موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

فقال بريدة : يا عمر ، أما سمعت الله يقول في كتابه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(١) فقد جمع الله لهم النبوة والملك!

فتوقّدت عينا عمر من الغضب وقال : ما جئتما إلّا لتفرّقا جماعة هذه الأمة وتشتّتا أمرها (٢)! وأنشد بريدة :

أمر النبيّ معاشرا هم أسوة

ولهازم أن يدخلوا فيسلّموا

تسليم من هو عالم مستيقن

أن الوصيّ هو الإمام القائم (٣)

فروى المرتضى عن الثقفي عن ابن اسحاق بسنده : أن بريدة حمل رايته إلى أوساط قومه أسلم وقال : لا أبايع حتى يبايع عليّ بن أبي طالب!

وروى عنه عن الحسن المثنّى : أن أسلم قالوا : لا نبايع حتى يبايع بريدة (٤).

وكأنّ هذا كان مما نبّه القوم إلى أن لا يسامحوا عليا عليه‌السلام في مطالبة البيعة منه. أو كأنهما أرادا أن لا يرى علي عليه‌السلام عندهما خذلانا ، ولا يظهرا له رقة ولينا ، فأتبعا قرح غصب فدك بقرح مطالبته بالبيعة على حدّ تعبير عليّ بن مهنّا العلوي الحلّي (٥).

__________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) اليقين بإمرة أمير المؤمنين لابن طاوس : ٢٧٢ ـ ٢٧٤. ومختصره في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٦٦ عن الثقفي ، وعنه قبله عن الصادق عليه‌السلام ، وعنه في تلخيص الشافي ٣ : ٥٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٦٦.

(٤) تلخيص الشافي ٣ : ٧٨ عن كتاب المعرفة للثقفي.

(٥) شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ٢٣٦.

١٠١

بداية مطالبة البيعة من علي عليه‌السلام :

فروى سليم بن قيس عن سلمان الفارسي : أن عمر قال لأبي بكر : إن عليا لو قد بايع أمنّاه ، ولسنا في شيء حتى يبايع ، فأرسل إليه فليبايع.

فأرسل إليه أبو بكر : أن أجب خليفة رسول الله! فأتاه الرسول فقال له ذلك.

فقال علي عليه‌السلام : سبحان الله! ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله : أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري. فرجع الرسول وأخبره خبره.

فقال له : فاذهب إليه وقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر (١)! فأتاه فأخبره بما قال.

فقال علي عليه‌السلام : سبحان الله! والله ما طال العهد فينسى ، فو الله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلّا لي ، ولقد أمره رسول الله ـ سابع سبعة ـ أن يسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين فاستفهم من بين السبعة هو وصاحبه عمر قالا : أحقّ من الله ورسوله؟ فقال : نعم حقا حقا من الله ورسوله ، إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجّلين ، يقعده الله عزوجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار!

فرجع الرسول وأخبره بمقاله ، فسكتوا عنه يومهم ذلك (٢).

فطاف بالزهراء عليهم ليلا :

مرّ الخبر عن عتاب الزهراء لعلي بلا استجابة منه لها عليهما‌السلام ، فأظن أنّ

__________________

(١) كذا هنا ، ويأتي أن أوّل من تلقّب بذلك عمر.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٣.

١٠٢

اغتصابهم له على البيعة علاوة على غصبهم لحقّ فاطمة ، هو الذي حمله على ما رواه سليم بن قيس عن سلمان الفارسي قال : فلما كان الليل حمل علي فاطمة عليهما‌السلام على حمار ومعه ابناه الحسنان عليهما‌السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله إلّا أتاه في منزله! فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم أحد إلّا أربعتنا (١).

ولكنه قيّد الأصحاب في موضع آخر من حديثه بقوله : فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلّا أتاه في منزله فذكّرهم حقه ودعاهم إلى نصرته.

فاستجاب له منهم أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا محلّقين رءوسهم معهم سلاحهم ليبايعوه على الموت! فلما أصبحوا لم يواف منهم إلّا أربعة : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوّام.

فعاودهم علي عليه‌السلام في الليلة المقبلة فناشدهم فقالوا : نصبّحك بكرة ، فما أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة ، فما أتاه غيرنا (٢).

وعنه عليه‌السلام يقول : فلم أدع أحدا من أهل بدر ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلّا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقّي ، فلم يجيبوني ولم ينصروني (٣) ولم يستجب لي من جميع الناس إلّا أربعة رهط : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أقوى به وأصول ، أما حمزة

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٣.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨١.

(٣) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٩١٨ في خطابه لسبعين من البدريين بعد حرب الجمل في بهو زياد بالبصرة واحتجّ ما به عليه معاوية في كتابه له في صفين ٢ : ٧٦٥.

١٠٣

فقد قتل يوم أحد ، وأما جعفر فقد قتل يوم مؤتة ، وبقيت في جلفين جافين ذليلين حقيرين عاجزين : العباس وعقيل ، وكانا قريبي عهد بالكفر والإسلام فأكرهوني وقهروني (١).

وعلى ما مرّ فالمقطع الثاني من حديث سلمان الفارسي رحمه‌الله فيه فائدتان : الأولى : تقييد الصحابة المستنصرين بالبدريين منهم ، والثانية : أنّ مدة حمله لها عليهما‌السلام إنما كان لثلاث ليال.

وروي الخبر عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أيضا :

فأما عن الباقر عليه‌السلام فهو ما رواه الجوهري البصري في «السقيفة وفدك» بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عنه عليه‌السلام : أن عليا حمل فاطمة عليها‌السلام على حمار ، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار (كذا بدون المهاجرين ولا البدريين) تسألهم فاطمة الانتصار له.

فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمّك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به!

وكان علي عليه‌السلام يقول : أكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهّزه وأخرج إلى الناس انازعهم في سلطانه؟!

وفاطمة تقول لهم : ما صنع أبو حسن إلّا ما كان ينبغي له ، وصنعوا ما الله حاسبهم عليه (٢).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٦٥ في استنفاره للناس بعد النهروان للشام فلم يلبث أن قتل : ٦٧١. وبمعناه عن الباقر عليه‌السلام في روضة الكافي : ١٦٥ ، الحديث ٢١٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٥١ ، الباب ٤ ، الحديث ٣٣ ومرّ استبعاد أن يكون ذلك في كلام عام.

(٢) عن الجوهري في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٣.

١٠٤

وأما عن الصادق عليه‌السلام فهو ما رواه عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام قال : وحملها علي على أتان عليه كساء له خمل ، فدار بها أربعين صباحا (كذا منفردا بها) على بيوت المهاجرين والأنصار (كذا أيضا) وهي تقول لهم : يا معشر الأنصار ، انصروا الله فاني ابنة نبيكم ، وقد بايعتم رسول الله يوم بايعتموه : أن تمنعوه وذريّته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا لرسول الله ببيعتكم. فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها (١).

معاذ بن جبل :

واختصّ خبر «الاختصاص» عن الصادق عليه‌السلام ببيان موقف معاذ بن جبل الخزرجي رسول رسول الله إلى اليمن من قبل حجة الوداع حتى بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو لم يحضر وفاته ولا البيعتين الخاصة في السقيفة والعامّة بعدها ، ولعله حضر اليوم وقبل أن يبايع ـ قال عليه‌السلام ـ انتهت فاطمة إلى معاذ بن جبل فقالت له :

يا معاذ بن جبل ؛ إني قد جئتك مستنصرة ، وقد بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أن تنصره وذريّته وتمنعه مما تمنع منه نفسك وذريّتك ، وإن أبا بكر قد غصبني على فدك فأخرج وكيلي منها. قال معاذ : فمعي غيري؟

قالت : لا ، ما أجابني أحد (يبدو أنه كان آخر أو من آخر من استنصرته).

قال : فأين أبلغ أنا من نصرتك؟!

فخرجت فاطمة من عنده وهي تقول : والله لا اكلّمك كلمة حتى اجتمع أنا وأنت عند رسول الله! ثم انصرفت.

ودخل ابنه (فرآها) فقال لأبيه معاذ : ما جاء بابنة محمد إليك؟

__________________

(١) الاختصاص : ١٥٤.

١٠٥

قال : جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذ منها فدكا. قال : فما أجبتها به؟ قال : قلت : وما يبلغ نصرتي وحدي؟ قال : فأبيت أن تنصرها؟ قال : نعم! قال : أي شيء قالت لك؟ قال : قالت لي : والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتى أرد على الله! فقال له ابنه : والله وأنا لا نازعتك الفصيح من رأسي إذ لم تجب ابنة محمد (١).

__________________

(١) الاختصاص : ١٨٤ ، ومن الملفت عدم استنصار علي والزهراء عليهما‌السلام من سعد بن عبادة ، ولعله لعلّة امتناعه من ذلك إلّا لنفسه ، وأيضا من الملفت أن ابنيهما خالفاهما ميلا إلى علي عليه‌السلام.

ومن الملاحظ أن خبر الباقر عليه‌السلام لم يصلنا إلّا من طريق المعتزلي عن الجوهري البصري ، وقبله ابن قتيبة الدينوري (م ٢٧٦ ه‍) في الإمامة والسياسة : ١٢ : قال : وحمل علي كرم الله وجهه فاطمة بنت رسول الله ليلا على دابّة وخرج بها إلى مجالس الأنصار (كذا ، بدل البدريين منهم) تسألهم النصرة .. إلى آخر الخبر. ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٢٨ : ٣٥٥ ، ولم يعلق على قوله : مجالس الأنصار. وقبله وبعده نقل خبر سليم بن قيس عن سلمان الفارسي عن كتاب سليم والاحتجاج ٢ : ٣٢٩ في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٦٤ و٢٦٧ وفي ٢٩ : ٨٩ ـ ٩٢ خبر الاختصاص وشرح غريبه ، وكأنه لم يستغرب من قوله فيه : أربعين صباحا ، لا الأربعين في العدد ولا الصباح في الوقت ، هذا مع انفراده بهما ، ومع ذلك اشتهر ذكره في المجالس مع تغيير زمان الصباح بالليل تلفيقا من سائر الأخبار ، وهو خلاف نصّ خبر سليم عن سلمان ، ومن المستبعد جدّا ، وعليه فخبر سليم أسلم وهو أقدم وأقوم ، فعليه المعوّل هنا.

ونعيد إلى الأذهان هنا ما مرّ في ترجمة معاذ إذ أرسله رسول الله إلى اليمن ، عن أبي نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء ١ : ٢٣٢ ـ ٢٤٣ ، وفي الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٣٥٨ وعنهما في مكاتيب الرسول ٣ : ٥٥٥ : أن معاذا مكث في اليمن حتى قبض رسول الله فقدم إلى المدينة ، فقال عمر لأبي بكر : دع لهذا الرجل ما يعيّشه وخذ منه سائره!

١٠٦

بيعة الأربعين رجلا :

مرّ تعليقا على خبر سليم عن سلمان أن طواف علي بالزهراء عليهما‌السلام على بيوت البدريين من الأنصار والمهاجرين كان لثلاث ليال وليس لأربعين «صباحا» ولا ليلة. واستجاب له أربع وأربعون رجلا قولا ولكنه لم يستجب له منهم عملا إلّا أربعة منهم فقط. وفيه أنه عليه‌السلام أمرهم أن يصبحوا محلّقين رءوسهم معهم سلاحهم ليبايعوه على الموت (١) وفي موضع آخر عنه قوله عليه‌السلام : لو وجدت أربعين رجلا من أهل السابقة من المهاجرين والأنصار أعوانا لنا هضت هذا الرجل (٢) مما يدل على عدم بيعتهم له ، هذا من ناحية.

بينما في ثلاث مواضع منه ما يدل على بيعتهم له :

ففي أواخر خطبته فيما بعد النهروان وقبل مقتله يستنهضهم لمعاودة معاوية سأله الأشعث بن قيس عن أعوانه الأربعة الأوائل ذوي البصيرة الموفين ببيعتهم ، فقال عليه‌السلام : لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار (فبايعوني) فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلّقين رءوسهم عليهم السلاح ، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة (٣) والعبارة الأخيرة كما في خبر سلمان ، فالظاهر أن كلمة (فبايعوني) زيادة سهو من الرواة. وعليه يحمل قوله قبله مباشرة :

__________________

فقال أبو بكر : انما بعثه النبيّ ليجبره فلست آخذ منه شيئا إلّا أن يعطيني هو! وفي قوله : ليجبره ، أشار إلى ما رواه ابن الأثير في اسد الغابة ٤ : ٣٧٧ : أن معاذا كان سمح الكفّ ، فاقترض دينا كثيرا حتى تغيّب في بيته فأرسل إليه رسول الله وقال له : أبعثك إلى اليمن ، لعل الله يجبرك ويؤدّي عنك!

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨١ ونحوه في رجال الكشي : ٨ ، الحديث ١٨ عن الباقر عليه‌السلام.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٧٧٦ في كتاب معاوية إليه عليه‌السلام.

(٣) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٦٩.

١٠٧

لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رجلا لنا هضت القوم وما كففت يدي ، ولكني لم أجد فأمسكت. وكذلك قوله فيه بعده : لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا لي ، بمعنى : واعدوني ببيعتهم.

والغريب أن جاء في ذيل خبر سلمان نفسه عنه عليه‌السلام قال لهم : أما والله ؛ لو أنّ أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله (١) مما ينافي صدره ، اللهم إلّا أن نفسّر الذيل بالصدر بأن المعنى : الذين واعدوني ببيعتهم.

وكذلك ما في هذا الحديث نفسه قبله من قوله عليه‌السلام لهم أيضا : لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني (٢) بمعنى : واعدوني ببيعتهم ثم لم يفوا لي فخذلوني. وذلك بدليل نصّه قبله مرتين على عدم البيعة له إلّا من الأربعة (٣) والملاحظ أن كل ذلك في خبر سلمان.

وعادوا على طلب البيعة منه :

مرّ قبل هذا من صدر خبر سليم عن سلمان مبادأتهم بطلب البيعة منه عليه‌السلام بعنواني خليفة رسول الله وأمير المؤمنين ، ومناقشته عليه‌السلام لهم في ذلك وفي آخره : فسكتوا عنه يومهم ذلك بعد ذكره لحمله للزهراء عليها‌السلام على بيوت البدريّين يقول :

فلما رأى علي عليه‌السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٩١.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٨.

(٣) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٠ و٥٨٣.

١٠٨

فقال عمر لأبي بكر : إنه لم يبق أحد إلّا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الأربعة ، فما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟ فقال أبو بكر : من نرسل إليه ، فقال عمر : أرسل إليه قنفذا من بني عديّ بن كعب (قبيلة عمر) (١) هذا ما عن سلمان.

وحدث عن عبد الله بن عباس قال : لما توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... اشتغل علي بن أبي طالب عليه‌السلام برسول الله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته ... ولم تكن له همة في الملك لما كان أخبره رسول الله عن القوم ، ونكث الناس وأجمعوا على الخلاف وافتتنوا بالرجلين. فلم يبق إلّا علي وأبو ذر والمقداد وسلمان وبنو هاشم في أناس معهم يسير ، فقال عمر لأبي بكر : يا هذا ، قد بايعك الناس أجمعون ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر ، فابعث إليه.

فبعث إليه ابن عمّ لعمر يقال له قنفذ وقال له : انطلق إلى علي فقل له : أجب خليفة رسول الله. فانطلق فأبلغه فقال علي عليه‌السلام : ما أسرع ما كذبتم على رسول الله وارتددتم! والله ما استخلف رسول الله غيري ، فارجع وقل له : قال لك علي : والله ما استخلف رسول الله غيري ، وإنك لتعلم من خليفة رسول الله.

فرجع قنفذ إلى أبي بكر فبلّغه الرسالة. فقال أبو بكر : صدق علي ، ما استخلفني رسول الله!

ثم قال لقنفذ : اذهب إليه فقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر (٢).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٤ ، الحديث ٤ عن سلمان ، وكذا قال في قنفذ ، وفي موارد اخرى من كتاب سليم ليس سواه ، وعنه في الاحتجاج ولكنه قال : أحد بني تيم. وذكر مختصر الخبر في الإمامة والسياسة : ١٣ وقال : هو مولى أبي بكر. وانظر ترجمته في قاموس الرجال ٨ : ٥٢٩ برقم ٦٠٧٠ باسم : قنفذ بن عمير التيمي ، والمراد : تيميّ بالولاء.

(٢) كذا ، لكن يرد عليه تاريخيا : أن أول من تلقّب بذلك هو عمر وليس أبا بكر ، كما يأتي.

١٠٩

فرجع قنفذ حتى دخل على علي عليه‌السلام فأبلغه الرسالة ، فقال عليه‌السلام : انطلق إليه فقل له : والله لقد تسمّيت باسم ليس لك ، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك!

فرجع قنفذ فأخبرهما .. فقال له أبو بكر : يا قنفذ انطلق فقل له : أجب أبا بكر.

فعاد قنفذ فقال : يا علي ، أجب أبا بكر! فقال علي عليه‌السلام : انطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور ، فإني لفي شغل عنه ، وما كنت بالذي أترك وصيّة أخي وخليلي (١).

فالممتنعون من البيعة :

فسلمان لم يذكر في الخبر من الممتنعين عن البيعة سوى نفسه وأصحابه الثلاثة ، ولم يذكر بني هاشم ولا سائر الناس ، وإنما ذكرهم ابن عباس ، ولم يذكر نفسه ؛ لأنه كان ابن ثلاث عشرة سنة كما نقل عنه (٢) إلّا أنه أيضا اكتفى بالاجمال بلا تفصيل ، ولا في أيّ خبر آخر في كتاب سليم.

ولعل أوّل من فصّل أكثر من هذا هو الشيخ المفيد في «الإرشاد» فقال : قالت شيعته وهم : بنو هاشم (إجمالا أيضا) وسلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري ، وأمثالهم (إجمالا أيضا) من جلّة المهاجرين والأنصار : إنه كان الإمام وخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) فهو زاد أربعة على الأربعة ، ولم يسمّ من بني هاشم أحدا ، وإنما من سائر الناس.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٦٢ ـ ٨٦٤.

(٢) كتاب عبد الله بن عباس للسيد الفاني : ٢٣.

(٣) الإرشاد ١ : ٦ ، ٧.

١١٠

وسمّى السيد العسكري من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب وعتبة بن أبي لهب ، وزاد من غيرهم : أبيّ بن كعب والبراء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص الزهري وطلحة بن عبيد الله التيمي (١) ومعه صاحبه الزبير بن العوام الأسدي من أسد قريش وصهر أبي بكر على ابنته أسماء ، ولكن أمّه صفيّة بنت عبد المطلب عمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان مع بني هاشم. فهؤلاء سبعة مع أولئك الثمانية من الممتنعين عن البيعة لأبي بكر. وعن «كتاب السقيفة» للجوهري البصري : أن عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص والمقداد وناسا من بني هاشم كانوا في بيت فاطمة ، اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (٢).

بينما لم يكن في خبر سليم لا عن سلمان ولا عن ابن عباس حتى عن الأربعة أنهم كانوا معه في الدار ، وإنما في الأخير.

اقتحام دار علي عليه‌السلام :

قال : فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذا وأمرهما أن يحملا حطبا ونارا!

ثم أقبل ومعه خالد بن الوليد وقنفذ والحطب والنار ويحمل سيفا وسوطا حتى انتهى إلى باب علي عليه‌السلام فضرب الباب ونادى : يا ابن أبي طالب ؛ افتح الباب.

__________________

(١) معالم المدرستين ١ : ١٥٦ ، ط ٥ ، وذكر مصادره وأقدمها الجوهري البصري وإنما فيه الزبير والمقداد وسعد ابن أبي وقاص على رواية. كما عنه في شرح النهج للمعتزلي ٢ : ٥٦.

وذكر الأخير في العقد الفريد ٣ : ٦٣. وعنه العلامة في كشف الحق ، وعنه في بحار الأنوار ٢٨ : ٣٣٩. وفي تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٢ : طلحة والزبير ورجال من المهاجرين؟ وفي أمالي المفيد : ٤٩ : الزبير والمقداد. وكلها من غير طرقنا.

(٢) عن الجوهري البصري في شرح النهج للمعتزلي ٢ : ٥٦.

١١١

وكانت فاطمة قد نحل جسمها في وفاة رسول الله فعصّبت رأسها ، وهي قاعدة خلف الباب .. فقالت له : يا عمر ، ما لنا ولك؟ ألا تدعنا وما نحن فيه؟!

فقال لها عمر : افتحي الباب وإلّا أحرقناه عليكم!

فقالت : يا عمر ، أما تتّقي الله عزوجل تدخل عليّ بيتي وتحرق عليّ داري؟!

فدعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه (ففتحه) (١) فاستقبلته فاطمة تصيح : يا أبتاه يا رسول الله! فرفع سيفه بغمده فوجأها في جنبيها! ورفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت : يا أبتاه (٢)!

ووثب إليه علي عليه‌السلام فأخذ بتلابيبه وهزّه فصرعه ووجأ رقبته كأنه همّ بقتله ولكنه قال له : يا ابن صهاك ؛ والذي أكرم محمدا بالنبوة لو لا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي!

فدخل خالد بن الوليد وسلّ سيفه ليضرب عليا عليه‌السلام فحمل عليه الزبير بسيفه فأقسم عليه عليّ فكفّ عنه. وأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس ودخلوا الدار ... وأقبل أبو ذر وسلمان وعمّار والمقداد وبريدة بن الحصيب الأسلمي أعوانا لعلي عليه‌السلام فدخلوا الدار ... وقال بريدة لعمر : يا عمر أتثب على أخي رسول الله ووصيّه ، وعلى ابنته فتضربها؟! وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به!

__________________

(١) وفي تفسير العياشي ٢ : ٦٧ : وكان الباب من سعف (!) فضربه برجله فكسره ودخلوا. والظاهر عنه في الاختصاص : ١٨٦ وليس فيهما الاحتراق.

(٢) وهنا روى الكليني بسنده عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قالا : إنّ فاطمة عليها‌السلام أخذت بتلابيبه فجذبته إليها وقالت : يا ابن الخطاب أما والله لو لا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله فأجده سريع الإجابة. أصول الكافي ١ : ٤٦١.

١١٢

فرفع خالد سيفه بغمده ليضربه فمنعه عمر من ذلك (١).

وعليه فابن عباس يروي أنهم أقبلوا حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه‌السلام فلم يكونوا فيه إلّا الزبير ابن عمّتهما. وفي الخبر : إضرام النار في الباب وفتحه قسرا (وليس كسرا) وضرب فاطمة بالسوط وبغمد السيف في جنبيها فقط ، هذه صورة الحدث في حديث ابن عباس.

وأما صورة الحدث في حديث سلمان ، فإنه قال :

فأرسل إليه أبو بكر قنفذا ومعه أعوان (ولم يسمّهم) فانطلق فاستأذن على علي عليه‌السلام فأبى أن يأذن لهم ، فثبت قنفذ ورجع أصحابه فقالوا : لم يأذن لنا علي!

فقال لهم عمر : اذهبوا فإن أذن لكم ، وإلّا فادخلوا عليه بغير إذن!

فانطلقوا فاستأذنوا فأجابتهم فاطمة هذه المرة فقالت لهم : أحرّج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي! فثبت قنفذ ورجعوا وقالوا : إن فاطمة قالت كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.

فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء؟! وقام وأمر أناسا معه أن يحملوا الحطب! فحملوه وجعلوه على منزل علي عليه‌السلام ، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا :

يا علي ؛ والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، وإلّا أضرمت عليك!

فقالت له فاطمة : يا عمر ؛ ما لنا ولك؟

فقال لها : افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم.

فقالت له : يا عمر ؛ أما تتّقي الله تدخل عليّ بيتي؟!

فدعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه (ففتحه) ودخل.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٦٤ ـ ٨٦٥ ، الحديث ٤٨ لابن عباس ، وورد قول بريدة هذا في : ٥٩٣ ، الحديث ٤ عن سلمان ولكن ليس هنا بل في المسجد.

١١٣

فاستقبلته فاطمة وصاحت : يا أبتاه يا رسول الله!

فرفع عمر سيفه بغمده فوجأها في جنبها فصرخت : يا أبتاه!

فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت : يا رسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر!

ووثب إليه علي عليه‌السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ رقبته (وكأنّه) همّ بقتله ولكنه قال له : يا ابن صهاك ؛ والذي أكرم محمدا بالنبوة لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله لعلمت أنك لا تدخل بيتي!

فاستغاث عمر فدخل الناس الدار قنفذ وأصحابه ، فثار علي عليه‌السلام إلى سيفه فسبق إليه كثير منهم وتناول بعضهم سيوفهم وألقوا في عنقه حبلا ، يجرّونه به ، فلما صار عند باب البيت حالت بينه وبينهم فاطمة ... فحين حالت بينه وبين قنفذ أرسل إليه عمر : اضربها! فضربها بسوطه حتى ألجأها إلى عضادة الباب ودفعها فكسر ضلعها وألقت من بطنها جنينها!

قال سلمان : ولقد رأيت أبا بكر ومن حوله ما فيهم إلّا باك (لها) غير خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : لسنا من النساء ورأيهنّ في شيء (١)!

فسلمان بعد ذكره استغاثة عمر ودخول الناس الدار لم يذكر دخوله وأصحابه الدار عونا لعلي عليه‌السلام ، ولا حملة خالد بسيفه على علي عليه‌السلام لإنقاذ عمر ، ولا حملة الزبير بسيفه على خالد لدفعه عن عليّ عليه‌السلام.

ولكنه انفرد عن خبر ابن عباس بذكره إلقاء الحبل في عنق علي عليه‌السلام ، وحيلولة الزهراء دونه وضغط قنفذ لها بعضادة بابها فكسر ضلعها وإسقاط الجنين هنا.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٤ ـ ٥٨٨ ، الحديث ٤ عن سلمان ، وانفرد بأنها ما كان عليها خمار ، لعدم ذكره الزبير في الدار ، بينما ذكره ابن عباس فذكر أنها كانت معصّبة الرأس ، فهل كانت معصّبة الرأس بلا خمار عليها؟! اللهم إلّا أن لا يكون حتى الزبير معهم في الدار.

١١٤

والأعوان؟ والحوادث؟

مرّ في خبر سلمان : ومعهم أعوان ، أو ومعهم أناس ، ولم يسمّ سوى عمر وابن عمّه قنفذ وخالد بن الوليد ، وكذلك في خبر ابن عباس.

وفي خبر في «تفسير العياشي» زاد : أبا عبيدة بن الجرّاح وسالم بن معقل مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة الثقفي وعثمان بن عفّان الأموي (١) فهؤلاء سبعة رجال.

وزاد السيد العسكري : أسيد بن حضير الأوسي ، وثابت بن قيس الخزرجي ، وزياد بن لبيد ، وزيد بن ثابت ، وسلمة بن أسلم الخزرجي ، وسلمة بن سلامة الخزرجي ، وعبد الرحمن بن عوف الزهري (٢). فهؤلاء أربعة عشر رجلا (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٦٦.

(٢) معالم المدرستين ١ : ١٥٨ ، ١٥٩.

(٣) مرّ في خبر سلمان : أن كسر الضلع وإسقاط الجنين كان بضغط قنفذ لها بعضادة الباب لدفعها عن علي حين إخراجه عليه‌السلام. وفي الفضائل لابن شاذان (المتوفى ٢٦٠ ه‍) : ٩٠ : أنه ضربها على جنبها فكسر جنبها وألقت ولدها ، كما مثله في أمالي الصدوق : ١٠٠ ، بسنده عن ابن عباس ؛ بينما لا يذكر ابن عباس لسليم غير الضرب. وفي تفسير العياشي ٢ : ٣٠٨ : عن أحدهما قال : انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليّ بيته. وليس فيه تنفيذ الإحراق ، وكذلك في دلائل الإمامة : ٤٥٥ ، وكذلك في الاحتجاج ١ : ٢٠١ ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري. ولكن في مختصر بصائر الدرجات : ١٨٧ ، عن الصادق عليه‌السلام : إشعال النار على الباب ، وفي الشافي وتلخيصه ٣ : ٧٦ ، عن الثقفي في كتاب المعرفة وليس الغارات بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته.

١١٥

مطالبة البيعة منه عليه‌السلام :

وفي خبر سلمان قال : ثم انطلق بعلي عليه‌السلام يعتل عتلا حتى انتهي به إلى أبي بكر ، وأبو عبيدة بن الجرّاح وأسيد بن حضير وبشير بن سعد ، وخالد بن الوليد وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وناس آخرون عليهم السلاح وهم جالسون حول أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه! وعلي عليه‌السلام يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا.

ولما أن بصر به أبو بكر صاح : خلّوا سبيله! فقال علي عليه‌السلام :

يا أبا بكر ، ما أسرع ما توثّبتم على رسول الله؟ بأيّ حقّ وبأيّ منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟!

فانتهره عمر وقال له : بايع ، ودع عنك هذه الأباطيل.

فقال له عليه‌السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا : نقتلك!

فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله!

__________________

وفي اسقاط الجنين : جاء في كامل الزيارات : ٣٤٧ : عن الصادق عليه‌السلام أنها طرحته من الضرب. وفي دلائل الإمامة : ١٣٤ : عنه عليه‌السلام أيضا : أن ذلك كان بلكز قنفذ لها بنعل السيف بأمر عمر. وهذا أيضا يعني بعد الإخراج. وفي الاختصاص : ١٨٥ : عنه عليه‌السلام أيضا : أن ذلك كان يرفسها برجله لأخذ كتاب أبي بكر لها بفدك! وفي الاحتجاج ١ : ٤١٤ عن الشعبي وأبي مخنف عن الحسن عليه‌السلام قال للمغيرة بن شعبة أنه هو ضربها فألقت جنينها! وهذان خبران غريبان ، إلّا أن يكون الأخير بمعنى المشاركة لا الانفراد. وأول ما نرى نسبة الإسقاط إلى ما بين الباب هو ما جاء في لفظ الصدوق في معاني الأخبار : ٢٠٦ لما ضغطت بين البابين! ولعله يعني : ما بين الباب والجدار. أما نداء : آه يا فضة ... فمصدره ما نقله المجلسي في بحار الأنوار : ٣٠ : ١٥٨ ـ ١٦٣ عن المجلد ٢ من دلائل الامامة (؟!) عن كتاب عمر إلى معاوية ، فقط لا غير! ولم يعرف من هذا المجلد الثاني عين ولا أثر!

١١٦

فقال أبو بكر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فما نقرّ بهذا!

قال : أتجحدون أن رسول الله آخى بيني وبينه؟ قال : نعم ...

فأقبل علي عليه‌السلام عليهم وذكّرهم بأشياء قالها فيه رسول الله علانية للعامة ، منها حديث المنزلة والغدير ... فقال له أبو بكر : كلّ ما قلته حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا ، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا : إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا ، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. وصدّقه أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ، وعمر بن الخطاب ... وقال لأبي بكر : ما يجلسك على المنبر وهذا محارب لا يبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه! وكان الحسنان قائمين معه فلما سمعا مقالته بكيا ، فضمّهما علي عليه‌السلام إلى صدره وقال لهما :

لا تبكيا ، فو الله ما يقدران على قتل أبيكما (١).

وقام بريدة الأسلمي وقال لعمر : أتثب يا عمر على أخي رسول الله وأبي ولده؟! وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك به! ألستما قال لكما رسول الله : انطلقا إلى عليّ وسلّما عليه بإمرة المؤمنين ، فقلتما : أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال : نعم.

__________________

(١) بينما روى الكليني في روضة الكافي : ١٩٩ الحديث ٣٣٠ ما يفيد أنهما إنما أتيا مع أمهما فاطمة عليها‌السلام في أواخر الحجاج والمخاصمة وأنها رجعت بهم ، وكأن الخبر عن الباقر عليه‌السلام قال : لما اخرج بعلي عليه‌السلام خرجت فاطمة عليها‌السلام واضعة قميص رسول الله على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت : يا أبا بكر ، ما لي ولك؟! تريد أن تؤتم ابنيّ وترملني من زوجي؟! والله لو لا أن تكون سبّة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي! فقال بعضهم : ما تريد إلى هذا؟! (فتركوه) فأخذت بيده فانطلقت به. فقال الباقر عليه‌السلام : والله لو نشرت شعرها ماتوا طرّا.

وهذا مما يؤيد عدم سقوط الجنين في ذلك الحين بل بعد ذلك على أثر الضرب كما مرّ خبره.

١١٧

فقال أبو بكر : قد كان ذلك ، ولكنّ رسول الله قال بعد ذلك : لا يجتمع لأهل بيتي النبوة والخلافة! فقال بريدة : والله ما قال هذا رسول الله! فأمر به عمر فضرب وطرد.

وأقبلت أم أيمن وقالت لأبي بكر : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم؟! فقال عمر : ما لنا وللنساء؟! وأمر بها فاخرجت من المسجد.

فالتفت أبو بكر إلى علي عليه‌السلام وقال : قم ـ يا ابن أبي طالب ـ فبايع! فقال : فإن لم أفعل؟ قال : إذا ـ والله ـ نضرب عنقك! هذا والحبل في عنقه وبأيديهم ، فنادى رسول الله قال :

يا (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(١) ثم مدّ يده من غير أن يفتح كفّه فرضى أبو بكر بذلك وضرب بكفّه عليها (٢)!

إن أقوم وأقدم نصّ في الموضوع هذا الخبر عن سلمان ، ثم خبر آخر نحوه عن ابن عباس قال :

فانتهوا بعلي عليه‌السلام ملبّبا إلى أبي بكر ، فلما بصر به صاح : خلّوا سبيله! فقال له علي :

ما أسرع ما توثّبتم على أهل بيت نبيّكم يا أبا بكر! بأي حق وبأي ميراث وبأي سابقة دعوت الناس إلى بيعتك؟! ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

فقال له عمر : دع عنك هذا يا علي ؛ فو الله إن لم تبايع لنقتلنّك!

فقال علي عليه‌السلام : إذا أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول!

فقال عمر : أما عبد الله المقتول فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا!

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٨٨ ـ ٥٩٣.

١١٨

فقال علي عليه‌السلام : أما والله لو لا قضاء من الله سبق ، وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه لعلمت أيّنا أضعف ناصرا وأقل عددا!

فقام بريدة فقال لعمر : يا عمر ، ألستما اللذين قال لكما رسول الله : انطلقا إلى عليّ فسلّما عليه بإمرة المؤمنين. فقلتما : أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال : نعم.

فقال أبو بكر : قد كان ذلك يا بريدة ، ولكنّك غبت وشهدنا ، والأمر يحدث بعده الأمر!

وقال له عمر : وما أنت وهذا يا بريدة وما يدخلك في هذا؟ ثم أمر به عمر فضرب وأخرج.

ثم قام سلمان فقال لأبي بكر : يا أبا بكر ، اتّق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله ، تأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة ، ولا يختلف في هذه الأمة سيفان! فلم يجبه أبو بكر ، فأعاد سلمان قال :

قم يا أبا بكر عن هذا المجلس ودعه لأهله تأكلوا به والله رغدا خضرا إلى يوم القيامة ، وإن أبيتم لتحلبنّ به دما ، وليطمعنّ فيه الطلقاء ، والطرداء والمنافقون! والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعزّ لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما ، أتثبون على وصيّ رسول الله؟! فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء!

فانتهره عمر وقال له : مالك ولهذا الأمر؟ وما يدخلك فيما هاهنا؟ فقال له : مهلا يا عمر!

ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار وقالوا لعلي عليه‌السلام : ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربنّ بالسيف حتى نقتل.

فقال لهم علي عليه‌السلام : كفّوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله وما أوصاكم به! فكفّوا.

١١٩

وقال عمر لأبي بكر وهو على المنبر : ما يجلسك على المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك! أو تأمر به فنضرب عنقه؟ هذا والحسنان قائمان عند رأس أبيهما فلما سمعا مقالة عمر بكيا وصرخا : يا جدّاه يا رسول الله! فضمهما علي عليه‌السلام إلى صدره وقال لهما : لا تبكيا ، فو الله لا يقدران على قتل أبيكما ، هما أقل وأذلّ وأدحر من ذلك.

فأقبلت أم سلمة وأم أيمن فقالتا لأبي بكر : يا عتيق ، ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد! فقال عمر : ما لنا وللنساء! وأمر بهما أن تخرجا من المسجد!

ثم قال لعلي عليه‌السلام : يا علي قم فبايع. فقال علي عليه‌السلام : وإن لم أفعل؟ قال : إذا والله تضرب عنقك! فقال عليه‌السلام كذبت والله يا ابن صهاك ، لا تقدر على ذلك ، أنت أضعف من ذلك. ثم مدّ يده من غير أن يفتح كفّه فضرب عليها أبو بكر ورضى بذلك ، فتوجّه علي عليه‌السلام إلى منزله وتبعه الناس (١).

هذان خبران عن ابن عباس وسلمان عليهما الرضوان ، برواية سليم الهلالي العامري عنهما ، هما أقدم وأقوم ما لدى شيعة أهل البيت عليهم‌السلام من تفصيل مطالبتهم البيعة من علي عليه‌السلام ، وفيهما احتجاجه عليهم حتى بنص الغدير ، كما مر.

وروى الطبري الإمامي (ق ٤ ه‍) في «المسترشد» بسنده عن الإمام السجاد عليه‌السلام حدّث أبا حمزة الثمالي حديثا في ذلك جاء فيه : أخرجوه وانطلقوا به إلى أبي بكر حتى أجلسوه بين يديه! فقال له أبو بكر : بايع! قال : فإن لم أفعل؟ قال : إذا والله الذي لا إله إلّا هو نضرب أو تضرب عنقك! فالتفت إلى القبر وقرأ الآية ثم قام فبايع.

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٦٥ ـ ٨٦٨. وفي خبر تفسير العياشي ٢ : ٦٨ : أن ذلك بلغ العباس بن عبد المطّلب فأقبل يهرول ويقول : ارفقوا بابن أخي ولكم عليّ أن يبايعكم ، حتى وقف على عليّ فأخذ بيده وجرّها حتى مسح بها على يد أبي بكر ، وعليّ مغضب ، ثم خلّوه.

١٢٠