موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

فقام كعب بن مرة السّلمي فقال : والله لقد قمت مقامي هذا وإني لأعلم أن فيكم من هو أقدم منّي صحبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكني شهدت من رسول الله مشهدا لعل كثيرا منكم لم يشهده : إنّا كنا مع رسول الله في يوم شديد الحرّ نصف النهار فقال : «لتكوننّ فتنة حاضرة ، هذا المقنّع يومئذ على الهدى» وأشار إلى رجل مقنّع مرّ ، فقمت حتى أخذت بمنكبه وحسرت عن رأسه فإذا هو عثمان! فصرفت بوجهه إلى رسول الله وقلت : هذا يا رسول الله؟ قال : نعم.

وكان في المسجد يومئذ نحو من أربعمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقاموا وبايعوه على الطلب بدم عثمان ثم الأمر شورى (١).

__________________

(١) وقعة صفين : ٨١ ـ ٨٢ ، والصحابة مع معاوية إنما كانوا نحوا من الأربعين لا الأربعمائة! ونقله عنه المعتزلي في شرح النهج ٣ : ٩٤ ولم يعلّق عليه بشيء! وقلب كعب بن مرة إلى مرة بن كعب! كما جاء اسمه وخبره كذلك في أسد الغابة ٤ : ٣٥١ ، وانظر قاموس الرجال ١٠ : ٤٥ برقم ٧٤٨٨ ، وليس فيه كعب بن مرة وإنما مرّة بن كعب كما ذكر المعتزلي صحيحا.

٤٦١
٤٦٢

بدايات

حرب الجمل

٤٦٣
٤٦٤

إثارة عمرو ، ومروان لمعاوية :

أما إثارة عمرو فقد مرّ في الخبر عن المعتزلي عن الكلبي عن ابن عباس خطبة علي عليه‌السلام في ردّ قطائع عثمان على المسلمين ، وفي آخره : كان عمرو بن العاص حيث وثب الناس على عثمان خرج من المدينة إلى أيلة من أرض الشام (فلسطين) فنزلها ، وبلغته خطبة علي عليه‌السلام وعمله في ردّ قطائع عثمان ، فكتب إلى معاوية : (لقد) قشّرك ابن أبي طالب من كلّ مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها! فاصنع ما أنت صانع (١)! أو : ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شيء تملكه؟ فاصنع ما أنت صانع (٢).

وأما إثارة مروان : فقد نقله المعتزلي أيضا عن ابن بكّار بسنده عن ابن عرفجة : أن معاوية ورد عليه كتاب مروان بعد مقتل عثمان وفيه : يا أبا عبد الرحمن وهب الله لك قوّة العزم وصلاح النيّة ، ومنّ عليك بمعرفة الحق واتّباعه ؛ فإنّي كتبت

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ١ : ٢٧٠.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٥٤.

٤٦٥

إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أمير المؤمنين ، وأيّ قتلة قتل! نحر كما ينحر البعير الكبير ... وإني معلمك من مخبره غير مقصّر ولا مطيل : إن القوم استطالوا مدّته ، واستقلّوا ناصره ، واستضعفوه في بدنه ، وأمّلوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم ... ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله ، فوعدهم التوبة مما كرهوا والرجعة إلى ما أحبّوا فلم يقبلوا ذلك ، ووثبوا عليه فسفكوا دمه وانتهكوا حرمته ونهبوا داره ، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها ؛ منكفئين قبل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذ أبصر المرعى. فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا الأمر (الخلافة) بمجرى العيّوق إن لم يثأره ثائر! فإن شئت أن تكونه أبا عبد الرحمن فكنه ، والسلام.

فلما قرأه أمر أن يؤذّن في الناس بالصلاة جامعة ثم خطبهم فقلقل القلوب وأبكى العيون ورفع الضجيج حتى علت الرنّة!

ثم كتب جواب مروان : أما بعد ، فقد وصل إليّ كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين وما ركبوه منه ونالوه به ... فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلّا غيلة ، ولا ينظر شزرا إلّا عن حيلة ، وكالثعلب لا يفلت إلّا روغانا ، وأخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكفّ ، وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن امورهم بحث الدجاجة عن حبّ الدّخن عند فقاسها (تجسّس) وانغل الحجاز فإنّي منغل الشام ، والسلام.

فكتب مروان جوابه : أما بعد ، فقد وصل كتابك ، فنعم كتاب زعيم عشيرة وحامي الذّمار ... كذبت نفس الظانّ بنا ترك المظلمة وحبّ الهجوع إلّا تهويمة الراكب العجل ، حتى تجذّ جماجم وجماجم! جذّ العراجين المهدّلة حين ايناعها! وأنا ـ على صحة نيّتي وقوّة عزيمتي ، وتحريك الرحم لي وغليان الدّم منّي ـ غير سابقك بقول ولا متقدمك بفعل ، وأنت ابن حرب طلّاب الترات وآبي الضّيم!

٤٦٦

وأنا كحرباء الصحراء في الهجير ترقب عين الشمس ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق من صوت نفسه ، منتظرا لما تصحّ به عزيمتك ويرد به أمرك ، فيكون العمل به والمحتذى عليه.

معاوية وسعيد بن العاص :

وكتب معاوية إلى سعيد بن العاص : أما بعد ، فإنّ كتاب مروان ورد عليّ من ساعة وقعت النازلة ... ومروان الرائد لا يكذب أهله ، فعلام الإفلات يا ابن العاص ولات حين مناص! ذلك أنكم ـ يا بني أميّة ـ عما قليل تسألون أدنى العيش من أبعد المسافة فينكركم من كان عارفا ويصدّ عنكم من كان لكم واصلا ، متفرّقين في الشعاب تتمنّون لمظة المعاش! إن أمير المؤمنين (عثمان) عتب عليه فيكم وقتل في سبيلكم ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه! وأنتم بنو أبيه وذوو رحمه وأقربوه وطلّاب ثاره ، أصبحتم متمسّكين بشظف معاش زهيد عمّا قليل ينزع منكم عند التخاذل وضعف القوى. فإذا قرأت كتابي هذا فدبّ دبيب البرء في الجسد النحيف ، وسر سير النجوم تحت الغمام ، واحشد حشد النمل في الصيف للشتاء ، فقد أيّدتكم بأسد (الزبير) وتيم (طلحة).

فكتب سعيد جوابه : أما بعد ، فإن الحزم في التثبّت ، والخطأ في العجلة ، والشؤم في البدار ، والسهم سهمك ما لم ينبض به الوتر ، والحالب لن يردّ اللبن في الضرع. ذكرت حق أمير المؤمنين (عثمان) علينا وقرابتنا منه وأنه قتل فينا ... وأمرتنا بطلب دم عثمان! فأيّ جهة تسلك فيها أبا عبد الرحمن؟! وقد ردمت الفجاج وأحكم الأمر عليك وولى زمامه غيرك!

فدع مناوأة من لو كان افترش فراشه صدر الأمر لم يعدل به غيره ... وهبني أخالك ـ بعد خوض الدماء ـ تنال الظفر فهل في ذلك عوض عن ركوب المآثم ونقص الدين؟!

٤٦٧

... فاعدل ـ أبا عبد الرحمن ـ زمام راحلتك إلى محجّة الحق ، واستوهب العافية لأهلك ، واستعطف الناس على قومك؟ وهيهات من قبولك ما أقول حتى يفجّر مروان ينابيع الفتن تتأجّج في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الأبطال تعتذران بالقدر! ولبئس العاقبة الندامة ، وعمّا قليل يضح لك الأمر. أما أنا فأتوسد الإسلام واستشعر العافية فلا على بني أمية ولا لهم ، أجعل الحزم داري والبيت سجني ، والسلام.

معاوية والوليد بن عقبة :

وكتب معاوية إلى الوليد بن عقبة : يا ابن عقبة ، لين العيش وطيب الخيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في افقها! إن عثمان أخاك أصبح بعيدا منك! فاطلب لنفسك ظلا تستكن به! إني أراك راقدا على الترات! وكيف بالرقاد بك لا رقاد لك! فلو قد استتبّ هذا الأمر لمريده ألفيت كالنعام الشريد يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تشرب الرنق وتستشعر الخوف ، وأراك فسيح الصدر مسترخى اللبّ رخو الحزام قليل الاكتراث ، وعن قليل يجتث أصلك! والسلام.

فكتب الوليد جوابه : أما بعد ، فإنك أسد قريش عقلا وأحسنهم فهما وأصوبهم رأيا ، معك حسن السياسة وأنت موضع الرئاسة ، تورد بمعرفة وتصدر عن منهل رويّ ، مناوئك كالمنقلب من العيّوق ، يهوي به عاصف الشمال إلى لجّة البحر. كتبت إليّ تذكر طيب الخيش ولين العيش ، فملء بطني حرام عليّ إلّا مسكة الرّمق ، حتى أقطع أوداج قتلة عثمان قطع الجلود بحدّ الشفار! وأما اللين ، فهيهات إلّا خيفة المرتقب يرتقب غفلة الطالب ، إنّا على مداجاة ، ولمّا تبد صفحاتنا بعد ، وليس دون الدم بالدم مناص ، فإن العار منقصة! والضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا ويسقون برد المعين ، ولما يمتطوا الخوف ويلحسوا الحذر ... لا دعيت

٤٦٨

لعقبة إن كان ذلك حتى أنصب لهم حربا تضع الحوامل لها أطفالها ... وقد عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت أني ثاني عثمان أو أقتل قاتله! فعجّل عليّ ما يكون ما رأيك ، فإنا منوطون بك متّبعون عقبك. ولم أحتسب الحال تتراخى بك إلى هذه الغاية ، لما أخافه من إحكام القوم أمرهم.

معاوية وابن كريز :

وكتب إلى عبد الله بن عامر بن كريز ابن خال عثمان ووالي البصرة المعزول : أما بعد ، فإن منبر (الإمارة) مركب ذلول لا ينازعك اللجام (ولكن) هيهات ذلك إلّا بعد ركوب أثباج المهالك واقتحام أمواج المعاطب ، كأني بكم ـ يا بني أميّة ـ كالنوق المتفرقة تقودها الحداة ، أو كرخم تذرق خوف العقاب! فثب الآن والسوط جديد والجرح لما يندمل ، وقبل استضراء الأسد والتقاء لحييه على فريسته ... ونازل الرأي وانصب الشرك ، وارم عن تمكّن ، واجعل أكبر عدّتك الحذر وأحدّ سلاحك التحريض ، واغض عن العوراء ، وسامج اللجوج واستعطف الشارد ولاين الأشوس وقوّ عزم المريد ، وبادر العقبة وازحف زحف الحية واسبق قبل أن تسبق ، وقم قبل أن يقام لك واعلم أنك غير متروك ولا مهمل ، والسلام.

وأجابه ابن عامر : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين (عثمان) كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها تحتها ؛ فلما أصابه السهم صرنا كالنعام الشارد ، ولقد كنت مشترك الفكر ضالّ الفهم ألتمس دريئة استجنّ بها من خطأ الحوادث حتى وصلني كتابك ، فانتبهت من غفلة طال فيها رقادي ، فأنا كواجد المحجّة كان إلى جانبها حائرا ... وو الله للموت في طلب العز أحسن من الحياة في الذلّة! وأنت ابن حرب فتى الحروب ونصّار بني عبد شمس ، والهمم بك منوطة وأنت منهضها «فإذا نهضت فليس حين قعود» وأنا اليوم على خلاف ما كانت عليه

٤٦٩

عزيمتي من طلب العافية وحبّ السلامة قبل قرعك سويداء القلب بسوط الملام ، ولنعم مؤدّب العشيرة أنت؟ وانا لنرجوك بعد عثمان ، وها أنا متوقّع ما يكون منك لأمتثله وأعمل عليه ، إن شاء الله!

معاوية ويعلى بن أميّة التميمي :

وكتب معاوية إلى يعلى بن أميّة التميمي حليفهم وعاملهم المعزول عن اليمن : حاطك الله بكلاءته وأيدك بتوفيقه! كتبت إليك صبيحة ورد عليّ كتاب مروان بخبر قتل أمير المؤمنين (عثمان) وأنه لمّا طال به العمر حتى نقصت قواه وثقلت نهضته وظهرت الرّعشة في أعضائه ، ورأى ذلك أقوام لم يكونوا عنده موضعا للإمامة والأمانة وتقليد الولاية ، وثبوا به وألّبوا عليه ، فكان (من) أعظم ما نقموا عليه وعابوه به ولايتك اليمن وطول مدّتك عليها! ثم ترامى بهم الأمر حالا بعد حال حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الموت! وهو صائم معانق المصحف يتلوا كتاب الله! فبه عظمت مصيبة الإسلام بصهر الرسول والإمام المقتول! على غير جرم سفكوا دمه وانتهكوا حرمته! وأنت تعلم أنّ بيعته في أعناقنا وطلب ثأره لازم لنا ... وقد كتبت إلى طلحة بن عبيد الله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة والطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم! وكتبت إلى عبد الله بن عامر يمهّد لكم العراق ويسهّل لكم حزونة عقباتها ، واعلم يا ابن أميّة أن القوم قاصدوك لاستنطاق ما حوته يداك من المال ، فاعلم ذلك واعمل على حسبه إن شاء الله.

فأجابه يعلى بن أميّة حليف بني نوفل يقول : إنا وأنتم ـ يا بني أميّة ـ كالحجر لا تبنى بغير مدر ، وكالسيف لا يقطع إلّا بضاربه! وقد وصلني كتابك بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها الموت ، فلينحرنّ ذابحوه نحر البدن وافى بها الهدي الأجل! ثكلتني من أنا ابنها إن نمت عن طلب وتر عثمان ، أو يقال :

٤٧٠

لم يبق فيه رمق! إني أرى العيش بعد قتل عثمان مرّا! إن أدلج القوم فإني مدلج ... وأما قصدهم ما حوته يدي من المال فالمال أيسر مفقود إن دفعوا إلينا قتلة عثمان! وإن أبوا ذلك أنفقنا المال على القتال! وإن لنا ولهم لمعركة نتناحر فيها كما ينحر الجزّار إبل النهيبة.

إثارة معاوية لطلحة والزبير :

وكان كتابه إلى طلحة : أما بعد فإنك أقل قريش في قريش وترا (فلم تقتل منهم في حروب الإسلام كثيرا كعليّ!) مع صباحة وجهك! وسماحة كفّك! وفصاحة لسانك! وأنت في السابقة بإزاء من تقدّمك (من الخلفاء) وخامس المبشّرين بالجنة! (فهو مبدعها) ولك يوم احد وفضله وشرفه! فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعيّة من أمرها مما لا يسعك التخلّف عنه ، ولا يرضى الله منك إلّا بالقيام به! فقد أحكمت لك الأمر قبلي. والزبير فغير متقدم بفضل عليك ... والسلام.

وكتب إلى الزبير : أما بعد ، فإنك الزبير بن العوامّ ، ابن أبي خديجة وابن عمة رسول الله وحواريّه وسلفه ، وصهر أبي بكر ، وفارس المسلمين الباذل في الله مهجته بمكة ، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت ، كل ذلك قوة إيمان وصدق يقين! وسبقت لك من رسول الله البشارة بالجنة! (فهو مبدعها) وجعلك عمر أحد المستخلفين على الامة (في الشورى). واعلم ـ يا أبا عبد الله ـ أن الرعيّة أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع رحمك الله إلى لمّ الشعث وجمع الكلمة وصلاح ذات البين وحقن الدماء! قبل تفاقم الأمر وانتشار الامة! فقد أصبح الناس على شفا جرف هار إن لم ير أب فعمّا قليل ينهار ، فشمّر لتأليف الامة ، وابتغ إلى ربك سبيلا ، فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك ولصاحبك (طلحة) على أن الأمر للمقدّم ثم لصاحبه من بعده! جعلك الله من أئمة الهدى وبغاة الخير والتقوى! والسلام. ولا جواب لهما في الخبر.

٤٧١

هذا نصّ ما ينقله المعتزليّ عن كتاب «الأخبار الموفّقيات» (١) هذا وقد سبق نقله لكتاب معاوية إلى الزبير بغير هذا قال : لما قدم رسول أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بكتابه إلى معاوية بطلب البيعة له والقدوم عليه ، كتب إلى الزبير وطلحة يقول : لعبد الله الزبير أمير المؤمنين! من معاوية بن أبي سفيان ؛ سلام عليك ، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا! فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب! فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفركما الله وخذل مناوئكما! وبعث به مع رجل من بني عميس ، فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سرّ به وأقرأه طلحة ، ولم يشكّا في نصح معاوية لهما ، وعند ذلك أجمعا على خلاف علي عليه‌السلام (٢).

جواب معاوية لعلي عليه‌السلام :

مرّ الخبر عن كتاب علي عليه‌السلام إلى معاوية مع سبرة الجهني ، وأنه ماطل جوابه حتى شهر صفر الثالث من مقتل عثمان. فأحضر طومارا وعنونه : من معاوية إلى علي! ودعا برجل يدعى قبيصة العبسي (٣) فدفع إليه الطومار وأوصاه بما يقول ، وسرّح رسول علي عليه‌السلام معه ، فخرجا حتى قدما المدينة في غرة ربيع الأول لسنة (٣٦ ه‍).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ١٠ : ٢٣٣ ـ ٢٤٥ ، عن الموفقيات (للزبير بن بكار) (م ٢٥٦ ه‍) وليس في المنشور.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ١ : ٢٣١ بلا إسناد. وتأتي الإشارة إليها في خطبة له عليه‌السلام في المصدر نفسه : ٣٠٩ ، ٣١٠ عن كتاب الجمل لأبي مخنف.

(٣) وفي أنساب الأشراف ٢ : ٢١٢ : يزيد بن الحرّ العبسي.

٤٧٢

فلما دخلا المدينة أخرج العبسي الطومار وقبض على طرفه ورفعه لينظر الناس إليه ، حتى دخل على عليّ فدفع إليه الطومار ففضّ خاتمه فلم يجد فيه كتابة إلّا : من معاوية إلى علي! مقدّما اسمه على اسمه! فقال للرسول : ما وراءك؟ قال : أنا آمن؟ قال : نعم ، إن الرسل آمنة لا تقتل. فقال : قد تركت ورائي ستين ألف شيخ وقد نصب لهم قميص عثمان على منبر دمشق وهم يبكون تحته ولا يرضون إلّا بالقصاص منك! قال : أمنّي يطلبون دم عثمان! ثم رفع يديه وقال : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان! اخرج وأنت آمن ، فخرج وقد علم الناس بأمره.

ثم كتب إلى عثمان بن حنيف الأنصاري بالبصرة ، وإلى أبي موسى الأشعري بالكوفة ، وإلى قيس بن سعد بن عبادة بمصر أن يندبوا الناس لغزو الشام.

وخطب أهل المدينة فقال : إن الله بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق ، وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلّا هالك ، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلّا من حفظ الله ، وإن في سلطان الله عصمة أمركم ، فأعطوه طاعتكم غير ملتوية ولا مستكره بها ، والله لتفعلنّ أو لينقلنّ الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر (أو الإيمان) إليها. انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون أن يفرّقوا جماعتكم ، لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم (١).

موقف عائشة :

قال المفيد : أجمع رواة الآثار ونقلة السير والأخبار : أنه لما قتل عثمان وسمعت بذلك عائشة في مكة ، استبشرت بقتله وقالت : إنه أحرق كتاب الله وأمات سنة رسول الله فقتله الله ، قتلته أعماله ، وسألت الناعي : ومن بايع الناس؟ وكان الناعي

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٤٤ ـ ٤٤٦ عن سيف!

٤٧٣

نأى عن المدينة قبل أن يدين الناس لعلي عليه‌السلام بالبيعة ، وإنما رأى أن طلحة قد عمل مفاتيح لأبواب بيت المال وأخذ نعاجا لعثمان فأخبرها بذلك وقال : فلا شك أن الناس قد بايعوه! فقالت : إيها ذا الإصبع! (تعني إصبعه الشلّاء من يوم احد) قد وجدوك لها كافئا وبها محشّا!

ثم قالت : قد قضيت عمرتي فشدوا رحلي لأتوجّه إلى منزلي.

فشدّ رحلها وسارت حتى بلغت منزل سرف (أول منزل بعد مكة إلى المدينة) لقيت عبيد بن أم كلاب من بني ليث أو بني بكر قادما من المدينة فسألته ما الخبر؟ فقال : قتل عثمان! فقالت : قتل نعثل! فقال كما قالت. فقالت له : كيف كان أمره؟ قال : أحاط الناس به وبداره ورأيت قد غلب على الأمر طلحة بن عبيد الله (حتّى) اتّخذ مفاتيح لخزائن بيوت المال ، وتهيّأ ليبايع (ولكن) لما قتل عثمان خرج الناس في طلب علي بن أبي طالب يقدمهم الأشتر و(أخوك) محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر ، ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره (بل) وفي الجماعة طلحة والزبير! حتى أتوا عليا في بيته وقالوا له : بايعنا على الطاعة ، فتلكّأ عليهم ساعة! فقال الأشتر يا علي ، إن الناس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن يختلف الناس (فبايعهم وبايعوه) وكان طلحة والزبير قاعدين فقال لهما الأشتر : قم يا طلحة ، قم يا زبير فبايعا فما تنتظران؟ فقاما حتى رأيت أيديهما على يده يصفقانها ببيعته ، ثم صعد عليّ المنبر فبايعه الناس يومئذ على المنبر ، وبايعوه من الغد ، وفي اليوم الثالث (من بيعته) خرجت ولا أعلم ما جرى بعدي!

فقالت له : يا أخا بني بكر أنت رأيت طلحة بايع عليا؟ قال : إني والله رأيته بايعه وما قلت إلّا ما رأيت. فقالت : إنا لله! اكره والله الرجل ، وغصب عليّ بن أبي طالب أمرهم ، وقتل خليفة الله مظلوما! ثم نادتهم : ردّوا بغالي ردّوا بغالي ، فارتدّت إلى مكة.

٤٧٤

قال الراوي عبيد البكري : فسرت معها فجعلت تسألني في المسير واخبرها بما كان ، فقالت : ما كنت أظنّ أنّ الناس يعدلون عن طلحة مع بلائه يوم احد! فقلت : فإن كان بالبلاء فصاحبه الذي بويع (عليّ) أشدّ بلاء وعناء! فقالت : لم أسألك هذا! فإذا دخلت مكة وسألك الناس : ما ردّ أمّ المؤمنين فقل : القيام بدم عثمان والطلب بدمه (١)!

فقال لها ابن أمّ كلاب : ولم؟ فو الله إنّ أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر نعثل!

فقالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأوّل!

فقال لها ابن أم كلاب :

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإما

م وقلت لنا : إنه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم تسقط السقف من فوقنا

ولم تنكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا قوة

يزيل الشبا ويقيم الصّعر

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثل من قد غدر (٢)

وأسرعت هي راجعة إلى مكة ، فبدأت بالكعبة فطافت به ثم دخلت حجر إسماعيل وضربت على نفسها سترا فيه ، ثم أمرت مناديا نادى باجتماع الناس إليها ،

__________________

(١) الجمل للمفيد : ١٦١ ـ ١٦٣.

(٢) الطبري ٤ : ٤٥٩ عن ابن نصر بن مزاحم التميمي عن سيف التميمي! وأغرب المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٦٢ فنسب بيتين منها إلى عمّار بن ياسر قبل التحام القتال في الجمل بالبصرة.

٤٧٥

فلما اجتمعوا تكلّمت لهم من سترها تنعى عثمان إليهم وتبكيه وتشهد أنه قتل مظلوما وتدعوهم إلى نصرته!

وجاءها عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة فقال لها : قرّت عينك! قتل عثمان وبلغت ما أردت من أمره! فقالت : سبحان الله! أنا طلبت قتله! إنما كنت عاتبة عليه من شيء وأرضاني فيه ، وقتل عثمان من عثمان خير منه وأرضى عند الله وعند المسلمين (تعني عليا) والله ما زال قاتله مؤخّرا منذ بعث محمد! وبعد أن توفي يعدل الناس عنه إلى الخيرة من أصحاب النبيّ ولا يرونه أهلا للإمرة ولكنه رجل يحبّ الإمرة! والله لا تجتمع عليه ولا على أحد من ولده إلى يوم القيامة!

ثم التفتت إلى الناس ونادت : معاشر المسلمين! إن عثمان قتل مظلوما ، ولقد قتله من إصبع عثمان خير منه (١)!

وجاءها يعلى بن أميّة التميمي حليف بني نوفل وكان عامل عثمان على اليمن ، فقال لها : قد قتل خليفتك الذي كنت تحرّضين على قتله! فقالت : برئت إلى الله من قاتله! فقال لها : الآن! ثم قال لها : فأظهري البراءة من قاتله. فخرجت إلى المسجد وجعلت تتبرّأ ممّن قتل عثمان (٢).

موقف طلحة والزبير :

قال المفيد : كان قد بلغهما الخبر من مكة بإظهار عائشة فيها ما أظهرته من كراهة أمر أمير المؤمنين ، والبراءة ممن قتل عثمان والدعوة إلى الطلب بدمه ونصرته.

__________________

(١) الجمل للمفيد : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢) الجمل للمفيد : ٢٦٣.

٤٧٦

وأن مروان بن الحكم ابن عم عثمان ، ويعلى بن منية (وهي أمه) حليفه وعامله على اليمن ، وعبد الله بن عامر بن كريز ابن خاله وعامله على البصرة قد اجتمعوا معها وهم يدبّرون للفتنة ، وأن عمّال عثمان قد هربوا من الأمصار إلى مكة بما احتجزوه من أموال المسلمين لخوفهم من (محاسبة) أمير المؤمنين (١) فمع ما غلب في ظنّهما ووضح لهما من أمره ورأيه وتحقّقا أنهما لا يليان معه أمرا! امتحنا ذلك.

بأن صارا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وخطب إليه طلحة ولاية العراق ، وطلب منه الزبير ولاية الشام! فأمسك عليه‌السلام عن إجابتهما لشيء من ذلك ، فعرفا ما كان غلب في ظنهما من قبل من رأيه عليه‌السلام ، فانصرفا وهما ساخطان منه.

وتركاه يومين أو ثلاثة أيام ، ثم صارا إليه واستأذنا عليه فأذن لهما وهو في غرفة عالية من داره ، فصعدا إليه وجلسا بين يديه وقالا له : يا أمير المؤمنين قد عرفت حال هذه الأزمنة وما نحن فيه من الشدّة! وقد جئناك لتدفع إلينا شيئا نصلح به أحوالنا ، ونقضي به حقوقا علينا (٢).

فقال عليه‌السلام : قد عرفتما مالي بينبع ، فإن شئتما كتبت لكما منه ما يتيسّر؟

قالا : لا حاجة لنا في مالك بينبع ، قال : فما أصنع؟

قالا : أعطنا من بيت المال شيئا لنا فيه كفاية (٣).

فقال عليه‌السلام : سبحان الله! وأيّ يد لي في بيت المال؟! ذلك للمسلمين وأنا خازنهم وأمينهم ، فإن شئتما رقيت المنبر وسألتهم ذلك مما شئتما فإن أذنوا فيه فعلت ، وأنّى لي بذلك وهو لكافة المسلمين شاهدهم وغائبهم ، لكنّي أبلي لكما عذرا!

__________________

(١) الجمل للمفيد : ١٦٦.

(٢) وعليه فحالهما الماليّ لم يكن صالحا ، وإلّا لكانا صالحين مع عثمان ولم يكونا من الناقمين عليه ، وهذا جواب من يتساءل عن مصادرة علي عليه‌السلام لأموالهما ، فلم يكن.

(٣) كناية عن عدم كفاية ما أعطاهما كسائر الناس من بيت المال قبل هذا.

٤٧٧

قالا : ما نكلّفك ذلك ، ولو كلّفناك ذلك لما أجابك المسلمون! قال : فما أصنع؟

قالا : قد سمعنا ما عندك ، ثم انصرفا من عنده ونزلا من الغرفة إلى أرض الدار وخرجا. وتركاه يومين آخرين ، ثم صارا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقت خلوته (١) ، فلما دخلا عليه قالا : يا أمير المؤمنين ، جئناك نستأذنك للعمرة ، فلم يأذن لهما ، فقالا : نحن بعيدو العهد بها فأذن لنا فيها! فقال لهما : ما تريدان العمرة ولكنكما تريدان الغدرة أو البصرة! فقالا : اللهم غفرا ، ما نريد إلّا العمرة! فقال عليه‌السلام : احلفا لي بالله العظيم أنكما لا تفسدان عليّ امور المسلمين ولا تنكثان لي بيعة ولا تسعيان في فتنة!

قال : فبذلا ألسنتهما بالأيمان المؤكّدة على ما استحلفهما عليه من ذلك.

فلما خرجا من عنده لقيهما ابن عباس وعلم أمرهما ، ودخل على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : قد رأيت طلحة والزبير! قال : إنهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فسادا! وإني أعلم أنهما ما قصدا إلّا الفتنة ، فكأنّي بهما وقد صارا إلى مكة ليستعينا على حربي! فإنّ يعلى بن منية (وهي أمه) الخائن الفاجر قد حمل أموال (اليمن ، وابن عامر قد حمل أموال العراق وفارس) لينفقوا ذلك. وسيفسد هذان الرجلان عليّ أمرى ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري!

فقال ابن عباس : إذا كان عندك الأمر كذلك فلم أذنت لهما؟ وهلّا حبستهما وأوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرّهما؟!

فقال عليه‌السلام : يا ابن عباس ، والله لا عدلت عمّا أخذ الله عليّ من الحكم بالعدل والقول بالفصل ، أتأمرني أن أبدأ بالظلم ، وبالسيئة قبل الحسنة ، وأعاقب على الظنّة والتهمة ، واؤاخذ بالفعل قبل كونه؟! كلّا والله! يا ابن عباس إني أذنت لهما وأنا أعرف

__________________

(١) وليس ليلا ، فلا شمعة!

٤٧٨

ما يكون منهما ، لكنني استظهرت بالله عليهما! والله لأقتلنّهما! وليخيبنّ ظنّهما! ولا يلقيان من الأمر مناهما! فإن الله يأخذهما بظلمهما لي ونكثها بيعتي وبغيهما عليّ (١).

وكانت أم راشدة مولاة أم هاني بنت أبي طالب اخت علي عليه‌السلام تخدمه ، فلما ولّيا من عنده سمعتهما يقولان : ما بايعناه بقلوبنا وإنما بايعناه بأيدينا! فأخبرت عليا بمقالتهما فتلا قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(٢).

هذا كل ما نقله وأفاده الشيخ المفيد في «الجمل» في موقفهما هنا.

موقفهما عند الإسكافي والطوسي :

وقد روى قبله الإسكافي في «نقض رسالة العثمانية» للجاحظ قال :

بينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع طلحة والزبير فانتحيا عن علي عليه‌السلام إلى ناحية عنه في المسجد وجلسا فيها! ثم طلع عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم فجلسوا إليهما! ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم ، وأخذوا يتحدّثون فيما بينهم ساعة.

ثم قام الوليد بن عقبة فجاء إلى علي عليه‌السلام فقال :

يا أبا الحسن (كذا) إنك قد وترتنا جميعا ، أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا ، وخذلت أخي (عثمان) يوم الدار بالأمس! وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش! وأما مروان فسخّفت أباه عند عثمان إذ ضمّه إليه ، ونحن إخوتك

__________________

(١) الجمل للمفيد : ١٦٤ ـ ١٦٧ عن كتاب حرب الجمل لأبي مخنف ، والثقفي عن رجاله الكوفيين والشاميين ، قال : ولم يورد أحد من أصحاب الآثار نقيضه أو ضدّه.

(٢) الفتح : ١٠ ، والخبر في الجمل للمفيد : ١٦٥ و٤٣٧.

٤٧٩

ونظراؤك من بني عبد مناف! فنحن نتابعك (١) اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان ، وأن نقتل قتلته! وإنا إن خفناك تركناك والتحقنا بالشام (مما يشير إلى أن هذا كان بعد مخالفة معاوية وإثارته لهم).

فقال عليه‌السلام : أما ما ذكرتم من وتري إياكم ؛ فالحق وتركم.

وأما وضعي عنكم ما أصبتم ؛ فليس لي أن أضع حق الله ، عنكم ولا عن غيركم.

وأما قتلي قتلة عثمان ؛ فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم (أو : قاتلتهم) أمس ، ولكن لكم عليّ إن خفتموني أن اؤمّنكم ، وإن خفتكم أن أسيّركم!

فقام الوليد إلى أصحابه فحدّثهم ، وافترقوا على إظهار العداوة وإشاعة الخلاف!

فلما ظهر ذلك من أمرهم قال عمّار بن ياسر لأصحابه : قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم ، فإنه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن على إمامهم ، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير ، والأعسر العاق (يعني طلحة).

فقام أبو الهيثم بن التيهان (ذو الشهادتين) وأبو أيوب خالد بن يزيد وسهل بن حنيف وجماعة معهم (٢) منهم أبو حيّة الوداعي ورفاعة بن رافع.

قال مالك بن أوس الحدثان الأنصاري : فقاموا وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم.

__________________

(١) نقله المعتزلي في شرح النهج ٦ : ٣٩ : نبايعك ، وهو تصحيف فإنهم كانوا قد بايعوا ، وإنما كانت الكلمة : نتابعك.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٣٨ ـ ٣٩ عن نقض العثمانية ، لأبي جعفر الإسكافي (م ٢٤٠ ه‍).

٤٨٠