موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة ، وأحسنهم مقالة من يقول : منا أمير ومن قريش أمير!

فمضيا مسرعين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح ، فتماشوا إليهم ثلاثتهم (١).

بل ذكر المدائني والواقدي : أن معن بن عديّ البلويّ كان يشخّصهما ويسوقهما سوقا عنيفا إلى السقيفة ، مبادرة للأمر قبل فواته (٢).

وقال الراوي أبو عمرة بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري ، إنهما دخلا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة وإذا فيها رجال من أشراف الأنصار ، وسعد بن عبادة بين أظهرهم مريض ، فأراد عمر أن يتكلم ويمهّد لأبي بكر ، فلما نبس عمر كفّه أبو بكر وقال له : يا عمر ؛ على رسلك ، بعد كلامي تلقّ الكلام وتكلم بما بدا لك ، ثمّ تشهّد أبو بكر وقال :

إن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى ودين الحق ، فدعا إلى الإسلام ، فأخذ الله بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعانا إليه ، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما والناس لنا فيه تبع (!) ونحن عشيرة رسول الله ، وأوسط العرب أنسابا ، ليست قبيلة من قبائل العرب إلّا ولقريش فيها ولادة.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢١٩.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٩ هذا ، بينما جاء في خبر أبي مخنف : لقيهم عويم بن ساعدة وعاصم بن عدي (كذا) فقالا لهم : ارجعوا فإنه لا يكون ما تريدون فأبوا ومضوا ، كما في الطبري ٣ : ٢١٩ ، وفيه في خبر الزهري عن ابن عباس عن عمر في خطبة الجمعة في أواخر خلافته قال : قلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا الأنصار فانطلقنا فلقينا رجلان صالحان ممن شهد بدرا قالا أين تريدون؟ قلنا : إخواننا الأنصار ، قالا : فلا عليكم ألّا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم قال : قلت : والله لنأتينهم. الطبري ٣ : ٢٠٥ ، وانظر سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٩.

٢١

وانتم أنصار الله ، ووزراء رسول الله ، وإخواننا في كتاب الله ، وشركاؤنا في دين الله وفيما كنا فيه من سراء وضراء ، والله ما كنا في خير قط إلّا كنتم معنا فيه ، فانتم أحبّ الناس إلينا وأكرمهم علينا ، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لما ساق إلى إخوانكم من المهاجرين ، وأحقّ الناس أن لا تحسدوهم (!) فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة ، وأحق الناس بأن لا يكون انتقاض هذا الدين واختلافه على أيديكم ، وأبعد أن لا تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم (!).

وأنا إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر ، فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراه له أهلا (١).

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدمك ـ يا أبا بكر ـ وأنت أقدمنا إسلاما ، وأنت صاحب الغار ثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به (٢).

فقال الأنصار : والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم ، (!) ولا أحد أحبّ إلينا ولا أرضى عندنا منكم (!) ولكننا نشفق مما بعد هذا اليوم ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ؛ فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا ، على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار ، فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة ، كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد ، وأن يكون بعضنا يتبع بعضا ؛ فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشيّ ، ويشفق القرشيّ أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري.

فقام أبو بكر فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخالفوه وشاقّوه ، وخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه

__________________

(١) عن الجوهري في شرح النهج ٦ : ٧ ، والإمامة والسياسة : ٦.

(٢) اليعقوبي ٢ : ١٢٣ ، والاحتجاج ١ : ٩١ ، وفي الإمامة والسياسة ٦ ، وعن الجوهري في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٨ ، والطبري ٣ : ٢٢١ بزيادة : وخليفة رسول الله على الصلاة.

٢٢

والإيمان به والمواساة له ، والصبر معه على شدة أذى قومه ، ولم يستوحشوا لكثرة عدوّهم ، فهم أول من عبد الله في الأرض ، وهم أول من آمن برسول الله ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقّ الناس بالأمر بعده (!) لا ينازعهم فيه إلّا ظالم (!).

وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم ، ولا النعمة العظيمة لهم في الإسلام ، رضيكم الله أنصارا لدينه ولرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم ، فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء ، لا نفتات دونكم بمشورة (١) ولا نقضي دونكم الأمور!

فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال :

يا معشر الأنصار ؛ املكوا عليكم أيديكم ، فإنما الناس في فيئكم وظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلّا عن رأيكم ، أنتم أهل الإيواء والنصرة ، وإليكم كانت الهجرة ، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم ، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم ، والله ما عبدوا الله علانية إلّا عندكم وفي بلادكم ، ولا جمعت الصلاة إلّا في مساجدكم ، ولا دانت العرب للإسلام إلّا بأسيافكم ، فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر : فاملكوا عليكم أمركم ، وإن أبى القوم فمنّا أمير ومنهم أمير.

فقام عمر فقال : هيهات! لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إن العرب لا ترضى أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، وليس تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم واولو الأمر منهم (!) لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا ، والسلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته ؛ إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكة!

فقام الحباب بن المنذر فقال :

__________________

(١) افتات عليه في الأمر : إذا حكم دونه ، أو : طغى عليه واستأثر به.

٢٣

يا معشر الأنصار ، املكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر (!) فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فاجلوهم عن بلادكم وتولّوا هذا الأمر عليهم ؛ فأنتم أولى الناس بهذا الأمر ، إنه دان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب (١) إن شئتم لنعيدنّها جذعة (٢) والله لا يردّ أحد عليّ ما أقول إلّا حطّمت أنفه بالسيف (٣)!

فقال عمر : إذا يقتلك الله! قال الحباب : بل إياك يقتل!

وقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر ، فلا تكونوا أول من غيّر (٤).

__________________

(١) الجذيل : تصغير الجذل ، وهو العود. والمحكّك : العود الذي يجعل في مبرك الإبل لتحتك به الإبل الجربى. والعذيق : تصغير العذق بالفتح : النخلة ، فهي النخلة القصيرة. والمرجّب : المدعوم بالرجبة ، وهي العودة في رأسها شعبتان يدعم بها الشجرة والنخلة إذا كثر حملها.

(٢) جذعة : فتية قوية والضمير للحرب.

(٣) الإمامة والسياسة : ٨ ، وعن الجوهري في النهج للمعتزلي ٦ : ٩ ، والاحتجاج ١ : ٩٢ وحذف الطبري الجملة الأخيرة.

(٤) الطبري ٣ : ٢١ ، والأخيرة في الإمامة والسياسة : ٨ أيضا. وهنا في اليعقوبي ٢ : ١٢٣ زيادة : وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال :

يا معشر الأنصار! إنكم وإن كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي.

فقام المنذر بن الأرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وروى الطبري (٣ : ٢٠٢) بسنده قال : فقالت الأنصار أو بعضهم : لا نبايع إلّا عليا.

وإليه أشار عمر إذ قال : فارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، فأشفقت الاختلاف فقلت لأبي بكر : ابسط يدك فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ، ثم نزونا على سعد.

٢٤

ثم قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم.

فقام أبو عبيدة بن الجرّاح فتكلم بكلام كثير ذكر فيه فضائل الأنصار.

وكان بشير بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير من سادات الأنصار ، فلما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في إفساد الأمر عليه ورضي بتأمير قريش وتكلم في ذلك وحثّ الناس كلهم لا سيما الأنصار على الرضا بما يفعله المهاجرون (١) قال :

يا معشر الأنصار ؛ إنّا ـ والله ـ لئن كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ، فما أردنا به إلّا رضا ربّنا وطاعة نبيّنا والكدح لأنفسنا ، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضا أو عوضا ، فإن الله ولي النعمة علينا بذلك.

ثم إنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل من قريش ، وقومه أحقّ بميراثه وتولّي سلطانه (!) وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا (!) فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم (٢).

ثم إن أبا بكر قام فحمد الله وأثنى عليه ودعاهم إلى الجماعة ونهاهم عن الفرقة ثم قال : وإني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين (٣) : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك ، امدد يدك نبايعك (٤)!

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٩٣ ، وبمعناه في المصادر الثلاثة الأخرى.

(٢) المصادر الثلاثة.

(٣) الإمامة والسياسة : ٩.

(٤) الاحتجاج ١ : ٩٣.

٢٥

وأنت أفضل المهاجرين (!) وثاني اثنين ، وخليفة رسول الله على الصلاة ، والصلاة أفضل دين المسلمين (١) فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولّى هذا الأمر عليك (٢).

فلما بسط أبو بكر يده وذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه.

فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ، عقّتك عقاق ، ما أحوجك إلى ما صنعت! أنفست على ابن عمّك الإمارة (٣)! والله ما اضطرّك إلى هذا الأمر إلّا الحسد لابن عمّك (٤).

فقال بشير : لا والله (!) ولكني كرهت أن انازع قوما حقا لهم (٥).

ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وهو من سادات الخزرج ، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، وفي الأوس أسيد بن حضير الذي كان أحد النقباء فقال لهم : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة ، أو ولّيتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم عليكم الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر (٦) وقام فبايع حسدا لسعد أيضا ومنافسة له أن يلي الأمر ، فلما بايع قامت الأوس كلها لتبايع فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم (٧).

__________________

(١) عن الجوهري في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٠.

(٢) الإمامة والسياسة : ٩ ، والطبري ٣ : ٢٢١ ، وبدون ذكر الصلاة في اليعقوبي ٢ : ١٢٣ ، والاحتجاج ١ : ٩١.

(٣) الطبري ٣ : ٢٢١. وكان البشير أعور. شرح النهج ٦ : ١٨ ، وهو أبو النعمان بن بشير الأنصاري.

(٤) الإمامة والسياسة : ٩ ، وعن الجوهري في شرح النهج ٦ : ١٠.

(٥) الإمامة والسياسة : ٩ ، والطبري ٣ : ٢٢١ بزيادة : جعله الله.

(٦) الإمامة والسياسة : ٩ ، والطبري ٣ : ٢٢١.

(٧) عن الجوهري في شرح النهج ٦ : ١٠ ، والطبري ٣ : ٢٢١.

٢٦

فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه ، فقاموا إليه فأخذوه منه ، فقبض على ثوب وأخذ يضرب به وجوههم وهو يقول : فعلتموها يا معشر الأنصار ، أما والله لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم ولا يسقون الماء!

فقال له أبو بكر : أمنّا تخاف يا حباب؟

فقال الحباب : ليس منك أخاف ولكن ممن يجيء بعدك!

فقال أبو بكر : فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك ليس لنا عليكم طاعة!

وقال الحباب : هيهات يا أبا بكر ، إن ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من يسومنا الضيم (١)!

قال الراوي أبو عمرة بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري الخزرجي :

وأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر ، وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعدا لا تطئوه!

فقال عمر : بل اقتلوه! قتله الله! وتقدم حتى وقف على رأسه فقال له : لقد هممت أن أطأك حتى تندر (تخرج) عضدك!

فقبض سعد بن عبادة (٢) بلحية عمر! فقال له عمر : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة (سنّ)!

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ٩.

(٢) الطبري ٣ : ٢٢٢ ، وفي الاحتجاج ١ : ٩٣ : فوثب قيس بن سعد وأخذ بلحية عمر وقال له : يا بن صهاك (جدته الحبشية) الجبان في الحرب والليث في الملأ والأمن! لو حرّكت منه (أبيه سعد) شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. وهذا أنسب وأقرب من أن يكون قيس بن سعد لا يساعد أباه لا بحملة ولا بجملة دفاعية ولا بكلمة ، فهذا بعيد من قيس جدا ، كما يبعد قبض اللحية من سعد وهو مريض.

٢٧

فناداه أبو بكر : مهلا يا عمر! فالرفق هنا أبلغ! فأعرض عمر عن سعد.

وقال سعد : أما والله لو أن بي قوّة ما أقوى بها على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك (١) أما والله إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع!

ثم قال لأصحابه : احملوني من هذا المكان. فحملوه فأدخلوه في داره (٢).

__________________

(١) يجحرك : يدخلك جحرا خوفا وذعرا.

(٢) الطبري ٣ : ٢٢٢ ، والاحتجاج ١ : ٩٣ ، وما خلا الأخذ باللحية في الإمامة والسياسة : ١٠.

٢٨

عهد

خلافة أبي بكر

٢٩
٣٠

في طريقهم إلى المسجد :

روى سليم بن قيس عن البراء بن عازب الأنصاري قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان بي من الحزن لوفاة رسول الله ما يأخذ الواله الثكول ، وقد خلا الهاشميون برسول الله لغسله وتحنيطه ، وقد بلغني الذي كان من سعد بن عبادة ومن تبعه من جملة أصحابه فلم أحفل بهم لأني علمت أنه لا يؤول إلى شيء ، وجعلت أتردّد بينهم وبين المسجد وأتفقّد وجوه قريش ، وإني لكذلك افتقدت أبا بكر وعمر.

ثم لم ألبث كثيرا حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة ، وهم محتجزون (مؤتزرون) بالازر الصنعانية (اليمنية) لا يمرّ بهم أحد إلّا خبطوه ، فإذا عرفوه مدوا يده على يد أبي بكر شاء ذلك أم أبى!

فأنكرت ذلك ... وانطلقت مسرعا إلى المسجد ثم أتيت بني هاشم والباب مغلق دونهم ، وضربت الباب ضربا عنيفا وقلت : يا أهل البيت! فخرج إليّ

٣١

الفضل بن العباس ، فقلت له : قد بايع الناس أبا بكر. فسمعني أبوه العباس فقال : قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني (١)!

وزاد عنه اليعقوبي : قال : فعلوها وربّ الكعبة. وقال بعض بني هاشم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد! وأضاف : وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي (٢) قال : وخرج من الدار الفضل بن العباس فقال : يا معشر قريش ؛ إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، صاحبنا أولى بها منكم. وخرج عتبة بن أبي لهب يقول شعرا :

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن

عن أول الناس إيمانا وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهدا بالنبيّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن  (٣)

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس الهلالي ٢ : ٥٧١ ، ٥٧٢ ، الحديث ٣ ، وعن الجوهري عن النميري البصري عن أبي سعيد الخدري عن البراء الأنصاري أيضا في شرح النهج للمعتزلي ١ : ٢١٩ و٢ : ٥١ وفيه (٢ : ٥٦) عن الجوهري عن رجل من بني زريق : أن عمر كان يومئذ محتجزا (متحزّما مؤتزرا بإزاره في وسطه) يهرول بين يدي أبي بكر وينادي : أنّ الناس قد بايعوا أبا بكر ... وفي الاحتجاج (١ : ١٠٥) مثله عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري. وفي أخبار الموفقيات : ٥٧٨ أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه إلى المسجد زفّا!

(٢) ومثله في الموفقيات : ٥٨٠ ، وقبله مثله عن أبان عن الحسن البصري في كتاب سليم ٢ : ٨٩٨.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٢٤. وفي كتاب سليم ٢ : ٥٧٦ ، نسبها للعباس. وفي الجمل للمفيد : ١١٨ ، نسبها إلى عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ، وأنه كان خارجا عن المدينة فحضر المسجد وقال ...

٣٢

والبيعة في المسجد :

ومرّ عمر وأبو عبيدة بأبي بكر حتى أدخلوه المسجد الشريف ، فقال عمر لأبي بكر اصعد المنبر ، ولم يزل به حتى صعد المنبر (١).

فروى المعتزلي عن الجوهري عن رجل من بني زريق قال : جلس أبو بكر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإني ولّيتكم ولست بخيركم ، ولكنه نزل القرآن وسنت السنن علّمنا فتعلّمنا! أيها الناس ، إنما أنا متّبع ولست بمبتدع (؟) إذا أحسنت فأعينوني وإذا زغت فقوّموني. إنّ أكيس الكيس التقى ، وأحمق الحمق الفجور ، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له الحق ، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق (٢).

وروى المفيد في «الجمل» عن أبي مخنف عن الكلبي بسنده عن زائدة بن قدامة الثقفي (٦٢ ه‍) قال : كان جماعة من الأعراب من بني أسلم قد دخلوا المدينة للميرة يوم الاثنين فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم : خذوا (المئونة) بالمعونة على بيعة خليفة رسول الله ، فاخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا ، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه!

قال قدامة : فو الله لقد رأيتهم قد تحزموا بازرهم وأخذوا خشبا بأيديهم وخرجوا يخبطون الناس خبطا وجاءوا بهم للبيعة مكرهين (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٦٥ كتاب البيعة.

(٢) عن الجوهري في النهج للمعتزلي ٦ : ٥٥ ـ ٥٦. وفي كتاب السقيفة : ٥٠ بتصرف يسير في الألفاظ.

(٣) الجمل : ١١٩.

٣٣

وروى الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف عن أبي بكر بن محمد الخزاعي قال : إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : لما رأيت أسلم أيقنت بالنصر (١).

أجل بايعه هؤلاء الناس هكذا طائعين ومكرهين وشغلوا بذلك عن أمر رسول الله حتى أمسوا ليلة الثلاثاء ، وفي «الموفقيات» : فلما كان آخر النهار (يوم الاثنين) افترقوا إلى منازلهم (٢) ولم يذكر من الصلاة شيء!

خطبة أبي ذر في المسجد :

روى فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن أبي رجاء عمران بن ملحان العطاردي البصري (م ١١٧ ه‍) قال : لما بايع الناس لأبي بكر ، دخل أبو ذر المسجد فقام وقال : أيها الناس (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٣) وأهل بيت نبيكم هم من آل إبراهيم ، والصفوة من سلالة إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبمحمّد شرّف شريفهم ، واستوجبوا حقهم ، ونالوا الفضيلة من ربّهم ، هم فينا كالسماء المبنيّة ، والأرض المدحيّة ، والجبال المنصوبة ، والكعبة المستورة ، والشمس الضاحية ، والنجوم الهادية ، والشجرة النبوية ، أضاء زيتها وبورك ما حولها.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٢٢ ، ورواه المعتزلي عن الموفّقيات. وسيأتي عن الشافي ما يفيد أن كثيرا من أسلم دون هؤلاء أبوا أن يبايعوا حتى يبايع بريدة الأسلمي ، وهو لم يبايع حتى بايع علي عليه‌السلام.

(٢) عن الموفقيات في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٩.

(٣) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

٣٤

فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصيّ آدم ، ووارث علمه ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وتأويل القرآن العظيم.

وعليّ بن أبي طالب الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، ووصيّ محمد ووارث علمه وأخوه.

فما بالكم ـ أيتها الأمة المتحيّرة بعد نبيّها ـ لو قدّمتم من قدّم الله ، وخلّفتم الولاية لمن خلّفها له النبيّ ، والله لما عال وليّ الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، ولا سقط سهم من فرائض الله ، ولا تنازعت هذه الأمة في أمر دينها ، إلّا وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيكم ؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه العزيز : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ)(١) فذوقوا وبال ما فرّطتم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٢).

نجوى جمع من الصحابة ليلا :

مرّ صدر خبر البراء بن عازب الخزرجي في إخباره بني هاشم في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن البيعة لأبي بكر أصيل يوم الاثنين يوم وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه يقول :

فلما كان الليل (ليلة الثلاثاء) خرجت إلى المسجد ، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن ، فامتنع عليّ القرار ، فخرجت إلى فضاء بني قضاعة إذ وجدت فيه نفرا يتناجون فيما بينهم ، فلما دنوت منهم سكتوا ، فانصرفت عنهم ، وما عرفتهم ولكنهم عرفوني فدعوني إليهم فأتيتهم.

__________________

(١) البقرة : ١٢١.

(٢) الشعراء : ٢٢٧ ، والخطبة في تفسير آل عمران من تفسير فرات الكوفي : ٨١ ، الحديث ٥٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٤٧ ، وفي تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧١ ، وما عدا المقطع الأخير في كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٩٢ ، الحديث ٤.

٣٥

فوجدت المقداد وسلمان وأبا ذر (١) وعمارا وحذيفة وأبا الهيثم ابن التيهان وعبادة بن الصامت ، وإذا حذيفة يقول لهم : والله ليكوننّ ما أخبرتكم به ، والله ما كذبت ولا كذبت. وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال : وإنّ ابيّ بن كعب قد علم كما علمت فأتوه.

فانطلقنا إلى دار ابيّ فضربنا عليه بابه فقال : من أنتم وما حاجتكم؟

فكلّمه المقداد قال : افتح بابك فإن الأمر أعظم من أن يجري من وراء حجاب!

فقال ابيّ : قد عرفت ما جئتم له ، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد؟ أفيكم حذيفة؟ قال : نعم ، فقال ابيّ : فالقول ما قال حذيفة ، وبالله ما أفتح عنّي بابي حتى تجري على ما هي جارية ، ولما يكون بعدها شرّ منها! وإلى الله المشتكى (٢).

وفي ضحى يوم الثلاثاء :

روى ابن اسحاق عن الزهري عن أنس بن مالك الأنصاري قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد ..

جاء عمر بأبي بكر إلى المسجد ، فصعد أبو بكر المنبر ، وقام عمر دونه ، فحمد الله وأثنى عليه ، واعتذر إلى الناس من قولته بالأمس فقال : أيها الناس ،

__________________

(١) وروى المعتزلي ٦ : ١٣ ، عن الجوهري بسنده : أن أبا ذرّ أيضا كان غائبا فقدم وقد ولّي أبو بكر فقال : لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان ، وفي كتاب السقيفة : ٦٢.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٧٣ ، وعن الجوهري في شرح نهج البلاغة للمعتزلي ١ : ٢١٩ ، وفي كتاب السقيفة : ٤٦ ، ٤٧.

٣٦

إن الذي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما وجدتها في كتاب الله (١) ، ولا كانت عهدا من رسول الله ، ولكنّي كنت أرى أن رسول الله سيدبّر أمرنا (أي يكون آخرنا ، فلم يكن كذلك ومات) وأن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى الله به رسوله ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له (على غرار قولته السابقة : حسبنا كتاب الله) ثم قال : وإن الله قد جمع أمركم على خيركم! (خلافا لقول أبي بكر بالأمس) صاحب رسول الله و (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(٢) فقوموا فبايعوه.

فبايع الناس البيعة العامة ، ثم قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد أيها الناس ، فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم (خلافا لقول عمر) فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوّموني .. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. الضعيف فيكم قوي عندي حتى اريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. الكذب خيانة والصدق أمانة.

وكأنّ كلامه هذا كان ختاما لتلك الجلسة قبيل الزوال فقال لهم : قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله (٣).

__________________

(١) هذا ، ولكنه ادّعاه بعد ذلك كما في الخبر اللاحق في السيرة ٤ : ٣١٢ ، عن ابن عباس عن عمر قال : هل تدري ما كان حملني على مقالتي حين توفي رسول الله؟ قلت : لا ، قال : فإنه والله كان الذي حملني على ذلك أني قرأت الآية : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فو الله إن كنت لأظن أنّه سيبقى في امته ليشهد عليها بأعمالها. والآية ١٤٣ من سورة البقرة.

(٢) التوبة : ٤٠.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١١ بتصرّف يسير في الألفاظ ، ويلاحظ تكرير المعاني في الخطبتين بالأمس واليوم. وهنا روى ابن سعد قال : لما بويع أبو بكر أصبح وعلى

٣٧

ثم أقبلوا على رسول الله :

قال ابن اسحاق : وبعد أن بويع أبو بكر يوم الثلاثاء (وصلوا الظهر) أقبلوا على جهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) وعن ابن عباس قال : ولما فرغ من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء (٢) وضع على سريره في بيته. ثم دخل الرجال عليه جماعة فجماعة فصلّوا عليه بلا إمام ، فلما فرغ الرجال أدخل النساء ، ولما

__________________

ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق! فقال له عمر : أين تريد؟ قال : السوق! قال : تصنع ما ذا؟ وقد ولّيت أمر المسلمين : قال : فمن أين أطعم عيالي؟! فقال : انطلق يفرض لك أبو عبيدة! فانطلقا إلى أبي عبيدة ، فقال : أفرض لك قوت رجل من المهاجرين كل يوم نصف شاة! وكسوة الشتاء والصيف إذا أخلقت ردّها وخذ غيرها. وجعلوا له ألفين (؟) فقال : زيدوني ؛ فإن لي عيالا ، وقد شغلتموني عن التجارة! فزاده خمس مائة! كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩١ ، ٩٢.

وفيه عن الأوائل للعسكري : أن أول من اتّخذ بيت المال أبو بكر ، وأول من وليه له أبو عبيدة بن الجرّاح. ولكن هل كان ذلك لأول يوم من خلافته؟!

أما ابن قتيبة (م ٢٧٢ ه‍) فقد قال : ثم دعا عمر والوجهاء من أصحاب رسول الله فقال لهم : ما ترون لي من هذا المال؟ فقال عمر : أنا أخبرك : ما كان من عيالك وضعفة أهلك يتقوّت منه بالمعروف ، وما كان من ولدك قد بان عنك وملك أمره فسهمه كرجل من المسلمين ، الإمامة والسياسة : ١٦ ـ ١٧ ، وهل كان رجال المسلمين حتى ذلك اليوم لهم سهام من بيت المال؟ أم من الغنائم فقط؟! بل قال العسكري في الأوائل : لم يكن للنبيّ بيت مال. وإن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة لأبي بكر ، كما مرّ ، وانظر شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٢٤ : الطعن الرابع عشر ، وليس في تلخيص الشافي.

(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١٢.

(٢) بل فرغ علي عليه‌السلام من غسله بعد وفاته منتصف يوم الاثنين وصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء ، كما عن الباقر عليه‌السلام في مناقب آل أبي طالب ١ : ١٨٨ ـ ١٩٠.

٣٨

فرغ النساء أدخل الصبيان. ثم دفن رسول الله في منتصف ليلة الأربعاء (١).

هذا ، ولكن ظاهر الأخبار السابقة في دفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا سيما ما مرّ عن المفيد : أن ذلك لم يكن ليلا بل نهارا ، من دون تعيين اليوم ، فلعله كان في صدر نهار الأربعاء ، أي بعد وفاته ظهر الاثنين بيومين تقريبا.

وفيما روى الطبرسي عن الشيباني باسناد وثّقه قال : فلما فرغ عليّ عليه‌السلام من جهاز رسول الله وصلّى هو والناس عليه (ودفنه) وفرغ من ذلك ، خرج من داره صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مسجده فجلس فيه ، فاجتمع عليه بنو هاشم وفيهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أميّة إلى عثمان بن عفّان ، وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد مجتمعين ...

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١٤ ، عن ابن عباس ، وعن عائشة بينما مرّ في أخبار وفاته ودفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر المجلد الثالث عن المفيد في إرشاده : ١٨٨ ـ ١٩٠ أن أكثر الناس فاتتهم الصلاة عليه لما جرى بينهم من التشاجر في أمر الخلافة ، ولما صلّى المصلون عليه أنفذ العباس برجل إلى زيد بن سهل وإلى أبي عبيدة بن الجرّاح فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فحفر له. فهل كان كل ذلك في جوف الليل؟! ثم فيه نادت الأنصار من وراء البيت : يا علي .. أدخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراته ، فأدخل أوس بن خوليّ الخزرجي. فهل كان كل ذلك في جوف الليل؟! ثم فيه : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسوّي قبر رسول الله بالمسحاة إذ جاءه رجل فقال له : إن القوم قد بايعوا أبا بكر .. فوضع طرف المسحاة في الأرض وقال .. فهل كان كل ذلك في جوف الليل؟! وهذا ينافيه ما رواه بعده أن أبا سفيان طرق باب رسول الله وعلي عليه‌السلام متوفّر على أمر النبيّ فقال .. مما ظاهره أن هذا كان قبل دفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذن فكيف التوفيق؟! فلعل عائشة أو رواة عنها أرادوا أن يعذروا أباها أبا بكر وعمر وأصحابهما عن عدم حضورهم دفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في جوف الليل. بينما حرص الأنصار على المشاركة فيه ، فهم أحرص على ذلك من خليفته ، وهو أزهد منهم فيه.

٣٩

إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فقالا لهم : ما لنا نراكم حلقا شتّى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايعته الأنصار والناس!

فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا.

وأما علي عليه‌السلام فإنه قام وقام من معه من بني هاشم ، فانصرف وانصرفوا معه إلى منزله عليه‌السلام (١).

زوبعة أبي سفيان :

روى المعتزلي عن الجوهري عن النميري البصري عن ابن منصور الرمادي عن مالك بن دينار التابعي (م ١٣٠ ه‍) رفعه قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث أبا سفيان ساعيا (لجباية الزكاة بعد حجة الوداع وقبل أو قبيل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله) فما رجع إلّا وقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقى قوما فسألهم : ما الخبر؟ فقالوا : مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : فمن ولي بعده؟ قيل : أبو بكر. قال : أبو فصيل؟! قالوا : نعم. قال : فما فعل المستضعفان : عليّ والعباس؟! أما والذي نفسي بيده لأرفعنّ من أعضادهما!

وزاد ابن سليمان الراوي عنه قال : إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلّا الدم (٢).

ورواه الطبري عن الكلبي عن عوانة وزاد : يا آل عبد مناف ؛ فيم أبو بكر من اموركم أين المستضعفان الأذلّان : علي والعباس (٣)؟!

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١١. وفي خبر الجوهري عن أبي عمرة بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري الخزرجي ، في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١١ ، والاحتجاج ١ : ٩٤.

(٢) عن الجوهري ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ٢ : ٤٤.

(٣) الطبري ٣ : ٢٠٩.

٤٠