موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

بدء علّة فاطمة عليه‌السلام

تفرّد «مصباح الأنوار» للشيخ هاشم بن محمد (ق ٦ ه‍) عن الباقر عليه‌السلام :

أن بدء مرض فاطمة (كان) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ثم ذكر خبرا آخر.

عنه عليه‌السلام أيضا : أن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكثت بعده ستين يوما ثم مرضت فاشتدّ علتها (٢) فلعل الاشتداد كان بعد عشرة من بدايته. وبناء على المختار من أخبار الرضا والباقر عليهما‌السلام وأبي مخنف في وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله في الثاني من ربيع الأول يكون اشتداد علّتها في أوائل جمادى الأولى مع عودة جيش أسامة من الشام ، ثم وقوع الحوادث على دار علي عليه‌السلام وبدايات اشتداد حركات الردّات ، ثم اضطرار الكرّار لذلك إلى البيعة للخليفة.

__________________

(١) مصباح الأنوار : ٢٥٩ مخطوط.

(٢) عن المصدر السابق.

١٤١

فروى الحلبيّ قال : دخلت أمّ سلمة على فاطمة عليها‌السلام فقالت لها :

كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟ فقالت عليها‌السلام :

أصبحت بين كمد وكرب : فقد النبيّ وظلم الوصي ، هتكت والله حجبه! أصبحت إمامته مقتصّة على غير ما شرّع الله في التنزيل ، وسنّها النبيّ في التأويل. ولكنّها أحقاد بدرية وترات أحدية ، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة ... فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيّلة الشقاق ، فتقطع وتر الإيمان من قسيّ صدورها. وليثبتن عليّ على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين. أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا ، بعد انتصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشهادات (١) ولعل هذا كان في أوائل اشتداد علّتها.

ولما اشتدّ علتها :

ولما اشتدّ علتها ، ولعله بعد العاشر من جمادى الأولى ، روى الصدوق بطريقين عن علي والحسين عليهما‌السلام قالا : لما اشتدّت علة فاطمة اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها : كيف أصبحت يا بنت رسول الله من علتك؟

فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم. فقبحا لفلول الحدّ ، وخور القناة ، وخطل الرأي ، و (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ)(٢).

لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها ، وشتتّ عليهم عارها ، فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٣٤.

(٢) المائدة : ٨٠.

١٤٢

ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة (والدلالة) ومهبط (ملك) الوحي الأمين ، والطّبين (الخبير) بأمر الدنيا والدين! (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(١).

وما نقموا من أبي حسن؟! نقموا ـ والله ـ منه نكير سيفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزوجل.

والله لو تكافّوا عن زمام نبذه (إليه) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاعتلقه ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا ، تطفح ضفتاه (ولا يترنّح جانباه) ولأصدرهم بطانا ، قد تخيّر لهم الرّي ، غير متحلّ منه بطائل إلّا بغمر الماء وردعة سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلمّ فاسمع «وما عشت أراك الدهر العجب» وإن تعجب فقد أعجبك الحادث : إلى أيّ سناد استندوا؟ وبأي عروة تمسّكوا؟ استبدلوا الذنابى والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل! فرغما لمعاطس قوم (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٢) ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(٣) ، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٤).

أما لعمرو إلهك لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا وذعافا ممقرا ، هنالك (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)(٥) ويعرف التالون غبّ

__________________

(١) الزمر : ١٥.

(٢) الكهف : ١٠٤.

(٣) البقرة : ١٢.

(٤) يونس : ٣٥.

(٥) الجاثية : ٢٧.

١٤٣

ما أسّس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا واطمئنّوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا وزرعكم حصيدا ، فيا حسرتا لكم ، وأنّى بكم فقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(١) والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاته على محمد خاتم النبيّين وسيّد المرسلين (٢).

وروى الطبرسيّ الخطبة عن سويد بن غفلة ، وقد دخل المدينة يوم دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فزاد عنه قال : فأعادت النساء قولها عليها‌السلام على رجالهن ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا : يا سيّدة النساء ، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد ، لما عدلنا عنه إلى غيره!

فقالت عليها‌السلام : إليكم عنّي! فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم (٣).

ولعلّ هذه الأخبار هي التي أثارت الشيخين لعيادتها.

__________________

(١) هود : ٢٨. والخبر في معاني الأخبار : ٣٥٤ ـ ٣٥٦ بمعاني مفرداتها. وروى الخطبة الطبري الإمامي في دلائل الإمامة بسنده عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن الحسين عليهم‌السلام : ٣٠. ورواها الطوسي في أماليه : ٣٧٤ ـ ٣٧٦ الحديث ٨٠٤ بسنده عن الزهري عن ابن عباس. ورواها ابن أبي طيفور الخراساني البغدادي (المتوفى ٢٨٠ ه‍) بسنده عن عطيّة العوفي الكوفي التابعي في كتابه : بلاغات النساء : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) هذه الخاتمة من رواية المعتزلي عن الجوهري (المتوفى ٣٢٣ ه‍) من كتابه السقيفة وفدك في شرح النهج ١٦ : ٢٣٣. والجوهري رواها بسنده عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها عليهما‌السلام ، كالصدوق. وعن الجوهري الإربلي في كشف الغمة ٢ : ١١٩ ، ١٢٠ بخاتمتها.

(٣) الاحتجاج ١ : ١٤٩ منفردا بها ، ونقل الخطبة عن أكثر هذه المصادر المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ١٥٨ ـ ١٦٣ ثم شرحها إلى ١٧٠.

١٤٤

فعادها الشيخان :

روى الهلالي العامري في حديث ابن عباس لجمع من الشيعة في بيته قال :

كان علي عليه‌السلام يصلّي في المسجد الصلوات الخمس (فلما مرضت فاطمة كان) كلّما صلّى قال له أبو بكر وعمر : كيف بنت رسول الله؟ فلما ثقلت قالا له : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت ، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها؟ قال : ذاك إليكما.

ودخل علي عليه‌السلام على فاطمة فقال لها : إن أبا بكر وعمر بالباب يريدان أن يسلّما عليك فما ترين؟

فقالت : البيت بيتك والحرّة زوجتك ، فافعل ما تشاء. فقال لها : فشدي قناعك ، فشدته وحوّلت وجهها إلى الحائط.

فدخلا وسلّما وقالا : ارضي عنّا رضي الله عنك! فقالت لهما : ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنّا وتخرجي سخيمتك!

فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عمّا أسألكما عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلّا وأنا عارفة بأنّكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا : سلي عمّا بدا لك.

قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

«فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني» قالا : نعم ، فرفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم إنهما قد آذياني ، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى رسول الله فأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما.

فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا.

فقال له عمر : يا خليفة رسول الله تجزع من قول امرأة (١)؟!

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٦٩.

١٤٥

وروى الصدوق الخبر بتفصيل أكثر بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال :

لما مرضت فاطمة ... استأذنا عليها عائدين فأبت أن تأذن لهما ، فعاهد الله أبو بكر : أن لا يظلّه سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويترضّاها! وبات ليلة في البقيع! فأتى عمر عليا عليه‌السلام وقال له : إن أبا بكر قد كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار فله صحبة ، وهو شيخ رقيق القلب! وقد أتينا فاطمة مرارا نريد الإذن عليها فنتراضى! وهي تأبى أن تأذن لنا لندخل عليها ، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل. قال : نعم.

فدخل علي على فاطمة فقال لها : يا بنت رسول الله ، قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت ، وقد تردّدا مرارا كثيرة ورددتيهما ولم تأذني لهما ، وقد سألاني أن استأذن لهما عليك؟ فقالت : والله لا آذن لهما ولا أكلمهما من رأسي كلمة حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني! فقال علي عليه‌السلام : فإني قد ضمنت لهما ذلك!

قالت : فإن كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك والنساء تبع للرجال ، فلا أخالف عليك بشيء ، فأذن لمن أحببت!

فخرج علي عليه‌السلام فأذن لهما (فدخلا) فلما وقع بصرهما على فاطمة عليها‌السلام سلّما عليها ، فلم ترد عليهما بل حوّلت وجهها عنهما ، فتحوّلا واستقبلاها ...

فقالت لعليّ عليه‌السلام : جاف الثوب عنّي ، وكان حولها نسوة فقالت لهنّ :

حوّلن وجهي ، فلما حوّلن وجهها تحوّلا إلى وجهها وقال لها أبو بكر :

يا بنت رسول الله ، إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك ، نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان إليك منّا!

فقالت لهما : لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبي فأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي!

١٤٦

فقالا : فإنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا!

فالتفتت إلى علي عليه‌السلام وقالت له : إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله ، فإن صدقاني رأيت رأيي!

فقالا : اللهم إنّ ذلك لها ، وإنا لا نقول إلّا حقا ولا نشهد إلّا صدقا!

فقالت : انشدكما بالله ، هل سمعتما النبيّ يقول :

«فاطمة بضعة مني وأنا منها ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»؟ قالا : اللهم نعم. فقالت : الحمد لله. ثم قالت : اللهم إنّي أشهدك ـ فاشهدوا يا من حضرني ـ أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي! والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني!

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال : ليت أمّي لم تلدني.

ولكن عمر قال له : عجبا للناس كيف ولّوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت! تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها! وما لمن أغضب امرأة؟!

وقاما وخرجا (١).

ورواه ابن قتيبة (المتوفى ٢٧٦ ه‍) وقال : قالت : فإني أشهد الله وملائكته : أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه!

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر باكيا ، وخرج باكيا وهي تقول له : والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصليها (٢).

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢٣ ، الباب ١٤٩.

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٤.

١٤٧

وجاءها العبّاس عائدا :

وكأنّها عليها‌السلام بعد هذا ثقلت حتى لم تأذن لأحد حتى عمّها العباس.

ذلك ما رواه الطوسي بسنده عن الباقر عليه‌السلام عن أبيه عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال : مرضت فاطمة عليها‌السلام وثقلت حتى جاءها العباس بن عبد المطلب عائدا فقيل له : إنها ثقيلة حتى لا يدخل عليها أحد! فانصرف.

فأرسل رسولا إلى علي عليه‌السلام وأنا حاضر عنده يقول له : يا ابن أخ ، عمّك يقرئك السلام ويقول لك : قد فجعني من الغمّ بشكاة حبيبة رسول الله وقرة عينه وعيني فاطمة ما هدّني ، واني لأظنّها أولنا لحوقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله! والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه ، فإن كان من أمرها ما لا بدّ منّه فأنا ـ لك الفداء ـ أجمع لك المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها ، وفي ذلك جمال للدين!

فقال علي عليه‌السلام لرسوله : أبلغ عمّي السلام وقل له : لا عدمت إشفاقك وتحنّنك ، وقد عرفت مشورتك ، ولرأيك فضله. وإن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة ، وعن ميراثها مدفوعة ، لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا رعي فيها حقّه ولا حق الله عزوجل ، وكفى بالله حاكما ومن الظالمين منتقما! وإني أسألك يا عمّ أن تسمح لي بترك ما أشرت به ، فإنها وصّتني بستر أمرها.

قال عمار : فلما سمع العباس من رسوله ما قاله علي عليه‌السلام قال : يغفر الله لابن أخي ، وإنه لمغفور له ، إنّ رأي ابن أخي لا يطعن فيه. إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركة من علي إلّا النبيّ ، إنّ عليا لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة ، وأعلمهم بكل قضية ، وأشجعهم في الكريهة ، وأشدّهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفية ، وأول من آمن بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، الحديث ٢٥٨.

١٤٨

وصايا الزهراء عليها‌السلام :

ظهر من الخبر السابق سبق بعض وصايا الزهراء إلى علي عليهما‌السلام قبله.

وأقدم ما بأيدينا في ذلك ذيل الخبر السابق عن الهلالي العامري عن ابن عباس قال :

لما اشتدّ بها الأمر دعت عليا وقالت : يا ابن عمّ ، ما أراني إلّا لما بي ، وأنا أوصيك .. وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليّ. وأن تتزوّج بنت أختي زينب (١) تكون لولدي مثلي (٢).

وفي «مصباح الأنوار» عن الصادق عليه‌السلام قال : لما حضرت فاطمة الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي.

فقال لها : لا تبكي ، فو الله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله! فأوصته أن لا يؤذن بها الشيخين (٣).

وفيه عنه عليه‌السلام : أنها لما احتضرت أوصت عليا عليه‌السلام فقالت :

إذا أنا متّ فتولّ غسلي وجهّزني وصلّ عليّ وأنزلني في قبري وألحدني وسوّ التراب عليّ ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي (٤) فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء ، وأنا أستودعك الله ،

__________________

(١) أمامة ابنة أختها زينب ، بنت أبي العاص بن الربيع الأموي.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٧٠ ، ومثل الأخير في مصباح الأنوار : ٢٥٩ عن الباقر عليه‌السلام.

(٣) كما في بحار الأنوار : ٤٣ عن مصباح الأنوار : ٢٦٢ مخطوط.

(٤) كذا هنا لأنها معصومة ، وكذا سائر المعصومين ، وإلّا فليس الأدب المندوب قبالة الوجه بل خلفه.

١٤٩

وأوصيك في ولدي خيرا. وكان عندها أم كلثوم فضمّتها إليها وقالت له : إذا بلغت فلها ما في المنزل ، ثم الله لها (١).

وقد مرّ في الملتحقين بأحد وشهدائها : أن حبرا من أحبار اليهود في المدينة يدعى مخيريق من بني ثعلبة بن فطيون أسلم وله سبعة بساتين حوائط فأوصى بها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقاتل معه في أحد وقتل ، والحوائط هي : البرقة والحسنى والدّلال والصافية ، والعوّاف والميثب ومشربة أمّ إبراهيم (٢).

فروى الكليني عن الرضا عليه‌السلام : أن هذه الحوائط السبع كانت وقفا وكان رسول الله يأخذ منها ما ينفق على أضيافه والتبعة تلزمه فيها (٣).

وروى بطريقين عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : أن فاطمة عليها‌السلام أوصت بحوائطها هذه السبعة إلى علي بن أبي طالب ، فإن مضى فإلى الحسن ، فإن مضى فإلى الحسين ، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدها. كتبها علي بن أبي طالب وشهد بها المقداد بن الأسود الكندي والزبير بن العوام (٤).

__________________

(١) كما في بحار الأنوار ٨٢ : ٢٧ عن مصباح الأنوار : ٢٥٧. وفيه عنه عن الحسن عليه‌السلام : أن عليا عليه‌السلام كتب وصيتها بيده فكتب : ثم إني أوصيك في نفسي .. إذا أنا متّ فغسّلني بيدك وادفني ليلا. ١٠٣ : ١٨٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٢١٩ ، ورواها المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ١٣٠ عن المعتزلي عن الواقدي ، والخبر في مغازي الواقدي ١ : ٢٦٣.

(٣) فروع الكافي ٧ : ٤٧ ، الحديث الأول ، الباب ٣٥ وهذا هو ما رواه الصدوق مرسلا في كتاب من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٤٤ باب الوقف والصدقة ، الحديث ٥٥٧٩. والطوسي في التهذيب ٩ : ١٤٥ ، الحديث ٥١ ، الباب ٣.

(٤) فروع الكافي ٧ : ٤٨ ـ ٤٩ ، الحديث ٥ ـ ٦ ، الباب ٣٥ ، وفي التهذيب ٩ : ١٤٤ ، الحديث ٥٠ ـ ٥١ ، الباب ٣.

١٥٠

وإذ كانت عليها‌السلام أوصت إلى عليّ عليه‌السلام أن يتزوّج من بعدها بابنة أختها أمامة (١) لذا فقد أوصت لها بشيء ، كما أوصت لكل واحدة من نساء بني هاشم باثنتي عشرة أوقية (فضة) ولكل واحدة من أزواج النبيّ كذلك (٢).

وقالت لعلي عليه‌السلام : إذا توفّيت فلا تدفنّي إلّا ليلا ، ولا تعلم أحدا إلّا أمّ أيمن وأمّ سلمة وفضة ، ومن الرجال العباس وسلمان وأبا ذر والمقداد وعمارا وحذيفة وابنيّ ولا تعلم أحدا قبري (٣).

ساعة الوفاة :

واختلفت الروايات في وقت الوفاة : فروى الإربلي عن الصدوق في كتاب مولد فاطمة عليها‌السلام : أنها ماتت بعد العصر (٤).

وروى الفتال النيشابوري في «روضة الواعظين» مرسلا : أنها لما توفيت اجتمع الناس وعلي ومعه الحسنان عليهم‌السلام جلوس إذ خرج أبو ذر فقال : انصرفوا ،

__________________

(١) فروع الكافي ٥ : ٥٥٥ ، الحديث ٦ ، الباب ١٩٠ ، عن الباقر عليه‌السلام.

(٢) دلائل الإمامة : ٤٢.

(٣) دلائل الإمامة : ٤٤ ، وقريب منه في أمالي الطوسي : ١٠٩ ، الحديث ١٦٦ بسنده عن الحسين عليه‌السلام. وفي مصباح الأنوار عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عليهم‌السلام كما عنه في بحار الأنوار ١٠٣ : ١٨٥ ، الحديث ١٤. ونقل مثله الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٣ : ١١٤ ، عن الواقدي ، وبطريقين عن عروة عن عائشة. وعن ابن عباس مثله.

(٤) كشف الغمة ٢ : ١٢٧. ونقل المجلسي خبر عبد الله بن ورقة الأزدي عن فضة الخادمة وفيه : أنها احتضرت بعد صلاة الظهر ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٨ ، ولكنه قال : لم آخذه من أصل يعوّل عليه!

١٥١

فإنّ ابنة رسول الله قد أخّر إخراجها في هذه العشيّة. فانصرف الناس (١).

والمرويّ عن الإمام الصادق عليه‌السلام ثلاثة أخبار ، أولها : ما جاء في «مصباح الأنوار» عنه عن آبائه عليهم‌السلام : ماتت فاطمة عليها‌السلام ما بين المغرب والعشاء (٢).

وثانيها : ما جاء في «دلائل الإمامة» بسنده عنه عليه‌السلام : فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يقبضها إليه (٣).

وثالثها : ما رواه الصدوق في «علل الشرائع» بسنده عنه عليه‌السلام قال : قضت نحبها وهم في جوف الليل (٤).

وكأن الشيخ هاشما في «مصباح الأنوار» لم يقف على هذا الخبر ، فبعد أن روى عن الصادق عليه‌السلام : أن فاطمة ماتت ما بين المغرب والعشاء ، روى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده علي عليه‌السلام أن فاطمة لما احتضرت نظرت نظرا حادّا ثم قالت : السلام على جبرئيل ، السلام على رسول الله ، اللهم مع رسولك ، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام ، ثم قالت : أترون ما أرى؟ فقيل لها : ما ترين؟ قالت : هذا جبرئيل ، وهذا رسول الله ويقول : يا بنيّة أقدمي ، فما أمامك خير لك!

ثم روى عن زيد بن علي مختصر الخبر قال : إن فاطمة عليها‌السلام لما احتضرت سلّمت على النبيّ وعلى جبرئيل وعلى ملك الموت (٥).

__________________

(١) روضة الواعظين ١ : ١٨٣ مرسلا ، ويلاحظ عليه : أن أبا ذر خرج يقول ذلك وعلي عليه‌السلام جالس لم يدخل ولم يقل شيئا!

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠٠ وعليه فلا مجال لمقال أبي ذر في الخبر السابق.

(٣) دلائل الامامة : ٤٤ ، كما عنه في بحار الأنوار ٤٣ : ٣٠٩.

(٤) علل الشرائع ١ : ٢٢٢ ، الباب ١٤٩ ، الحديث ٢ وعلى هذا أيضا لا مجال لمقال أبي ذر.

(٥) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠٠ ، عن مصباح الأنوار ، مخطوط.

١٥٢

وطبيعي أن يكون زيد قد روى ذلك عن أبيه عن جده الحسين عليه‌السلام كما روى عبد الله عن أبيه عن جده الحسن عليه‌السلام ، فهذه الأخبار كلّها مؤيّدة لحضور علي عليه‌السلام عند احتضار الزهراء عليها‌السلام غير غائب عنها في المسجد أو غيره كما في بعض الأخبار الأخرى.

غسل الزهراء عليها‌السلام :

وروى الصدوق عن الحسن بن علي عليهما‌السلام : أن عليا غسّل فاطمة عليهما‌السلام (١).

وروى المفيد في «الأمالي» وعنه الطوسي في أماليه أيضا عن الصدوق بسنده عن الإمام السجاد عن أبيه الحسين عليهما‌السلام قال : لما مرضت فاطمة وصّت إلى علي أن يتولى أمرها ... فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وروى الحميري في «قرب الإسناد» بسنده عن الصادق عن أبيه الباقر عليه‌السلام مثله (٣). وعنه عليه‌السلام في مصباح الأنوار قال : وأوصته بغسلها وجهازها ففعل (٤).

وروى الكليني بسنده عن المفضل بن عمر الجعفي قال : سألت الصادق عليه‌السلام : من غسّل فاطمة؟ فقال : ذاك أمير المؤمنين ... فإنها صدّيقة فلم يكن يغسّلها إلّا صدّيق (٥).

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ١٢٨ ، عن كتاب مولد فاطمة للصدوق.

(٢) أمالي المفيد : ٢٨١ ، والطوسي : ١٠٩ ، الحديث ١٦٦ ، وهو الخبر الذي رواه الكليني في أصول الكافي ١ : ٤٥٨ ، باختصار للمقدمة ، والرضي في نهج البلاغة خ ٢٠٢ بدون المقدمة.

(٣) قرب الإسناد : ٨٨ ، الحديث ٢٨١.

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠١ ، عن مصباح الأنوار.

(٥) أصول الكافي ١ : ٤٥٩ ، الحديث ٤ ، باب مولد الزهراء فاطمة ، وفي كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ١٤٢ ، الباب ٢٣ ، الحديث الأخير ، والتهذيب ١ : ٤٤٠ ، الباب ٢٣ ،

١٥٣

وفي خبر «علل الشرائع» بسنده عنه عليه‌السلام أيضا قال : فلما قضت نحبها أخذ عليّ في جهازها من ساعته كما أوصته (١).

ومرّ في وصاياها وصيتها لعلي عليه‌السلام بغسلها عن «مصباح الأنوار» عن الصادق عليه‌السلام.

وعن «عيون المعجزات» للسيد المرتضى قال : روي : أن فاطمة عليها‌السلام .. تولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وقال الإربلي في «كشف الغمة» : وإنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسّل زوجته بأن عليا عليه‌السلام غسّل فاطمة عليها‌السلام ، وهو المشهور (٣).

وقال المجلسي : إن الأخبار الدالة على أن عليّا عليه‌السلام غسّلها كثيرة (٤).

__________________

الحديث ٦٧ ، والاستبصار ١ : ١٩٩ ، الباب ١١٧ ، الحديث ١٥ ، وهو ما نقله عن الخزاز القمي في الأحكام الشرعية الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤١٣.

(١) علل الشرائع ١ : ٢٢٢ ، الباب ١٤٩ ، الحديث ٢.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢ ، عن عيون المعجزات.

(٣) كشف الغمة ٢ : ١٢٨.

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨. هذا ، وقد روى المجلسي هذه الأخبار في الباب السابع من عاشر البحار ج ٤٣ : ما وقع عليها من الظلم ، وفي الحديث ١٦ جاء ذكر أسماء بنت عميس الخثعمية والتي كانت يومئذ زوج أبي بكر ، فاحتمل محقق الكتاب محمد باقر البهبودي : أن تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، أو مصحّفة عن سلمى امرأة أبي رافع القبطي كما جاء ذكرها في بعض الأخبار : ٤٣ : ١٨١.

وخبر سلمى نقله الإربلي عن ابن حنبل في مسنده (٦ : ٢١٠ و٤٦١) قالت : كنت امرّضها فقالت لي : اسكبي لي غسلا فاغتسلت واضطجعت إلى القبلة وقالت : إني مقبوضة الآن وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد. فقبضت ، فجاء عليّ فأخبرته.

١٥٤

__________________

ورواه عن الصدوق في كتاب مولد فاطمة مرفوعا بزيادة : فقال : إذا والله لا تكشف! فاحتملت في ثيابها فغيّبت. أي دفنت بثيابها بلا كفن!

ثم علّق الإربلي عليهما يقول : اتفاقهما من طريق الشيعة والسنّة على نقله مع كون الحكم على خلافه ، عجيب ؛ فإن الفقهاء من الفريقين لا يجيزون الدفن إلّا بعد الغسل ، إلّا في مواضع ليس هذا منه. فكيف رويا هذا الحديث ولم يعلّلاه ولا ذكرا فقهه ولا نبّها على الجواز ولا المنع ، كشف الغمة ٢ : ١٢٨.

ونقل المجلسي الخبر عن أمالي الطوسي : ٤٠٠ ، الحديث ٨٩٣ وعلّق يقول : لعلها إنما نهت عن كشف الجسد للتنظيف ولم تنه عن الغسل ٤٣ : ١٧٢ وعلق على تعليق الإربلي يقول : أما ما ذكره من ترك غسلها فالأولى أن يؤوّل بما ذكرنا سابقا : من عدم كشف بدنها للتنظيف ٤٣ : ١٨٨. ولكنه اجتهاد في مقابل النص : «فحملها بغسلها» كما في أمالي الطوسي.

والواقع : أن الخبر إنما هو من طريق السنة كما في الطوسي صريحا ، والصدوق تلويحا برفعه ، وكما في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤١٣ ، والذرية الطاهرة : ١٥٤ ـ ١٥٥ فلا حاجة لتكلف التصرف ، أو التأويل لصريح النقول بغير المعقول.

وإذ كان هذا الخبر عن سلمى ينفي غسلها بعد وفاتها فلا مجال لحمل اسم أسماء على سلمى.

بل روى الدولابي بسنده عن أسماء عن فاطمة قالت : «فإذا متّ فاغسليني أنت ولا يدخلنّ عليّ أحد» وإن كان في آخره : وغسّلها علي وأسماء ، الذرية الطاهرة : ١٥٤. وعنه الإربلي في كشف الغمة ٢ : ١٣٠ واختصره في : ١٢٦ وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ و ١٨٩ وفي ١٨٤ عن مناقب آل أبي طالب. والغريب أن الأربلي جمع بين هذا وبين نقله عن علي عليه‌السلام : فأمر أسماء فغسّلتها ، وأمر الحسن والحسين عليهما‌السلام يدخلان الماء ، كشف الغمة ٢ : ١٢٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٦ بل نقل عنه عليه‌السلام قال لأسماء : يا أسماء غسّليها وحنّطيها وكفّنيها ، كشف الغمة ٢ : ١٢٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧.

١٥٥

وفي كيفية غسله لها روى في «مصباح الأنوار» عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ عليا أفاض عليها من الماء ثلاثا وخمسا ، وجعل في الخامسة شيئا من الكافور ، وكان يقول : اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وصفيّك وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجّتها وأعظم برهانها ، وأعل درجتها ، واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ثم كفّنها في سبعة أثواب (٢).

__________________

وقد مرّ عن الإربليّ قوله : إنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسّل زوجته بأن عليا عليه‌السلام غسّل فاطمة عليها‌السلام وهو المشهور ، كشف الغمة ٢ : ١٢٨.

فلا خصوصية لها عليها‌السلام فيما رواه الطبري الإمامي بسنده عن أبي بصير عن الصادق عن علي عليه‌السلام قال : «قالت : إني أحللتك من أن تراني بعد موتي ، فكن مع النسوة فيمن يغسّلني». وذكرت من النسوة : جاريتها فضة وأم أيمن وأم سلمة زوج رسول الله ، عن دلائل الإمامة في بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠٨.

بينما نقل فيه عن محمد بن همام قال : غسّلها أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يحضرها غيره وجاريتها فضة ، وأسماء بنت عميس وزينب وأم كلثوم والحسن والحسين عن دلائل الإمامة : ٤٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ١٧١.

أما أنا فمع خبره السابق في حضور أم أيمن وأم سلمة وفضة فقط ، فلا يثبت من حضور أسماء مع كل هذا الاضطراب شيء.

(١) بحار الأنوار ٨١ : ٣٠٩ ، عن مصباح الأنوار : ٢٦١.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠١ و٨١ : ٣٣٥ ، عن مصباح الأنوار : ٢٥٧ عن الصادق عليه‌السلام.

وهنا قال المجلسي في ٤٣ : ١٧٤ : وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها عليها‌السلام فأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعوّل عليه : عن ورقة بن عبد الله الأزدي : أنه في الطواف رأى جارية سمراء مليحة الوجه فصيحة المنطق قالت : هي فضة أمة الزهراء عليها‌السلام! وأنها أقبلت إلى قبر أبيها محمد فلما رأت الحجرة والمئذنة (؟!) قالت : يا أبتاه بقيت والهة وحيدة وحيرانة (!) فريدة ... يا إلهي عجّل وفاتي سريعا. وأخذت تبكي ليلها ونهارها (!)

١٥٦

وروى المجلسي عن ابن عباس قال : لما غسّلها عليّ عليه‌السلام وضعها على السرير (١) وقال للحسن : أدع لي أبا ذر ، فدعاه ، فحملا السرير إلى المصلّى (٢)

__________________

فاجتمع شيوخ أهل المدينة إلى علي عليه‌السلام وقالوا له : إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار ، وإنا نخبرك (كذا) أن تسألها : إما أن تبكي ليلا أو نهارا! فقال : حبّا وكرامة! فقالت : فو الله لا أسكت ليلا ولا نهارا (كذا) فبنى لها بيتا في البقيع سمي بيت الأحزان (وهذا هو مصدره الوحيد) فإذا أصبحت خرجت إلى البقيع فلا تزال باكية ، فإذا جاء الليل ساقها إلى منزلها (!) وبقيت إلى يوم الأربعين فماتت بعد صلاة الظهر ... ثم ينقل عنها عن علي عليه‌السلام قال : «أخذت في أمرها .. فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت : يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة! يا فضة!» ففضة تحكى عن علي عليه‌السلام أنه قال لها : «ناديت ... يا فضة!».

فيا لله من جهل ناقل أو جاعل هذا الخبر إذ انفرد بذكر سكينة في بنات علي والزهراء! ولعله لهذا قال المجلسي عنه : لم آخذه من أصل يعوّل عليه! ولكنه مع ذلك قال : أحببت إيراده! أجل هذا هو المصدر الوحيد المنفرد بدعوى كل ذلك!

(١) يكاد يكون الخبر الوحيد الذي يصرّح بالسرير في مقابل أخبار عديدة بالنعش الذي صوّرته لها الملائكة وصوّرته لعلي عليه‌السلام وأوصته به ، أو مثّلته لها أسماء بنت عميس عمّا رأته في هجرتها إلى الحبشة. وقد قال الطبرسي في إعلام الورى ١ : ٢٧٧ ، بشأن زينب بنت جحش الأسدية أولى أزواج رسول الله موتا بعده في خلافة عمر سنة (٢٠ ه‍) قال : هي أول امرأة جعل لها النعش ، جعلته لها أسماء بنت عميس يوم توفيت.

وذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨ : ٧٩ كما في هامش بحار الأنوار ١٨ : ٣٠٤ للمحقق محمد باقر البهبودي وقال : وأما فاطمة بضعة الرسول الأعظم فقد دفنت ليلا فلم تكن تحتاج إلى النعش للستر عليها ، وكفى بسواد الليل ساترا وقد أوصت بذلك أكيدا. ومن قبل قال بمثله الطبري ، كما في شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ٢٨٠.

(٢) كما كانت السنّة العملية لرسول الله والمسلمين يومئذ ، والمصلّى كان بباب جبرئيل الشرقي للمسجد النبوي الشريف إلى البقيع ومن هنا يعلم أن سائر من حضرها عليها‌السلام

١٥٧

فصلى عليها .. ورفع يديه إلى السماء ونادى : «هذه بنت نبيّك فاطمة ، أخرجتها من الظلمات إلى النور» (١).

وروى الصدوق بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : لما ماتت فاطمة عليها‌السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام (للصلاة ظ) وقال : اللهم إني راض عن ابنة نبيك ، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها ، اللهم إنها قد هجرت فصلها ، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين (٢).

وأشعل النار في جريد النخل (سعف النخل) ومشى مع الجنازة بالنار (٣).

تاريخ الوفاة :

إن أقدم ما بأيدينا من تواريخ وفاتها عليها‌السلام ما جاء عن سليم بن قيس عن ابن عباس قال : فبقيت فاطمة عليها‌السلام بعد وفاة أبيها أربعين ليلة .. ثم قبضت من يومها ... فلما كان الليل ... دفنوها (٤) من دون تعيين اليوم والشهر لوفاتها ولا لأبيها.

__________________

كانوا هناك ينتظرون الجنازة ، ولم يكونوا في الدار ، هذا وقد نقل المحدث القمي عن مصباح الأنوار : أن الصادق عليه‌السلام سئل : أين كان يصلي عليها؟ قال : في دارها ثم أخرجها ـ بيت الأحزان : ٢٦٤.

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥ ، عن بعض كتب المناقب القديمة.

(٢) الخصال : ٥٨٨ ، الحديث ١٢ ، بينما روى سليم بن قيس بسنده عن ابن عباس قال : لما كان الليل دعا علي العباس ... فقدّمه فصلى عليها : ٨٧٠ ، الحديث ٤٨.

(٣) علل الشرائع : ٢٢٢ ، بسنده عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٧٠ ونقله الفريابي في تاريخ أهل البيت : ٧٢ ، وعنه في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٠٦ ، مصحفا بالقرباني ، وقال الحلبي : وهو الأصح. والأربلي في كشف الغمة ٢ : ١٢٦ ، ولعله عن كتاب مولد فاطمة للصدوق. فيبقى خبر سليم هو الأول والوحيد في الأربعين يوما.

١٥٨

ثم روى ابن سعد في «الطبقات» عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن الباقر عليه‌السلام : أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر (١) كذلك بلا تعيين لتاريخهما.

ورواه الدولابي في «الذرية الطاهرة» ثم روى عن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرو الأنصاري عنه عليه‌السلام قال : توفيت فاطمة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة وتسعين ليلة ، سنة إحدى عشرة (٢) وأيضا بلا تعيين لتاريخهما.

وجاء التعيين فيما رواه الطبري الإمامي في «دلائل الإمامة» بسنده عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : قبضت فاطمة عليها‌السلام في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه من سنة إحدى عشرة من الهجرة (٣) بلا تعيين للفاصل بينها وبين أبيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وإليه ذهب المفيد في «مسارّ الشيعة» (٤) وحيث ذهب إلى وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ٢٨ من صفر ، فيكون خبر بقائها (٩٥) يوما متفقا مع خبر الثالث من جمادى الآخرة ، وحيث إنّ الطبرسي في «إعلام الورى» تابع المفيد في «الإرشاد» وغيره لذلك جمع هنا بينهما فقال : روي أنها توفيت في الثالث من جمادى الآخرة وبقيت بعد النبي خمسة وتسعين يوما (٥).

فهذا هو جمع الشيخ الطبرسي ولم يرد الجمع في أيّ خبر ، وهو مبنيّ ـ كما مر ـ على ما ذهب إليه الشيخ المفيد في وفاة النبيّ في ٢٨ من صفر.

__________________

(١) الطبقات ٨ : ١٨ كما عنه في مقاتل الطالبيين : ٣١ ط النجف و٤٩ ط الصقر ـ مصر.

(٢) الذرية الطاهرة : ١٥١ ، الحديث ١٩٥ و ١٩٩ ، وكفاية الأثر : ٦٥ ، وكشف الغمة ٢ : ١٢٩ عن الدولابي.

(٣) دلائل الإمامة : ٤٥.

(٤) مسارّ الشيعة في المجموعة النفيسة : ٣١.

(٥) إعلام الورى ١ : ٣٠٠.

١٥٩

ولنا أن نأخذ بخبر الثالث من جمادى الآخرة ونجمع بينه وبين الأخبار القائلة. بالفاصلة ثلاثة أشهر بناء على المختار في وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله في الثاني من ربيع الأول.

وروى الكليني بسند عن أبي عبيدة الحذّاء عن الصادق عليه‌السلام قال : إن فاطمة عليها‌السلام مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما (١) وبسندين عن هشام بن سالم عنه عليه‌السلام قال : عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما (٢).

وجاء في «تاريخ أهل البيت» المرويّ بالعمدة عن الرضا عليه‌السلام : أنها أقامت بعد وفاة رسول الله خمسة وسبعين يوما (٣) علما بأنه في وفاته قال : قبض في شهر ربيع الأول لليلتين خلتا منه (٤) وعليه فتكون وفاتها في السابع عشر من جمادى الأولى.

ونقل المجلسيّ الخبرين عن الكليني عن أبي عبيدة الحذّاء وهشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام بخمسة وسبعين يوما (٥) ثم قال : ما مرّ في الخبر الصحيح : أنها عليها‌السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما ... لو كان وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى ، ولو كان في ثاني عشر ربيع الأول ... كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى. وما رواه أبو الفرج (عن ابن سعد عن الواقدي) عن الباقر عليه‌السلام : من كون مكثها بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أشهر ، يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة ، ويدل عليه أيضا ما مرّ من خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام برواية الطبري (الإمامي) (٦).

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٤٥٨ ، الحديث الأول ، باب مولد الزهراء.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢٨ و٤ : ٥٦١.

(٣) تاريخ أهل البيت : ٧٢.

(٤) تاريخ أهل البيت : ٦٨.

(٥) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، الحديث ٢٢ و٢٤.

(٦) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥.

١٦٠