موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

إلى المدينة : عشرون إلى ثلاثين ألف ألف (مليون) وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة أن يضع على أراضيها الخراج مثل أراضي الكوفة (١).

ومدن الجزيرة :

وفي السنة (١٨) وجه أبو عبيدة عياض بن غنم الفهري إلى مدن الجزيرة (بين دجلة والفرات في شمال العراق) : الرقّة وسروج والرّها ونصيبين ، فحاصرها حتى افتتحها صلحا ، ووضع على أرضها الخراج وعلى الرّقاب الجزية على كل إنسان أربعة دنانير أو خمسة ، ثم انصرف إلى أبي عبيدة ، فاستخلفه على حمص وقنّسرين وما والاهما.

ولما مات شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان أقرّ عمر أخاه معاوية على عمله ، فكان معاوية مقيما على قيسارية من فلسطين وقد افتتحت ما عدا قيسارية ، وبها معه ثمانون ألف مقاتل ، فما زال مقيما عليها حتى افتتحت ، وبعث بالبشارة إلى عمر (٢).

فتح مصر :

ووجّه عمرو بن العاص إلى عمر فلم يزل يعظّم أمر مصر ويهوّن عليه فتحها يقول : فإنا إن فتحناها كانت قوة للمسلمين ، فهي من أكثر الأرض أموالا وأعجزه عن القتال! فلم يزل حتى عقد له على أربعة آلاف من عكّ وقال له :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، وقبله فتوح البلدان : ٢٦٦ ، والأموال لأبي عبيد : ٧٤ ، والخراج لأبي يوسف : ٤٨. ولم يرو الطبري استشارة عمر ومشورة علي عليه‌السلام عليه بذلك.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٠ ـ ١٥١.

٢٦١

إن لحقك كتابي قبل أن تدخل شيئا من أرضها آمرك بالانصراف فانصرف ، وإن جاءك كتابي وقد دخلتها فامض واستعن بالله.

فسار عمرو حتى كان في رفح آخر عمل فلسطين نحو مصر ، إذ أتاه رسول عمر بكتابه ، فلم يقرأ الكتاب حتى صار إلى قرب العريش من مصر فقرأ الكتاب ثم قال : إن أمير المؤمنين أمرني إن أتاني كتابه وقد دخلت شيئا من أرض مصر أن أمضي لوجهي واستعين الله ، فمن أين هذه القرية؟ قالوا : من مصر. فمضى لوجهه حتى أتى الفرما ، فحاصرهم وقاتلهم ثلاثة أشهر حتى فتحت ، ثم مضى حتى صار إلى أم دنين فحاصرها وأبطأ عليه أمرها ، فكتب إلى عمر يستمده ، فوجّه إليه بأربعة آلاف مع الزبير بن العوام! والمقداد بن الأسود! وعبادة بن الصامت وخارجة بن حذافة السهمي. فلما أبطأ أمرها قال الزبير : إني أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله على المسلمين. فلما كان الليل وضع السلّم على الحصن واقتحم ومعه جماعة ، فلما اشتدّ عليهم القتال دعوا إلى الصلح وصالح المقوقس عمرو بن العاص على دينارين دينارين لكل رجل.

وكان جموع الروم في الاسكندرية ولها ثلاثة حصون ، وصار إليها ابن العاص وحاصرهم وطالت المدة ثلاثة أشهر ، فسأل المقوقس عمرا أن يصالحه على أن يكون على من أقام خراج دينارين ، ومن أراد أن يمضي إلى بلاد الروم يطلق ، فأجابه عمرو إلى ذلك (١).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨. وكان ذلك في شوال عام (٢١ ه‍) وسپتامبر (٦٤٢ م) كما في أطلس تاريخ الإسلام ، الترجمة الفارسية. وجاء في هامش مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٠٣ عن تاريخ سعيد بن البطريق (نسخة خطّية) : أن حصار ابن العاص طال سنة وشهرين ، وأنه فتحها عنوة بدون صلح ، وأن الرومان هربوا برّا وبحرا ،

٢٦٢

__________________

فترك عمرو في البلد جمعا من المسلمين وتعقّب الهاربين برّا فرجع الهاربون بحرا إلى البلد فقتلوا من به من المسلمين ، وبلغ الخبر عمرا فكرّ راجعا وقاتل قتالا شديدا حتى فتحت ثانية وهرب الرومان بحرا.

وطلب المسلمون قسمة الغنائم والبلد ، فكتب عمرو إلى عمر : إني فتحت مدينة أصبت فيها : أربعمائة ملهى للملوك! وأربعة آلاف حمّام! وأربعة آلاف معبد! واثني عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر ، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية (للروم) وقد فتحتها عنوة بغير عهد.

فأمره عمر أن لا يقسمها بل يحصى أهلها ويفرض عليهم الخراج للمسلمين قوة لهم لجهاد عدوّهم.

وجاء في : ١٨٠ من الكتاب الأصل مختصر الدول ط. عام (١٦٦٣ م) في اكسفورد وعنها في تاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان ٢ : ٤٧ ط. مصر : أن عمرو بن العاص كان عاقلا صحيح الفكر حسن الاستماع ، فلما فتح الاسكندرية دخل عليه الأسقف يحيى غرماطيقوس النحوي الذي رجع عن عقيدة التثليث النصرانية فأسقطه الأساقفة ، دخل على عمرو فسمع منه من ألفاظه الفلسفية ما هاله وعرف موضعه من العلوم ففتن به فلازمه لا يفارقه! فقال له يوما : إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها ، وأنا أحتاج إلى كتب الحكمة التي هي في خزائن الملوك. فقال عمرو : حتى استأذن فيه أمير المؤمنين عمر ، فكتب إليه عمرو وعرّفه قول يحيى ، فورد عليه كتاب عمر وفيه : وأما الكتب التي ذكرتها : فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه ، فتقدّم بإعدامها!

فشرع عمرو بتفريقها على حمّامات الاسكندرية لإحراقها في مواقدها! فاستنفدت في ستة أشهر! وبتر هذا الخبر من الكتاب في طبعاته اللاحقة رعاية لعواطف المسلمين. نقل كل ذلك الأميني في الغدير ٦ : ٢٩٧ ـ ٣٠٢ ، وزاد عن ابن خلدون ١ : ٣٢ ، وكشف الظنون ١ : ٤٤١.

٢٦٣

وتمّ فتح الاسكندرية وسائر أعمال مصر في سنة عشرين ، واجتباها من خراج رءوسهم (الجزية) أربعة عشر ألف ألف (مليون) دينارا على كل رأس دينار (ما عدا الاسكندرية وأم دنين) ومن خراج غلّاتهم عن كل مائة إردب إردبين. وبعث بالبشارة والأخبار مع معاوية بن حديج الكندي إلى عمر بدون كتاب (١).

فتوح افريقية :

وفي سنة (٢١) صار عمرو بن العاص إلى برقة وحاصرها حتى صالحوه على ثلاثة عشر ألف دينار جزية ، ثم سار حتى أتى أطرابلس افريقية فحاصرها حتى فتحت ، وكتب إلى عمر يستأذنه في غزو باقي افريقية ، فلم يأذن له وقال : إنها مفرّقة ، فلا يغزوها أحد ما بقيت ... ولا تجعل بينك وبيني ماء ، فانزلوا موضعا متى أردت أن أركب راحلتي وأصير إليكم فعلت.

ولكنه وجّه بسر بن ارطاة العامري فحاصر بلدتي ودّان وفزّان حتى صالحوه.

__________________

وشهد الشهيد المطهري بطهارة المسلمين وبراءتهم مما ألصق بهم من هذه التهمة بفعل عبد اللطيف النصراني البغدادي صاحب هذه الإشاعة الشهيرة بشأن إحراق المسلمين لمكتبة الاسكندرية بمصر ، كما أشار لذلك في الإسلام وإيران : ٣٦٨ بتعريب المؤلف لهذا الكتاب عن طبعاته الأوائل ، وفي الطبعة الثامنة سنة انتصار الثورة الإسلامية في إيران زاد المؤلف فصلا خاصا بتحقيق وتفنيد هذه الاكذوبة : ٣٠٨ ـ ٣٥٤ ويكفي في العربية كتاب شبلي نعمان : مكتبة الاسكندرية.

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٤.

٢٦٤

وبعث عقبة بن نافع الفهري إلى أرض النوبة (السودان) فلقوا منهم قتالا شديدا فانصرفوا عنهم (١).

آخر أمر الروم في الشام :

ووجّه عمر في سنة (٢٠) ميسرة بن مسروق العبسي إلى أرض الروم ، فكان أول جيش دخلها. ثم بعث حبيب بن مسلمة الفهري وقدّر لهم أجلا لا يتجاوزوه.

ثم وجّه علقمة بن مجزّز المدلجي في عشرين مركبا في البحر فأصيبوا جميعا ، فحلف عمر أن لا يحمل في البحر أحدا أبدا ، وكان إذا ذكر الروم يقول : والله لوددت أن الدرب جمرة بيننا وبينهم لنا ما دونه وللروم ما وراءه ، لما كره من قتالهم (٢).

وفتح نهاوند :

وفي سنة (٢١) تلاوم الفرس فيما بينهم وقالوا : قد غلبنا على بلداننا ونالنا الذلّ في ديارنا واجتمعوا من الريّ وقومس (سمنان) واصفهان (٣) وأهل همدان ، وأهل الريّ ، وأهل آذربايجان إلى نهاوند مع أهلها.

فروى ابن الخياط عن السائب بن الأقرع : أن الخبر لما بلغ عمر شاور المسلمين فاختلفوا ، وشاور عليا عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين : ابعث إلى أهل الكوفة فليسر ثلثاهم ، وتدع ثلثهم في حفظ ذراريهم ، وتبعث إلى أهل البصرة (كذلك) (٤).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٦.

(٤) تاريخ خليفة : ٨٣.

٢٦٥

وروي عن أبي بكر الهذلي : أن الفرس تكاتبوا وأرسل بعضهم إلى بعض : أنّ ملك العرب غير منته عنكم حتى تخرجوا جنوده من بلادكم وتغزوه في بلاده. فتعاقدوا على ذلك وتعاهدوا عليه. وانتهى الخبر إلى المسلمين بالكوفة فأنهوه إلى عمر بن الخطّاب ، فأتى إلى مسجد رسول الله وصعد المنبر فقال :

معاشر المهاجرين والأنصار ؛ إن الشيطان قد جمع لكم جموعا وأقبل بها ليطفئ نور الله ؛ ألا إنّ أهل همدان وأهل اصفهان والريّ وقومس ونهاوند قد تعاهدوا وتعاقدوا أن يخرجوا إخوانكم المسلمين من بلادهم ويخرجوا إليكم فيغزوكم في بلادكم! فأشيروا عليّ.

فقام عثمان بن عفّان فقال : إني أرى أن تشخص أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم ، وتسير أنت في أهل هذين الحرمين ، وأهل المصرين الكوفة والبصرة ، فتلقى جمع المشركين (كذا) بجمع المؤمنين .. فاحضره بنفسك ولا تغب عنه. وجلس.

وقام طلحة بن عبيد الله التيمي وحمد الله وأثنى عليه ثم أثنى على عمر خيرا وقال : فاحضر هذا الأمر بنفسك ولا تغب عنه. وجلس ، فلم يكتف بهما عمر وقال : تكلّموا. وكان فيهم علي عليه‌السلام وكأنّه عناه فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسول الله ثم قال :

أما بعد ، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم ، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم ، وإن أشخصت من بهذين الحرمين انتقضت العرب عليك من أطرافها وأكنافها حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهمّ إليك مما بين يديك.

وأما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم ؛ فإنا لم نكن نقاتل بالنصر.

٢٦٦

وأمّا ما بلغك من اجتماعهم للمسير إلى المسلمين ؛ فإنّ الله لمسيرهم أكره منك لذلك وهو أولى بتغيير ما يكره ، وإنّ الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا : هذا رجل العرب فإن قطعتموه فقد قطعتم العرب ، فكان أشدّ لكلبهم ، وكنت قد ألّبتهم على نفسك ، وأمدّهم من لم يكن يمدّهم.

ولكنّي أرى : أن تقرّ هؤلاء في أمصارهم ، وتكتب إلى أهل البصرة فليفترقوا على ثلاث فرق : فلتقم فرقة منهم على ذراريهم حرسا لهم ، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلّا ينقضوا ، ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مددا لهم. حتى أتى على تمام كلامه ثم جلس.

فقال عمر : أجل ، هذا هو الرأي ، وقد كنت أحبّ أن أتابع عليه (١)!

فروى ابن الخيّاط عن السائب بن الأقرع قال : فكتب عمر كتابا إلى النعمان بن مقرّن أن يسر بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة (كذلك) فإن قتل النعمان فحذيفة بن اليمان ، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله البجلي ، وإن أصابوا غنيمة فأنت عليها ، ولا تحبس عن أحد حظّا ، ولا ترفع إليّ باطلا.

والتقوا بنهاوند يوم الأربعاء والخميس والجمعة (٢) واقتتلوا قتالا شديدا وقتل النعمان بن مقرن ، ولكن الله فتح لهم نهاوند وهزم الفرس (٣).

__________________

(١) رواه الطبري ٤ : ١٢٤ عن سيف التميمي عن أبي بكر الهذلي. ورواه المفيد في الإرشاد ١ : ٢٠٧ ـ ٢١٠ عن شبّابة بن سوار عن الهذلي ، وقد وصف ابن حنبل شبّابه بأنه كان من المرجئة ، ووصفه ابن شاذان بأنه كان أعدى الناس لعلي عليه‌السلام ، ووصفه ابن قتيبة بأنه كان شديدا على الشيعة يذكرهم كثيرا بالشرّ! كما في قاموس الرجال ٥ : ٣٨٧. والخبر في نهج البلاغة خ ١٤٦ ، ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٨٨.

(٢) تاريخ خليفة : ٨٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٦.

٢٦٧

وكانوا مائة وخمسين ألفا! ومقدّمهم الفيروزان وانهزم إلى ثنيّة همدان وهرب في الجبل وتبعه القعقاع حتى قتله (١).

فوجّهه ، وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدّوه ، وبعث معه الزبير بن العوّام (٢) وحذيفة بن اليمان ، وعمرو بن معدي كرب ، والأشعث بن قيس ، والمغيرة بن شعبة وابن عمر (٣).

المغيرة رسولا إليهم :

لم يذكر أن أمير الفرس في نهاوند طلب من العرب رسولا ، وسمّى ابن الخياط صاحب نهاوند ـ بعد الوقعة ـ دينارا (٤) وفي اليعقوبي صورة اسمه : دومر (٥) دون نقط ، وفي الطبري والمسعودي : ذو الجناحين ، فعرفت أن أصل الاسم بالفارسية : دو پر أي ريشتان أو جناحان فترجم إلى ذي الجناحين ، وعرّب دو پر إلى دي بار فصحّف في تاريخ خليفة إلى دينار!

قال المسعودي : أرسل النعمان : المغيرة بن شعبة إلى ملكهم ذي الجناحين ، فقيل له : إن رسول العرب هاهنا. فقعد له في هيئة الملك : صعد على سريره ووضع التاج على رأسه وأقعد أبناء الملوك سماطين عليهم الديباج وأسورة الذهب ، وأذن له.

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤١.

(٢) كذا في مروج الذهب ٢ : ٣٢٢ ، وقد مرّ أنه كان مع عمرو بن العاص في فتح الاسكندرية ، فيعلم أنه عاد من مصر من قبل.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٣٢٢.

(٤) تاريخ خليفة : ٨٥.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٦.

٢٦٨

فأخذ بضبعيه رجلان حتى أقاموه بين يديه ، والترجمان يترجم له ، ومع المغيرة سيفه ورمحه. فقال له الملك : إنكم معشر العرب أصابكم جهد ، فإن شئتم مرناكم ورجعتم؟!

فقال المغيرة : إنا معشر العرب كنا أذلة يطؤنا الناس ولا نطؤهم ، ونأكل الكلاب والجيف ، ثم إن الله تعالى بعث منّا نبيّا أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثا .. وأخبرنا بأشياء وجدناها كما قال لنا ، وإنه وعدنا فيما وعدنا به : أنا سنملك ما هاهنا ونغلب عليه. وإني أرى هاهنا هيئة وبزّة ما من خلفي بتاركيها حتى يصيبوها أو يموتوا (١)!

وكان موقع المسلمين على نحو فرسخ من نهاوند إلى الدينور (٢) وبينهم نهر ، فقال الملك : إن شئتم قطعنا إليكم وإن شئتم قطعتم إلينا. فقال المغيرة : بل نقطع إليكم (٣).

فقطعوا النهر إليهم ، والتقوا يوم الأربعاء والخميس والجمعة (٤) واقتتلوا قتالا شديدا وقتل النعمان بن مقرّن ، ولكن الله فتح لهم نهاوند وهزم الفرس (٥).

وكانوا مائة وخمسين ألفا! ومقدّمهم الفيروزان ، وانهزم إلى ثنيّة همذان وهرب في الجبل وتبعه القعقاع حتى قتله (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٢٤.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٣٢٣.

(٤) تاريخ خليفة : ٨٣.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٦.

(٦) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤١.

٢٦٩

ثم مضى حذيفة بن اليمان إلى نهاوند فصالحه صاحبها على ثمان مائة ألف درهم في كل سنة ، ثم فتح بلدة الدينور (١).

وفي سنة ١٢٣ فتح عبد الله بن بديل الخزاعي همذان واصفهان ، وافتتح قرظة بن كعب الأنصاري الريّ ، وهاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص الزهري آذربايجان ، وأبو موسى الأشعري ما بعد الأهواز إلى اصطخر فارس ، ومعاوية بن أبي سفيان : عسقلان ، هذا وخالد بن الوليد على آمد وتل موزن والرّقة وحرّان ثم استعفى (٢).

وغزا الأحنف بن قيس خراسان حتى افتتح هراة عنوة. وكتب يزدجرد إلى ملك الترك وملك السند وملك الصين يستمدهم ، وسار إلى بلخ عند نهر جيحون وتابعه المسلمون وعرضوا عليه الصلح فأبى وعبر النهر ، فصالح عسكره المسلمين وبقوا بأماكنهم ، وسار يزدجرد إلى ملك الترك في فرغانة فصار في حاشيته عهد عمر (٣).

وفي قسطنطينية مات هر قل (هراگليوس) وقام بمكانه ابنه قسطنطين فسمّته امرأة أبيه : مرتياني بعد أربعة أشهر وأقامت ابنها هر يقل مقامه ، فاجتمع أرباب الدولة وخلعوه وملكوا ابن القتيل : قسطوس (٤).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٨٥. وكان الفتح في سنة (٢٠ ه‍) يوافق عام (٦٤١ م) كما في أطلس تاريخ الإسلام : ١٤٤ ، الترجمة الفارسية ، وفيه أخطاء تاريخية فاحشة!

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٧ ، وفي تاريخ خليفة : ٨٦ : افتتح همذان والرّي حذيفة بن اليمان.

(٣) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤١ ـ ١٤٢. وانظر اليعقوبي ٢ : ١٥١.

(٤) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١٠٢. وانظر اليعقوبي ٢ : ١٥٤.

٢٧٠

شئون عمر غير العسكرية

تشريع صلاة التراويح :

قال خليفة : وفيها (سنة ١٤) في شهر رمضان (الثانية من عهد عمر) أمر عمر باجتماع الناس في القيام في ليالي شهر رمضان (١) وفي اليعقوبي : أمر أبيّ بن كعب الأنصاري وتميما الداريّ (من لخم الشام) أن يصليا بالناس قيام ليالي شهر رمضان ، وكتب بذلك إلى البلدان ، فقيل له في ذلك : إنّ رسول الله لم يفعله ، وإن أبا بكر لم يفعله! فقال : إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة (٢). ونقل المسعودي عن ابن اسحاق : إن عمر سنّ صلاة التراويح في شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان (٣) وقال ابن الوردي : هو أول من جمع الناس على إمام يصلي التراويح. وأول من جمع على صلاة الجنازة بأربع تكبيرات ، وكانوا من قبل يكبرون ستا وخمسا وأربعا (٤).

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٧٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٠. ويظهر أن تميما إنما كان يتمّم تراويح العشر الأواخر حيث كان ابيّ يتخلف في بيته فيقول الناس : أبق ابيّ ، كما في سنن أبي داوود ٢ : ٦٥ ، الحديث ١٤٢٩ ، وعنه في قاموس الرجال في ترجمة ابيّ.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٣١٩ ، وفي التنبيه والإشراف : ٢٥٠.

(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤٢ ، ونحوه في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، عن أبي هلال العسكري وانظر النص والاجتهاد ، المورد ٢٦ ـ ٢٧ : ٢٥٠ ـ ٢٥٧ ، بتحقيق الشيخ حسين الراضي.

٢٧١

وإشفاقا على الإسلام :

نقل المعتزلي عن ابن طيفور الخراساني البغدادي (م ٢٨٠ ه‍) في كتابه «تاريخ بغداد» بسنده عن ابن عباس قال : دخلت على عمر في أول خلافته ، وقد القى له صاع (٣ كغم) من تمر خصفة (حصيرة) فأكل حتى أكمل ودعاني فأكلت واحدة ، ثم شرب من جرّة عنده ثم استلقى قال لي : يا عبد الله كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر فقلت : لعب! فقال : إنما عنيت عظيمكم أهل البيت! فقلت : خلّفته يمتح بالغرب (يسقى دلو كبير) على النخل وهو يقرأ القرآن.

فقال : يا عبد الله ؛ عليك دماء البدن إن كتمتني هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت : نعم ، قال : أيزعم أن رسول الله نصّ عليه؟ قلت : نعم ، وأزيدك أني سألت أبي فقال : صدق! فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذرو (ارتفاع) من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا! ولقد كان يرفع من أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك! اشفاقا وحيطة على الإسلام! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك! وأبى الله إلّا إمضاء ما حتم! ولا وربّ هذه البيّنة (الكعبة) لا تجتمع قريش عليه أبدا! ولو وليها لانتقضت العرب عليه من أقطارها (١).

شئون عمر في الحج :

أول حجّ على عهد عمر سنة (١٣) أقام الحج عبد الرحمن بن عوف (٢) ومن سنة (١٤) إلى (٢٣) حجّ عمر ، وفي سنة (١٤) أمر ابن عوف أن يحجّ

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ١٢ : ١٢٠ ألم تنتقض العرب على أبي بكر؟!

(٢) تاريخ خليفة : ٦٧. واليعقوبي ٢ : ١٥٩.

٢٧٢

بأزواج النبيّ (١) فحججن إلّا ابنة عمة النبيّ زينب بنت جحش فإنها التزمت قوله لهنّ عند عودهن من حجة الوداع : هذه الحجة ثم ظهور الحصر (٢).

وكان الناس بعد وفاة رسول الله يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلّون عندها ، فقال عمر لهم : أيها الناس ، أراكم رجعتم إلى العزّى! ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلّا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد! ثم أمر بها فقطعت (٣).

وكان معه أبو سعيد الخدري ، وقد حجّ علي عليه‌السلام قال أبو سعيد : كنت مع عمر في أول حجة حجّها في خلافته ، فلما دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه وقال له : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله قبّلك واستلمك لما قبّلتك ولا استلمتك (٤)!

ورواه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام : أن عمر قال : إلّا أنا رأينا رسول الله يحبّك فنحن نحبّك. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : كيف يا ابن الخطّاب! فو الله ليبعثنّه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان فيشهد لمن وافاه ، وهو يمين الله في أرضه يبايع بها خلقه! فقال عمر : لا أبقانا الله في بلد لا يكون فيه علي (٥).

وكان حجّه في آخر عام (١٤) في شدة حاجته للمال لتجهيز جيوش الفتوح ، ورأى بعض من معه حلّي الكعبة فقال له : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحليّ؟!

__________________

(١) تاريخ خليفة : ٧٠.

(٢) مغازي الواقدي ٣ : ١١١٥.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ١ : ١٧٨ وانظر الغدير ٦ : ١٤٦. والنص والاجتهاد ، المورد : ٦٥.

(٤) شرح النهج للمعتزلي ١٢ : ١٠٠ ، وانظر الغدير ٦ : ١٠٣ وفيه مصادره. والنص والاجتهاد : ٣٦٩.

(٥) علل الشرائع ٢ : ١٣١ ، الحديث ٨ ، الباب ١٦١.

٢٧٣

فسأل عمر عليا عليه‌السلام عن ذلك فقال له : إن هذا القرآن أنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة بالفرائض ، والفيء فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه! والصدقات فجعلها الله حيث جعلها. وكان حليّ الكعبة فيها يومئذ فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسيانا ولم يخف عليه مكانا ، فاقرّه حيث أقرّه الله ورسوله. فقال له عمر : لولاك لافتضحنا! وترك الحليّ بحاله (١).

وظل عمر على إحرامه إفرادا حتى أمسى بعرفة ، فنقل القاضي أبو يوسف عن شيخه أبي حنيفة بسنده عن الأسود بن يزيد قال : كنت عشية عرفة واقفا مع عمر بن الخطاب إذ أبصر رجلا قد رجّل شعره يفوح منه ريح الطيب! فقال له عمر : ويحك ألست محرما أنت؟! قال : بلى. قال : فمالي أراك يقطر رأسك طيبا والمحرم أشعث أغبر؟! قال : قدمت متمتّعا ومعي أهلي (وتمتعت) حتى عشيّة التروية فأهللت بالحج. فعند ذلك قال عمر : إذا والله لأوشكتم لو خلّيت بينكم وبين المتعة أن تضاجعوهن تحت أراك عرفة ثم تروحون حجّاجا! فنهى عن المتعة في أشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله ، وأنا أنهى عنها! وذلك أن أحدكم يأتي من افق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ، ثم يحل ويلبس ويتطيّب ويقع على أهله إن كانوا معه ، حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحجّ وخرج إلى منى ، يلبيّ بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلّا يوما! والحجّ أفضل من العمرة

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمة ٢٧٠ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٤١٤ ومنها البخاري ، وبغى البغوي فأبى هذا الرأي على عليّ عليه‌السلام فرواه عن أبيّ بن كعب! وانظر الغدير ٦ : ٢٠٣ النادرة : ٦٨ ، الحديث ١٠.

٢٧٤

(فكيف يكون أقل نصبا) ولو خلّينا بينهم وبين هذا لعانقوهن! مع أنّ أهل البيت (مكة) ليس لهم زرع ولا ضرع وإنما ربيعهم في من يطرأ عليهم وإنما نهى عن إفراد المتعة دون القران (١).

وكأنّ عمر خطب بذلك على المنبر ، فقام إليه أبيّ بن كعب وقال له : ليس لك ذلك ، لقد نزل بها كتاب الله ، واعتمرناها مع رسول الله! فنزل عمر وأضرب عن ابن كعب (٢).

__________________

(١) انظر المصادر في الغدير ٦ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ واقض عجبا!

(٢) انظر مصادره في الغدير ٦ : ٢٠٣ النادرة ٦٨ الحديث ١٠. وأصل ذلك : ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض! الغدير ٦ : ٢١٧.

وذلك أيضا لما رواه الطبري ٤ : ٢٢٥ : عن محمد بن إسحاق بسنده عن عمران بن سوادة : أنه صلّى مع عمر الفجر ثم تبعه وقال : له حاجة ، حتى دخل عليه وقال له : نصيحة ، فقال : مرحبا ، فقال له : عابت أمتك عليك أربعا! فقال : هات. قال : ذكروا أنك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ ، ولم يفعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر وهي حلال؟! فقال عمر : لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجّتهم ، فتكون الكعبة خالية عامها ، وقد أصبت!

ولذلك كان ابنه عبد الله يوجّه اجتهاد أبيه في ذلك يقول : إن أبي لم يقل الذي تقولون ، إنّما قال : أفردوا العمرة من الحج ، أي : إن العمرة لا تتم في شهور الحجّ إلّا بهدي ، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحجّ ، فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله وعمل بها رسول الله.

وقال في خبر آخر : إن عمر لم يقل لك : إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام ، وإنما قال : إن تفردوها عن أشهر الحجّ فهي أتم. الغدير ٦ : ٢٠٢ الحديث ٦ الصورتان ٣ و ٤.

٢٧٥

تحريم نكاح المتعة :

تعدّد الخبر وتكرر عن أبي سعيد الخدري وجابر الأنصاري قالا : تمتّعنا على عهد رسول الله وأبي بكر إلى النصف من خلافة عمر ـ وعن المسند لأحمد : حتى أواخر خلافة عمر ـ حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث المخزومي (١) فإنه قدم من الكوفة إلى المدينة فاستمتع بابنة بكر من بني سعد ثم جحدها ، واستمتع سلمة بن أميّة بن خلف بسلمى مولاة حكيم بن أميّة السلمي ، فولدت له فجحدها ، فعند ذلك نهى عمر عن المتعة (٢) وسمّاه مالك في «الموطّأ» : ربيعة بن أميّة ، ولم يذكر المرأة وقال : حملت منه ، فخرج عمر يجرّ رداءه فزعا فقال : هذه المتعة ؛ ولو كنت تقدّمت فيه بنهي لرجمته (٣).

وسبب آخر من صحابيّ آخر لم يسمّوه قدم من الشام فنزل على أمّ عبد الله ابنة أبي خيثمة ، ثم قال لها : إن العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة اتمتّع بها ، قالت : فدللته على امرأة فشارطها وأشهدا على ذلك عدولا ، ومكث معها ما شاء ثم خرج. فاخبر عن ذلك عمر ، فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم. قال : فإذا قدم فأذنيني. فلما قدم أخبرته ، فأرسل إليه فقال له : ما حملك على ما فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثم معك فلم تحدث لنا فيه شيئا. فقال عمر : أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت بنهي لرجمتك (٤)!

__________________

(١) انظر الغدير ٦ : ٢٠٨ ، الحديث ١٠ و ١٤ ، المورد ٦٩.

(٢) مثالب العرب لابن الكلبي : ١١٧. وانظر الغدير ٦ : ٢٠٦ ، الحديث ٥ عن فتح الباري عن المصنّف لعبد الرزاق : أن عمر سأله فاعترف ، فحين ذاك نهى عمر ، فخفّفوا عن ابن حريث جريمة الجحود ، لصحبته!

(٣) انظر الغدير ٦ : ٢٠٦ ، الحديث ٢.

(٤) انظر الغدير ٦ : ٢٠٧ ، الحديث ٨ عن كنز العمال ٨ : ٢٩٤.

٢٧٦

ثم إنه صعد المنبر وقال في خطبته : «إن الله كان يحلّ لنبيّه ما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجكم عن عمرتكم ، وابتّوا نكاح هذه النساء ، فلا اوتي برجل تزوج امرأة إلى أجل إلّا رجمته»! صحيح أن الجصّاص قال بعد ذكره الحديث : ذكر الرجم على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس (١). وإلّا أنه تهديد شديد ، ولا بدّ أنه بلغ بشدّته هذه إلى عمّال عمر ومنهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، فلما ثقف به الثقفيون في دار أرملة رجل مات منهم لم يدّع التمتّع بها.

عمر ، والمغيرة الثقفي :

وفيها (١٦ ه‍) كانت الشهادة على المغيرة بن شعبة بالزنا بالبصرة فعزله عمر عنها (٢).

وقال اليعقوبي : سار المغيرة من البصرة لنصرة سعد بن أبي وقاص في القادسية ثم عاد إليها. وكان بالبصرة من ثقيف : الحجّاج بن عتيك أو عبيد وامرأته أم جميل من بني هلال (ومات الحجّاج أو قتل) فأخذ المغيرة يختلف إليها حتى استراب به جماعة من المسلمين منهم شبل بن معبد ونافع بن الحارث وزياد بن عبيد الثقفي وأخوه من أمه أبو بكرة ، وكانوا في بيته مقابل بيت أم جميل ، ودخل المغيرة إليها ورفعت الريح الستر فإذا بهم يرونه عليها.

فوفدوا إلى عمر وقصّوا عليه القصة ، فدعا عمر أبا موسى الأشعري وأمّره على البصرة وأمره أن يشخص إليه المغيرة. فقدم أبو موسى وأشخص المغيرة ،

__________________

(١) انظر الغدير ٦ : ٢١١ ، ٢١٢ في مصادر خطبة عمر هذه. وانظر شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ٢٦٥ وتاريخ بغداد ١٤ : ١٩٩.

(٢) تاريخ خليفة : ٧٤.

٢٧٧

فلما قدم عليه جمع بينه وبين الشهود فشهد الثلاثة ، وأقبل زياد بن أبيه فقال عمر : أرى وجه رجل لا يخزي الله به رجلا من أصحاب محمد! ثم قال له : ما عندك يا سلح العقاب (ذرق الطير!) فقال زياد : رأيت أمرا قبيحا وأرجلا مختلفة ونفسا عاليا ولم أر مثل الميل في المكحلة! فتركه عمر وجلد الثلاثة! فقام أبو بكرة وقال : أشهد أن المغيرة زان! فأراد عمر أن يجلده ثانية!

فقال له عليّ عليه‌السلام : إذن توفى صاحبك حجاره! (أي إنه عليه‌السلام يرجمه) فتركه (١).

بداية كتابة التاريخ الهجري :

وفي سنة (١٦) ماتت مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وروى خليفة : أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر : إنه تأتينا كتب ما ندري ما تاريخها. فاستشار عمر الصحابة فقال بعضهم : من المبعث ، وقال بعضهم : من وفاته. فقال له علي [عليه‌السلام] بل منذ خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أرض الشرك ، فهو يوم هاجر. فأجمع رأيهم أن يكتبوه من هجرته فأرادوا أن يبتدءوا من شهر رمضان ثم بدا لهم أن يجعلوه من المحرم (٣).

وقال المسعودي قال : شاور عمر الناس في كتابة التاريخ ، فكثر منهم القول وطال الخطب اقتباسا من تواريخ العجم وغيرهم! فأشار عليه عليّ بن أبي طالب [عليه‌السلام] أن يؤرّخ بهجرة النبيّ وتركه أرض الشرك ، فعملوا به ، ولكنهم بدءوا من المحرّم أي قبل قدومه إلى المدينة بشهرين و(١٢) يوما ؛ لأنهم أحبّوا أن يبتدءوا من أول السنة (القمرية العربية).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٦ وتمامه : فكان عمر بعد ذلك إذا رأى المغيرة قال له : يا مغيرة! ما رأيتك إلّا خشيت أن يرجمني الله بالحجارة! وانظر الخبر في تاريخ ابن الوردي ٢ : ١٤٠.

(٢) تاريخ خليفة : ٧٤.

(٣) تاريخ خليفة : ١٤ و ١٥.

٢٧٨

قال : وروى الزهريّ : أنّ رسول الله لما قدم المدينة أمر بالتاريخ! وليس في هذا الخبر وقت (تاريخ) معلوم ولا نقل كيفية ذلك ؛ فهو خبر مجتنب من حيث الآحاد ومرسل ، وما حكيناه أولا هو المتفق عليه. ويتنازع الناس أن كان ذلك في سنة (١٧) أو (١٨) (١).

عمرة عمر الرجبية :

وفي سنة (١٧) في شهر رجب اعتمر عمر فأقام بمكة عشرين يوما منه (٢) وأراد توسيع المسجد الحرام فاشترى المنازل المجاورة فباعها قوم وامتنع آخرون منهم العباس بن عبد المطلب وكان معتمرا معه ، فأمر عمر بهدمها وضمن الثمن على بيت المال ، فقال له العباس : تهدم داري؟ قال : لأوسّع بها في المسجد الحرام!

فقال العباس : سمعت رسول الله يقول : إن الله أمر داود أن يبني له بيتا في إيليا (بيت المقدس) فكان كلما ارتفع البناء سقط ، فقال داود : يا ربّ إنك أمرتني أن أبني لك بيتا ، وإني كلما بنيت سقط البناء! فأوحى الله إليه : إني لا أقبل إلّا الطيّب وإنك بنيت لي في غصب! فنظر داود فإذا قطعة أرض لم يكن اشتراها ، فابتاعها من صاحبها بحكمه ثم بنى فتم البناء! فقال عمر : ومن يشهد أنه سمع هذا من رسول الله؟! فقام قوم فشهدوا ، فقال عمر للعباس : فتحكّم يا أبا الفضل وإلّا أمسكنا! قال : فإنّي تركتها لله.

ثم وسّع حجر إسماعيل ، وباعد مقام إبراهيم من البيت (٣).

__________________

(١) التنبيه والإشراف : ٢٥٢ ، وفي تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٥ : أن ذلك كان سنة (١٦ ه‍).

(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤٠ ، واليعقوبي ٢ : ١٤٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٩.

٢٧٩

وهنا روى الكليني عن الباقر والصدوق عن الصادق عليه‌السلام قال : وضع إبراهيم عليه‌السلام المقام ـ وهو الحجر الذي فيه أثر قدميه ـ بحذاء البيت لاصقا به بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم ، فلما كثر الناس وازدحموا عليه رأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم ليخلوا المطاف لمن يطوف ، ثم ردّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان حيث هو في زمن أبي بكر وأول ولاية عمر ، ثم قال عمر : قد ازدحم الناس على هذا المقام فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية؟! فقال له رجل : أنا أخذت قدره بقيد. قال : والقيد عندك؟ قال : نعم ، قال : فأت به. فجاء به ، فأمر عمر بحمل المقام وردّه إلى الموضع الذي هو فيه الساعة (١).

قال اليعقوبي : وبعد عشرين يوما انصرف عمر من مكة إلى المدينة والعباس يسايره ، وكانت ناقة العباس صعبة فتقدّمه عمر ثم وقف له حتى لحقه فقال له : تقدّمتك ، وما لأحد أن يتقدمكم معشر بني هاشم ؛ قوم فيكم النبوة ، ولكن للخلافة فيكم ضعف! فقال العباس : رآنا الله نقوى على النبوة ونضعف على الخلافة؟!

قال : وفي هذه السنة خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله ، فقال عليّ : إنها صغيرة! فقال عمر : إني لم أرد حيث ذهبت ، لكني سمعت رسول الله يقول : «كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي وصهري» فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله ، وأمهرها عشرة آلاف دينار (٢).

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٢٨ الحديث ١ ، الباب ١٦٠ ، والكافي ٤ : ٢٢٣ الحديث ٢ ، الباب ١٠ والفقيه ٢ : ٢٤٤ الحديث ١٢ ، الباب ٦٤ وانظر النص والاجتهاد : ٢٧٨ المورد ٣٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٩ ـ ١٥٠. وانظر شرح النهج للمعتزلي ١٢ : ١٠٦ عن الموفّقيات للزبير ابن بكّار. وفي : ٢٢١ عن الطبري : أن عمر كان قد خطب قبل أمّ كلثوم بنت عليّ : أمّ كلثوم بنت أبي بكر إلى اختها عائشة ، فلم ترغب أمّ كلثوم فيه ، فقالت لها عائشة :

٢٨٠