القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

٣٩ ـ التقية

(انما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية ، اذا لم يمكن رفعها ولم يكن بد من المسح على الحائل ولو بالتأخير إلى آخر الوقت. وأمّا في التقية فالأمر أوسع (١) ، فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه ، وإن امكن بلا مشقة ، نعم لو امكنه ـ وهو في ذلك المكان ـ ترك التقية وإراءتهم المسح على الخف مثلا ، فالاحوط بل الاقوى ذلك (٢) ولا يجب بذل المال لرفع التقية (٣) بخلاف سائر الضرورات والاحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها مطلقا. لو ترك التقية في مقام وجوبها ومسح على البشرة ففي صحة الوضوء ، اشكال (٤).

(١) كما عن البيان وجامع المقاصد والرياض وغيرها ، بل لعله المشهور. خلافا لما عن صريح المدارك وبعض المتأخرين ، بل ظاهر كل من تمسك على مشروعية التقية (١) بأدلة نفي الحرج والضرر ، وربما نسب إلى الشيخ في الخلاف

__________________

(١) التقية هي التحفظ عن الضرر ودفعه ، وهي قد يكون بمعناها الاعم فهي غير

٢٦١

وكأنه لدعوى عدم الدليل عليه ، إذ لا إطلاق لخبر أبي الورد الوارد في المقام كما

__________________

ممنوعة لحديث رفع التسع (ما اضطروا إليه) ولحديث نفي الضرر (لا ضرر ولا ضرار) ولنفي العسر والحرج وغير ذلك ، بل قد تجب كحفظ النفس والعرض مثلا وقد تكون من الكفار ومن بعض الفرق غير المشهورة من العامة كالخوارج ، وبعض الفرق من الشيعة كالزيدية والاسماعيلية وقد تكون من العامة في الدين وهذه هي المرادة هاهنا وهي بمعناها الخاص كما ان السابقة بمعناها العام ، ونحن نتعرض لحكمه فيما يأتي في ضمن مسائل التقية بمعناها الخاص ، وهي واجبة بحسب الاحاديث كقوله : عليه‌السلام ولا ايمان له لا تقية له في جملة من الروايات منها صحيحة معمّر (الوسائل ج ١٦ / ٢٠٤) وصحيحة ابن أبي يعفور (المصدر ٢٠٥).

وقد تكون محرّمة كما اذا استلزمت وهن المذهب أو الدين كما في دفاع الامام الشهيد حسين بن علي عليهم‌السلام وجماعة من اصحاب أمير المؤمنين وغيره وكما اذا استلزمت قتل النفس فانه انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية (فلا تقية) لاحظ الباب ٣١ من أبواب الامر والنهي من الوسائل (كتاب الجهاد). ، وقد تكون مستحبة اذا كان لغير دفع الضرر ، بل لدفع التنافر والتباغض وتشتت الكلمة كقوله عليه‌السلام في صحيحي حماد والحلبي (الباب الخامس من أبواب الجماعة من الوسائل الحديث : ١ ، ٤) : من صلى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصف الأوّل. وفي اجزاء هذا النحو من التقية من المامور به الواقعي في غير الصلاة وجهان ، وعلى كل لا يكفي لوجوب التقية بمعناها الاعم ، الضرر اليسير على الاظهر ولكنه يكفي لوجوب التقية بمعناها الخاص إلّا ان يكون يسيرا جدا.

٢٦٢

تقدم في الضرورة غير التقية ، ومثله ما عن تفسير العياشي (١) الوارد في جواز رد الشعر ـ يعني الغسل منكوسا ـ إن كان عنده أحد. مع أن في العمل به لضعفه إشكالا ، وكذا في التعدي عن مورده إلى المقام. وأشكل منه مكاتبة ابن يقطين المتقدمة (٢) فان موردها عدم المندوحة مطلقا حتى من حيث الوقت ، بشهادة اشتمالها على الأمر بالتقية في جميع الازمنة والأمكنة. ومثلها رواية داود الرقي (٣). وأما أخبار الحث على الصلاة معهم التي عقد لها في الوسائل بابا في صلاة الجماعة (٤) ، فموردها صورة الخوف في ترك الحضور في مواضع التقية ، وفي ترك العمل على تقدير الحضور ، فلا تشمل صورة عدم الخوف في ترك الحضور أو ترك العمل على تقدير الحضور (٥).

والأخبار العامة الدالة على مشروعية التقية ـ مثل : ـ التقية ديني ودين آبائي ، وأن من لا تقية له لا دين له ، أو لا أيمان له (٦) ونحوها (٧) لا تدل على

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) وهي باب : ٥ من أبواب صلاة الجماعة ، ويوجد في غيرها أيضا.

(٥) ولبعضها اطلاق يدل على المراد كما يأتي ان شاء الله تعالى. واما الأحاديث المتقدمة المذكورة في المتن فاسنادها لا يخلو عن ضعف وأشكال.

(٦) في صحيح معمر عن الرضا عليه‌السلام .. التقية من ديني ودين آبائي. (الوسائل ج ١٦ / ٢٠٤) واما الجملة : التقية ديني. من دون كلمة من الجارة كما في التنقيح

٢٦٣

الاجزاء ، فضلا عن شمولها لصورة المندوحة. اللهم إلّا أن يقال : إن ظاهر كونها دينا الاجزاء ، وإطلاقها يقتضي الشمول لصورة وجود المندوحة عرضية وتدريجية. ولأجل ظهورها في التحريض على التقية والترغيب فيها افترقت عن أدلة تشريع الابدال الاضطرارية ، فان منصرف تلك الادلة صورة عدم المندوحة ، بخلاف هذه الأدلة ، فهذا اللسان من البيان نظير قول القائل : «الكرم سجيتي وسجية آبائي» ، فانه ظاهر في عموم الحكم لصورة وجود المندوحة وعدمها.

وأم مصحح زرارة وغيره : «التقية في كل شيء ، وكل شيء يضطر إليه ابن

__________________

ـ أيضا فلا اجدها عاجلا. الا في رواية المعلى (الوسائل ج ١٦ / ٢١٠) على نسخة البصائر لكن في الكافي من ديني (المصدر ٢٣٧) ثم إن هذه الجملة وردت في صحيح معمر بن خلّاد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القيام للولاة؟! فقال : قال ابو جعفر عليه‌السلام : التقية من ديني ودين آبائي ولا ايمان لمن لا تقيّة له. ووردت بلفظة : اي والله من دين الله فى خبر سماعة لكنّه ضعيف سندا (الباب ٢٤ و ٢٥) ، من كتاب الامر والنهي ـ الوسائل) ولو لا ضعف السند لكان متنه قرينة على ارادة مجرد تشريع وانّها مشروعة في الشريعة.

واما الآن ففي دلالة صحيح معمّر على ذلك ، أو على أنّ العمل الملتقى به هو المأمور به الواقعي الثانوي الشرعي ذو ملاك بحيث لو تركه المكلف بطل العمل مطلقا ، ففيه وجهان : نعم لو كان المتن : التقية ديني كما في المتن وغيره لتم ما استظهره سيدنا الاستاذ رضى الله عنه) فلاحظ.

هذه المضامين موجودة في الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.

٢٦٤

آدم فقد أحله الله له (١) ، فلو سلم عموم الحل فيه للتكليف والوضع ، ليدل على الاجزاء ، ولم يدع ظهوره في خصوص التكليف ـ كما قيل ـ حتّى لا يدل على الاجزاء (٢) فلا اطلاق فيه يشمل صورة وجود المندوحة ، بقرينة تضمنه الاضطرار غير الصادق مع وجود المندوحة اللهم إلّا أن يقال : إن قوله عليه‌السلام : «وكل شيء ...» ليس من قبيل الكبرى لما قبله (٣) ، بل هو بيان لحكم آخر في مقابل ما قبله ، وحينئذ سكون إطلاق ما قبله شاملا لصورة وجود المندوحة وعدمها ، وإن كان هو مختصا بصورة وجودها. وأوضح منه في العموم لصورة وجود المندوحة خبر مسعدة (٤) ابن صدقة من قول الصادق عليه‌السلام : «وتفسير ما يتقي مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله ، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فانه جائز» (٥). نعم قد يستشكل فيه بأن

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ٢.

(٢) لاحظ ما ذكره سيدنا الاستاذ الخوئي حول قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ،) حيث ذكر انه يشمل الحلية الوضعية والتكليفية (مصباح الفقاهة ج ٣ / ٥٠ طبعة دار الهادي بيروت حول عنوان الاقوال في المعاطاة ومداركها) ولكنه لم يقل به في المقام.

(٣) في الوسائل نقلا عن الكافي : التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله الله له. (الوسائل ج ١٦ / ٢١٤ الطبعة الاخيرة) وهو الموجود في الكافي (ج ٢ / ٢٢٠) ومنه يعرف الخلل في المتن.

(٤) مسعدة بن صدقة عامي مجهول فالخبر غير حجة.

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ٥.

٢٦٥

الظاهر من الجوار التكليف كما تقدم في الحل ، فلا يدل على الاجزاء ظاهرا.

نعم استثناء المسح على الخفين ومتعة الحج في قول الصادق عليه‌السلام في المصحح عن أبي عمر الأعجمي (١) : «لا دين لمن لا تقية له. والتقية في كل شيء ،

__________________

(١) المصحح عن أبي عمر ضعيف لجهالة أبي عمر. وكثيرا ما يستدل سيدنا الاستاذ بالاحاديث غير المعتبرة سندا وكأنه رضى الله عنه يطمئن بصدورها لقرائن اجتهادية سوى توثيق أهل الرجال للرواة. والله العالم.

ثم ان الكليني روى بسند صحيح أو مصحح عن زرارة قال : قلت له (ولا بأس بالاضمار اذا كان المضمر مثل زرارة) : في مسح الخفين تقية؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا : شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج. قال زرارة : ولم يقل الواجب عليكم ان لا تتقوا فيهن احدا. (الوسائل ج ١٦ / ٢١٥ و ٢١٦).

أقول : المسح على الخفين ليس من المحرمات فالتقية انما هو في الاكتفاء به وترك المسح على الرجلين ، وهذا يدل على صحة الاعمال التي يفعلها المتقي (غير الامام) حسب ما تقتضيه التقية فدقق النظر فيه. ثم من تأمل في روايات التقية هان عليه تصديق زرارة فيما قاله. لكن له صحيح آخر في الكافي لم ينقله صاحب الوسائل : علي عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن غير واحد قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام في المسح على الخفين تقية؟ قال : لا يتقي في ثلاثة ، قلت وما هن؟ قال : شرب الخمر ـ أو قال (شرب) المسكر ـ والمسح على الخفين ومتعة الحج (الكافي ج ٦ / ٤٥١ آخر باب من اضطر إلى الخمر للدواء أو العطش أو التقية).

أقول : السند غريب والظاهر سقوط كلمة الواو العاطفة وأصله (وعن غير

٢٦٦

إلّا في شرب النبيذ ، والمسح على الخفين ، ومتعة الحج» يقتضي عموم المستثنى منه للتكليف والوضع ، فيدل على الصحة. إلّا أنه لا إطلاق فيه يشمل صورة وجود المندوحة لوروده لبيان موارد التقية لا غير اللهم إلّا أن يقال : المناقشة المذكورة إنما تتم بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام : «والتقية في كل شيء» ، لا بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام : «لا دين لمن لا تقية له» لما تقدم في نظائره. مع أن استثناء فرد من العام لا يقتضي نفي إطلاق ذلك العام من حيث الأزمان والأحوال ، كما يظهر ذلك من ملاحظة

__________________

ـ واحد) واما المتن (يتقي) ففيه وجهان. اولهما ما عن الوافي (المجلد) الثالث م ١١ ص ٨٦ ـ الطبعة الاخيرة) من ضبط الفعل ب (لا نتقي المتكلم مع الغير دون المضارع المجهول الدال على العموم) ولعلّه الاظهر ، وإلّا كيف ينقل زرارة الحديثين المختلفين؟ لكن نقل الاحاديث المتعارضة والمتناقضة من الرواة امر شائع خصوصا اذا كان الفصل بينهما كثير أو كان الاسبق هو الأوّل. نعم الحديث الأوّل قرينة على صحة نسخة الوافي وعليه فالحديثان يدلان على اختصاص عدم التقية بالباقر او الباقرين عليهما‌السلام.

ثانيهما : انه لا موضوع للتقية في الموارد الثلاثة للامام ولغيره ، فان حرمة شرب الخمر اتفاقية بين الشيعة والسنة وفي مسح الخفين الاكثر من العامة على التخيير بينه وبين غسل الرجلين وقيل إنّ مسح الخفين أفضل لا انه واجب كما نقل وفي متعة الحج أيضا لا ضرر فان الفرق بينها وبين حج القران بالنية والتقصير والنية أمر قلبي والتقصير ممكن في الخلوة فاذا تمتعنا بالحج ولم نحج حج القران لا يترتب عليه أي محذور. على ان متعة النساء وان تبع الخليفة الثاني ، المذاهب الاربعة فيها ولكن في متعة الحج اختلف أهل السنة حتى ان عبد الله بن عمر خالف اباه فيها.

٢٦٧

النظائر. فالانصاف أن هذه ونحوها والعمومات المشار إليها آنفا كافية في الدلالة على المشروعية مع المندوحة العرضية والطولية.

نعم صرح باعتبار عدم المندوحة العرضية في مكاتبة إبراهيم بن شيبة (١) إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام يسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يرى المسح على الخفين ، أو خلف من يحرّم المسح وهو يمسح ، فكتب عليه‌السلام : «إن جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة ، فأذن لنفسك وأقم ، فان سبقك إلى القراءة فسبح» (٢). لكن لو سلم سندها من القدح فلا بدّ من توجيهها ، لاباء العمومات السابقة عن التقييد بصورة عدم المندوحة ، لما عرفت من تضمنها للترغيب المنافي لذلك. ولمعارضتها للأخبار المتضمنة للحث على الصلاة مع المخالفين ، ففي رواية الشحام : «صلوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا ، فانكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، رحم الله تعالى جعفرا ، ما كان أحسن ما يؤدب اصحابه. وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه» (٣) ، ونحوها رواية هشام الكندي ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام فيها : «صلوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم» (٤) ، وقال فيها قبل ذلك : «كونوا

__________________

(١) إبراهيم بن شيبة مجهول فلا حجة فيما يرويه.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ٢.

٢٦٨

لمن انقطعتم إليه زينا ، ولا تكونوا علينا شينا ...» وقريب منهما موثق سماعة (١) : «عن رجل يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال عليه‌السلام : إن كان إماما عدلا فليصل اخرى وينصرف ، ويجعلها تطوعا ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة اخرى ، ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فان التقية واسعة ، وليس شيء من التقية إلّا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله» (٢). فانه ظاهر في الصحة ، وفي وجود المندوحة بقرينة امتناع تخصيص صدره المتضمن لحكم الإمام العدل بصورة عدم المندوحة والتفكيك بينه وبين الذيل بعيد جدا ، ولا سيما بملاحظة التعليل بقوله عليه‌السلام «فان التقية واسعة ..».

ومثله رواية سيف بن عمير عن أبي الصباح : «ولله لقد قال لي جعفر ابن محمد عليهما‌السلام : إن الله علم نبيه التنزيل والتأويل ، فعلّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا. قال : وعلمنا والله ، ثم قال ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فانتم منه في سعة» (٣). فان إطلاقه ينفي وجوب الاعادة ولو مع المندوحة ، لأنها ضيق ، فانه

__________________

(١) اسناد الصدوق إلى الشحام ضعيف ، كما ان هشام الكندي مجهول على الارجح. ورواية سماعة غير موثقة بل هي ضعيفة بعثمان بن عيسى الواقع في سندها على الاقوى.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) سند الرواية صحيحة (الوسائل ج ٢٣ / ٢٢٤ كتاب الايمان الباب ١٢) والظاهر

٢٦٩

لا يعتبر في عدم نفوذ اليمين الصادرة عن التقية عدم المندوحة ، فيتعين أن يكون كذلك ما صنعوه من شيء. إلّا أن يقال : إنّ الضيق الحاصل للمكلف إذا أتى بالعبادة على غير الوجه المشروع ليس من نفس الفعل كذلك ، بل من قبل الأمر بها على الوجه المشروع ، وليس المقام مثل : «الناس في سعة مما لا يعلمون» فان الضيق هناك من قبل الحكم المجهول نفسه ، فالرواية مختصة بالأسباب الموجبة للضيق على المكلف مثل اليمين ونحوها ، ولا تشمل ما نحن فيه. لكن يكفي غيرها مما عرفته في الدلالة على المشروعية مطلقا حتى مع وجود المندوحة.

ومنه يظهر ضعف ما عن المحقق الثاني من التفصيل بين ما ورد دليل بالخصوص على مشروعية التقية فيه فيصح مع المندوحة ، وبين غيره فلا يصح معها ، وإن كان ظاهر المحكي من كلامه أن مراده التفصيل بين الأوّل إطلاق دليل شرع التقيّة فيه بالخصوص ، وفي الثاني قصور إطلاقات التقية عن إثبات الصحة.

__________________

ـ ان دلالتها ايضا تامة ومناقشة سيدنا الاستاذ الحكيم غير واضحة. وإن فصلها سيدنا الاستاذ الخوئي وجزم بصحتها (التنقيح ج ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٨٢) لكن المتأمل فيه لا يقتنع به. فان قلت اذا اضطر إلى شرب الخمر أو إلى غسل ثوبه المتنجس بالبول مرة واحدة ، أو إلى طلاق زوجته عند غير العدلين فهل يمكن الحكم بطهارة شفتى شاربها وبطهارة الثوب وصحة الطلاق بهذه الصحيحة؟ ولا يظن الالتزام بها من الفقهاء فليكن الأمر كذلك في العبادات. قلت مقتضى الرواية صحة الطلاق وحصول طهارتها لكن الارتكاز الخارجي منعنا من الالتزام بهما.

٢٧٠

وجه الضعف : أنك عرفت دلالة النصوص على صحة العمل المأتي به على وجه التقية من دون فرق بين صورة إمكان الاعادة وغيرها ، وصورة وجود المندوحة العرضية وعدمها ، كرواية الاعجمي ورواية هشام والشحام وموثق سماعة ، وكفى بالعمومات مثل : «التقية ديني ودين آبائي» في الدلالة على جميع ذلك ، بل ظاهر روايتي الشحام وهشام رجحان التقية ، وإن لم يكن خوف على النفس أو المال ، بل لمجرد الاحتفاظ بالجهات الأدبية ، ونحوها غيرها. نعم في صحيح زرارة : «التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به» (١). لكنه غير ظاهر في الاختصاص بحال الضرورة إلّا بناء على حجية مفهوم اللقب وهي غير ثابتة. مع أنه يصعب رفع اليد عن النصوص المتقدمة لأجله ، ولعل المراد من الضرورة الضرورة في مكان التقية. وبالجملة : السابر لنصوص التقية يشرف على القطع بعدم اعتبار المندوحة في صحة العمل ، من دون فرق بين المندوحة الطولية والعرضية.

نعم تختص مشروعية التقية بصورة خوف الضرر على نفسه ، أو ماله أو نفس غيره (٢) ، أو ماله ، أو التودد والتحبب ، فمع العلم بانتفاء ذلك لم تشرع (٣). كما أن الظاهر عدم مشروعيتها إذا تأدت التقية بفعل الوقع لأجل إيهام الحاضرين خلافه ، كما أن الظاهر عدم الفرق في مشروعية التقية بين المخالف وغيره ، لاطلاق نصوصها ، والانصراف إلى المخالفين غير ظاهر بنحو يعتد به في رفع اليد

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ١.

(٢) أي من الشيعة ، لاحظ كتاب الايمان الباب ١٢ من الوسائل.

(٣) لعدم دليل عليه بعد عدم صدق التقية.

٢٧١

عن الاطلاق (١). نعم الظاهر من النصوص صورة الاختلاف في المذهب : أما إذا كان الاختلاف في تطبيق المذهب فلا تقية (٢). ويظهر من بعض أنه من المسلمات. لقصور الأدلة عن شموله. نعم إذا كان ضرر أو حرج ارتفع الوجوب بهما. لكن الاجزاء حينئذ غير ظاهر ، لقصور أدلة نفي الحرج والضرر عن إثبات ذلك ، كما عرفت مرارا. هذا ومن الاختلاف في الموضوع الاختلاف في رؤية الهلال بالنسبة إلى صوم شهر رمضان وأفعال الحج ، فانه لا مورد للتقية فيها. نعم إذا حكم حاكمهم بثبوت الهلال كان الاختلاف في نفوذ حكم الحاكم اختلافا في الحكم ، فيكون الوقوف مع المخالفين مجزئا شرعا.

ثم إن الظاهر أن الاجزاء في موارد التقية يختص بصورة ما إذا كان الاتقاء بفعل الناقص في مقام امتثال الأمر المتوجه إلى المكلف المتقي ، فاذا كانت التقية في ترك الواجب لم يكن الترك مفرغا للذمة ، فمن أفطر يوما من شهر رمضان

__________________

(١) اكثر الروايات ناظرة إلى العامة ولا نظر لها إلى غيرهم. نعم قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة : التقية في كل ضرورة وصاحبها اعلم بها حين تنزل به. وقوله عليه‌السلام في صحيح آخر : التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد احله الله (الباب ٢٥ من أبواب الأمر والنهي ج ١٦ / ٢١٤ الوسائل) يشمل غير العامة أيضا وكذا ما ورد في حق أبي طالب عليه‌السلام لكن لا دليل على عدم اعتبار المندوحة في حقهم ، فتأمل. ولا يخفى أن الحديث يدل على اجزاء التقية بمعناها العام والخاص كما لا يخفى.

(٢) محتاج إلى مزيد تأمل إن لم يكن اجماع على خلافه.

٢٧٢

اعتمادا على حكم حاكم المخالفين تقية ، لا يكون إفطاره (١) مجزئا ، لأنه ترك للواجب ، لا أداء له على الوجه الناقص ، ولذلك ورد في مرسلة رفاعة : «فكان إفطاري يوما وقضاءه أيسر عليّ من أن تضرب عنقي» (٢) فوجوب القضاء في المقام لا ينافي ما ذكرنا من الاجزاء ، لأن الافطار ليس أداء للمأمور به ، بل هو ترك له ، وقد عرفت أنه لا دليل على إجزاء الترك. نعم الحج مع الوقوف في اليوم الثامن اعتمادا على حكم حاكمهم من قبيل الأداء الناقص ، ومثله الافطار قبل الغروب ، واستعمال ما لم يكن مفطرا عندهم ، فانه من قبيل الأداء الناقص.

ومن ذلك تعرف إجزاء الحج إذا وقف تقية مع المخالفين ، ولم يقف في اليوم التاسع ، من دون فرق بين صورتي العلم بالمخالفة للواقع وعدمه ، ولا يعارض ذلك مرسلة رفاعة حتى لو صح سندها ، لما اعرفت من اختصاصها بصورة الترك بالمرة ، فلا تشمل صورة الاتيان بالناقص. نعم اذا كان الحج المذكور في سنة

__________________

(١) اذا كان الافطار تقية من الدين وانّه ما صنعتم من شيء .. في تقية فانتم عنه في سعة فأي مانع من الحاق الترك بالناقص بعد ضعف مرسلة رفاعة سندا. وليس في غيرها من روايات الباب ما يشير إلى القضاء. (الوسائل ج ١٠ / ١٣١) وما بعدها فالمقام محتاج إلى مزيد تأمّل.

فرع : اذا اضطر إلى الافطار في نهار الصوم الواجب تقية ، يجب عليه الامساك بعد زوال التقية وصح صومه وليس هو من ترك المامور به مرة. وكذا اذا كان الواجب غير معين ولم يفطر بعد زوال التقية بل يجب عليه الامساك اذا كان بعد الظهر.

(٢) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

٢٧٣

الاستطاعة أشكل الاجتزاء به عن حج الإسلام ، لعدم ثبوت الاستطاعة بالنسبة إلى الواقع الأوّلي ، وثبوت الاستطاعة بالنسبة إلى البدل المأتي به على وجه التقية يتوقف على عموم تشريع التقية لمثل ذلك ، وهو غير واضح (١). اللهمّ إلّا أن يستفاد مما دل على أنه لا تقية في متعة الحج ، فانه يدل على ثبوت التقية في الحج في غير المتعة ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين حج الاسلام وغيره ، وما كان في سنة الاستطاعة وبعدها.

هذا وقد تلخص مما ذكرنا امور : (الأوّل) : اجزاء العمل (الثاني) : عدم اعتبار عدم المندوحة الطولية ، ولا العرضية (٢) (الثالث) : مشروعية التقية ولو بلحاظ الجهات الأدبية : (الرابع) : اعتبار الاضطرار إلى فعل الناقص في مكان التقية (الخامس) : مشروعية التقية من غير المخالف ولو كان كافرا (السادس) : اعتبار كون الاختلاف في المذهب ، لا في الموضوع (السابع) : أنه يعتبر في الاجزاء وسقوط الأمر كون التقية بفعل الناقص ، فلا يحصل الاجزاء إذا كانت التقية بترك الواجب (الثامن) : أنه لا فرق في الاجزاء بين الحج الذي هو مشروط وجوبه بالقدرة وبين غيره من العبادات التي وجوبها مطلق غير مشروط.

وربما يفصل في صحة الحج إذا كان الوقوف في غير وقته للتقية بين صورة

__________________

(١) لا يبعد شمول بعض الاطلاقات للمقام كما مر في التعليقة السابقة. وغيره كصحيح حماد أو الحلبي.

(٢) اذا لم تف الاطلاقات في بعض الموارد فالعمل على القاعدة الدالة على اعتبار المندوحة.

٢٧٤

العلم بمخالفة حكم حاكمهم للواقع وصورة الجهل ، فيبنى على البطلان في الاولى. (إما) لرواية رفاعة السابقة الدالة على بطلان الصوم ، بناء على التعدي عن موردها. ولكن عرفت أن موردها صورة ترك الصوم تقية ، فلا يقاس المقام عليه مما كانت التقية باتيان المأمور به على غير وجهه. مع أن سندها ضعيف. (وإما) لأن العمدة في صحة الحج في الصورة المذكورة هو السيرة (١) ، والقدر المتيقن منها صورة عدم العلم بالخلاف وفيه : أنه لو سلم إجمال السيرة ففي النص الدال على ثبوت التقية في الحج كفاية ، بناء على أن مذهب المخالفين نفوذ حكم الحاكم وإن علم بمخالفته للواقع ، كما يشهد بذلك تتبع كلماتهم ، ودعوى جماعة منهم الاجماع على نفوذ حكم الحاكم مطلقا. فراجع (٢).

(٢) كما هو المنساق من خبر أبي الورد ونحوه ، وظاهر موثق سماعة ، وبعض ما ورد في الصلاة معهم (٣)(٤).

__________________

(١) لا يعد ان الاغلب في الحج في زمان الأئمة عليهما‌السلام فرض شك المؤمنين في الوقت ، وانهم مع شكهم مضوا على حجهم تبعا للناس ، ولم يرد في أحاديثنا أمر بالقضاء فالسيرة المذكورة ممضاة لا محالة. وحال هذه السيرة في عدم اعادة الصلاة معهم اوضح ، اذ لا أثر للامر بقضاء الصلاة معهم مع كثرة الابتلاء بها.

(٢) قد يقال بانه لا يوجد ذلك في كلام العامة.

(٣) راجع الوسائل باب : ٣٣ ، ٤٣ ، ٣٥ ، من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) خبرا أبي الورد وسماعة ضعيفان فالعمدة الاخير ، بل في الفرض لا خوف فلا موضوع للتقية.

٢٧٥

(٣) لأن المستفاد من النصوص المتقدمة كونها من قبيل المانع الشرعي فيكون عدمها من قبيل شرط الوجوب غير الواجب التحصيل ، ولذا أجزأ الفعل مع المندوحة ، ولا كذلك سائر الضرورات ، فانها من قبيل العذر العقلي. فمع القدرة على رفعها بالمال ترتفع موضوعا ، فاطلاق دليل وجوب الوضوء التام يقتضي وجوب بذل المال لرفعها. نعم قد يقال : إن وجوب بذل المال ضرر فيرتفع بعموم نفي الضرر. إلّا أن يقال : إن وجوب الوضوء حكم ضرري (١) نظير وجوب الزكاة فيكون دليله مخصصا لادلة نفي الضرر ، فيؤخذ باطلاقه ويقدم على تلك الأدلة. أو يقال : إنه يستفاد مما دل على وجوب شراء ماء الوضوء بالمال الكثير. وسيجيء إن شاء الله في مبحث التيمم توضيح ذلك. فانتظر.

(٤) ينشأ من احتمال كون ظاهر أوامر التقية كون المسح على الخفين مثلا.

جزءا من الوضوء ، فتركه ترك الوضوء. أو من احتمال كون الأمر بالتقية موجبا للنهي عن المسح على البشرة ، فيمتنع التقرب به ، فيفسد ، كما علله به في الذخيرة. ويدفع الأوّل منع ظهور أوامر التقية في ذلك (٢) ، غاية الأمر كونها دينا يقتضي بدلية

__________________

(١) غير ظاهر فان وجوب الوضوء كثيرا ما غير ضرري. والاستفادة المذكورة في المتن أيضا ممنوعة.

(٢) فان دليل التقية ان كان هو السيرة فهي لا تدل على أن التقية تقلّب الواقع من المسح على الرجل مثلا إلى غسله ، وانما هي تدل على عدم اعادة الوضوء بالغسل فقط. وان كان هو الروايات فهى أيضا لا تدل على أن غسل الرجل

٢٧٦

ما يوافق التقية عن الواقع ، فيكون في طول الواقع ، فالاتيان بالواقع مجزئ مسقط للأمر. ويمكن دفع الثاني بأنه لا وجه لاقتضاء الأمر بالمسح على الخفين للنهي عن المسح على البشرة حتى بناء على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، لاختصاص ذلك بالضد المضيق وليس منه المقام (١) ، اللهمّ إلّا أن يقال : إن التقية كما تكون بالفعل فتقتضي وجوبه وحرمة تركه تكون بالترك فتقتضي وجوبه أيضا وحرمة الفعل والمسح على البشرة في نفسه مخالفة للتقية فيحرم (٢) ، ولا يصح

__________________

ـ مثلا صار جزءا واقعيا ـ ثانويا ـ للوضوء مثلا لاجل التقية ، وانما تدل على سقوط جزئية المسح للوضوء وشرطيته للصلاة ومانعية التكتف مثلا. فمخالفة التقية وان كانت محرمة ، لكنها لا تضر بالصحة نعم ان صح قوله عليه‌السلام التقية ديني ودين آبائي. فيحتمل انقلاب الواقع بما تقتضيه التقية لاجله ويحتمل ما افاده السيّد الاستاذ رضى الله عنه في المتن من البدلية الطولية ، لكن يبقى السؤال عن اجزاء اتيان الواقع للامر فان كون التقية دينا يقتضي انحصار الامر بغسل الرجلين مثلا وانه لا امر بالمسح في حالها وانه انقلب إلى الغسل والبدلية العرضية مع انها خلاف الفرض وخلاف الادلة تقتضي التخيير بينهما واقعا.

(١) على أن في حكاية النهي الغيري عن المبغوضية بحثا فلاحظ نهاية الدراية في شرح الكفاية.

(٢) الحرمة المذكورة عرضية ليست بذاتية ، والحكم الذاتي وجوب التقية فانها من الدين ، ولكنه لا يدل على بطلان مسح البشرة كما افاده أولا. ومنه يظهر الحال في جوابه الآتي بقوله : قلت ..

نعم يمكن ان يعلل بطلان مسح البشرة مثلا بأن التقية احلّت جزئيته باسقاط

٢٧٧

__________________

ـ الوجوب الضمني أو الغيري وعليه فالبطلان يستند إلى عدم الامر به. مع الغض عن الترتب. ودعوى بقاء الملاك غير مسموع خصوصا في التقية الوارد فيها ـ ولو بسند غير معتبر ـ انها دين الامام وآبائه عليهما‌السلام. بقيت في المقام فروع نذكر بعضها :

١ ـ قال الشيخ المفيد رضى الله عنه : استفاض عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : ستعرضون من بعدي على سبّي : فسبّوني ، فمن عرض عليه البراءة مني فليمدد عنقه ، فان برئ مني فلا دنيا له ولا آخرة (الوسائل ج ١٦ / ٢٣٢).

أقول : هل البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام عند التقية لا سيما عند خوف القتل حرام كما يظهر من هذه الرواية التي ادعى المفيد استفاضتها وكفى به ناقلا ومدعيا وان لم نجد له سندا في غير كلامه رضى الله عنه ويظهر من غيرها أو أن المكلف مخير بين تحمل الضرر والبراءة أو اختيار الضرر افضل أو أن البراءة كغيرها من المحرّمات عند التقية؟ الروايات (الوسائل الباب ٢٩ من ابواب الامر والنهي) في ذلك مختلفة متعارضة ، على انها باسرها ضعيفة سندا على الاظهر ، فان اطمأن احد بصدور بعض ما دلّ على حرمة البراءة منه عليه‌السلام يحرم عليه التقية في ذلك وإلّا فالاحوط الحاق البراءة بغيرها من المحرمات في الحكم وما افاده سيدنا الاستاذ الخوئي قدس‌سره في المقام اكثره لا يخلو عن اشكال وايراد.

٢ ـ عرفت من السيد الاستاذ رضى الله عنه صحة العمل المتقي به عن الواقع على تفصيل افاده وعرفت تفصيل المحقق الثاني رضى الله عنه وضعفه في كلامه قدس‌سره واعلم أن الشيخ الانصاري استشكل في ارتفاع الآثار المترتبة على الفعل لو لا التقية اذا كان لدليل ثبوتها اطلاق أو عموم ، نظرا إلى أن المرفوع في حديث الرفع ليس

٢٧٨

__________________

ـ هو جميع الآثار المترتبة على الفعل المضطر اليه ، وانما المتيقن رفع خصوص المؤاخذة على الفعل.

أقول : تقدم في الفائدة السابعة حول رفع القلم ان المرفوع هو الحكم والاعتبار الشرعي دون المؤاخذة واستحقاق العقاب ، ولا فرق في الاعتبار الشرعي بين كونه تكليفيا أو وضعيا ، استقلاليا أو ضمنيا ، فالفعل الاضطراري والمتقى به كعدمه فلا يترتب عليه آثاره فلا حدّ على شارب الخمر اضطرارا ولا تعزير على اكل بعض اللحوم المحرمة تقية ولا كفارة على من افطر من نهار رمضان تقية وهكذا. وان شئت فقل ان ما يتقى به فعلا وتركا من الدين فلا يعقل ترتب آثاره عليه وان كانت نسبتها إلى ما يتقى به نسبة الحكم إلى الموضوع لا نسبة الحكم إلى المتعلق ويؤيده ما عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقه ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطئوا (الباب ١٢ من أبواب كتاب الايمان من الوسائل).

لان الحلف بهما وان لم يكن صحيحا حال الاختيار لكن استشهاده بحديث الرفع أقوى شاهد على أن الرفع يشمل جميع الآثار وانما جعلناه مؤيدا لا دليلا مع صحة سنده ، لان مصدره المحاسن ولم يصل نسخته بسند معتبر إلى المجلسي والحر (رحمهما الله تعالى).

وأمّا اذا اتلف مال مسلم تقية فهل يضمنه كما في الاضطرار ام لا يضمنه؟ فيه وجهان ؛ دليل الضمان أنّ ادلة التقية امتنانية فلا تشمل ما يخالف الامتنان للغير. كما صرح به سيدنا الاستاذ الخوئي قدس‌سره وجه الجواز ما يخطر ببالي من ان التقية

٢٧٩

__________________

ـ وان شرعت للامتنان على المؤمنين ، لكن لا لمطلق الامتنان ، بل انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية (فلا تقية) كما قاله الباقر والصادق عليهم‌السلام في خبري محمّد بن مسلم والثمالي (الوسائل ١٦ / ٢٣٤ و ٢٣٥) مقتضى ذيل الحديث بقاء التقية ونفوذها ما لم تبلغ الدم. فتأمل. فانه ان تم لجرى في ما يخالف الامتنان على نفس المكلف ، كما اذا باع داره أو ثيابه لصرف ثمنها في ما يلزم عليه تقية ، ولا اظن بفقيه يلتزم به ويحكم ببطلان البيع وحرمة تصرفه في ثمنه وربما يهلك من جراء هذا الحكم.

والعمدة في المقام هو رفع الجزئية والشرطية والمانعية بالتقية اذا كان لادلتها اطلاق او عموم يشمل غير حال الاختيار ولم تكن لبّية وإلّا لا اشكال في رفعها في حالة الاضطرار والتقية وغيرهما ، لان المتيقن اعتبارها في غير هذه الحالة ، وأيضا محل الكلام في المانعية هي المانعية المنتزعة عن النواهي الغيرية كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، وأما المانعية المنتزعة عن النهي المستقل كعدم كون المكان مغصوبا أو ماء الوضوء مغصوبا ، فهي خارجة عن محل البحث ، فان حرمة التصرف فيه اذا ارتفعت بالتقية ترتفع مانعيته في الصلاة والطهارة بالتبع.

ويمكن الاستدلال على الإجزاء بوجوه :

أولها : حديث : الرفع فانه يدل على رفع الجزئية والشرطية المضطر إلى تركهما والمانعية المضطر إلى فعلها برفع الامر أو النهي الضمني أو الغيري. واما صحة المركب الفاقد عن الجزء أو الشرط أو الواجد للمانع فهو بما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال (في صحيح زرارة الوارد في المستحاضة : ثم تصلي ولا تدع الصلاة على حال ، فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصلاة عماد دينكم) وذيله يدل على

٢٨٠