درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

دعوى ظهور ادلتها فى عدم تعيين الشىء المجهول على المكلف وحكم ايضا بعدم جريان اصالة عدم الوجوب يعنى به استصحاب عدمه نظرا الى انه ليس فى المقام الا وجوب واحد مردد بين الكلى والفرد المعين فاصالة عدم تعلقه بالكلى معارضة بعدم تعلقه بالفرد فيتعين هنا جريان اصالة عدم سقوط وجوب ذلك الفرد المعين المتيقن وجوبه اما تعيينا او تخييرا بفعل هذا الفرد المشكوك وجوبه تخييرا.

(حيث) قال قدس‌سره وفى جريان اصالة عدم الوجوب تفصيل لانه ان كان الشك فى وجوبه فى ضمن كلى مشترك بينه وبين غيره او وجوب ذلك الغير بالخصوص فيشكل جريان اصالة عدم الوجوب اذ ليس هنا إلّا وجوب واحد مردد بين الكلى والفرد فيتعين هنا اجراء اصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك.

(الثالث) ما اذا دار امر التكليف بين تعلقه بفرد معين على وجه التعيين وبين تعلقه به وبغيره على وجه التخيير كما اذا علم اجمالا انه اما يجب اكرام زيد تعيينا او يجب اكرام كل من زيد وعمر وتخييرا وفى الشرعيات كما اذا علم اجمالا انه اما يجب العتق تعيينا او يجب كل من العتق وصوم ستين يوما تخييرا.

(ويطلق على هذا القسم) بدوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعيين وقد حكم الشيخ قده فيه بمقتضى عبارته الاولى بعدم جريان ادلة البراءة عن الوجوب التخييرى فى الفرد المشكوك لما تقدم من دعوى ظهور ادلتها فى عدم تعيين الشىء المجهول على المكلف وحكم ايضا بجريان اصالة عدم وجوب الفرد المشكوك تخييريا وبجريان اصالة عدم لازمه اى عدم سقوط وجوب الفرد المعين المتيقن بفعل هذا المشكوك حيث قال فى عبارته الاخيرة واما اذا كان الشك فى ايجابه بالخصوص يعنى به فى قبال ما اذا كان الشك فى وجوبه فى ضمن كلى مشترك بينه وبين الفرد المتيقن جرى اصالة عدم الوجوب واصالة عدم لازمه الوضعى وهو سقوط الواجب المعلوم.

٣٢١

(الرابع) وهو ما لو علم بتعلق التكليف بشىء مع العلم بان الآخر مسقط للتكليف به ولكن يشك فى ان ذلك من جهة كونه عدلا له وانه احد فردى الواجب المخير أو أنه من جهة كونه مفوتا لملاكه او غير ذلك فالحكم فيها ايضا هى البراءة عن وجوب ما علم كونه مسقطا ولو مع عدم التمكن من الاتيان بما علم تعلق التكليف به وتعذره عليه نظرا الى الشك فى اصل تعلق التكليف به ولو تخييرا(ثم) انه قد يقال ان الجماعة بالنسبة الى الصلاة الفرادى من هذا القبيل الى غير ذلك من الصور المتصورة للوجوب التخييرى (هذا كله) فيما لو دار حكم الشىء بين الوجوب التخييرى والاباحة واما لو دار الامر بين الوجوب الكفائى والاباحة وسيأتى البحث عنه عن قريب إن شاء الله تعالى.

(قوله اما لو شك فى الوجوب التخييرى والاباحة) ان المستفاد من عبارته قدس‌سره مورد البحث ما لو كان احد الامرين واجبا قطعا وشك فى الفعل الآخر انه واجب او مباح فلو كان واجبا فى الواقع كان المعلوم الوجوب فى الواقع واجبا تخييريا ولو كان مباحا كان واجبا تعيينا فهو من قبيل دوران الامر بين التخيير والتعيين ولا يخفى ان مفروض الكلام هنا جريان الاصل براءة واستحبابا فى نفى التخيير وعدمه لا فى جريان الاصل فى نفى التعيين فانه بحث آخر سيجىء الاشارة اليه إن شاء الله تعالى.

(قوله وفى جريان اصالة عدم الوجوب تفصيل الخ) ان المستفاد من ظاهر كلامه قدس‌سره هو التفصيل فى جريان اصالة عدم الوجوب بين التخيير العقلى والشرعى فمنع من جريانها فى الاول دون الثانى (مثال الاول) ما اذا امر الشارع بعتق رقبة وشك فى تعيينها فى ضمن المؤمنة او التخيير بينها وبين الكافرة لا مجرى لاصالة العدم بالنسبة الى الفرد المشكوك للقطع بعدم كونه بالخصوص متعلقا لحكم الشارع فان الشك فيه باعتبار تحقق الكلى فى ضمنه واما بالنسبة الى الفرد المتيقن فاصالة عدم وجوبه التعيينى وان كانت جارية لكنها معارضة باصالة عدم وجوب الكلى للعلم الاجمالى بثبوت الحكم المردد بينهما.

٣٢٢

(ومثال الثانى) ما لو علم بوجوب الكفارة وتحقق الامتثال بالصوم وشك فى وجوب العتق تخييرا واصالة عدم الوجوب جارية لنفى الطلب المحتمل تعلقه بالمشكوك ولا يعارضها اصالة العدم فى المتيقن للعلم بتعلق الطلب به.

(قوله جرى فيه اصالة عدم الوجوب) كما اذا علم تعلق الوجوب بالعتق فى كفارة وشك فى تعلقه ايضا بالصيام والاطعام مثلا ام لا وحينئذ يكون الشك فى وجوب زائد بانشاء زائد والاصل عدمه ولكن ذكر الشيخ قدس‌سره فى باب الشك فى الشرطية ما هذا لفظه ومما ذكرنا يظهر الكلام فيما لو دار الامر بين التخيير والتعيين كما لو دار الامر فى كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه وبين احدى الخصال الثلث فان فى الحاق ذلك بالاقل والاكثر فيكون نظير دوران الامر بين المطلق والمقيد او بالمتباينين وجهين بل قولين من عدم جريان ادلة البراءة فى المعين لانه معارض بجريانها فى الواحد المخير الى ان قال ومن ان الالزام بخصوص احدهما كلفة زائدة على الالزام باحدهما فى الجملة وهو ضيق على المكلف الى ان قال فلعل الحكم بوجوب الاحتياط والحاقه بالمتباينين لا يخلو عن قوة انتهى اذ المستفاد منه هو التردد مع ميل ما الى الرجوع الى اصالة الاحتياط وعدم جريان اصالة عدم الوجوب التعيينى لمعارضتها باصالة عدم الوجوب التخييرى والمستفاد مما ذكره هنا الجزم بجريان اصالة عدم الوجوب بالنسبة الى الزائد فافهم.

(قوله فلا مجرى للاصل إلّا بالنسبة الى طلبه) يعنى ان الاصل يجرى بالنسبة الى الحكم التكليفى واما الحكم الوضعى فلا لثبوته كما هو المفروض.

(قوله ويجرى اصالة البراءة عن وجوبه التعيينى) يعنى عن وجوب ما شك فى كونه واجبا تخييريا مسقطا او مباحا مسقطا فانه اذا شك فى وجوبه التخييرى مع التمكن من الآخر المعلوم الوجوب فلا محالة نشك فى وجوبه التعيينى اذا تعذر ذلك الآخر لكن لا حاجة الى اصالة البراءة مع نفى الوجوب التخييرى فى صورة التمكن باصل العدم واثبات الاباحة فلا يبقى شك فى مرحلة الظاهر حتى يحتاج اليها.

٣٢٣

(وربما يتخيل) من هذا القبيل ما لو شك فى وجوب الايتمام على من عجز عن القراءة وتعلمها بناء على رجوع المسألة الى الشك فى كون الايتمام مستحبا مسقطا او واجبا مخيرا بينه وبين الصلاة مع القراءة فيدفع وجوبه التخييرى بالاصل لكن الظاهر ان المسألة ليست من هذا القبيل لان صلاة الجماعة فرد من الصلاة الواجبة فتتصف بالوجوب لا محالة واتصافها بالاستحباب من باب افضل فردى الواجب فيختص بما اذا تمكن المكلف من غيره فاذا عجز تعين وخرج عن الاستحباب كما اذا منعه مانع آخر عن الصلاة منفردا لكن يمكن منع تحقق العجز فيما نحن فيه فانه يتمكن من الصلاة منفردا بلا قراءة لسقوطها عنه بالتعذر كسقوطها بالايتمام فتعيين احد المسقطين يحتاج الى دليل قال فخر المحققين فى الايضاح فى شرح قول والده قدس‌سرهما والاقرب وجوب الايتمام على الامّى العاجز ووجه القرب تمكنه من صلاة صحيحة القراءة ويحتمل عدمه بعموم نصّين احدهما الاكتفاء بما يحسن مع عدم التمكن من التعلم والثانى ندبية الجماعة والاول اقوى لانه يقوم مقام القراءة اختيارا فيتعين عند الضرورة لان كل بدل اختيارى يجب عينا عند تعذر مبدله وقد بين ذلك فى الاصول ويحتمل العدم لان قراءة الامام مسقطة لوجوب القراءة عن المأموم والتعذر ايضا مسقط فاذا وجد احد المسقطين للوجوب لم يجب الآخر اذ التقدير ان كلا منهما سبب تام والمنشأ ان قراءة الامام بدل او مسقط انتهى والمسألة محتاجة الى التأمل ثم ان الكلام فى الشك فى الوجوب الكفائى كوجوب رد السلام على المصلى اذا سلم على جماعة وهو منهم يظهر مما ذكرنا فافهم.

(وربما يتخيل من هذا القبيل) يعنى من قبيل ما قطع بكونه مسقطا للواجب المعلوم وشك فى كونه واجبا تخييريا مسقطا او غير واجب مسقط لا انه مردد بين كونه واجبا مسقطا او مباحا مسقطا اذ لا يتصور الاباحة الخاصة فى الفرض ولذا قال قدس‌سره فى تقريب المطلب بناء على رجوع المسألة الى الشك الخ ولكن انه قده قال الظاهر ان المسألة ليست من هذا القبيل الذى ذكرناه لان صلاة الجماعة فرد من

٣٢٤

الصلاة الواجبة فتتصف بالوجوب لا محالة واتصافها بالاستحباب من باب افضل فردى الواجب فيختص بما اذا تمكن المكلف من غيره فاذا عجز تعين وخرج عن الاستحباب كما اذا منعه مانع آخر عن الصلاة منفردا.

(قوله لكن يمكن منع تحقق العجز فيما نحن فيه) يعنى يمكن منع تعين الايتمام ولو قلنا بكونه من افراد الواجب المخير وذلك لان تعذر احد فردى المخير يوجب تعين الآخر اذا لم يكن للمتعذر بدل او كان بدليته مقيدة بعدم التمكن من الآخر ايضا واما اذا جعل بدل لاحدهما عند عدم التمكن منه بالخصوص ولم يكن دليل بدليته له مقيدة بعدم التمكن بل يعم حال التمكن منه ايضا فلا دليل على تعين ذلك الفرد مع التمكن من بدل الآخر فالبدل والمبدل كلاهما من افراد الواجب المخير فيكونان فى عرض الفرد الآخر وان كان بين انفسهما ترتب والفرع المذكور من هذا القبيل فان ما دل على ان العاجز عن القراءة من دون تقصير لا بد له من مطلق الذكر مثلا بدلا عنها يعم حال التمكن من الايتمام ولا يكون مقيدا بعدمه فكما ان القراءة فى بعض حالات المكلف يكون من افراد الواجب وفى عرض الفرد الآخر فكذلك الذكر فى بعض احواله الآخر وهذا مراد المصنف ره وان كان فى تعبيره بالمسقط نوع مسامحة.

(ولكن قال بعض المحشين) ان نظر المتخيل ليس الى افراد الصلاة بل الى الايتمام والانفراد مع القراءة حيث ان الاول مستحب لا يتصف بالوجوب فى حال الاختيار ويجب فى حال التعذر ولا ريب ان حصول الاجزاء بمجرد الاتيان باحد الفعلين والعصيان بالاخلال بهما لا يقضى بتعلق الوجوب بكل من الامرين على سبيل التخيير لامكان ان يكون الامر بالثانى مرتبا على ترك الاول فلا وجوب للثانى لا عينا ولا تخييرا مع الاتيان بالاول ويجب عينا مع تركه او يكون سقوط الثانى مرتبا على فعل الاول ولا وجوب له اصلا مع الاتيان به كما فى مسئلة انفاق الزوج على الزوجة وطلاقها فلو تركهما معا عصى ولو اتى باحد الامرين أجزأ وكذا الحال فى التخيير بين الصيام والسفر فى شهر رمضان ولو اردت المناسبة لما نحن فيه

٣٢٥

فليفرض السفر مندوبا كسفر الزيارة فان المكلف لو ترك كلا الامرين عصى ولو اتى باحدهما اكتفى فى حصول الامتثال ومن الواضح عدم كونه من الوجوب التخييرى فى شىء.

(والحاصل) ان الامر المذكور من لوازم الوجوب التخييرى واللازم قد يكون اعم من الملزوم فلا يلزم من ثبوته فى المقام ثبوت الوجوب التخييرى وليس هذا التوجيه بعيدا فى الغاية إلّا انه لا ينطبق على كلام القائل انطباقا تاما من جهة تصريحه باحتمال الوجوب التخييرى إلّا ان يريد التخيير بين الايتمام وبين الصلاة مع القراءة بقدر ما يتمكن منها وبعد ذلك كله فهو كما ترى.

(قوله والاقرب وجوب الايتمام الخ) عبارة العلامة قده فى القواعد هكذا والاقرب وجوب الايتمام على الامى بالعارف وعدم الاكتفاء بالايتمام مع امكان التعلم انتهى فعن الشهيد فى الحواشى ان العبارة ذات وجهين : (الاول) انه لا يصلى فى الوقت مؤتما بل يجب التعلم الى آخر الوقت ثم يجب الايتمام اما لان اصحاب الاعذار يؤخرون كما هو مذهب السيد المرتضى ومن تبعه واما لان تعلم القراءة واجب مضيق (الثانى) انه لا يستمر على الايتمام فى دوام الصلاة بمعنى انه يستغنى عن التعلم وان جاز فى هذه الصلاة وفى كل صلاة ان يأتم بمعنى ان الائتمام وان وجب فان التعلم ايضا واجب فلا يكون فيه دلالة على وجوب التأخير الى آخر الوقت الى آخر ما قال قدس‌سره.

(وكيف كان) فهناك مسئلتان اشار العلامة قدس‌سره اليهما (إحداهما) انه مع امكان التعلم هل يجوز له تركه والاكتفاء بالاقتداء فاختار قده ان الاقرب عدم جواز ذلك والمفهوم من العبارة وجود القائل بالجواز فى زمان العلامة او قبله وظاهر الاصحاب ايضا هو تعيّن التعلم (قال فى الجواهر) عند شرح قول المحقق ومن لا يحسنها اى الفاتحة يجب عليه التعلم وظاهر المتن وغيره ايجابه عليه عينا لا تخييرا بينه وبين الائتمام ولا يخفى ان المسألة محل بحث وخلاف وان اردت الاطلاع تفصيلا فراجع الى كلماتهم فى الكتب الفقهية فى باب الجماعة.

٣٢٦

(قوله لانه يقوم مقام القراءة اختيارا الخ) توضيحه ان البدل على قسمين (اختيارى) كما فى خصال الكفارة المخيرة فان كل واحد منها بدل عن الاخرى فى حال الاختيار(واضطرارى) كالتيمم بالنسبة الى الوضوء والغسل عند فقدان الماء ومن لوازم الاول جواز فعله مع القدرة على المبدل ومن لوازم الثانى عدمه وقد اشار الى ما ذكر جماعة منهم السيد المرتضى ره فى الذريعة والعلامة فى النهاية وعلى هذا فالبدل الاختيارى فى عرض المبدل والاضطرارى فى طوله فاذا دار الامر بين المبدل الناقص والبدل الاختيارى فالحكمة تقتضى تقديم الثانى اذ المفروض انه فى عرض المبدل الكامل التام ولا شك فى تقدمه على ناقصه فكذا ما يكون فى عرضه بل يمكن القول بتقديم البدل الاضطرارى ايضا على المبدل الناقص فى صورة دوران الامر بينهما كما هو احد الوجهين عند الشيخ قدس‌سره على ما سيصرح به فى مسائل الاجزاء والشروط نظرا الى ان مقتضى البدلية كونه بدلا عن التام فيقدم على الناقص كالمبدل.

(ومن هنا ذكر الفقهاء) فى مسئلة من وجب عليه صوم شهرين متتابعين انه لو عجز صام ثمانية عشر يوما ولا يصوم ازيد منها وان قدر عليه فان مقتضى تعذر المبدل اشتغال الذمة بالبدل فهو فى حكمه فكانه يفرض اصلا حينئذ ولذا ذكروا فى المسألة المذكورة انه مع العجز عن صوم ثمانية عشر يتصدق عن كل يوم بمدّ بعدد تلك الايام لا بعدد ايام الستين التى هى الاصل وان قيل بالثانى ايضا لكنه ضعيف (وكيف كان) فمن جملة من صرح بتقديم الايتمام على قراءة ما يحسن المصلى من الفاتحة هو الشهيد الثانى ره فى الروضة بل صرح بتقديم متابعة القارى او القراءة من المصحف ايضا ولعله من جهة الاقربية الى المبدل بل قد قيل انه بدل اختيارى وان استقرب ره اختصاصه بالنافلة.

(قوله والمنشأ ان قراءة الامام بدل او مسقط) اقول ان الفرق بين البدل والمسقط ظاهر فان البدلية تقتضى ان تكون من افراد الواجب التخييرى بخلاف المسقطية اذ لا ملازمة بين اسقاط الشىء ووجوبه ولذا حقق فى محله ان الاسقاط

٣٢٧

يحصل بفعل الحرام ايضا من غير ان يتصف بالوجوب ليلزم اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنهى فى شىء واحد كما فى الركوب على الدابة المغصوبة فى طريق الحج

(ومن هنا فرق بعض المحققين) بين اسقاط الواجب وادائه والامتثال بفعله بان الاول اعم مطلقا من الثالث فان امتثال الامر هو اداء المأمور به من جهة امر الامر به ولا يتحقق ذلك بفعل الحرام قطعا لعدم امكان تعلق الامر به واداء الواجب انما يكون بالاتيان بالفعل المأمور به سواء اتى به من جهة موافقة الامر او لغيره من الجهات ولا يمكن حصول ذلك بفعل المحرم ايضا لعين ما ذكر واسقاط الواجب يحصل بكل من الوجهين فعلم مما ذكر ان النسبة بين المسقط والبدل هى العموم المطلق فان فراغ الذمة عن الواجب بالبدل داخل فى عنوان الامتثال او الاداء فتامل.

(قوله والمسألة محتاجة الى التامل) قيل يمكن ان يكون وجه التامل اشارة الى كون الايتمام واجبا تخييريا لا تعيينيا وان بدلية قراءة الامام عن قراءة المأموم لا ينافى بدلية سورة اخرى او الذكر عن قراءته او هو اشارة الى التأمل فى كون قراءة الامام بدل او مسقط او الى التأمل فى تحقق العجز فيما نحن فيه وعدمه.

(قوله ثم ان الكلام فى الشك فى الوجوب الكفائى الخ) اقول ان المسألة التى تعرض لها الشيخ قدس‌سره فى اول التنبيه الثالث فيما لو دار حكم الشىء بين الوجوب التخييرى والاباحة.

(واما الشك فى الوجوب الكفائى) فله صور(الاولى) ان يكون الامر دائرا بين الوجوب الكفائى والاباحة كما لو شك ابتداء فى ان حفظ مال الغائب يجب على الوجه الكفائى ام لا فمقتضى الاصل فيه هى البراءة عن وجوبه لان الوجوب الكفائى كالوجوب العينى فى تعلقه بذمة كل واحد من افراد المكلفين.

(وانما الفرق) بينهما من حيث ان الموضوع فى الواجب الكفائى ينتفى بامتثال احد المكلفين دون الوجوب العينى واما بالنسبة الى اصل توجه التكليف الى كل واحد من افراد المكلفين فلا فرق بين الوجوب الكفائى والعينى.

٣٢٨

(الثانية) ان يعلم الوجوب وشك فى كونه عينيا او كفائيا كالوجوب المتعلق باولياء الميت فى الامور المتعلقة به وكوجوب رد السلام على المصلى اذا سلم وارد على جماعة يكون المصلى منهم وشك ان المسلم اراد الجميع الذين من جملتهم المصلى فيكون واجبا عليه ايضا بالوجوب الكفائى او اراد غيره فلا اشكال فى جريان اصل البراءة بالنسبة الى المصلى (قال بعض المحشين) بناء على جريان اصل البراءة بالنسبة الى المصلى ان قول الشيخ قده يظهر مما ذكرنا اراد به خلاف ظاهره لان ما ذكره سابقا عدم جريان اصالة البراءة فى الشك فى الوجوب التخييرى لا جريانه وما يظهر من بعض المحشين من تطبيق العبارة على عدم جريان اصالة البراءة فى المثال جريا للكلام على الظاهر سهو منه انتهى.

(الثالثة) ما كان الحكم معلوما والشبهة موضوعية كما اذا شك المصلى فى كونه مقصودا بالسلام حتى يجب عليه الرد كفاية ام لا قيل هذا الفرض خارج عن محل الكلام لان الفرض فيما كانت الشبهة حكمية وكيف كان فالحكم فيها ايضا هو البراءة فافهم.

٣٢٩

(المسألة الثانية) فيما اشتبه حكمه الشرعى من جهة اجمال اللفظ كما اذا قلنا باشتراك لفظ الامر بين الوجوب والاستحباب او الاباحة والمعروف هنا عدم وجوب الاحتياط وقد تقدم عن المحدث العاملى فى الوسائل انه لا خلاف فى نفى الوجوب عند الشك فى الوجوب ويشمله ايضا معقد اجماع المعارج لكن تقدم من المعارج ايضا عند ذكر الخلاف فى وجوب الاحتياط وجود القائل بوجوبه هنا وقد صرح صاحب الحدائق تبعا للمحدث الأسترآباديّ بوجوب التوقف والاحتياط هنا قال فى الحدائق بعد ذكر وجوب التوقف ان من يعتمد على اصالة البراءة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب وفيه اولا منع جواز الاعتماد على البراءة الاصلية فى الاحكام الشرعية وثانيا ان مرجع ذلك الى ان الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة ومن المعلوم ان احكام الله تعالى تابعة للمصالح ولحكم الخفية ولا يمكن ان يقال ان مقتضى المصلحة موافقة البراءة الاصلية فانه رجم بالغيب وجرأة بلا ريب انتهى وفيه ما لا يخفى فان القائل بالبراءة الاصلية ان رجع اليها من باب حكم العقل بقبح العقاب من دون البيان فلا يرجع ذلك الى دعوى كون حكم الله هو الاستحباب فضلا عن تعليل ذلك بالبراءة الاصلية وان رجع اليها بدعوى حصول الظن فحديث تبعية الاحكام للمصالح وعدم تبعيتها كما عليه الاشاعرة اجنبى عن ذلك اذ الواجب عليه اقامة الدليل على اعتبار هذا الظن المتعلق بحكم الله الواقعى الصادر عن المصلحة اولا عنها على الخلاف.

(المسألة الثانية) من الشبهة الوجوبية الحكمية فيما اشتبه حكمه الشرعى من جهة اجمال اللفظ كالقول بان لفظ الامر مشترك بين الوجوب والاستحباب او الاباحة والمعروف عند الاعلام عدم وجوب الاحتياط.

(قال المحدث الحر العاملى) فى باب القضاء من الوسائل انه لا خلاف فى نفى الوجوب عند الشك فى الوجوب إلّا اذا علمنا اشتغال الذمة بعبادة معينة وحصل الشك بين الفردين كالقصر والاتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد او اثنين ونحو ذلك فانه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معا للنص وتحريم الجزم بوجوب احدهما لا بعينه عملا باحاديث الاحتياط انتهى موضع الحاجة

٣٣٠

(وقال المحدث البحرانى) فى المقدمة الرابعة من الحدائق بعد القطع برجحان الاحتياط وبعد تقسيمه الى قسمين اى الواجب والاستحباب اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحتياط قد يكون متعلقا بنفس الحكم الشرعى وقد يكون متعلقا بجزئيات الحكم الشرعى وافراد موضوعه (وكيف كان) فقد يكون الاحتياط بالفعل وقد يكون بالترك وقد يكون بالجمع بين الافراد المشكوك فيها ولنذكر جملة من الامثلة يتضح بها ما اجملناه ويظهر منها ما قلناه.

(فمن الاحتياط) الواجب فى الحكم الشرعى المتعلق بالفعل ما اذا اشتبه الحكم من الدليل بان تردد بين احتمالى الوجوب والاستحباب فالواجب التوقف فى الحكم والاحتياط بالاتيان بذلك الفعل ومن يعتمد على اصالة البراءة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب (وفيه اولا) ما عرفت من عدم الاعتماد على البراءة الاصلية فى الاحكام الشرعية(وثانيا) ان ما ذكروه يرجع الى ان الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة الاصلية ومن المعلوم ان احكامه تعالى تابعة للحكم والمصالح المنظورة له تعالى وهو اعلم بها ولا يمكن ان يقال مقتضى المصلحة موافقة البراءة الاصلية فانه رجم بالغيب وجرأة بلا ريب.

(ومن هذا القسم ايضا) ما تعارضت فيه الاخبار على وجه يتعذر الترجيح بينها بالمرجحات المنصوصة فان مقتضى الاحتياط التوقف عن الحكم ووجوب الاتيان بالفعل متى كان مقتضى الاحتياط ذلك.

فان قيل ان الاخبار فى الصورة المذكورة قد دل بعضها على الارجاء وبعضها على العمل من باب التسليم قلنا هذا ايضا من ذلك فان التعارض المذكور مع عدم ظهور مرجح لاحد الطرفين ولا وجه يمكن الجمع به فى البين مما يوجب دخول الحكم المذكور فى المتشابهات المأمور فيها بالاحتياط وسيأتى ما فيه مزيد بيان لذلك.

(ومن هذا القسم ايضا) ما لم يرد فيه نص من الاحكام التى لا تعم بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الاصلية فان الحكم فيه ما ذكر كما سلف

٣٣١

بيانه فى مسئلة البراءة الاصلية.

ومن الاحتياط الواجب فى الحكم الشرعى لكن بالترك ما اذا تردد الفعل بين كونه واجبا او محرما فان المستفاد من الاخبار ان الاحتياط هنا بالترك انتهى محل الحاجة من كلامه ره.

(وممن يظهر منه) وجوب الاحتياط المحدث الأسترآباديّ حيث قال فى الفوائد المدنية ان التمسك بالبراءة الاصلية من حيث هى هى انما يجوز قبل اكمال الدين واما بعد ان كمل الدين وتواترت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم‌السلام بان كل واقعة تحتاج اليها الامة الى يوم القيمة وكل واقعة تقع فيها الخصمة بين اثنين ورد فيها خطاب قطعى من قبل الله تعالى حتى ارش الكف فلا يجوز قطعا وكيف يجوز فقد تواترت الاخبار عنهم عليهم‌السلام بوجوب التوقف فى كل وقعة لم نعلم حكمها معللين بانه بعد ان كمل الدين لا تخلو واقعة عن حكم قطعى وارد من الله تعالى وبان من حكم بغير ما انزل الله تعالى (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).

(ثم اقول) هذا المقام مما زلت فيه اقدام اقوام من فحول الاعلام فحرىّ بنا تحقق المقام فنوضحه بتوفيق الملك العلام ودلالة اهل الذكر عليهم‌السلام فنقول التمسك بالبراءة الاصلية انما يتم عند الاشاعرة المنكرين للحسن والقبح الذاتيين وكذلك انما يتم عند من يقول بهما ولا يقول بالوجوب والحرمة الذاتيين وهو المستفاد من كلامهم عليهم‌السلام وهو الحق عندى ثم على هذين المذهبين انما يتم قبل اكمال الدين لا بعده الا على مذهب من جوز من العامة خلو واقعة عن حكم وارد من الله تعالى (لا يقال) بقى هنا اصل آخر وهو ان يكون الخطاب الذى ورد من الله تعالى موافقا للبراءة الاصلية.

(لانا نقول) هذا الكلام مما لا يرضى به لبيب لان خطابه تعالى تابع للحكم والمصالح ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة قد يكون ايجابا وقد يكون تحريما وقد يكون تخييرا وقد يكون غيرها لا يعلمها إلّا هو جل جلاله ونقول هذا الكلام فى قبحه نظير ان يقال الاجسام تساوى نسبة طبائعها الى جهة السفل والعلو ومن المعلوم

٣٣٢

بطلان هذا المقال.

(ثم اقول) الحديث المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الامور فى ثلاثة امر بيّن رشده وامر بيّن غيّه وشبهات بين ذلك وحديث دع ما يريبك الى ما لا يريبك ونظائرهما اخرج كل واقعة لم يكن حكمها بينّا عن البراءة الاصلية واوجب التوقف فيها انتهى.

(قوله الى ان حكم الله هو الاستحباب) بل يرجع الى عدم المنع فى الظاهر واباحة الترك فيه لا ان حكم الله الواقعى هو الاستحباب.

(قوله على الخلاف) يعنى على الخلاف بين الاشاعرة وغيرهم حيث انهم يقولون بعدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ويقولون بالارادة الجزافية وجواز الترجيح من غير مرجح بخلاف غيرهم.

٣٣٣

(وبالجملة) فلا ادرى وجها للفرق بين ما لا نص فيه وبين ما اجمل فيه النص سواء قلنا باعتبار هذا الاصل من باب حكم العقل او من باب الظن حتى لو جعل مناط الظن عموم البلوى فان عموم البلوى فيما نحن فيه يوجب الظن بعدم قرينة الوجوب مع الكلام المجمل المذكور وإلّا لنقل مع توفر الدواعى بخلاف الاستحباب لعدم توفر الدواعى على نقله ثم ان ما ذكرنا من حسن الاحتياط جار هنا والكلام فى استحبابه شرعا كما تقدم نعم الاخبار المتقدمة فيمن بلغه الثواب لا يجرى هنا لان الامر لو دار بين الوجوب والاباحة لم يدخل فى مواردها لان المفروض احتمال الاباحة فلا يعلم بلوغ الثواب وكذا لو دار بين الوجوب والكراهة ولو دار بين الوجوب والاستحباب لم يحتج اليها والله العالم.

(الحاصل) لا فرق فى جريان اصالة البراءة فى الشبهة الوجوبية الحكمية بين ما لا نص فيه وبين ما اجمل فيه النص سواء قلنا باعتبار هذا الاصل من باب حكم العقل او من باب الظن حتى لو جعل مناط الظن عموم البلوى فان عموم البلوى فيما نحن فيه يوجب الظن بعدم قرينة الوجوب مع الكلام المجمل المذكور وإلّا لنقل مع توفر الدواعى بخلاف الاستحباب لعدم توفر الدواعى على نقله مضافا الى التسامح فى ادلته كما تقدم البحث عنه فى البحث عن اخبار من بلغ بخلاف الاحكام الالزامية من الوجوب والحرمة فلا بد فى اثباتهما من الدليل المعتبر.

(ولا يخفى عليك) ان عدّ اصالة البراءة التى هى بمعنى الخلو والفراغ من مطلق التكليف المشكوك فيه من الادلة العقلية لعله بملاحظة مدركه فى وجه وهو ان العقل بملاحظة قبح التكليف بلا بيان وقبح العقاب من دون اقامة البرهان يحكم بخلو ذمة المكلف الشاك فى الحكم الواقعى بوصف كونه شاكا عن التكليف الالزامى المشكوك فيه من ايجاب او تحريم.

(ثم الفرق بين هذا الاصل واصالة الاباحة) على ما تعرّض له بعض المحققين

٣٣٤

ان اصل الاباحة اخص منه بحسب المورد لجريان اصل البراءة فيما يحتمل الاباحة وفيما لا يحتمله سواء كان عدم احتماله لها فى نفسه كما فى العبادة او لقيام دليل على نفيها بالخصوص كما فى الدخول على سوم المؤمن بخلاف اصل الاباحة فانه لا يجرى إلّا حيث يحتمل الاباحة.

(والفرق) بينه وبين الاصل الآخر المعروف بينهم من ان عدم الدليل دليل العدم هو ان الثانى اعم باعتبار جريانه فى الحكم الوضعى دون الاول كما ان الاول اعم باعتبار جريانه فى الموضوعات دون الثانى فالنسبة بينهما عموم من وجه وان خصصنا اصل البراءة بنفى الوجوب والتحريم او بنفى الاول فالفرق اظهر.

(وجعل الشهيد فى الذكرى) مرجع الثانى الى الاول وهو غير واضح واستظهر بعض المتأخرين فى الفرق بينهما ان المقصود بالاول نفى الحكم الظاهرى وبالثانى نفى الحكم الواقعى وضعفه ظاهر فان مقتضى الاصلين فى نفسهما ليس إلّا النفى فى الظاهر.

(وذكر البعض من الاعلام) فى الفرق بينهما ان الاصل الثانى لنفى الحكم عن الموضوعات العامة والاول لنفيه عن الموضوعات الخاصة يعنى لنفى تعلقه بخصوص ذمة آحاد المكلفين وهذا القول ايضا لا يخلو من الضعف.

(قوله وكذا لو دار الامر بين الوجوب والكراهة) اذ يشك فيه ايضا فى بلوغ الثواب ويمكن فرض الدوران بينهما فيما اذا كان بيان الحكم بالجملة الخبرية وان فرضنا بيان الحكم بلفظ افعل وما فى معناه يشكل الدوران المذكور وان امكن استعماله فى التحريم من جهة وروده فى مقام التهديد فيكون الامر دائر بين الوجوب والتحريم على الفرض المذكور.

(قوله لم يحتج اليها) لان اصل الرجحان تعيّني وكذلك الثواب بناء على كون منشئه هو القدر الجامع بين الوجوب والندب اعنى مطلق الرجحان واما اثبات الاستحباب الشرعى فلا يمكن باصالة نفى الوجوب ولا باصالة البراءة عنه بناء على

٣٣٥

عدم حجية اصل المثبت ولا باخبار من بلغ عنده قدس‌سره لما تقدم من عدم اثباتها الا استحباب الفعل بعنوان الرجاء لا من حيث هو والفرق بين استحباب اصل الفعل وبين مطلق الرجحان انه على التقدير الاول يترتب الحكم الخاص المترتب على خصوص استحباب الفعل من حيث هو بخلاف الثانى والله العالم.

٣٣٦

(المسألة الثالثة) فيما اشتبه حكمه الشرعى من جهة تعارض النصين وهنا مقامات لكن المقصود هنا اثبات عدم وجوب التوقف والاحتياط والمعروف عدم وجوبه هنا وما تقدم فى المسألة الثانية من نقل الوفاق والخلاف آت هنا وقد صرح المحدثان المتقدمان بوجوب التوقف والاحتياط هنا ولا مدرك له سوى اخبار التوقف التى قد عرفت ما فيها من قصور الدلالة على الوجوب فيما نحن فيه مع انها اعم مما دل على التوسعة والتخيير وما دل على التوقف فى خصوص المتعارضين وعدم العمل بواحد منهما مختص ايضا بصورة التمكن من ازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام واما رواية غوالى اللئالى المتقدمة الآمرة بالاحتياط وان كانت اخص منها إلّا أنّك قد عرفت ما فيها مع امكان حملها على صورة التمكن من الاستعلام ومنه يظهر عدم جواز التمسك هنا بصحيحة ابن الحجاج المتقدمة الواردة فى جزاء الصيد بناء على استظهار شمولها باعتبار المناط لما نحن فيه ومما يدل على الامر بالتخيير فى خصوص ما نحن فيه من اشتباه الوجوب بغير الحرمة التوقيع المروى فى الاحتجاج عن الحميرى حيث كتب الى الصاحب عجل الله فرجه يسألني بعض الفقهاء عن المصلى اذا قام من التشهد الاول الى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض اصحابنا قال لا يجب عليه تكبيرة ويجوز ان يقول بحول الله وقوته اقوم واقعد.

(المسألة الثالثة) من الشبهة الحكمية الوجوبية فيما اشتبه حكمه الشرعى من جهة تعارض النصين والحكم فيها ايضا هى البراءة كما فى صورة فقدان النص او اجماله (والبحث هنا) من جهات وهى انه هل يكون مقتضى الاصل فى المتعارضين التوقف والرجوع الى الاصل الموافق لاحدهما لا المخالف او الاحتياط او الرجوع الى التخيير العقلى او التساقط الرأسى والرجوع الى الاصل مطلقا ومع ملاحظة الاخبار هل يحكم بالترجيح او التخيير الشرعى الظاهرى مع عدمه ام لا وان التخيير على القول به ابتدائى او استمرارى وان ملاحظة الترجيح لازم او مستحب على الخلاف المذكور بيانها فى مسئلة التعادل والترجيح (ولكن المقصود) هنا اثبات

٣٣٧

عدم وجوب التوقف والاحتياط لا بيان ساير المقامات المذكورة.

(والمعروف هنا) ايضا عدم وجوب الاحتياط والتوقف فان المناط فى جريان اصالة البراءة انما هو فقد الحجة على التكليف فلا يفرق فيها بين ان لا يكون فى المسألة نص اصلا او كان ولكنه سقط عن الحجية بالمعارضة.

(وقد يستدل) على الاحتياط بما فى غوالى اللئالى من مرفوعة العلامة الى زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام من قوله بعد ذكر المرجحات وفرض الراوى تساوى الخبرين فى جميع ما ذكره الامام عليه‌السلام من المرجحات فخذ الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط.

(وهذه الرواية) وان كانت اخص من اخبار التخيير من جهة ان الحكم بالتخيير فيها بعد تعذر الاحتياط إلّا انها ضعيفة السند وقد طعن صاحب الحدائق فيها وفى كتاب الغوالى وصاحبه فقال ان الرواية المذكورة لم نقف عليها فى غير كتاب الغوالى مع ما هى عليها من الارسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه الى التساهل فى نقل الاخبار والاهمال وخلط غثّها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور انتهى.

(هذا) مضافا الى امكان حملها على صورة التمكن من الاستعلام (ومنه) اى من امكان الحمل على صورة التمكن من الاستعلام يظهر عدم جواز التمسك هنا بصحيحة ابن الحجاج المتقدمة الواردة فى جزاء الصيد بناء على استظهار شمولها باعتبار المناط لما نحن فيه ويدل على حملها على الصورة المذكورة قوله عليه‌السلام فى الصحيحة اذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا فانه يدل على التمكن من تحصيل العلم بالسؤال عن الامام عليه‌السلام.

(قوله وقد صرح المحدثان المتقدمان) الظاهران المراد منهما المحدث البحرانى والمحدث الاسترآبادى فانهما صرحا بوجوب التوقف والاحتياط هنا ولا مدرك له سوى اخبار التوقف التى قد عرفت ما فيها من قصور الدلالة على الوجوب اذ قد عرفت لزوم حمل اخبار التوقف على القدر المشترك الارشادى فلا دلالة فيها

٣٣٨

على وجوبه فى الشبهات الابتدائية لعدم دلالة العام على الخاص باحدى الدلالات الثلاث مع ان اخبار التوقف اعم مما دل على التوسعة والتخيير لشمولها لمورد التعارض وغيره واختصاص اخبار التخيير بالاول فقط وما دل على التوقف فى خصوص المتعارضين وعدم العمل بواحد منهما مختص ايضا بصورة التمكن من ازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام.

(قوله بناء على استظهار شمولها باعتبار المناط) اقول وجه الاستظهار مع ان الصحيحة واردة فيما لا نص فيه ان الوجه فى الحكم بالاحتياط فيه هو مطلق الشك وعدم العلم بالحكم الشرعى سواء كان السبب فيه عدم النص او تعارض النصين وهذا هو المراد بقوله باعتبار المناط.

(قوله ومما يدل على الامر بالتخيير الخ) اقول ان التوقيع المروى غير معمول به بين الاصحاب سوى المفيد ره حيث افتى بوجوب التكبير عند القيام من التشهد الاول كما هو مورد السؤال وقضية الحديث الاول وفى الذكرى لا نعلم له مأخذ ولعل المأخذ هو المكاتبة وكيف كان ان الاستدلال بهذا الخبر على المسألة الاصولية لا يخلو عن اشكال فافهم.

٣٣٩

(الجواب) فى ذلك حديثان اما احدهما فانه اذا انتقل عن حالة الى اخرى فعليه التكبير واما الحديث الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه فى القيام بعد القعود تكبير والتشهد الاول يجرى هذا المجرى وبايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا الخبر فان الحديث الثانى وان كان اخص من الاول وكان اللازم تخصيص الاول به والحكم بعدم وجوب التكبير إلّا ان جوابه صلوات الله وسلامه عليه بالاخذ باحد الخبرين من باب التسليم يدل على ان الحديث الاول نقله الامام عليه‌السلام بالمعنى واراد شموله لحالة الانتقال من القعود الى القيام بحيث لا يتمكن ارادة ما عدا هذا الفرد منه فاجاب عليه‌السلام بالتخيير ثم ان وظيفة الامام عليه‌السلام وان كانت ازالة الشبهة عن الحكم الواقعى إلّا ان هذا الجواب لعله طريق تعليم العمل عند التعارض مع عدم وجوب التكبير عنده فى الواقع وليس فيه الاغراء بالجهل من حيث قصد الوجوب فيما ليس بواجب ولعله لاجل كفاية قصد القربة وكيف كان فاذا ثبت التخيير بين دليلى وجوب الشىء على وجه الجزئية وعدمه ثبت فيما نحن فيه من تعارض الخبرين فى ثبوت التكليف المستقل بالاجماع والاولوية القطعية ثم ان جماعة من الاصوليين ذكروا فى باب التراجيح الخلاف فى ترجيح الناقل او المقرر وحكى عن الاكثر ترجيح الناقل وذكروا تعارض الخبر المفيد للوجوب والمفيد للاباحة وذهب جماعة الى ترجيح الاول وذكروا تعارض الخبر المفيد للاباحة والمفيد للحظر وحكى عن الاكثر بل الكل تقديم الحاظر ولعل هذا كله مع قطع النظر عن الاخبار.

(اقول) كتب الامام عليه‌السلام فى الجواب عن السؤال المذكور ان فى ذلك حديثين (اما احدهما) فانه اذا انتقل عن حالة الى اخرى فعليه التكبير(واما الحديث) الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه فى القيام بعد القعود تكبير والتشهد الاول يجرى هذا المجرى (يعنى) ان القيام من التشهد ايضا قيام بعد الجلوس من السجدة الثانية فتشمله الرواية الثانية وبايّهما

٣٤٠