موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

وكان أبو قتادة الأنصاري وابن عمر حاضرين فكلّما خالدا في أمره فكره كلامهما.

فقال مالك له : يا خالد ، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا ، فإنك بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا!

فقال خالد : لا أقالني الله إن أقلتك. وأمر ضرار بن الأزور بضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته وكانت في غاية الجمال (١) فقال لها : أقتلتني؟ أي عرّضتني بحسن وجهك للقتل ، وكانت جميلة حسناء (٢) فضرب ضرار عنقه فقتله.

رأس مالك وجسده :

روى الطبري عن سيف التميمي بسنده قال : إن أهل العسكر جعلوا رءوس القتلى (الاثني عشر) أثافي لقدورهم! فما منهم رأس إلّا وصلت النار إلى بشرته ، ما خلا رأس مالك بن نويرة فإنه كان من أكثر الناس شعرا ، فنضجت القدر التي على رأسه وإن شعره وقى بشرته حرّ النار (٣)!

__________________

(١) فوات الوفيات ٢ : ٦٢٧ ، عن كتاب الردة للواقدي ، وكتاب الردّة لابن وثيمة ، والمختصر لأبي الفداء ١ : ٢٢١.

(٢) كما في الغدير ٧ : ١٦٠ ، عن الفائق للزمخشري ٢ : ١٥٤ ، والنهاية لابن الأثير ٣ : ٢٥٧ ، وتاج العروس ٨ : ٧٥ ، وانظر المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ١ : ٢٢١.

(٣) الطبري ٣ : ٢٧٩ ، هذا ولعلها كانت كرامة له تدل على أنه قتل مظلوما. والخبر رواه في الإصابة ٣ : ٣٧٧ ، عن الزبير بن بكار عن الزهري. والمختصر لأبي الفداء ١ : ٢٢١ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٦ : ٣٢٢ ، وفوات الوفيات ٢ : ٦٢٧.

١٨١

وأما جسده فقد نقل ابن حجر في «الإصابة» أن المنهال بن عصمة الرياحي التميمي أبا ليلى أم تميم زوج مالك بن نويرة جاء ومعه رجل من قومه ومعه ثوب فكفّن مالكا ودفنه (١).

وأما ابنته ليلى أم تميم زوج مالك فقد تملكها خالد وتزوّج بها من يومه ذلك (٢).

وقال ابن الأعثم : أجمع أهل العلم على أن خالدا تزوج بامرأة مالك ودخل بها (٣).

وفي ذلك قال أبو نمير السعدي :

ألا قل لحيّ أوطؤوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه لعرسه

وكان له فيها هوى قبل ذلك

فأمضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

فأصبح ذا أهل ، وأصبح مالك

إلى غير أهل هالكا في الحوالك  (٤)

موقف أبي قتادة وأبي بكر وعمر :

مرّ أن خالدا لما أمر بقتلهم واتّهمهم بأنهم لم يصلّوا ساعة قط ، وثب أبو قتادة الأنصاري إلى خالد بن الوليد فقال له : أشهد أنك لا سبيل لك عليهم!

__________________

(١) الإصابة ٣ : ٤٧٨ ، بترجمة المنهال.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٢.

(٣) الفتوح لابن الأعثم ١ : ٢٣.

(٤) كتاب الردة للواقدي : ١٠٧ والمختصر لأبي الفداء ١ : ٢٢١ ، ووفيات الأعيان ٦ : ١٤. والحوالك جمع الحالكة : الليلة السوداء شديدة السواد.

١٨٢

قال خالد : وكيف ذلك؟ قال : لأني كنت في السريّة التي وافتهم ... ثم أذّنا وصلّينا فصلّوا معنا!

فقال خالد : يا أبا قتادة ، إن كانوا قد صلّوا معكم فقد منعوا الزكاة فلا بد من قتلهم (١)!

وزاد ابن خلكان وأبو الفداء : أن أبا قتادة وعبد الله بن عمر كانا حاضرين فكلّما خالدا فكره كلامهما (٢) وزبره خالد ، فغضب أبو قتادة (٣) فعاهد الله أن لا يشهد مع خالد حربا بعدها أبدا (٤).

ثم قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ... فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم (٥) وقد غرز المشاقص (٦) على عمامته ، فقام إليه عمر وأخذ المشاقص من عمامته ، ثم أخذ بتلابيبه إلى أبي بكر وهو يقول له : والله لو وليت من أمور المسلمين شيئا لضربت عنقك! فلقد تحقق عندي أنك قتلت مالك بن نويرة ظلما له ، وطمعا في امرأته لجمالها (٧).

__________________

(١) بهذا اللفظ في الفتوح لابن الأعثم ١ : ٢١ ، وبمعناه في كتاب الردّة للواقدي : ١٠٦ ، وتاريخ ابن الخياط : ٥٣ ، وفتوح البلدان للبلاذري : ١٠٣ ، والطبري ٣ : ٢٧٨ و٢٧٩ و٢٨٠ عن سيف وابن إسحاق عن ابن أبي بكر ، كما في ابن الخياط.

(٢) وفيات الأعيان ٩ : ٦٦ ، والمختصر لأبي الفداء ١ : ٢٢١ ، وكنز العمال ٣ : ١٣٢.

(٣) الطبري ٣ : ٢٧٨ عن سيف.

(٤) الطبري ٣ : ٢٨٠ ، عن ابن اسحاق عن ابن أبي بكر ، وفي اليعقوبي ٢ : ١٣٢.

(٥) تاريخ ابن الخياط : ٥٣ ، عن المدائني عن الزهري.

(٦) المشقص : نصل السهم الطويل ، مجمع البحرين ٤ : ١٦٣.

(٧) الإيضاح لابن شاذان : ١٣٣ يقول : رويتم ...

١٨٣

وسكت خالد حتى دخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه (١) فقال : يا خليفة رسول الله ، إني تأوّلت وأخطأت (٢).

فقال عمر لأبي بكر : فحق أن تقيده (٣) فقال أبو بكر : هيه يا عمر ، تأوّل فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد (٤).

فقال عمر : فإنه قد زنا فارجمه. قال : ما أرجمه ، فإنه تأوّل فأخطأ (٥) إلّا أنه أمره باعتزال المرأة (٦) وأدّى دية مالك بن نويرة إلى أهله من بيت المال ، وردّ أموالهم وسبيهم وأسراهم (٧).

فقال عمر لأبي بكر : فاعزله. قال : ما كنت لأشيم سيفا سلّه الله على الكافرين (٨).

ردة بني سليم :

مرّ الخبر عن المرتضى عن الثقفي عن ابن إسحاق : أن بريدة بن الحصيب الأسلمي لما رجع من البلقاء حمل رايته إلى أوساط قومه أسلم وقال : لا أبايع

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٨٠ ، عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكر.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٢. وهذا أول ادّعاء التأويل والخطأ فيه!

(٣) أي : تقتصّ منه لقتله مالك بن نويرة.

(٤) الطبري ٣ : ٢٧٨ ، عن سيف بن عمر.

(٥) المختصر لأبي الفداء ١ : ١٥٨.

(٦) الإصابة لابن حجر ٢ : ٢١٨ و٥ : ٥٦٠.

(٧) تاريخ ابن الخياط : ٥٣ ، والطبري ٣ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٨) الطبري ٣ : ٢٧٩ ، وأشيم : أغمد. فأصبح هذا منشأ لقب خالد : سيف الله المسلول.

١٨٤

حتى يبايع علي عليه‌السلام. وأن أسلم قالوا معه : لا نبايع حتى يبايع بريدة (١).

فلعلّ مثل هذه كانت في بني سليم حيث ما روى لنا إلّا مجملا.

فبعث إليهم أبو بكر خالدا ـ بعد مقتل ابن نويرة وقبل قتال مسيلمة ـ فجمع منهم رجالا في حضيرة ثم أحرقها بالنار بمن فيها! ثم أمره من وجهه ذلك أن يتوجّه إلى قتال مسيلمة.

ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب عاب على أبي بكر ذلك وقال : لا تدع رجلا يعذّب بعذاب الله! فكرّ أبو بكر على عذره السابق قال : والله لا أشيم سيفا سلّه الله على عدوّه حتى يكون هو الذي يشيمه (٢).

حرق أبي بكر للفجاءة :

وكان قد اختار أبو بكر منهم معن بن حاجز أميرا عليهم ، ولما سار خالد من قبل إلى طليحة الأسدي كتب إلى معن أن يجمع منهم جمعا ويلتحق به ، فسار معن واستخلف على عمله أخاه طريفة (٣) فقدم منهم إياس بن عبد الله الفجاءة على أبي بكر وطلب منه ركوبا وسلاحا لقتال المرتدّين منهم ومن غيرهم ، فأعطاه ذلك. فخرج بجمع معه يستعرض الناس يأخذ أموالهم (صدقة زكاة) ويصيب الممتنعين منه (٤).

__________________

(١) تلخيص الشافي ٣ : ٧٨. عن كتاب المعرفة للثقفي (م ٢٨٢ ه‍).

(٢) الرياض النضرة ١ : ١٠٠ ، وانظر الغدير ٧ : ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٣) الطبري ٣ : ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، وانظر شرح النهج للمعتزلي ١٧ : ٢٢٢ عن الشافي وليس في تلخيصه.

(٤) الطبري ٣ : ٢٦٥.

١٨٥

فروى الطبري الإمامي عن الواقدي بسنده عن أبي العوجاء السلمي : أن أبا بكر كتب إلى طريفة بن حاجز : أما بعد فإنه بلغني أن الفجاءة ارتدّ عن الإسلام ، فسر بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأسره فتأتيني به في وثاق ، والسلام.

فسار إليه بمن معه ، فلما التقيا قال الفجاءة لطريفة : يا طريفة : إني لمسلم ما كفرت ، وأنا أمير أبي بكر وما أنت بأولى بأبي بكر مني. فقال له طريفة : إن كنت صادقا فألق سلاحك وانطلق معي إلى أبي بكر فأخبره بخبرك. فوضع السلاح ، فأوثقه طريفة بجامعة وبعث به إلى أبي بكر.

فلما قدّم إليه أرسل به إلى ابن جثم فحرّقوه بالنار وهو يقول : أنا مسلم (١).

وأحرق معه شجاع بن ورقاء الأسدي ، وكان ينكح ، أو : ينكح أدبار الغلمان (٢).

__________________

(١) المسترشد : ٢٢٦ و٥١٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٤ ، وفي نسخة الكتاب هنا بياض ، وأثبتنا مقتضى السياق. والأوّل جاء في مثالب العرب للكلبي : ٥٨ باب المخنّثين.

١٨٦

أهم حوادث

السنة الثانية عشرة

١٨٧
١٨٨

توجيه خالد إلى مسيلمة :

مرّ عن الطبري عن الكلبي (عن أبي مخنف ظ) أنّ أبا بكر أمّر خالد بن الوليد لقتال طليحة بن خويلد الأسدي وعيينة بن حصن الفزاري في بزاخة (١) وكذلك عن سيف بن عمر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر وزاد : أنه عقد لواء لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة في اليمامة ، ولكنّه بعث في أثر عكرمة شرحبيل بن حسنة (٢) قال : فبادر عكرمة شرحبيل ليفوز بها ، فواقع قوم مسيلمة فانتكس منهم ، فكتب إلى أبي بكر بما كان فكتب إليه أبو بكر أن يلتحق بحذيفة لقتال أهل عمان أو بالمهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت ، وكتب إلى شرحبيل أن يصبر حتى يقدم عليه خالد فيلتحق به.

فلما قدم خالد على أبي بكر من البطاح وسمع أبو بكر عذره قبل منه وصدّقه ورضى عنه ، ووجّهه إلى مسيلمة ، وعلى المهاجرين زيد بن الخطاب العدوي

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٥٤.

(٢) الطبري ٣ : ٢٤٩.

١٨٩

أخو عمر ، وأبو حذيفة ، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شمّاس والبراء بن مالك أخو أنس ، وعلى القبائل على كل قبيلة رجل.

وفعل شرحبيل بن حسنة كما فعل عكرمة فبادر قبل قدوم خالد عليه وتعجّل في قتال مسيلمة فانتكس فتحاجزهم.

وتعجّل خالد حتى قدم على عسكره بالبطاح ، وانتظر حتى قدم عليه الناس فنهض بهم إلى اليمامة. وكان عدد بني حنيفة يومئذ أربعين ألف مقاتل في قراهم.

وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون قريبا منه ردءا له لكي لا يأتيه أحد من خلفه (١).

ولما قدم خالد على شرحبيل لامه لفعله (٢) ولكنّه قدّمه أمامه مقدّمة له وأمّر عليه رجلا من مخزوم ، وجعل زيد بن الخطاب وأبا حذيفة على ميمنته وميسرته (٣).

مصير سريّة مجاعة ، وخولة :

مرّ أن جمعا من بني حنيفة من تميم منهم جعفر بن قيس أبو خولة (أم محمد بن الحنفية) كانوا في بني عامر ، وكان مجّاعة بن مرارة الحنفي من ساداتهم قد خطبها منهم فمنعوه منها فحقد عليهم وعزم على الثأر منهم.

فلما توجه خالد إلى بني عامر خاف أن يفوته الطلب ، فخرج في نحو عشرين فارسا حتى اختلجها منهم واستخرجوها معهم ، فكانوا راجعين من بلاد بني عامر وقد غلبهم النعاس وهم من عسكر مسيلمة على مسافة ليلة دون ثنيّة اليمامة فعرّسوا هناك ، فهم نيام وأزمّة خيولهم بأيديهم تحت خدودهم.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٨١.

(٢) الطبري ٣ : ٢٨٢.

(٣) الطبري ٣ : ٢٨٦ ، والمقدمة من أربعين إلى ستين فارسا : ٢٨٧.

١٩٠

إذ هجمت عليهم مقدمة عسكر خالد من أربعين إلى ستين فارسا ، فوجدوا هؤلاء نياما فأيقظوهم وسألوهم : من هم؟ قالوا : هذه حنيفة وهذا سيدنا مجّاعة. قالوا : فلا حيّاكم الله. وأوثقوهم وأقاموا حتى جاءهم خالد (١).

فلما أصبح خالد دعا بمجّاعة ومن أخذ معه فقال لهم : يا بني حنيفة ما تقولون؟ قالوا : نقول منّا نبيّ ومنكم نبيّ. فأمر بهم أن يقتلوا ، فقتلوا حتى إذا بقي مجّاعة ومعه رجل يقال له سارية بن عامر ، فقال سارية لخالد : أيها الرجل ، إن كنت تريد بهذه القرية (اليمامة) غدا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل يعني مجّاعة ، فأمر خالد بذلك (٢).

فروى البلاذري عن الكلبي : أنهم قدموا بخولة الحنفية المدينة فاشتراها علي عليه‌السلام منهم ، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينة على علي عليه‌السلام وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها علي عليه‌السلام وخطبها منهم (وكان ذلك بعد وفاة فاطمة عليها‌السلام) فزوّجوها إياه (٣) وإن كان متزوّجا قبلها بأمامة ابنة أبي العاص الأموي.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٨٧.

(٢) الطبري ٣ : ٢٨٨ ، عن محمد بن إسحاق ، وفيه : أنه دفعه إلى أم تميم بنت المنهال أرملة مالك بن نويرة! وقد مرّ عن ابن حجر في الإصابة : أن أبا بكر أمر خالدا باعتزالها. وهذا مما لا بدّ منه مع قبول إسلام ابن نويرة وأدائه ديته من بيت المال ، كما مرّ ، فكيف تبقى المرأة عنده ويحبس عندها مجّاعة!

(٣) أنساب الأشراف ٢ : ٢٠١ ، وقال : وهذا أثبت من خبر المدائني أنه عليه‌السلام أصابها في بني زبيد باليمن لما ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب ، وصارت في سهمه في عهد رسول الله. ونقلهما عنه المعتزلي في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٤٤ ، وقال في خبر البلاذري عن الكلبي : إنه هو الأظهر ، وهو قول المحققين.

١٩١

مقاتلة مسيلمة :

ثم سار خالد إلى اليمامة ، وراية المهاجرين مع عبد الله بن حفص (١) وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس ، وسائر العرب على راياتهم ، فمضى حتى نزل على كثيب مشرف على اليمامة فضرب معسكره هناك.

فأخرج مسيلمة أهل اليمامة ، وقدم في مقدّمته الرجّال بن عنفوة الحنفي في أوائل الناس. وخالد بن الوليد جالس على سرير وعنده أشراف الناس ، والناس على مصافهم (٢).

ودنا الرجّال بحيال زيد بن الخطّاب ، فناداه زيد : يا رجّال ، الله الله! فو الله لقد تركت الدين وإن الذي أدعوك إليه لأشرف لك وأكثر لدنياك! فأبى ، فتقاتلا فقتله زيد ومعه أهل البصائر من بني حنيفة ، ثم تذامروا فحمل كل قوم في ناحيتهم ، فجال المسلمون وانهزموا إلى معسكرهم وتجاوزوه ، فقطع العدو أطناب البيوت وهتكوها ، وكان يوم غبار.

ثم تذامر زيد وقال : لا والله لا أتكلّم اليوم حتى نهزمهم أو ألقى الله فاكلّمه بحجّتي ، عضّوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. ثم اقدم ففعلوا معه حتى أعادوهم إلى أبعد من مصافّهم ، وقتل زيد في هذه المعركة.

وتكلم ثابت بن قيس فقال : يا معشر المسلمين ، أنتم حزب الله وهم حزب الشيطان ، والعزة لله ولرسوله ولحزبه ، أروني كما أريكم. ثم حمل عليهم فدفعهم.

وقال أبو حذيفة : يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال ، ثم حمل وقاتل حتى قتل.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٩٢.

(٢) الطبري ٣ : ٢٨٩.

١٩٢

وحمل خالد بن الوليد ومعه حماته فقال لهم : لا أوتينّ من خلفي ، وكان يرقب مسيلمة ويطلب الفرصة.

وقتل حامل الراية عبد الله بن حفص فأعطوا الراية لسالم مولى أبي حذيفة فقال : قلتم : صاحب قرآن ، وسيثبت كما ثبت صاحبها قبله حتى مات! قالوا : أجل فانظر كيف تكون! فقال : والله بئس حامل القرآن إن أنا لم أثبت!

فلما اشتد القتال وكانت سجالا بينهم مرة على المسلمين ومرة على الكافرين ، قال خالد : أيها الناس ، امتازوا لنعلم بلاء كل حيّ ، ولنعلم من أين نؤتى. فامتاز أهل القرى والبوادي ، وامتازت القبائل من أهل البادية وأهل الحضر ، فوقف بنو كل أب على رايتهم ، فقال أهل البوادي : الآن يستحرّ القتل في الأجزع الأضعف ، فاستحرّ القتل في أهل القرى ، وكانت المصيبة في المهاجرين والأنصار أكثر منها في أهل البوادي ، وما رئي يوم كان أحدّ ولا أعظم نكاية مما رئي يومئذ.

وكانت رحى الحرب تدور على مسيلمة وهو ثابت ، فعرف خالد أنها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة وإلّا فلا يحفل بنو حنيفة بقتل من يقتل منهم دون مسيلمة ، فبرز خالد أمام الصف وانتمى ودعا إلى البراز فقتل من برز له ، وشعاره : يا محمّداه! وجالوا جولة وانهزموا ، فنادى خالد : دونكم لا تقيلوهم! فهزموهم ، فنادى المحكّم بن الطفيل الحنفي : يا بني حنيفة الحديقة الحديقة ، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى بلغوا بهم إلى الحديقة فدخلوها وأغلقوها على أنفسهم وهم عشرة آلاف ، وأحاط المسلمون بهم.

وقال بعض أصحاب مسيلمة له : فأين ما كنت تعدنا؟! فقال : قاتلوا عن أحسابكم (١).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ ، عن سيف بن عمر ، وفيه أن خالدا دعا مسيلمة للبراز ، بينما يأتي أنه لم يكن ليعرفه. وروى عنه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن من قتل من بني حنيفة في هذا الفضاء بعقرباء قبل الحديقة : سبعة آلاف ٣ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

١٩٣

مصير مسيلمة واليمامة :

وصرخ البراء بن مالك أخو أنس قال : يا معشر المسلمين ، احملوني على الجدار حتى تطرحوني عليه ، ففعلوا حتى إذا وضعوه على الجدار ارعد ونادى : أنزلوني ، فأنزلوه ، ثم قال : احملوني ، فحملوه ، فقال : أنزلوني ، فأنزلوه ، فقال : احملوني ، فعل ذلك مرارا (١).

وكأن أبا دجانة الأنصاري لما رأى ذلك تبرّع بمثله ورمى بنفسه في الحديقة فانكسرت رجله وقاتل حتى قتل (٢) وكأن البراء لما رأى ذلك تجرّأ فحملوه على الحائط فاقتحم عليهم وقاتلهم على الباب حتى فتحه للمسلمين وهم على الباب من خارج فدخلوا (٣).

ورأى البراء محكّم الحنفي ـ وكان رجلا جسيما ـ فبارزه وكان بيد البراء ترس من الجلود فضربه المحكّم بسيفه فاتقاه البراء بترسه فقطع السيف الجلد وعضّ بيد البراء ، وضرب البراء برجل المحكّم فقطعها وأخذ سيفه فذبحه به. ثم قاتل حتى كان فيه ثمانون جراحة من بين رمية بسهم وضربة بالسيف فوقع جريحا وحمل إلى رحله ليداوى (٤).

ورأى عبد الله بن زيد الأنصاري مسيلمة قائما وبيده سيفه فتهيّأ له ، ورآه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم العدوي وهو قاتل حمزة ، فتهيّأ له بحربته ورماه بها ، وضربه الأنصاري فقتلاه.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٩٤.

(٢) تاريخ ابن الخياط : ٥٧.

(٣) الطبري ٣ : ٢٩٤.

(٤) تاريخ ابن الخياط : ٥٦ و٥٧.

١٩٤

وأخبر خالد بمقتل مسيلمة ومحكّم وطلب من يعرّفه بهما فأمر أن يأتوه من فسطاطه بمجّاعة ، فجاءوه به مغلولا ليدله عليهما ، فجعل يكشف القتلى حتى مرّ بمحكّم بن الطفيل فقال خالد : هذا صاحبكم؟ قال : لا ، وهو خير منه هو محكّم اليمامة ، ثم مرّ بمسيلمة وهو رجيل صغير الجسم ، دقيق الساقين ، اصفر اللون فوقف عليه مجاعة وقال لخالد : هذا هو صاحبنا : فقال خالد : ويلك هذا هو الذي فعل بكم ما فعل؟! قال : قد كان ذلك (١) وله يومئذ مائة وخمسون سنة (٢).

وسائر الحصون :

وهنا روى الطبري عن سيف عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أن خالدا لما فرغ من جند مسيلمة استعجله عمّه عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه عبد الله بن عمر أن ينتقل من حصن الحديقة إلى سائر الحصون فقال لهما : دعاني أبثّ الخيول فالتقط من ليس في الحصون ثم أرى رأيي. فبث الخيول فقتلوا هناك من بني حنيفة سبعة آلاف وحووا ما وجدوا من مال ونساء وصبيان فضمّوها إلى معسكرهم ، ثم نادى بالرحيل لينزل على الحصون (٣).

وأوهم مجّاعة أن في داخل الحصون أقواما ودعا خالدا إلى المصالحة على ما يجدون من الذهب والفضة ونصف المماليك ، واطلق لذلك فألبس النساء السلاح وأوقفهم على الحصون ورجع إلى خالد فقال : إنهم أبوا عليّ النصف وأبوا عليّ إلّا الربع. فقبل خالد بذلك ، فلما فتحت الحصون ونظروا فإذا ليس في الحصون سوى النساء والصبيان ورجال ضعفاء ومشيخة فانية! فقال خالد : أمكرا يا مجّاعة؟

__________________

(١) تاريخ ابن الخياط : ٥٦ و٥٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٠.

(٣) الطبري ٣ : ٢٩٦.

١٩٥

قال : إنهم قومي. فأمضى خالد ذلك ، وكان ذلك في شهر ربيع الأول من السنة الثانية عشرة للهجرة (١) وكان الفصل آخر الربيع قبيل الشتاء.

وحشر بنو حنيفة للبراءة إلى خالد مما كانوا عليه والإسلام والبيعة في معسكره (٢). وكأنه انتقل حينئذ من عقرباء إلى وادي أباض من أودية اليمامة ، ثم تحوّل إلى وادي وبر وبعث خالد منهم وفدا إلى أبي بكر وبعث إليه من سباياهم أو من قيس أو من يشكر من قرى القرية والعرض خمسمائة رأس (٣) وكان أمره أبو بكر أن يرسل إليه خمس الغنائم (٤).

وروى الطبري عن سيف عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : قتل من المهاجرين والأنصار من أهل قصبة المدينة يومئذ ثلاثمائة وستون. وقال غيره : ومن المهاجرين من غير أهل المدينة وتابعيهم بإحسان من كلّ منهم ثلاثمائة فهم ستمائة (٥).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١. وفي كتاب الردة للواقدي : ١٤٤ وروى عنه الطبري الإمامي في المسترشد : ٢٢٦ ، الحديث ٦٤ : أن خالد بن الوليد قال لمجّاعة وهو في الحديد عنده : زوّجني ابنتك! قال : مهلا فإنك قاطع ظهري مع ظهرك عند صاحبك فإن القالة عليك كثيرة ، وما أقول هذا رغبة عنك. فقال خالد : زوّجني أيها الرجل ، فزوّجه. فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه مع سلمة بن سلامة : «لعمري يا خالد ابن أمّ خالد ـ إنك فارغ تنكح النساء وتعرّس بهنّ ، وتضاع لديك دماء المسلمين وهم ألف ومائتان لم تجف» فلما قرأ ذلك خالد قال : هذا فعل عمر!

(٢) الطبري ٣ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(٣) الطبري ٣ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، عن ابن إسحاق وغيره.

(٤) كتاب الردة للواقدي : ١٤١.

(٥) الطبري ٣ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

١٩٦

بينما روى ابن الخياط عن قتادة عن عبد الله بن المسيّب : أن شهداء اليمامة خمسمائة فيهم ثلاثون أو خمسون من حملة القرآن ـ بلا تسمية ـ. وروى عن زيد بن أسلم قال : مجموع القتلى أربعمائة وخمسون رجلا ، مائة وأربعون منهم من المهاجرين والأنصار. ثم سمّى من عرف منهم من المهاجرين أربعا وعشرين ومن الأنصار أربعا وثلاثين فقط (١). وقارب المسعودي ابن الخياط في المهاجرين وبلغ بالأنصار إلى السبعين (٢).

من هم حملة القرآن؟

مرّ عن ابن الخياط : أنّ من شهداء اليمامة خمسين أو ثلاثين من حملة القرآن. ثم ما سمّى منهم سوى سالم الفارسي مولى أبي حذيفة المخزومي ، المعدود من الأربعة الذين روى البخاري فيهم بسنده عن ابن عمرو بن العاص قال : سمعت النبيّ يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبيّ بن كعب (٣).

هذا ، ولكنّ معاصر البخاري : أبا عبيد القاسم بن سلّام الهروي الشامي (م ٢٢٤ ه‍) في كتابه في «القراءات» يعد قرّاء الصحابة فيعد أكثر من ثلاث وعشرين شخصا ، فيعدّ من المهاجرين عليا عليه‌السلام والخلفاء الثلاثة ، والعبادلة الأربعة : ابن عمر وابن الزبير وابن عباس وابن عمرو بن العاص ، وابن مسعود

__________________

(١) تاريخ ابن الخياط ٥٧ ـ ٦٠.

(٢) التنبيه والإشراف : ٢٤٨.

(٣) صحيح البخاري ، مناقب الأنصار باب ١٧ ، وطبيعي أن ابن عمرو بن العاص لا يعدّ منهم عليا عليه‌السلام.

١٩٧

وابن السائب ، وسعد بن أبي وقّاص ، وطلحة وحذيفة ومولاه سالم وأبا هريرة. ومن الأنصار : عبادة بن الصامت ، ومعاذا ، وفضالة بن عبيد ، ومسلمة بن مخلّد ، ومجمّع بن جارية. ومن النساء : أم سلمة ، وعائشة وحفصة. وقال : وبعضهم أكمل حفظه له بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

ونقل الزركشي عن الذهبي قال : هذا العدد هم الذين عرضوه على النبيّ واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمع القرآن ولم يتصل بنا سندهم فكثير (٢) ولا بدّ أن نعدّ منهم حملة القرآن الشهداء في حرب اليمامة ، لم يسمّ منهم إلّا واحد.

وفي جمع القرآن بمعنى تدوينه روى القمي بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : يا علي ، القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس (كذا) فخذوه واجمعوه ، ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة! (فقعد) علي عليه‌السلام في بيته وقال : لا أرتدي حتى أجمعه ، فجمعه في ثوب أصفر (٣).

وروى الحلبي عن أبي رافع : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه قال لعلي عليه‌السلام : يا علي ، هذا كتاب الله ، خذه إليك. فجمعه عليّ في ثوب ومضى به إلى منزله ، فلمّا قبض النبيّ جلس علي فألّفه كما أنزله الله.

ونقل عن الخوارزمي والعطار في كتابيهما عن علي بن رباح : أن النبيّ أمر عليا بتأليف القرآن ، فكتبه وألّفه.

وعن الشيرازي في نزول القرآن ويعقوب الفسوي في تفسيره عن ابن عباس : أن عليا عليه‌السلام جمعه بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بستة أشهر.

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٢٤ عن القراءات لأبي عبيد ، ولم يعدّ من النساء فاطمة عليها‌السلام!

(٢) البرهان ١ : ٢٤٢ والجمع هنا بمعنى الحفظ ، وأشار إلى أمهات المصادر في ذلك وتتّبع شواهده المستشرق شفالى ، كما في مباحث في علوم القرآن (لصبحي الصالح) : ٦٧.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٥١.

١٩٨

وعن أخبار أهل البيت عليهم‌السلام : أنه خرج به إليهم يحمله في إزار ، وهم مجتمعون في المسجد ، فلما توسطهم وضعه بينهم .. فقام إليه عمر فقال : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما! فحمل الكتاب وعاد به (١).

فكان هذا الردّ الأكيد لجمع علي عليه‌السلام من القرآن الكريم يقتضي منهم أن يقوموا بالبديل عنه ، وهنا تأتي أخبار البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري : أن عمر بن الخطاب لما رأى أن القتل اشتد في قرّاء القرآن في يوم اليمامة أشار على أبي بكر بجمع القرآن وتدوينه كي لا يذهب بعضه بذهاب حامليه وقرّائه ، فجمعه ودوّنه زيد في الصحف لدى أبي بكر (٢).

وعمّت الفتنة عمان :

روى الطبري عن سيف عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن أبا بكر كان قد بعث إلى مسيلمة باليمامة قبل خالد عكرمة وأتبعه بشرحبيل بن حسنة ، فحاول عكرمة أن تكون له حظوة الظفر فبادر إلى مسيلمة فنكبه رجال مسيلمة ، فكتب بذلك إلى أبي بكر. فكتب إليه يوبّخه على تسرّعه.

وكان في عمان يسامى الجلندى وابنيه جيفرا وعبّادا رجل من الأزد يدعى لقيط بن مالك ، وتنبّأ بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتلقّب بذي التاج وتغلّب على عمان وألجأ جيفرا وعبّادا إلى الجبال على البحر ، فبعث جيفر إلى أبي بكر بذلك. فبعث أبو بكر

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) انظر التمهيد ١ : ٢٣٤ ـ ٢٤٥ ، وتلخيصه ١ : ١٢٩ ـ ١٣٧ ، وجاءت الإشارة إلى قول عمر بشأن القرّاء القتلى في اليمامة في كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٥٦ : أنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرءون قرآنا لا يقرؤه غيرهم. وهذا إن صحّ فهو وهم من عمر ، وانظر تخريج الخبر في ٣ : ٩٧٥. وفي الإيضاح لابن شاذان : ٢١٥ قريب منه.

١٩٩

إليهم عرفجة البارقي الأزدي وحذيفة بن محصن الغلفاني الحميري. وأمرهما أن يعملا برأي جيفر وعبّاد ، ثم يعملوا برأي عكرمة في المقام بعمان والسير معه.

وكتب إلى عكرمة أن يلتحق بعمان ليعين حذيفة وعرفجة.

فمضى عكرمة بمن معه حتى لحق بهما قبل عمان بمكان يدعى رجاما وأرسلوا جيفرا وعبّادا.

وبلغ لقيطا مجيء الجيش فجمع جموعه وعسكر بمكان يدعى دبا وهي المصر والسوق الأعظم.

وخرج جيفر وعبّاد بمن معهما إلى صحار وبعثا إلى عكرمة فقدم عليهما بصحار ، ثم نهدوا إلى دبا فالتقوا بلقيط واقتتلوا.

وجاء المسلمين أمداد من متفرقة الناس من غير الأزد بعمان من عبد القيس وعليهم سيحان بن صوحان العبدي ، ومن بني ناجية وعليهم الخرّيت بن راشد الناجي ، فقوى بهم المسلمون فولّى المشركون (١) ، حتى بلغوا بهم أدنى بلادهم دبا وقتلوا منهم مائة رجل ، وتحصّنوا هناك فحاصروهم ، فلما اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكمهم ، فقتلوا رؤساءهم وأرسلوا الباقين منهم إلى أبي بكر ، وهم ثلاثمائة مقاتل وأربعمائة من النساء والذرية.

فهمّ أبو بكر أن يقتل الرجال ويقسم النساء والذريّة.

فقال عمر : إنهم مسلمون ويحلفون بالله جادّين أنهم ما رجعوا عن الإسلام وإنّما شحّوا وبخلوا بأموالهم على الزكاة. فحبسهم (٢) وأقام حذيفة الحميري في عمان.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٣١٤ ـ ٣١٦ ، عن سيف.

(٢) فتوح البلدان للبلاذري ١ : ٩٣ ، والفتوح لابن اعثم ١ : ٧٤ ، وفي الخبر السابق عن الطبري : أن خمس الغنائم كان ثمان مائة رأس بلا تفصيل. وانظر وقارن : عبد الله بن سبا ٢ : ٦٠ ـ ٦٤.

٢٠٠