موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

ودخل إليهم عبد الله بن عمر وكأنّه سمع كلامه فقال له : يا أبا الحسن أتريد أن تضرب بعضهم ببعض! فقال له علي عليه‌السلام : اسكت ويحك! فو الله لو لا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا ما نازعني ابن عوف ولا ابن عفّان! فقام عبد الله وخرج.

واجتمع أهل الشورى على أن تكون كلمتهم واحدة على من لم يبايع ، فقاموا إلى علي فقالوا له : قم فبايع عثمان! قال : فإن لم أفعل؟ قالوا : نجاهدك! فمشى معهم حتى بايع وهو يقول : صدق الله ورسوله! وأتاه ابن عوف فقال له : إن عثمان أعطانا يده ويمينه وأنت لم تفعل! فأحببت أن أتوثق للمسلمين فجعلتها فيه! فقال له علي عليه‌السلام : إيها عنك! إنما آثرته بها لتنالها من بعده! دق الله بينكما عطر منشم (١).

طغيان أبي سفيان ببيعة عثمان :

وروى عن الشعبي قال : دخل عثمان إلى رحله فدخل إليه بنوا اميّة حتى امتلأت بهم داره فأغلقوها على أنفسهم دون غيرهم ، وفيهم أبو سفيان وقد عمى فقال لهم : أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا : لا ، فقال : يا بني أميّة تلقّفوها تلقّف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من بعث ولا قيامة ، ولا حساب ولا عذاب ، ولا جنة ولا نار!

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ٩ : ٥٤ ـ ٥٥ ومنشم كانت امرأة عطارة ، وتحالفت خزاعة وجرهم على أن يقاتلوا حتى يموتوا ، وأدخلوا أيديهم في عطرها ، فضرب ذلك مثلا. وانظر لاستجابة دعائه عليه‌السلام في ابن عوف شرح النهج للمعتزلي ١ : ١٩٦ عن الأوائل لأبي هلال العسكري. وانظر شرح المثل في صحاح الجوهري ٥ : ٢٠٤١. وانظر في أمر الشورى بحار الأنوار ٣١ : ١٨٤ ـ ١٩٩ بتحقيق اليوسفي الغروي.

٣٢١

فاستاء عثمان بما قال وانتهره وأمر بإخراجه (١)! فمرّ بقبر حمزة فركله برجله وقال : يا أبا عمارة ، إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا اليوم يتلعبون به (٢) ، ثم قال لمن معه : هاهنا ذببنا محمدا وأصحابه (٣).

عثمان وعبيد الله بن عمر :

وروى عن الشعبي قال : وصعد عثمان المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إنه كان من قضاء الله أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب أصاب الهرمزان وهو رجل من المسلمين ، وليس له وارث إلّا المسلمون ، وأنا إمامكم! وقد عفوت (حقي) فهل تعفونه أنتم؟ قالوا : نعم.

فبلغ ذلك عليّا عليه‌السلام فتضاحك وقال : سبحان الله! سبحان الله! لقد بدأ بها عثمان! أيعفو عن حق امرئ مسلم ليس بواليه! تالله إنّ هذا لهو العجب! فكان ذلك أول ما نقم على عثمان (٤).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ٩ : ٥٣ ـ ٥٤. ورواه فيه ٢ : ٤٤ عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري ثم نقل عنه عن المغيرة بن محمد المهلّبي أنه سأل إسماعيل بن إسحاق القاضي عن هذا الخبر فقال : ما أنكر هذا من أبي سفيان ولكن أنكر أن يكون سمعه عثمان ولم يضرب عنقه! وفي نقله : أن الزبير كان حاضرا ، فقال عثمان لأبي سفيان : اعزب! فقال : يا بنيّ أهاهنا أحد؟! فقال الزبير : نعم ، والله لا كتمتها عليك!

ونقله المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٤٢ وزاد : ونمى هذا القول إلى المهاجرين والأنصار. ونقله الطبري في تاريخه ١٠ : ٥٤ ـ ٥٨ لعام (٢٨٤ ه‍) عن كتاب المعتضد العباسي. ونقله الأندلسي في الاستيعاب عن الحسن البصري ، كما في قاموس الرجال ٧ : ١٣٨.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ١٣٦.

(٣) تاريخ الطبري ١٠ : ٥٨ لعام (٢٨٤ ه‍) في كتاب المعتضد العباسي.

(٤) شرح النهج للمعتزلي ٩ : ٥٤ ـ ٥٥.

٣٢٢

وروى الطبري في خبر المسور بن مخرمة قال : أخرج عثمان عبيد الله بن عمر إليه ولديه جمع من المهاجرين والأنصار فقال لهم : أشيروا عليّ في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق ، وكان علي [عليه‌السلام] حاضرا فقال : أرى أن تقتله! فقال بعضهم : قتل أبوه بالأمس ويقتل ابنه اليوم! فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ؛ إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان ، إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك! فقال عثمان : وأنا وليّهم ، فأجعلها دية في مالي (١)!

وإليه إشارة اليعقوبي : لما ولّى عثمان ردّ عبيد الله بن عمر برأي عمرو بن العاص (٢) فأكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عن ابن عمر ، فصعد المنبر وخطب وقال : ألا وإني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر! وتركت [ابن عمر] لدم عمر!

فقام المقداد بن عمرو فقال : إن الهرمزان مولى لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله! فقال عثمان : فننظر وتنظرون (٣)!

وروى المرتضى عن ابن اسحاق قال : إن أول من كلم عثمان في عبيد الله علي عليه‌السلام أتاه بعد ما استخلف فقال له : اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل امرأ مسلما صالحا!

فقال عثمان : قتلوا أباه بالأمس وأقتله اليوم.

وروى : أنه لما قال عثمان : إني عفوت عن عبيد الله بن عمر ، قال المسلمون : إنه ليس لك أن تعفو عنه! قال : بلى إنه ليس لجفينة والهرمزان قرابة من أهل الإسلام ، وأنا وليّ أمر المسلمين فأنا أولى بهما وقد عفوت.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٩ بلا ذكر لاعتراض علي عليه‌السلام فكأنّه رضى بذلك!

(٢) اليعقوبي ٢ : ١٦١ ولفظه : ردّه إلى عمرو بن العاص ، والصحيح ما اثبتناه.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٣ ـ ٦٤ ، وانظر الغدير ٧ : ١٣٢ ـ ١٤٢ برقم ٧.

٣٢٣

فقال علي عليه‌السلام إنه ليس كما تقول ، إنما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين ، وإنما قتلهما في إمرة غيرك وقد حكم الوالي ـ الذي قتلا في أيامه ـ بقتله ، ولو كان قتلهما في إمارتك لم يكن لك العفو عنه ، فاتّق الله فان الله سائلك عن هذا (١)!

وروى المفيد أن عثمان قال : إن الهرمزان رجل غريب لا وليّ له ، وأنا وليّ من لا وليّ له ، وقد رأيت العفو عن قاتله.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ليس للإمام أن يعفو عن حدّ يتعلّق بالمخلوقين ، إلّا أن يعفو الأولياء عنه ، فليس لك أن تعفو عن ابن عمر ، ولكن إن أردت أن تدرأ الحدّ عنه فأدّ الدية إلى المسلمين الذين هم أولياء الهرمزان واقسمها مع ما في بيت المال على مستحقيه.

ثم قال له : أما أنت فمطالب بدم الهرمزان يوم يعرض الله الخلق للحساب! وأما أنا فإنني اقسم بالله لئن وقعت عيني على عبيد الله بن عمر لآخذنّ حق الله منه! وإن رغم أنف من رغم!

فلما كان الليل استدعى عثمان عبيد الله بن عمر وأمره بالهرب! فخرج من المدينة ليلا وقد أصحبه عثمان كتابا أقطعه فيه قرية من قرى الكوفة ، فهي تسمى : كويفة ابن عمر (٢).

وروى الطوسي في «الأمالي» : أن عثمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، قد أكثرتم في أمر عبيد الله بن عمر والهرمزان ، وإنما قتله

__________________

(١) تلخيص الشافي ٤ : ١٢٤.

(٢) الجمل للمفيد : ١٧٦ وتمامه : فلم يزل بها حتى ولي علي عليه‌السلام فلحق بجند الشام. هذا وقد مرّ في الخبر أن ابن شعبة الثقفي كان بعد حجه بالمدينة يومئذ وأبقاه عثمان على الكوفة لفترة ، ولا نرى خبرا عن ارتحاله إليها فلعله خرج وأخرج ابن عمر معه وكتاب عثمان كان إليه وأقطعه قرية نحو بزيقيا ، كما في معجم البلدان ٤ : ٤٩٦.

٣٢٤

عبيد الله تهمة بدم أبيه. وإن أولى الناس بدم الهرمزان الله ثم الخليفة! ألا وإني قد وهبت دمه لعبيد الله!

فقام المقداد بن الأسود فقال : يا أمير المؤمنين ؛ ما كان لله كان الله أملك به منك وليس لك أن تهب ما الله أملك به منك! فقال عثمان : ننظر وتنظرون!

فبلغ قول عثمان عليا عليه‌السلام فقال : والله لئن ملكت لأقتلنّ عبيد الله بالهرمزان (١).

وقرّب عمه الحكم الطريد :

روى السبط عن الشعبي قال : لما ولّي عثمان ردّ عمه الحكم بن أبي العاص في يوم ولايته وقرّبه وأدناه وأعطاه مالا عظيما! فكان أول ما أنكره عليه المسلمون وقالوا له : رددت عدوّ الله ورسوله وخالفتهما! فقال : إن رسول الله وعدني بردّه! فلذلك امتنع جمع من الصحابة من الصلاة خلفه (٢).

وقال بعضهم : رأيت الحكم بن أبي العاص إذ دخل المدينة وعليه ثوب خلق وأمامه تيس يسوقه حتى دخل دار عثمان والناس ينظرون إليه ومن معه ، ثم خرج وعليه جبّة خزّ وطيلسان (٣) ومعه ابنه مروان الذي زوّجه عثمان ابنته (٤) واستوزره في حكومته ، فعاب علي عليه‌السلام ذلك على عثمان (٥).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٧٠٩ ، الحديث ١٥١٣. وانظر بحار الأنوار ٣١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، بتحقيق اليوسفي الغروي.

(٢) تذكرة الخواص : ١٨٩ وط ٢ : ٢٠٩ ، وعنه في قاموس الرجال ٧ : ١٤٥ بترجمة عثمان.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤ ، والطيلسان : معرّب : تيل شانه : الثوب الفاخر على المتن. وانظر تفصيل القول في الحكم في الغدير ٨ : ٢٤١ ـ ٢٥٧ ، المورد : ٣١ من الغلوّ في فضائل عثمان.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٦.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٨ ، ومروج الذهب ٢ : ٣٥٤.

٣٢٥

ونقل المرتضى عن كتاب الدار للواقدي من طرق مختلفة ورواة عدة قالوا : إن عليا عليه‌السلام وعمارا والزبير اجتمعوا واجتمع إليهم طلحة وسعد وحتى عبد الرحمن ابن عوف فدخلوا على عثمان فقالوا له : إنك أدخلت هؤلاء القوم ـ الحكم ومن معه ـ وقد كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه ، وإنا نذكّرك الله والإسلام ومعادك ، فإن لك معادا ومنقلبا ؛ وقد أبى الولاة قبلك ذلك ولم يطمع أحد أن يكلمهم فيهم ، وهذا سبب يخاف عليك منه!

فقال عثمان : إن قرابتهم مني حيث تعلمون ، وقد كان رسول الله حيث كلمته أطمعني في أن يأذن له ، وإنما أخرجه لكلمة بلغته عن الحكم ، ولم يضركم مكانهم شيئا! وفي الناس من هو شرّ منهم!

فقال علي عليه‌السلام : هل تعلم عمر كان يقول : والله ليحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس ، والله لئن فعل ليقتلنّه! فقال عثمان : ما منكم أحد بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه وينال من القدرة ما نلت إلّا كان سيدخله!

فغضب علي عليه‌السلام وقال : لتأتينا بشرّ من هذا إن سلمت ، وسترى غبّ ما تفعل يا عثمان! ثم قاموا وخرجوا من عنده (١).

وروى بعضهم : أن عثمان لما خرج لصلاة العشاء الآخرة ليوم بيعته قدّم أمامه من يحمل له شمعة ـ وكان في أول الشهر ـ فلما رأى ذلك المقداد قال : ما هذه البدعة (٢)؟!

__________________

(١) تلخيص الشافي ٤ : ٩١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٣.

٣٢٦

عثمان وفتوح البلدان :

مرّ الخبر أنّ عمر ولّى المغيرة الكوفة في سنة (٢٣) وحضر المغيرة ـ بعد الحجّ ـ المدينة وقتل عمر وبيعة عثمان ، فأقرّه على عمله لفترة.

فروى ابن الخياط عن المدائني : أنه بعث من الكوفة جرير بن عبد الله البجلي لفتح همدان في جبال إيران فافتتحها في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين (١).

وكانت الريّ محاصرة في آخر عهد عمر فافتتحها المغيرة سنة (٢٤) وكتب إلى عثمان : أنه قد دخل الريّ وأنزلها المسلمين (٢).

وقد سبق في وصية عمر السياسية أن قال لهم : وإن تولّوها سعدا فهو لها أهل ، وإلّا فليستعن به الوالي ، فإني لم أعزله عن خيانة ولا ضعف (٣) هذا وقد تنازل في الشورى لابن عمه عبد الرحمن الزهري ليولّها من شاء فولّاها عثمان ، فكأن عثمان أراد شكره والعمل بوصية عمر فعزل المغيرة عن الكوفة وأعاد سعدا عليها في سنة (٢٤).

ولكنّ سعدا لم يسعد بها طويلا حتى عزله عثمان عنها وولّاها الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، أخاه لأمه ، في سنة (٢٥).

وفيها (٢٥) : بعث ملك الروم جيشا عليهم منوبل الخصيّ في مراكب إلى الإسكندرية فانتقضوا فغزاهم عمرو بن العاص في ربيع الأول سنة (٢٥) فقتل وسبى ، فردّ عثمان السبي إلى ذمّتهم الأولى (٤).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٩٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤.

(٣) تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٩.

(٤) تاريخ خليفة : ٩١.

٣٢٧

وعلى البصرة أبو موسى الأشعري ، فولّى لفتح حصون فارس عثمان بن أبي العاص الثقفي ، ففي سنة (٢٦) حاصر بلدة شاپور حتى صالحوه على ثلاثة آلاف ألف (مليون) وثلاثمائة ألف ، وأدخلوا في صلحهم بلدة كازرون ، ومنها قلعة الرهبان ، ثم قتلوا فارسين من المسلمين ، فعاد عثمان على القلعة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم. ووجّه عثمان هرم بن حيّان العبدي إلى قلعة بحرة فافتتحها وسبى منها (١).

وفي سنة (٢٧) حاصر عثمان الثقفي بلدة دارا بجرد فصالحه هربدها على خمسة آلاف ألف (مليون) ومائتي ألف. وحاصر أرجان فصالحوه على ألفي ألف (مليونين) ومائتي ألف.

وحاصر أرجان فصالحوه على ألفي ألف (مليونين) ومائتي ألف.

وفيها : ٢٧ : عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ـ ابن خالته وأخاه من الرضاعة ـ وخرج معه عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، وتخلّف معه عبد الله بن عمرو بن العاص (٢) فاجتبى عبد الله مصر اثني عشر ألف ألف (مليون) دينارا ، فقال عثمان لعمرو : درّت اللقاح! فقال عمرو : ذاك إن يتمّ يضرّ بالفصلان! فقال عثمان لعمرو : كيف تراه؟ قال : قويا في نفسه ضعيفا في ذات الله (٣)!

فغزا ابن أبي سرح إفريقية ومعه العبادلة الثلاثة (٤) فخرج إليهم ملك البربر جرجير في مائة وعشرين ألف فأحاطوا بهم (٥) قرب بلدة سبيطلة على يومين

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٩١ ، وأشار إلى فتح شاپور اليعقوبي ٢ : ١٦٥.

(٢) تاريخ خليفة : ٩١ ـ ٩٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤.

(٤) تاريخ خليفة : ٩٣.

(٥) البداية والنهاية ٧ : ١٥٨.

٣٢٨

أو سبعين ميلا من القيروان اليوم (١) فدعوا جرجير وجمعه إلى الإسلام أو أداء الجزية فامتنعوا ، فالتحمت الحرب وفضّ جمعهم حتى طلب جرجير الصلح فأبى عبد الله عليه ، وهزموه حتى قتلوه وسبوا وغنموا وكثرت الغنائم حتى بلغت ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار (٢).

ونقل ابن الخياط عن ابن سعد قال : أقام ابن أبي سرح في بلدة قمودة من سبيطلة ، حتى بعث إليه أهل المدائن فصالحوه على مائتي ألف رطل ذهبا ، فبلغ سهم الراجل ألف مثقال ، وسهم الفارس ثلاثة آلاف مثقال ذهبا (٣)! ووجه ابن أبي سرح عبد الله بن الزبير بالبشارة إلى عثمان فبلغ المدينة في عشرين ليلة فأخبر عثمان فأخبر عثمان الناس ، وأمر بخمس الغنائم لصهره مروان بن الحكم!

ووجّه ابن أبي سرح جيشا إلى أرض النوبة ، فصالحوه على ثلاثمائة رأس (؟) كل سنة فأجابهم إلى ذلك وكتب إلى عثمان (٤).

وكان عمر قد منع المسلمين من ركوب البحر فلما قضى غزا معاوية في البحر المتوسط إلى جزيرة قبرس سنة ٢٨ ومعه عبادة بن الصامت الأنصاري وأم حرام أمّ أنس بن مالك الأنصاري ـ وكانت تعالج الجرحى ـ فعثر بها بغلتها فسقطت وماتت ودفنت هناك (٥) ، وصالحوهم على سبعة آلاف دينار كل سنة (٦).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٩٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٥.

(٣) تاريخ خليفة : ٩٢.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٦.

(٥) تاريخ خليفة عن الكلبي : ٩٢ ، والكامل ٣ : ٩٧.

(٦) تاريخ ابن الوردي ٢ : ١٤٣.

٣٢٩

وكأنّ فيض المال في مصر بلغ الأشعريّ بالبصرة ، وأن عثمان عزم على عزله وتولية ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز من بني عبد شمس وله خمس وعشرون سنة ، فقام فيهم خطيبا وقال لهم : سيأتيكم بمكاني غلام كثير العمّات والخالات والجدّات في قريش ، يفيض عليكم المال فيضا!

فلما قدم البصرة وجّه الجنود لفتح فسا واصطخر من أرض فارس وعليهم عبيد الله بن معمر التيمي فقتل في حصار اصطخر ، فتولّاهم ابنه عمر (١) فقاتلوه قتالا شديدا حتى قتل ، فسار إليهم ابن عامر وأقسم لئن ظفر بها ليقتلنّ حتى تسيل الدماء من باب المدينة! ثم نقّب المسلمون عليهم ففتحوها فقتل حتى أسرف في القتل فقيل له : أفنيت الناس! والدم لا يجري ، فأمر فصبوا ماء على الدماء حتى سالت من باب المدينة ليبرّ بقسمه!

ثم جعل على مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي وقصد أصفهان ، فصالحوه على صلح أهل فارس؟

وبلغه أن أهل حلوان نقضوا الصلح فسار إليها حتى افتتحها عنوة وأكثر القتل فيهم.

وفيها : ٢٩ : عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة وولّاها سعيد بن العاص الأموي ، فبعث سلمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى ناحية آذربايجان وأرمينية وبرذعة وبلنجر والبيلقان؟! فصالحوه حتى قتل في بلنجر ، وغزا سعيد بنفسه جرجان وآذربايجان فافتتحها.

وكان الكاريان والفيشجان من دارا بجرد وجور واردشيرخرّه من أرض فارس لم تدخل في فتح عثمان بن أبي العاص الثقفي ولا صلحه ، فافتتحها ابن عامر

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٦.

٣٣٠

عام ثلاثين فقتل وسبى وأصاب غنائم كثيرة مما جمع في بيوت النار ، وكان معه عبد الله بن الزبير وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر ، وهرب يزدجرد بن كسرى (١).

وفي سنة (٣٠) كتب عثمان إلى سعيد بن العاص على الكوفة وعبد الله بن عامر على البصرة : أيكما سبق إلى خراسان فهو أمير عليها.

فوجّه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي على مقدمته إلى خراسان فسار إلى نيشابور ، وعلم بالمسابقة بين الأميرين دهقان من دهاقين خراسان فجاء إلى ابن عامر وقال له : ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال : لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة! فأخذ به على طريق مختصر إلى قومس (سمنان ودامغان) إلى نيشابور فالتقى بمقدمته عليها حتى افتتحت سنة (٣٠). وكانت نيشابور وطوس من أبر شهر ، وكانت بوشنج وبادغيس من هراة.

فحين افتتح نيشابور وجّه بالجيوش ، فوجّه عبد الله بن خازم السلمي إلى سرخس ، وبعث حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرو ، وبعث الأحنف بن قيس التميمي إلى مروالرود (كذا) وبعث أوس بن ثعلبة التميمي إلى هراة ، وكتب إلى أهل هراة فكتبوا إليه : إن فتحت أبر شهر أجبناك إلى ما سألت! فوقف على أهل الطبسين حتى صالحهم على خمسة وسبعين ألفا ، ثم سار إلى أبر شهر فحاصرهم شهورا حتى صالحهم. وصالح أهل مرو حاتم الباهلي على ألفي ألف (مليونين) ومائتي ألف اوقية.

ثم صيّر ابن عامر خراسان أرباعا فولّى عليها : راشد بن عمرو الجديدي ، وعمرو بن مالك الخزاعي ، وعمران بن الفصيل البرجمي ، وقيس بن الهيثم السلمي وانصرف هو إلى عثمان ، فردّه عثمان على عمله (٢).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٩٣ ـ ٩٥.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٧.

٣٣١

ونقل ابن الخياط عن المدائني : أنه كان على مقدمة ابن عامر إلى خراسان : الأحنف بن قيس ، وبعث ابن عامر أمير بن أحمر اليشكري فافتتح طوس وما حولها ، وصالح من جاء من أهل سرخس على مائة وخمسين ألفا. وبعث ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق من أبر شهر فافتتحها وقتل بها ، ثم صالح كنارى ابن عامر على ما بقي من أبر شهر على ألف ألف (مليون) درهم ومائة ألف فارد من الطعام. وبعث حاتم ابن النعمان الباهلي إلى مرو فصالحه مرزبان مرو : ماهويه بن آزر على ألفي ألف (مليونين) ومائتي ألف. واجتمع أهل طخارستان والجوزجان والفارياب والطالقان وأميرهم طوقان شاه ، اجتمعوا على الأحنف بن قيس ومعه أربعة آلاف فاقتتلوا قتالا شديدا ثم هزموا. ثم سار الأحنف من مروالرود إلى بلخ فصالحوه على أربع مائة ألف ، ثم ذهب إلى خوارزم فلم يطقها فرجع.

ووجّه ابن عامر الربيع بن زياد الحارثي الهمداني إلى سجستان ، فافتتح زالق وشرواد وناشرود ، وحاصر بلدة زرنج فصالحوه على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب.

وفيها : ٣٠ : غزا سعيد بن العاص طبرستان ، فسألوه الأمان على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا ، فقتلهم كلّهم (كذا) إلّا رجلا واحدا (١)!

وقال اليعقوبي : إن عثمان وجّه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية فافتتح جرزان ، ثم أمدّه بسلمان بن ربيعة الباهلي في أربعة آلاف فتنافر من حبيب ، فكتب عثمان إلى سلمان بإمرته على أرمينية ، فسار حتى أتى البلقان فخرج إليه أهلها فصالحوه ، ومضى إلى برذعة فصالحها ، ثم نفذ سلمان إلى شيروان فصالحه ملكها ،

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٩٥ ـ ٩٦.

٣٣٢

وفعل مثل ذلك ملك اللّكز وأهل الشابران وأهل فيلان ، ولقيه ملك الخزرخاقان في جيشه العظيم خلف نهر بلنجر ، وكان مع سلمان أربعة آلاف فقاتلوا قتالا شديدا حتى قتل جميعهم هناك.

وفي سنة (٣٢) صيّر عثمان إلى معاوية غزو الروم فيوجّه من رأى ، فولّى معاوية : سفيان بن عوف الغامدي على طريق القسطنطينية ، ففتحوا فتوحا حتى بلغوا مضيق القسطنطينية (١) ورجعوا.

وكان ابن عامر في آخر سنة (٣١) استخلف قيس بن الهيثم السلمي وعزم على الحج أو العمرة من نيشابور ، فسار قيس في أرض طخارستان وحاصر سمنجان حتى فتحها وصالحه كثير من البلدان (٢) فأقبل عليه من هراة وبادغيس أميرهم قارن سنة (٣٢) في أربعين ألفا فتراجع عنه ابن الهيثم ، وقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي في أربعة آلاف حتى التقى بقارن وجمعه وقاتله قتالا شديدا حتى هزمه وسبى منهم سبايا كثيرة ، وكتب إلى ابن عامر بالفتح فأقره على خراسان.

وفيها : ٣٣ : وجّه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة الأنصاري إلى سجستان فحاصر زرنج حتى صالحه صاحبها (٣) وقيل : بل فتحها بعد نكبة شديدة (٤).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩ وأشار إليه في تاريخ خليفة : ٩٧ عن الكلبي.

(٢) عن الكامل ٣ : ١٢٦.

(٣) تاريخ خليفة : ٩٦ ـ ٩٨.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٦.

٣٣٣
٣٣٤

شئون عثمان غير العسكرية

عزل المغيرة وتوليته سعدا :

مرّ أنه عزل المغيرة عن الكوفة سنة (٢٤) وولّاها سعدا ، فروى ابن شبّة قال :

قدم المغيرة من الكوفة على عثمان بمال معه ، ولكنه قال عنه : رأيت أنه لا يردّني على الكوفة أبدا ، ثم رأى حاجب عثمان : بحران ، فجعل له جعلا على أن يأتيه بخبر من يولّيه عثمان على الكوفة ، فأتاه وأخبره أنه استعمل سعد بن أبي وقّاص ، فأتى المغيرة عثمان وقال له : يا أمير المؤمنين! هل بلغك عني أمر كرهته أو شكاني أحد إليك؟ قال : وما ذاك؟ قال : فلم عزلتني واستعملت سعدا؟ قال : ومن أخبرك؟ والله لتخبّرني من أخبرك أو لأسيلنّ دمك! فأخبره ، فأمر عثمان أن يضرب بحران ستين سوطا ويحلق رأسه ويطاف به في السوق! فعاب ذلك عليه ناس من الصحابة فأعتقه (١).

__________________

(١) تاريخ المدينة للنميري البصري ٣ : ١٠٣٠.

٣٣٥

نهيه عن التمتع بالعمرة في الحج :

منذ عام (٢٥) بدأ عثمان يحج حتى عام (٣٤) ، وفي أول حجة له بعد أبي بكر وعمر ومع اشتراط عبد الرحمن بن عوف على عثمان أن يسير بسيرتهما ، سار عثمان على سيرة عمر في النهي عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فحجّ إفرادا لا تمتّعا ، وحج معه علي عليه‌السلام تمتعا وقال في تلبيته : لبّيك عمرة وحجة معا ، وهكذا كان يلبّي بهما جميعا في طريقه حتى سمعه عثمان فسأل عنه : من هذا؟ فقالوا : علي! فلما رآه قال له : ألم تعلم أني قد نهيت عن هذا؟ قال عليه‌السلام : بلى! ولكن لم أكن لأدع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد من الناس (١).

ولما بلغوا منزل الجحفة قرب رابغ ، وهي ميقات أهل الشام ، لحق بهم رهط من أهل الشام معهم حبيب بن مسلمة الفهري فقال لهم عثمان : خلّصوا الحجّ في أشهر الحجّ ، فإنكم لو أخّرتم العمرة حتى تزوروا البيت زورتين كان أفضل ، فإن الله قد وسّع في الخير. وكان علي عليه‌السلام حاضرا فقال له : عمدت إلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورخصة رخّص للعباد بها في كتابه تضيّق عليهم فيها وتنهى عنها ، وهي لذي الحاجة ولنائي الدار؟

فالتفت عثمان إلى الناس وقال لهم : إني لم أنه عنها إنما كان رأيا أشرت به ، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه.

فقال رجل من أهل الشام لحبيب بن مسلمة : انظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ والله لو أمرني لضربت عنقه! فضرب حبيب في صدره وقال له : اسكت فضّ الله فاك فان أصحاب رسول الله أعلم بما يختلفون فيه (٢).

__________________

(١) انظر الغدير ٨ : ١٣٠.

(٢) انظر الغدير ٦ : ٢١٩.

٣٣٦

وفي منزل عسفان قرب مكة أعاد عثمان النهي عن متعة الحج فقال له علي عليه‌السلام : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تنهى عنه؟ فقال عثمان : دعنا منك! قال : إني لا أستطيع أن أدعك (١).

وفي حجته سنة (٢٦) ابتاع من قوم منازلهم حول المسجد الحرام ليوسّعه ، فباعه قوم وأبى آخرون ، فوضع عثمان أثمان منازلهم في بيت المال وأمر بهدمها عليهم ، فصاحوا بعثمان ، فقال لهم : ما جرّأكم عليّ إلّا حلمي! فقد فعل عمر هذا فلم تصيحوا! وأمر بحبسهم. وجدّد أنصاب الحرم (٢).

وعمّه الحكم وأخوه الوليد :

كان الحكم بن أبي العاص من المستهزئين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسلم في فتح مكة ، ثم هاجرها إلى المدينة (٣). وبين فتح مكة في الثامنة وتبوك في التاسعة ولد ابنه مروان ، وكانوا يأتون بالولدان إلى رسول الله فأتوا به إليه وقيل : هو مروان بن الحكم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو الملعون بن الملعون الوزغ بن الوزغ (٤) ثم شارك الحكم في تبوك وفي العودة منها لما انتهى النبيّ إلى عقبة فيق وقال : لا يجاوزها أحد ، عوّج الحكم فمه مستهزئا به على عادته القديمة ، ورآه رسول الله

__________________

(١) انظر الغدير ٨ : ١٣٠ ، وتاريخ المدينة ٣ : ١٠٤٣ وبعدها. وانظر معالم المدرستين ٢ : ٢٠٧ ـ ٢٣٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤ ، والطبري ٤ : ٢٥١ ، وفي توسعة المسجد الحرام انظر الغدير ٨ : ١٢٩.

(٣) أنساب الأشراف ٥ : ٢٧ ، وانظر الغدير ٨ : ٢٤٣.

(٤) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٤ : ٤٧٩ ، وعن ابن عوف انظر الغدير ٨ : ٢٦٠.

٣٣٧

فنفاه إلى الطائف (١) وشفع له عثمان فلم يشفّعه فيه وكذلك أبو بكر وعمر ، فلما تولّى استقدمه فأكرمه ونعمّه ، كما مرّ خبره.

وسمع في أيامه الأولى من أبي سفيان وهو أعمى ما يخالف الإيمان بالإسلام والأديان ، فاستاء عثمان وأمر بإخراجه من الديوان ، كما مرّ خبره أيضا.

ومع ذلك رووا عن سعيد بن العاص : أن عثمان كان قد اصطنع لنفسه سريرا يسع لواحد آخر معه ، فكان يجلس معه أبو سفيان وهو أعمى ، وعمّه الحكم ، وأخاه لأمه الوليد بن عقبة ، فأقبل الوليد يوما فجلس ، ثم جاء عمّه الحكم ، فأومأ عثمان إلى أخيه الوليد فرحل عن مجلسه للحكم. فلما قام الحكم ليخرج قال الوليد لعثمان : والله يا أمير المؤمنين ، حين رأيتك آثرت عمّك على ابن امّك تلجلج في صدري بيتان من الشعر قلتهما ، قال : ما هما؟ قال :

رأيت لعمّ المرء زلفى قرابة

دوين أخيه حادثا لم يكن قدما

فأمّلت عمرا أن يشبّ وخالدا

لكي يدعواني يوم نائبة : عمّا!

ويعني خالدا وعمرا ابني عثمان ، فقال عثمان : إن الحكم شيخ قريش! ثم رقّ لأخيه فقال له : وقد ولّيتك الكوفة (٢)! وذلك عام (٢٦ ه‍).

فقدمها وعليها سعد بن أبي وقاص ، فاستأذن عليه ودخل وجلس ، ولم يعلم سعد أن الوليد الوالي الجديد وكان يكنّى أبا وهب ، فقال له سعد : ما أقدمك يا أبا وهب؟ أجئت بريدا؟ فقال الوليد : أنا أرزن من ذلك! ولكنّ القوم احتاجوا إلى عملهم فاستعملني أمير المؤمنين على الكوفة! ولقد امرت بمحاسبتك والنظر في أمر عمّالك!

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٧٥ ، الحديث ٢٩٥ عن عبد الله بن عمر.

(٢) الأغاني ٤ : ١٧٤ ، وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٣٣٨

فسكت سعد طويلا ثم قال : لا والله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك (١)؟! ولا والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟!

فقال له الوليد : لا تجزعنّ يا أبا إسحاق ، فإنه الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخرون! فقال سعد : أراكم ـ والله ـ ستجعلونه ملكا (٢).

منادمته الطائي النصراني :

وكان عثمان قبل هذا قد ولّى الوليد صدقات بني تغلب ثم عزله لشعر خليع بلغه عنه! ولخلاعته في شعره نادمه من نصاراهم رجل يدعى أبا زبيد الطائي نازلا فيهم ، فلما تولّى الوليد الكوفة استعمل لحمى الرعي فيما بين الحيرة إلى الجزيرة مرّى بن أوس الطائي أو ابنه الربيع ، وأجدبت الجزيرة ومنع مرّى الطائي أبا زبيد الطائي من الرعي فرحل إلى الوليد وشكاه إليه فعزله وولّاها أبا زبيد ، ودعاه إلى ندامته السابقة واستوهب له دار رجل قبطيّ بباب المسجد الجامع بالكوفة وأسكنه بها.

فكان أبو زبيد يخرج من داره فيشق المسجد إلى الوليد فيسمر عنده ويشرب معه ويخرج فيشق المسجد وهو سكران ، وكان يمدح الوليد بشعره (٣).

الوليد والساحر النصراني :

وكان يجلس في صحن المسجد ويؤتى بساحر من الكوفة يدعى بطروني ، ويجتمع عليه الناس ، فجعل يدخل من دبر الناقة (أو البقرة) ويخرج من فيها ،

__________________

(١) الأغاني ٤ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٢٨.

(٢) الأغاني ٤ : ١٧٦ ، وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٢٩ ، وفي الصفحة ٢٤٥ منه نقل عن ابن البرّ في الاستيعاب عن الوليد مرفوعا قال : ما كانت نبوة إلّا كان بعدها ملك.

(٣) الأغاني ٤ : ١٨٠ ، وعنه في شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٣٦.

٣٣٩

فرآه جندب بن كعب (أو زهير) الأزدي فخرج إلى بعض من يصقل السيوف فاستعار منه سيفا ستره وأقبل في الزحام حتى ضرب عنق الساحر وقال له : الآن أحي نفسك إن كنت صادقا!

فأراد الوليد أن يضرب عنقه فقام إليه قومه من الأزد وقالوا : لا والله لا تقتل صاحبنا! فأمر به فحبس! وكان جندب متعبّدا يصلّي الليل كله! وكان سجّانه (نصرانيا) يدعى أبا سنان ، ولكنه قال له : ما عذري عند الله إن حبستك ليقتلك الوليد؟! فأطلقه ، فأمر الوليد به فضرب مائتي سوط!

فاجتمع حذيفة بن اليمان العبسي وعديّ بن حاتم الطائي وجرير بن عبد الله البجلي والأشعث بن قيس الكندي فكتبوا بذلك إلى عثمان وأرسلوا إليه رسلهم (١).

الوليد وابن مسعود :

مرّ أن عمر عزل سعدا عن الكوفة سنة (٢١) وأمّر عليهم عمارا ومعه عبد الله بن مسعود الهذلي على بيت المال ومعلّما للفقه والقرآن وفي عام (٢٣) بعد عامين اشتكى إليه أهل الكوفة ضعف عمار فعزله ، وبقي ابن مسعود على بيت المال حتى جاءهم الوليد في سنة (٢٥ ه‍) فلم يعزله ولكنّه أكثر من التصرّف في الأموال بغير ما يرى ابن مسعود.

فروى البلاذري عن الكلبي عن أبي مخنف وعوانة : أن ابن مسعود ألقى إلى الوليد مفاتيح بيت المال وقال : من غيّر غيّر الله ما به ، ومن بدّل أسخط الله عليه ، ولا أرى صاحبكم إلّا وقد غيّر وبدّل! أيعزل مثل سعد بن أبي وقاص ويولّي الوليد؟!

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٥ ، وأنساب الأشراف ٥ : ٣٢ ، ومروج الذهب ٢ : ٣٣٨ ، والأغاني : ١٨٣ ، وفي تلخيص الشافي ٤ : ٧٨ مرسلا.

٣٤٠