موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

في السنة الثامنة ، وفي التاسعة بعد عودته من تبوك نزلت سورة التوبة وفيها آية موارد الصدقات ومنها المؤلفة قلوبهم. فكان الذين يعطيهم رسول الله من الصدقات بهذا العنوان منهم رجال من أشراف العرب يتألّفهم ليسلموا ، ومنهم مسلمون كذلك ولكنهم ضعاف الإيمان فيتألّف بها قلوبهم ، منهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن (١).

ومرّ فيمن صار مع طلحة الأسدي بنو فزارة بزعيمهم عيينة بن حصن ثم كذّبه وتركه بحزبه ، وأن خالدا ظفر به فأسره وأرسله إلى أبي بكر فكان يقول : ما آمنت بالله قط ، وأسلم فتركه (٢).

ولعله هنا أو بعده استبطأ عطاءه سهمه من الصدقة لتأليفه فجاء بجمعه إلى أبي بكر على عادتهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب أبو بكر لهم بذلك ، فذهبوا بكتابه إلى عمر ليأخذوا خطّه عليه (!) فمزّقه وقال : لا حاجة لنا بكم ، فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم وإلّا فالسيف بيننا وبينكم! فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا له : أنت الخليفة أم هو؟ فقال : بل هو إن شاء ، وأمضى ما فعله عمر من منع المؤلّفة قلوبهم من سهمهم (٣).

ولعل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس لما احتبس عنهم سهمهم وبعد فترة جاءا إلى أبي بكر وقالا له : إن عندنا أرضا سبخة لا ماء فيها ولا كلأ ، فإن رأيت أن تقطعناها لعل الله ينفعنا بها بعد اليوم نحرثها ونزرعها!

ولم يكن عمر حاضرا ، فسأل أبو بكر من حوله : ما تقولون! قالوا : لا بأس. فكتب لهم بها.

__________________

(١) انظر النصّ والاجتهاد : ٤٣ المورد ٥.

(٢) الطبري ٣ : ٢٦٠.

(٣) انظر النص والاجتهاد : ٤٣ المورد ٥.

٢٢١

فانطلقا إلى عمر ليشهد لهم بما فيه (!) فأخذه منهم وتفل فيه ومحاه! فتذامرا وقالا سوءا وعادا إلى أبي بكر وقالا : ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فقال : بل هو لو شاء كان.

وجاء عمر غضبانا فوقف وقال : أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أهي لك خاصة أم بين المسلمين؟ قال : بل بين المسلمين. فقال : فما حملك على أن تخصّ بها هذين؟ قال : استشرت الذين حولي. فقال : أو كلّ المسلمين وسعتهم مشورة ورضى؟! فقال أبو بكر : قد كنت قلت لك : إنك أقوى على هذا الأمر مني ، لكنّك غلبتني (١) ومن خلال ذلك يعلم أنّ عمر كان وزيره الأول.

وفي حدّ السرقة المكررة :

روى البيهقي في سننه بسنده عن القاسم الفقيه ابن محمد بن أبي بكر : أن أبا بكر أراد أن يقطع رجلا بعد اليد والرجل ، فقال عمر : السنّة اليد.

وروى تفصيله عن صفيّة بنت أبي عبيد : أن رجلا سرق على عهد أبي بكر قد قطعت من قبل يده ورجله ، فأراد أبو بكر أن يدع يده الأخرى يتطهّر بها وينتفع ويقطع رجله الأخرى ، فقال عمر : لا والذي نفسي بيده لتقطعنّ يده الأخرى. فقطعت يده (٢).

__________________

(١) ذكر الخبر المعتزلي في شرح النهج ١٢ : ٥٨ ـ ٥٩ فيما ذكره من أخلاق عمر وسيرته بلا ذكر مصدر! وذكره العسقلاني في ترجمة عيينة من الإصابة. ونقله عنهما في النص والاجتهاد : ٤٤ هامش المورد ٥.

(٢) سنن البيهقي ٨ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، وانظر الغدير ٧ : ١٢٩.

٢٢٢

ومن أحاديث المواريث :

مضت السنّة على أن أبا الميت يحجب أخوات الميت واخوته عن توارثهم من تركته ، ولكنهم لا يحجبون بالجدّ بل يشاركهم في السدس ، ولذا روي عن الحسن البصري : أن الجدّ قد مضت سنته ، ولكنّ أبا بكر جعل الجدّ أبا ، ثم تخيّر الناس (١) أي أن الخليفة خالف السنة في ذلك ، ثم تخيّر الناس فرجعوا إلى السنة وخالفوه في مغالاته لجانب الجد دون الإخوة.

هذا في الجدّ ، وعكس الأمر في الجدّة ، وكأنهم حرموها الإرث لجانب الرجال ، فجاءت إلى أبي بكر تسأله ميراثها ، فقال لها : ما علمت لك شيئا في كتاب الله ولا سنة رسوله ، حتى أسأل الناس. فغار لها المغيرة بن شعبة فشهد أن رسول الله أعطاها السدس ، ولعله لم يثق بالثقفيّ أو لم يكتف بشهادة العدل الواحد! وأرادها بيّنة شرعية فقال : وهل معك غيرك؟ فصدّقه محمد بن مسلمة الأنصاري ، فأنفذ لها السدس (٢).

والجدّة هنا ـ كما ترى ـ مشتركة بين الجدة للأب والجدة للأم بلا تعيين في الخبر ، ولعلها كانت الجدة للأم ، فكأن أبا بكر رأى ذلك خاصّا بها : فقد رووا عن القاسم الفقيه ابن محمد بن أبي بكر قال : أتت جدّتان إلى أبي بكر ، فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم ، وفي لفظ آخر : فأعطى الميراث (السدس) أمّ الأم دون أمّ الأب! فقال له عبد الرحمن بن سهل الحارثي : لقد أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها ، وتترك الذي لو ماتت وهو حيّ كان إياها يرث! فجعل أبو بكر السدس بينهما (٣).

__________________

(١) سنن الدارمي ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، ومصادر أخر في الغدير ٧ : ١٢٩ ـ ١٣١.

(٢) الموطأ لمالك ١ : ٣٣٥ ، والمسند لأحمد ٤ : ٢٢٤ ، وساير المصادر في الغدير ٧ : ١٢٠.

(٣) الموطأ لمالك ١ : ٣٣٥ ، وساير المصادر في الغدير ٧ : ١٢٠ ـ ١٢١.

٢٢٣

وفي كتابة ورواية الحديث :

وطبيعيّ أن تناقل مثل هذه الأخبار مما لا يرغب فيه فضلا عن تدوينه ، فلعلّ مثل هذا ـ بالإضافة إلى الحفاظ على أساس الشرعية السياسية بل الدينية لخلافتهم ـ هو الذي دفع أبا بكر إلى أن :

جمع الناس .. فقال لهم : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (١).

فهل في حلال كتاب الله وحرامه الحكم بعد رسول الله نصّا صريحا؟ نعم ذلك في أحاديث رسول الله وهي ما إذا حدثوا بها اختلفوا فيها ويشتد الخلاف فيها في الناس ، ولذا فلا يحدثوا عنه شيئا ، ومن سألهم عن ذلك شيئا فليقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله! ولو كان نهى عنه رسول الله (٢).

ويبدو أنه إنما عزم على هذا أخيرا بعد أن : جمع خمس مائة حديث ، وكأنه كان يريد أن يدوّنها ، ولكنه بدا له بعد ذلك فبات ليلة يتقلّب ويفكر في ذلك كثيرا ، حتى قالت عائشة : فغمّني كثيرا فقلت : يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه ، فلما أصبح قال : أي بنيّة ، هلمّي الأحاديث التي عندك. فجئته بها ، فأحرقها (٣).

وعلى أيّ حال ، فهذه هي بداية محاولة التضييق مهما أمكن على حديث الرسول رواية وكتابة.

__________________

(١) انظر : أبو بكر ورواية الحديث ، في كتاب : من تاريخ الحديث ، للمؤلف.

(٢) من تاريخ تدوين الحديث ، للمؤلف.

(٣) المصدر الأسبق ، والنص والاجتهاد : ١٣٩ المورد ١٤ ، وتدوين السنة الشريفة : ٢٦٣ ـ ٢٦٦ و٤٢٤ ـ ٤٢٨ ، ونصوص الحديث : ٥١.

٢٢٤

وفاة أبي بكر وعهده إلى عمر :

روى الطبري عن الواقدي عن الزهري عن عائشة وعن أخيها عبد الرحمن ابن أبي بكر : أنّ أباه أبا بكر اغتسل في اليوم السابع من جمادى الآخرة ، وكان يوما باردا فأصيب بالحمّى خمسة عشر يوما لا يخرج إلى الصلاة فيصلي بهم عمر ، والناس يعودونه وعثمان ملازمه وهو كاتبه (١).

فروى عن الواقدي بسنده قال : كان أبو بكر خاليا بعثمان فقال له : اكتب :

«بسم الله الرحمنِ الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد .. ثم أغمي عليه ، فكتب عثمان : فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، ولم آلكم خيرا منه» ثم أفاق أبو بكر فقال لعثمان : اقرأ عليّ ، فقرأه عليه ، فقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن افتلتت نفسي في غشيتي! قال : نعم ، فأقرّها أبو بكر.

وخرج عمر من عنده ومعه مولى أبي بكر : شديد ، ومعه الصحيفة فيها استخلافه عمر ، وبيد عمر جريدة يشير بها إلى الناس ويقول : أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله (٢).

وقيل : بل خرج هو بالكتاب ، فقال له رجل : ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال : لا أدري! فقال الرجل : لكنّي والله أدري ما فيه : أمّرته عام أول وأمّرك العام (٣).

وروى ابن شاذان عن البكّائي عن إياس بن قبيصة الأسدي قال : سمعت أبا بكر يقول (قبل موته) : ندمت على أن (لا) أكون سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الطبري ٣ : ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(٢) الطبري ٣ : ٤٢٩ ، وانظر السيد العسكري في عبد الله بن سبأ ٢ : ١٠٠.

(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٢٥.

٢٢٥

عن ثلاث كنت أغفلتهنّ ، وودت أني كنت فعلت ثلاثا لم أفعلهنّ ، ووددت أني لم أكن فعلت ثلاثا كنت فعلتهنّ.

فسئل : ما هنّ؟ فقال : ندمت أن لا أكون سألت رسول الله عن هذا الأمر لمن هو من بعده؟ وأن لا أكون سألته عن (إرث) الجدّ (ة) وأن لا أكون سألته عن ذبائح أهل الكتاب.

وأما الثلاث اللاتي فعلتهنّ وليتني لم أفعلهنّ : فكشفي بيت فاطمة (صلوات الله عليها) وتخلّفي عن بعث أسامة ، وتركي الأشعث بن قيس أن لا أكون قتلته ؛ فإني لا أزال أراه يبغي للإسلام عوجا.

وأمّا الثلاث اللاتي لم أفعلهنّ وليتني كنت فعلتهنّ : فوددت أني كنت أقدت من خالد بن الوليد بمالك بن نويرة ، ووددت أني لم أتخلّف عن بعث أسامة ، ووددت أني كنت قتلت عيينة بن حصن وطليحة بن خويلد (١).

وروى الطبري بطرق منها عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان أبو بكر تاجرا وكان منزله بالسنح حول المدينة حتى ستة أشهر بعد النبيّ ، ثم نزل المدينة وترك التجارة وتفرّغ للأمر ، ففرضوا (؟) له في كل سنة ستة آلاف درهم. فلما حضرته الوفاة قال : انظروا كم أنفقت منذ ولّيت من بيت المال فأقبضوه عنّي بأرضي التي بمكان كذا (؟) فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف درهم (٢).

__________________

(١) الإيضاح : ١٥٩ ـ ١٦١ ، ومختصره في الاستغاثة : ٢١ ، وبتمامه باختلاف في الخصال ١ : ١٧١ ـ ١٧٣ باب الثلاثة عن عبد الرحمن بن عوف الزهري. وفي تلخيص الشافي ٣ : ١٧٠ ، الطعن السادس ، ومناقشته في شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ١٦٤ ، الطعن الثالث ، ونقل الخبر في ٢ : ٤٥ ـ ٤٧ ، عن الكامل للمبرد ١ : ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) الطبري ٣ : ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

٢٢٦

وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس ويصبّ الماء ابنه عبد الرحمن وأوصى إلى ابنته عائشة أن يدفن إلى جنب النبيّ. وتوفي في غيبة الشمس أو بين المغرب والعشاء وصلّى عليه عمر وحفروا له بحيث جعل رأسه عند كتفي أو رجلي النبيّ من خلفه (١) ، وسطّح القبر ورش عليه الماء والعرصة حمراء.

وأقامت له ابنتاه عائشة وأسماء ومعهن أم فروة اخته زوجة الأشعث بن قيس مجلس النياحة ومعهنّ نسوة ، وذلك في حجرة عائشة ولعله حول القبرين. وأقبل عمر ومعه هشام بن الوليد (أخو خالد المخزومي) وبيده درّته! حتى وقف بباب الحجرة بحيث يسمعن صوته فنهاهن عن ذلك ، فلم يقلعن فنادى : يا هشام ، ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة اخت أبي بكر. وسمعته عائشة ، وأراد هشام ليدخل فقالت له عائشة : إني أحرّج عليك بيتي! وناداه عمر : ادخل فقد أذنت لك! فدخل هشام وعرف أمّ فروة فأخذها إلى عمر فعلاها بدرّته! وضربها ضربات ، فتفرق النسوة (٢).

__________________

(١) على اختلاف الروايتين عن القاسم بن محمد بن أبي بكر في الطبري ٣ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، والتنبيه الإشراف : ٢٥١ ، فراجع وقارن واعجب للفرق وقل : من أين نشأ هذا؟!

(٢) الطبري ٣ : ٤٢١ ـ ٤٢٣ ، عن ابن سعد الطبقات الكبرى ٣ : ٢٠٩ ، وفي تاريخ المدينة للنميري البصري ١ : ٦٧٦ عن الزهري ، ولم يرو عن عائشة تخطئة لعمر على مثل ذلك إلّا عند وفاته لما أخبرها بوفاته ابن عباس فقالت : رحم الله عمر! والله ما حدّث رسول الله : إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه لكنه قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه. البخاري ٢ : ١٠١ ، ومسلم ٦ : ٢٣٢ ، وفي اليعقوبي ٢ : ١٥٧ : لما بلغه وفاة خالد بن الوليد جزع وبكاه آل عمر وقال عمر : حق لهن أن يبكين على أبي سليمان! وكان ابن خاله ٢ : ١٣٩ ، ومع ذلك لم تجرؤ عائشة على تلك التصحيحة لحديثه على عهده قبل موته!

٢٢٧

ووصفت عائشة أباها فقالت : كان أبيض يخالطه صفرة ، ناتئ الجبهة ، معروق الوجه (ـ قليل اللحم) غائر العينين خفيف العارضين يخضبهما بالحنّاء والكتم ، عاري الأصابع ، دقيق الساقين ممحوص الفخذين يسترخي إزاره عن حقويه لا يكاد يمسكه ، حسن القامة أحدبها (١) وكان لبسه في خلافته الشملة وعباءة (٢).

وتوفي في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة للسنة (١٣ ه‍) وفيه مات عامله بمكة عتّاب بن أسيد (٣) وهند ابنة عتبة زوجة أبي سفيان (٤).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٤٢٤ ، عن ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ : ١٨٨.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٢٩٨.

(٣) الطبري ٣ : ٤١٩.

(٤) التنبيه والإشراف : ٢٤٩.

٢٢٨

خلافة

عمر وعصره

٢٢٩
٢٣٠

ولاية عمر ولسانه وعصاه :

وفي صبيحة اليوم الثالث والعشرين من جمادى الثانية دخل عمر المسجد وصعد منبر رسول الله فكان أول نطق نطق به أن قال للناس : إني قائل كلمات فأمّنوا عليهنّ. ثم قال : إنما مثل العرب مثل جمل أنف اتّبع قائده! وأما أنا فو ربّ الكعبة لأحملنّهم على الطريق (١)(٢).

فقام إليه رجل وقال : (يا خليفة خليفة رسول الله) أدنو منك؟ فإنّ لي حاجة. فقال عمر : لا! فقال الرجل : إذن أذهب فيغنيني الله عنك! ثم ولّى ، فقام عمر واتّبعه حتى أخذ بثوبه وقال له : ما حاجتك؟ قال : بغضك الناس وكرهوك!

وكان مرض أبي بكر قد بلغ أهل الشام واستبطؤوا خبره ، فقال بعضهم : فابعثوا رجلا فبعثوا رجلا حتى قدم على عمر ، فلما أتاه سأله عن حال الناس فقال : صالحون سالمون وهم لولايتك كارهون ومن شرّك مشفقون ، فأرسلوني انظر أحلو أنت أم مرّ (٢).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٤٣٣.

(٢) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٢٥.

٢٣١

وقال اليعقوبي : إنّه حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ ، وذكر أبا بكر وترحّم عليه وقال : وما أنا إلّا رجل منكم ، ولو لا أني كرهت أن أردّ أمر خليفة رسول الله لما تقلدت أمركم (كذا) ثم قال : وإني كرهت أن يصير سبي العرب سنّة. فردّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهم (١).

وقال ابن الوردي : إنه قال في أول خطبته : يا أيها الناس ، والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه (٢).

عمر والعراق والشام :

مرّ الخبر عن اليعقوبي : أن الجرّاح تتابعت كتبه إلى أبي بكر بإقبال ملك الروم بجيش عظيم فكتب أبو بكر إلى خالد المخزومي بالعراق أن يخلّف المثنّى في العراق ويسير هو إلى الشام ففعل خالد ذلك (٣) فالمثنّى في العراق شعر من الفرس بمثل ما حصل للجرّاح من الروم وارتحل لذلك بنفسه إلى المدينة فحضر موت أبي بكر.

فيقول سيف : إن عمر لما حضر لصلاة الفجر من الليلة التي مات فيها أبو بكر ندب الناس لاستجابة نداء المثنّى إلى العراق قبل صلاة الفجر ، وتتابع الناس يبايعون عمر ثلاثة أيام وعمر يندبهم فلا ينتدب له أحد ؛ وذلك لشدة سلطان الفرس وشوكتهم وعزّهم وقهرهم الأمم.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٩.

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٣٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٣.

٢٣٢

فروى بسنده عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن المثنّى خطب في اليوم الرابع لذلك فقال : أيها الناس لا يعظم عليكم ريف فارس ، فإنا قد غلبناهم على خير شقّي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم ، واجترأ من قبلنا عليهم ولها إن شاء الله ما بعدها.

ثم قام عمر فقال : أين المهاجرون عن موعود الله؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) والله مظهر دينه ومعزّ ناصره ، ومولي أهله مواريث الأمم ، أين عباد الله الصالحون!

فقام أول من قام أبو عبيد بن مسعود الثقفي وانتدب لذلك ثم تبعه جماعة ، فقيل لعمر : أمّر عليهم رجلا من المهاجرين أو الأنصار ، فقال : إن من سبق وأجاب إلى الدعاء أولى بالرئاسة منكم! فلا أؤمّر عليهم إلّا أوّلهم انتدابا. فأمّره على الجيش ومعه سعد بن عبيد وسليط بن قيس الأنصاريان ، فأمر أبا عبيد أن يشركهما في الأمر ويسمع منهما (١).

فلما عبر الثقفيّ القادسية إلى الحيرة لقي جمعا من عسكر الفرس عليهم جابان ، ففضّ جمعه وأسر جابان وجمعا معه ففدوا أنفسهم.

ثم أغار على كسكر ، فلقي جمعا منهم عليهم نرسي ، فقاتلهم حتى هزمهم.

ثم أغار على باروسما وفي حمايتها جمع عليهم ابن الأندرزگر ، وانتهى أمره معهم إلى المصالحة عن كل رأس بأربعة دراهم.

وبعث الثقفي الشيبانيّ إلى زند ورد ، فحاربوه فقاتلهم وأسر منهم ورجع عنهم (٢).

وبعث الثقفي الأسيديّ إلى نهر جوبر فصالحوهم على صلح باروسما.

وبعث الثقفيّ عروة بن زيد الخيل إلى الزوابي فصالحوه على صلح باروسما (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٤٤٤ ـ ٤٤٦ ، وفي ٤٤٧ : ومعه من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل. والآية : ٩ من سورة الصف.

(٢) تاريخ خليفة : ٦٦.

٢٣٣

يوم الجسر :

فلما بلغ كل ذلك إلى ملك فارس دعا ذا الحاجب بهمن بن الهرمزان وعقد له على اثني عشر ألف ، ودفع إليه لواء كانوا يتيمّنون به يسمّونه : درفش كاويان ، وسلّم إليه سلاحا كثيرا مع الفيل الأبيض. وأقبل ذو الحاجب فنزل قسّ الناطف على شاطئ الفرات بينه وبين أبي عبيد الثقفي (١) وأرسل إليه : تعبر إلينا أو نعبر إليك؟ فقال أبو عبيد : نعبر إليكم (٢).

وكان معه سليط بن قيس فقال له : يا أبا عبيد ، إياك أن تقطع هذه اللجّة (الماء) إليهم ، فإني أرى لهم جموعا كثيرة ، والرأي أن ترجع بنا إلى ناحية البادية (بادية الحجاز) وتكتب إلى عمر تسأله المدد ، فإذا أتاك عبرت إليهم فتناجزهم الحرب. فجبنه أبو عبيد ، فقال المثنّى : لا والله ما جبن ، بل أشار عليك بالرأي ، فإياك أن تعبر إليهم فتلقي بنفسك وأصحابك في وسط أرضهم فتنشب فيك مخالبهم! فأبى أبو عبيد ، فعقدوا له الجسر وعبروا إليهم (٣).

__________________

(١) قسّ الناطف في حدود ما بين العباسيات وذي الكفل ، انظر الخريطة : ٦٢ من أطلس تاريخ الاسلام الترجمة الفارسية.

(٢) تاريخ خليفة : ٦٦.

(٣) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٠٠ وروى المسعودي : أن بعض الدهاقين عقد له الجسر فلما عبروا وخلّفوا الفرات خلفهم أمر هو بقطع الجسر ، فحينئذ قال له مسلمة بن أسلم الأنصاري البدري : أيها الرجل ، إنّه ليس لك علم بما نرى ، وسوف يهلك من معك بسوء سياستك ، تأمر بجسر قد عقد أن يقطع فلا يجد المسلمون ملجأ من هذه الصحارى والبراري ، فلا تريد إلّا أن تهلكهم في هذه القطعة! وقال سليط ؛ إن العرب لم تلق مثل جمع فارس قط ، ولا كان لهم بقتالهم عادة ، فاجعل لهم ملجأ ومرجعا من هزيمة إن كانت. فقال : والله لا فعلت! جبنت يا سليط! فقال سليط : والله ما جبنت وأنا أجرأ منك

٢٣٤

وقدم ذو الحاجب جالينوس ، ومعه لواء درفش كاويان والفيل الأبيض.

وكان أبو عبيد أوصى بإمرة عسكره بعده إلى خمسة غير المثنّى بالتوالي ، ثم اقتتلوا قتالا شديدا ، وضرب الثقفيّ مشفر الفيل فسحقه الفيل فقتل وجميع الأمراء بعده ، وأخذ المثنّى الراية فتراجع بالمسلمين نحو الجسر ، وسبقهم عبد الله بن مرثد أو يزيد الثقفي أو الخطمي نحو الجسر فقطعه يريد حمل المسلمين على القتال ، فاقتحم كثير من المسلمين في الفرات فغرقوا حتى عقدوا الجسر مرة أخرى فعبر الباقون ، وقتل من المسلمين نحو ألفين إلى أربعة آلاف بين قتيل وغريق (١) ، وذلك في ٢٣ من شعبان (١٣ ه‍) يوافق اكتوبر (٦٣٤ م) (٢).

وكتب المثنّى إلى عمر بما جرى من المحاربة ، فكتب إليه عمر أن يقيم إلى أن يأتيه المدد. ثم أرسل عمر إلى قبائل العرب يستنفرهم (٣) ، فقدم عليه من اليمن جرير بن عبد الله البجلي في ركب من بجيلة ، وكان قد ترأسهم عرفجة بن هرثمة الأزدي حليفا لهم فأمّره عمر عليهم وأمرهم بالنفوذ إلى العراق ، فقال جرير : ما الرجل منا ، وصدّقه عرفجة فاستبدله عمر بجرير ، فقدم العراق (٤)

__________________

ـ نفسا وقبيلا ، ولكن والله أشرت بالرأي ... ولو لا أن أكره خلاف الطاعة لا نحزت بالناس ، ولكني اسمع واطيع وإن كنت قد أخطأت وأشركني عمر معك. فقال الثقفي : أيها الرجل تقدم فقاتل فقد حمّ ما ترى! مروج الذهب ٢ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(١) تاريخ خليفة : ٦٦. ومروج الذهب ٢ : ٣٠٨ وقال : ومن الفرس ستة آلاف.

(٢) انظر أطلس تاريخ الإسلام : ١٤٢ الترجمة الفارسية.

(٣) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٠٠.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ ١٤٢ ـ ١٤٣ ، وفيه : قدم الكوفة. وهي لم تمصّر بعد ، فالصحيح : العراق. وفي مروج الذهب ٢ : ٣١٠ وجعل لهم ربع ما غلبوا عليه من أرض السواد ؛ بل في الطبري ٣ : ٤٦٠ : جعل لهم ربع خمس الغزوة.

٢٣٥

فواقع مرزبان (ضابط الثغر) المذار فقتله وانهزم جيشه وغرق أكثرهم في دجلة (١).

يوم البويب :

ثم وجّه سراياه للغارة بأرض السواد مما يلي الفرات ، فبلغ ذلك ملكة الفرس : آزرميدخت بنت كسرى ، فأمرت أن ينتدب من مقاتليهم اثنا عشر ألف فارس من أبطالهم ، فانتدبوا فولّت عليهم عظيم المرازبة (ضبّاط الحدود) : مهران بن مهرويه ، فسار بالجيش حتى وافى الحيرة (فيبدو أنها انتقضت من صلح خالد في عهد أبي بكر) في البويب (٢) وأرسل جرير إلى السرايا فتراجعوا واجتمعوا ، وتهيّأ الفريقان للقتال وزحف بعضهم إلى بعض ، وتطاعنوا بالرماح ، وتضاربوا بالسيوف. وتوسطهم المثنّى يجالدهم بسيفه ، وانهزم بعض العرب فأخذ المثنّى ينتف لحيته غضبا ، فحمل العرب وحمل عليهم الفرس من الزوال إلى غروب الشمس. وخرج مهران فحمل عليه المثنّى فضربه مهران فنبا سيفه وضربه المثنّى فقتله وانهزموا إلى المدائن (٣).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٣ والمذار قرب قلعة صالح بين العمارة والناصرية ، فليس على طريق الحيرة. وفي مروج الذهب ٢ : ٣١٠ : أنه توجّه نحو الأبلّة ثم المدائن وأن الوقعة كانت قربها.

(٢) على المشهور في التاريخ ، وسمّاه المسعودي : البجلة. مروج الذهب ٢ : ٣١١ والبويب بين الكوفة وبابل كما في الخريطة : ٦٢ من أطلس تاريخ الإسلام ، ولعل العرب سمّوها البويب ؛ لأنها كانت باب العرب إلى العراق. وفي الطبري ٣ : ٤٦١ : مما يلي موضع الكوفة اليوم.

(٣) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٠٠ ـ ١٠١.

٢٣٦

وفي اليعقوبي : شدّ المنذر بن حسّان على مهران فطعنه فألقاه وبادر جرير فاحتزّ رأسه فهزموا (١) وثاب المسلمون يدفنون موتاهم ويداوون جرحاهم. وكان ذلك في أواخر شهر رمضان (١٣ ه‍) يوافق نوفمبر (٦٣٤ م) (٢) ثم لحق جرير بكاظمة في طريق البحرين ، وسار المثنى بقومه بكر بن وائل إلى سيراف قرب واقصة إلى زبالة فمات هناك (٣).

عمر ، والشام :

قال اليعقوبي : كان خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين فتحوا مرج الصفّر من أرض دمشق (٤) وحاصروا دمشق قبل وفاة أبي بكر بأربعة أيام. وكتب عمر مع مولاه يرفأ إلى أبي عبيدة بن الجراح يخبره بوفاة أبي بكر. ثم كتب له مع شدّاد بن الأوس : ولايته على الشام. ثم ورد إليه كتاب آخر من عمر يأمره أن يتوجّه إلى حمص ، فحينئذ أعلم أبو عبيدة خالدا بكتاب عمر بعزله عن القيادة العامة ونصبه بدله وقام بلال (وكان مع أبي عبيدة) فنزع عمامة خالد وشاطر أبو عبيدة ماله حتى نعاله! فقال خالد : رحم الله أبا بكر فلو كان حيّا ما عزلني (٥) ولم يعتزل العمل مع أبي عبيدة ، فجعله على خيله ، وعلى ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته هاشم المرقال الزهري ، وعلى الرّجالة سعد بن زيد ، وتوجّه بهم نحو جمع الروم ، فلما بلغهم إقبال أبي عبيدة تحوّلوا إلى فحل ، فتوجه أبو عبيدة إليها. وتقدمهم خالد بخيله فلقيهم

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٣.

(٢) انظر أطلس تاريخ الإسلام : ١٤٢ ، وفي تاريخ خليفة : ٧٠ كانت في صفر عام (١٤ ه‍).

(٣) مروج الذهب ٢ : ٣١١.

(٤) وقد مرّ الخبر عن ابن الخياط : أنهم كانوا مع خالد بن سعيد لا خالد بن الوليد.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

٢٣٧

فهزمهم (١) بعد قتال شديد ، ثم غلبهم المسلمون على أرضهم وحاصروهم شهر رجب وشعبان ورمضان وشوالا ، ثم سألوا أبا عبيدة الصلح في ذي القعدة وتمّ في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث عشرة (٢).

أطراف البصرة وتأسيسها :

روى ابن الخياط عن ابن المدائني قال : في (أوائل) سنة أربع عشرة بعث عمر شريح بن عامر السعدي إلى ثغر البصرة وقال له : كن ردءا للمسلمين ، فغزا مسلحة للفرس في دارس نحو الأهواز فقتل وجمع ممن معه.

فبعث عمر في شهر ربيع الأول عتبة بن غزوان المازني فمكث أشهرا لا يغزو.

فبعث عمر على عمله ابن سهل الأنصاري فمات في الطريق قبل أن يصل.

وكان العلاء بن الحضرمي بالبحرين فولّاه عمر عمل عتبة فسار فمات قبل أن يصل.

ثم غزا عتبة فافتتح الأبلّة وأبر قباد وقتل من المسلمين سبعون رجلا. وغزا ميسان ودست ميسان ، وكان عليها تماهيچ بنت كسرى اخت شيرويه. فبعثت آزادان فصالح ابن غزوان على ما وراء نهرها إلى موضع الجسر الأكبر.

وكان عتبة يرتاد للعرب موضعا فلما انتهى إلى وراء منابت القصب آخر البرّ دون الماء قال : هذه ليست من منازل العرب ، فرجع حتى مرّ بموضع مربد البصرة فوجد فيها حجارة رخوة غليظة قرب الخريبة فقال : انزلوها بسم الله ، وسمّاها

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٠. وفحل في حدود الاردن وفلسطين.

(٢) تاريخ خليفة : ٦٧ ـ ٦٨ عن ابن اسحاق والكلبي وغيرهما بتفاوت. وفي أطلس تاريخ الإسلام في ٢٨ من ذي القعدة عام (١٣ ه‍) الموافق لجانويه (٦٣٥ م).

٢٣٨

البصرة (١) وأمر محجن بن الأدرع بخطّ خطّة للمسجد الأعظم وحجّره بالقصب.

ثم خلّف مجاشع بن مسعود وأمره أن يغزو الفرات ، وأمر المغيرة بن شعبة الثقفي أن يصلي بالناس حتى يرجع مجاشع وخرج عتبة للحج ، فبلغ المغيرة أن الفيلكان في ميسان جمع جمعا لغزوه فغزاه فهزمه وافتتح ميسان. ومات عتبة قبل أن يعود ، فأقرّ عمر المغيرة على البصرة (٢).

فتح دمشق :

وصار رافضة الروم إلى دمشق ، وعاد المسلمون إليها بالحصار ، فكان أبو عبيدة بباب الجابية ، وخالد بالباب الشرقي ، وعمرو بن العاص بباب توما ، ويزيد ابن أبي سفيان بالباب الصغير ، وطال الأمر بصاحب دمشق (؟) فأرسل إلى أبي عبيدة يصالحه ، وبلغ ذلك خالدا فكره ذلك ، فألحّ على الباب الشرقيّ ففتحه عنوة. وصالح أبو عبيدة صاحب دمشق ففتحوا له باب الجابية صلحا ودخل المسلمون المدينة صلحا ، وقال خالد لأبي عبيدة : اسبهم فإني دخلتها عنوة! فقال : لا ؛ فإني قد أمّنتهم (٣) وصالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رءوسهم ، على أن لا يمنعوا من أعيادهم ، ولا يهدم شيء من كنائسهم. وأخذ سائر الأرض عنوة. وكان الصلح يوم الأحد النصف من شهر رجب سنة أربع عشرة (٤).

__________________

(١) البصرة معرّبة من الفارسية : بسره : كثرة الطرق ، كما في معجم البلدان.

(٢) تاريخ خليفة : ٦٨ ـ ٦٩ ، وفي اليعقوبي ٢ : ١٤٥ ـ ١٤٦ نحوه ولكن في سنة (١٦) على المعروف المشهور في ذلك ، وفي مروج الذهب ٢ : ٣١٩ : ذهب كثير من الناس ومنهم المدائني إلى أن عتبة مصّر البصرة في سنة (١٤ ه‍).

(٣) اليعقوبي ٢ : ١٤٠.

(٤) تاريخ خليفة : ٦٧ عن ابن إسحاق والكلبي ، وبالميلادي ٣ سبتامبر (٦٣٥ م).

٢٣٩

ثم وجّه بخالد على مقدّمته إلى بعلبك وأرض البقاع ، فافتتحها وصار إلى حمص ، ولحقه أبو عبيدة ، فحصروا أهل حمص حصارا شديدا حتى طلبوا الصلح ، فصالحهم عن جميع بلادهم بخراج مائة وسبعين ألف دينار. ثم دخل المسلمون البلد وبث أبو عبيدة عمّاله في نواحي حمص (١).

يوم اليرموك :

ثم أتاه خبر ما جمع طاغية الروم (هرقل هراگليوس) من الجموع من جميع البلدان من لا قبل لهم به ، فرجع أبو عبيدة إلى دمشق وكتب إلى عمر بذلك وجمع المسلمين إليه وتراجع فعسكر بوادي اليرموك (٢) ومع الروم العرب الروميون النصارى الغساسنة في مقدمتهم وعليهم جبلة بن الأيهم الغسّاني ، وجعل أبو عبيدة خالدا على مقدمته إليهم ، ولحقه أبو عبيدة والمسلمون ، ومع الرومان صاحبهم ماهان ، فواقعوهم واقتتلوا قتالا شديدا فكانت وقعة جليلة الخطب وقتل من الروم مقتلة عظيمة ، وفتح الله على المسلمين ، وكان ذلك في السنة الخامسة عشرة (٣).

وعن الكلبي : أن صاحبهم باهان رجل من أبناء فارس تنصّر ولحق بالروم وهم في ثلاث مائة ألف. وضمّ أبو عبيدة إليه أطرافه وأمراء الأجناد ، وأمدّه عمر بسعيد بن عامر بن حذيم ، وكانت الوقعة يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. وعن ابن إسحاق : إنه كان على قبائل قضاعة والغساسنة منهم

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٧٠ عن ابن إسحاق والكلبي وغيرهما ، وتاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤١.

(٢) اليرموك : واد قرب بصرى يصب في نهر الأردن ثم في بحر الميّت بين الأربد والناصرة.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤١.

٢٤٠