موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

ثم روى عن الواقدي بسنده عن داود بن الحصين روى : أن عمر أمر سلمة بن أسلم فدخل على علي عليه‌السلام ومعه الزبير .. فساقهما حتى بايعا.

وإن كان روى بعده عن ابن إسحاق عن ابن أبي الأسود الدؤلي أن أباه بعثه إلى جندب بن عبد الله يسأله عما حضر من أمر أبي بكر حين دعا عليا عليه‌السلام إلى بيعته فكتب له : جيء به ملبّبا فلما حضر قالا له : بايع! قال : فإن لم أفعل؟ قالا : إذن تقتل! قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله! قالا : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا! فرجع يومئذ ولم يبايع!

بل روى قبل ذلك بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال :

إنّ أبا بكر دعا عليا عليه‌السلام إلى البيعة فامتنع وقال :

إني لأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقولها غيري إلّا كذاب! وأنا والله أحق بهذا الأمر منكم وأنتم أولى بالبيعة لي ؛ إنكم أخذتم هذا الأمر من العرب بحجة وتأخذونه منا أهل البيت غصبا وظلما ؛ احتججتم على العرب بأنكم أولى الناس بهذا الأمر منهم بقرابة رسول الله ، فأعطوكم المقادة وسلّموا لكم الأمر ، فأنا أحتج عليكم بما احتججتم به على العرب ، فنحن ـ والله ـ أولى بمحمد منكم ، فأنصفونا من أنفسكم إن كنتم تؤمنون بالله ، واعرفوا لنا من هذا الأمر ما عرفته لكم العرب ، وإلّا فتبوءون بالظلم وأنتم تعلمون!

فقال له أبو عبيدة بن الجرّاح : يا أبا الحسن ، إن أبا بكر أقوى على هذا الأمر وأشدّ احتمالا له! فارض به وسلّم له! وأنت بهذا الأمر خليق وبه حقيق ، في فضلك وقرابتك وسابقتك. فقال له علي عليه‌السلام :

يا معشر قريش ، الله الله ، لا تخرجوا سلطان محمد من بيته إلى بيوتكم ، فإنكم إن تدفعونا أهل البيت عن مقامه في الناس وحقّه تؤزروا ، فو الله لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم. أما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ،

١٢١

العالم بسنة رسول الله ، المضطلع بأمر الرّعية؟ فو الله إن ذلك فينا ، فلا تزيّنوا لأنفسكم ما سلبتمونا ، ولا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الله بعدا!

فقال له بشير بن سعد الأنصاري : لو سمع الناس مقالتك من قبل أن يبايعوا أبا بكر ما اختلف عليك اثنان!

فعند ذلك قال أبو بكر لعلي عليه‌السلام : فإن لم تبايع فلا أكرهك! فانصرف علي عليه‌السلام ذلك اليوم (١).

والطبرسي في «الاحتجاج» في آخر خبره عن أبي المفضّل الشيباني روى الخبر كما يلي :

فقال عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها!

فقال علي عليه‌السلام : احلب حلبا لك شطره ، اشدد له اليوم ليردّ عليك غدا ، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع.

فقال أبو بكر : مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك (بخلاف قول عمر).

فقام أبو عبيدة إلى علي عليه‌السلام فقال له : يا ابن عمّ! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ، ولكنّك حدث السن (وكان لعلي يومئذ ثلاث وثلاثون سنة) وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك ، وهو أحمل لثقل هذا الأمر! وقد مضى الأمر بما فيه! فسلّم له ، فإن عمّرك الله يسلّموا هذا الأمر إليك ، ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلّا وأنت به خليق وله حقيق ، ولا تبعث الفتنة أو ان الفتنة ، فقد عرفت ما في قلوب العرب عليك!

__________________

(١) المسترشد : ٣٧٤ ـ ٣٨٠ ، ورواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ : ٢ و٤ ـ ١٣ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري الخزرجي عن أبيه عن جده. وروى صدره الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف عن عبد الله .. ورواه الجوهري البصري في السقيفة وفدك ، وعنه المعتزلي في شرح النهج ٦ : ٥ ـ ١٢.

١٢٢

فأجاب أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا معشر المهاجرين ، الله الله ، لا تنسوا عهد نبيّكم إليكم في أمري ، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس.

فو الله ـ معاشر الجمع ـ إن الله قضى وحكم ـ ونبيّه أعلم وأنتم تعلمون ـ بأنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم. أما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، المضطلع بأمر الرعيّة؟! والله إنه لفينا لا فيكم ، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا ، وتفسدوا قديمكم بشرّ من حديثكم.

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطّأ الأرض لأبي بكر :

يا أبا الحسن (والحسن معه) لو كان هذا الأمر سمعته الأنصار منك قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان!

فقال علي عليه‌السلام : يا هؤلاء ، ما كنت أدع رسول الله مسجّى لا أواريه وأخرج انازع في سلطانه ، والله ما خفت (أو ما ظننت) أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه ، ولا علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا.

فارتفعت الأصوات وكثر الكلام فخشى عمر أن يصغى الناس إلى قول علي عليه‌السلام فقال له : إنّ الله يقلّب القلوب ، ولا تزال ـ يا أبا الحسن ـ ترغب عن قول الجماعة ، ثم فسخ المجلس ... فانصرفوا يومهم ذلك (١).

فالطبرسي يوافق المصدرين السابقين في فسخ المجلس بلا بيعة هنا مع فارق احتجاجه عليه‌السلام بنصّ الغدير ، إلّا أنه يتبعه بخبر سليم عن سلمان : أنه عليه‌السلام بعد تلاوته الآية في اعتذار هارون من موسى تناول يده أبو بكر فبايعه (٢).

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) الاحتجاج ١ : ١١٠ ، عن سليم بن قيس ٢ : ٥٩٣.

١٢٣

وهنا خبر آخر عن كتاب لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وقعة صفين وبعد مقتل محمد بن أبي بكر ، رواه الثقفي الكوفي (المتوفى ٢٨٣ ه‍) في «الغارات» عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه عبد الله البجلي الصحابي (١) قال : بعد مقتل محمد بن أبي بكر واغتصاب مصر دخل الحارث بن الأعور الهمداني وحبّة العرني وحجر بن عديّ الكندي وعبد الله (بن وهب الراسبي) (٢) وعمرو بن الحمق الخزاعي ، على عليّ عليه‌السلام وهو مغموم حزين ، فقالوا له : بيّن لنا ما قولك في أبي بكر وعمر ... فقال لهم : أنا مخرج لكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم ... فاقرؤوه على شيعتي وكونوا أعوانا على الحق. وهذه نسخة الكتاب :

من عبد الله علي أمير المؤمنين ، إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين :

السلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد :

فإن الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل ، وشهيدا على هذه الأمة ، وأنتم يا معشر العرب يومئذ على شرّ دين وفي شرّ دار ، منيخون على حجارة خشن وحيّات صمّ ، وشوك مبثوث في البلاد. تشربون الماء الخبيث ، وتأكلون الطعام الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقتلون أولادكم ، وتقطّعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل. سبلكم خائفة ، والأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة ، ولا (يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٣) فمنّ الله عليكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعثه إليكم ... فلما استكمل مدته من الدنيا توفّاه الله سعيدا حميدا ،

__________________

(١) انظر ترجمته في قاموس الرجال ٢ : ٧٤٥.

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٥٤ ، وفي الغارات ١ : ٣٠٢ : عبد الله بن سبأ!

(٣) يوسف : ١٠٦.

١٢٤

فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين ، وعمّت جميع المسلمين ما أصيبوا بمثلها قبلها ، ولن يعاينوا بعد أختها.

فلما مضى لسبيله صلى‌الله‌عليه‌وآله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته ، ولا أنهم منحّوه عنّي من بعده. فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ... ورأيت أني أحق بمقام رسول الله في الناس ممن تولى الأمر من بعده ، فأمسكت يدي ... ولبثت بذلك ما شاء الله.

حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمد وإبراهيم عليهما‌السلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلما وهدما ، تكون مصيبته أعظم عليّ من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشّع السحاب.

فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت (كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)(١).

ورواه الطبريّ الإمامي (ق ٤ ه‍) في «المسترشد» عن الشعبي عن شريح بن هاني (٢) : أنه بعد ما افتتحت مصر (بقتل محمد بن أبي بكر) سئل عن علة قعوده وبيعته لأبي بكر .. فقال : لو قاتلتم عدوّكم كان أصلح لكم من مسألتي عنها ... ثم قال : وإني مخرج إليكم كتابا.

__________________

(١) التوبة : ٤٠ ، والخبر في الغارات ١ : ٣٠٢ ـ ٣٠٦ ، وعنه المعتزلي في شرح النهج ٦ : ٩٤. ورواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ : ١٥٤ بلا اسناد ، وكذلك الشريف الرضي في نهج البلاغة ، الخطبة ٦٢.

(٢) انظر ترجمته في قاموس الرجال ٥ : ٤٠٩.

١٢٥

وكتب : بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي من المؤمنين والمسلمين. أما بعد :

فإن الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بشيرا ونذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل ، وشهيدا على الأمة ، وأنتم معشر العرب على شرّ دين ، تنحتون من حجارة خشن من صفاة صمّ ، تسفكون دماءكم وتقتلون أولادكم وتقطّعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل ، سبلكم خائفة ، والأصنام فيكم منصوبة. فمنّ الله عزوجل عليكم بمحمد فبعثه إليكم رسولا.

.. فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله حميدا سعيدا ، مرضيّا عمله مشكورا سعيه ، فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين وعمّت جميع المسلمين. فلما مضى لسبيله ترك كتاب الله وأهل بيته : إمامين لا يختلفان وأخوين لا يتخاذلان ومجتمعين لا يفترقان.

.. فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي : أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عنّي! فلما أبطئوا بالولاية عليّ وهمّوا بإزالتها عنّي ، وثبت الأنصار ـ وهم كتيبة الإسلام ـ فقالت : إذا لم تسلّموها لعلي فصاحبنا سعد بن عبادة أحق بها من غيره! فو الله ما أدري إلى من أشكو؟ إما أن تكون الأنصار ظلمت حقّها ، وإما أن يكونوا ظلموني ، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم.

وقال قائل من القوم : إن رسول الله استخلف أبا بكر في حياته ؛ لأنه أمره أن يصلّي بالناس ، والصلاة هي إمامة! فعلام المشورة فيه إن كان رسول الله استخلفه؟

.. فبينا أنا على ذلك إذ قيل : قد انثال الناس على أبي بكر واجفلوا عليه ليبايعوه! وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة ؛ إذ كان النبيّ قد أمّره عليه وعلى صاحبه ، وقد كان أمر أن يجهّز جيش أسامة.

فلما رأيته قد تخلّف وطمع في الإمارة ، ورأيت انثيال الناس عليه ... ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس ممن قد فرض نفسه ... فأمسكت يدي ولبثت ما شاء الله.

١٢٦

حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام وأظهرت ذلك ، يدعون إلى محو دين الله وتغيير ملة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وقعدت أن أرى فيه ثلما وهدما ، تكون مصيبته عليّ أعظم من فوت ولاية أموركم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وينقشع كما ينقشع السحاب.

ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ؛ فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألّفته (!) ولو لا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ، فنهضت في تلك الأحداث حتى أناخ الباطل وكانت «كلمة الله هي العليا» (١).

فاختلفت هذه الرواية عن السابقة في جهات منها قوله عليه‌السلام : فتألّفته ، بدل : بايعته ، في السابقة ، وعليه فالبيعة كانت سابقة كما في الأخبار السابقة ، وإنما الحادث ائتلافه ورفده ودعمه برأيه ومشورته.

وفيه في موضع سابق قال : ثم وقع أمر الردّة ، وامتنع كثير من الناس أن يخرجوا إلى محاربتهم ، فقالوا لأبي بكر : كيف نخرج وابن عم رسول الله قاعد عنك؟!

فضرع أبو بكر إلى عثمان بن عفان وسأله أن يكلّم عليّ بن أبي طالب ويسأله «بيعته» فإنه لو لا مخافة اضطراب الأمر عليه لجعلها لعليّ!

فعندها مشى عثمان إلى عليّ عليه‌السلام فقال له : يا ابن عمّ رسول الله ، إنّه لا يخرج إلى قتال هذا العدوّ أحد وأنت قاعد.

قال : رواه الواقدي عن عبد الرحمن بن جعفر عن ابن عون قال : لما ارتدّت العرب مشى عثمان إلى عليّ عليه‌السلام فقال له : يا ابن عمّ رسول الله ، إنه لا يخرج أحد

__________________

(١) المسترشد : ٤٠٨ ـ ٤١٢.

١٢٧

في قتال هذا العدوّ وأنت لم تبايع ، وأنت تراقب الأمور كما ترى ، وعسى الله أن يجعل فيما ترى خيرا ، وإني أخشى من الأمر أن يعظم فيأتي بما فيه الزوال.

فلم يزل عثمان بعليّ حتى مشى به إلى أبي بكر ، وسرّ بذلك من حضر من المسلمين ، وخرجت به الركبان في كل وجه ، وجدّ الناس في القتال (١).

بلا نصّ على البيعة كما ترى ، وإن كان البلاذري أضافها فقال : لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي فقال : يا ابن عمّ ، إنه لا يخرج أحد إلى قتال هذا العدوّ وأنت لم تبايع ، فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر فبايعه (٢).

ونرى ترجيح النص السابق للواقدي بلا نصّ على البيعة ، وقوله لعلي عليه‌السلام : وأنت لم تبايع ، بمعنى لم ترتّب الآثار العملية عليها ، يدعوه إلى المراودة والمساعدة.

وما مرّ في لفظ الطبريّ الإماميّ : ضرع أبو بكر إلى عثمان ... جاء في لفظ الزهري محرّفا : ضرع علي إلى مصالحة أبي بكر لما توفيت فاطمة وانصرفت وجوه الناس عنه (٣).

بل الصحيح ما مرّ عن الطبريّ الإمامي.

ويؤيّد ذلك ما مرّ صدره عن المرتضى عن الثقفي عن الحسن المثنّى : أنّ بني أسلم أبت أن تبايع حتى يبايع بريدة ... فقال لهم علي عليه‌السلام : إنّ هؤلاء

__________________

(١) المسترشد : ٣٨٣. وأطول منهما ما جاء في كشف المحجة : ١٧٣ ـ ١٨٩ عن رسائل الكليني ، ونقل الرضيّ مقاطع منه في نهج البلاغة.

(٢) أنساب الأشراف ١ : ٥٨٧.

(٣) انظر مصادر الخبر في معالم المدرستين ١ : ١٦٤ ، ط ٥ ، بل لم يرو هذا إلّا عن الزهري ، وبالخصوص لم يرو عن طريق أهل البيت أو شيعتهم عليهم‌السلام ، وكأنهم حاولوا في ذلك أن يقولوا : إنما احتشم علي عليه‌السلام لعين الزهراء عليها‌السلام وإلّا فلا كرامة له!

١٢٨

خيّروني أن يظلموني حقي وابايعهم ... وارتد الناس حتى بلغت الردّة أحدا! فاخترت أن أظلم حقي وإن فعلوا ما فعلوا.

واختصره في خبر آخر : أنه قال لهم : بايعوا فإن هؤلاء خيّروني أن يأخذوا ما ليس لهم ، أو أقاتلهم وأفرّق أمر المسلمين.

وقال عليه‌السلام لبريدة : يا بريدة ؛ ادخل في ما دخل فيه الناس ، فإنّ اجتماعهم أحبّ إليّ من اختلافهم اليوم (١).

وطبيعيّ أن يكون بريدة وقومه أسلم قد بردوا واستسلموا لأمر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام بالبيعة لأبي بكر ولو كارهين.

وبنو أسلم من سلالات خزاعة ، فروى الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف عن أبي بكر بن محمد الخزاعي قال : إن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول : لما رأيت أسلم أيقنت بالنصر (٢).

بيعة بلال :

نقل الوحيد عن جدّه المجلسي الأوّل عن بعض الكتب (؟) عن الصادق عليه‌السلام قال : إن بلالا أبى أن يبايع أبا بكر ، فأخذ عمر بتلابيبه وقال له : يا بلال ،

__________________

(١) تلخيص الشافي ٣ : ٧٨ ـ ٧٩ عن كتاب المعرفة لإبراهيم الثقفي الكوفي (٢٨٣ ه‍) ومثله في روضة الكافي بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام تخوف على الناس أن يرتدوا عن الإسلام فلا يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله ، فكان أحبّ إليه أن يقرهم على ما صنعوا (إذ بايعوا أبا بكر) من أن يرتدوا عن الإسلام ... ولذلك كتم أمره وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا ، روضة الكافي : ٢٤٦ ، الحديث ٤٥٤.

(٢) الطبري ٣ : ٢٢٢ وقد مرّ الخبر سابقا ، ولكني أراه هنا أولى وأنسب وأقرب.

١٢٩

هذا جزاء أبي بكر منك أن أعتقك فلا تجيء تبايعه؟! فقال : إن كان أبو بكر أعتقني لله ، فليدعني لله ، وإن أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا! وأما بيعته ، فما كنت أبايع من لم يستخلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة. فقال له عمر : لا أبا لك! لا تقيم معنا (١).

ففي «الاستيعاب» : أنه استأذن أبا بكر ليخرج إلى الشام ، فقال له أبو بكر : بل تكون عندي. فقال له : إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني ، وإن كنت اعتقتني لله فذرني أذهب. فقال : اذهب ، فذهب إلى الشام (٢) وأذّن لأبي بكر مولى عمّار بن ياسر : سعد القرظ (٣).

__________________

(١) تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال : ٧٢ ، وفيه له شعر في ذلك قال :

بالله ـ لا بأبي بكر ـ نجوت ، ولو

لا الله قامت على أوصالي الضبع

الله بوّأني خيرا وأكرمني

وإنما الخير عند الله يتّبع

لا يلفينيّ تبوعا كل مبتدع

فلست متّبعا مثل الذي ابتدعوا

وفي نقض العثمانية للإسكافي عن ابن اسحاق والواقدي : أن رسول الله اعتقه وليس أبو بكر ، كما في قاموس الرجال ٢ : ٣٩٣.

(٢) عن الاستيعاب في قاموس الرجال ٢ : ٣٩٩ ، ولكنه قال : لا عبرة بالخبرين ؛ وذلك لأنهما يفيدان كون بلال مولى أبي بكر خلافا لابن اسحاق والواقدي كما مرّ. ولكن ابن إسحاق في السيرة روى عتق أبي بكر له عن عروة بن الزّبير ١ : ٣٤٠ ، وفي ط. الدكتور زكّار : ١٩١ ، والواقدي في المغازي ١ : ١٥٥ عدّ بلالا من موالي بني تيم.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط : ٦٦.

١٣٠

بدايات الارتداد واشتدادها

روى ابن إسحاق عن عائشة قالت : لما توفي رسول الله صار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيّهم ، وظهر النفاق ، وارتدّت العرب ، واشرأبّ (تطلّع) اليهود والنصارى (١)!

ولكن الطبري روى عن سيف عن عروة ـ ويبدو أنه عن خالته عائشة أيضا ـ أنها قالت : لما مات رسول الله وفصل أسامة ارتدّت العرب ... واجتمع على طليحة عوام أسد وطيّئ فاستغلظ أمره وأمر مسيلمة الكذاب ... وارتدت غطفان ... وارتدت خواص من بني سليم. وأمسكت هوازن زكاتها ... وأول من اصطدم أبو بكر بهم عبس وذبيان قبل رجوع أسامة (٢).

وفيه عنه قبله قال : لما فصل أسامة ارتدت قبائل العرب عامة أو خاصة إلّا قريشا وثقيفا ، وقد مرّ أن أسامة خرج من المدينة في آخر ربيع الأول

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١٦.

(٢) الطبري ٣ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

١٣١

أو أول ربيع الآخر ، فذلك بعد وفاة رسول الله بأكثر من ثمانية عشر يوما. ومرّ أن وفود ارتدادهم أو أخبارهم وصلت المدينة بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشرة أيام ، فذلك قبل خروج أسامة بأكثر من اسبوع. وقد مرّ الخبر عن الطبرسي عن أبان (ظ) : أنه قيل لأبي بكر : لو استعنت بجيش أسامة على العرب (١).

وأول البأس مع عبس :

بدأ الطبري برواية عن سيف عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن عبسا وذبيان ومن معهما من العرب بعثوا وفودا إلى أبي بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة ، فردّهم (٢).

وفيه عنه قبله : أن أول من صادم منهم عبس وذبيان عاجلوه فقاتلهم قبل عودة أسامة (٣) وفي الخبر السابق : أن عبسا اجتمعوا في الأبرق من الربذة وانضمّ إليهم ناس من بني كنانة وثعلبة ومرة فافترقت فرقة إلى ذي القصّة (وهو على بريد من المدينة نحو نجد).

فخرج إليهم أبو بكر وعلى ميمنته النعمان بن مقرّن ، وعلى ميسرته أخوه عبد الله بن مقرّن ، وعلى ساقته أخوهما سويد بن مقرّن ومعه الركاب. خرجوا ليلا فما طلع الفجر إلّا وهم والعدوّ في صعيد واحد فما ذرّ قرن الشمس حتى ولّوهم الأدبار وتركوا مراكبهم! فوضع أبو بكر النعمان بن مقرّن بعدده بذي القصة ورجع إلى المدينة ، وعادت عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم (٤).

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٧٢.

(٢) الطبري ٣ : ٢٤٤.

(٣) الطبري ٣ : ٢٤٣.

(٤) الطبري ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

١٣٢

عودة عمّال الصدقات :

روى الطبري عن سيف عن عطية بن بلال : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد فرّق عمّاله في بني تميم ، فكان الزّبرقان بن بدر على عوف والرّباب من تميم ومن معهم من الأبناء (!) وصفوان بن صفوان على قبيلة بهدى ، وسبرة بن عمرو على قبيلة خضّم كلاهما من بني عمرو من تميم ، وقيس بن عاصم على مقاعس والبطون من تميم ، ووكيع بن مالك على بني مالك ، ومالك بن نويرة على بني يربوع كلاهما من بني حنظلة من تميم.

فحين بلغ الخبر بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان وسبرة ، قدّم سبرة صدقات قومه خضّم إلى صفوان فحملها صفوان مع صدقات قومه بهدى إلى أبي بكر. وعزم الزّبرقان على الوفاء فاتّبع صفوان بصدقات الرّباب وعوف والأبناء حتى قدم بها المدينة. وعزم قيس بن عاصم على توزيعها في المقاعس والبطون ، ثم ندم فأخرجها إلى العلاء بن الحضرمي لما توجّه إليه فتلقّاه بها (١).

وجاء في خبره السابق عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن صدقات هؤلاء وصلت إلى أبي بكر في مساء عودته من ذي القصّة ، وسبق صفوان بصدقات قومه بهدى في أول الليل وسبقه سعد ابن أبي وقاص فبشر به ، وفي وسط الليل وصل الزّبرقان بصدقات الرّباب وعوف والأبناء ، وسبقه عبد الرحمن بن عوف فبشّر به ، وطرقهم في آخر الليل عديّ بن حاتم الطائي بصدقات قومه بني طيّئ ، وسبقه أبو قتادة أو ابن مسعود فبشر به. وكانت صدقات كثيرة تزيد على حاجتهم.

وذلك لتمام ستين يوما من خروج أسامة (أي في آخر جمادى الأولى أو أول جمادى الآخرة).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

١٣٣

ثم خرج أبو بكر على تلك التعبئة نفسها حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق ، فقاتل عبسا وبني بكر حتى طاروا ، وأقام بالأبرق أياما ، ثم جعلها حمى لخيول المسلمين ، ثم جعل سائر بلاد الربذة حمى للصدقات. وانفضّت عبس وذبيان إلى طليحة بن خويلد الأسدي في بزاخة.

ووصلت صدقات كثيرة تزيد على حاجتهم ، واستراح جند أسامة ، وثاب من حول المدينة إليها ، فخرج أبو بكر بهم وبأهل المدينة من الأنصار إلى ذي القصّة (١).

بعث خالد لابن خويلد :

فروى الطبري عن الكلبي (عن أبي مخنف ظ) : أنه جعل على الأنصار خاصّة خطيبهم ثابت قيس بن شمّاس ، وعلى الناس عامة خالد بن الوليد المخزومي إلى طليحة بن خويلد الأسدي وعيينة بن حصن الفزاري في بزاخة. وأوعب الناس مع خالد (٢) ولكنّه أمره أن يشيع في الناس مكيدة هي : أن أبا بكر سيلاقيه بعسكر آخر من ناحية خيبر ، ليرهب الأعداء ، ثم رجع إلى المدينة (٣).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٢) كان عددهم أربعة آلاف وخمسمائة ، مختصر الدول : ٩٩ :

(٣) الطبري ٣ : ٢٥٤. هذا إلّا أن الطبريّ قدم قبل هذا خبرا عن سيف حاول فيه تفخيم الأمر وتضخيمه وتهويله إذ قال : إن أبا بكر عقد في ذي القصّة أحد عشر لواء لأحد عشر جندا : لخالد بن الوليد ، ولعكرمة بن أبي جهل ، وللمهاجر بن أبي أمية المخزوميّين ، ولعمرو بن العاص السهمي ولحذيفة بن محصن ولعرفجة بن هرثمة ، وذكر معهم العلاء بن الحضرمي على البحرين! وطريفة بن حاجز على بني سليم ومعهم هوازن ٣ : ٢٤٩ وفي ٢٦٥ ـ ٢٦٦ يروي عن ابن اسحاق : أن طريفة بن حاجز إنما استخلفه أخوه معن لما كتب إليه

١٣٤

ولم تكره بنو طيّئ ومعهم زعيمهم عديّ بن حاتم الطائي بيعة أبي بكر ، وكانوا مجاورين لبني أسد ومعهم بنو فزارة ، فكانوا يتلاقون فيدعوهم الطائيّون إلى طاعة أبي بكر فيقولون : لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبدا!

ولذلك بعث عديّ بن حاتم إلى خالد بن الوليد في مسيره إلى بزاخة : أن سر إليّ فأقم عندي أياما حتى أبعث إلى قبائل طيّئ فأجمع لك منهم أكثر ممن معك إلى عدوك!

ودنا خالد من القوم فبعث عنه إلى طليحة طليعة هما عكّاشة بن محصن الأنصاري وثابت بن أقرم العجلاني حليفا لهم ، فلما دنوا منهم خرج إليهما طليحة بنفسه وأخيه سلمة فاشتغل سلمة بثابت وطليحة بعكاشة ، فما لبث أن قتل سلمة ثابتا ثم أعان أخاه طليحة على عكاشة ، فلما دنا المسلمون منهما ورأوهما قتيلين صريعين جزعوا لذلك يقولون : سيّدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم.

فلما رأى خالد ذلك قال لهم : هل لكم إلى أن أميل بكم إلى حيّ من أحياء العرب كثير عددهم شديدة شوكتهم ، لم يرجع منهم عن الإسلام أحد! فقالوا : ومن هم؟ قال : طيّئ ، فقالوا : نعم ، فانصرف بهم إلى طيّئ ، فجاء حتى نزل في مدينة سلمى أو أجأ منزل طيّئ.

وكان بين طيّئ وبين بني أسد حلف في الجاهلية ، فسأله أشياخ منهم أن لا يحاربوهم بل يكفونه قيسا.

__________________

أبو بكر أن يذهب بمن معه مددا لخالد ، وذكر معهم خالد بن سعيد بن العاص الأموي لمشارف الشام ، بينما يأتي خبره أنه أبى بيعة أبي بكر ثم بايعه فسمّاه أبو بكر لغزو الشام فأشار عليه عمر بعزله فعزله.

١٣٥

فقال عديّ بن حاتم : لو ترك هذا الدين أسرتي الأدنى فالأدنى من قومي لجاهدتهم عليه ، أفأمتنع من جهاد بني أسد لحلفهم! لا لعمرو الله لا أفعل!

فقال خالد : إن جهاد الفريقين جميعا جهاد ، فلا تخالف رأي أصحابك ، امض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط! اصمدوا إلى أيّ القبيلتين أحببتم فو الله ما قيس بأوهن الشوكتين!

وكان بنو عامر قريبا منهم يتربصون على من تكون الدّبرة؟! وكذلك سائر القبائل من سليم وهوازن (١).

المعرّة والدّبرة :

وروى الطبري الوقعة عن ابن اسحاق قال : لما اقتتلوا بقي طليحة متلفّفا بكساء له بفناء بيته من شعر وقومه يقاتلون ، ومعهم بنو فزارة بزعيمهم عيينة بن حصن ، فلما ضرس القتال وهزّت الحرب عيينة كان يكرّ مرارا على طليحة فيقول له : هل جاءك جبرئيل بعد؟ فيقول : لا ، حتى قال في الثالثة : نعم ، قال لي : إن لك رحى كرحاه وحديثا لا تنساه ؛ فقال عيينة : أظن قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه! ثم صاح بقومه بني فزارة : انصرفوا فو الله إنه لكذّاب! فانصرف بنو فزارة.

وكان طليحة قد أعدّ بعيرا لا مرأته النوار ولنفسه فرس عنده ، فلما انصرف بنو فزارة وانهزم بنو أسد غشوه يقولون له : ما ذا تأمرنا؟ فوثب على فرسه وحمل امرأته وقال لهم : من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل! فانهزموا.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

١٣٦

وهو سلك الحوشية حتى لحق بالشام (١) فنزل على النقع في بني كلب ، ثم أسلم (٢).

وسائر القبائل :

وعندئذ قالت القبائل المتربصة : بنو عامر وسليم وهوازن : نؤمن بالله ورسوله ونسلّم لحكمه في أنفسنا وأموالنا (٣)!

فبايعهم خالد على ما بايع بني طيّئ ثم أهل بزاخة من أسد وغطفان ، ولم يقبل من أحد من طيّئ ولا أسد ولا غطفان ولا سليم إلّا أن يأتوه بالذين عدوا في حال ردّتهم على أهل الإسلام وحرّقوا فيهم ومثّلوا بهم ، فأتوه بهم ، فمثّل بالذين عدوا على المسلمين فرضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكّسهم في الآبار وخرّقهم بالنبال وحرّقهم بالنار (٤).

سبي خولة الحنفية :

وهي بنت جعفر بن قيس الحنفي التميمي اليربوعي ، وكانوا في بني عامر ، وكان مجّاعة بن مرارة الأسدي قد خطبها منهم فمنعوه منها ، فحقد عليهم ، فلما توفى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واضطربت الأمور خرج مجّاعة في سريّة يطلب ثأره منهم ،

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٥٦.

(٢) وكان إسلامه هنالك حين بلغه أن أسدا وغطفان وعامرا قد انهزموا ثم أقروا جميعا بالإسلام خشية من سبي نسائهم وأسر ذراريهم ، فاستحقوا الأمان : ٣ : ٢٦١ ، لكنها رواية سيف!

(٣) الطبري ٣ : ٢٥٦.

(٤) الطبري ٣ : ٢٦٢ ، لكنها رواية سيف.

١٣٧

حتى اختلجها منهم! ورجعوا من بلاد بني عامر وقد استخرجوا معهم خولة ابنة جعفر فهي معهم ، وهم من أربعين إلى ستين رجلا مع مجاعة (١).

أسر قرة العامري وعيينة الفزاري :

فروى الطبري عن ابن اسحاق قال : لما فرغ خالد من أمر بني عامر وبايعهم على ما بايعهم عليه ظفر بقرّة بن هبيرة العامري زعيمهم وعيينة بن حصن الفزاري زعيمهم فأسرهما وبعث بهما إلى أبي بكر ، مجموعة أيديهما بحبل إلى أعناقهما ، وأخذ غلمان المدينة ينخسون عيينة بجرائد النخيل ويقولون له : أي عدوّ الله أكفرت بعد إيمانك؟! فيقول : ما آمنت بالله قط!

فلما قدما على أبي بكر قال له قرّة العامري : يا خليفة رسول الله ، إن عمرو بن العاص قد مرّ بي فأكرمته وقريته ومنعته ، فهو يشهد بإسلامي.

فدعا أبو بكر عمرو بن العاص فسأله عن أمره فقصّ عليه خبره وإياه ، فتجاوز أبو بكر عن قرّة العامري وعيينة الفزاري كليهما (٢).

وأضاف عن سيف : أن خالدا لما بعث بالأسارى إلى أبي بكر كتب إليه معهم :

إنّ بني عامر أقبلت بعد إعراض ودخلت في الإسلام بعد تربص ، وإني لم أقبل من أحد قاتلني أو سالمني شيئا حتى يجيئوني بمن عدا على المسلمين فقتلتهم كل قتلة.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، عن سيف بن عمر التميمي ، وروى البلاذري عن الكلبي قال : غارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر ، أنساب الأشراف ٢ : ٢٠١.

(٢) الطبري ٣ : ٢٦٠.

١٣٨

فكتب إليه أبو بكر : جدّ في أمر الله ولا تنين ، ولا تظفرنّ بأحد قتل المسلمين إلّا قتلته ونكّلت به غيره ، ومن أحببت ممن حادّ الله أو ضادّه ممن ترى في ذلك صلاحا.

فأقام خالد على البزاخة شهرا في طلب أولئك ، فمنهم من قمّطه ورضخه بالحجارة ، ومنهم من رمى به من رءوس الجبال ، ومنهم من أحرق (١)! أي أقام إلى آخر جمادى الآخرة.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، عن سيف.

١٣٩
١٤٠