درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

(ولكن التحقيق) ان دليل تلك الامارة وان لم يكن كالدليل العلمى رافعا لموضوع الاصل إلّا انه نزل شرعا منزلة الرافع فهو حاكم على الاصل لا مخصص له كما سيتضح إن شاء الله تعالى على ان ذلك انما يتم بالنسبة الى الادلة الشرعية واما الادلة العقلية القائمة على البراءة والاشتغال فارتفاع موضوعها بعد ورود الادلة الظنية واضح لجواز الاقتناع بها فى مقام البيان وانتهاضها رافعا لاحتمال العقاب كما هو ظاهر واما التخيير فهو اصل عقلى لا غير كما سيتضح إن شاء الله تعالى.

(حاصل ما ذكره قدس‌سره) فى التحقيق ان الدليل الظنى وان لم يكن رافعا لموضوع الاصل كالدليل العلمى إلّا ان الشارع نزّله منزلة الرافع فعلى هذا التنزيل يكون الدليل الظنى المعارض للاصل بملاحظة دليل اعتباره حاكما على الاصل لا مخصصا له لان مثل قوله صدق العادل معناه ترتيب آثار الواقع على خبره وعدم الاعتناء باحتمال العدم (ولا شك) ان معنى الاعتناء باحتمال العدم هو الرجوع الى الاصول فيكون معنى عدم الاعتناء باحتمال العدم عدم الرجوع الى الاصول فيكون بهذا الاعتبار شارحا ومفسرا وهو معنى الحكومة على ما تقدم تفسيرها فى اول البراءة وسيأتى شرحه مفصلا عن الشيخ قدس‌سره فى باب التعادل والتراجيح فعلى البيان المذكور يكون جميع التنزيلات الشرعية مقدمة على الاصول.

(على ان ذلك انما يتم) يعنى عدم كون الدليل الظنى واردا على الاصول انما يتم بالنسبة الى الاصول الشرعية لبقاء موضوعها لان المراد من الشك المأخوذ فى مواردها هو معناه الاعم الشامل لصورة الظن بالخلاف لكنه حاكم عليها لدلالة ما دل على اعتباره على كون المراد من الشك غير ما قام الدليل فيه على خلاف الاصل (والمراد) من الاصول الشرعية الاصول التى يكون حجيتها من باب التعبد الشرعى كالاستصحاب بناء على اعتباره من باب الاخبار وكذلك البراءة اذا قلنا بحجيته من باب الاخبار لا من باب العقل كما هو مذهب بعض.

(واما الاصول العقلية) بناء على كون حجيتها من جهة حكم العقل كالبراءة

٢١

من باب قاعدة قبح العقاب بلا بيان وكالاشتغال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل وكون الاخبار الواردة فيهما من باب التقرير والامضاء فيكون الدليل واردا عليها مطلقا علميا كان او ظنيا لارتفاع موضوع اصل البراءة والاشتغال به اذ لا يكون العقاب بلا بيان فى مورد البراءة لان الدليل الظنى مع فرض اعتباره يكون بيانا ولا يجرى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فى مورد الاشتغال مع قيام الدليل الظنى على خلافها.

(قوله واما التخيير فهو اصل عقلى لا غير) مراده قدس‌سره من ان التخيير اصل عقلى صورة دوران الامر بين المحذورين اى الوجوب والتحريم وانما المشهور فيه الرجوع الى التخيير بحكم العقل من جهة وجوب الالتزام بحكم الله الواقعى فلما لم يكن الالتزام به تعيينا وجب الالتزام به تخييرا ولما كان اصلا عقليا فيكون الدليل الغير العلمى المطابق لاحد طرفى التخيير واردا ورافعا لموضوعه كسائر الاصول العقلية التى مرت الاشارة اليها.

٢٢

(واعلم) ان المقصود بالكلام فى هذا المقصد الاصول المتضمنة لحكم الشبهة فى الحكم الفرعى الكلى وان تضمنت حكم الشبهة فى الموضوع ايضا وهى منحصرة فى اربعة : اصل البراءة واصل الاحتياط والتخيير والاستصحاب ، بناء على كونه حكما ظاهريا ثبت التعبدية من الاخبار اذ بناء على كونه مفيدا للظن يدخل فى الامارات الكاشفة عن الحكم الواقعى واما اصول المشخصة لحكم الشبهة فى الموضوع كاصالة الصحة واصالة الوقوع فيما شك فيه بعد تجاوز المحل فلا يقع الكلام فيها الا لمناسبة يقتضيها المقام.

(يعنى) ان الغرض من البحث فى هذا المقصد هو التعرض لحال الاصول الحكمية اى ما يجرى فى الشبهات الحكمية وان جرت فى الشبهات الموضوعية ايضا كالاصول الاربعة فانها جارية فى الشبهة الحكمية والموضوعية كليهما.

(واما الاصول الموضوعية الصرفة) فليست مقصودة بالبحث فان وقع فيها كلام فليس إلّا لمناسبة يقتضيها المقام والمراد منها ما لا يجرى إلّا فى الشبهات الموضوعية كاصالة الصحة فى فعل الغير وفى فعل النفس ونحوهما بناء على اعتبارهما من باب التعبد.

(والاصول المتضمنة) لحكم الشبهة فى الحكم الفرعى الكلى منحصرة فى فى اربعة اصل البراءة واصل الاحتياط والتخيير والاستصحاب واصالة الاباحة هل هى اصل برأسه او راجعة الى البراءة قيل انها اصل مستقل فى قبال اصل البراءة(والفرق بينهما) من وجوه منها ان اصالة الاباحة فى مقام نفى احتمال التحريم واصالة البراءة فى مقام نفى احتمال الوجوب ومنها ان التكلم فى اصالة الاباحة من حيث حكم العقل وفى اصالة البراءة من حيث حكم الشرع ومنها ان التكلم فى اصالة الاباحة من حيث حكم الواقعى وفى اصالة البراءة من حيث الحكم الظاهرى الى غير ذلك مما ذكروه من وجوه الفرق بينهما ولكن قال بعض الاعاظم ان اصالة الاباحة قسما من اصالة البراءة وكذا اصالة الحل فانها ايضا من اقسام اصالة البراءة والفرق بينها واصالة الاباحة انها تستعمل فى مقابل احتمال الحرمة فى الشبهات الموضوعية واصالة الاباحة تستعمل فى قبال احتمال الحرمة فى الشبهات الحكمية.

٢٣

ثم ان انحصار موارد الاشتباه فى الاصول الاربعة عقلى لان حكم الشك اما ان يكون ملحوظا فيه اليقين السابق عليه واما ان لا يكون سواء لم يكن يقين سابق عليه ام كان ولم يلحظ (والاول) هو مورد الاستصحاب (والثانى) اما ان يكون الاحتياط فيه ممكنا ام لا والثانى هو مورد التخيير والاول اما ان يدل دليل عقلى او نقلى على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول واما ان لا يدل والاول مورد الاحتياط والثانى مورد البراءة (وقد ظهر) مما ذكرنا ان موارد الاصول قد تتداخل لان المناط فى الاستصحاب ملاحظة الحالة المتيقنة السابقة ومدار الثلاثة الباقية على عدم ملاحظتها وان كانت موجودة (ثم) ان تمام الكلام فى الاصول الاربعة يحصل باشباعه فى مقامين احدهما حكم الشك فى الحكم الواقعى من دون ملاحظة الحالة السابقة الراجع الى الاصول الثلاثة الثانى حكمه بملاحظة الحالة السابقة وهو الاستصحاب.

(اقول) ان الشيخ قدس‌سره قد عبّر بالعبائر الثلاثة فى تشخيص مجارى الاصول الاولى والثانية منها فى اول القطع احداهما فى المتن والاخرى فى الحاشية وثالثها فى المقام وان كان كلها لا يخلو عن المناقشات وقد تعرضنا لها تفصيلا فى الجزء الاول من التعليقة فلا نطيل بالاعادة إلّا ان ما افاده فى المقام فى بيان مجارى الاصول اقل مناقشة مما افاده فى الجزء الاول من الكتاب فى بيانها فكيف كان.

(ان انحصار) موارد الاشتباه فى الاصول الاربعة عقلى لان الحصر على قسمين اما عقلى وهو الدائر بين النفى والاثبات واما استقرائى يحصل من تتبع الموارد واستقرائها والحصر هاهنا من القسم الاول وقد تقدم بيانه فى اول الكتاب.

(قوله قد تتداخل موارد الاصول) اقول انه قد سبق الى بعض الاوهام ان المراد من تداخل الاصول جريان الاصلين فى مورد واحد وان لم يكونا متصادقين فيجرى الاستصحاب فى مورد جريان البراءة والاشتغال (وفيه) انه كيف يمكن جريان الاصلين فى مورد واحد والحال انه يعتبر فى مورد جريان الاستصحاب ترتب الحكم على المشكوك وفى جريان ساير الاصول ترتب الحكم على الشك

٢٤

او ما ينطبق عليه بل المراد مجرد جريان ساير الاصول فيما تفرض فيه الحالة السابقة وان اعتبر فى جريانها عدم ترتب الحكم على المشكوك بل على الشك او ما ينطبق عليه قد تعرض لهذا التوهم ودفعه صاحب بحر الفوائد فى شرح الفرائد قدس‌سره.

ثم ان تمام الكلام والبحث فى الاصول الاربعة يحصل باشباع الكلام فى مقامين احدهما حكم الشك فى الحكم الواقعى من دون ملاحظة الحالة السابقة الراجع الى الاصول الثلاثة الثانى حكم الشك بملاحظة الحالة السابقة وهو

٢٥

(اما المقام الاول) فيقع الكلام فيه فى موضعين لان الشك اما فى نفس التكليف وهو النوع الخاص من الالزام وان علم جنسه كالتكليف المردد بين الوجوب والتحريم واما فى متعلق التكليف مع العلم بنفسه كما اذا علم وجوب شىء وشك بين تعلقه بالظهر والجمعة او علم وجوب فائتة وتردد بين الظهر والمغرب (والموضع الاول) يقع الكلام فيه فى مطالب لان التكليف المشكوك فيه اما تحريم مشتبه بغير الوجوب واما وجوب مشتبه بغير التحريم واما تحريم مشتبه بالوجوب وصور الاشتباه كثيرة وهذا مبنى على اختصاص التكليف بالالزام او اختصاص الخلاف فى البراءة والاحتياط به ولو فرض شموله للمستحب والمكروه يظهر حالهما من الواجب والحرام فلا حاجة الى تعميم العنوان.

(اقول) مراده من المقام الاول حكم الشك فى الحكم الواقعى من دون لحاظ الحالة السابقة الراجع الى الاصول الثلاثة اى البراءة والاحتياط والتخيير(ويقابله) المقام الثانى وهو حكم الشك بملاحظة الحالة السابقة وهو الاستصحاب والبحث عنه يأتى فى المقام الثانى.

(واعلم ان البحث والكلام) يقع فى المقام الاول فى موضعين (الموضع الاول) فى الشك فى التكليف حيث اشار اليه بقوله لان الشك اما فى نفس التكليف الخ (والموضع الثانى) فى الشك فى المكلف به مع العلم بنوع التكليف بان يعلم الحرمة او الوجوب ويشتبه الحرام او الواجب والبحث عنه يأتى فى الموضع الثانى واشار قدس‌سره الى الموضع الثانى بقوله واما فى متعلق التكليف مع العلم بنفسه الخ.

(قوله وهو النوع الخاص من الالزام وان علم جنسه) ان المقصود من هذا القيد ادخال صورة دوران الامر بين الوجوب والحرمة فى الشك فى التكليف فان الملاك فى الشك فى التكليف هو الشك فى النوع الخاص من الحكم كالوجوب او الحرمة وان علم جنس ذلك مثلا اذا تردد الامر بين الوجوب والحرمة فالنوع

٢٦

الخاص فيه هو خصوص الوجوب او خصوص الحرمة غير معلوم وان علم ان الشارع اراد فى المقام التكليف الالزامى المردد بين الوجوب والحرمة لا الاباحة والكراهة والاستحباب او لم يعلم ذلك ايضا كما اذا احتمل ان يكون الشارع فى التكليف المردد غير الالزامى ايضا بان يكون الترديد بين الالزامى وغير الالزامى من الاباحة ونحوها.

(وكيف كان) فالشك فى التكليف هو الشك فى النوع الخاص من الالزام سواء علم الالزام ام لا فالعالم بالالزام مع الشك فى نوع خاص منه ليس عالما بالتكليف.

(قوله اذا علم وجوب شيء وشك بين تعلقه بالظهر والجمعة الخ) ان الشك فى متعلق التكليف فى المثال الاول من جهة الشبهة المرادية بمعنى انه لم يعلم مراد الشارع من وجوب الصلاة هل هو الظهر او الجمعة مع علم المكلف جنس الالزام وقد يكون الشك فى متعلق التكليف من جهة الشبهة المصداقية كما فى المثال الثانى من جهة دوران الفائتة المعلوم وجوبها بين الظهر والمغرب.

(قوله وصور الاشتباه كثيرة) اقول اما كثرة صور الاشتباه فلان الصور الثنائية فى كل من اشتباه الحرمة بغير الوجوب واشتباه الوجوب بغير الحرمة ثلث والصور الثلاثية ايضا ثلث فى كل منهما والرباعية واحدة فى كل منهما فمع انضمام اشتباه الوجوب والحرمة اليها تكون الاقسام خمسة عشر هذا على تقدير عدم ملاحظة كون كل واحد منها منقسما الى اقسام اربعة من جهة كون منشأ الاشتباه فقد النص او اجماله او تعارض النصين او اشتباه الامور الخارجية اذ تزيد الاقسام والصور بملاحظتها عما ذكر بكثيرة.

(ولما كان) المقصود بالبحث فى جميع صور الدوران من حيث البناء على البراءة ونفى الحكم الالزامى فى مرحلة الظاهر والبناء على وجوب الاحتياط ورعاية احتمال الحكم الالزامى لم يجعل الشيخ قدس‌سره لكل صورة عنوانا مستقلا.

(قوله وهذا مبنى على اختصاص التكليف بالالزام الخ) يعنى حصر

٢٧

موارد الاشتباه فى الثلاثة المتقدم ذكرها فى قوله ان التكليف المشكوك فيه اما تحريم مشتبه بغير الوجوب واما وجوب مشتبه بغير التحريم واما تحريم مشتبه بالوجوب مبنى على اختصاص التكليف بالالزام بناء على ان التكليف من الكلفة بمعنى المشقة التى لا تتأتى الا فى الواجب والحرام وان كان بحسب الاصطلاح اعم من ذلك ولذا قسموا الاحكام التكليفية الى الاحكام الخمسة المشهورة.

(قوله او اختصاص الخلاف فى البراءة والاحتياط) يعنى وان قلنا بان التكليف اعم من الالزام لكن الخلاف فى البراءة والاحتياط مخصوص بنوع من التكليف وهو التكليف الالزامى والضمير فى قوله والاحتياط به يرجع الى الالزام (وما افاده) قدس‌سره من اختصاص الخلاف بين العلماء فى البراءة والاحتياط بما هناك احتمال الالزام هو الاظهر فى نظرى القاصر لان المستفاد من كلماتهم كادلة الطرفين نقلا وعقلا اختصاصه به كما يعلم من الرجوع اليها والتأمل فيها لان حكم العقل بالبراءة مبنى على قاعده قبح العقاب بلا بيان ودفع العقاب المحتمل والادلة النقلية اكثرها صريحة فى ذلك مثل قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) الآية وقوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ) وقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وكذلك جملة من اخبار البراءة مثل قوله عليه‌السلام رفع عن امتى ما لا يعلمون وما حجب علمه عن العباد والناس فى سعة وكل شيء لك حلال وكل شيء مطلق وغيرها مما سيذكره المصنف فى الاستدلال على البراءة وكذا اخبار الاحتياط ظاهرة فى اثبات الحكم عند احتمال التهلكة فلا معنى مع ذلك لتعميم محل البحث.

(والمراد) من المستحب والمكروه فى قوله لو فرض شموله للمستحب والمكروه هما باعتبار عنوانهما فلو ابدلهما بالاستحباب والكراهة كان اولى هذا.

(قوله يظهر حالهما من الواجب والحرام) ليس غرضه قدس‌سره انه يرجع فى نفى الاستحباب او الكراهة الى اصل البراءة بل بمعنى انه اذا دار الامر بين الاباحة والاستحباب ينفى الخصوصية باصل العدم واذا دار الامر بين الاباحة والكراهة ينفى الخصوصية باصل العدم ايضا واذا دار الامر بين الاستحباب والكراهة تنفى الخصوصيتان به ايضا ويلتزم بالاباحة.

٢٨

(ثم متعلق التكليف) المشكوك اما ان يكون فعلا كليا متعلقا للحكم الشرعى الكلى كشرب التتن المشكوك فى حرمته والدعاء عند رؤية الهلال المشكوك فى وجوبه (واما ان يكون) فعلا جزئيا متعلقا للحكم الجزئى كشرب هذا المائع المحتمل كونه خمرا (ومنشأ الشك) فى القسم الثانى اشتباه الامور الخارجية (ومنشؤه) فى الاول اما عدم النص فى المسألة كمسألة شرب التتن واما ان يكون اجمال النص كدوران الامر فى قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بالتشديد والتخفيف مثلا واما ان يكون تعارض النصين ومنه الآية المذكورة بناء على تواتر القراءات وتوضيح احكام هذه الاقسام فى ضمن مطالب (المطلب الاول) دوران الامر بين الحرمة وغير الوجوب من الاحكام الثلاثة الباقية (الثانى) دوران الامر بين الوجوب وغير التحريم (الثالث) دورانه بين الوجوب والتحريم.

(حاصله) ان متعلق التكليف المشكوك قد يكون فعلا كليا متعلقا للحكم الشرعى الكلى وهو المسمى بالشبهة الحكمية كشرب التتن المشكوك فى حرمته والدعاء عند رؤية الهلال المشكوك فى وجوبه.

(واعلم) ان الشبهة تارة تكون حكمية واخرى مصداقية والمراد من الثانية ما يكون منشأ الاشتباه فيه هو الامور الخارجية واما الشبهة الحكمية فقد يكون الشك فيها فى نفس الحكم واخرى فى متعلقه.

واما ان يكون متعلق التكليف المشكوك فعلا جزئيا متعلقا للحكم الجزئى كشرب هذا المائع المحتمل كونه خمرا المسمى بالشبهة الموضوعية.

(ومنشأ الشك) فى القسم الثانى اى فى الشبهة الموضوعية هو الامور الخارجية(ومنشأ الشك فى الاول) اما عدم النص فى المسألة كمسألة شرب التتن وفى حكمه وجود النص الضعيف الغير المعتبر والمراد من النص مطلق الدليل وان كان من الظواهر.

(واما ان يكون) اجمال النص كدوران الامر فى قوله تعالى حتى يطهرن بالتشديد

٢٩

والتخفيف فانه اذا قرء يطهّرن بالتشديد يكون من التّطهر الظاهر فى الاغتسال واذا قرء بالتخفيف يكون من الطهارة الظاهرة فى النقاء فينتفى وجوب الاعتزال بعد النقاء وقبل الاغتسال على الثانى ولا ينتفى الا بعد الاغتسال على الاول فتكون الآية الشريفة مثالا لاجمال النص بناء على عدم تواتر القراءات وعدم جواز الاستدلال بكل قراءة.

(واما ان يكون) تعارض النصين ومنه الآية المذكورة بناء على تواتر القراءات بل على جواز القراءة بكل قراءة وان لم نقل بتواترها فعلى هذا تكون الآية الكريمة بمنزلة آيتين تعارضتا فلا بد من الرجوع الى القواعد المقررة فى العلاج من حمل الظاهر على الاظهر والاظهر على النص وعلى فرض التكافؤ فلا بد من الرجوع الى غيرهما من الاصول اللفظية او العملية او الحكم بالتوقف.

(ولكن) الشيخ قدس‌سره ذكر فى مبحث الظن انه يحكم فى المقام باستصحاب الحرمة قبل الاغتسال اذ لم يثبت تواتر التخفيف او بالجواز بناء على عموم قوله تعالى فأتوا حرثكم انى شئتم من حيث الزمان خرج منه ايام الحيض على الوجهين فى كون المقام من استصحاب حكم المخصص او العمل بالعموم الزمانى هذا.

(قوله وتوضيح احكام هذه الاقسام) اقول قد تعرض قدس‌سره فى الاقسام المتصورة فى الموضع الاول لتوضيح احكام ثلاثة اقسام منها اشار اليها بقوله (المطلب الاول) دوران الامر بين الحرمة وغير الوجوب من الاحكام الثلاثة الباقية المسمى بالشبهة التحريمية وفيه اربع مسائل (الاولى) فى ما لا نص فيه (الثانية) فى ما اجمل فيه النص (والثالثة) فيما تعارض فيه النصان (والرابعة) فى الشبهة الموضوعية التى كان منشأ الاشتباه فيها الامور الخارجية.

(والمطلب الثانى) دوران الامر بين الوجوب وغير التحريم المسمى بالشبهة الوجوبية وفيه ايضا اربع مسائل على الترتيب المذكور فى المطلب الاول (والمطلب الثالث) دوران الامر بين الوجوب والتحريم وفيه ايضا اربع مسائل على الترتيب المذكور ايضا.

٣٠

(فالمطلب الاول) فيما دار الامر فيه بين الحرمة وغير الوجوب وقد عرفت ان متعلق الشك تارة الواقعة الكلية كشرب التتن ومنشأ الشك فيه عدم النص او اجماله او تعارضه واخرى الواقعة لجزئية فهنا اربع مسائل  (الاولى) ما لا نص فيه وقد اختلف فيه على ما يرجع الى قولين احدهما اباحة الفعل شرعا وعدم وجوب الاحتياط بالترك والثانى وجوب الترك ويعبر عنه بالاحتياط والاول منسوب الى المجتهدين والثانى الى معظم الاخباريين وربما نسب اليهم اقوال اربعة : التحريم ظاهرا والتحريم واقعا والتوقف والاحتياط ولا يبعد ان يكون تغايرها باعتبار العنوان ويحتمل الفرق بينها وبين بعضها من وجوه أخر تأتى بعد ذكر ادلة الاخباريين.

(اعلم) ان المصنف ره قد شرع فى المقام فى البحث عن مسائل المطلب الاول وقدم منها الشبهة التحريمية وقد اختلف فيها فقهائنا الاصوليون والاخباريون على ما يرجع الى قولين (احدهما) اباحة الفعل شرعا وعدم وجوب الاحتياط بالترك (والثانى) وجوب الترك ويعبر عنه بالاحتياط والاول منسوب الى المجتهدين والثانى الى معظم الاخباريين.

(قوله على ما يرجع الى قولين) فيه اشارة الى ضعف ما توهمه المحقق القمى ره حيث نسب القول بالتفصيل بينهما يعم به البلوى وغيره بالقول بالبراءة فى الاول دون الثانى الى المحقق فى المعتبر ووجه الضعف ان المحقق انما فصل بذلك بالنسبة الى كون عدم الدليل دليل العدم وقد تقدم فيما سبق مغايرة هذا الاصل لاصالة البراءة مع ان المقصود فى المقام بيان حكم ما اشتبه حكمه الواقعى اعنى الحرمة فى مقام الظاهر وانه هى البراءة او الاحتياط والاصل المذكور وان سلمنا اندراجه فى اصالة البراءة إلّا انه يفيد نفى الحكم فيما يعم به البلوى بحسب الواقع دون الظاهر فلا دخل له فيما نحن فيه فالاولى حصر القول فى المقام فى البراءة والاحتياط.

(وربما) نسب الوحيد البهبهانى ره اليهم مذاهب اربعة فيما لا نص فيه التوقف والاحتياط والحرمة الظاهرية والحرمة الواقعية فيحتمل رجوعها الى معنى واحد وكون

٣١

اختلافها فى التعبير لاجل اختلاف ما ركنوا اليه من ادلة القول بوجوب اجتناب الشبهة فبعضهم ركن الى اخبار التوقف فاختار فى التعبير عن وجوب ترك الفعل بالتوقف وآخر الى اخبار الاحتياط وثالث الى اوامر ترك الشبهات مقدمة لتجنب المحرمات كحديث التثليث ورابع الى أوامر ترك المشتبهات من حيث انها مشتبهات فان هذا الموضوع فى نفسه حكمه الواقعى الحرمة.

(واما احتمال الفرق) بينها وبين بعضها فقد تعرض له الشيخ قدس‌سره فيما يأتى بعد ذكر ادلة الاخباريين من ان التوقف اعم بحسب المورد من الاحتياط لشموله الاحكام المشتبهة فى الاموال والاعراض والنفوس مما يجب فيها الصلح او القرعة فمن عبّر به اراد وجوب التوقف فى جميع الوقائع الخالية عن النص العام والخاص والاحتياط اعم من موارد احتمال التحريم فمن عبر به اراد الاعم من محتمل التحريم ومحتمل الوجوب مثل وجوب السورة او وجوب الجزاء المردد بين نصف الصيد وكله.

(واما الحرمة الظاهرية والواقعية) فيحتمل الفرق بينهما بان المعبّر بالاولى قد لاحظ الحرمة من حيث عروضها لموضوع محكوم بحكم واقعى فالحرمة ظاهرية والمعبّر بالثانية قد لاحظها من حيث عروضها لمشتبه الحكم وهو موضوع من الموضوعات الواقعية فالحرمة واقعية اذ بملاحظة انه اذا منع الشارع المكلف من حيث انه جاهل بالحكم من الفعل فلا يعقل اباحته له واقعا لان معنى الاباحة الاذن والترخيص.

(ويحتمل) الفرق ايضا بان القائل بالحرمة الظاهرية يحتمل ان يكون الحكم فى الواقع هى الاباحة إلّا ان ادلة الاجتناب عن الشبهات حرمتها ظاهرا والقائل بالحرمة الواقعية انما يتمسك فى ذلك باصالة الحظر فى الاشياء من باب قبح التصرف فيما يختص بالغير بغير اذنه.

(ويحتمل) الفرق ايضا بان معنى الحرمة الظاهرية حرمة الشىء فى الظاهر

٣٢

فيعاقب عليه مطلقا وان كان مباحا فى الواقع والقائل بالحرمة الواقعية يقول بانه لا حرمة ظاهرا اصلا فان كان فى الواقع حراما استحق المؤاخذة عليها وإلّا فلا وليس معناها ان المشتبه حرام واقعا بل معناه انه ليس فيه إلّا الحرمة الواقعية على تقدير ثبوتها فان هذا احد الاقوال للاخباريين فى المسألة على ما ذكر العلامة الوحيد المتقدم فى موضع آخر هذا ما افاده الشيخ قدس‌سره بعد ذكر ادلة الاخباريين.

٣٣

(احتج للاول) بالادلة الاربعة فمن الكتاب آيات (منها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) قيل دلالتها واضحة وفيه انها غير ظاهرة فان حقيقة الايتاء الاعطاء فاما ان يراد بالموصول المال بقرينة قوله تعالى قبل ذلك (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) فالمعنى ان الله سبحانه لا يكلف العبد الا دفع ما اعطى من المال واما ان يراد نفس فعل الشىء او تركه بقرينة ايقاع التكليف عليه فاعطائه كناية عن الاقدار عليه فيدل على نفى التكليف بغير المقدور كما ذكره الطبرسى قدس‌سره (وهذا المعنى اظهر واشمل) لان الانفاق من الميسور داخل مما آتاه الله وكيف كان فمن المعلوم ان ترك ما يحتمل التحريم ليس غير مقدور وإلّا لم ينازع فى وقوع التكليف به احد من المسلمين وان نازعت الاشاعرة فى امكانه.

(اقول) انه استدل الاصوليون على الاباحة فى الشبهة التحريمية بالادلة الاربعة فمن الكتاب آيات (منها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) بتقريب ان المراد من الموصول هو الحكم والتكليف ومن الايتاء الاعلام لان الايتاء عبارة عن الاعطاء وهو فى الامور المعنوية والمطالب العلمية عبارة عن الاعلام بها حيث ان اعطاء كل شىء بحسبه فكان ايتاء التكاليف عبارة عن الاعلام بها بخطابه فتدل الآية المباركة على نفى التكليف عند الشك فيه اذ كان مفادها انه سبحانه لا يكلف عباده بشىء من احكامه إلّا بما اوصله اليهم بخطابه واعلمهم اياه (قيل) والقائل صاحب الفصول والمناهج ان الآية واضحة الدلالة على المدعى ولكن لم يذكرا فى تقريب الاستدلال شيئا.

(وكيف كان) فلا بد لنا من ذكر محتملات الآية الشريفة التى تعرّض لها الاعاظم من المحشين للكتاب بعضها يدل على المدعى وبعضها لا يدل عليه.

(احدها) ان يراد من الموصول خصوص المال ومن الايتاء الاعطاء والانفاق فالمعنى انه لا يكلف الله تعالى نفسا انفاق مال الا انفاق ما اعطاه من المال وهذا المعنى هو الظاهر من الآية بملاحظة سياقها صدرا وذيلا فراجع الآية الشريفة فى سورة الطلاق

٣٤

(نعم) لو اريد من الموصول نفس الحكم والتكليف كان ايتائه عبارة عن الاعلام به لكن ارادته بالخصوص تنافى مورد الآية وارادة الاعم منه ومن المورد يستلزم استعمال الموصول فى معنيين اذ لا جامع بين تعلق التكليف بنفس الحكم وبالفعل المحكوم عليه فافهم (نعم) فى رواية عبد الاعلى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قلت له هل كلف الناس بالمعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا الا وسعها لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها لكنه لا ينفع فى المطلب لان نفس المعرفة بالله غير مقدور قبل تعريف الله سبحانه فلا يحتاج دخولها الى ارادة الاعلام من الايتاء فى الآية وسيجىء زيادة توضيح لذلك فى ذكر الدليل العقلى إن شاء الله تعالى ومما ذكرنا يظهر حال التمسك لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).

ولكنه غير مربوط بمورد الاستدلال اعنى بيان حكم الشبهة الحكمية.

(وثانيها) ان يراد من الموصول فعل المكلف بالمعنى الاعم من الترك ومن الايتاء الاقدار فتدل على نفى التكليف بغير المقدور كما فى مجمع البيان حيث قال فى تفسير الآية اى الا بقدر ما اعطاه من الطاقة وفى هذا دلالة على انه سبحانه لا يكلف احدا ما لا يقدر عليه ولا يطيقه انتهى كلامه.

(وهذا المعنى اظهر واشمل) يعنى الوجه الثانى اظهر واشمل من الوجه الاول اما وجه الاظهرية فلعدم احتياجه الى التقدير كالوجه الاول حيث انه محتاج الى تقدير الدفع والانفاق وغيرهما كما قد عرفت واما وجه الاشملية فلما فى المتن اذ قوله لان الانفاق من الميسور الخ تعليل للاشملية فالمراد ان الانفاق من الميسور ايضا من الفعل المقدور فيكون داخلا فى الآية على هذا المعنى ايضا.

(وكيف كان) فهذا الوجه الثانى ايضا غير مربوط بمورد الاستدلال اعنى بيان حكم الشبهة الحكمية لان مفاد الآية على الوجه الثانى نفى التكليف بغير المقدور واين هو من بيان حكم مشتبه الحكم (ودعوى) ان مشتبه الحكم ايضا لعدم العلم بحكمه امر غير مقدور فيكون التكليف به منفيا(مدفوعة) بانه كيف يكون غير مقدور

٣٥

مع ذهاب الاخباريين فيه الى الاحتياط. (فمن المعلوم) ان ترك محتمل التحريم ليس غير مقدور لان عدم وقوع التكليف به فى الشرع اجماعى عند المسلمين قاطبة فضلا عن الاخباريين وما نقله قدس‌سره عن الاشاعرة من انهم وان قالوا بامكان التكليف بغير المقدور اما مطلقا واما فى غير الممتنع الذاتى على اختلاف مذاهبهم لكنه يمكن ان يقال انهم لم يقولوا بوقوع التكليف بغير المقدور فى الشرع وفى هذه المسألة كلام وبحث طويل لا يسعه هذا المختصر.

(ثالثها) ان يراد من الموصول خصوص الحكم الشرعى فيكون ايتاؤه واعطاؤه كناية عن اعلامه فمعنى الآية على هذا الوجه الثالث ان الله لا يكلف نفسا اطاعة حكم الا اطاعة حكم اعطاه اى اعلمه الناس فتدل على عدم لزوم اطاعة الحكم المجهول وهذا معنى دلالتها على البراءة فى محل البحث يمكن ان يكون تقريب الاستدلال بالآية من الفصول والمناهج على ما ذكر فى هذا الوجه.

(وهذا الوجه الثالث) وان كان نافعا للمستدل لكنه مضافا الى انه خلاف الظاهر من جهة توقفه على التصرف والتقدير ينافى مورد الآية لان موردها اعطاء المال بقدر الوسع لا الاعلام للتكليف.

(ورابعها) ان يراد من الموصول ما هو الاعم بأن يكون المراد منه هو الشىء الشامل للكل فيختلف الايتاء والاعطاء بالنسبة الى افراد الشىء لان الايتاء بالنسبة الى المال هو الاعطاء وبالنسبة الى الحكم هو الاعلام.

(وهذا الوجه الرابع) مضافا الى انه خلاف الظاهر ايضا مستلزم لاستعمال الموصول فى أكثر من معنى واحد اذ لا جامع بين تعلق التكليف بنفس الحكم وبالفعل المحكوم عليه لان الايتاء بالنسبة الى المال هو الاعطاء وبالنسبة الى الحكم هو الاعلام ولا جامع بينهما ولا يخفى عليك انه يمكن ان يكون المراد من استعمال الموصول فى المعنيين استعماله فيهما باعتبار صلته.

(قوله نعم فى رواية عبد الاعلى الخ) اقول ان هذه الرواية تدل على ان

٣٦

المراد من الموصول هو الحكم ومن الايتاء الاعلام بيان ذلك ان الجواب من الامام عليه‌السلام عن سؤال تكليف الناس بالمعرفة بقوله لا ، على الله البيان لا يكلف الله نفسا الا وسعها لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها قرينة على ان المراد بالايتاء الاعلام ومن الموصول الحكم فيكون المعنى لا يكلف الله نفسا الا حكما أو تكليفا اعلمها اياه فعلى هذا تكون الرواية مؤيدة الوجه الثالث من الوجوه المذكورة.

(قوله لا ينفع فى المطلب الخ) جواب عن التوجيه الذى ذكرنا للرواية حاصله ان المعرفة بالله تعالى غير مقدورة قبل تعريف الله سبحانه فلا يحتاج دخولها الى ارادة الاعلام من الايتاء فعلى هذا يكون الايتاء بمعنى الاقدار ولا يتعين حمله على الاعلام.

(والظاهر) ان المراد من المعرفة المعرفة التفصيلية فانها غير مقدور لعامة الناس الّا الاوحدى منهم قبل تعريف الله سبحانه بارسال الرسل وانزال الكتب لا المعرفة على نحو الاجمال فانها تكون مقدورا لغالبهم.

(قوله ومما ذكرنا يظهر حال التمسك لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)) تقريب الاستدلال بها ان المجهول الحكم الذى هو موضوع البراءة خارج عن الوسع فلا يكلف الله به واما الجواب فان مفاد الآية انما هو عدم تعلق تكليفه تعالى إلّا بما يطاق ولا ريب ان الشىء بوصف انه مجهول الحكم يكون مقدور الترك فيجوز تعلق التكليف به.

٣٧

(ومنها) قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) بناء على ان بعث الرسول كناية عن بيان التكليف لانه يكون به غالبا كما فى قوله لا ابرح من هذا المكان حتى يؤذّن المؤذّن كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقلى ويخصص العموم بغير المستقلات أو يلتزم بوجوب التأكيد وعدم حسن العقاب الا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وان حسن الذم بناء على ان منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به البعض وعلى اى تقدير فيدل على نفى العقاب قبل البيان وفيه ان ظاهره الاخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث فيختص بالعذاب الدنيوى الواقع فى الامم السابقة.

(اقول) ان مجرى البراءة لما كان مختصا بما لا بيان فيه اصلا وكان الحكم العقلى بيانا ايضا كالنقلى احتيج الى التصرف فى ظاهر الآية الشريفة المفيدة للبيان النقلى (نعم) لو قيل بعدم حجية حكم العقل وعدم التلازم بينه وحكم الشرع او عدم حسن العقاب الا بالتأكيد الذى يرجع الى عدم حجية حكم العقل بنوع من الاعتبار لم يحتج الى التصرف فى الآية.

(واما التصرف) فيها فمن وجوه (الاول) تعميم الرسول لما يشمل العقل بناء على بعث الرسول كناية عن بيان التكاليف والاحكام لانه يكون به غالبا وإلّا فمجرد ارسال الرسل لا يصحح العذاب قطعا(الثانى) ان تبقى الآية على ظاهرها وتخصيصها بغير المستقلات العقلية من جهة ما دل على اعتبار حكم العقل (الثالث) ان تبقى الآية على ظاهرها من ارادة البيان النقلى والالتزام بوجود التأكيد وعدم حسن العقاب إلّا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وان حسن الذم بناء على ان منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به البعض.

(فالاوجه) فى التصرفات المذكورة تخصيص الآية بغير المستقلات العقلية مع بقاء الرسول على ظاهره وعلى اىّ تقدير من التصرفات المتقدمة تدل الآية الشريفة على نفى العقاب قبل البيان.

٣٨

(ثم انه ربما يورد التناقض) على من جمع بين التمسك بالآية فى المقام وبين ردّ من استدل بها لعدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بأن نفى فعلية التعذيب أعم من نفى الاستحقاق فان الاخبار بنفى التعذيب ان دل على عدم التكليف شرعا فلا وجه للثانى وان لم يدل فلا وجه للاول (ويمكن دفعه) بأن عدم الفعلية يكفى فى هذا المقام لان الخصم يدعى ان فى ارتكاب الشبهة الوقوع فى العقاب والهلاك فعلا من حيث لا يعلم كما هو مقتضى رواية خبر التثليث ونحوها التى هى عمدة ادلتهم ويعترف بعدم المقتضى للاستحقاق على تقدير عدم الفعلية فيكفى فى عدم الاستحقاق نفى الفعلية بخلاف مقام التكلم فى الملازمة فان المقصود فيه اثبات الحكم الشرعى فى مورد حكم العقل وعدم ترتب العقاب على مخالفته لا ينافى ثبوته كما فى الظهار حيث قيل انه محرم معفو عنه وكما فى العزم على المعصية على احتمال نعم لو فرض هناك اجماع ايضا على انه لو انتفت الفعلية انتفى الاستحقاق كما يظهر من بعض ما فرعوا على تلك المسألة لجاز التمسك بها هناك والانصاف ان الآية لا دلالة لها على المطلب فى المقامين.

(قوله وفيه ان ظاهره الاخبار بوقوع الخ) اقول حاصل ما اورد على الاستدلال بالآية شيخنا قدس‌سره من كون ظاهرها اخبارا عن وقوع التعذيب سابقا بعد البعث فيختص بالعذاب الدنيوى الواقع فى الامم السالفة فلا تشمل نفى العقاب الاخروى من دون بيان ولا يخفى ان منشأ الظهور فى كون الآية ظاهرة فى العذاب الدنيوى قرينة السياق ولفظ الماضى فعلى هذا ان الآية خارجة عما نحن فيه من المسألة اذ مسئلة البراءة مفروضة فيما يحتمل العقاب الاخروى.

(وقد ناقش) فى هذا الايراد صاحب بحر الفوائد بما لا يخلو نقله عن فائدة من ان كون الآية مختصة بالعذاب الدنيوى لا ينافى دلالتها على المدعى بعد كونه مبنيّا على مقتضى العدل والحكمة الالهية الذى لا يعقل الفرق فيه بين الامم السابقة واللاحقة والعذاب الدنيوى والاخروى الذى هو اشد من الدنيوى بمراتب شتى الذى يدل

٣٩

على سوق الآية لهذا المعنى المبنى على الحكمة مضافا الى شهادة كثير من الآيات المتحدة منها من حيث المساق كقوله تعالى فى سورة القصص (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) فان ظاهره كما هو ظاهر ان الحكمة الالهية اقتضت أن لا يكون الهلاك الا بعد البعث واتمام الحجة وان كلما وقع الهلاك فى امة من الامم كان بعد اتمام الحجة وان كان الهلاك الواقع فيهم من العذاب الدنيوى كلمات المفسرين فى تفسير الآية الى ان قال.

(فالانصاف) ظهور الآية فى المدعى فيقال فى تقريب دلالتها بناء على ما ذكرنا فى معناها انه كما يستدل بما دل على ثبوت العذاب على الفعل او الترك بالتحريم او الوجوب حيث انه من لوازمهما وآثارهما كذلك يستدل على نفى التحريم قبل البيان بنفى العذاب قبله بناء على كون المراد وصول البيان اليهم من الرسول لا مجرد بيانه وان لم يصل اليهم فتدل على المدعى انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله ثم انه ربما يورد التناقض الخ) اقول الجامع بين الاستدلال بالآية لاصل البراءة وردّ من استدل بها لعدم الملازمة بين حكم العقل والشرع هو الفاضل التونى والاستدلال بها لنفى الملازمة مبنىّ على جعل الرسول بمعناه الظاهر لا كناية عن البيان سواء كان بلسان العقل او النقل وعلى ان معنى الآية عدم وقوع التعذيب فى الآخرة بدون بيان الرسول وان حكم به العقل المستقل ايضا فتدل الآية على عدم حجية العقل اذ لو كان حجة لوقع التعذيب على مخالفته ولو فى الجملة كالاحكام النقلية(وقد رد) الفاضل التونى هذا الاستدلال بان مفاد الآية الشريفة نفى فعلية العذاب قبل بعث الرسول فلا ينافى ثبوت الاستحقاق بالنظر الى حكم العقل فى بعض الموارد قبله والملازمة بيّنة على الاستحقاق لا على الفعلية(قوله) بان نفى فعلية التعذيب اعمّ من نفى الاستحقاق بيان للرد.

(والمورد) للتناقض بينهما المحقق القمى قدس‌سره فى القوانين حاصله ان الاخبار بنفى التعذيب قبل بعث الرسول ان دلّ على عدم التكليف شرعا ولو فى مورد ثبوت حكم العقل فلا وجه (للثانى) اى الايراد فيصح التمسك بالآية على

٤٠