منّة المنّان في الدفاع عن القرآن

السيد محمّد الصدر

منّة المنّان في الدفاع عن القرآن

المؤلف:

السيد محمّد الصدر


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

جوابه : من عدة وجوه :

الوجه الأول : إنها صيغة تعجب كقولنا : ما أحسنها أو ما أعظمها. لكنه أخذها في الآية جانب الإثبات وهو الإدراك ، لا جانب الثبوت.

الوجه الثاني : إن المقصود الناس ، لأن القرآن أنزل إليهم ، وإن كان الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال المثل : إياك أعني فاسمعي يا جارة.

الوجه الثالث : إنه استفهام يراد به التعظيم ، وليس الاستفهام الحقيقي ، كما قلنا في درس الأصول : إن الاستفهام في مثل هذا المورد هو معنى أولي للفظ ، والتعظيم معنى ثانوي ، وهنا يراد المعنى الثانوي خاصة.

الوجه الرابع : أن تكون (أدراك) من الإدراك أي تحصيل منزلة تلك الليلة ، على معنى (إدراكك). فيكون استفهاما تعظيميا لذلك الإدراك.

سؤال : لما ذا أصبحت خيرا من ألف شهر. أو بالأحرى ما معنى ذلك؟

جوابه : من عدة وجوه :

الوجه الأول : إن العدد ليس للضبط فلا يفهم من الآية الحدية أي بشرط لا عن الزيادة والنقيصة ، بل المراد : شهور كثيرة جدا.

ورقم الألف أقصى رقم كان يتصوره العرب. وظهوره العرفي يدل على ذلك ، وإن كان الأصوليون يقولون بعدم إمكان إسقاط العنوان ، ولكن ذلك صحيح ما لم تقم قرينة ضده. والظهور العرفي هنا على هذا النحو.

إذن ، فيمكن أن يكون المراد أنها خير من الزمان كله لما فيها من الأوامر ومن العطاء.

الوجه الثاني : إن المشهور فسرها بألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقد ورد ذلك في بعض الأخبار (١). وهذا صحيح ، لأنها لو كانت فيها ليلة القدر لكانت مثلها ، ولم تكن دونها في الأهمية.

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٨ ، ص ٥٦٨.

٤٠١

كما أنه لم يقل : إنها ألف شهر متتابعة ، بل هي ألف شهر في الجملة. وإلّا كانت فيها ليلة القدر ، لتكررها كل سنة. فهي ألف شهر مشروطة بالتفرق.

الوجه الثالث : ورد تفسيره بملك بني أمية (١).

وفيه إشكالان :

الأول : عدم انطباقها على مدة ملكهم ، فقد كان أكثر من ألف شهر. وهذا صحيح. إلّا أننا عرفنا أن الألف تقريبي وليس مضبوطا. فيندفع الإشكال.

الثاني : إننا قلنا إن الشهور ينبغي أن تكون متفرقة لكي لا تكون فيها ليلة القدر. لأنها موجودة في كل سنة بضرورة الدين. ومدة ملك بني أمية متوالية ، إذن ، فقد حصلت خلاله ليلة القدر.

وجوابه : من وجوه :

الوجه الأول : أن نتنزل عن هذا التفسير وننفيه باعتبار ضعف الخبر.

الوجه الثاني : أن ننظر إلى مصداق هذا العنوان صرفا ، وهو ملك بني أمية بغضّ النظر عن الزمان. فإن المجتمع كان في ذلك الحين بائسا ، والعطاء الإلهي والكرم الرباني المتوقع لم يكن ينزل خلال مدة ملكهم. فكان وجود ليالي القدر فيها كعدمها. لأن ليلة القدر إنما هي بمنزلة المقتضي للعطاء لا علة تامة. وملكهم مانع عن العطاء الإلهي ، يعني عن تأثير المقتضي فيه. فمن الناحية العملية تكون ليلة القدر مفقودة في مدة ملكهم.

الوجه الثالث : إن المراد من ملك بني أمية ليس هو مؤداه المطابقي بل يمكن أن نفهم منه زمان انحطاط الفرد بحيث لا يستحق العطاء ، فلا ينزل

__________________

(١) انظر الدر المنثور : ج ٨ ، ص ٥٦٥ ، ومروج الذهب ، ج ٣ ، ص ٢٥٠.

٤٠٢

عليه العطاء فهي خير من ألف شهر بدون عطاء.

فقد أخذ في هذا التقدير ، وهو كونها خيرا من ألف شهر : أهمية العطاء في ليلة القدر. إذ بدونه تكون كالعدم. فإن الأوامر تنزل فيها على أي حال ، ولكن العطاء قد ينقطع.

سؤال : لما ذا قال : تنزّل. ولم يقل : تنزّل أو تنزل.

جوابه : من وجهين :

الوجه الأول : إن هناك قراءة بضم حرف المضارعة (١). وهي وإن كانت شاذة إلّا أنها تحفظ المعنى أولا ، ولا تخل بالسياق ولا بالنسق القرآنيين ثانيا ، ومحتملة ثالثا. والاحتمال مبطل للاستدلال.

الوجه الثاني : حسب فهمي ، فإن هذه الصيغة لها ثلاث مزايا :

الأولى : الأمر بالنزول. من حيث إن الملائكة مأمورون بذلك.

الثانية : حمل شيء خلال النزول. وهي الأوامر والعطاء الذي تحمله الملائكة وتوزعه في العالم الأدنى.

ونظيره في القرآن قوله تعالى (٢) : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ). أي لم تكن تحمله الشياطين معها. وقوله تعالى (٣) : (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ).

الثالثة : التدريجية في النزول. فإن الملائكة إذا كانوا مأمورين بالنزول. فقد ينزلهم الله تعالى إنزالا (أي دفعيا) لا تنزيلا (أي تدريجيا). ولكن حسب فهمي أنه لأجل إقامة القرينة على عدم الدفعية ، قال : تنزل ، بقصد نفي النزول الدفعي وإثبات التدريجي.

ومن هنا اتضح أن الصيغتين الأخيرتين المقترحتين في السؤال لا تفيدان

__________________

(١) انظر معجم القراءات القرآنية ، ج ٨ ، ص ٢٠٣.

(٢) الشعراء / ٢١٠.

(٣) الشعراء / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٤٠٣

المزيتين الأخيرتين قطعا. والثالثة لا تفيد المزايا الثلاث كلها أصلا. ومن هنا كان الرجحان للصيغة الأولى المشهورة.

وهنا قال في الميزان (١) ، باختصار : أصله تتنزل ، وفيه معنى التدريجية أقول : هل أن هذه الصيغة من الإنزال أو من التنزيل؟ مقتضى فهمه للتدريج هو الثاني. ومقتضى أصل المادة لغة هو الأول. فيقع في نحو من التهافت.

سؤال : ما المقصود بالروح في قوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ؟).

جوابه : ليس هناك معنى مشهوري في هذا الصدد. بل هناك آراء متعددة تصلح كل منها كأطروحة.

الأطروحة الأولى : إن المراد به جبرائيل عليه‌السلام. وخصّ بالذكر لأهميته ، بالرغم من اندراجه ضمن مفهوم الملائكة ، فيكون من عطف الخاص على العام ، أو قل : عطف الجزئي على الكلي.

الأطروحة الثانية : هو أعظم الملائكة. وفيه ما قلنا في الأطروحة الأولى.

الأطروحة الثالثة : هو خلق أعظم من الملائكة ، ولعله الأشهر بين جملة من المفسرين. وفي اعتقادي أنهم إنما ذكروه باعتبار ظهور التباين بين طرفي العطف : (الملائكة والروح) فلا يمكن أن يكون الروح مندرجا في معنى الملائكة.

وقد يدعم هذا الكلام : أن الملائكة والروح من سنخين : لأن وجود الملائكة من عالم الخلق والروح من عالم الأمر. وعالم الأمر أعلى من عالم الخلق. ومن سنخ آخر غير سنخه.

وبحسب فهمي فإن هذه الأطروحة بمنزلة (الكلي) والوجه الآتي أو الأطروحة الآتية تكون مصداقا وتطبيقا لها.

__________________

(١) ج ٢٠ ، ص ٣٣٢.

٤٠٤

الأطروحة الرابعة : ما قاله في الميزان (١) : والظاهر من الروح هو الروح الذي من الأمر قال تعالى (٢) : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).

أقول : إنه قدس‌سره لم يذكر ما معنى الروح في الآية بالتحديد. وواضح من السياق أن المراد منها الروح الإنساني. فإن الروح الواقعية التي عند الله للإنسان هي التي تنزل مع الملائكة ، في ليلة القدر. وهي من عالم الأمر وهي أيضا في حقيقتها خلق أعظم من الملائكة ، فحصل الوفاق بين عدد من الأطروحات.

سؤال : إن الملائكة جمع ، والروح مفرد. فلما ذا قال ذلك؟

جوابه : من عدة وجوه :

الأول : إن المراد بالروح الجنس ، وهو بمعنى الجمع. يعني تنزل الملائكة والأرواح. فالأول جمع نحويا والثاني جمع معنويا. وهذا يكفي.

الثاني : أن يلحظ الفرد فقط ، ولكل فرد روح واحدة. وهذا اللحاظ غير موجود في الملائكة.

الثالث : إن الروح واحدة لا تتعدد طبقا لكل الأطروحات السابقة في فهمها. فهي وجود واحد ، فلا بد من التعبير عنه بالمفرد. ولا يمكن بالجمع.

سؤال : ما هو معنى الإذن في قوله تعالى : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)؟

جوابه : قال الراغب (٣) : والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه. وقال في الميزان (٤) : وهو إعلام عدم المانع منه.

أقول : وهذا لا يكفي لأن المفهوم متشرعيا كون الملائكة مأمورين إلزاما بالنزول. فكيف يجتمع الإذن الترخيصي والأمر الإلزامي. وهذا المعنى لم يتعرض له السيد في الميزان.

__________________

(١) الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣٣٢.

(٢) الإسراء / ٨٥.

(٣) المفردات ، مادة : «اذن».

(٤) ج ٢٠ ، ص ٣٣٢.

٤٠٥

هناك عدة أطروحات لفهم معنى الإذن.

الأولى : إن المراد بالإذن الوجوب والإلزام. يعني عدم المانع المقترن بالمقتضي والشرط. فهو بالمعنى الأعم على معنى الإمكان العام الشامل للإمكان والوجوب. فيكون الإذن هنا شاملا لمعنى الترخيص والإلزام. والحصة المرادة هنا خصوص الإلزام.

الثانية : إن الملائكة راغبون في النزول لأنه عملهم وعبادتهم. فإذا ارتفع المانع أثر المقتضي أثره بالنزول. وممّا يشعر بهذه الرغبة كونهم يستغفرون لمن في الأرض. كما تشير بعض الآيات الكريمة (١).

الثالثة : إن النازل ليس كل الملائكة بل بعضهم ، فمن الممكن أن تكون المسألة اختيارية لأفرادهم. وإن كان الأمر بنحو الوجوب الكفائي. فكل واحد منهم يشعر أنه ينزل برخصة لا بإلزام. وهذا يصدق بطبيعة الحال في عالم المحو والإثبات. وهو العالم الذي يحس به الملائكة ، كما نحسّ به. لا في عالم اللوح الأعلى.

فإن قلت : إن الملائكة مطلعون على كلا العالمين. باعتبار وجودهم في الملأ الأعلى. فيكونون مدركين للإلزام لا للإذن.

قلنا : كلا. إن الملائكة غير مطلعين على القضاء الحتمي. بل على عالم المحو والإثبات فقط. لأنه هو الخاص بعالم الكثرة ، وهو العالم الذي يحس به الملائكة والإنس والجن كلهم.

سؤال : ما معنى الأمر في قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)؟

جوابه : للأمر قسمان رئيسان هما : مفرد أوامر ومفرد أمور. وكل منهما ينقسم على ثلاثة أقسام :

القسم الرئيسي الأول : هو مفرد أوامر ، وهو بمعنى الطلب. وهو المعنى المشهور للمفسرين. وفيه ثلاثة أطروحات :

__________________

(١) قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ). الشورى / ٥.

٤٠٦

أـ إنه الأمر الموجود في اللوح المحفوظ في الجانب الأعلى ، فيأخذه الملائكة وينزلون به.

ب ـ إنه الأمر الموجود في الجانب الأسفل. إذ يكون الملحوظ تنفيذ الأوامر وتطبيقها على وجه الأرض.

ج ـ إنه الأمر الموجود في الجانب الأوسط. يعني أن يكون الملحوظ هي الأوامر التي تحملها الملائكة حال هبوطها. بغضّ النظر عن مصدرها الفوقاني وموردها التحتاني.

وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أمر أغفله المفسرون ، وهو أن النزول بالأوامر العليا ينقسم على قسمين : نزول ثبوتي ونزول إثباتي.

ونريد بالنزول الثبوتي ، ما يريده المشهور من أن الملائكة تنزل بالأوامر وتطبقها على وجه الأرض.

ونريد بالنزول الإثباتي ، قيام الملائكة بتعريف تلك الأوامر للأولياء ، لكي تنزل إلى عالم التطبيق تدريجيا.

ومن المعلوم أن النزول الثبوتي لا يكون في ليلة القدر بل خلال سنة كاملة. بخلاف النزول الإثباتي ، فإنه خاص بها. ومعه يتعذر أن نفهم من النزول ما يريده المشهور وهو الثبوتي. بل يتعين المعنى الآخر له.

القسم الثاني الرئيسي للأمر : أن يكون المراد هو مفرد أمور أي أشياء. فيكون المعنى : بإذن ربهم من كل شيء. وينقسم على ثلاثة أطروحات أيضا مقابلة لأطروحات القسم الأول :

١ ـ الجانب الأعلى (المحمول منه) وهو ما خرجت منه الأوامر.

٢ ـ الجانب الأسفل (المحمول إليه) وهو ما تطبق فيه الأوامر.

٣ ـ الجانب الأوسط (الحامل) وهم الملائكة الحاملون للأوامر.

فإن قلت : إن الأمر إذا كان بمعنى الشيء كان بمعنى العطاء الذى تحمله الملائكة ، وخرج عن كونه أمرا بمعنى مفرد الأوامر. مع أن الملائكة تحمله أيضا.

٤٠٧

قلت : إن الأمر (مفرد الأمور) يشمل الأمر (مفرد الأوامر) لأن الأوامر بهذا المعنى هي أشياء. فالملائكة تحمل أشياء عديدة ، منها عطاء ومنها أوامر.

سؤال : ما هو معنى من في الآية الكريمة؟

جوابه : إنهم ذكروا ل «من» عدة معان :

الأول : إنها بمعنى الباء. أي بكل أمر.

وهذا يمثل بحسب فهمي المرحلة الوسطى ، من المراحل المشار إليها. فيما سبق. والملائكة تحمل أمورا (سواء بمعنى الأشياء أو بمعنى الأوامر) وتنزل بها. قال الله تعالى (١) : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).

ويرد عليه : أنه يكون المعنى : إنهم حاملون لكل الأمور ونازلون بها.

وهذا ما لا تطيقه الملائكة ، لأن مجموع الأمور والأوامر كثيرة جدا ، بل هي لامتناهية ، والمحدود لا يطيق تحمل غير المحدود.

وجوابه : إننا هنا نحتاج إلى تقييد ما ، أي نقول : بكل أمر خاص. كأن يكون خلال سنة. أو للمخلوقين أو للدنيا. فتكون الأمور والأوامر متناهية ، فلا بأس أن تحملها الملائكة.

فإن قلت : الظاهر عدم الحذف والتقدير. فإنه خلاف الظاهر إلّا بقرينة متصلة.

قلت : إن البحث اللغوي لا يكون له دور هنا. ولكن ـ مع ذلك ـ فإننا يمكن أن نفهم من السياق أن المراد من كل أمر ليس كل الأوامر اللامتناهية. وإنما المتعلقة بالعدل ونحو ذلك. فهي أوامر محددة. أي من كل أمر مناسب. فهو تقييد ارتكازي أو معنوي لا لفظي فيمكن أن تحمله الملائكة.

الثاني : إنها بمعنى «التسبيب» أي تسبيب الأمر الإلهي إلى النزول. أو

__________________

(١) الشعراء / ١٩٣.

٤٠٨

قل : بسبب كل أمر. وهو يمثل السبب أو المرحلة العليا من الثلاث السابقة.

فإن قلت : إن الظاهر هو السببية التامة أو العلية. وهي تصح إذا كان الأمر بمعنى الطلب لا بمعنى الأشياء (مفرد أوامر لا مفرد أمور) فإنها على التقدير الآخر تكون مناسبة مع العلية الناقصة ، فتكون «من» قرينة متصلة على فهم مفرد أوامر لا مفرد أمور.

قلت : إن النحويين حين يقولون إن المراد من الحرف هو السببية لا يعنون بها السببية التامة ولا الناقصة ، بل الأعم منهما. والمورد هنا بالمعنى (الفلسفي) اقتضائي وليس عليّا ، وهو مناسب مع كلا المعنيين. فلا تكون القرينة المذكورة صحيحة.

الثالث : إنها للتعليل بالغاية ، من حيث إن العلة هي تطبيق الأوامر. وهي تمثل المرحلة الثالثة من الثلاث السابقة.

فإن قلت : ولكن توزيع الأوامر لا يكون في ليلة القدر بل في سنة كاملة.

قلت : جوابه على أحد شكلين :

الأول : النزول بكل أوامر السنة يكون بفعل المعصوم (ع). وهو العلة الغائية للتدبير.

الثاني : إن النزول اقتضائي لا علّيّ. فلو توخينا العلية أو الفعلية ، لتنفيذ هذه العطاءات فلا بد من مرور سنة ، إلّا أنه لا بأس أن ينزل كله في ليلة نزولا اقتضائيا ، ويبقى موقوفا تطبيقه على شرط حصول زمنه.

الرابع : ما اختاره في الميزان ، حيث قال (١) : والحق أن المراد بالأمر إن كان الأمر الإلهي المفسر بقوله (٢) : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ

__________________

(١) ج ٢٠ ، ص ٣٣٢.

(٢) يس / ٨٢.

٤٠٩

فَيَكُونُ). فمن للابتداء ، وتفيد السببية ، والمعنى تتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بإذن ربهم مبتدأ تنزلهم وصادرا من كل أمر إلهي.

وإن كان هو الأمر من الأمور الكونية والحوادث الواقعة ، فمن بمعنى اللام التعليلية ، والمعنى تنزل الملائكة والروح في الليلة بإذن ربهم لأجل تدبير كل أمر من الأمور التكوينية.

أقول : يرد عليه عدد من الإشكالات السابقة.

الخامس : إن من للتبعيض. أي بعض الأمور أو الأوامر أو الأعم منهما. فإنه لا حاجة إلى نزولها كلها ، بل تنزل بمقدار الحاجة.

سؤال : عن معنى السلام في قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

جوابه : قال الراغب في المفردات (١) : السلام والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة. قال تعالى : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). أي متعرّ من الدغل. فهذا من الباطن. وقال تعالى : (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها). فهذا من الظاهر.

أقول : ويستعمل بمعنى السلامة من البلاء الدنيوي. وكذلك العافية من كل بلاء ومادة سلام لها معنيان :

الأول : ضد المرض.

الثاني : ضد الحرب.

وكلاهما ضد البلاء الدنيوي ، فهي سبب السلامة وعدم تكدّر البال. وهذا هو المشهور. ولكنه على خلاف المعنى الأصلي إذ لا فرق بين المؤنث والمذكر. وعلى أي حال ، فالسلام في السورة ، خير إلهي ورحمة إما بعطاء جديد أو دفع بلاء محتمل في الحرب مع الشهوات والشياطين وفسقة الإنس والجن.

__________________

(١) المفردات ، مادة : «سلم».

٤١٠

وذكر العكبري معنى آخر حيث قال (١) : في سلام وجهان : أحدهما : هي بمعنى مسلّمة أي تسلم الملائكة على المؤمنين أو يسلم بعضهم على بعض. والثاني بمعنى سلامة أو تسليم. فعلى الأول هي مبتدأ وسلام خبر مقدم.

أقول : والسلام ظرف «أي وقت سلام» ولم يشر إليه لأنه مفهوم ضمنا.

وقال في الميزان (٢) : وقيل المراد به أن الملائكة يسلمون على من مرّوا به من المؤمنين المتعبدين.

أقول : وهو ليس بصحيح ، لأن الملائكة تسلم على من ترسل إليه لا على من تمر به. وعطاؤهم إما السلام أو أنهم يسلمون لهم شيئا من الله سبحانه.

والمعنى الآخر بمعنى السلامة أي التسليم ، أي التسبيب للسلامة. أو قل : إيجاد سبب السلام ، كما يقال : سلمك الله أي أوجد السلامة فيك.

وأضاف العكبري (٣) : حتى متعلقة بسلام أي الملائكة مسلّمة إلى مطلع الفجر. ويجوز أن يرتفع هي بسلام على قول الأخفش (أي المبتدأ المتأخر بالخبر المتقدم). وعلى القول الثاني : ليلة القدر ذات تسليم أي ذات سلامة إلى طلوع الفجر. وفيه التقديران الأولان : (يعني تعلق حتى بسلام وقول الأخفش). ويجوز أن يتعلق حتى بتنزل.

أقول : وفي دعاء الصحيفة السجادية وصف ليلة القدر بأنها : (التي هي من كل أمر سلام). يعني سلام هي من كل أمر. وقد تقدم الجار والمجرور لفظيا في حين هو متعلق بسلام وليس بتنزل كما هو ظاهر العبارة ومسلك مشهور المفسرين.

ويتحصل المعنى من هذا الدعاء ضمن عدة أطروحات :

__________________

(١) ج ٢ ، ص ١٥٦.

(٢) ج ٢٠ ، ص ٣٣٣.

(٣) ج ٢ ، ص ١٥٦.

٤١١

الأولى : أن يقصد بقوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) : الأمر الخبيث ، فيكون المراد السلامة والنجاة من كل أمر سيئ.

وقد يجاب : إن الملائكة والروح هي التي تنزل بالأمر ، وهي أجل من أن تنزل بأمر سيئ.

وجوابه : أولا : إنها قد تكون جملة مستأنفة لا علاقة لها بما سبق.

ثانيا : إن الملائكة قد يحملون أمورا سيئة ، لأنهم ينزلون بالخير والشر معا. وتكون ليلة القدر نجاة مما يحملون من السوء.

الثانية : أن نفهم من الأمر الجيد والعلوي من العطاء وعندئذ لا يمكن أن نحمل السلام على معنى النجاة ، بل يجب أن نحمله على ما يناسب السياق وهو الاتصاف به لا النجاة منه.

ووصف الليلة بالمصدر (هي سلام) كوصف زيد بالعدل (زيد عدل) أي عادل. وهو مجاز وتأويله : إما اسم فاعل أي مسلمة أو سبب السلام أو ظرفه. وإما بتقدير مضاف أي ذات سلام. أو أنه بمعنى أفعل التفضيل كما احتمله القاضي عبد الجبار (١).

وقال في الميزان (٢) : والآيتان ، أعني قوله : تنزل الملائكة ... إلى آخر السورة في معنى التفسير لقوله (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

أقول : أو أنها بمنزلة الجواب ، عن أنها لما ذا كانت خيرا من ألف شهر. لأن الملائكة لا تنزل في ألف شهر ، بل في ليلة القدر.

سؤال : ما معنى حتى في قوله : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

جوابه : إنها بمعنى إلى.

سؤال : مطلع الفجر ما معناه؟

__________________

(١) تنزيه القرآن عن المطاعن / سورة القدر.

(٢) ج ٢٠ ، ص ٣٣٣.

٤١٢

جوابه : فيه عدة أطروحات :

الأولى : الفجر بعد الليل ، وهي المشهورة.

الثانية : أنه يكون بعد ليل البلاء. والفجر فجر السلامة من البلاء.

الثالثة : أنه يكون بعد ليل الضلال ، وهو فجر الهداية.

الرابعة : أن يكون بعد ليل الدنيا ، لأن الدنيا غاية همنا ومبلغ علمنا ، فنخرج من هذا الحال ، وندخل في حال أفضل.

الخامسة : إنه فجر العطاء بعد ليل الحرمان من العطاء.

فإن قلت : ولكن السياق واضح بأنها ليلة عظيمة ، فكيف نفهم مطلع الفجر؟

قلت : هذا يحتاج إلى درجة من الفهم الباطني. فإما أن نفهم أن كل عبارة مستقلة عن الأخرى. وإما أن يختلف معنى مطلع الفجر ، فيمكن أن يحصل فجر الهداية أو فجر العطاء خلال ليلة القدر لا في نهايتها. وهو فجر معنوي وليس بمادي.

٤١٣
٤١٤

سورة العلق

في تسميتها عدة أطروحات :

الأولى : العلق. وهي المشهورة.

الثانية : القلم وهي مشهورة أيضا (١).

الثالثة : السورة التي ذكر فيها العلق أو التي ذكر فيها القلم.

الرابعة : اقرأ. بصفته اللفظ الأول في السورة بعد البسملة.

الخامسة : رقمها من المصحف الشريف وهو ٩٦.

سؤال : هل أن هذه السورة نزلت : أول ما نزل من القرآن؟

جوابه : أنه يوجد في أذهان المتشرعة ، إلى حد يوجب الاطمئنان : أن هذه السورة هي أول ما نزل من القرآن. وقد وردت في ذلك روايات كما في الصحيحين. والدر المنثور وغيرها. نعرض الرواية كما في الدر المنثور أولا. ثم نناقش متنها (٢).

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح.

__________________

(١) هناك سورة أخرى باسم سورة القلم أيضا وهي : ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ. فتصح أطروحاتنا هنا إذا سمينا تلك السورة باسم آخر مثل : ن. على ما سيأتي من أطروحات اسمها. لوضوح أن تسمية سورتين باسم واحد يكون منشأ للاشتباه.

(٢) نقلا عن الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣٢٧.

٤١٥

ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه. وهو التعبد ، الليالي ذوات العدد. قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ، فيتردد لمثلها.

حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ. فقال : ما أنا بقارئ. قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ. قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني. فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).

فرجع بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد. فقال : زملوني زملوني. فزملوه ، حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة : كلا. ما يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت خديجة ، حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة. وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خبر ما رأى. فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى. يا ليتني أكون فيها جذعا ، يا ليتني أكون فيها حيا. إذ يخرجك قومك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أو مخرجيّ هم؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلّا عودي. وإن يدركني يومك أنصرك

٤١٦

نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.

أقول : وفي هذه الرواية عدة إشكالات :

أولا : عدم صحة سندها.

ثانيا : إن أول ما نزل من القرآن الكريم ، هو البسملة ، وليس اقرأ باسم ربك.

ثالثا : إن في الرواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاف من جبرائيل (ع). ولا مبرر لذلك الخوف البتة.

رابعا : إن جبرائيل (ع) قال له : اقرأ ، بدون أن يعرض عليه كتابا أو صحيفة. فلا يكفي الاعتذار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ما أنا بقارئ.

خامسا : لنا أن نتساءل : لما ذا عاقبه جبرائيل (ع) وهو يمثل رحمة الله الواسعة. وقد كان صادقا في كلامه بأنه ليس بقارئ فهو لا يستحق العقوبة.

سادسا : دلالة الرواية على أنه لم يعلم أنه نبي أو رسول!!

قال في الميزان (١) : وسكون نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله في كونه نبيا إلى قول رجل نصراني مترهب. وقد قال تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي). وأي حجة بينة في قول ورقة؟ وقال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). فهل بصيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله هو سكونه إلى ورقة؟ وبصيرة من اتبعه هو سكون أنفسهم إلى سكون نفسه إلى ما لا حجية فيه قاطعة. وقال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ). فهل كان اعتمادهم في ثبوتهم على مثل ما تقصه هذه القصة؟

جزى الله صاحب الميزان خيرا.

__________________

(١) ج ٢٠ ، ص ٣٢٩.

٤١٧

سؤال : لما ذا بدأت السورة بفعل الأمر : اقرأ؟

جوابه : أولا : إن المسألة اختيارية ، كما بيّنا قاعدته العامة في المقدمة.

ثانيا : إن هذا متكرر في القرآن ، ولا بأس به. لوجود سورة أخرى بدأت بفعل الأمر ، كقوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى).

ثالثا : إن السورة ، على المشهور ، أول ما نزلت من القرآن الكريم ، فتكون اقرأ ، أي القرآن الكريم. فتكون تبشيرا بنزوله ، وتكليفا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاستماع إليه وتبليغه.

سؤال : ما هو المقروء في اقرأ؟

جوابه : من عدة وجوه ، بعد الالتفات إلى أنه لا يوجد مفعول به لفظي ، كما هو معلوم ، كما لا يوجد مفعول مقدر ، لوضوح تعمد الإطلاق من هذه الناحية. وإنما غايته أنه يوجد مفعول معنوي. لأن غض النظر عن المفعول به مطلقا ، مما لا يمكن. ونبدأ الآن بوجوه الجواب.

الأول : ما أشار إليه العكبري (١) والطباطبائي (٢) : من أن المفعول : اسم ربك. والباء زائدة ، كقول الشاعر : لا يقرأن بالسور. وذلك لأن قرأ متعدية بنفسها لا بالباء.

الثاني : ما أشار إليه العكبري أيضا (٣) : من أن التقدير اقرأ مبتدأ باسم ربك. كما قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فهو تعليم عام للبشرية من هذه الناحية.

فإن قلت : فإن البسملة جزء من السورة ، فيكون المضمون متكررا بلا موجب.

قلت : إن ذلك كرر تأكيدا لكثرة غفلة البشر عنه. والتكرار بغير اللفظ

__________________

(١) ج ٢ ، ص ١٥٦.

(٢) ج ٢٠ ، ص ٣٢٣.

(٣) ج ٢ ، ص ١٥٦.

٤١٨

لا يكون سمجا. مضافا إلى اختلاف المتعلق ، فإنه في البسملة خاص بالسورة ، وفي اقرأ عام لكل الأمور.

نعم ، لو تنزلنا عن هذه الأجوبة ، فإن قرينة التكرار تدل على أن هذا الوجه غير مقصود. كما أننا لو تنزلنا عن جزئية البسملة للسورة لم يلزم التكرار.

الثالث : اقرأ القرآن على الناس. كما قال تعالى (١) : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ). وهذا ما ذكره الطباطبائي (٢) ونفاه. ولم يستدل على نفيه.

الرابع : إن المراد مطلق القراءة ، يعني : اقرأ أي شيء باسم الله سبحانه. وهو ما ذكره الطباطبائي (٣) أيضا ونفاه ، ولم يستدل على نفيه. ونحن إذا أمكننا أن نفهم من القرآن عدة معان. فكل معنى معقول ، يكون داخلا تحت التوقع.

الخامس : اقرأ ، بمعنى قل. يعني اذكر الله سبحانه بأحد أسمائه. كقوله تعالى (٤) : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).

السادس : ما اختاره الطباطبائي (٥) من أن المقصود : الأمر بتلقي الوحي من الملك النازل به. فالجملة أمر بقراءة الكتاب وهي من الكتاب ، كما لو قلت في الرسالة : اقرأ كتابي هذا. أو لفظ القرآن في القرآن ، فإنه قرآن بالحمل الأولي وبالحمل الشائع.

أقول : فيكون المعنى على ما اختاره : انتبه أو اجمع في ذهنك الوحي أو احفظه في ذهنك ، مما يلقيه الملك إليك.

ولكن هذا المعنى بنفسه مما ينفيه قوله تعالى (٦) : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ

__________________

(١) الإسراء / ١٠٦.

(٢) الميزان ج ٢٠ ، ص ٣٢٣.

(٣) المصدر والصفحة.

(٤) الأعراف / ١٨٠.

(٥) ج ٢٠ ، ص ٣٢٣.

(٦) القيامة / ١٧.

٤١٩

وَقُرْآنَهُ). فالنظر في هذا الوجه ، إلى الأسباب لا إلى المسبّب.

مضافا إلى أن الرغب قال (١) : والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل. وليس يقال ذلك لكل جمع. أقول : أي إن القراءة هي جمع الحروف اللغوية وضمّها. لا الحروف التي تنزل بالإلهام والوحي. وإنما سميت قراءة مجازا. إن كانت هناك قراءة. فإن التلفظ للملك أو الله سبحانه. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو السامع وهو غير القارئ.

فضبط الوحي وجمعه وإن كان من تكليفه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا أنه ينطبق عليه عنوان القراءة مجازا. وحمل اللفظ على المجاز خلاف الأصل.

ويستنتج الطباطبائي قدس‌سره : بأن هذا يدل على أن اقرأ أول ما نزل من القرآن الكريم. فيكون المعنى : اقرأ القرآن الذي سوف يوحى إليك. إلّا أن هذا فرع اختيار هذا الاحتمال وظهوره فيه. وقد عرفنا مناقشته. فإذا بطل هذا الوجه ، بطلت نتيجته أيضا.

واستنتج أيضا منها (بتقريب هنا) : إن مادة القراء فيها جنبتان نستطيع أن نسمي الأولى : قرآن بالحمل الأولي ، والثانية : قرآن بالحمل الشائع ، يعني الجزء من القرآن. وكلاهما قرآن ، وهو يمثل أي قراءة. كما قال الطباطبائي كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه : اقرأ كتابي هذا واعمل به. فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب وهو من الكتاب ... إلخ.

وبهذا ظهر الجواب على السؤال الذي أفاده العكبري (٢) : وهو فيما يتعلق بالباء. حيث قال : قيل الباء زائدة (لأن اقرأ متعدّ بنفسه فيكون المفعول به حقيقة هو الاسم مع زيادة الباء) ... وقيل دخلت لتنبه على البداية باسمه في كل شيء. كما قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فعلى هذا يجوز أن يكون حالا أي اقرأ باسم ربك.

أقول : أي متعلق بمفعول محذوف. أي اقرأ شيئا باسم ربك. وهو

__________________

(١) المفردات مادة : «قرأ».

(٢) الإملاء ج ٢ ، ص ١٥٦.

٤٢٠