القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

١
٢

المحتويات

مقدمة التحقيق................................................................ ٧

مقدمة المؤلف............................................................... ١١

القواعد الاصولية.............................................................. ١٣

١ ـ المائز بين الفعل الاختياري وغيره............................................ ١٥

٢ ـ اصالة عدم جواز البدار لاولي الاعذار....................................... ١٧

٣ ـ الفارق بين الفرد المردّد والواجب التخييري.................................... ٢٢

٤ ـ حكم المقدمات قبل الوقت................................................ ٢٣

٥ ـ طريقية العلم الاجمالي وخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء................... ٢٦

٦ ـ ملاقي الشبهة المحصورة.................................................... ٣٤

٧ ـ اقسام الظاهر وأحكامها................................................... ٤٧

٨ ـ التزاحم بين الاجزاء والشرائط............................................... ٥٠

٩ ـ الفحص في الشبهات الموضوعية............................................ ٥٨

١٠ ـ حول اعتبار اتصال الشك باليقين وعدمه.................................. ٦٢

١١ ـ استصحاب بقاء وقت الواجب الموقت..................................... ٧٦

١٢ ـ الاستصحاب التعليقي................................................... ٧٨

١٣ ـ استصحاب العدم الازلي................................................. ٨٩

١٤ ـ التفكيك بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي........................... ١١٠

٣

القواعد الفقهية.............................................................. ١١٥

١٥ ـ الاصل في الأموال هو الإباحة دون الحرمة................................. ١١٧

١٦ ـ الأصل في اللحوم الحرمة أو الحلية؟....................................... ١٢١

١٧ ـ الإسلام يجبّ ما قبله.................................................. ١٣٢

١٨ ـ تفسير المرتد الفطري................................................... ١٣٩

١٩ ـ التسبيب والتسبّب.................................................... ١٤٢

٢٠ ـ عموم حجية البيّنة..................................................... ١٤٧

٢١ ـ كلمة حول حديث رفع القلم............................................ ١٥٤

٢٢ ـ حول بدلية الأبدال في حال العذر....................................... ١٥٧

٢٣ ـ تحديد حجية قاعدة اليد............................................... ١٥٩

٢٤ ـ حكم الحاكم......................................................... ١٦٣

٢٥ ـ ضابط التحالف...................................................... ١٧٠

٢٦ ـ مدى نفوذ قضاء القاضي.............................................. ١٧٢

٢٧ ـ تعيين المدعي من المنكر وتعريفهما....................................... ١٧٥

٢٨ ـ قبول قول من لا يعرف إلّا من قبله...................................... ١٨٠

٢٩ ـ رجوع الآذن عن إذنه وقاعدة الغرور..................................... ١٨٢

٣٠ ـ الشرط المخالف للكتاب والسنة......................................... ١٩٢

٣١ ـ بعض ما يتعلق بالقرعة................................................. ١٩٥

العبادات.................................................................... ٢٠١

٣٢ ـ معنى الإسلام......................................................... ٢٠٣

٣٣ ـ معنى العدالة.......................................................... ٢٠٧

٤

٣٤ ـ داعي الداعي في العبادات.............................................. ٢٢٥

٣٥ ـ اشتراط صحة العبادات بالولاية......................................... ٢٢٨

٣٦ ـ حول التيمم.......................................................... ٢٣٢

٣٧ ـ قاعدة الامكان....................................................... ٢٤٠

٣٨ ـ كلمة حول غايات الوضوء.............................................. ٢٥٤

٣٩ ـ التقية................................................................ ٢٦١

٤٠ ـ بناء المسجد في الارض المفتوحة عنوة..................................... ٢٩٣

٤١ ـ حكم التقية في الصوم.................................................. ٢٩٥

٤٢ ـ موضوع جواز الافطار للمريض مثلا...................................... ٣٠٠

٤٣ ـ القيود المذكورة في موضوع الامتثال....................................... ٣٠٢

٤٤ ـ اختصاص حرمة الرياء بأمرين............................................ ٣٠٥

المعاملات................................................................... ٣١١

٤٥ ـ المالية والملكية وحكمهما................................................ ٣١٣

٤٦ ـ الفرق بين الحق والملك والحكم........................................... ٣١٦

٤٧ ـ هل الشرط يفيد الملكية؟............................................... ٣٢١

٤٨ ـ هل الاعراض يزيل الملكية؟............................................. ٣٢٥

٤٩ ـ الدخول في الارض بغير اذن مالكه...................................... ٣٣٢

٥٠ ـ سببية الحيازة للملك................................................... ٣٣٣

٥١ ـ صلاحية الميت للملكية................................................ ٣٤٢

٥٢ ـ انتقال التركة إلى الورثة مع الدين وعدمه.................................. ٣٥٩

٥٣ ـ اخذ القيود المرجوحة في موضوع النذر.................................... ٣٦٦

٥٤ ـ المحتملات الثلاثة في المنذور............................................. ٣٧٠

٥

٥٥ ـ الفرسخ والميل......................................................... ٣٧٦

٥٦ ـ الشروط في العقود الجائزة............................................... ٣٧٩

٥٧ ـ بعض ما يتعلق بشرط النتيجة........................................... ٣٨٦

٥٨ ـ الانفاق على الاقارب حق أو ذو حكم؟.................................. ٣٨٩

٥٩ ـ تصرفات الصبي....................................................... ٣٩٢

٦٠ ـ نسبة الزوجية الدائمة مع المنقطعة........................................ ٣٩٦

٦١ ـ الشبهة والزنا.......................................................... ٤٠٠

٦٢ ـ الانتفاع بمال الغير..................................................... ٤٠٧

٦٣ ـ متى تخرج العين المغصوبة عن ملك مالكها؟............................... ٤١١

٦٤ ـ كيفية القيود.......................................................... ٤١٦

٦٥ ـ ضمان الاعمال الذمية................................................. ٤١٩

٦٦ ـ المائز بين العقد والايقاع................................................ ٤٢٢

٦٧ ـ بعض اقسام الكشف.................................................. ٤٢٥

٦٨ ـ كلام حول المعاوضة................................................... ٤٢٧

٦٩ ـ فرق الجعالة عن غيرها................................................. ٤٣٠

٧٠ ـ دوران الامر بين القرض والمضاربة........................................ ٤٣١

٧١ ـ محتملات القبالة...................................................... ٤٣٦

٧٢ ـ الاجرة ليست في مقابل المنفعة الخارجية................................... ٤٣٨

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لا يخفى على ذوي الألباب ما لعلم الفقه من مكانة وأهمية في دائرة التعاليم الإسلامية باعتباره القانون الإلهي في المشروع الحضاري الإسلامي الذي اريد له تنظيم شئون الإنسان في حركة الحياة الفردية والاجتماعية ، ولذلك نجد أن علماء الدين وفقهاء المذاهب قد وطّدوا العزم منذ فجر الإسلام وحتّى يومنا هذا في تشييد مبانيه وتحكيم اسسه وإيقاظ روح الاجتهاد في آفاق هذا العلم من أجل تحويل النصوص السماوية الشريفة إلى واقع حي يشمل كل تطلعات الإنسان في مسيرته الصاعدة وتمكنه من الاجابة على علامات الاستفهام امام مستلزمات الواقع وتحديات الظروف ومستجدات الحياة.

ومن هذا المنطلق كان الفقه الإسلامي من أشرف العلوم وأجلّها مرتبة وأوسعها نطاقا ، ومعلوم أن الفقه ـ أي الأحكام الشرعية ـ هو ما يستنبط من الحجج والامارات الشرعية ، وهي : الكتاب والسنة والاجماع والعقل ، رغم أن أكثر ما يستنبط منه الحكم الشرعي هو السنة الشريفة ، ويستفاد من السنّة جملة من الضوابط والاصول يطلق عليها «القواعد الفقهية» التي تعتبر مجموعة صياغات معرفية تمثل البنى التحتية لصرح المسائل الفقهية ، ولذلك كانت من أهم الأمور التي ينبغي على الفقيه معرفتها لممارسة سلطة معرفية تعمل على اذكاء فاعلية العقل الفقهي في عملية قراءة النص الديني.

٧

ولكن رغم هذه الأهمية البالغة للقواعد الفقهية فإننا لا نجد بحوثا مستقلّة في كتب الاصحاب تتولى دراسة هذه القواعد من موقع التأصيل الفقهي للمساهمة في منح الفقه قدرات تنظيرية واسعة لفهم النص واستجلاء مضمونه.

ثمّ أنّ القاعدة الفقهية على ما يستفاد من استقراء كلمات الاصحاب «قدس‌سرهم» على ثلاثة أنحاء :

الأول : ما يشتمل على حكم فقهي عام لا يختص بباب معين من الفقه ، بل يستوعب ابواب الفقه كلها من قبيل قاعدة حجية البيّنة أو خبر الواحد في الموضوعات.

الثاني : ما يتضمن حكم فقهي عام يتدخل في كثير من مسائل الفقه المبحوثة في أبواب متفرقة من قبيل : قاعدة أصالة للزوم أو قاعدة الضمان فانهما تجريان في أبواب المعاملات فقط.

الثالث : ما يحتوي على حكم فقهي عام يشمل مسائل كثيرة من كتاب واحد ، مثل قاعدة لا تعاد في باب الصلاة ، أو قاعدة الطهارة في باب الطهارة أو قاعدة البينة على المدعى واليمين على من انكر ، الواردة في باب القضاء.

فحينئذ تفترق القاعدة الفقهية عن القاعدة الأصولية بأنّ الثانية تقع في طريق استنباط الأحكام الكلية ، بينما القاعدة الفقهية تنطبق على جزئياتها وصغرياتها كما أنها ، أي القواعد الفقهية تفترق عن المسائل الفقهية في تضمّن المسائل الفقهية أحكاما خاصة مثل طهارة ماء البئر ، نجاسة الدم ، صحة العقد المعاطاتي ، حرمة الخمر وأمثال ذلك.

٨

ومن هذا المنطلق أقدم على تأليف وتدوين القواعد الفقهية والأصولية المذكورة في المستمسك أحد تلاميذ الأستاذ آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم «قدس الله نفسه الزكية» ، صاحب الفضيلة سماحة العلّامة آية الله محمّد آصف المحسني «دام ظله» الذي قضى عمره الشريف في تعلّم وتعليم العلوم والمعارف الدينية واقترنت هذه النشاطات العلميّة بإنجازات قيّمة على مستوى التأليف في سائر العلوم الإسلامية ، من قبيل الفقه والأصول ، التفسير والعلوم القرآنية ، الحديث والرجال ، العقائد والكلام ، التهذيب والأخلاق مما رشح عن قلمه السيّال وبيانه الجذاب ، مضافا إلى كون سماحته من أصحاب الرأي والنظر في المباحث الجديدة والمسائل المستحدثة.

وأمّا ما قمنا به في تنظيم ، تنسيق وتحقيق أبواب هذا الكتاب وإخراجه بالشكل المطلوب فكما يلي :

أولا : بما أنّ سماحة المؤلف قد استعرض مطالب المستمسك حسب ترتيبها الموجودة حاليّا في كتابه هذا ، لذا قمنا بدورنا بتغيير هذا الترتيب إلى ما هو عليه الآن من التمييز والفصل بين القواعد الفقهية والأصولية.

ثانيا : وهكذا أقدمنا على تقسيم المسائل الفقهية إلى قسمين : العبادات والمعاملات.

ثالثا : تنظيم ما يتناوله هذا الكتاب استطرادا على بعض المسائل والمقدمات من تعاريف المفردات مما لا يدخل في ضمن قاعدة أصولية أو فقهية. مثل اعتبار اتصال الشك باليقين وعدمه ، أو معنى الإسلام ، ومعنى العدالة ، أو بناء المسجد في الأرض المفتوحة عنوة ، أو فرق الجعالة عن غيرها وامثال ذلك.

٩

رابعا : تم ذكر الإرجاعات والمنابع والمصادر (غير الآيات والروايات وبعض التوضيحات والتعليقات التي ذكرت في الهامش) في المتن الأصلي للكتاب.

خامسا : تمّ ذكر بعض عبارات العروة الوثقى في أول الفصول بحروف بارزة ، بين الهلالين ، لغرض تنظيم البحث بصورة أفضل وتمييز كلام العروة عن المستمسك.

سادسا : تهيئة فهرست المحتويات بالترتيب المذكور في هذا الكتاب.

سابعا : تصحيح ما ورد من أخطاء مطبعية في مطاوي هذا المتن.

ثامنا : سعينا إلى تنقيح المتون وتقويم ما ورد في هذا الكتاب على مستوى السياق الأدبي.

تاسعا : في الموارد اللازمة عملنا على مطابقة المتن وأكملنا ما وجدنا فيه أحيانا من عدم التطابق.

عاشرا : قمنا بترتيب مطالب الكتاب ضمن اثنا وسبعين فصلا.

وفي الختام نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق للمزيد من بذل الجهد في سبيل إحياء كلمة العليا وأن يأخذ بايدينا لما فيه صلاح الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

مهدي النيازي الشاهرودي

١٣ رجب المرجّب ١٤٢٤ ه‍. ق

المصادف لمولد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وآله الاطهرين.

أما بعد فإنّ كتاب العروة الوثقى للفقيه البارع آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي «قدس‌سره الشريف» رغم عدم استيعابه لجميع أبواب الفقه فهو حصيلة لتطور الفقه وأصوله من زمان غيبة الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف» بل من قبله ، أي من عصر الأئمة عليهم‌السلام إلى عصر الشيخ الأنصاري قدس‌سره ولئن سمّاه أحد بمعجزة فقهية لا راه ملوما. والفقه والفقهاء بل المتدينون الآن بانتظار معجزة ثانية على يد عبقري أو عباقرة يقومون بتكميل هذا الكتاب على نهجه وأسلوبه واستيعابه للمسائل والفروع في جميع علم الفقه أو معظمه لا سيّما الفروع المستجدة حسب تطور العلوم في شئون الحياة. ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

ثم إنّ هذه الحصيلة بدورها ـ حسب العادة ـ تصبح الحجر الأساس لتحولات تقدّمية فقهية أخرى ومرجعا للفقهاء وأهل الاستنباط ، فكانت بحاجة إلى مستمسك قوي يسهل التمسك بها ، فأوّل عالم عبقري قام بذلك هو الفقيه الكبير سماحة الأستاذ آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس‌سره مرجع المؤمنين في عصره وولي الحوزة العلمية في عاصمة التشيع ؛ النجف الأشرف.

نعم من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور.

١١

وهكذا نجد أنّ مستمسك العروة الوثقى بتحرير مطالبه وتنقيح مبانيه ودقة تعابيره وعلوّ مراميه واجتنابه عن الإطالة والحشو وفضول الكلام ، وقع من أول بروزه موقع استفادة العلماء والمحققين ، وبحق أنّه مقرّب للاجتهاد كما يقوله كثير من العلماء والفضلاء.

فالمستمسك كنز من المسائل الفقهية ، وفيه تجليات اصولية أيضا. ولكن في هذا الكنز جواهر متنوّعة كسائر الكنوز من جهة عمومية الاستفادة منها في غير مورد ، أو من جهة أهميتها ، ولهذا قمنا بتنظيم مسائل هذا الكتاب على أساس استخراج وايضاح القواعد الفقهية والأصولية في مجموعة واحدة حتى يسهل الرجوع إليها والاستفادة منها من دون الغوص في بحر المستمسك.

وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا الأثر المتواضع ويعود على سيدنا الأستاذ بالثواب الجزيل والأجر الكريم ونأمل أن يقع هذا الكتاب نافعا للعلماء والفضلاء الأعزاء.

وأخيرا نتقدم بالشكر الجزيل إلى ولدنا البار الفاضل سماحة الشيخ مهدي النيازي الشاهرودي لما بذله من جهد في إخراج ، تصحيح وتحقيق هذا الكتاب ونسأل الله تعالى أن يوفقه لخدمة الدين الحنيف والشريعة الغراء ويتقبل منه هذا العمل بأحسن القبول.

قم المقدسة

محمد آصف المحسني

٢٧ رجب المرجّب ١٤٢٤ ه‍. ق

المصادف لمبعث الرسول الأكرم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٢

القواعد الأصولية

١٣
١٤

١ ـ المائز بين الفعل الاختياري وغيره

المائز بين الفعل الاختياري وغيره : أن الاختياري : ما يكون جميع مقدماته اختياريا ، أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري. مع كون غير الاختياري متحققا في ظرفه. وغير الاختياري : ما يكون جميع مقدماته غير اختياري ، أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري مع كون غير الاختياري غير متحقق. مثلا : نقل المتاع في السفينة من بلد إلى آخر ، يتوقف على وضع المتاع في السفينة ، وسحب السفينة في الماء ، وعلى وجود الماء. ولا ريب أن وجود الماء غير اختياري ، لكن لما كان الماء موجودا ، كان نقل المتاع اختياريا ، وإذا اتفق غور الماء صار نقل المتاع غير اختياري. فعلى هذا قد يكون البرء اختياريا ، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية متحققة ، وقد يكون غير اختياري ، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية غير متحققة ، فاطلاق أن البرء غير مقدور غير ظاهر.

وفي حاشية بعض الأعاظم على المقام : «إنما يكفي اختيارية المقدمات في اختيارية ذيها ، إذا كان ـ كمخيطية الثوب مثلا ـ أثرا متولدا منها ، ولم يتوسط في

١٥

البين مقدمة أخرى غير اختيارية ، وإلّا كانت هي الأخير من أجزاء علته ويستند الأثر إليها ، ويكون تابعا لها في عدم المقدورية (١).

ولا يصح الالتزام به بالاجارة ، أو الاشتراط ، أو غير ذلك ، وظاهر أن برء المريض وكذا سمن الدابة ونحوهما من ذلك ...». والاشكال فيه يظهر مما ذكرنا ، فإن توسط بعض المقدمات غير الاختيارية إذا كانت متهيئة لا يقدح في اختيارية ذيها ، كما عرفت. ولا فرق بين المخيطية وبين برء المريض وسمن الدابة في كونها اختيارية ، إذا كانت المقدمات غير الاختيارية متهيئة. نعم تختلف من حيث السرعة والبطء. مع أن برء المريض قد يكون مثل المخيطية في سرعة الحصول. (المستمسك ج ١٢ / ٢٢٦).

__________________

(١) وكأنه يفصل بين الأسباب التوليدية والاعدادية ، ويمكن ان يستدل عليه بقوله أفرأيتم ، ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ... أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون.

وأفعالنا بالنسبة إلى المني والزرع إعدادية ولذا نسبهما القرآن إليه تعالى وسلبها عنا. كما ذكره المحقق النائيني رضى الله عنه ـ على ما ببالي ـ ولعله المراد ببعض الأعاظم في كام سيدنا الاستاذ قدس‌سره ، لكن هذا لا ينافي ما افاده سيدنا الاستاذ الحكيم كما لا يخفى.

١٦

٢ ـ اصالة عدم جواز البدار لاولي الاعذار

(في المتيمم مع احتمال زوال العذر أو رجائه (أي ليس تعجيل الصلاة بأفضل) وأما في غيره من الأعذار فالاقوى وجوب التأخير وعدم جواز البدار).

يأتي وجهه في مبحث التيمم في مسألة جواز التيمم في السعة ، كما نذكر فيها وفي غيرها أيضا الوجه في أصالة عدم جواز البدار لاولي الأعذار.

ومحصله : أن المفهوم عرفا من أدلة الأحكام الاضطرارية ـ ولو بمناسبة الحكم والموضوع ـ هو كون الحكم الاضطراري ثابتا في ظرف عذر المكلف عقلا عن الحكم الاختياري ، وسقوطه عن مقام الفعلية أصلا ، وهو إنما يكون كذلك في ظرف استمرار العجز ، ولا يكفي في سقوطه مجرد العجز آناً ما. ولأجل ذلك لا يكون حال دليل الحكم الاضطراري بالاضافة إلى دليل الحكم الاختياري حال سائر الأدلة المخصصة للعمومات ، كي يكون في عرضه ، ولأجل منافاته يجمع بينهما بالتخصيص أو التقييد ، نظير دليل حكم المسافر بالاضافة إلى

١٧

عمومات الأحكام بل المفهوم عرفا أنه في طوله فلا يكون منافيا له أصلا ، بل يكون مثبتا لبدله في ظرف العجز عنه وسقوطه عن الفعلية. ولأجل ذلك لا يجوز للمكلف تعجيز نفسه عن الواجب الأولي ، لأن فيه تفويت الواجب وهو محرم عقلا.

وبالجملة : حرمة التعجيز واعتبار استمرار العذر في مشروعية البدل كلاهما ناشئان عما ذكرنا من أن المفهوم عرفا من دليل البدلية ثبوتها في ظرف سقوط المبدل منه عن الفعلية بالمرة ، ووجود العذر عقلا عنه ، وذلك إنما يكون في ظرف استمرار العجز ، فلو بادر المكلف إلى فعل البدل في أوّل آنات العجز كان الاكتفاء به مراعي باستمرار العجز ، فإن كان مستمرا صح البدل من أوّل الأمر ، وإلّا بطل كذلك ، ولا فرق بين صورتي رجاء زوال العذر وعدمه (١). وقد تكرر بيان ذلك في

__________________

(١) المأمور به الموقت ، إنما هو الطبيعي بين المبدا والمنتهى ، فعدم امكان اتيانه بجميع اجزائه وشروطه في بعض افراد الوقت مع العلم بإمكانه في سائر افراد الوقت الطولية. بل مع احتماله لا يوجب الانتقال إلى اتيان الابدال الاضطرارية حسب القاعدة الأولية. وان شئت فقل ان الافراد الطولية كالافراد العرضية فكما ان التعذر في بعض الافراد العرضية لا يجعل المكلف ذا عذر فكذا في الافراد الطولية.

هذا كله بالنسبة إلى الحكم الواقعي. واما بالنسبة إلى الحكم الظاهري في فرض احتمال زوال العذر يجري استصحاب بقائه إلى آخر الوقت فيجوز البدار فان استمر العذر أو اشتبه الحال صح العمل وان علم بزواله في اثناء الوقت

١٨

__________________

ـ وجب الاعادة لما افاده السيّد الاستاذ قدس‌سره وان شئت فقل بعدم اجزاء امتثال الامر الظاهري عن المأمور به الواقعي.

وخلاصة الكلام ان علم بزوال العذر لم يجز البدار وان علم ببقائه جاز وان احتمل زواله وبقائه لم يجز بحسب الحكم الواقعي وجاز بحسب الظاهر حسب القاعدة.

بقي شيء وهو انه هل يجوز البدار رجاء في الفرض الأخير مع قطع النظر عن الاصل المذكور أم لا؟ مقتضي القاعدة هو الأوّل بناء على عدم اعتبار قصد الوجه وصفا وغاية فان انكشف الخلاف وجب الاعادة وان استمر العذر صح العمل.

بقي الكلام في التيمم من جهات.

١ ـ هل يصح التيمم في سعة الوقت للصلاة أم هو باطل لا يصح الاتيان به ولو برجاء الأمر في الوقت الموسع فإذا استمر العذر فلا بدّ من إتيان تيمم وصلاة اخرى؟

٢ ـ إذا دخل المكلف متيمّما في الوقت الموسع هل يجوز له البدار أم لا؟

٣ ـ الوجه في تفصيل صاحب العروة من جواز البدار للمتيمم دون سائر ذوي الاعذار.

أما الجهة الأولى : فقد ذهب جمع إلى صحّة التيمم لدلالة جملة من الروايات عليها (الباب ١٤ من أبواب التيمم من الوسائل).

وقال سيّدنا الاستاذ الحكيم قدس‌سره بعد نقلها (المستمسك ج ٤ / ٤٤٣) :

وظهور الجميع في صحة التيمم في السعة مما لا مجال لانكاره. مضافا إلى إطلاق ادلة البدلية. ودعوى ان اطلاقها ـ أي أدلة البدلية ـ يقتضي وجوب التأخير ، لان

١٩

__________________

ـ مفادها ، بدلية التيمم عند تعذر الوضوء وتعذره انما يكون بالتعذر في جميع الوقت لا في بعضه.

مندفعة بان مقتضي اطلاقها الزماني الاكتفاء بتعذر جميع افراد الوضوء في كل زمان ، وهو حاصل بتعذر الماء في أوّل الازمنة ، فدعوى اعتبار التعذر في جميع الازمنة محتاج إلى قرينة مفقودة. انتهى كلامه.

لكن ما تقدم منا يصلح قرينة ، كيف ولا يظن الالتزام بالفقهاء أن يفتوا بصحة التيمم لمن يعلم بوجدان الماء بعد ساعة أو نصف ساعة باطلاق ادلة البدلية.

وأما الروايات المشار إليها فلا اطلاق لها يشمل فرض احتمال زوال العذر والمتيقن فرض العلم ببقاء العذر إلّا أن يتمسك بترك استفصال الإمام عليه‌السلام فيشمل فرض العلم بالارتفاع أيضا. والالتزام به مشكل كما عرفت والمشهور مطلقا أو عند المتقدمين وجوب التأخير إلى آخر الوقت وقد ادعى عليه الاجماع ويدل عليه جملة اخرى من النصوص ما بين مطلق يشمل فرض العلم ببقاء العذر وبين ما يخص فرض احتمال زواله (الباب ٢٢ من أبواب التيمم من الوسائل) وقد جمع بين الطائفتين من النصوص بوجوه قابلة للنقاش (المستمسك ج ٤ / ٤٤٤) ولذا حمل السيّد الاستاذ قدس‌سره الثانية على الاستحباب.

أقوال : وهنا وجه آخر للجمع بينهما وهو تخصيص الطائفة الأولى الشاملة للعلم بالبقاء أو الارتفاع واحتمال أحدهما ببعض نصوص الطائفة الاولى المختصة بفرض احتمال وجدان الماء كصحيح زرارة عن أحدهما عليه‌السلام إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ... (الوسائل ج ٣ ب ١٤ من أبواب التيمم). فإنه لا معنى

٢٠