موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

على حمار ومعه الحسنان يمشيان معه. وكان عثمان قد كتب إلى معاوية يستمدّه على الثوّار العراقيين والمصريين وقد نزلوا ذا خشب ، وخرج بكتابه أبو الجهم صخر العدوي وكان معاديا لعلي عليه‌السلام ، قال : وكنت قد طويت الكتاب طيّا لطيفا (دقيقا) وجعلته في قراب سيفي ـ كما فعل حامل كتابه إلى مصر ـ وتوخّيت ظلام الليل وتنكّبت عن الطريق ، حتى إذا كنت بجانب الجرف ـ من نواحي المدينة ـ إذا رجل معه رجلان يمشيان أمامه وهو على حماره ، فعرفني ولم أعرفه حتى سمعت صوته ناداني : يا صخر أين تريد؟ قلت : البدو! فقال : فما هذا الذي في قراب سيفك؟! فجزته (١) ولم يعرض له لعله لعلمه بما سيكون من أمره.

ومآل الحصار :

روى الطبري عن سيف التميمي عن الحسن البصري : أن الثوّار نزلوا المسجد وما حوله ، وصلّى عثمان بهم عشرين يوما ثم منع منها (٢) وفي آخر عنه : أنه صلّى بهم ثلاثين يوما ثم منع ، فصلّى أميرهم الغافقي بالمصريّين والبصريّين ، ودام الحصار أربعين يوما (٣) وحصر عن الماء العذب. فكلّم علي عليه‌السلام مع طلحة ليدخل على عثمان الماء ، حتى أدخله عليه (٤) وجاء في خبره عن ابن اسحاق عن ابن الزبير عن أبيه أن طلحة كان يصلّي بهم (٥) وذلك لأول ذي الحجة (٦) وفي آخر عن الواقدي : أن الأشتر والكوفيين ، وحكيم العبدي والبصريين اعتزلوا الحصار ،

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٩٤.

(٢) الطبري ٤ : ٣٥٣.

(٣) الطبري ٤ : ٣٥٤.

(٤) الطبري ٤ : ٣٦٤.

(٥) الطبري ٤ : ٣٧١.

(٦) الطبري ٤ : ٤٢٣.

٤٢١

فكان عديس البلوي وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان ، وهم خمسمائة ، وأقاموا على الحصار تسعة وأربعين يوما (١).

قتال الدار ومقتل عثمان :

لما مضت أيام التشريق أطافوا بداره ، وقام رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى نيار بن عياض الأسلمي وكان شيخا كبيرا ، فنادى عثمان ، فأشرف عليهم ، فبينما هو يذكّره الله أن يعتزلهم إذ رماه كثير من الصلت الكندي بسهم فقتله ، فطلبوا منه أن يدفع إليهم قاتله فقال : لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي (٢).

وكان دار آل حزم بجوار دار عثمان ، فلما أصبحوا يوم الجمعة اجتمع جمع منهم وجاءوا بخشب ونضحوه بالنّفط (٣) وطلعوا على دار عثمان من دار آل حزم يقدمهم كنانة بن عتّاب (٤) فأجّجوا الباب حتى إذا احترق واحترقت سقيفته فخرّت ، فدخلوا (٥).

فبارزهم مروان ، فقال ابن عديس لابن عروة : قم إلى هذا الرجل ، فقام إليه فضربه على عنقه أو رقبته فقطع علباوته فسقط ، فقام إليه رفاعة بن رافع الأنصاري ليجهز عليه ، وكانت مرضعة مروان حاضرة فوثبت عليه وحمله أبو حفصة مولى مروان إلى بيتها (٦) ثم قاتلوا من مع عثمان حتى انهزموا

__________________

(١) الطبري ٤ : ٣٧٨.

(٢) الطبري ٤ : ٣٨٢.

(٣) وعليه فهذه أول بادرة لاستعمال النفط في الإسلام.

(٤) الطبري ٤ : ٣١٠ عن الواقدي عن أبي حفصة مولى عثمان.

(٥) الطبري ٤ : ٣٨٨ عن سيف ، وفي : ٣٩٢ عنه عن المغيرة بن شعبة وانظر : ٣٨٢.

(٦) الطبري ٤ : ٣٨١ عن ابن إسحاق والواقدي ، وانظر وقارن : ٣٨٢ فعاش مروان قصير العنق لقطع عصبته ٤ : ٣٩٤.

٤٢٢

في طرق المدينة وبقي عثمان في ناس من أهل بيته (١) وكانوا ثمانية عشر رجلا (٢).

ولم يكن يومئذ في بيت المال إلّا غرارتان من ذهب ، وكان عثمان قد أمر رجلا من الأنصار وآخر من همدان أن يقوما عليه.

وكان الزبير قد خرج من المدينة على طريق مكة لئلّا يشهد مقتله ، وكان ابنه عبد الله مع مروان في الدار يقاتل عن عثمان ، ودخل محمد بن أبي بكر فتوعّد ابن الزبير فهرب ، فدخل محمد على عثمان وأخذ بلحيته ثم أرسلها ، ودخلوا عليه فمنهم من يلكزه ومنهم من يجؤه بنعل سيفه ، ووجأه رجل بمشاقص في ترقوته فسال دمه وغشي عليه ، واخترط التّجيبي سيفه على بطنه فوقته امرأته نائلة ابنة الفرافصة فقطع أناملها ، واتّكأ على سيفه في صدره فقتله (٣) وأرادوا حزّ رأسه فوقعت عليه نائلة وأمّ البنين يصحن ومنعنهم ، فقال البلوي : اتركوه (٤) وكان ذلك صباح الجمعة عند الكلبي ، وضحاها عند الواقدي لثماني عشرة من ذي الحجة (٥).

وروى الطبري عن الواقدي عن موسى بن عقبة : أن سعد بن أبي وقاص دخل على عثمان قبل قتله ، فقال له مروان : إن كنت تريد أن تذبّ عنه فعليك بابن أبي طالب فإنه لا يجبه!

وكان علي عليه‌السلام قاعدا في المسجد بين القبر والمنبر ، فأتاه سعد وقال له :

يا أبا حسن ، فداك أبي وأمي! جئتك بخير ما جاء به أحد إلى أحد! قم فقد أعطى خليفتك من نفسه الرضا ، فتحقن دمه ويرجع الأمر على ما نحب!

__________________

(١) الطبري ٤ : ٣٨٣.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٤٦.

(٣) الطبري ٤ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ عن سيف.

(٤) الطبري ٤ : ٤١٤ عن الواقدي.

(٥) الطبري ٤ : ٤١٦ : أي كان يوم الغدير.

٤٢٣

فقال له علي عليه‌السلام : يا أبا إسحاق ، والله ما زلت أذبّ عنه حتى أني لأستحيي! ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص صنعوا به ما ترى! فإذا نصحته وأمرته أن ينحّيهم استغشّني حتى جاء ما ترى!

وكأنّ ابن أبي بكر إذ خرج من عند عثمان جاء الآن إلى علي عليه‌السلام فسارّه ، فأخذ عليّ بيد سعد ونهض وهو يقول له : وأيّ خير توبته هذه! فانصرف سعد إلى داره ، فما بلغها حتى سمع الناس أن عثمان قد قتل (١) وهو ابن ثمانين ، أو اثنين وثمانين ، أو ست وثمانين ، أو ثمان وثمانين ، أو تسعين عاما ، وكان أصلع أسمر وبوجهه جدريّ (٢) يصفّر لحيته وأسنانه مشدودة بالذهب (٣).

وروى الواقدي عن ابن حزم : أن المؤذّن سعد القرظ أذّن لهلال ذي الحجة ، ثم ذهب إلى عثمان فآذنه بالصلاة فقال : لا أنزل اصلي ، فاذهب إلى من يصلّي ، فجاء المؤذّن إلى علي عليه‌السلام فأمر سهل بن حنيف فصلّى بهم ، حتى إذا كان يوم الجمعة وعيد الأضحى فصلّى بهم علي عليه‌السلام حتى قتل عثمان ، فجاء المؤذن ذلك اليوم إلى عليّ وسأله : من يصلّي بالناس؟ فقال له : ناد خالد بن زيد ، فناداه فإذا هو أبو أيّوب الأنصاري فكان يصلّي بهم أياما ، ثم صلّى بعد ذلك بالناس علي عليه‌السلام (٤).

جيش الشام وقميص عثمان :

والذي دفع المقاتلين عن عثمان إلى ذلك هو أنه كان قد بلغهم أن مدد أهل

__________________

(١) الطبري ٤ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) الطبري ٤ : ٤١٨ ـ ٤١٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٦.

(٤) الطبري ٤ : ٤٢٣.

٤٢٤

الشام قد توجّهوا مقبلين (١) بل مقربين ولعلهم من المدينة على ليلة ، وكانوا أربعة آلاف عليهم يزيد بن أسد بعثهم معاوية وأمرهم أن يقربوا المدينة ولا يدخلوها حتى يأتيهم أمره!

فكتبت نائلة إليه تصف له دخول ابن أبي بكر عليه ومقتله ، ونزعت قميص عثمان المضرّج بدمه وعقدت خصلة لحيته المنتوفة بزرّ القميص ، ثم دعت إليها النعمان بن بشير الأنصاري فأرسلته برسالتها والقميص إلى مدد الشام ، فمضى بهما حتى ناولهما ليزيد بن اسيد ، فانصرفوا بهما إلى الشام (٢).

زمان مقتل عثمان :

إن أجمع كتاب جامع لأخبار التاريخ هو تاريخ الطبري ، وهو قد عقد فصلا عنونه بذكر الخبر عن قتل عثمان وكيف قتل ، فذكر فيه أربعين خبرا في ثلاثين صفحة ، جاء في الخبر ٢٢ ما ذكرناه : لما مضت أيام التشريق (١٣ ذي الحجة) أطافوا بداره وجمع هو حشمه وخاصّته ، واحتجّ عليه الشيخ الصحابي نيار بن عياض فقتلوه بسهم فأحرقوا باب داره فتقاتلوا حتى قتل عثمان (٣). وظاهر هذا أن ذلك كان بعد أيام التشريق.

وجاء في الخبر عن الواقدي : أن ذلك كان يوم الجمعة ١٨ ذي الحجة (٤) أي يوم الغدير ، ومن دون هذا الطريق نقل في توقيت القتل عن الواقدي

__________________

(١) الطبري ٤ : ٣٨٢.

(٢) الإمامة والسياسة : ٤٤.

(٣) الطبري ٤ : ٣٨٢.

(٤) الطبري ٤ : ٣٧٨.

٤٢٥

بثلاثة طرق اخرى هذا التاريخ نفسه ، ثم زاد التأكيد عليه بسبعة طرق اخرى أيضا ، ثم لم يذكر إلّا قولا قيل إنه كان في أيام التشريق (١) ، وعليه فلا يمكن لهذا القول أن يعارض تلك الطرق المتظافرة ، وأن القول بما بعد أيام التشريق أيضا كان بمسامحة وليس بدقة.

وجثمان عثمان :

وأرسلت امرأته نائلة إلى أبي جهم بن حذيفة المخزومي ، وجبير بن مطعم العدوي ، وحكيم بن حزام الأسدي القرشي ، وحويطب بن عبد العزّى أن يدفنوه ، فقالوا : لا نقدر أن نخرج به جهارا وهؤلاء المصريّون على الباب (٢) فأرسلت إلى ابن عديس البلوي ، أن يقوم بأمرها حتى تدفن الأموات ، فزجرها (٣) فلبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يقدرون دفنه ثم حملوه (٤) وروى عن أبي بشر العائذي قال : كنت بالمدينة حين قتل عثمان (٥) فنبذ ثلاثة أيام لا يدفن (٦).

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤١٥ ـ ٤١٧.

(٢) الطبري ٤ : ٤١٣.

(٣) الطبري ٤ : ٤١٤.

(٤) الطبري ٤ : ٤١٣.

(٥) الطبري ٤ : ٤٢٧.

(٦) الطبري ٤ : ٤١٢.

٤٢٦

عهد

الإمام عليّ عليه‌السلام

٤٢٧
٤٢٨

علي عليه‌السلام حين قتل عثمان ، والبيعة :

روى الطبري بسنده عن محمد بن الحنفية قال : حين قتل عثمان كنت مع أبي حتى قام فدخل منزله (١) وعنه قال : كنت معه حين أمسى ، فأتاه ناس من أصحاب رسول الله فقالوا : قد قتل هذا الرجل ، ولا بدّ للناس من إمام. فقال : أو تكون شورى؟ قالوا : أنت لنا رضا. قال : إذن فالمسجد ، ليكون عن رضا من الناس (٢).

وروى الطبري عن النميري البصري ، عن المدائني بسنده قال : في يوم السبت بعد مقتل عثمان خرج علي عليه‌السلام إلى السوق ، فارتاح إليه الناس واتبعوه ، فتوجّه إلى حائط بني عمرو بن مبذول ومعه أبو عمرة بن محصن ، فدخله

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٢٧.

(٢) الطبري ٤ : ٤٢٩. وانظر التحريف في خبري ابن الحنفية في أنساب الأشراف ٢ : ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٤٢٩

وقال له : أغلق الباب! فوصل الناس يقدمهم طلحة والزبير فقرعوا الباب ودخلوا ، وتقدّما وقالا : يا علي ابسط يدك نبايعك (١).

وهرب بنوا أميّة وأول من خرج منهم هرب الوليد وسعيد إلى مكة وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع إلّا من لم يطق الهرب ، وكان الزبير خارجا فرجع ، وكان طلحة في حائط له فجاءوا بهما وجمعوا أهل المدينة فقام قائم من أهل مصر وقال لهم : أنتم أهل الشورى وعقد الإمامة ، وأمركم نافذ على الامة ، فانظروا رجلا تنصبونه ونحن تبع لكم. فتنادى الجمهور : نحن راضون بعليّ عليه‌السلام فقالوا لهم : يا أهل المدينة ، دونكم فقد أجّلناكم يومين (الجمعة والسبت) فو الله لئن لم تفرغوا لنقتلنّ غدا (الأحد) عليا وطلحة والزبير واناسا كثيرا!

فغشى الناس عليا عليه‌السلام فقالوا : قد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من بين القرى ، فهات نبايعك! فقال عليه‌السلام :

«دعوني والتمسوا غيري ؛ فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول» (٢).

فقالوا : ننشدك الله! ألا ترى ما نرى! ألا ترى الإسلام! ألا ترى الفتنة! ألا تخاف الله؟!

فقال عليه‌السلام (٣) : إن تركتموني فإنما أنا كأحدكم ، إلّا أني أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم! وتواعدوا على غد (الأحد) (٣).

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٢٨.

(٢) ونقله الرضيّ في نهج البلاغة ، الخطبة ٩٢ ، ولا مصدر غير الطبري ، والخبر عن سيف التميمي! وعنه النقل في الجمل : ١٢٩ للمفيد ، وعن الطبري في الكامل وعنه في بحار الأنوار ٣٢ : ٨.

(٣) الطبري ٤ : ٤٣٣ ـ ٤٣٥.

(٣) الطبري ٤ : ٤٣٣ ـ ٤٣٥.

٤٣٠

الإذن بدفن عثمان :

أمسى المساء يوم الأحد العشرون من ذي الحجة على موعد غد للبيعة العامة لعليّ عليه‌السلام ، هذا ولعثمان ثلاثة أيام لم يدفن ، كما مرّ في خبر للطبري عن أبي بشير العائذي الذي حضر المدينة يومئذ فقال : ثم إن جبير بن مطعم العدوي وحكيم بن حزام الأسدي القرشي تقدّما إلى علي عليه‌السلام وطلبا إليه أن يأذن لأهل عثمان في دفنه. فأذن لهم. فخرج به ناس يسير من أهله ، وسمع بذلك فقعدوا له في الطريق ورجموا سريره وهمّوا بطرحه! فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم أن يكفّوا عنه ، فكفّوا فانطلقوا إلى حائط بالمدينة يقال له : حشّ كوكب ، كانت مقبرة اليهود في المدينة ، فدفنوه فيه (١) وذلك بين المغرب والعشاء ، وتبعتهم نائلة وغلام لعثمان بسراج (٢).

البيعة العامة :

فلما أصبحوا حضر الناس المسجد ، وجاء علي عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤١٢ ، وتمام الخبر : فلما غلب معاوية بن أبي سفيان أمر بهدم ذلك الحائط إلى جانب البقيع ، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل بمقابر المسلمين! ثم روى عن الواقدي بسنده قال : فلما ملكت بنو اميّة أدخلوا ذلك الحشّ في البقيع فكان مقبرة بني أميّة ، الطبري ٤ : ٤١٣.

(٢) الطبري ٤ : ٤١٣ ، هذا ولم يغسّل وكفّن في ثيابه وبدمائه ، ولم يغسّل غلاماه : صبيح ونجيح وجرّا بأرجلهما ورمى بهما على البلاط ، فأكلتهما الكلاب! ثم دفنوهما بجنبه. الطبري ٤ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، ونزا عمير بن ضابئ على جنازة عثمان فكسر ضلعا منه انتقاما لأبيه الذي مات في سجن عثمان ، ٤ : ٤١٤.

(٣) الطبري ٤ : ٤٣٣ ـ ٤٣٥.

٤٣١

وروى الطبري عن النميريّ البصري عن المدائني عن الشعبي : أن عليا عليه‌السلام لما قال للناس : أمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون ، رجعوا عنه ثم قالوا فيهم : إن رجعنا ورجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر ، لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة (١)!

وروى المفيد بإسناده قال : قام أبو الهيثم ابن التيّهان الأنصاري في الأنصار فقال لهم :

يا معاشر الأنصار! قد عرفتم مكاني من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واختياره إيّاي ، وعرفتم رأيي ونصحي لكم ، فردّوا هذا الأمر إلى أقدمكم إسلاما وأولاكم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعل الله أن يجمع به ألفتكم ويحقن به دماءكم! فأجابه الأنصار بالسمع والطاعة.

وقام أبو أيّوب الأنصاري ورفاعة بن رافع وعمار بن ياسر (وهذا أول ذكر له هنا) إلى علي عليه‌السلام وقالوا : قد رأيت ما صنع عثمان وما أتاه من خلاف الكتاب والسنة ، وقد أفسد هذا الأمر ، فابسط يديك نبايعك لتصلح من أمر هذه الامة ما قد فسد.

فقال لهم علي عليه‌السلام : قد رأيتم ما صنع بي وعرفتم رأي القوم ، فلا حاجة لي فيهم.

فقالوا للأنصار : انتم أنصار الله وأنصار رسوله ، وبرسوله أكرمكم الله تعالى ، وقد علمتم فضل عليّ وسابقته في الإسلام وقرابته ومكانته التي كانت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن ولي أنالكم خيرا!

فقالوا : نحن أرضى الناس به ولا نريد بديلا! ثم اجتمعوا عليه (٢).

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٣٣.

(٢) الجمل (للمفيد) : ١٢٨ ـ ١٢٩ ، عن ابن أبزى.

٤٣٢

وروى الطبري عن أبي بشير العائذي قال : كنت بالمدينة حين قتل عثمان ، فبعد ما قتل عثمان اجتمع المهاجرون وفيهم طلحة والزبير ، والأنصار ، واختلفوا إلى علي عليه‌السلام مرارا ، حتى أتوه آخر مرة فقالوا له : قد طال الأمر ولا يصلح الناس إلّا بإمرة!

فقال لهم : إنكم قد اختلفتم إليّ وأتيتم ، فأنا قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم ، وإلّا فلا حاجة لي فيه. قالوا : ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله.

فجاء فصعد المنبر واجتمع الناس فقال لهم : إني قد كنت كارها لأمركم فأبيتم إلّا أن أكون عليكم ، ألا وإنه ليس لي أمر دونكم إلّا أن مفاتيح مالكم معي ، ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم! رضيتم؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد عليهم (١).

وروى الطوسي في أماليه بسنده عن مالك بن أوس الأنصاري : أنه عليه‌السلام قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلّى على النبي وآله ثم قال : أما بعد ، فإنّي كنت كارها لهذه الولاية ـ يعلم الله في سماواته وفوق عرشه ـ على امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى اجتمعتم على ذلك فدخلت فيه ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أيّما وال ولي أمر أمّتي من بعدي اقيم يوم القيامة على حدّ الصراط ، ونشرت الملائكة صحيفته ، فإن نجا فبعذابه ، وإن جار انتفض به الصراط انتفاضة تزيل ما بين مفاصله ، حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام ، ويخرق به الصراط ، فأول ما يلقى به النار أنفه وحرّ وجهه» ولكنّي لما اجتمعتم عليّ نظرت فلم يسعني ردّكم حيث اجتمعتم ، أقول ما سمعتم ، واستغفر الله لي ولكم (٢).

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٢) أمالي الطوسي : ٧٢٧ ، الحديث ١٥٣٠ ، م ٤٤.

٤٣٣

فروى الطبري عن النميري البصري عن المدائني عن الشعبي عن أهل الكوفة كانوا يقولون : كان الأشتر أول من بايعه ، قام إليه وأخذ بيده فقبضها! فقال : أبعد ثلاثة (أيام)! ثم بايعه (١) فلعلّها كانت يوم الاثنين ٢١ ذي الحجة.

وروى المفيد عن الثقفي بسنده عن زيد بن أسلم الأنصاري قال : ثم بايعه الناس على المنبر ، أوّلهم طلحة بن عبيد الله صعد المنبر فصفق على يد عليّ بيده وهي شلّاء (من يوم أحد) فقال رجل أسدي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أول يد صفقت على يده شلّاء! يوشك أن لا يتم هذا الأمر ، ثم بايع الزبير ، وبايعه الناس بعدهما (٢).

وكان الذي يأخذ عليهم البيعة : عمار بن ياسر وأبو الهيثم ابن التيّهان ، وهما يقولان لهم : نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله ، وإن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم ، ولا بيعة في أعناقكم ، والقرآن امامنا وامامكم (٣).

ووصف علي عليه‌السلام ذلك فقال : جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني ، وبسطتم يدي فكففتهما ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم عليّ تداكّ الهيم على حياضها يوم ورودها ، وازدحمتم عليّ حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضا أو أنكم قاتليّ ، وحتى انقطع النعل وسقط الرّداء ، ووطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن حمل إليها الصغير وخرج إليها الكبير ، وتحامل إليها العليل ، وحسرت إليها الكعاب ، وقلتم :

__________________

(١) الطبري ٤ : ٤٣٣ ، وفيه أن الأشتر قال له : أما والله لئن تركتها لتعصرنّ عينيك عليها حينا! وأظنها إضافة من الشعبي ، فهي عن أدب الأشتر بعيدة جدا ، ولا سيّما بلا جواب عن علي عليه‌السلام! وجاء في الإمامة والسياسة : ٤٦ : أو لتعصرنّ عينيك عليها ثالثة. ولا يستقيم المعنى فهي الرابعة وليست الثالثة من الخلافة.

(٢) الجمل (للمفيد) : ١٣٠ ، ومرّ صدره عن الطبري.

(٣) أمالي الطوسي : ٧٢٧ ، الحديث ١٥٣٠ ، م ٤٤.

٤٣٤

بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلّا بك ، وبايعنا لا نتفرّق ولا نختلف (١).

فما راعني إلّا والناس إليّ كعرف الضبع ينثالون عليّ من كلّ جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم (٢).

فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل (النوق ذوات الأطفال العائذة بها) على أولادها ، تقولون : البيعة البيعة! وقبضت يدي فبسطتموها ، ونازعتكم يدي فجاذبتموها (٣).

فبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين ، بل طائعين مخيّرين (٤).

وإني لم أرد الناس حتى أرادوني ، ولم ابايعهم حتى بايعوني ، وإن العامة لم تبايعني لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر (٥).

خطب الأنصار :

وقام قوم من الأنصار فتكلّموا ...

فكان أول من تكلم خطيبهم ثابت بن قيس الأنصاري ، قام فقال :

__________________

(١) المسترشد : ٤١٨ ونهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٩ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٩٣.

(٢) رواها الصدوق في كتابيه علل الشرائع ١ : ١٨١ ، ومعاني الأخبار : ٣٦٠ ، عن عكرمة عن ابن عباس ، وهي جلسة وليست خطبة ، وإنما سمّاها الرضي خطبة في نهج البلاغة الخطبة ٣ ، وانظر بسندين المعجم المفهرس : ١٣٧٧.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٣٧ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨٧.

(٤) أمالي الطوسي : ٧١٨ ، الحديث ١٥١٨ عن الباقر عليه‌السلام عن ابن أبي عمرة الأنصاري ، ونهج البلاغة ك ١ ، وفي المعجم : ١٣٩٣.

(٥) نهج البلاغة ك ٥٤ عن المقامات للاسكافي ، والإمامة والسياسة ١ : ٧٠ ، وانظر المعجم المفهرس : ١٣٩٧.

٤٣٥

يا أمير المؤمنين ؛ والله لئن كانوا تقدّموك في الولاية فما تقدّموك في الدين ، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم ، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك ولا يجهل مكانك ، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون ، وما احتجت إلى أحد مع علمك.

ثم قام ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت فقال : يا أمير المؤمنين ؛ ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك ، ولا كان المنقلب إلّا إليك ، ولئن صدقنا أنفسنا فيك فلأنت أقدم الناس إيمانا ، وأعلم الناس بالله ، وأولى المؤمنين برسول الله ، لك ما لهم وليس لهم ما لك.

وقام صعصعة بن صوحان العبدي فقال : يا أمير المؤمنين ؛ والله لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، ولهي إليك أحوج منك إليها.

ثم قام مالك بن الحارث الأشتر النخعي والتفت إلى الناس وقال لهم : أيها الناس ، هذا وصيّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء ، الحسن الغناء ، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنّة الرضوان ، من كملت فيه الفضائل ، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل.

ثم قام عقبة بن عمرو الأنصاري وأضاف يقول : من له يوم كيوم العقبة وبيعة كبيعة الرضوان ، والإمام الأهدى الذي لا يخاف جوره ، والعالم الذي لا يخاف جهله (١).

تخلّفوا عن البيعة أو القتال؟

ذكر المعتزلي الاسكافي في «المعيار والموازنة» : أنه عليه‌السلام لما بلغه تخلّف ابن عمر عن بيعته ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمّد بن مسلمة جمع الناس فصعد المنبر وخطب فيهم ثم نزل وبعث عليهم فأتوه فعاتبهم وقال لهم : فلم تكرهون القتال متى

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٩.

٤٣٦

وقد تشاورتم في بيعتي ثلاثة أيام بلياليهن؟ فهل تخرجون من بيعتي؟ قالوا : لا والله ، ولكنّا نكره قتال أهل الصلاة (١) وعليه فالتخلّف عن القتال لا البيعة ، وما في صدر الخبر إنما هو مسامحة في التعبير ، وصرّح بذلك في اسامة فقال : قعد عن نصرة أمير المؤمنين على أعدائه (٢).

وعن الشعبي فصّل البلاذري عذر اسامة ولكنه للقتال لا عن البيعة ، قال : قال اسامة لعلي عليه‌السلام : أنت أحبّ الناس إليّ وآثرهم عندي ، ولو كنت بين لحيي أسد لأحببت أن أكون معك ؛ ولكنّي عاهدت الله أن لا اقاتل رجلا يقول لا إله إلّا الله.

وكذا ما رواه عن ابن مسلمة قال : إن رسول الله أمرني إذا اختلف الناس أن أخرج بسيفي فأضرب به عرض احد حتى ينقطع ، فإذا انقطع أتيت بيتي فكنت فيه لا أبرح حتى تأتيني يده خاطفة أو ميتة قاضية! فخلّى سبيله ، فهل فعل ابن مسلمة ما ادّعاه على رسول الله؟!

وكذا ما رواه عن وهب بن صيفي الأنصاري قال : إن ابن عمّك (!) قال لي : قاتل المشركين بسيفك ، فإذا رأيت فتنة فاكسره واجلس في بيتك! فتركه ، وكأن كلّا منهم قد تعلّم ممّن سبقه عذرا متشابها ، وكلّ كأنه عن القتال لا عن البيعة.

قال : وجيء بسعد بن أبي وقاص فقيل له : بايع ، فقال : يا أبا الحسن! إذا لم يبق غيري بايعتك! فقال عليه‌السلام : خلّوا سبيل أبي إسحاق.

قال : وأتي بعبد الله بن عمر ملببا ورفع عليه السيف وقيل له : بايع (٣) قال : لا ابايع حتى يجتمع الناس عليك! قال : فأعطني حميلا (كفيلا) : أن لا تبرح.

__________________

(١) المعيار والموازنة : ١٠٥ و ١٠٦.

(٢) المعيار والموازنة : ٣٤٠.

(٣) كما فعل أبوه بعليّ عليه‌السلام لأبي بكر.

٤٣٧

فقال : لا اعطيك! فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين ، إن هذا رجل قد أمن سوطك وسيفك ، فأمكنّي منه! فقال علي عليه‌السلام : دعه فأنا حميله (كفيله) فو الله ما علمته إلّا سيّئ الخلق صغيرا وكبيرا (١).

أجل ، نقل قول هذين ظاهر في التخلّف عن البيعة دون القتال.

ويعارضه خبر المعتزلي الإسكافي في «المعيار والموازنة» في ابن عمر أنه عليه‌السلام بعث عليه فأتاه ، بلا تلبيب ولا سيف عليه وقال : يا أبا الحسن ؛ أنشدك الله والرّحم أن تدخلني في ما لا أعرف (من القتال) إنما أنا حمل رداح ، لا غذوّ له ولا رواح (٢) ثم انصرف القوم.

فذكروا : أن عمّار بن ياسر قال : يا أمير المؤمنين ، ائذن لي في كلام ابن عمر ، فأذن له ، فكلّمه فيه فقال ابن عمر : هذه البيعة كبيعة عثمان ، غير أن جاء أمر فيه السيف فضعفت عنه (٣).

نعم روى الطبري عن النميري البصري عن المدائني عن أبي مخنف عن محمد بن الحنفية قال : بايعت الأنصار عليا إلّا نفيرا يسيرا ورووا عن المدائني أيضا عن عبد الله بن الحسن قال : بايعت الأنصار عليا إلّا نفيرا يسيرا منهم : أبو سعيد الخدري ، وحسّان بن ثابت الشاعر ، ورافع بن خديج ، وزيد بن ثابت ، وفضالة بن عبيد ، وكعب بن عجرة ، وكعب بن مالك الشاعر ، ومحمد بن مسلمة ، ومسلمة بن مخلّد (وعبد الله بن سلام وقدامة بن مظعون) (٤).

__________________

(١) أنساب الأشرف ٢ : ٢٠٧ و٢٠٨.

(٢) المعيار والموازنة : ١٠٦ ، والحمل الرداح : الكبش الكبير الألية فهو بطيء الحركة!

(٣) المصدر السابق : ١٠٧.

(٤) الطبري ٤ : ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، وانظر : ٤٣١ عن ابن سعد عن الواقدي.

٤٣٨

وقال المسعودي : قعد عن بيعته جماعة عثمانية خرجوا عن أمره ، منهم : أهبان (وهب) بن صيفي ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الله بن سلّام ، وعبد الله بن عمر ، وقدامة بن مظعون (المطعون بشرب الخمر) والمغيرة بن شعبة. ومن الأنصار : أبو سعيد الخدري ، ورافع بن خديج ، وزيد بن ثابت ، وفضالة بن عبيد ، وكعب بن عجرة ، والنعمان بن بشير ، ومحمد بن مسلمة ومسلمة بن خالد ، وحسّان بن ثابت وكعب بن مالك الشاعران.

ثم نقل عن أبي مخنف : أن هذين وآخرين من العثمانية أتوا عليا عليه‌السلام ، وتكلم كعب كلاما كثيرا قال فيه : يا أمير المؤمنين ، من أعتب فليس مسيئا ، وخير كفر محاه عذر ... ثم بايع وبايع من ذكرنا جميعا (١) وعليه فهم متخلّفون عن القتال لا البيعة.

وروى المفيد في «الارشاد» عن الشعبي قال : تخلّف عن بيعة علي عليه‌السلام أسامة بن زيد ، وحسّان بن ثابت وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، فقال عليه‌السلام : قد بلغني عن سعد وابن مسلمة واسامة وعبد الله وحسّان بن ثابت امور كرهتها لهم ، والحقّ بيني وبينهم (٢).

هذا ، ولكنّه عدل عنه في «الجمل» واعتمد على خبر أبي مخنف في كتابه في حرب البصرة ، وعن غيره : أنه إنما بلغه تخلّفهم عنه إلى البصرة فقال لهم : فما الذي يقعدكم عن صحبتي؟ ألستم على بيعتي؟ قالوا : بلى ، فقال : انصرفوا فسيغني الله عنكم (٣). دون من سواهم وهذا هو القول الفصل.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٥٣ ، ٣٥٤ وقبله في المعيار والموازنة للإسكافي : ١٠٦.

(٢) الارشاد ١ : ٢٤٣ وقبله في المعيار والموازنة للإسكافي : ١٠٦.

(٣) الجمل : ٩٥ ، ٩٦.

٤٣٩

أخبار خطبه عليه‌السلام بعد البيعة :

واختلفت الأخبار في خطبه عليه‌السلام بعد البيعة :

ففي خبر : أنه عليه‌السلام حمد الله وأثنى عليه ، ثم وعد الناس من نفسه خيرا ، ثم قال :

واعلموا أن الدنيا قد أدبرت ، وأن الآخرة قد أقبلت ، ألا وإن اليوم المضمار (ميدان السباق) والسبق غدا ، والسبقة الجنة والغاية النار. ألا وإن الأمل يسهى القلب ويكذب الوعد ، ويأتي بغفلة ويورث حسرة ، فهو غرور وصاحبه في عناء. فافزعوا إلى قوام دينكم ، وإتمام صلاتكم وأداء زكاتكم ، والنصيحة لإمامكم (١) وتعلّموا كتاب الله ، وأصدقوا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم ، وأدّوا الأمانات إذا أوتمنتم ، وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه ، واعملوا الخير تجزوا خيرا يوم يفوز بالخير من قدّم الخير (٢).

فرفع بهذا البيان منع عمر عن تفسير القرآن ، وعن التحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليه فقد بدأ عهده بتعهّد عمودي الإسلام كتاب الله وسنة نبيّه ، تعليما وتحديثا.

ونقل المدائني في كتبه ، والجاحظ في «البيان والتبيين» وابن قتيبة في عيون الأخبار والكليني في «الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : لما بويع علي عليه‌السلام بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال :

الحمد لله الذي علا فاستعلى ، ودنا فتعالى ، وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، خاتم النبيين وحجة الله على العالمين ، مصدّقا للرسل الأوّلين ، وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، فصلّى الله وملائكته عليه وعلى آله.

__________________

(١) النصيحة هنا أي الإخلاص للإمام وليس إسداء النصح إليه.

(٢) الإمامة والسياسة : ٥١ ، وصدره في مروج الذهب ٢ : ٤٢٤.

٤٤٠