القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

مقدارها (١) وموردها وان كان صورة الشك في قدر الواجب مع العلم بوجود النصاب ، لكن يمكن استفادة الحكم منها في غيرها من الصور. لكن التعدي عن الزكاة إلى الخمس فضلا عن المقام غير ظاهر.

وقد يستدل عليه بانه لو لا الفحص لزمت المخالفة القطعية الكثيرة التي يعلم من الشارع المقدس كراهتها المستلزم لوجوب الاحتياط. وفيه ان لزوم المخالفة الكثيرة غير بعيد ، لكن كونها مكروهة على وجه تقتضي كراهتها وجوب الاحتياط غير ظاهر ، بل هو مصادرة. (المستمسك ج ١٠ / ١٠٣ و ١٠٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ من ابواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

٦١

١٠ ـ حول اعتبار اتصال الشك باليقين وعدمه

(وإن علم الأمرين وشك في المتأخّر منهما ، بنى على أنه محدث إذا جهل تاريخهما (١). أو جهل تاريخ الوضوء (٢) ، وأما إذا جهل تاريخ الحدث وعلم تاريخ الوضوء بنى على بقائه (٣). ولا يجري استصحاب الحدث حينئذ حتى يعارضه لعدم اتصال الشك باليقين به (٤) حتى يحكم ببقائه. والأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء ، وان كان كذلك (٥) إلّا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب احرازه (٦) ولكن الاحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا (٧)).

(١) كما هو المشهور ، كما عن جماعة. للشك في الشرط الموجب للشك في المشروط ، الذي لا بدّ في نظر العقل من اليقين بحصوله ، لقاعدة أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

وعن المعتبر وجامع المقاصد التفصيل بين الجهل بالحال السابقة على الحالتين فكالمشهور ، وبين صورة العلم بها فيؤخذ بضدها ، ونسب إلى المشهور بين المتأخرين. للعلم بثبوت الضد والشك في انتقاضه ، فيستصحب. ولا يعارض

٦٢

باستصحاب نفس الحالة السابقة ، للعلم بارتفاعها ، ولا باستصحاب مثلها ، للشك في ثبوته ، لاحتمال تعاقب المتجانسين. فإذا كان متطهرا وعلم بوقوع الحدث والوضوء منه وجهل المتأخر منهما ، فلأجل أنه يحتمل كون الوضوء متقدما وواقعا عقيب الطهارة ، ويحتمل كونه متأخرا ورافعا للحدث ، فلم يتيقن حصول طهارة غير الاولى ، فلا مجال لاستصحابها ، لعدم اليقين بالحدوث. وفيه ما عن شرح الدروس وغيره من المعارضة باستصحاب الطهارة المعلومة ، حال الوضوء المجهول التاريخ (١) ، للشك في ارتفاعها.

وفي قواعد العلامة وعن غيرها من كتبه التفصيل بين الجهل بالحال السابقة فكالمشهور ، وبين العلم بها فيبني عليها. وفيه : أنه إن كان الوجه فيه استصحاب نفس الحال السابقة فقد عرفت حصول اليقين بانتقاضها ، وإن كان استصحاب الحال التي كانت حال الوضوء (٢) مثلا ، التي يحتمل اتحادها مع الحال السابقة ـ كما ذكره في شرح الدروس وغيره ـ فلو تم كان معارضا باستصحاب ضد الحال السابقة ، ولو بني ـ كما عن المدارك بل حكي عن العلامة ـ على تخصيص كلامه بصورة كون كل من الحادثين المجهول تقدم كل منهما معلوم النقض لما قبله ، كما لو علم كون الوضوء المعلوم رافعا للحدث ، وكون الحدث المعلوم رافعا للطهارة ، فمع العلم بالحال السابقة يخرج الفرض عن الشك إلى اليقين ، إذ الحال السابقة إن كانت هي الحدث فالمتقدم هو الوضوء والمتأخر الحدث ، وإن كانت هي الطهارة

__________________

(١ و ٢) أي حال الفراغ عن الوضوء المجهول التاريخ.

٦٣

فبالعكس ، ولا شك حينئذ ، كما عن الذكرى والمدارك الاعتراف به. اللهم إلّا أن يكون مورد الكلام صورة احتمال حدوث وضوء آخر بعد الحدث المتأخر في الفرض الأوّل ، وحدث آخر بعد الوضوء المتأخر في الفرض الثاني ـ كما قد يظهر من محكي المختلف ، واعترف به الوحيد في حاشية المدارك ـ فتخرج المسألة عن صورة الجهل بالتاريخ ، وتدخل في مسألة الشك في الحدث بعد يقين الوضوء ، أو في عكسها اللتين قد عرفت وجوب الرجوع فيهما إلى الاستصحاب إجماعا.

هذا والظاهر قصور أدلة الاستصحاب عن شمول مجهول التاريخ في الطرفين ، ففي المقام يكون المرجع قاعدة الاشتغال ابتداء ، كما تقدم في الاستدلال للمشهور ، لا أنها المرجع بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين من أجل المعارضة. وسيأتي بيان وجهه.

(٢) يعني : وعلم تاريخ الحدث ، فيبني على أنه محدث ، إما لاستصحاب الحدث غير المعارض باستصحاب الطهارة ـ بناء على عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ ـ أو لقاعدة الاشتغال بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين للمعارضة ، كما هو ظاهر المشهور.

(٣) يعني : بقاء الوضوء للاستصحاب ، خلافا لظاهر المشهور ، حيث لم يفرقوا بين معلوم التاريخ ومجهوله في جريان الاستصحاب.

(٤) هذه شبهة ذكرها سيد المحققين الأعاظم قدس‌سره (١) في درسه الشريف على

__________________

(١) قيل هو الميرزا الشيرازي الكبير رضى الله عنه لكن ظاهر كلام السيّد الاستاذ الخوئي

٦٤

ما حكي ، واشتهرت بين من تأخر عنه. وربما تقرب بأحد وجوه.

الأوّل : ما ذكره الاستاذ رحمه‌الله في الكفاية (١) من عدم إحراز كون رفع اليد عن اليقين في زمان الشك في نقض اليقين بالشك لاحتمال انفصاله عنه باليقين بوجود الضد ، فيكون من نقض اليقين باليقين وقد تقرر في محله أن التمسك بعموم الدليل العام موقوف على إحراز عنوانه. مثلا إذا شككنا في الحدث في الساعة الثالثة من الزوال في الفرض المتقدم ، فلم نبن على بقائه ، احتمل أن يكون من نقض اليقين باليقين بالطهارة (٢) ، لاحتمال حصوله قبل الزوال الذي هو زمان اليقين بالطهارة.

__________________

قدامة الشبهة ، حيث نقلها عن الفاضل النراقي واجاب عنها فانظر مصباح الأصول ج ٣ في الاستصحاب ص ٤٠ و ٤١. لكن في التنقيح ج ٥ / ٩٨ نقلها عن الشيخ الراضي استاذ صاحب العروة.

(١) في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب متنا وهامشا.

(٢) العمدة في اشتراط احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين عند صاحب الكفاية هي صدق نقض اليقين بالشك كما صرح به في الكفاية متنا وهامشا. وهذا هو الذي ذكره سيدنا الاستاذ الحكيم أيضا.

ونسب سيدنا الأستاذ الخوئي إليه انه لاجل الاستفادة من كلمة (فاء) في قوله عليه‌السلام : «لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت» فلا تشمل ادلة الاستصحاب موارد انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، بل ولا موارد احتمال الانفصال. اما موارد الانفصال اليقيني ... واما موارد احتمال الانفصال فلأن الشبهة حينئذ مصداقية ، فلا يمكن الرجوع معه إلى العموم ... (مصباح الاصول

٦٥

وفيه أولا : أنه مبني على سراية العلم إلى الخارج ، إذ لو لم نقل بذلك ـ كما هو التحقيق من تقومه بالصور الذهنية لا غير ـ فلا يحتمل أن يكون رفع اليد عن مجهول التاريخ في زمان الشك من نقض اليقين باليقين ، إذ لو لاحظنا الأزمنة الاجمالية من زمان اليقين بحدوثه إجمالا إلى زمان الشك لم نجد فيها ما يحتمل أن يكون زمان يقين بارتفاعه ، بل كلها أزمنة شك في بقائه وثانيا : أنه لو سلم ذلك جرى في استصحاب معلوم التاريخ ايضا ، فإن زمان اليقين بحدوث مجهول

__________________

ـ ج ٣ / ١٨٣ و ١٨٤).

أقول : وهذه النسبة عجيبة من مثل هذا المحقق قدس‌سره ولا اظن بصاحب الكفاية رضى الله عنه ان يفهم من عبارة الحديث المتقدمة اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فان عدم دلالتها عليه واضح لكل من لاحظ الحديث. ولا دليل عليه في غير هذا الحديث من أدلة الاستصحاب تعبدا وبعنوانه. على ان الحديث المذكور ضعيف سندا على الاقوى.

ثم ان اعتبار هذا الشرط غير ظاهر فإن المحدث إذا شك في الطهارة من الوضوء أو الغسل ، فإن احتمال ارتفاع الحدث باحدهما يلازم احتمال العلم فإن الوضوء أو الغسل ، من الامور العبادية التي لا تتحقق إلّا مع العلم والالتفات فلا بد من القول بعدم جريان الاستصحاب بناء على اعتبار الشرط المذكور في هذا الفرض ونظائره الكثيرة التي يكون ارتفاع المتيقن السابق فيها مستلزما للعلم بالارتفاع واحتماله مستلزم لاحتماله ، سواء في مجهول التاريخ أو فى معلومه ، وما في الكفاية من وجه الاعتبار غير ظاهر لصدق نقض اليقين في الشك مع احتمال انفصال الزمانين ، فإنه لا يخرج عن حد الشك بعد. كما افاده الماتن قدس‌سره.

٦٦

التاريخ مما يحتمل انطباقه على ما بعد زمان اليقين بحدوث معلوم التاريخ ـ كالساعة الثانية من الزوال في الفرض المتقدم ـ وحينئذ فيحتمل أن يكون رفع اليد عن معلوم التاريخ في زمان الشك في وجوده من قبيل نقض اليقين باليقين. بل لو تم ذلك لاقتضى المنع عن جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي مطلقا ، وفي الكلي في القسم الثاني ، وفيما لو علم بارتفاع الحادث وتردد بين زمانين ، كما لو علم بموت الزوج وتردد بين أن يكون في السنة الاولى والثانية ، فانه يقال أيضا : لا مجال لاستصحاب حياته في السنة الاولى ، لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين بحياته من نقض اليقين باليقين ... إلى غير ذلك من الموارد التي لا مجال للتأمل في جريان الاستصحاب فيها.

الثاني : أن الظاهر من دليل الاستصحاب أن لو رجعنا القهقري من زمان الشك في وجود المستصحب إلى الأزمنة التفصيلية السابقة ، فلا بدّ أن نعثر على زمان تفصيلي يعلم بوجود المستصحب فيه ، وهذا المعنى غير حاصل في مجهول التاريخ ، فإنا إذا فرضنا أن زيدا في الساعة الاولى من الزوال كان متطهرا وعلمنا بأنه أحدث إما في ساعة قبل الزوال أو في ساعة بعده ، فإذا شككنا في أنه في الساعة الثالثة من الزوال محدث أو متطهر ، وأردنا الرجوع إلى الأزمنة التفصيلية السابقة على الساعة الثالثة ، لم نعثر على زمان يعلم فيه بالحدث إذ الساعة الثانية من الزوال يحتمل حدوث الحدث فيها ، والساعة الاولى يعلم بحصول الطهارة فيها (وفيه) : أن دعوى ظهور أدلة الاستصحاب في اعتبار هذا المعنى في جريانه ممنوعة. مع أن لازمها أن لو تردد حدوث المستصحب بين زمانين واحتمل

٦٧

انعدامه في ثاني أزمنة حدوثه لم يجر الاستصحاب فيه ، مثلا إذا علمنا أن زيدا تطهر في إحدى الساعتين الاولى أو الثانية من الزوال ، وأحتمل حدثه في الساعة الثانية بعد الطهارة ، يمتنع استصحاب الطهارة ، لعدم زمان تفصيلي يعلم فيه بالطهارة ولا يظن إمكان الالتزام بذلك.

الثالث : أن الظاهر من دليل الاستصحاب كون الشك الذي لا يجوز نقض اليقين به شكا في زمان واحد يشك فيه في البقاء والارتفاع معا ، وليس الشك في مجهول التاريخ كذلك ، إذ الحدث في المثال المتقدم مما لا يحتمل ارتفاعه في الساعة الثالثة من الزوال وإنما يحتمل ارتفاعه في الساعة الاولى منه لا غير ، لأنه إن كان قد وجد قبل الزوال فقد ارتفع في الساعة الاولى من الزوال ، وإن كان قد وجد بعده فهو باق في الساعة الثالثة من الزوال ، فاحتمال البقاء في زمان واحتمال الارتفاع في زمان آخر. وفيه : المنع من هذا الظهور ، ولا قرينة عليه ، بل قوام الاستصحاب الشك في البقاء في آن الاستصحاب ، وهو حاصل. مع أنه لو تم لجري في معلوم التاريخ. فإن الشك في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة من الزوال ليس شكا في ارتفاعها فيها ، بل إنما يحتمل ارتفاعها في الثانية التي يحتمل حدوث الحدث فيها ، وكذا أمثاله من موارد الشك في حدوث الرافع في زمان معين قبل زمان الشك في البقاء ، مما لا مجال للتأمّل في جريان الاستصحاب فيها.

الرابع : أن قوام الاستصحاب أن يكون الشك في امتداد المستصحب ، وليس هنا كذلك ، فإن الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقا على

٦٨

الزوال فهو مرتفع ، ولا امتداد له ، وإن كان متأخرا عن الزوال فهو باق ، فالشك في الحقيقة في التقدم والتأخر ، لا في الامتداد وعدمه. (وفيه) : أنه لا ريب في حصول الشك في امتداد مجهول التاريخ وإن كان السبب فيه الشك في التقدم والتأخر ، وكون السبب ذلك لا يضر في حصول شرط الاستصحاب وقوامه.

وهذه الوجوه ذكرها بعض الأعيان المحققين (١) في درسه. وهناك وجه آخر ربما يستفاد من كلامه أيضا ، وهو أن اعتبار البقاء عرفا الذي هو متعلق الشك في الاستصحاب تابع للحدوث الذي هو متعلق اليقين ، فإن كان الحدوث باعتبار الأزمنة التفصيلية فصدق البقاء عرفا موقوف على ملاحظتها ، وإن كان بلحاظ الأزمنة الاجمالية فصدق البقاء عرفا لا بدّ أن يكون أيضا بملاحظتها ، فاختلاف زماني اليقين والشك بالاجمال والتفصيل مانع من صدق الشك في البقاء عرفا ، لأن المفهوم من البقاء عرفا امتداد الوجود في الآنات المتصلة بآن الحدوث ـ أعني : الآن الثاني للحدوث والآن الثالث له ... وهكذا ـ فإن كان آن الحدوث مرددا بين آنين تفصيلين فالآن الثاني المتصل به لا بدّ أن يكون مرددا أيضا بين آنين. وهكذا الآن الثالث المتصل بالآن الثاني ، فبقاء الحدوث المردد بين آنين لا بدّ أن يكون بلحاظ الآنات الاجمالية المتصلة بذلك الآن المردد كل واحد منها بين آنين ، وإذا كان آن الحدوث معينا تفصيلا فبقاء ذلك الحدوث لا بدّ أن يكون بلحاظ الآنات التفصيلية المتصلة به ، ولا يصح اعتباره بلحاظ الأزمنة الاجمالية ،

__________________

(١) الاستاذ الآغا ضياء الدين العراقي.

٦٩

وحينئذ فإذا فرض كون الأثر الشرعي مترتبا على مجرد بقاء مجهول التاريخ ولو في الزمان الاجمالي ، كما لو قال الشارع الأقدس : إن وجد الحدث وبقي مدة طويلة أو قصيرة فعليك صدقة. فلا ريب في صحة استصحابه ووجوب الصدقة. أما إذا كان الأثر لبقاء مجهول التأريخ في خصوص الزمان التفصيلي فلا مجال لاستصحابه ، لأن وجوده في الزمان التفصيلي ليس بقاء لحدوثه الاجمالي ، ليجري فيه الاستصحاب (١) ، وحينئذ فاستصحابه بلحاظ الزمان التفصيلي يتوقف على تطبيق زمان الحدوث على كل من الأزمنة التفصيلية ، ثم يستصحب بلحاظ كل واحد على تقدير انطباقه عليه ، فإذا تردد حدوث الحدث بين زمانين وشك في وجوده في زمان ثالث لهما ، فاستصحاب وجوده في الزمان الثالث لا يصح بلحاظ نفس الزمان المجمل المردد ، بل بلحاظ تقدير انطباقه على كل من الزمانين ثم يستصحب حينئذ ، فيقال : إن كان قد حدث في الزمان الأوّل فهو مشكوك البقاء إلى الزمان الثالث ، وان كان قد حدث في الزمان الثاني فهو أيضا مشكوك البقاء في الزمان الثالث ، فإذا كان مشكوك البقاء على كل تقدير ، كان محكوما بالبقاء شرعا كذلك ، ومجهول التاريخ في المقام ليس كذلك ، لأنه إن وجد قبل زمان معلوم التاريخ كان معلوم الارتفاع ، وكذا الحال في الحادثين المجهولي التاريخ ، فإن كل واحد منهما لو فرض وجوده في أوّل الزمانين المردد وجودهما في كل منهما ، كان معلوم الارتفاع أيضا ، فيمتنع جريان الاستصحاب فيهما بلحاظ الزمان

__________________

(١) غير ظاهر ، بل لا يبعد الصدق فيستصحب.

٧٠

التفصيلي. ومثلهما الحادث المردد بين زمانين ، المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الأوّل ، سواء احتمل بقاؤه على تقدير حدوثه في الثاني أم علم بقاؤه. وكذا الحادث المردد حدوثه بين زمانين المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الثاني وهذا التقريب لا يخلو من وجه ولعله إليه يرجع بعض الوجوه المتقدمة. ولا بدّ من التأمل التام. ومنه سبحانه نستمد العناية وبه الاعتصام (١).

الخامس : يعني : لا يتصل فيه زمان الشك بزمان اليقين. لكن لا يتم ذلك بالنسبة إلى الحدث في صورة الجهل بتاريخ الوضوء ، ولذا تقدم منه استصحاب الوضوء في صورة الجهل بتاريخ الحدث.

السادس : لحكم العقل بوجوب الفراغ اليقيني عند شغل الذمة اليقيني. هذا بناء على كون المرجع قاعدة الاشتغال لا استصحاب الحدث في صورة العلم بتاريخ الحدث والجهل بتاريخ الوضوء ، ولكن هذا المبني غير ظاهر ، لأن حكم العقل بالاشتغال يتوقف على عدم البيان من الشارع ، والاستصحاب بيان ، فيكون واردا على قاعدة الاشتغال (ودعوى) : أنه يكفي في الرجوع إلى حكم العقل بالاشتغال عدم البيان على نفي التكليف ، وهو حاصل بمجرد الشك في الفراغ ، بلا

__________________

(١) وان شئت ان تحيط بجميع كلمات سيدنا الاستاذ فلاحظ حقائق الاصول : ٢ / ٥٠٥ إلى ٥٠٧ ، ويمكن ان يورد عليه بان هذا الاشكال انما يمنع من جريان الاستصحاب في الحدث الشخصي دون جريانه في الحدث الجامع المتيقن كما في استصحاب القسم الثاني من الكلي.

٧١

حاجة إلى ملاحظه الحال السابقة ، فلا مجال للاستصحاب المثبت للتكليف ، (مندفعة) بأن الظاهر أن حكم العقل المذكور يتوقف على عدم البيان على نفي التكليف ولا على ثوبته ، لا مجرد عدم البيان على نفيه ـ كما يظهر من شيخنا الأعظم رضى الله عنه في مباحث الاشتغال ـ ليتعين الرجوع في المقام إلى قاعدة الاشتغال. لا أقل من الشك في ذلك ، فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

السابع : يعني صورة الجهل بتاريخ الحدث والعلم بتاريخ الوضوء. والوجه في الاحتياط احتمال معارضة الاستصحاب في الطرفين والرجوع إلى قاعدة الاشتغال الموجبة لتحصيل الطهارة.

(من كان مأمورا بالوضوء (١) من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي وصلّى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر ، فيجب عليه الاعادة إن تذكر في الوقت ، والقضاء إن تذكر بعد الوقت. وأما إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه وصلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ. لكنه مشكل ، فالأحوط الاعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضا ، وكذا الحال من جهة تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما (٢)).

(١) أقول : من تيقن الحدث وشك في الطهارة ، إما أن يبقى شاكا إلى زمان الصلاة ملتفتا إلى شكه. ولا ريب حينئذ في بطلان صلاته ظاهرا ، عملا بالاستصحاب. ولا مجال لقاعدة الفراغ بعد فعل الصلاة ، إذ ليس موضوعها ما يعم صورة حدوث الشك قبل الصلاة واستمراره بعدها.

وإما أن يبقى شاكا إلى ما بعد الصلاة ، ولكنه يغفل عن شكه ، وحكمه

٧٢

كالأوّل ، إذ لا فرق بينهما في استمرار الشك من حيث حدوثه قبل الصلاة إلى ما بعدها ، ولا في جريان الاستصحاب لتحقق أركانه وهما اليقين والشك ، وإنما يفترقان في تنجز الاستصحاب وعدمه ، حيث أنّ عدم التفات الثاني إلى كونه شاكا مانع عن تنجيز الاستصحاب في حقه.

وإما ان يغفل عن نفس المشكوك ، فيذهب شكه بالمرة لتوقف الشك على الالتفات. ولا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في حقه ، لانتفاء موضوعه ، وهو الشك ، ومجرد كونه شاكا على تقدير الالتفات غير كاف في جريانه ، لأن ظاهر دليله اعتبار الشك الفعلي كاليقين ، وكما لا يكفي اليقين التقديري لا يكفي الشك كذلك ، وحينئذ فلا تكون صلاته حين وقوعها محكومة ظاهرا بالفساد ، ولا بكونها في حال حدث ظاهري أصلا. وعلى هذا فلو التفت بعد الصلاة وشك كان شكه حادثا بعد الصلاة مسبوقا بالعدم ، فتمكن دعوى جريان قاعدة الفراغ لإثبات صحة الصلاة ، وتكون مقدمة على استصحاب الحدث الجاري حينئذ لولاها : إلّا أن الظاهر من دليل القاعدة خصوص الشك الابتدائي بعد الفراغ ، فلا تشمل صورة كون المكلف شاكا قبل الفراغ ، وإن زال شكه بالغفلة عن الواقع نعم لو احتمل بعد الفراغ أنه قد توضأ بعد الشك جرت القاعدة حينئذ ، لأن الشك في الصحة من هذه الجهة شك ابتدائي غير مسبوق بالمثل.

والظاهر من عبارة المتن التعرض للصورة الثالثة ، وحينئذ لا بدّ أن يحمل قوله : «بحسب الظاهر» على الحكم الظاهري الناشئ من استصحاب الحدث الجاري بعد الفراغ ، الذي هو المرجع بعد قصور قاعدة الفراغ عن الجريان. لكنه لا

٧٣

يتم بناء على ما يظهر منه في ذيل المسألة السابقة من عدم جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في موارد جريان قاعدة الاشتغال.

وأما إذا كان جاهلا بالحال السابقة فصوره ايضا ثلاث ، والحكم فيها كما سبق ، لما سبق. والاختلاف بينهما في ثبوت الحكم الظاهري في الأوّل من جهة الاستصحاب وعدمه في الثاني ، لأن قاعدة الاشتغال ليست من الأحكام الظاهرية الشرعية ، لا يصلح فارقا بينهما في الحكم ، فإنه إذا فرض اختصاص أدلة قاعدة الفراغ بخصوص الشك الحادث بعد العمل ، الذي لم يسبق له وجود ولو مماثلا ، يكون مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية بعد العمل هو الاعادة كمقتضى الاستصحاب. فما في المتن من نفي الاشكال في الأوّل ودعواه في الثاني غير ظاهر.

نعم يفترقان في أن مقتضى استصحاب الحدث في الأوّل وجوب القضاء لو التفت بعد خروج الوقت ، ولا تصلح قاعدة الاشتغال لاثباته ، لأنه حكم جديد غير الحكم الأوّل ، فالمرجع فيه أصالة البراءة. اللهم إلّا أن يرجع في إثباته حينئذ إلى استصحاب وجوب الفعل إلى ما بعد خروج الوقت ، بناء على التحقيق من جريان الاستصحاب في المقيد بالزمان ، خلافا لشيخنا الأعظم رضى الله عنه وغيره ، بدعوى تعدد الموضوع لأن الفعل المقيد بزمان غير الفعل المقيد بغيره (وفيه) : أنه يتم لو كان المرجع في وحدة الموضوع المعتبرة في صحة الاستصحاب هو الدليل ، أما لو كان هو العرف فهما واحد ، ولذا جرى استصحاب النجاسة إذا زال تغير الماء من قبل نفسه ، والفرق بينه وبين المقام غير ظاهر ، أو أنه يرجع في إثبات القضاء إلى اصالة

٧٤

عدم الاتيان ، بنا على أن المستفاد من دليل وجوب القضاء أن موضوعه مجرد عدم الإتيان بالواجب في الوقت والتعبير بالفوت في بعض النصوص لا يوجب الاقتصار عليه لو سلّم كون المراد منه عنوان وجوديا يمتنع احرازه باصل العدم فتأمل.

(٢) يعلم حكمها مما سبق في صور الجهل بالحالة السابقة ، إذ المرجع فيها قاعدة الاشتغال. ثم ان فرض الجهل هنا بالحالة السابقة في قبال تعاقب الحالتين غير ظاهر التحقق. (المستمسك ج ٢ / ٤٩٥ إلى ٥٠٥).

٧٥

١١ ـ استصحاب بقاء وقت الواجب الموقت

(إذا شك في بقاء الوقت وسعته بنى على البقاء وتوضأ أو اغتسل).

إما لاستصحاب بقاء الوقت إلى ما بعد الصلاة والطهارة المائية وقد عرفت في الحيض في مبحث التحيض برؤية الدم أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الأزمنة المستقبلة. إلّا أن يقال : الواجب إيقاع الصلاة في زمان هو وقتها من ليل أو نهار ، واستصحاب بقاء الوقت لا يصلح لإثبات كون الزمان الخارجي وقتا إلّا بناء على الأصل المثبت ، نظير استصحاب بقاء الكر في الحوض لإثبات كرية الماء الموجود فيه. وهكذا الحال في كل ما هو مفاد كان التامة ، فإن استصحابه لا يثبت مفاد كان الناقصة. نعم لو كان مفاد القضية الشرعية أن تجب الصلاة ما دام الوقت الكذائي موجودا كان استصحابه كافيا في جواز الصلاة. لكنه خلاف الظاهر من القضايا الشرعية الآمرة بالصلاة في وقتها.

اللهم إلّا أن يقال : الصلاة في الوقت لا يراد منه كون الوقت بنفسه ظرفا للصلاة ، إذ لا ظرفية بينهما ، بل المراد منه وقوع الصلاة في الأمد الموهوم الذي يكون ظرفا للوقت كما يكون ظرفا لها ، نظير الصلاة في الطهارة. وحينئذ كما

٧٦

يجري استصحاب الطهارة لإثبات كون الصلاة في حالها كذلك يجري استصحاب الوقت لإثبات كونها في الوقت. لأن مرجع ظرفية الزمان للزمانيات مجرد وجودها في حاله. ومنه يظهر صحة جريان استصحاب النهار واستصحاب رمضان لإثبات وجوب الصوم ، فتأمّل جيدا.

وأما لقاعدة الشك في القدرة المقتضية للاحتياط لان الشك في ضيق الوقت يرجع إلى الشك في القدرة على الصلاة بالطهارة المائية وعدمها وقد تقدمت الاشارة إلى أن الشك في القدرة على الواجب يقتضي الاحتياط في فعله إما لبناء العقلاء عليه لا لعموم ما دل على وجوبه المقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقن ، وهو فرض العلم بالعجز دون العجز الواقعي على ما هو القاعدة في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبّيا (المستمسك ج ٤ / ٣٦٠ ـ ٣٦١).

أقول : لكن المستفاد من صحيح الحلبي (وسائل ج ٣ / ب ٤ من ابواب المواقيت ج ١٨) وصحيح زرارة عن أحدهما : إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل. (ج ٢ باب ١ من ابواب التيمم ، ح ١) ، عدم جريان الاستصحاب فلاحظ ص ٤٨٥ و ٤٨٦ ج ٩ من التنقيح. لكن خبر الحلبي ضعيف بمحمد بن سنان.

٧٧

١٢ ـ الاستصحاب التعليقي

إذا ورد في لسان الشارع الاقدس : العنب إذا غلى ينجس (١) فهناك امور :

احدها : سببية الغليان للنجاسة ولزوال الطهارة الثابتة للعنب قبل الغليان. وثانيها : الملازمة بين الغليان والنجاسة. وثالثها : نفس النجاسة المعلقة على الغليان.

فان كان مرجع الاستصحاب التعليقي في المقام ـ مثلا ـ إلى الاستصحاب نفس سببية الغليان للنجاسة ، فهو من الاستصحاب التنجيزي. وتوقفت صحته على كون السببية من المجعولات الشرعية المتأصلة ذوات الآثار ، مثل الطهارة ، والنجاسة ، والملكية ، ونحوها. ولكنه خلاف التحقيق ، كما حرر في محله (٢). وكذا

__________________

(١) المأخوذ في الدليل عصير العنب وبعد صيرورة العنب زبيبا بالجفاف ينتفي عصيره قطعا فلا يبقى الموضوع للاستصحاب ففي ذكره مثالا للاستصحاب التعليقي مسامحة. وكأنّ سيدنا الاستاذ الماتن لاجلها ذكر المثال بعنوان الفرض فافهم جيدا.

(٢) فإنا وان قلنا بمجعولية بعض الاحكام الوضعية مستقلا ، لكن مثل السببية

٧٨

الكلام لو كان مرجعه إلى استصحاب الملازمة ، فإنه من الاستصحاب التنجيزي أيضا ، كما أن الملازمة غير مجعولة شرعا ، وإنما هي منتزعة من جعل الحكم الشرعي على تقدير وجود الشرط (١).

وان كان مرجعه إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي ، المعلق على الغليان ـ كما هو الظاهر ـ فإن قلنا بأن المنوط به الحكم وجود الشرط خارجا ، فلا حكم قبل وجوده ، فلا مجال للاستصحاب (٢) ، لعدم اليقين بالمستصحب ، بل المتيقن عدمه. أما إذا كان الحكم منوطا بوجود الشرط اللحاظي ـ كما هو التحقيق ـ لئلا يلزم التفكيك بين الجعل والمجعول ، الذي هو أوضح فسادا من التفكيك بين العلة والمعلول ، لأن الجعل عين المجعول حقيقة ، وانما يختلف معه اعتبارا فيلزم من

__________________

ـ والملازمة ونظائرها انتزاعية. كما افاد سيدنا الحكيم قدس‌سره والعجب من الشيخ الأنصاري رضى الله عنه حيث يرى الاحكام الوضعية باجمعها انتزاعية. ومع ذلك اجرى استصحاب السببية كما يأتي استظهاره من الماتن رضى الله عنه ثم إن مغايرة السببية والملازمة غير واضحة.

(١) وفيه ان المعتبر في صحة الاستصحاب كون المستصحب حكما واعتبارا شرعيا أو موضوعا أو جزء موضوع لحكم شرعي وبالجملة كونه مؤثر في ثبوت حكم شرعي بأي وجه كان وسببية الغليان للنجاسة لا يحتاج إلى اعتبار شرعي آخر فان النجاسة بنفسها اعتبار شرعي ذات احكام شرعية.

ويجري هذا في استصحاب الملازمة حرفا بحرف فإن الملازمة هي نفس السببية في البقاء لا فرق بينهما إلّا بذلك.

(٢) كما ذهب إليه سيدنا الاستاذ الخوئي وغيره فلاحظ مصباح الأصول.

٧٩

وجود الجعل بدون المجعول التناقض ، واجتماع الوجود والعدم ، فعليه لا مانع من الاستصحاب ، لليقين بثبوت الحكم ، والشك في ارتفاعه ، وكون المجعول حكما منوطا بشيء لا يقدح في جواز استصحابه بعد ما كان حكما شرعيا ومجعولا مولويا ، وان كان منوطا.

نعم استشكل فيه بعض الأعاظم من مشايخنا : بأن الشرط المنوط به الحكم ـ كالغليان في المثال المذكور ـ راجع في الحقيقة إلى قيد الموضوع (١) ومرجع قولنا : «العنب إذا غلى ينجس» إلى قولنا : «العنب الغالي ينجس» فإذا وجد العنب ، ولم يغل فلا وجود للحكم لانتفاء موضوعه بانتفاء قيده فلا مجال لاستصحابه. نعم يمكن فرض قضية تعليقية ـ حينئذ ـ فيقال : «العنب لو انضم إليه قيده ـ وهو الغليان ـ ينجس» لكن ذلك ـ مع أنه لازم عقلي ـ مقطوع البقاء ، في كل مركب وجد أحد جزئيه ، لا أنه مشكوك كي يجري فيه الاستصحاب.

وقد يشكل ما ذكره. بأن إرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحملية ، للبرهان القائم على أن موضوعات الاحكام علل تامة لها ـ لو تم في نفسه ـ لا يتضح ارتباطه بما نحن فيه ، ضرورة أن المدار في صحة جريان الاستصحاب على المفاهيم التي هي مفاد القضايا الشرعية ، سواء أكانت نفس الامر الواقعي ، أم لازمه ، أم ملازمه ، أم ملزومه ، ولذلك يختلف الحال في جريان الاستصحاب وعدمه ، باختلاف ذلك الأمر المتحصل. مثلا : لو كان الدليل قد تضمن أنه إذا وجد

__________________

(١) وتبعه تلميذه سيدنا الاستاد الخوئي قدس‌سره فراجع مصباح الأصول : ج ٣ / ١٣٧.

٨٠