درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

وفرض الراوى تساوى الخبرين فى جميع ما ذكره الامام عليه‌السلام من المرجحات فخذ الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط(ولكن فيه) بعد الغض عن ضعف الرواية ان الاحتياط حينئذ يكون مرجحا للخبر الموافق له لا مرجعا فيخرج عن مفروض الكلام فان مفروض الكلام فى المقام انما هو صورة فقد الحجة الشرعية على التكليف وهذا انما يكون اذا لم يكن فى البين ما يقتضى ترجيح احد الخبرين ولو كان هى قاعدة الاحتياط بناء على القول به كما تقتضيه المرفوعة وإلّا فمع وجود المرجح يخرج عن مفروض البحث (ثم) انه لا بد من فرض الكلام فى المسألة براءة واشتغالا على القول بالتساقط فى الخبرين المتعارضين وإلّا فعلى القول بالتخيير فى المتعارضين من الاخبار تخرج المسألة عن مفروض البحث بين الفريقين ولكن قيل ان الحكم فى المتعارضين من الاخبار بمقتضى الاخبار العلاجية يكون هو التخيير اما مطلقا او فى صورة فقد المرجحات المنصوصة او صورة تكافئهما فى الجميع لا التساقط كان الحرى عدم ادخال هذه المسألة فى مسئلة البراءة نظرا الى العلم بوجود حجة معتبرة فى البين على التكليف وهو احد الخبرين اما على التعيين او على التخيير (ولا يخفى) ان هذه المسألة الثالثة وان كانت خارجة عن محل الكلام من جهة ان مورد الاصل هو عدم وجود الدليل على الحكم من قبل الشارع والمفروض فيها وجود الدليلين على الاباحة وعلى الحرمة فالحكم فيها كما تقدم هو الاخذ بأحد الدليلين تعيينا او تخييرا لا الرجوع الى الاصل إلّا ان الغرض من التعرض لها فى المقام هو ابطال ما ربما قيل فيها بالاحتياط وبتأخر الاخذ باحدى الروايتين تخييرا عن الاخذ بما هو موافق له نظرا الى ما فى رواية غوالى اللئالى من الامر بالاخذ بالحائطة بعد عدم وجود المرجح لإحداهما ثم الامر بالتخيير بينهما. (ولكنه) ولا يخفى ان اختصاص غوالى اللئالى بنقل الرواية مع ما قيل فى صاحبه من تساهله فى نقل الاخبار يمنع من صلاحيتها لان يعارض بها اخبار التخيير الواردة فى مقام المعارضة مع كثرة تلك الاخبار ونقلها فى الكتب المعتبرة هذا مع انه يمكن حمل هذه الرواية بصورة التمكن من الوصول الى خدمة الامام

٢٤١

عليه‌السلام فتكون خارجة عن محل الكلام بالكلية كما احتمل ذلك قدس‌سره فى بيان المسألة الثالثة من الشبهة الوجوبية.

(قوله وهذه الرواية ان كانت اخص الخ) يمكن ان يكون وجه اخصية هذا الخبر بالنسبة الى ساير اخبار التخيير انه حكم فيها بالتخيير مع فقد المرجح على اختلاف مضامينها من غير اعتبار الترجيح بالاحتياط وعدمه ومضمون المرفوعة الحكم بالتخيير مع عدم امكان الاحتياط فتكون اخص منها بهذا الاعتبار فافهم.

٢٤٢

(ثم اذا لم نقل) بوجوب الاحتياط ففى كون اصل البراءة مرجحا لما يوافقه او كون الحكم الوقف او التساقط والرجوع الى الاصل او التخيير بين الخبرين فى اول الامر او دائما وجوه ليس هنا محل ذكرها فان المقصود هنا نفى الاحتياط والله العالم بقى هنا شىء وهو ان الاصوليين عنونوا فى باب التراجيح الخلاف فى تقديم الخبر الموافق للاصل على المخالف ونسب تقديم المخالف وهو المسمّى بالناقل الى اكثر الاصوليين بل الى جمهورهم منهم العلامة قده وعنونوا ايضا مسئلة تقديم الخبر الدال على الاباحة على الدال على الحظر والخلاف فيه ونسب تقديم الحاظر على المبيح الى المشهور بل يظهر من المحكى عن بعضهم عدم الخلاف فى ذلك والخلاف فى المسألة الاولى ينافى الوفاق فى الثانية كما ان قول الاكثر فيهما مخالف لما يشاهد من عمل علمائنا على تقديم المخالف للاصل بل التخيير او الرجوع الى الاصل الذى هو وجوب الاحتياط عند الاخباريين والبراءة عند المجتهدين حتى العلامة مضافا الى ذهاب جماعة من اصحابنا فى المسألتين الى التخيير ويمكن ان يقال ان مرادهم من الاصل فى مسئلة الناقل والمقرر اصالة البراءة من الوجوب لا اصالة الاباحة فيفارق مسئلة تعارض المبيح والحاظر او ان حكم اصحابنا بالتخيير او الاحتياط لاجل الاخبار الواردة لا لمقتضى نفس مدلولى الخبرين من حيث هما فيفارق المسألتين لكن هذا الوجه قد يأباه مقتضى ادلتهم فلاحظ وتأمّل.

(اقول) انّه قد تبين اذا كان منشأ الشبهة تعارض النصين ان الحكم فيها ايضا هى البراءة كما فى صورة فقد ان النص فحينئذ اذا لم نقل بوجوب الاحتياط ففى كون اصل البراءة مرجحا للخبر الذى يوافق الاحتياط او كون الحكم الوقف او التساقط والرجوع الى الاصل او التخيير بين الخبرين فى اول الامر المسمى بالتخيير الابتدائى او التخبير مستمرا يجوز معه العدول عن احدهما الى الآخر وجوه واقوال ليس هنا محل ذكرها فان المقصود هنا نفى الاحتياط ويؤيده

٢٤٣

ما فى بحر الفوائد من ان الشيخ قدس‌سره ليس فى مقام التحقيق فى قوله ثم اذا لم نقل بوجوب الاحتياط الخ بل غرضه قدس‌سره مجرد الاشارة الى الوجوه والاقوال وإلّا فلا معنى لمرجحية الاصل عنده انتهى.

(والفرق) بين الوقف والتساقط ان الوقف لا يوجب نفى الحجية عن الخبرين المتعارضين ولم يتعين الحجة منهما فلا يجوز فيه الرجوع الى الاصل الذى ينافى مفادهما بخلاف التساقط انه عبارة عن فرض الخبرين كأن لم يكونا فانه يرجع فيه الى الاصل مطلقا كان موافقا لاحدهما او كان مخالفا لهما فيكون المراد من قوله والرجوع الى الاصل هو الرجوع اليه مطلقا فى التساقط وإلّا فيرجع الى الاصل الموافق لاحد الخبرين فى الوقف ايضا فحينئذ لا يصح تفريع الرجوع الى الاصل على التساقط فقط دون الوقف.

(بقى هنا شىء) وهو ان الاصوليين اى القائلين بالبراءة قالوا فى باب التراجيح ان علماء الاصول اختلفوا فى تقديم الخبر الموافق لاصل البراءة الذى سمى فى الاصطلاح بالمقرر على الخبر الذى يخالف لاصل البراءة الذى سمى فى الاصطلاح بالناقل ونسب تقديم الناقل الى اكثر الاصوليين بل الى جمهورهم ومنهم العلامة قدس‌سره.

(وعنونوا ايضا) فى باب التراجيح مسئلة تقدم الخبر الدال على الاباحة على الخبر الدال على الحظر وتعرضوا للخلاف الواقع بينهم فى تقديم المبيح على الحاظر وبالعكس ولكن نسب تقديم الحاظر على المبيح الى المشهور بل يظهر من المحكى عن بعضهم عدم الخلاف فى ذلك هذا محصل ما تعرض له علماء الاصول فى باب التراجيح من الخلاف فى تقديم الخبر الموافق لاصل البراءة على المخالف وفى تقديم المبيح على الحاظر وبالعكس.

(اقول) فى المقام اشكالات كثيرة ولكن الشيخ قدس‌سره تعرض لاثنين منها(احدهما) ان اتفاقهم على تقديم الحاظر على المبيح كما عن الفاضل الجواد فى مسئلة تعارض المبيح والحاظر ينافى الخلاف فى مسئلة الناقل والمقرر وقد اشار

٢٤٤

الى ذلك بقوله والخلاف فى المسألة الاولى ينافى الوفاق فى الثانية(وثانيهما) ان ما ذهب اليه الاكثر من تقديم الخبر الناقل فى المسألة الاولى والحاظر فى المسألة الثانية غير مطابق لعمل علمائنا فى المسألة الفرعية فان عملهم فى المسائل الفرعية ليس على تقديم الناقل بل التخيير او الرجوع الى الاصل الذى هو وجوب الاحتياط عند الاخبارى والبراءة عند المجتهدين حتى العلامة ره وقد اشار الى هذا الاشكال الثانى بقوله ان قول الاكثر فيهما مخالف لما يشاهد من عمل علمائنا الخ (والمراد) بقوله مضافا الى ذهاب جماعة من اصحابنا فى المسألتين الى التخيير هو ذهابهم الى التخيير وفتواهم به فى المسائل الاصولية وكتب الاصول فلا يكون هذا تكرار أبعد قوله بل التخيير فان المراد به هو العمل به فى المسائل الفرعية والكتب الفقهية.

(قوله ويمكن ان يقال الخ) هذا جواب عن الاشكال الاول وهو ان الخلاف فى المسألة الاولى ينافى الوفاق فى المسألة الثانية ومحصل الجواب ان المراد بالاصل فى المسألة الثانية اصالة البراءة عن الوجوب فيكون محل الكلام فيها هو الشبهة الوجوبية والمراد بالاصل فى المسألة الاولى اصالة الاباحة فيكون محل الكلام فيها هو الشبهة التحريمية.

(قوله او ان حكم اصحابنا الخ) جواب عن الاشكال الثانى وهو ان قول الاكثر فيهما مخالف لما يشاهد من عمل علمائنا الخ وملخص الجواب ان حكم الاصحاب بالتخيير او الاحتياط وعملهم بهما فى الاصول والفروع انما هو بمقتضى اخبار العلاج الدال بعضها على التخيير وبعضها على الاحتياط لا لمقتضى نفس مدلولى الخبرين من حيث هما فيفارق المسألتين.

(قوله لكن هذا الوجه قد يأباه الخ) اشارة الى ما ذكره بقوله او ان حكم اصحابنا الخ وبيان ذلك ان مقتضى بعض ادلتهم كون التخيير هو مقتضى الاصل الاوّلى عند التعارض وان الرجوع الى الاصل انما هو من حيث الحكم بتساقط الخبرين لا للاخبار الواردة بالاحتياط فلاحظ وتأمل.

٢٤٥

(المسألة الرابعة) دوران الحكم بين الحرمة وغير الوجوب مع كون الشك فى الواقعة الجزئية لاجل الاشتباه فى بعض الامور الخارجية كما اذا شك فى حرمة شرب مائع واباحته للتردد فى انه خلّ او خمر وفى حرمة لحم لتردده بين كونه من الشاة او من الارنب والظاهر عدم الخلاف فى ان مقتضى الاصل فيه الاباحة للاخبار الكثيرة فى ذلك مثل قوله (ع) كل شىء لك حلال حتى تعلم انه حرام وكل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال واستدل العلامة ره فى التذكرة على ذلك برواية مسعدة بن صدقة كل شىء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة او العبد يكون عندك ولعله حرّ قد باع نفسه او قهر فبيع او خدع فبيع او امرأة تحتك وهى اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا او تقوم به البينة وتبعه عليه جماعة من المتأخرين ولا اشكال فى ظهور صدرها فى المدعى إلّا ان الامثلة المذكورة فيها ليس الحل فيها مستندا الى اصالة الحلية فان الثوب والعبد ان لوحظا باعتبار اليد عليهما حكم بحل التصرف فيهما لاجل اليد وان لوحظا مع قطع النظر عن اليد كان الأصل فيهما حرمة التصرف لاصالة بقاء الثوب على ملك الغير واصالة الحرمة فى الانسان المشكوك فى رقيته وكذا الزوجة ان لوحظ فيها اصل عدم تحقق النسب او الرضاع فالحلية مستندة اليه وان قطع النظر عن هذا الاصل فالاصل عدم تأثير العقد فيها فيحرم وطيها.

(المسألة الرابعة) ما لو اشتبه الحكم الشرعى فى الواقعة الجزئية لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية كالشك فى كون المائع الخاص خمرا او خلا ولا اشكال ولا خلاف حتى من الاخباريين فى ان مقتضى الاصل فيه الاباحة ويدل عليه مضافا الى الاجماع الادلة المتقدمة من الكتاب والسنة والعقل بل ظاهر بعضها هو الاختصاص بهذه المسألة كرواية مسعدة بن صدقة وغيرها.

(ولكن قد يتوهم) عدم جريان البراءة فى الشبهة التحريمية الموضوعية

٢٤٦

بدعوى ان الشك فيها ليس شكا فى التكليف ليرجع الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان او الى حديث الرفع فان جعل الحكم بنحو الكلى الذى هو وظيفة الشارع معلوم ووصل الى المكلف ايضا وانما الشك فى مقام الامتثال والتطبيق فلا مجال للتمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان بل ينبغى التمسك بقاعدة الاشتغال لان العلم باشتغال الذمة بالكبرى المجعولة المعلومة الواصلة يقتضى العلم بالفراغ عقلا وذلك لا يحصل إلّا بالتجنب عن موارد الشبهة وسيأتى دفعه عن قريب إن شاء الله.

(قوله إلّا ان الامثلة المذكورة فيها الخ) حاصله انه لا اشكال فى ان رواية مسعدة بن صدقة صدرا وذيلا ظاهرة فى المدعى إلّا ان الامثلة المذكورة فيها ليس الحل فيها مستندا الى اصالة الحلية اما فى الثوب والعبد فيمكن ان يكون حلية التصرف فيهما لاجل اليد لا من جهة الاصل ومع قطع النظر عن اليد فالحكم فيهما حرمة التصرف لوجود الاصل الموضوعى المقتضى لها وهو عدم تملك البائع واما الزوجة فان لوحظ فيها اصالة عدم تحقق النسب والرضاع فالحلية مستندة الى هذا الاصل الموضوعى ومع قطع النظر عنه فاصالة عدم تأثير العقد مقتضية لحرمة وطيها.

٢٤٧

(وبالجملة فهذه الامثلة الثلاثة) بملاحظة الاصل الاولى محكومة بالحرمة والحكم بحليتها انما هو من حيث الاصل الموضوعى الثانوى فالحل غير مستند الى اصالة الاباحة فى شىء منها هذا ولكن فى الاخبار المتقدمة بل فى جميع الادلة من الكتاب والعقل كفاية مع ان صدرها وذيلها ظاهر ان فى المدّعى وتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظرا الى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام مدفوع بان النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا او المعلومة اجمالا المتردد بين محصور والاول لا يحتاج الى مقدمة علمية والثانى يتوقف على الاجتناب من اطراف الشبهة لا غير واماما احتمل كونه خمرا من دون علم اجمالى فلم يعلم من النهى تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلى المشتبه حكمه كشرب التتن فى قبح العقاب عليه وما ذكر من التوهم جار فيه ايضا لان العمومات الدالة على حرمة الخبائث والفواحش وما نهيكم عنه فانتهوا يدل على حرمة امور واقعية يحتمل كون شرب التتن منها ومنشأ التوهم المذكور ملاحظة تعلق حكم بكلى مردد بين مقدار معلوم وبين اكثر منه فيتخيل ان الترديد فى المكلف به فمع العلم بالتكليف يجب الاحتياط ونظير هذا التوهم قد وقع فى الشبهة الوجوبية حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلوات بين الاقل واكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدمة العلمية وقد عرفت وسيأتى اندفاعه.

(اقول) ان الامثلة المذكورة فى الرواية محكومة بالحرمة بمقتضى الاصل الاولى اما فى الثوب والعبد فالحكم فيهما هو حرمة التصرف بمقتضى الاصل الموضوعى الاولى وهو عدم تملك البائع مضافا الى اصالة الفساد فى المعاملات ولو عند بعض منهم واصالة الحرية فى الانسان والحكم فيهما بحلية التصرف من

٢٤٨

جهة الاصل الموضوعى الثانوى اى اصالة الصحة فى اليد والتصرف وكذا المرأة فان مقتضى الاصل الاولى فيها ايضا الحرمة وهو اصالة الفساد الراجعة الى اصالة عدم تحقق الزوجية بينهما فالحلية فيها مستندة الى الاصل الموضوعى الثانوى وهو اصالة عدم تحقق النسب والرضاع المانع من النكاح بينهما فحينئذ الحل غير مستند الى اصالة الاباحة فى شىء من الامثلة الثلاثة هذا ولكن فى الادلة المتقدمة من الكتاب والسنة والعقل كفاية مع ان صدر الرواية وذيلها ظاهران فى المدعى وفى المقام بحث نفيس طويل لا يسعه هذا المختصر وان شئت فراجع الى بحر الفوائد.

(قوله وتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان الخ) يمكن ان يتوهم ان قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تجرى فى الشبهة الموضوعية لان موردها فيما لم يرد بيان من الشارع اصلا او ورد ولكن لم يصل الى المكلف وفى الشبهة الموضوعية قد ورد البيان الذى هو من وظيفة الشارع ووصل الى المكلف لان وظيفته بيان الكبريات كقوله تعالى (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) واما تشخيص الصغرى من كون هذا الشىء من افراد لحم الخنزير او لحم الغنم فليس هو من وظيفة الشارع فحينئذ لا مجال للتمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان بل ينبغى التمسك بقاعدة الاشتغال لان شغل الذمة اليقينى يستدعى البراءة اليقينية وذلك لا يحصل إلّا بالتجنب عن موارد الشبهة.

(قوله مدفوع بان النهى عن الخمر الخ) محصل الدفع بنحو الاختصار ان النهى عن الخمر بنحو الكبرى الكلية مما يوجب تنجز حرمة الصغريات المعلومة تفصيلا او اجمالا المترددة بين اطراف محصورة والاجتناب عن الاول مما لا يحتاج الى مقدمة علمية والاجتناب عن الثانى وان كان يحتاج اليها ولكن المقدمة العلمية هى اطراف العلم الاجمالى فقط لا كل ما احتمل كونه خمرا وهكذا الامر فى الامر بقضاء الفوائت حرفا بحرف (فتبين) ان قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تختص بالشبهة الحكمية بل تجرى فى الشبهة الموضوعية ايضا من دون فرق بينهما سوى انه فى الشبهة الحكمية تختص القاعدة بما بعد الفحص وفى الشبهة الموضوعية لا يجب

٢٤٩

الفحص الا على بعض الوجوه يأتى ذكرها فى محله إن شاء الله تعالى.

(ومنشأ التوهم المذكور) ملاحظة تعلق حكم بكلى مردد بين مقدار معلوم وبين اكثر منه فيتخيل ان الترديد فى المكلف به فمع العلم بالتكليف يجب الاحتياط ونظير هذا التوهم قد وقع فى الشبهة الوجوبية الموضوعية حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلوات بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدمة العلمية وقد عرفت وسيأتى اندفاعه.

٢٥٠

(فان قلت) ان الضرر محتمل فى هذا الفرد المشتبه لاحتمال كونه محرما فيجب دفعه قلنا ان اريد بالضرر العقاب وما يجرى مجراه من الامور الاخروية فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان وان اريد ما لا يدفع العقل ترتبه من غير بيان كما فى المضار الدنيوية فوجوب دفعه عقلا لو سلم كما تقدم من الشيخ وجماعة لم يسلم وجوبه شرعا لان الشارع صرح بحلية كل ما لم يعلم حرمته فلا عقاب عليه كيف وقد يحكم الشارع بجواز ارتكاب الضرر القطعى الغير المتعلق بأمر المعاد كما هو المفروض فى الضرر المحتمل فى المقام فان قيل نختار أولا احتمال الضرر المتعلق بامور الآخرة والعقل لا يدفع ترتبه من دون بيان لاحتمال المصلحة فى عدم البيان ووكول الامر الى ما يقتضيه العقل كما صرح فى العدة فى جواب ما ذكره القائلون باصالة الاباحة من انه لو كان هناك فى الفعل مضرة آجلة لبيّنها وثانيا نختار المضرة الدنيوية وتحريمه ثابت شرعا لقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) كما استدل به الشيخ ايضا فى العدة على دفع اصالة الاباحة وهذا الدليل ومثله رافع للحلية الثابتة بقولهم عليهم‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام قلت لو سلمنا احتمال المصلحة فى عدم بيان الضرر الاخروى إلّا ان قولهم عليهم‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام بيان لعدم الضرر الاخروى واما الضرر الغير الاخروى فوجوب دفع المشكوك منه ممنوع وآية التهلكة مختصة بمظنة الهلاك.

(اقول) لما فرغ قدس‌سره عن اثبات جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فى المقام فى قبال التوهم المذكور شرع فى منع توهم جريان مناط قاعدة الشغل فى المقام وهو وجوب دفع الضرر المحتمل فى حكم العقل بأن قاعدة القبح واردة على قاعدة وجوب الدفع بالنسبة الى الضرر المحتمل الاخروى هذا بالنسبة الى الضرر الاخروى.

(واما الضرر الدنيوى) فالمستفاد من كلامه قدس‌سره فى المقام منع حكم العقل بوجوب دفع محتمله اولا ثم لو سلّم وجوب دفعه عقلا كما تقدم من الشيخ

٢٥١

وجماعة لم يسلّم حكم الشارع بوجوب دفعه ثانيا من حيث تصريح الشارع بحلية ما لم يعلم حرمته شرعا فلا عقاب عليه كيف وقد يحكم الشارع بجواز ارتكاب الضرر القطعى الغير المتعلق بأمر المعاد كما هو المفروض فى الضرر المحتمل فى المقام كتسليم النفس للقصاص.

(فان قيل) نختار أولا احتمال الضرر الاخروى وهو العقاب وما ذكر من انه مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان غير كاف لجواز منع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لاحتمال المصلحة فى عدم البيان ووكول الامر الى ما يقتضيه العقل من الحظر او الوقف كما ذهب اليه فى العدة فاذا احتملت المصلحة فى ترك البيان وفى كون الفعل على الوقف فلم يحكم العقل بمجرد عدم البيان بقبح العقاب بلا بيان (وثانيا) نختار المضرة الدنيوية وما ذكر من ان وجوب دفعه عقلا لو سلم لم يسلم وجوبه شرعا ممنوع لان تحريمه ثابت شرعا لقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) كما استدل به غير واحد من الاجلة ومنهم الشيخ فى العدة على دفع اصالة الاباحة وهذا الدليل أى الآية الشريفة ومثله كحكم العقل بوجوب الدفع لو سلّم رافع للحلية الثابتة بقولهم عليهم‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام فتكون الآية حاكمة على الرواية.

(قوله قلت لو سلمنا الخ) حاصل الجواب عن السؤال المذكور انه لو سلمنا احتمال المصلحة فى ترك البيان وفى عدم بيان الضرر الاخروى إلّا ان قولهم عليهم‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام بيان لعدم الضرر الاخروى واما الضرر الدنيوى فبمنع قيام الدليل الشرعى على وجوب دفع مشكوكه حيث ان الآية الشريفة لا يظهر منها حكم المشكوك بل انها مختصة بمظنة الهلاك.

٢٥٢

(وقد صرح) الفقهاء فى باب المسافر بأن سلوك الطريق الذى يظن معه العطب معصية دون مطلق ما يحتمل فيه ذلك وكذا فى باب التيمم والافطار لم يرخصوا الّا مع ظن الضرر الموجب لحرمة العبادة دون الشك نعم ذكر قليل من متأخرى المتأخرين انسحاب حكم الافطار والتيمم مع الشك ايضا لكن لا من جهة حرمة ارتكاب مشكوك الضرر بل لدعوى تعلق الحكم فى الادلة بخوف الضرر الصادق مع الشك بل بعض افراد الوهم ايضا لكن الانصاف الزام العقل بدفع الضرر المشكوك فيه كالحكم بدفع الضرر المتيقن كما يعلم بالوجدان عند وجود مائع محتمل السمّية اذا فرض تساوى الاحتمالين من جميع الوجوه لكن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المتيقن انما هو بملاحظة نفس الضرر الدنيوى من حيث هو كما يحكم بوجوب دفع الضرر الاخروى كذلك إلّا انه قد يتحد مع الضرر الدنيوى عنوان يترتب عليه نفع اخروى فلا يستقل العقل بوجوب دفعه ولذا لا ينكر العقل أمر الشارع بتسليم النفس للحدود والقصاص وتعريضها له فى الجهاد والاكراه على القتل أو على الارتداد وحينئذ فالضرر الدنيوى المقطوع يجوز أن يبيحه الشارع لمصلحة فإباحته للضرر المشكوك لمصلحة الترخيص على العباد أو لغيرها من المصالح اولى بالجواز فان قلت اذا فرضنا قيام امارة غير معتبرة على الحرمة فيظن الضرر فيجب دفعه مع انعقاد الاجماع على عدم الفرق بين الشك والظن الغير المعتبر قلنا الظن بالحرمة لا يستلزم الظن بالضرر اما الاخروى فلان المفروض عدم البيان فيقبح واما الدنيوى فلان الحرمة لا يلازم الضرر الدنيوى بل القطع بها ايضا لا يلازمه لاحتمال انحصار المفسدة فيما يتعلق بالامور الاخروية ولو فرض حصول الظن بالضرر الدنيوى فلا محيص عن التزام حرمته كسائر ما ظن فيه الضرر الدنيوى من الحركات والسكنات.

(اقول) ان الشك على ما ثبت فى محله لا يتصور فيه الطريقية ولا يمكن الالتزام بموضوعيته الّا فى موارد دلّ الدليل على موضوعيته فيها كما فى موارد الاصول واما الظن فتصور الطريقية والموضوعية فيه بمكان من الامكان إلّا ان تشخيص

٢٥٣

مواردهما مشكل.

(وكيف كان) ان تصريح الفقهاء فى مسئلة المسافر بان سلوك الطريق مع ظنه العطب اى الهلاك فيه معصية دون مطلق ما يحتمل فيه ذلك وفى مسئلة التيمم والافطار بان الضرر المظنون موجب لهما دون الشك يدل على ان الضرر الدنيوى المظنون يجب دفعه دون المشكوك منه (نعم) ذكر قليل من متاخرى المتاخرين اجراء حكم الافطار والتيمم مع الشك ايضا لكن لا من جهة حرمة ارتكاب مشكوك الضرر بل لدعوى تعلق الحكم فى الادلة بخوف الضرر الصادق مع الشك بل بعض افراد الوهم ايضا.

(لكن الانصاف) ان العقل يحكم بوجوب دفع الضرر المشكوك كما يحكم بدفع الضرر المتيقن لكن حكمه بوجوب دفع الضرر المتيقن انما هو بملاحظة نفس الضرر الدنيوى من حيث هو هو مع قطع النظر عن الخارج وإلّا فيمكن ان يتحد مع الضرر الدنيوى عنوان يترتب عليه نفع اخروى فحينئذ لا يحكم العقل بوجوب دفع الضرر كما اذا اذن الشارع بتسليم النفس للحدود والقصاص وتعريضها له فى الجهاد والاكراه على القتل او على الارتداد فالضرر الدنيوى المقطوع فيها يجوز ان يبيحه الشارع للنفع الاخروى المترتب عليه فإباحته للضرر المشكوك لمصلحة الترخيص على العباد او لغيرها من المصالح أولى بالجواز.

(ولكن فيه ما لا يخفى) من منع حكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوى المشكوك بقول مطلق وبجميع مراتبه نعم القدر المسلم من وجوب دفع الضرر الدنيوى هو ما يرجع الى هلاك النفس ونحوه فى المرتبة واما فيما لا يعتنى به عند العقلاء سيما اذا كان من الماليات فلا يحكم العقل بوجوب دفعه كما يعلم بالوجدان بل قد يظهر من عبارة بعض الفقهاء عدم الفرق فى ذلك بين صورتى الشك والقطع بدعوى ان بعض الضرر الدنيوى لا يحكم العقل بوجوب دفعه ولو كان قطعيا هذا (قوله والاكراه على القتل او على الارتداد) عطف على الجهاد اى لا ينكر العقل امر الشارع بتعريض النفس للضرر فى مورد الاكراه على قتل النفس المحترمة

٢٥٤

وفى مورد الاكراه على الارتداد اذ لا يجوز لاحد قتل النفس المحترمة لاجل حفظه من القتل او من الضرر المالى او العرضى بل لا بد له ان يتحمل الضرر ولو كان هو القتل لقول الامام عليه‌السلام انما شرعت التقية ليحقن الدم فاذا بلغ الدم فلا تقية وكذا اذا اكره على الارتداد كالتبرى من الائمة عليهم‌السلام يجوز له ان يتحمل الضرر ولو كان هو القتل ولا يظهر الارتداد ولكن المحكى ان المستفاد من بعض الروايات افضلية اظهار الارتداد لاجل سلامته من القتل.

(قوله فان قلت الخ) حاصل السؤال انه اذا فرض قيام امارة غير معتبرة على الحرمة فبسببه كان ظانا للضرر فيجب دفعه والحال انعقد الاجماع على عدم الفرق بين الشك والظن الغير المعتبر حاصل الجواب عن السؤال المذكور ان الظن بالحرمة ليس مستلزما الظن بالضرر اما الاخروى فلقاعدة القبح واما الضرر الدنيوى فلعدم الملازمة بين الظن بالحرمة والظن بالضرر الدنيوى بل القطع بها ايضا لا يلازم الضرر الدنيوى لاحتمال انحصار المفسدة فيما يتعلق بالامور الاخروية ولو فرض حصول الظن بالضرر الدنيوى من الظن بالحرمة فلا بد من العمل بمقتضاه لحكم العقل بوجوب دفعه وكون حصوله من الامارة الغير المعتبرة غير ضائر لان المدار على حصول الظن.

٢٥٥

(وينبغى التنبيه على امور) الاول ان محل الكلام فى الشبهة الموضوعية المحكومة بالاباحة ما اذا لم يكن هناك اصل موضوعى يقضى بالحرمة فمثل المرأة المرددة بين الزوجة والاجنبية خارج عن محل الكلام لان اصالة عدم علاقة الزوجية المقتضية للحرمة بل استصحاب الحرمة حاكمة على اصالة الاباحة ونحوها المال المردد بين مال نفسه وملك غيره مع سبق ملك الغير له واما مع عدم سبق ملك احد عليه فلا ينبغى الاشكال فى عدم ترتب احكام ملكه عليه من جواز بيعه ونحوه مما يعتبر فيه تحقق المالية واما اباحة التصرفات الغير المترتبة فى الادلة على ماله وملكه فيمكن القول بها للاصل ويمكن عدمه لان الحلية فى الاملاك لا بد لها من سبب محلل بالاستقراء ولقوله عليه‌السلام لا يحل مال الامن حيث احله الله ومبنى الوجهين ان اباحة التصرف هى المحتاجة الى لسبب فيحرم مع عدمه ولو بالاصل وان حرمة التصرف محمولة فى الادلة على ملك الغير فمع عدم ملك الغير ولو بالاصل ينتفى الحرمة.

(الامر الاول) من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية انه يعتبر فى جريان اصالة الاباحة فى الشبهة الموضوعية عدم وجود اصل حاكم عليها بل لا يختص ذلك باصل الاباحة فيجرى فى غيرها من الاصول ايضا بل قد قيل ان فى جعل ذلك من الشرائط مسامحة فى التعبير لان مرجع ذلك فى الحقيقة الى اشتراط تحقق الموضوع للاصل فى جريانه اذ مع وجود الحاكم لا مورد لجريان الاصل المحكوم لارتفاع موضوعه ولو تعبدا بجريان الاصل الحاكم.

(ومن ذلك) المرأة المرددة بين الزوجة والاجنبية فانه لا يجرى فيها اصالة الاباحة لان اصالة عدم حدوث علاقة الزوجية واصالة عدم وقوع النكاح عليها حاكمة على اصالة الاباحة بل مع غمض النظر عنها لا يجوز الرجوع الى اصالة الاباحة فيها ايضا من جهة حكومة استصحاب الحرمة عليها.

(ونحوها) المال المردد بين مال نفسه وملك غيره مع سبق ملك الغير له فانه لا اشكال فى ترتيب آثار ملك الغير عليه والحكم ببقائه فى ملك الغير وعدم

٢٥٦

حدوث علاقة الملكية لنفسه فى زمان الشك ففى الفرض المذكور لا يجرى اصل الاباحة لان الاصل عدم دخوله فى ملكه.

(واما مع عدم سبق) ملك احد عليه فلا ينبغى الاشكال فى نفى ما يتوقف على الملك كالبيع والعتق ونحوهما مما يعتبر فيه تحقق المالية اذ لا بيع الا فى ملك وكذلك لا عتق ولا هبة الا فى ملك فمع عدم احراز الملك لا يمكن التمسك بعمومات أحل الله البيع واوفوا بالعقود وغير ذلك (واما التصرفات) الغير المتوقفة على الملك كالشرب والاكل ونحوهما مما لا يتوقف على الملك كاكل ما ينثر فى الاعراس واكل الضيف ما يقدم اليه من الطعام والاكل من البيوت المأذون فيها وحق المارة فهل يحكم باباحتها للاصل او بحرمتها نظرا الى الشك فى وجود السبب المحلل وجهان ومبنى الوجهين كما اشار اليه قدس‌سره ان اباحة التصرف هى المحتاجة الى السبب فيحرم مع عدمه ولو بالاصل اى اصالة عدم وجود السبب المحلل وان حرمة التصرف محمولة فى الادلة على ملك الغير فمع عدم ملك الغير ولو بالاصل اى اصالة عدم تملك الغير له ينتفى الحرمة.

٢٥٧

(ومن قبيل) ما لا يجرى فيه اصالة الاباحة اللحم المردد بين المذكى والميتة فان اصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة حاكمة على اصالتى الاباحة والطهارة وربما يتخيل خلاف ذلك تارة لعدم حجية استصحاب عدم التذكية واخرى لمعارضة اصالة عدم التذكية باصالة عدم الموت والحرمة والنجاسة من احكام الميتة والاول مبنى على عدم حجية الاستصحاب ولو فى الامور العدمية والثانى مدفوع اولا بانه يكفى فى الحكم بالحرمة عدم التذكية ولو بالاصل ولا يتوقف على ثبوت الموت حتى ينتفى بانتفائه ولو بحكم الاصل والدليل عليه استثناء ما ذكيتم من قوله وما اكل السبع فلم يبح الشارع الا ما ذكى واناطة اباحة الاكل بما ذكر اسم الله عليه وغيره من الامور الوجودية المعتبرة فى التذكية فاذا انتفى بعضها ولو بحكم الاصل انتفت الاباحة وثانيا ان الميتة عبارة عن غير المذكى اذ ليست الميتة خصوص ما مات حتف انفه بل كل زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية فهى ميتة شرعا وتمام الكلام فى الفقه (واما اللحم المردد) بين المذكى والميتة فهو ايضا كالامثلة المتقدمة فى عدم جريان اصالة الاباحة فيه لان اصالة عدم التذكية المقتضية للحكم بالحرمة والنجاسة حاكمة على اصالة الاباحة لكون الشك فى حليته مسببا عن الشك فى التذكية.

(نعم) من ينكر اعتبار الاستصحاب مطلقا حتى فى العدميات كصاحب المدارك على ما حكى عنه يذهب الى الحكم بالحلية والطهارة لاصالتهما فانه صرح بان حكم المشهور بالحرمة والنجاسة مبنى على اعتبار الاستصحاب وهو ممنوع عندنا وقد اشار قدس‌سره الى وجه هذا القول بقوله والاول مبنى على عدم حجية الاستصحاب ولو فى الامور العدمية ولعل عدم تعرضه قدس‌سره لجوابه لكونه ظاهر الفساد بحيث لا يخفى على من رجع الى كلمات القوم فى باب الاستصحاب.

(وقد اجاب) صاحب بحر الفوائد عن ما ذهب اليه صاحب المدارك بان ما اختاره ضعيف مضافا الى ما يستفاد من جملة من الاخبار من كون اصالة الحرمة فى اللحوم

٢٥٨

مسلما عند الائمة عليهم‌السلام كما يظهر مما ورد فى حكم الصيد المرمىّ الذى لم يعلم استناد موته الى الرمى وكذا فيما ارسل اليه الكلب ولم يعلم استناد موته اليه ومن هنا ذهب بعض المتأخرين الى اصالة الحرمة فى اللحوم مع حكمه بعدم الجدوى لاستصحاب عدم التذكية من جهة المعارضة انتهى.

(قوله والثانى مدفوع اولا الخ) ان المراد بالثانى معارضة اصالة عدم التذكية باصالة عدم موت حتف الانف فيحكم بالحلية والطهارة بتوهم ان موضوع الحرمة والنجاسة الميتة المقابلة للمذكى كما ان موضوع الحلية والطهارة المذكى فكما ان اصالة عدم التذكية تقتضى نفى الحلية والطهارة كذلك اصالة عدم موت حتف الانف تقتضى نفى الحرمة والنجاسة فيتعارضان فيحكم بالحلية والطهارة نظرا الى الاصل فيهما.

(وكيف كان) ان الشيخ قدس‌سره قد اجاب عن معارضة اصالة عدم التذكية باصالة عدم الموت وان الحرمة والنجاسة من احكام الميتة من وجهين بقوله ان الثانى مدفوع (اولا) بانه يكفى فى الحكم بالحرمة عدم التذكية ولو بالاصل بدليل الاستثناء فى قوله تعالى الا ما ذكيتم فى اول المائدة اذ مقتضى منطوقه تعلق الحل بعنوان التذكية فيكون مقتضى مفهومه تعلق الحرمة بعدم التذكية ولا يتوقف على ثبوت موت حتف الانف حتى ينتفى الحكم بالحرمة بانتفائه ولو بالاصل فلم يبح الشارع الا ما ذكى واناطة اباحة الاكل بما ذكر اسم الله عليه فى قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) فى سورة الانعام وغيره من الامور الوجودية المعتبرة فى التذكية مثل كون الذابح مسلما وكون الذبح بالحديد ووقوعه الى القبلة فاذا انتفى بعضها ولو بحكم الاصل انتفت الاباحة(وثانيا) ان الميتة عبارة عن غير المذكى عما من شأنه ان يكون مذكى لا خصوص ما مات حتف انفه لان الميتة فى الشرع عبارة عن كل زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية وتمام الكلام فى الفقه حيث تعرض الفقهاء لهذه المسألة فى مواضع فيه منها كتاب الصيد والذباحة ومنها كتاب الطهارة فى مسئلة الجلد.

(وفى المقام) بحث طويل من جهة اختلاف الاصحاب فيما يقبل التذكية

٢٥٩

من الحيوان وتفسير التذكية والميتة ومن جهة الشك فى التذكية تارة من جهة الشبهة الحكمية واخرى من جهة الشبهة الموضوعية ويتفرع عليها فروع كثيرة ليس هذا المختصر موضع ذكرها تفصيلا.

(ولكن لا بأس بالتعرض) بما يتعلق بالمثال من الشقوق المتصورة للشك فى طهارة اللحم وحليته من جهة الشك فى التذكية فنقول ان الشك فيها تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية كالشك فى قابلية الحيوان الكذائى للتذكية فى فرض عدم قيام دليل على قابلية كل حيوان للتذكية واخرى من جهة الشبهة الموضوعية وصورها كثيرة وعلى اى تقدير(التذكية) اما ان تكون عبارة عن امر بسيط معنوى متحصل من قابلية المحل وقطع الاوداج الاربعة بالحديد وسائر ما يعتبر فيه نظير الطهارة بالنسبة الى الغسلات الخاصة.

(واما ان تكون) عبارة عن قطع الاوداج الاربعة بشرائطه الوارد على المحل القابل بان تكون القابلية شرطا لتأثير الامور المزبورة.

(واما ان تكون) عن مجموع الامور المزبورة مع القابلية.

(فعلى الاول) تجرى فى جميع الصور اصالة عدم التذكية من غير فرق بين ان يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية او من جهة الشبهة الموضوعية بانحاء ما يتصور فيها من الشك فانه يشك حينئذ فى تحقق ذلك الاثر الحاصل البسيط والاصل عدمه (ويترتب) عليه الحرمة بل النجاسة فى وجه ولا ينافى ذلك ما دل على ترتب الحرمة والنجاسة على عنوان الميتة التى هى عبارة عما مات حتف انفه حتى يشكل بعدم اقتضاء الاصل المذكور لاثبات هذا العنوان الا على القول بالمثبت اذ الحكم كما رتب فى الادلة على عنوان الميتة كذلك رتب على ما يعم العنوان المزبور وهو غير المذكى ومن الواضح انه لا بد فى مثله من الاخذ بذلك العنوان العام كما يكون ذلك هو الشأن فى كل مورد رتب الحكم الشرعى فى لسان الدليل على عنوانين احدهما اعم من الآخر حيث تكون العبرة بالعنوان العام دون الخاص ثم ان ذلك اذا لم نقل ان الميتة فى لسان الشارع عبارة عن غير المذكى وإلّا فبناء

٢٦٠