القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

في مقابل الشبهة تثبت في فروض المسألة كلها ، إلّا أن تقوم القرينة على الاختصاص بنوع دون نوع وبحال دون حال.

ومن ذلك يظهر أن الأحكام الأربعة المشهورة الثابتة للزنا في الجملة ـ وهي نفي العدة ، ونفي المهر ، ونفي النسب ، وثبوت الحد ـ لا بدّ من ملاحظة أدلتها ليتضح أنها ثابتة له مطلقا أو مقيدا.

والظاهر من أدلة الحد اختصاصه بالمعصية ، لأنه المجازاة عليها لقطع دابر الفساد ، فلا يشمل صورة ارتفاع التكليف. مضافا إلى ما ورد من أنه لا حد على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبي حتى يدرك ، ولا على النائم حتى يستيقظ (١)(٢).

ونحوه غيره مما ورد في الصبي ، والمستكره (٣) وغيرهما. ولعل أدلة نفي النسب عن الزاني أيضا مختصة بذلك ، لأن العمدة فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٤). وعموم العاهر لمطلق الزاني غير ظاهر.

ولا يبعد أيضا ذلك في مثل : «لا مهر لبغي» ، فان البغاء غير ظاهر العموم لمطلق الزنا. وأما نفي العدة فهو محل كلام وخلاف ، وقد أفتى بعض بوجوب العدة على الزانية وعدم جواز تزويجها قبل انتهاء العدة. وبالجملة لا بدّ من ملاحظة أدلة

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمات الحدود حديث : ١.

(٢) سند الرواية لم يظهر اعتباره.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب حد الزنا.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٧٣ من أبواب احكام الأولاد حديث : ١ ، الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث : ١ ، ٤.

٤٠١

الأحكام من حيث العموم والخصوص. والكلام في ذلك موكول إلى مقام آخر. نعم لا ينبغي التأمّل في أن نشر الحرمة بالزنا لا قصور في إطلاق أدلته ، فيجب الأخذ بها في فرض المسألة.

ثم ان الذي يظهر من تعريف الشبهة المنسوب إلى الأكثر الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة ، بل هو ظاهر المحكي من كلام جماعة من الفقهاء ، كالشيخ في النهاية ، والمحقق في الشرائع ، والنافع ، والعلّامة في القواعد ، وغيرهم ، فقد اشتملت عباراتهم في تمثيل الشبهة على ذكر الظن وإخبار مخبر. ونحو ذلك ما تقدم عن المسالك في تعريف الشبهة والتمثيل لها. وظاهر ذلك الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة في نظر الواطئ. ويحتمل اعتبار كونه حجة شرعا ، فاذا لم يكن حجة شرعا كان الوطء زنا. وهو ظاهر محكي مصابيح العلامة ، معللا بأن الفروج لا تستباح إلّا بسبب شرعي ، فاذا لم يتحقق فيه السبب المبيح فهو وطء محرم داخل في الزنا. ومن المعلوم ان الشارع لم يبح الوطء بمجرد الاحتمال أو الظن ، وإنما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق أو حصول ما جعله امارة للحل ، فبدونهما لا يكون الوطء إلّا زنا ... إلى آخر كلامه المحكي. وفي المسالك ـ بعد أن نقل عن الشيخ وغيره تحقق الشبهة في الوطء بظن المرأة خلية من الزوج. أو ظن موت زوجها ، أو طلاقه ، سواء استند إلى حكم الحاكم ، أو شهادة الشهود ، أو إخبار مخبر ـ قال : «ان الحكم المذكور لا إشكال فيه على تقدير حكم الحاكم أو شهادة شاهدين يعتمد على قولهما شرعا وإن لم يحكم حاكم ... إلى أن قال : وأما على تقدير كون المخبر ممن لا يثبت به ذلك شرعا ـ كالواحد ـ فينبغي تقييده بما لو ظنا

٤٠٢

جواز التعويل على خبره جهلا منهما بالحكم ، فلو علما بعدم الجواز كانا زانيين ، فلا يلحق بهما الولد ، ولا عدة عليها منه. ولو جهل أحدهما ثبتت العدة ولحق به الولد ، دون الآخر وفي التحرير صرح بالاجتزاء بخبر الواحد. وهو محمول على ما ذكرنا ليوافق القوانين الشرعية». ونحوه المحكي من عبارة شرح النافع وغيرها. وظاهره الاجتزاء باعتقاد الحجية غفلة ، وإن لم يكن حجة شرعا ، وكان الوطء فيه محرما ، لكون الواطئ من الجاهل المقصر المستحق للعقاب. ويحتمل الاكتفاء بمطلق عدم العلم بالحرمة لا واقعا ولا ظاهرا.

بأن كان مترددا ومتنبها للسؤال ، فلم يسأل وأقدم على الوطء. وفي الجواهر : أنه لا يخلو من قوة. وهو ظاهر تعريف المسالك ، بناء على إرادة الأعم من العلم حقيقة أو تعبدا. فهذه احتمالات أو أقوال أربعة في الفرق بين الشبهة والزنا مستفادة من كلمات الاصحاب.

وأما النصوص : ففي موثق زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا نعي الرجل إلى أهله ، أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ، ثم تزوجت ، فجاء زوجها الأوّل ، فان زوجها الأوّل أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأوّل أو لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوجها أبدا ، ولها المهر بما استحل من فرجها» (١). ومصحح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته وتزوجت سريته ، فولدت كل واحدة من زوجها ، ثم جاء الزوج

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٤٠٣

الأول أو جاء مولى السرية.

قال : فقضى في ذلك أن يأخذ للزوج الاوّل امرأته ويأخذ السيّد سريته وولدها أو يأخذ عوضا من ثمنه» (١). ومصحح يزيد الكناسي (٢).

قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة تزوجت في عدتها. فقال : إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم ... إلى أن قال : قلت : أرأيت إذا كان منها بجهالة قال : فقال ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت. ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت : فان كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال : إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم» (٣) ، وصحيح أبي عبيدة الحذاء (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن امرأة تزوجت رجلا ولها زوج ، فقال عليه‌السلام : إن كان زوجها الاوّل مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل إليه ويصل إليها فان عليها ما على

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) تصحيح الرواية سندا مبني على الحكم باتحاد يزيد الكناسي ويزيد القماط الذي وثقه النجاشي لكن الاتحاد المذكور غير ثابت على الاظهر. بل خبر محمد بن قيس السابق أيضا في سنده كلام طويل واما خبر زرارة فهو غير معتبر سندا على الاقوى.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ٢.

(٤) سند الشيخ إلى احمد بن محمد بن عيسى صحيح على المشهور ظاهرا لكنه لا يخلو عن اشكال كما ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال فالرواية لا يخلو سندها عن نقاش فتأمل.

٤٠٤

الزاني المحصن الرجم ... إلى أن قال : قلت : فان كانت جاهلة بما صنعت. قال : فقال : أليس هي في دار الهجرة؟ قلت : بلى. قال : ما من امرأة من نساء المسلمين إلّا وهي تعلم أن المرأة المسلمة لا يحل لها أن تتزوج زوجين. قال : ولو أن المرأة إذا فجرت قالت : لم أدر ، أو جهلت أن الذي فعلت حرام ، ولم يقم عليها الحد إذا لتعطلت الحدود» (١).

لكن الأخير غير ظاهر في وطء الشبهة ، وإنما هو ظاهر في دعوى الشبهة وأنها غير مسموعة ، لا أنها لو صحت لا تجدي في رفع اليد حتى عن الحد ، حتى يكون مما نحن فيه. ونحوه ما قبله. نعم ظاهر ذيله صحة الدعوى ، لكن لا تعرض فيه للحد «وإنما فيه تعرض لوجوب السؤال وعدم المعذورية. اللهم إلّا أن يكون المراد ان سماع دعواها لا يستوجب رفع الحد لوجوب السؤال. لكن على هذا التقدير يكون وجوب الحد مختصا بالجاهل المتردد ، فلا يشمل الجاهل الغافل وإن كان مقصرا ومأثوما. لكن هذا المصحح يكون نافيا للاحتمال الأخير الذي اختاره في الجواهر ، وللاحتمال الأول المنسوب إلى ظاهر المشهور ، ولا ينفي الاحتمالين الآخرين. وأما مصحح محمد بن قيس : فلا يظهر منه انه وارد في وطء الشبهة ، بل أخذ مالك السرية للولد من أحكام الزنا ، لا من أحكام الشبهة وأما موثق زرارة : فمقتضى ما فيه من استحقاق المهر أنه وارد في الشبهة. ومقتضى الجمود على مورد السؤال الاجتزاء في الشبهة بمطلق الخبر ولو مع التردد في

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ١.

٤٠٥

حجيته. لكن المنصرف إلى الذهن من قوله : «فاعتدت ...» أن الاعتداد كان مبنيا على اعتقاد الحجية غفلة أو اعتقاد صدق المخبر ، ولو سلم إطلاقه فهو مقيد بمصحح الكناسي المتقدم بناء على ظهوره في ثبوت الحد مع التردد ، وتكون نتيجة الجمع بينهما اعتبار عدم التردد في الحجية في ثبوت الشبهة وإن كان الواطئ مقصرا. فيتم ما ذكره في المسالك وغيرها. ومن ذلك يتضح وجه بقية النصوص التي ذكرها في الجواهر التي ادعى فيها اطلاقها من حيث وجود الحجة الشرعية وعدمها ، والتردد في الحجية وعدمه ، فان اطلاقها لو سلم يكون مقتضى الجمع بينها وبين مصحح الكناسي اعتبار عدم التردد في الحجية.

والمتحصل مما ذكرنا أمران : الأوّل : أن المائز بين وطء الشبهة وبين الزنا ما ذكر في المسالك من أن الأوّل الوطء غير المستحق مع البناء فيه على الاستحقاق ولو كان جاهلا مقصرا ، والثاني ما عداه.

والثاني : أن اللازم ترتيب أحكام الزنا على الزنا بالمعنى المذكور ، إلّا إذا كان دليل الحكم لا عموم فيه ، فيقتصر فيه على القدر المتيقن. (المستمسك ج ١٤ / ٢٢٦ إلى ٢٣١).

٤٠٦

٦٢ ـ الانتفاع بمال الغير

(الوضوء تحت الخيمة المغصوبة ان عدّ تصرفا ـ فيها ـ كما في حال الحر والبرد المحتاج إليها باطل).

لا ينبغي التأمل في أن مجرد الجلوس تحت الخيمة ليس تصرفا فيها عرفا ، كالجلوس تحت السماء ، ولو فرض كونه تصرفا لم يكن فرق بين الحر والبرد وغيرهما من الأحوال. نعم يصح صدق الانتفاع بها في الحالين المذكورين من دون غيرهما. لكن عرفت أن الانتفاع بمال الغير لا دليل على تحريمه ، لان الموضوع في التوقيع الشريف هو التصرف ، وإطلاق موثق سماعة : «لا يحل مال امرئ مسلم ...» (١) محمول عليه ، كما أشرنا إلى وجهه في مبحث الأواني (٢).

__________________

(١) في صحيح الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بمنى .. فان دماءكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم .. الا من كانت عنده امانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه ولا تظلموا انفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا (الكافي ج ٧ / ٢٧٣ الوسائل ب ٣ من

٤٠٧

__________________

ـ ابواب مكان المصلي) ورواه الصدوق بسند معتبر عن زرعة عن سماعة (الفقيه ج ٤ الباب ٥٠٩ برقم ٥١٥٤).

واما التوقيع فسنده معتبر واليك ذيله : (فلا يحل لاحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه .. (الوسائل ب ٣ من أبواب الانفال ح ٧.

قال السيد الاستاذ الماتن (المستمسك ج ٢ / ٤٣١ و ٤٣٢) الاقرب عرفا ان يحمل الأوّل على الحكم الواقعي والتوقيع على الحكم الطريقي ومقتضاه اعتبار الطيب مطلقا ، ويكون الاذن الانشائي طريقا إليه يرجع اليه عند الشك.

وقال أيضا : ثم ان ظاهر الموثق (اي موثق سماعة وصحيح الشحام) اعتبار الطيب الفعلي. لكن السيرة تقتضي الاجتزاء بالطيب التقديري ويقتضيه ظاهر الاتفاق على جواز التصرف باذن الفحوى .. نعم اذا كان طيب نفس المالك معلقا على أمر زائد على الالتفات .. بل يحتاج إلى وعظ ونصح وارشاد مثلا لم يجزئ مثل هذا الطيب ..

ثم ان ما ذكرنا من الاجتزاء بالطيب التقديري المعلق على الالتفات يختص بالتصرفات الخارجية ، مثل الاتلاف ونحوه واما التصرفات الاعتبارية مثل البيع ونحوه فلا يجزئ فيها ذلك عند الاصحاب وان اختار الاجتزاء به بعض المحققين في مبحث الفضولي. لكنه ضعيف كما أن التصرفات الاعتبارية تفترق عن التصرفات الخارجية بوجه آخر وهو عدم الاجتزاء بالطيب النفساني فيها وإن اجتزأ به في التصرفات الخارجية لما يظهر من بعض الادلة هناك من اعتبار رضا الانشائي زائدا على طيب النفس. والكلام فيه موكول الى محله.

والوجه فيه أولا الانصراف ، وثانيا عدم ما يصلح ان يقدر فيه عرفا وتقدير

٤٠٨

نعم يمكن أن يقال : إذا كان الانتفاع بمال الغير ذا مالية معتد بها عند العقلاء كان مملوكا للغير (١) فيحرم التصرف فيه حينئذ ، لما عرفت من حرمة التصرف بملك الغير (٢) ولو كان منفعة. ولذا يحرم على مالك العين إذا آجرها الجلوس فيها بغير إذن المستأجر ، لأنّه تصرف في منفعة غيره ، وإن لم يكن تصرفا في عين غيره ، بل كان في عين نفسه ، ومن ذلك يصح التفصيل بين صورة الحاجة إلى الخيمة ـ كما

__________________

ـ مطلق ما يمكن ان يقدر ربما ينجر إلى حرمة النظر إلى مال الغير واستشمامه واخذ الصورة منه ونظائرها مما لم يقل بحرمته احد. ولم اراجع إلى ما افاده قدس‌سره في ذلك.

(١) يمكن ان يجعل هذا الكلام ملاكا لحق الطبع كما اشتهر في اعصارنا ، وربما يبلغ الانتفاع بطبع كتب المؤلفين بملايين. وكذا حق انتاج بعض الآلات المخترعة من قبل المختبرين ، فينحصر الحق بهم فقط. لكن حق الانحصار المذكور فيه اشكال صغرى وكبرى إلّا أن يتمسك فيه بقاعدة العدل.

(٢) لم اجد ما يدل على حرمة التصرف في ملك الغير سوى الاجماع فقد ذكر الشيخ في مكاسبه في شرائط العوضين ان حبة حنطة ليست بمال لكنه ملك ويحرم غصبها اجماعا. وهذه الحرمة مطابقة للمرتكزات ولو لا الحرمة لامكن اخذ مقادير منها حبة حبة وهو كما ترى لكن لا ارتكاز في المنع في مثل الانتفاع بظل الخيمة وان كان ذو اهمية بحيث يصدق عليه في العرف الملكية وكذا بضوء الكهرباء ونحوها واما التصرف في الحق فقد لا يجوز كما في حق التحجير وقد يجوز كما في المساجد ونحوها فان الممنوع هو مزاحمة صاحب الحق فإذا طرده ظلما فقد ارتكب حراما لكن لا يحرم الجلوس والصلاة في مكان المطرود بعد الطرد.

٤٠٩

في حال الحر والبرد ـ وغيرها إذ في الأولى يكون للخيمة منفعة ذات مالية معتد بها عند العقلاء ، فتكون مملوكة لمالك الخيمة ، فيحرم على غيره الجلوس تحتها ، وفي الثانية لا يكون لها ذلك ، فلا مانع من الجلوس تحتها ولعل بعض الخيام في بعض المواضع تكون ذات منفعة مملوكة دائما ، وإن لم يكن حر أو برد ، إذ المنفعة لها تكون كمنفعة الدار لا يختص وجودها بحال أحدهما ، فكأنّ ذكرهما في المتن من باب المثال. وما ذكرناه مطرد في سائر الأعيان التي ينتفع بها منفعة ذات مالية بنحو يبذل بإزائها المال ، فلا يجوز استيفاؤها إلا بإذن مالك العين أما إذا كانت المنفعة لا مالية لها فلا تكون مملوكة لمالك العين فلا مانع من استيفائها ، لعدم الدليل على حرمته. ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الأعيان والمنافع ، فإنّ الأعيان تكون مملوكة وإن لم تكن ذات مالية. بخلاف المنافع فإنها لا تكون مملوكة ، إلّا إذا كان لها مالية. كما أن منه يظهر أن ما في الجواهر من حرمة الجلوس تحت الخيمة ، لأنه انتفاع بها ، غير ظاهر ، إذ لا دليل على حرمة مطلق الانتفاع بمال الغير بغير إذنه. بل لعل الضرورة على خلافه. نعم يشكل الحكم ببطلان الوضوء تحت الخيمة لأن استيفاء منفعتها المحرم لا ينطبق على الوضوء ، فلا موجب للبطلان ومن ذلك تعرف الإشكال في كلام المصنف. (المستمسك ج ٢ / ٤٣٨ و ٤٣٩).

٤١٠

٦٣ ـ متى تخرج العين المغصوبة عن ملك مالكها؟

(واما إذا كان (الخيط) للغير فمشكل (أي يشكل الصلاة في الثوب المخيط بالخيط الغصبي) وان كان يمكن ان يقال انه يعدّ تالفا فيستحق مالكه قيمته (١) خصوصا إذا لم يمكن رده بفتقه. لكن الاحوط ترك الصلاة فيه قبل ارضاء مالك الخيط ، خصوصا اذا أمكن رده بالفتق صحيحا بل لا يترك في هذه الصورة (٢)).

(١) يعني : وإن استحق القيمة كان الخيط ملكا للضامن ، كما استجوده في الجواهر (١) في هذه المسألة من كتاب الغصب ، وحكاه عن مجمع البرهان معللا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه ، لكونها عوضا شرعيا عنه ، وحكي ذلك عن ظاهر الدروس فيما لو غصب ساجة فأدخلها في بنائه أو لوحا فأثبته في سفينة بنحو لا ينتفع باخراجهما ، وكذا عن صريح المبسوط ، بل عن المسالك نسبته إلى ظاهرهم وأن العين تنزل منزلة المعدومة. لكن عن المسالك :

__________________

(١) ج ٣٧ / ٨٠.

٤١١

«ولو قيل بوجوب إعطائها كان حسنا وان جمع بين القيمة والعين». قال في الجواهر : «لكنه مناف لقاعدة : «لا ضرر ولا ضرار» ، ومناف أيضا لملك القيمة التي هي عوض شرعي يقتضي ملك معوضه للدافع ، اللهم إلّا أن يقال إنها عوض ماليته وإن بقي هو مملوكا ، لكنه كما ترى». الجواهر ج ٣٧ / ٧٦.

وقال في مسألة الخيط المغصوب : «وقد تقدم سابقا في وطء حيوان الغير الموجب لدفع القيمة ما يؤكد ذلك في الجملة ، بل قد تقدم أيضا أن من كان في يده المغصوب لو رجع المالك عليه وغرمه كان له الرجوع على من استقر التلف في يده على وجه يملك ما كان في ذمته للمالك عوض ما أدّاه ، بل ستسمع ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة وإن كان متزلزلا ، بل كأن ذلك مفروغ عنه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن المؤدى عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين من غير فرق بين الموجود من العين مما لا قيمة له وبينها إذا كانت كذلك لو انتزعت ، كما في الفرض الذي يتعذر فيه الرد لنفس العين المغصوبة ، بل لعل قول المصنف قدس‌سره وغيره : «وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم تنزع إلّا مع الأمن عليه تلفا وشينا وإلّا ضمنها» (١) مؤيد لذلك ، ضرورة اقتضائه جواز التصرف للآدمي بما خيط به جرحه ، وليس ذلك إلّا للخروج عن ملكه بضمان القيمة له بتعذر الرد لاحترام الحيوان».

__________________

(١) لاحظ تشقيق شقوقها في الجواهر ج ٣٧ / ٨١ / ٨٠.

٤١٢

وحكي في المقام عن جامع المقاصد والمسالك عدم الخروج عن ملك المالك بضمان القيمة. وربما ينافيه ما ذكراه في مسألة ضمان الحيلولة. قال أولهما : «اعلم أن هنا إشكالا فانه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه؟ وجعلها في مقابل الحيلولة لا يكاد يتضح معناه». وقال ثانيهما ـ بعد أن ذكر بقاء العين المغصوبة على ملك المالك وأن ملك القيمة للحيلولة ـ : «ولا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من غير دليل واضح». بل ربما ينافي ما تقدم من الجواهر في مسألتي وضع الساجة المغصوبة في البناء والخيط المغصوب ما ذكره في مسألة ضمان الحيلولة حيث قال ـ بعد حكاية الاشكال المتقدم عن جامع المقاصد والمسالك ـ : «لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم اعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك ... إلى أن قال : فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة والعين باقية على الملك ، للأصل ، ولأنها مغصوبة وكل مغصوب مردود ، وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك .. إلى أن قال في الاستدلال على ذلك : مضافا إلى أصالة بقائه على ملكه ، وإلى ما عرفته من الاتفاق عليه ، ولذا لم يذكروا خلافا بل ولا إشكال في ملك نمائه المنفصل له. ودعوى أنه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع عنه شرعا واضحة الفساد».

وكيف كان فمقتضى الأصل بقاء الخيط على ملك مالكه ، والقاطع لهذا

٤١٣

الاصل إن كان أدلة نفي الضرر ففيه : أنها لا تقتضي الخروج عن الملك (١) أو جواز التصرف فيه بغير إذن المالك (٢). وإن كان أدلة الضمان بالقيمة من جهة ظهورها في أنها عوض عن العين شرعا ففيه : أن الملحوظ في الضمان عوضية القيمة عن العين من حيث المالية ، فهي جبر للخسارة المالية الواردة على المالك ، لا عوض عن العين في إضافة الملكية ليقتضي خروج العين عن ملك المالك (٣) ، ولا معاوضة من الطرفين فيها ليقتضي دخول كل من الطرفين في ملك مالك الآخر ، إذ العين قد تخرج عن صلاحية التملك بالتلف والاستهلاك (٤). وإن كان الاجماع ففيه : أنه لا مجال لدعواه مع مخالفة الأساطين.

لكن الانصاف (٥) أن دعوى كون المرتكز العرفي في باب الضمان ذلك قريبة جدا. وما ذكر في كلام الجماعة ـ ومنهم شيخنا الأعظم ـ من أن وجوب البدل من باب الغرامة يقصد به تدارك التالف لا ينافي ذلك ، لان تدارك التالف كما

__________________

(١) لكنها تنفي وجوب الرد الى مالكه فيرجع إلى اصالة الحل في تصرفه ، لان التصرف في ملك الغير لا دليل عليه وان منعه السيد الاستاذ قدس‌سره.

(٢) لانها نافية للحكم وليست بمثبتة.

(٣) العرف يحكم بكلا الامرين.

(٤) وعليه فتبطل ملكية المالك الاول أيضا وان بقي لها حق الأولوية.

(٥) ما جعله مقتضى الانصاف ونقله عن صاحب الجواهر في أوّل البحث هو المعتمد ، كما ان ما اختاره اخيرا ونفى الخلاف فيه من رد الخيط اذا امكن رده بفتقه متين فانه لا يعد تالفا عكس الصورة الاولى.

٤١٤

يكون بنحو المعاوضة يكون بنحو العوضية ، ولا يتعين أن يكون على النحو الثاني.

فان قلت : العين التالفة لا تقبل الملك ولا غيره من العناوين التي يقصد قيام البدل مقامها فيه ، فكيف يمكن اعتبار البدلية فيها؟ وكيف تمكن دعوى كون ذلك مقتضى الارتكاز العرفي؟

قلت : المدعى هو المعاوضة من الطرفين على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية ، نظير شراء من ينعتق على المشتري ، فانه لا يستوجب معاوضة فعلية من الطرفين. مع أن البيع من أظهر المعاوضات كما ذكرنا ذلك في حاشيتنا على مكاسب شيخنا الأعظم رضى الله عنه في مبحث بدل الحيلولة. فراجع.

(٢) بل الظاهر أنه لا خلاف بيننا في وجوب الرد حينئذ. وإن تعسر ولا يلزم المالك بالقيمة. نعم عن أبي حنيفة والشيباني القول بملك الغاصب للعين فلا يجب عليه ردها ، ولكن يلزمه قيمتها ، وفي الجواهر : (١) «لا ريب في مخالفة ذلك قواعد الاسلام». (المستمسك ج ٥ / ٢٩٠ ـ ٢٩٣).

__________________

(١) ج ٣٧ / ٧٠.

٤١٥

٦٤ ـ كيفية القيود

(فإمّا ان يكون التعيين (أي تعيين نوع من الزرع في عقد المزارعة) على وجه التقييد والعنوانية أو يكون على وجه تعدد المطلوب والشرطية ..).

المقابلة بين الأمرين غير ظاهرة ، وقد سبقه إلى ذلك في الجواهر فجعل القيود على قسمين : منوع وشرط ، والأوّل فواته يوجب البطلان ، والثاني فواته يوجب الخيار ، والمقام من الثاني ، لان حقيقة المزارعة ليست إلّا زرع الأرض بحصة من حاصلها كائنا ما كان الحاصل ، وإنما يذكر التعيين من الشرط ، لا أنه منوع للمزارعة .. وهو كما ترى ، فان الخصوصيات المقومة للمزارعة التي هي داخلة في قوامها ـ من زارع ومزروع ومكان الزرع وزمانه ـ لا بد أن تكون قيودا لموضوع المزارعة ، ويمتنع أن تكون شروطا لها مجعولة بجعل مستقل ، لأنها عينية غير قابلة للجعل المختص بالامور الاعتبارية.

اللهم إلّا أن يكون المراد من الشرط ما يرادف القيد لا ما يقابله ، كما يستعمل بهذا المعنى في مقابل الجزء ، فيقال أجزاء الصلاة وشرائطها ، وحينئذ

٤١٦

يكون وجه المقابلة بين القسمين أن المنوع هو القيد على نحو وحدة المطلوب والثاني هو القيد على نحو تعدد المطلوب. لكن القسم الثاني مجرد فرض لا خارجية له. ولذا كان بناء الفقهاء رضى الله عنه على وحدة المطلوب في باب الوكالة والعارية والوديعة والاجارة وغيرها من المفاهيم المقيدة ، فلو وكل شخصا على شراء عبد فاشترى جارية لم يحتمل أحد الصحة من باب تعدد المطلوب ، وكذا إذا استأجره على أن يصلي عن زيد فصلى عن عمرو فانه لا مجال لاحتمال الصحة لتعدد المطلوب .. وهكذا ، فكذا في المقام.

وهذه كقاعدة مطردة في جميع العقود الواردة على المفاهيم الذهنية ، فانه لا مجال للقول بكونها بنحو تعدد المطلوب ، سواء كان التعبير بقوله : وكلتك على شراء العبد ، أم : وكلتك على شراء مملوك ولا بد أن يكون عبدا ، أو عليك أن تشريه عبدا ، وكذا مثل : استأجرتك أن تخيط هذا الثوب بخيط إبريسم ، أو : وعليك أن تخيطه بخيط إبريسم ، فان الجميع من باب التقييد بنحو وحدة المطلوب ، فيختص تعدد المطلوب بالقيود للموضوعات الخارجية ، مثل موارد خيار الاشتراط وخيار العيب وخيار الرؤية في البيع أو في الإجارة ، ونحو ذلك.

بل تقدم في بعض المباحث السابقة أن تعدد المطلوب في موارد الخيارات ليس على نحو الحقيقة ، بأن يكون هناك غرضان أحدهما قائم بالمقيد والآخر قائم بالمطلق ، بل المراد منه تعدد المطلوب حكما فتجري عند العرف أحكام تعدد المطلوب وإن لم يكن إلّا مطلوب واحد ، كما يظهر من ملاحظة كثير من الموارد التي يكون فيها خيار الرؤية والاشتراط والعيب ، وكذلك خيار تبعض الصفقة ، فانه

٤١٧

وإن لم يكن لأجل تخلف القيد ، بل لأجل تخلف ما يشبه القيد ، لكنهم ذكروا في تصحيحه أنه من باب تعدد المطلوب ، ولم يريدوا أنه من ذلك الباب على الحقيقة ، ضرورة أنه قد لا يكون للمشتري أقل مطلوب في بعض الصفقة ، وانما المطلوب في مجموع الصفقة ، فان من اشترى بابا وتبين أن أحد مصراعيه لغير البائع صح البيع في المصراع الآخر ، وليس للمشتري أقل مطلوب فيه ، وإما مطلوبه في تمام المصراعين ، فالمراد من تعدد المطلوب فيه الحكمي لا الحقيقي ، فتجري أحكام التعدد حتى مع وحدة المطلوب على الحقيقة. (المستمسك ج ١٣ / ٨٩ إلى ٩١).

٤١٨

٦٥ ـ ضمان الاعمال الذمية

(وهل له الا يفسخ ويطالبه ـ (أى الزارع التارك لبعض الاعمال المشترطة عليه) ـ باجرة العمل .. قولان اقواهما ذلك).

كما هو ظاهر عبارة التحرير ، قال في البحث الثاني من كتاب المساقاة : «إذا شرط المالك على العامل عملا معينا وجب على العامل القيام به ، فان أخل بشيء منه تخير المالك بين فسخ العقد والزامه باجرة العمل» ، ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك. وأشكل عليه في الجواهر : بأن ذلك مبني على تمليك الشرط العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، وهو ممنوع فان أقصاه الزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلط على الخيار لعدم الوفاء به ، لا لكونه. مالا له. انتهى. ويشكل : بأن الشرط المذكور في كلامهم يراد به تعيين العمل اللازم على المالك صريحا ، فالعمل المشروط داخل في قوام المعاملة ، فيكون مملوكا للمالك بعقد المساقاة ، لا أنه خارج عن المعاملة فيكون واجبا بالشرط ، حتى يقع الكلام في كون الشرط موجبا لملك العمل حتى يترتب عليه ضمان العمل بالقيمة ، أو غير موجب له حتى لا يكون العمل مضمونا بقيمته.

٤١٩

نعم يشكل ما ذكروه بما عرفت ـ في المسألة السابعة من مبحث المزارعة وغيرها ـ من أن الأعمال الذمية لا تكون مضمونة على العامل إذا فاتت عمدا أو لعذر ، ولذا ذكروا في كتاب الاجارة أنه إذا لم يأت الاجير بالعمل المستأجر عليه لم يستحق الاجرة ، ولم يدع أحد أنه يستحق الاجرة ولكن المستأجر يستحق عليه قيمة العمل المستأجر عليه ، فمن استؤجر على صوم يوم الجمعة فلم يصم لم يستحق الاجرة ، لا أنه يستحقها وعليه قيمة صوم يوم الجمعة ، وكذلك كلامهم في خيار الاشتراط خال عن التعرض لذلك ، وظاهر أنه مع فوات الشرط يتخير من له الشرط بين فسخ العقد وإمضائه من دون استحقاق شيء.

ولذلك لم يتعرض شيخنا الأعظم رضى الله عنه في مبحث أحكام الشرط إلى استحقاق للمشروط له لقيمة العمل المشروط عند تخلف الشرط. نعم ذكر في المسألة السابعة من مسائل مبحث الشرط : أنه لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا ويقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذر ، ففي استحقاق المشروط له لاجرته أو مجرد الخيار وجهان. والظاهر أن مراده من الاجرة حصة من الثمن. بحيث يكون الشرط كجزء من أحد العوضين ، كما يظهر ذلك من حكايته لكلام التذكرة واشكاله عليه : بأن الشروط خارجة من موضوع المعاوضة ، وليست ملحوظة كالجزء من احد العوضين فلاحظ كلامه.

وبالجملة : المرتكزات العرفية تأبى القول بهذا الضمان (١) ، وان كان العمل

__________________

(١) قوة هذه المرتكزات بحيث تمنع عن ضمان العمل المملوك محتاجة إلى مزيد

٤٢٠