على العلة العقلية لحسن التوقف والاحتياط أعنى الحذر من الوقوع فى الحرام والهلكة فحملها على الاستحباب اولى ثم قال ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات وهذا انما ينطبق على الشبهة فى نفس الحكم وإلّا لم يكن الحلال البين ولا الحرام البين ولا يعلم احدهما من الآخر الّا علّام الغيوب وهذا ظاهر واضح اقول فيه مضافا الى ما ذكرنا من إباء سياق الخبر عن التخصيص ان رواية التثليث التى هى العمدة من ادلتهم ظاهرة فى حصر ما يبتلى به المكلف من الافعال فى ثلاثة فان كانت عامة للشبهة الموضوعية ايضا صح الحصر وان اختص بالشبهة الحكمية كان الفرد الخارجى المردد بين الحلال والحرام قسما رابعا لانه ليس حلالا بينّا ولا حراما بينّا ولا مشتبه الحكم ولو استشهد بما قبل النبوى من قول الصادق عليه‌السلام انما الامور ثلاثة كان ذلك اظهر فى الاختصاص بالشبهة الحكمية اذ المحصور فى هذه الفقرة الامور التى يرجع فيها الى بيان الشارع فلا يرد اخلاله بكون الفرد الخارجى المشتبه امرا رابعا للثلاثة.

(يعنى) التفصيل المذكور من جهة الفرق بين الشبهة فى نفس الحكم والشبهة فى طريق الحكم الشرعى وغيرهما مما تقدم يستفاد من مجموع الاحاديث (ولكن) غرضه من قوله وهذه التفاصيل يستفاد من مجموع الاحاديث على ما أفاده بعض المحشين ليس دلالة كل حديث على التفصيل بين الشبهتين اى الشبهة الحكمية والموضوعية بل دلالة المجموع من حيث المجموع ولو بدلالة بعضها على وجوب الاحتياط

٢٦٦

فى الشبهة الحكمية من غير تعرض لحكم الشبهة الموضوعية وبعضها على الحلية فى الشبهة الموضوعية من غير دلالة على حكم الشبهة الحكمية كما يفصح عنه كلماته عند التأمل فيها.

(قوله اقول كان مطلبه الخ) حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى توجيه كلام الشيخ الحر ره ان هذه الرواية اى قوله (ع) كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال وامثالها مخصصة لعموم الاخبار الدالة على وجوب التوقف والاحتياط فى مطلق الشبهة سواء كانت الشبهة حكمية او موضوعية وإلّا فجريان اصالة الاباحة فى الشبهة الموضوعية لا ينفى جريانها فى الشبهة الحكمية مع ان سياق اخبار التوقف والاحتياط يأبى من التخصيص من حيث اشتمالها على العلة العقلية لحسن التوقف والاحتياط اعنى الحذر من الوقوع فى الحرام والهلكة.

(قوله فحملها على الاستحباب اولى) لو قال قدس‌سره فحملها على الرجحان المطلق كان أولى كما سبق منه رحمه‌الله مكررا فرارا عن خروج موارد وجوب الاحتياط عنها كما لو كان التكليف متحققا فعلا فى موارد الشبهة كالشبهة المحصورة او كان المكلف قادرا على الفحص وازالة الشبهة ونحوهما فحينئذ لا بد من حمل اخبار الاحتياط والتوقف على الارشاد او على الطلب المشترك بين الوجوب والندب فلا ينافى وجوبه فى بعض الموارد مع عدم وجوبه فى بعض آخر وبه اجاب قدس‌سره عن ادلة الاخباريين فيما تقدم فراجع.

(قوله ثم قال الخ) يعنى قال الشيخ الحر ان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك الحديث انما ينطبق على الشبهة فى نفس الحكم وإلّا لم يكن الحلال البين ولا الحرام البين ولا يعلم احدهما من الآخر الا علّام الغيوب وهذا ظاهر واضح (قيل) انطباق الحديث على الشبهة فى نفس الحكم دون طريقه لا لما ذكره المحدث الحر بل لجعل تثليث النبوى شاهدا على تثليث الامام عليه‌السلام وهو قوله عليه‌السلام انما الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيّه فيجتنب وامر مشكل يرد حكمه الى الله ورسول وهو انما ينطبق على الشبهة فى نفس الحكم من جهة ان رد

٢٦٧

الحكم الى الله ورسوله لا يكون إلّا فى الشبهة الحكمية انتهى.

(قوله اقول فيه مضافا الى ما ذكرنا الخ) يعنى مضافا الى ما ذكره قدس‌سره من ان سياق الرواية آب عن التخصيص اى تخصيص الشبهات الموضوعية من العموم لاجل الاخبار المتقدمة من جهة ظهورها فى الحصر واشتمالها على العلّة العقلية لحسن التوقف والاحتياط ان رواية التثليث التى هى العمدة من ادلتهم ظاهرة فى حصر ما يبتلى به المكلف من الافعال فى ثلاثة فان كانت عامة للشبهة الموضوعية ايضا صح الحصر وان اختص بالشبهة الحكمية كان الفرد الخارجى المردد بين الحلال والحرام قسما رابعا لانه ليس حلالا بينا ولا حراما بينا ولا مشتبه الحكم.

(ولو استشهد الشيخ الحر) على وجوب الاحتياط فى خصوص الشبهة الحكمية بما قبل النبوى من قول الصادق عليه‌السلام انما الامور ثلاثة كان ذلك اظهر فى الاختصاص بالشبهة الحكمية لان قوله عليه‌السلام وامر مشكل يرد الى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالنص فى الاختصاص بالشبهة الحكمية لان الشبهة الموضوعية لا تردّ الى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يرد ادخاله بكون الفرد الخارجى المشتبه امرا رابعا للثلاثة.

٢٦٨

(واما ما ذكره) من المانع لشمول النبوى للشبهة الموضوعية من انه لا يعلم الحلال من الحرام الا علّام الغيوب ففيه انه ان اريد عدم وجودهما ففيه ما لا يخفى وان اريد ندرتهما ففيه ان الندرة تمنع من اختصاص النبوى بالنادر لا من شموله مع ان دعوى كون الحلال البين من حيث الحكم اكثر من الحلال البين من حيث الموضوع قابلة للمنع بل المحرمات الخارجية المعلومة اكثر بمراتب من المحرمات الكلية المعلوم تحريمها ثم قال ومنها ما ورد من الامر البليغ باجتناب ما يحتمل الحرمة والاباحة بسبب تعارض الادلة وعدم النص وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعى اقول ما دل على التخيير والتوسعة مع التعارض وعلى الاباحة مع عدم ورود النهى وان لم يكن فى الكثرة بمقدار ادلة التوقف والاحتياط إلّا ان الانصاف ان دلالتها على الاباحة والرخصة اظهر من دلالة تلك الاخبار على وجوب الاجتناب ثم قال ومنها ان ذلك وجه للجمع بين الاخبار لا يكاد يوجد وجه اقرب منه اقول مقتضى الانصاف ان حمل ادلة الاحتياط على الرجحان المطلق اقرب ممّا ذكره (يعنى) وما ذكره الشيخ الحر ره من المانع فى قوله المتقدم ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بين وحرام بين وشبهات الخ من انه لا يعلم الحلال من الحرام الّا علّام الغيوب.

(قوله ففيه انه ان اريد عدم وجودهما الخ) قيل ان وجه ما ذكره قدس‌سره ظاهر لان وجود مصاديق المباحات الاصلية مما لا يقبل الانكار كماء الغيث والبحور والشطوط والانهار الكبيرة كالفرات والدجلة ونحوهما وحلية امثال ذلك ليست مخفية لاحد من الناس ومثل ذلك فى جانب الحرام البين فان وجود مصاديق المحرمات المعلومة ايضا ظاهر لا يخفى لاحد كالخمر والخنزير والعذرة ونحوها(إلّا ان يقال) ان نظر الشيخ الحر ره ليس الى هذا بل الى الحل والحرمة الثابتين للمملوك المغصوب الذين يتحاورهما الناس وكانا فى اياديهم فان ما ذكره من الدعوى مسلمة فى امثال ذلك فان كل ما فى ايدينا يحتمل من أصله ان يكون مغصوبا او مسروقا

٢٦٩

ثم قال ما حاصله ومنها ان الشبهة فى نفس الحكم يسأل عنها الامام عليه‌السلام بخلاف الشبهة فى طريق الحكم لعدم وجوب السؤال عنه بل علمهم بجميع افراده غير معلوم او معلوم العدم لانه من علم الغيب فلا يعلمه إلّا الله وان كانوا يعلمون منه ما يحتاجون اليه واذا شاءوا ان يعلموه شيئا علموه انتهى اقول ما ذكره من الفرق لا مدخل له فان طريق الحكم لا يجب الفحص عنه وازالة الشبهة فيه لا من الامام عليه‌السلام ولا من غيره من الطرق المتمكن منها والرجوع الى الامام عليه‌السلام انما يجب فيما تعلق التكليف فيه بالواقع على وجه لا يعذر الجاهل المتمكن من العلم واما مسئلة مقدار معلومات الامام عليه‌السلام من حيث العموم والخصوص وكيفية علمه بها من حيث توقفه على مشيتهم او على التفاتهم الى نفس الشىء او عدم توقفه على ذلك فلا يكاد يظهر من الاخبار المختلفة فى ذلك ما يطمئن به النفس فالاولى ووكول علم ذلك اليهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. إلّا ان تعيين المراد لا يدفع الايراد انتهى. (وان اريد ندرتهما) يعنى ان اريد ندرة الحلال البين والحرام البين ففيه ان ندرتهما تمنع من اختصاص النبوى بالنادر لا من شموله مع ان دعوى كون الحلال البين من حيث الحكم اكثر من الحلال البين من حيث الموضوع قابلة للمنع بل المحرمات الخارجية المعلومة اكثر بمراتب من المحرمات الكلية المعلوم تحريمها.

(ثم قال الشيخ الحر ره) ومنها ما ورد من الامر البليغ باجتناب ما يحتمل الحرمة والاباحة بسبب تعارض الادلة وعدم النص وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعى (قال المصنف) قدس‌سره فى رده ان ما دل على التخيير والتوسعة مع التعارض وعلى الاباحة مع عدم ورود النهى وان لم يكن فى الكثرة بمقدار ادلة التوقف والاحتياط إلّا ان الانصاف ان دلالتها على الاباحة والرخصة اظهر من دلالة تلك الاخبار على وجوب الاجتناب. (ثم قال الشيخ الحر) ومنها ان ذلك وجه للجمع بين الاخبار الدالة على

٢٧٠

الاحتياط والبراءة لا يكاد يوجد وجه اقرب منه (قال المصنف) قده فى رد هذا الوجه ان مقتضى الانصاف حمل ادلة الاحتياط على الرجحان المطلق اقرب مما ذكره (ثم قال الشيخ الحر) ما حاصله ومنها ان الشبهة فى نفس الحكم يسأل عنها الامام (ع) بخلاف الشبهة فى طريق الحكم لعدم وجوب السؤال عنه بل علمهم الحضورى بجميع افراده غير معلوم او معلوم العدم لانه من علم الغيب فلا يعلمه إلّا الله وان كانوا يعلمون منه ما يحتاجون اليه وكذا اذا شاءوا ان يعلموا شيئا علموه انتهى (قال المصنف) قدس‌سره فى رد ما ذكره الشيخ الحر من الفرق بين الشبهة فى نفس الحكم وبين الشبهة فى طريق الحكم بان الشبهة فى نفس الحكم يسأل عنها الامام عليه‌السلام بخلاف الشبهة فى طريق الحكم لعدم وجوب السؤال عنه ان ما ذكره لا مدخل له لان وجوب السؤال عن الامام (ع) فى الشبهة الحكمية لا يلازم وجوب الاحتياط فيها عند عدم التمكن من السؤال الى آخر ما افاده قده.

٢٧١

فى كيفية علم الائمة المعصومين عليهم‌السلام

« قوله قدس‌سره واما مسئلة مقدار معلومات الامام عليه‌السلام الخ »

(اقول) مسئلة علم الامام (ع) من المسائل العويصة التى زلّت فيه الاقدام وكلّت فى بيانها السنة الاعلام (فكم) من مفرط جعل علمه (ع) مساوقا لعلم علام الغيوب (وكم) من قائل انه يقتصر فى علمه (ع) على الاحكام فقط دون الموضوعات (وكم) من ناطق بانه لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يخفى شىء عليه ولا يحتجب غيب لديه الى غير ذلك من الاقوال ليس هذا المختصر موضع ذكرها تفصيلا ورد القول الفاسد منها مضافا الى انه خارج عن عنوان هذا الكتاب ولكن البحث عنها اجمالا بقدر ما يسعه الوقت وهذا المختصر لا يخلو عن الفائدة.

(فنقول قد اختلف الروايات) فى ذلك المقام غاية الاختلاف جدا كما اشار الى ذلك شيخنا الاعظم قدس‌سره بقوله وكيفية علمه (ع) لا يظهر من الاخبار ما يطمئن به النفس لاختلافها كثيرا فالاولى ووكول علم ذلك اليهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين (ولكن لا بأس) بالاشارة الى بعض الاخبار الدالة على كيفية علومهم عليهم‌السلام بالاشياء كلا او بعضا.

(منها) ما رواه ثقة الاسلام فى الكافى عن الصادق عليه‌السلام انه قال انّى لا علم ما فى السموات وما فى الارض واعلم ما فى الجنة واعلم ما فى النار

٢٧٢

واعلم ما كان وما يكون فرأى عليه‌السلام ان ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله عزوجل ان الله يقول فيه تبيان كل شىء.

(ومنها) ما رواه عمار الساباطى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الامام أيعلم الغيب فقال لا ولكن اذا اراد ان يعلم الشىء اعلمه الله ذلك نقله فى البحار من الاختصاص والبصائر (ومنها) ما روى عن ابى جعفر عليه‌السلام انه قال ان الله عزوجل ابتدع الاشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات والارضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا ارضون اما تسمع لقوله تعالى وكان عرشه على الماء فقال له حمران أرأيت قوله جل ذكره عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا فقال ابو جعفر عليه‌السلام (الا من ارتضى من رسول) وكان والله محمد ممّن ارتضاه واما قوله عالم الغيب فان الله عزوجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شىء ويقضيه فى علمه قبل ان يخلقه وقبل ان يفضيه الى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده اليه فيه المشيئة فيقضيه اذا اراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فاما العلم الذى يقدّره الله عزوجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذى انتهى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الينا.

(ومنها) ما رواه سماعة عن ابى عبد الله السلام قال ان الله تبارك وتعالى علمين علما اظهر عليه ملائكته وانبيائه ورسله فما اظهر عليه ملائكته ورسله وانبيائه فقد علمناه وعلما استأثر به فاذا بد الله فى شىء منه اعلمنا ذلك وعرض على الائمة الذين كانوا من قبلنا.

(ومنها) ما روى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ما من ليلة جمعة الا ولاولياء الله فيها سرور قلت كيف ذلك جعلت فداك؟ قال اذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العرش ووافى الائمة عليهم‌السلام ووافيت معهم فما ارجع الا بعلم مستفاد ولو لا ذلك لنفد ما عندى (ومنها) ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن بعض اصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ليس يخرج شىء من عند الله عزوجل حتى يبدأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بامير المؤمنين

٢٧٣

عليه‌السلام ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا اعلم من اولنا.

(ومنها) ما رواه جابر بن يزيد عن ابى جعفر عليه‌السلام قال ان الله اخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم فنحن نعرف بذلك حب المحبّ وان اظهر خلاف ذلك بلسانه ونعرف بغض المبغض وان اظهر حبّنا اهل البيت.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن بكير الهجرىّ عن ابى جعفر عليه‌السلام قال ان على بن ابى طالب كان هبة الله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث علم الاوصياء وعلم من كان قبله من الانبياء والمرسلين

(فى مختصر بصائر الدرجات) ص ١٢٥ روى عن الصادق عليه‌السلام ان الله سبحانه وتعالى جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فاعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفا واعطى نوحا منها خمسة عشر حرفا واعطى ابراهيم منها ثمانية احرف واعطى موسى منها اربعة احرف واعطى عيسى منها حرفين فكان يحيى بها الموتى ويبرئ الاكمه والابرص واعطى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتين وسبعين حرفا واحتجب بحرف لئلا يعلم احد ما فى نفسه ويعلم ما فى انفس العباد.

(ومنها) ما رواه سعد بن طريف عن الاصبغ ابن نباتة قال سمعت عليا عليه‌السلام يقول على المنبر سلونى قبل ان تفقدونى فو الله ما من ارض مخصبة ولا مجدبة ولا فئة تضلّ مائة او تهدى مائة الا وعرفت قائدها وسائقها الخبر.

(عن ابى حمزة الثمالى) عن سويد بن غفلة قال كنت انا عند امير المؤمنين عليه‌السلام اذ اتاه رجل فقال يا امير المؤمنين جئتك من وادى القرى وقد مات خالد بن عرفطة فقال امير المؤمنين عليه‌السلام انه لم يمت فاعاد عليه الرجل فقال عليه‌السلام له لم يمت واعرض عنه بوجهه فاعاد عليه الثالثة فقال سبحان الله اخبرك انه قد مات وتقول لم يمت فقال على عليه‌السلام والذى نفسى بيده لا يموت حتى يقود جيش حمل رايته حبيب بن جمّاز قال فسمع ذلك حبيب بن جماز (فى بعض النسخ حبيب بن حماد) فاتى امير المؤمنين عليه‌السلام فقال له أنشدك الله فيّ فانى لك شيعة وقد ذكرتنى بامر لا والله لا اعرفه من نفسى فقال له على عليه‌السلام ومن انت قال انا حبيب بن جمّاز فقال له على عليه‌السلام ان كنت حبيب بن جمّاز فلا يحملها غيرك فولّى عنه حبيب واقبل

٢٧٤

امير المؤمنين يقول ان كنت حبيب لتحملنها قال ابو حمزة فو الله ما مات خالد بن عرفطة حتى بعث عمر بن سعد الى الحسين ابن على عليهما‌السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن جمّاز صاحب رايته.

(اقول) هذا الخبر رواه المفيد قدس‌سره فى الاختصاص وفى الارشاد ونقله المجلسى ره فى البحار من الاختصاص (عن ابى عبد الله عليه‌السلام) قال علّم رسول الله (ص) عليّا الف باب يفتح كل باب الف باب (عن احمد بن عمر الحلبى) عن ابى بصير قال دخلت على ابى عبد الله (ع) فقلت له ان الشيعة يتحدثون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليا عليه‌السلام بابا يفتح منه الف باب فقال ابو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد علّم والله رسول الله عليا الف باب يفتح له من كل باب الف باب الخبر (عن محمد بن ابى حمزة) عن على بن يقطين قال قلت لابى الحسن موسى عليه‌السلام علم عالمكم سماع أم الهام فقال قد يكون سماعا وقد يكون الهاما ويكونان معا (وفى الاختصاص) احمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن حماد بن عثمان عن الحارث بن المغيرة قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ما علم عالمكم أجملة يقذف فى قلبه او ينكت فى اذنه فقال وحى كوحى ام موسى.

(وفى بعض الاخبار) ان اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا وان الائمة عليهم‌السلام يعلمون الاثنين وسبعين حرفا وحرف واحد عند الله تبارك وتعالى استأثر به فى علم الغيب عنده (وفى بعضها) يعرف الامام عليه‌السلام الذى بعد الامام عليه‌السلام علم من كان قبله فى آخر دقيقة تبقى من روحه.

(وفى بعضها) يا أبا محمد ان الامام لا يخفى عليه كلام احد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شىء فيه الروح فمن لم تكن هذه الخصال فيه فليس بامام وفى بعضها انهم عليهم‌السلام يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيامة.

(وفى بصائر الدرجات) ص ٥ عن عبيد بن زرارة وجماعة من اصحابنا قالوا

٢٧٥

سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يعرف الامام الذى بعد الامام ما عند من كان قبله فى آخر دقيقة تبقى من الامام عليه‌السلام (وفيه) ص ٦٣ عن معمر بن خلاد قال قلت لابى الحسن الرضاء عليه‌السلام تعرفون الغيب فقال قال ابو جعفر عليه‌السلام يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم.

(وفيه ايضا) ص ١٦٦ محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن آدم ابى الحسين عن اسماعيل بن ابى حمزة عمن حدثه عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال جاء رجل الى امير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا امير المؤمنين والله انى لاحبك فقال له كذبت فقال له الرجل سبحان الله كانك تعرف ما فى نفسى قال فغضب امير المؤمنين عليه‌السلام وكان يخرج منه الحديث العظيم قال فرفع يده الى السماء وقال كيف لا يكون ذلك وهو ربنا تبارك وتعالى خلق الارواح قبل الابدان بالفى عام ثم عرض علينا المحبّ من المبغض فو الله ما رأيتك فيمن احبنا فاين كنت فى رواية اخرى فى الصفحة المذكورة بعد قوله اين كنت قال فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه (وفى الاختصاص) قال الصادق عليه‌السلام ان الله تبارك وتعالى جعلنا حججه على خلقه وامناء علمه فمن جحدنا كان بمنزلة ابليس فى تعنّته على الله حين امره بالسجود لآدم ومن عرفنا واتبعنا كان بمنزلة الملائكة الذين امرهم الله بالسجود لآدم فاطاعوه.

(وفى بعضها) انه الامام عليه‌السلام اذا قام بهذا الامر رفع الله له فى كل بلدة منارا من نور ينظر بها الى اعمال العباد وفى جملة منها عمودا من نور يبصر به ما يعمل اهل كل بلدة وفى بعضها عن الرضا عليه‌السلام تفسيره بانه ملك موكل لكل بلدة يرفع الله به اعمال تلك البلدة (وفى جملة منها) ان الله تعالى علمين علم لا يعلمه إلّا الله وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكة ورسله فنحن نعلمه (وفى الحديث) نحن اوعية مشية الله اذا شئنا شاء الله ولا نشاء إلّا ان يشاء الله الى غير ذلك من الاخبار المختلفة.

(وفى نهج البلاغة) ص ٣٩٨ قال له بعض اصحابه لقد اعطيت يا امير المؤمنين علم الغيب فضحك عليه‌السلام وقال للرجل وكان كلبيا يا اخا كلب ليس هو بعلم غيب وانما هو تعلّم من ذى علم وانما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله ان الله

٢٧٦

عنده علم الساعة الآية فيعلم سبحانه ما فى الارحام من ذكر او اثنى وقبيح او جميل وسخى او بخيل وشقى او سعيد ومن يكون فى النار حطبا او فى الجنان للنبيين مرافقا فهذا علم الغيب الذى لا يعلمه احد إلّا الله وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فعلمنيه ودعا لى بان يعيه صدرى وتضطمّ عليه جوانحى.

(وفى نهج البلاغة) ايضا ص ٥٦٤ قال عليه‌السلام والله لو شئت ان اخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن اخاف ان تكفروا فيّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاوانى مفضيه الى الخاصة ممن يؤمّن ذلك منه والذى بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما انطق الا صادقا الخ.

(وفى الاخبار الكثيرة) ان الائمة عليهم‌السلام يعلمون جميع الالسن واللغات ويعرفون منطق الطير وجميع الحيوانات ويعرفون جميع احوال الناس عند رؤيتهم ولكن ليس هذا المختصر موضع نقلها والتحقيق فى اطرافها وان اردت الاطلاع عليها فراجع الاختصاص للشيخ المفيد قدس‌سره ومختصر بصائر الدرجات للشيخ الجليل حسن بن سليمان الحلى تلميذ شيخنا الشهيد الاول من علماء اوائل القرن التاسع.

(ومنشأ اختلاف كلمات الأصحاب اختلاف الاخبار) ومنهم من نظر الى بعضها واستفاد منه ان علم الامام عليه‌السلام كان فعليا حضوريا بحيث يكون كل شىء من الاشياء نصب عينه الشريفة لا مدخل للارادة فيه وقد دلت عليه جملة من الروايات (ومنهم) من استفاد من بعضها ان الامام عليه‌السلام اذا اراد ان يعلم شيئا علمه او اعلمه الله تبارك وتعالى بحيث اذا لم يشأ ان يعلم لم يعلم اصلا وهو الظاهر من كلام جماعة من متاخرى متأخرى اصحابنا كالمحقق القمى والفاضل النراقى وغيرهما حيث ينفون فى مسئلة ترك الاستفصال علم الامام بالاصل.

(ولا يبعد القول من جهة الاخبار الكثيرة المتواترة) بانهم عليهم‌السلام كانوا عالمين بجميع ما كان وما يكون وما هو كائن ولا مانع بعد قابلية تلك الذوات المطهرة بنصّ الآية الشريفة من استمرار الكرم الربوبى باقدارهم على التصرف فى الكائنات وايقافهم على امر الاولين والآخرين وما فى السماوات والارضين (وقد اودع) الله تعالى

٢٧٧

فيهم عليهم‌السلام الخبرة العامة بالكائنات وما يحدث فى البلدان ويفعله العباد وقد تقدم فى بعض الروايات ان الله سبحانه اعطى الائمة عليهم‌السلام قوّة نوريّة عبّر عنها كما فى بعضها بعمود نور يرى به اعمال العباد وما يحدث فى البلدان (وكان ابو جعفر عليه‌السلام) يقول لميسرة اذا كانت الجدران تحجبنا كما تحجبكم اذا لا فرق بيننا وبينكم (وفى بعض الروايات) قال الصادق عليه‌السلام انى اعلم ما فى السماوات والارضين حتى كان الاشياء كلها نصب عينى (وفى الصحيفة السجادية) وعلّمهم الله علم ما كان وعلم ما بقى فلا يعزب عن علمهم شىء والمتأمل فى فقه الحوادث والروايات فلا بد له من حمل ما يعارضها على التقية او عدم قابلية السامع لهذا السر الدقيق.

(والذى يقوى فى النظر) وبه يجمع الاخبار المختلفة ان علم الامام (ع) بالموضوعات فى بعض الموارد ارادىّ بمعنى اذا اراد ان يعلم شيئا علمه او اعلمه الله تبارك وتعالى كما دلت عليه جملة من الروايات المتقدمة وفى بعض الموارد فعلىّ حضورى عنده من غير توقف على الارادة كما ان علمه بالاحكام كذلك وقد دلت عليه ايضا جملة من الروايات المتقدمة.

(هذا ما ادى اليه) نظرى الفاتر وفكرى القاصر فتبصّر كى تطلع على حقيقة الامر وتدبر استعلاما للحق من الباطل ولا تكن من المنحرفين فانهم ضلوا واضلوا خذلهم الله (وفى دعاء السمات) فمن عرفهم نجى ومن ضل عنهم هلك (وفى الزيارة) السلام على محالّ معرفة الله فكل معرفة حصلت لاحد فانما هى عنهم وبواسطتهم عليهم‌السلام ومن رشحات حقائقهم وكمال نورهم وبسط وجودهم (فهم الصراط) المستقيم الذى لا يضل من تمسك به ولجأ اليه وهم صراط الله على خلقه لان ولايتهم ولاية الله ومحبتهم محبة الله ورضاهم رضاء الله ومعرفتهم معرفة الله تبارك وتعالى.

(ايها الاخ العاقل) ان جميع العلوم الفائضة موجودة فى القرآن وجميع ما فى القرآن حاصل عندهم عليهم‌السلام وهذا مستلزم للاحاطة العلمية وان الله سبحانه اعطاهم كل فضيلة واختصّهم بكل خصيصة وانا مكلفون بمعرفتهم والتسليم لهم من عرفهم فقد عرف الله عزوجل ومن لم يعرفهم لم يعرف الله (وفى الحديث) بنا عرف الله ولولانا ما عرف الله

٢٧٨

وبنا عبد الله ولولانا ما عبد الله.

(اقول من اعظم معجزات الائمة عليهم‌السلام) كثرة علومهم وما فى ايدى الناس من انواع الحكمة المتلقاة عنهم مع قصور افهامنا عن ادراك كنه علومهم مع ان علومهم وحكمتهم الكاملة قد تفوقت عن حد القدرة البشرية وان ذلك كله حكمة لدنيّة وموهبة الهيّة عجز الواصفون عن صفتها وقصرت الافهام عن كنه حقائقها (وبالجملة) فمن تتبع فى كلماتهم التامة الكاملة الشريفة والادعية والخطب البالغة الصادرة عنهم عليهم‌السلام كدعاء كميل والصحيفة السجادية واشباه ذلك يجد علما قطعيا بامتناع صدور مثلها عن البشر إلّا بسبب المعجزة ولذا عجز الفصحاء والبلغاء عن الاتيان بمثل هذه الخطب الباهرات المشتملة على علوم السماوات وفى الحديث المروى بعدة طرق عنهم (ع) نحن خزان الله فى سمائه وارضه وفى الحديث ان الله جعل ولايتنا اهل البيت قطب القرآن.

(وفى الاختصاص) عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجها لى من كلها المخرج وعن محمد بن النعمان الاحول عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال انتم افقه الناس ما عرفتم معانى كلامنا ان كلامنا ينصرف على سبعين وجها وعن ابى بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول انى لا تكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجها ان شئت اخذت كذا وان شئت اخذت كذا.

(وكيف كان) لا بأس بنقل عين عبارات بعض الاعلام فى تلك المسألة المشكلة لتكون على بصيرة فيها وتختار القول الصحيح فيها.

(قال بعض المحشين للكتاب ره) ان الذى اعتقده بعد التامل فى الاخبار والتتبع فى كلمات المحققين والمتكلمين والحكماء والفقهاء من علماء الاعصار والامصار هو ان علمهم (ع) فعلىّ بحيث يكون كل علم من العلوم الامكانية من الغيبية والشهودية مرتسما فى لوح صدورهم حاضرا عندهم لكن الالتفات الى علومهم بارادتهم فلا يكون معلوماتهم نصب عينهم دائما فاصل علمهم حضورىّ وعلمهم بالعلم ارادىّ وبه نجمع بين الاخبار المختلفة انتهى.

٢٧٩

(وقال صاحب بحر الفوائد قدس‌سره) فى المقام ان الحق وفاقا لمن له احاطة بالاخبار الواردة فى باب كيفية علمهم صلوات الله عليهم اجمعين وخلقهم كونهم عالمين بجميع ما كان وما يكون وما هو كائن ولا يعزب عنهم مثقال ذرة الا اسم واحد من اسمائه الحسنى تعالى شأنه المختص علمه به تبارك وتعالى سواء قلنا بان خلقتهم من نور ربهم اوجب ذلك لهم او مشية افاضة باريهم فى حقهم اودعه فيهم ضرورة ان علم العالمين من اولى العزم من الرسل والملائكة المقربين فضلا عمن دونهم فى جميع العوالم ينتهى اليهم فانهم الصادر الاول والعقل الكامل المحض والانسان التام التمام.

(فلا غرو فى علمهم) بجميع ما يكون فى تمام العوالم فضلا عما كان او ما هو كائن كما هو مقتضى الاخبار الكثيرة المتواترة جدا ولا ينافيه بعض الاخبار المقتضية لكون علمهم على غير الوجه المذكور لان الحكمة قد تقتضى بيان المطلب على غير وجهه من جهة قصور المخاطب ونقصه او جهة اخرى من خوف ونحوه مع عدم كذبهم من جهة التورية ولو لا مخافة الخروج عن وضع التعليقة بل عن الفن لفصلنا لك القول فى ذلك واسأل الله تعالى التوفيق لوضع رسالة مفردة فى هذا الباب انتهى كلامه رفع مقامه.

(وقال المحقق التنكابنى رحمه‌الله) فى ايضاح الفرائد بعد نقله عدة من الآيات الشريفة والاخبار المنقولة عن الائمة عليهم‌السلام ما هذا لفظه اذا عرفت ما ذكرنا فلنرجع الى المقصود فنقول ان المعصومين عليهم‌السلام كانوا عالمين بجميع الاحكام والمعارف الاصولية الاعتقادية مما يتعلق بالله وملائكته وكتبه ورسله وتفاصيل المحشر والبرزخ والقيامة بطريق اوفى واكمل مما حصل لملك مقرب او نبى مرسل وانهم عالمون بما لم يعلمه احد من خلقه مما يمكن ان يحصل لمخلوق.

(وكذلك لا شك) فى انهم عالمون بجميع الاحكام الفرعية من الوقائع التى حدثت او تحدث الى يوم القيامة ولا شك فى انهم عالمون بجميع القرآن ظهرا وبطنا الى سبعة

٢٨٠