القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

١٦ ـ الأصل في اللحوم الحرمة أو الحلية؟

تردد الحيوان بين محلل الأكل ومحرمه (تارة) : يكون من جهة الشبهة الحكمية ، كأن لا يعلم أنّ الأرنب محرّم الأكل أو محلّل الأكل (واخرى) : من جهة الشبهة الموضوعية كأن لا يعلم أنّ الحيوان الخارجي شاة أو ذئب. وكل منهما (تارة) : يعلم بقبوله للتذكية وطهارته على تقدير وقوعها عليه. (واخرى) : لا يعلم ذلك.

الاولى : في حكم الحيوان المعلوم عنوانه كالأرنب غير المعلوم كونه محلّل الأكل أو محرّمه ، مع العلم بقبوله للتذكية فنقول : مقتضى استصحاب الحرمة الثابتة قبل وقوع التذكية عليه إلى ما بعدها هي حرمة أكله وهو حاكم أو وارد على أصالة الإباحة.

والإشكال على الاستصحاب المذكور من جهة عدم بقاء الموضوع ، تارة : لأن موضوع الحرمة المعلومة الحيوان ، وموضوع الحرمة المشكوكة اللحم ، وهما متغايران عرفا. واخرى : من جهة أن الحرمة الثابتة قبل التذكية موضوعها غير المذكى ، والمشكوك ثبوتها بعد التذكية موضوعها المذكى. (مندفع) : بأن المعيار في

١٢١

وحدة الموضوع المعتبرة في جريان الاستصحاب الوحدة في نظر العرف ، بحيث يصدق الشك في البقاء عرفا ، والاختلاف بين الحيوان واللحم لا يوجب التعدد في نظر العرف ، ولا ينتفي لأجله صدق الشك في بقاء الحرمة. ولأجل ذلك نقول : لا مانع من جريان استصحاب نجاسة الكلب بعد موته ، ولا من استصحاب جملة من أحكام الزوجية بعد موت الزوج أو الزوجة. وبذلك يندفع الإشكال من الجهة الثانية أيضا (١) ، ولذا بني على استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة بعد زوال تغيره ، واستصحاب حكم الحاضر بعد سفره ، وحكم المسافر بعد حضره ، وأمثال ذلك.

ومثله في الاندفاع الإشكال أيضا : بأنّ الحرمة الثابتة قبل التذكية معلولة لعدم التذكية ، والمشكوك ثبوتها بعد التذكية ناشئة من خصوصية في الحيوان ، وتعدد العلة يوجب تعدد المعلول عرفا. إذ فيه : المنع من ذلك أيضا ، فإنّ البقاء عين الحدوث وجودا. مع أنه قد يختلف معه في العلة ، كما في الأمور القارة التي يستند بقاؤها إلى استعداد ذاتها ، وحدوثها إلى علة اخرى ، كالجدار المبني ، فإن حدوثه بفعل البناء ، وبقاؤه باستعداد ذاته ، وصدق البقاء فيه من ضروريات العرف.

نعم يمكن أن يقال : إن الحرمة الناشئة من الخصوصية الذاتية لما لم تكن في

__________________

(١) ولا يبعد تعدد الموضوع كما يوضحه ما نقله السيد الماتن قدس‌سره من الإشكال الثالث فإنّه نوع تفصيل للإشكال الثاني ، وليس الشكّ فيه راجعا إلى الشكّ في بقاء الحرمة السابقة عرفا على تقدير ثبوتها. فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة والحلية.

١٢٢

رتبة الحرمة الناشئة من الجهة العرضية ـ أعني عدم التذكية ـ لترتّب موضوعيهما امتنع أن تكون إحداهما مؤكدة للاخرى ، ولا وجود إحداهما بقاء للاخرى ، لأن البقاء عين الحدوث وجودا ، فلا يكون بينهما اختلاف رتبة. وحينئذ فالمعلوم وجودها حال الحياة الحرمة التي موضوعها اللامذكى وهي زائلة قطعا بعد التذكية والمحتمل وجودها بعد التذكية هي الحرمة الثابتة للذات نفسها ، وهو وجود آخر يحتمل مقارنته لوجود الحرمة الزائلة وبقاؤه بعد زوالها. فيكون الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، الذي ليس بحجة على التحقيق.

هذا وهذا التقريب يبتني على كون وصف اللامذكى مأخوذا في موضوع الحرمة على نحو الجهة التقييدية عرفا ، ووصف التغير في مسألة نجاسة المتغير مأخوذا في موضوع النجاسة على نحو الجهة التعليلية عرفا. ولكنه غير واضح (١) فالبناء على عدم جريان الاستصحاب لأجله غير ظاهر.

نعم لا بأس بالرجوع في إثبات الحل إلى عمومات الحل ، مثل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)(٢) وقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)(٣) وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)(٤) ونحوها ، الحاكم على الاستصحاب لو سلم جريانه. واستصحاب

__________________

(١) كونها جهة تعليلية خلاف الظاهر ، فالأصل ، من القسم الثالث الذي لا يقولون بجريانه.

(٢) الأنعام : ١٤٥.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) المائدة : ٤.

١٢٣

حكم المخصص في مثله غير جار ، لكون التخصيص من أوّل الأمر كما لا يخفى (١).

المسألة الثانية : في حكم الحيوان المعلوم العنوان مع الشك في حلّه وحرمته وفي قبوله للتذكية وعدمه ، فنقول : لا ينبغي التأمل في أن المستفاد من ملاحظة موارد (٢) استعمال لفظ التذكية أنّها عبارة عن صفة خاصة تحدث في الحيوان من أسباب معينة ، مثل الذبح الخاص ، والنحر كذلك ، وغيرهما من

__________________

(١) كما حقّقه صاحب الكفاية خلافا للشيخ الأنصاري رحمهما‌الله تعالى : في تنبيهات الاستصحاب ، وقبله (أي تحقيق الكفاية) السيّد الأستاذ الماتن قدس‌سره ولاحظ كلامه في حقائق الأصول : ج ٢ / ٥٢٢.

(٢) في الحقائق ج ٢ / ٢٥٧ : في حديث السمك ذكّاه الله تعالى لبني إسرائيل وكل يابس ذكي. وذكاة الأرض يبسها ـ ذكاة الجنين ذكاة أمّه وأخذ الجراد ذكاته وذكاة السمك إخراجه حيا من الماء.

ذكاة الإبل نحرها. في حسن حريز : اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن ... وكل شيء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي فليس الذكاة هي الذبح بل الذكاة أثر يحصل بالذبح تارة وبغيره أخرى ، فمع الشك الأصل عدمه وصاحب الكفاية يقول إنها عبارة عن الذبح الخاص الجامع للشرائط المعتبرة مثل إسلام الذابح ونحوه ومنها قابلية المحل فهي عنده من الأفعال دون الأثر الحاصل من الأفعال.

والثمرة تظهر في بعض الموارد لاحظ آخر صفحة ج ٢ / ٢٥٧ من حقايق الأصول.

١٢٤

الأسباب. وما في القاموس وعن كشف اللثام : من أنها الذبح. في غير محله ، أو ليس على ظاهره. وحينئذ إذا شكّ في قبول الحيوان للتذكية كان مقتضى الأصل عدمها.

وربما يتوهم أنها الطهارة فإذا شك في ثبوتها بعد الموت كان المرجع استصحاب الطهارة الثابتة حال الحياة. إذ فيه : أن التذكية وإن كانت هي الطهارة ، لكنها طهارة خاصة ، ولذا يحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة مع أنها غير ذكية ، ويحكم بطهارة الحيوان حال الحياة ، وهو غير ذكي ، فالمراد من التذكية طهارة خاصة ، لا الطهارة مقابل النجاسة التي هي مفاد قاعدة الطهارة.

نعم ادعى غير واحد : أن الأصل قابلية كل حيوان للتذكية ، بل في الحدائق : «لا خلاف بين الأصحاب (رضي الله عنهم) فيما أعلم أن ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليه الذكاة». وقد استدلوا على ذلك بالآيات والنصوص المتضمنة لحلية ما مسك الكلاب (١) ، وما ذكر (٢) اسم الله تعالى عليه (٣) ولحلية ما يصطاد بالسيف أو الرمح أو نحوهما (٤) وبما دل على حلية كل حيوان إلّا ما خرج (٥). مثل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ

__________________

(١) المائدة : ٤. وراجع الوسائل باب : ١ ، ٢ من أبواب الصيد ج ٢٣.

(٢) والحق أنها كما يستفاد من القرآن هو الذبح الجامع للشرائط المعتبرة.

(٣) الأنعام : ١١٨ ، ١٢١ ، وراجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الذبائح.

(٤) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب الصيد.

(٥) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب الأطعمة المباحة.

١٢٥

مُحَرَّماً ...)(١) وما في موثق أبي بكير من قوله عليه‌السلام : «ذكاه الذابح أو لم يذكه» (٢).

لكن الجميع كما ترى. إذ الأوّل في مقام بيان السبب الذي تكون به التذكية بعد المفروغية عن قابلية الحيوان لها. والثاني مقيد بما دلّ على اعتبار التذكية في حل الحيوان مع أن الآية الشريفة قد استثني فيها الميتة وهي غير المذكى ، كما يفهم من جملة من النصوص (٣). وما في الموثق غير ظاهر الدلالة على ذلك ، لأنّ عدم تذكية الذابح أعم من عدم القابلية للتذكية ، ولا سيما بناء على ما في بعض النسخ من قوله عليه‌السلام : «ذكّاه الذبح» (٤) بدل : «ذكّاه الذبح» ، فإن الجمود على العبارة يقتضي أن يكون الذبح موجبا للذكاة تارة ، وغير موجب لها اخرى.

ومثل ذلك في الإشكال الاستدلال ـ كما في الجواهر ـ بصحيح علي بن يقطين : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء ، والسمور ، والفنك والثعالب وجميع الجلود. قال عليه‌السلام : لا بأس بذلك» (٥) إذ لو لم تقبل الجلود التذكية كانت ميتة

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١ ، وص ٣٧ ج ٢٤.

(٣) وهي النصوص المقابلة للمذكى بالميتة ، كما تعرض قدس‌سره إلى ذلك في التنبيه الأوّل ، من تنبيهات البراءة من كتاب حقائق الأصول.

(٤) بل هو الموجود في نسختي من الوسائل (المطبوعة في ثلاثين جزءا) وفي الكافي المطبوع حديثا ، بل ظاهر جامع الأحاديث أنه لم توجد نسخة (الذابح) فالعجب من التنقيح أنه ضبط الذابح فقط ولم يشر إلى نسخة الذبح. وعلى كل ، نفي الزكاة في غير المأكول لحمه بالنظر إلى الصلاة لا بالنظر إلى الطهارة.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي : حديث : ١.

١٢٦

لا يجوز لبسها (١) ونحوه صحيح الريان بن الصلت (٢) ، إذ فيه ، أنه إن ثبت عدم جواز لبس الميتة كان ذلك مخصصا للصحيح المذكور ونحوه بالمذكى ، والعام المخصص بمخصص منفصل لا يدل على انتفاء الخاص ، واللازم الرجوع إلى الأصل (٣).

اللهم إلّا أن يقال : إنما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا لم يكن بيان المصداق من وظيفة الشارع ، وإلّا كان العام حجة في الفرد المشكوك ، لأنّ دليل التخصيص إنما يعارض العام إذا كان عنوان الخاص منطبقا على عنوان العام ، ومقتضى العام عدم الانطباق ، لأنه يدل بالمطابقة على ثبوت حكم العام في كل فرد ، ويدل بالالتزام (٤) على نفي عنوان الخاص عن كل فرد. وهذه الدلالة الالتزامية وإن لم تكن حجة في إثبات ذلك إذا كان خارجا من وظيفة الشارع ، لكنها حجة إذا كان النفي من وظائفه ، فإن كان الشك في التذكية من جهة الشك في

__________________

(١) أما تعبدا على القول المرجوح فإن الارجح جواز استعمال الميتة فيما لا تشترط فيه الطهارة ، وأما لأجل تنجس البدن وضرره بالأكل والشرب والصلاة عادة ولأجل منع الصلاة في الميتة ، فالمنع إرشادي إلى هذه الأمور.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٣) أي أصالة عدم التذكية التي هي عين الميتة على قول جمع منهم سيدنا الأستاذ الماتن ، وإن قلنا أنّها غير عدم التذكية فلا يترتب النجاسة على عدم التذكية ، نعم يترتب عليه آثاره كحرمة الأكل مثلا.

(٤) يمكن أن يقال بأن العام يدل على ثبوت الحكم في كل فرد ، اتّصف بعنوان الخاص أم لا ، وهذا معنى العام والخاص ، في مقابل الحاكم والمحكوم ، فلا تتم الدلالة الالتزامية المذكورة فلاحظ.

١٢٧

وجود السبب الشرعي يكون المرجع أصالة عدم التذكية ، وإن كان من جهة وجود القابلية التي من وظائف الشارع بيانها ، فالتمسك بعموم الصحيح ونحوه لإثباتها في محله. نعم يختص الصحيح ونحوه بالحيوانات ذوات الجلود ، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل.

نعم يمكن أن يقال : إن الذكاة من المفاهيم العرفية ، وهي في الحيوان من الأفعال التوليدية التي لها أسباب خاصة عندهم ، فإطلاق أدلة أحكام التذكية من الطهارة وحل الأكل وجواز الانتفاع وغيرها ينزل ـ بمقتضى الإطلاق المقامي ـ على ما هو عند العرف. فإذا دلّ دليل على قيد اخذ به ، ومع الشك فيه يرجع إلى ما عند العرف ، عملا بالإطلاق المقامي ، وعلى هذا ما يكون قابلا عند العرف للتذكية محكوم بذلك شرعا ، وما علم بعدم قابليته لها عندهم ، أو شك فيها ، يرجع فيه إلى أصالة عدم التذكية. وهذا نظير ما يقال في مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ونحوه من أدلة العقود والإيقاعات ، من وجوب الحمل على المفاهيم العرفية وأسبابها وشرائطها ـ ومنها قابلية المحل ـ فيكون تطبيق العرف حجة ما لم يرد عنه رادع.

ويشير إلى ما ذكرنا خبر علي بن أبي حمزة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما‌السلام عن لبس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيا. قال : قلت : أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى ، إذا كان مما يؤكل

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) هذا الخبر ضعيف سندا.

١٢٨

لحمه ...» (١). فإنّ ظاهره السؤال عن صحة حمل المراد على المعنى العرفي ، ولزوم العمل على تطبيقهم ، وقوله عليه‌السلام : «إذا كان مما ...» ليس لبيان اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية ، بل لبيان اعتبارها في جواز الصلاة بالمذكى كما يشهد به ما في ذيله. مضافا إلى النصوص والإجماع على وقوع التذكية على غير مأكول اللحم.

هذا ولو بني على أن التذكية عبارة عن الأفعال الخاصة من فري الأوداج وغيرها مع القابلية ـ على أن تكون القابلية جزءا لمفهومها ـ فلا مجال لجريان أصالة عدمها إذا شك فيها للشك في القابلية ، إذ القابلية لم يحرز لعدمها حالة سابقة لأنها من لوازم الماهية (٢) ، فلا يجري فيها أصل العدم ، حتى لو بني على جريانه في إثبات العدم الأزلي ، لاختصاص القول بجريانه بعوارض الوجود ، ولا يجري في عوارض الماهية. وكذا الكلام لو قيل : بأنّ التذكية عبارة عن نفس الأفعال الخاصة بشرط القابلية ، فإنه لو شك في التذكية للشك في القابلية ـ مع تحقق الأفعال الخاصة ـ لا مجال لجريان أصالة عدم الوجود الخاص ، إذ لا شك في الوجود وإنما الشك في الخصوصية ، وهي ليست مجرى لأصل العدم.

المسألة الثالثة : في حكم الحيوان المشكوك كونه محلل الأكل من جهة

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٢) هذا الكلام متين كبرويا كما سبق ، لكن في عد الذكاة من لوازم الماهية عرفا نظر ، إذ يمكن أن تكون من لوازم الوجود الخارجي فلا مانع من جريان أصالة عدمها قبل وجود الحيوان ، فتدبر ، ثم إنّ هذا ينافي ما مرّ منه قدس‌سره من إمكان القول بأنّ الزكاة في الحيوان من الأفعال التوليدية ، فلاحظ.

١٢٩

الشبهة الموضوعية ، لتردده بين عنوانين ، أحدهما محلل والآخر محرم. مع العلم بقبوله للتذكية على كل حال. والكلام فيها هو الكلام في المسألة الاولى بعينها. وليس الفرق إلّا من جهة عدم جواز التمسك هنا بعموم الحل قاعدة الحلية ، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولأجل أنك عرفت عدم وضوح المناقشات في استصحاب الحرمة ، فالرجوع إليه في محله. فتأمل.

المسألة الرابعة : في حكم الحيوان المردد بين المحلل الأكل كالشاة ، والمحرم ـ كالخنزير ـ الذي لا يقبل التذكية. والكلام فيها هو الكلام في المسألة الثانية ، فيرجع إلى أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة. وكيف كان فالحرمة الثابتة للحيوان بالاستصحاب لا تقتضي نجاسة البول والغائط ، لأن حرمة الأكل المأخوذة موضوعا للنجاسة ، هي ما كانت لخصوصية في الحيوان والاستصحاب لا يثبتها ، وكذا لو ثبتت الحرمة بأصالة عدم التذكية ، فإنّ الحرمة لعدم التذكية غير الحرمة المذكورة كما هو ظاهر (١).

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ج ١ / ٢٨٨ ـ ٢٩٥ ولاحظ نظر سيدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره في التنقيح ج ١ / ٤٨٢ ـ ٤٨٩.

وخلاصة الكلام إذا شك في حرمة لحم أو حليته مع العلم بقبوله التذكية ، سواء أكان الشك من جهة الشبهة الحكمة أو من جهة الشبهة الموضوعية ، فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى حرمة الأكل للأصل الثانوي المقدم على أصالة الحلية ، وهو استصحاب حرمة أكل الحيوان قبل التذكية بطريقة تقدمت في كلام

١٣٠

__________________

ـ السيّد الأستاذ الماتن قدس‌سره.

لكن حرمة أكل لحم الحيوان في حياته وعدم فرض طروء الموت عليه وعدم قطع قطيعة منه لتصدق عليها الميتة ، غير مدللة ، فإن قوله تعالى :

إلّا ما ذكّيتم. ناظر إلى الحيوان الذي طرأ عليه الموت ، فهو إما مذكّى وإمّا مذكّى ، لا قبله ، فمن بلع سمكا حيا تحت الماء لا دليل على حرمته وكذا بلع بعض الطيور الصغار ، على أنها لو ثبتت لم تجر استصحابها لما مر فإنه محكوم بعموم الحديث المتقدم.

وأما إذا شك فيهما مع الشك في قابلية الحيوان للتذكية فلا تجري أصالة عدم التذكية لتقدم على أصالة الحلية ، أمّا بناء على فرض أنّ التذكية عبارة عن فري الأوداج وسائر الشروط ، فلا يبقى شكّ في تحقق التذكية بعد الذبح. وأما بناء على فرض بساطة التذكية أو تركبها من الذبح وقابلية المحل لها فأصالة عدمها وإن كانت جارية في حد نفسها ، لكن صحيحة ابن يقطين الدالة على قابلية الحيوانات للذكاة ـ إلّا ما دل الدليل على الخروج ـ يتمسك بإطلاقها في الشبهة الحكمية ، وكذا في الشبهة الموضوعية بضميمة أصالة عدم كون المشكوك مما خرج بالدليل. نعم إذا شك في فعل بعض ما يعتبر في الذبح جرى أصالة عدم التذكية ، فأصالة عدم التذكية مختصة بالشبهات الموضوعية ولا تجري في الشبهات الحكمية.

ثم الأظهر أنّ عدم التذكية غير الميتة وإن كانا متلازمين ، فاستصحاب عدم التذكية إذا جرى لا يثبت الميتة حتى يحكم بنجاسته ، نعم الحرمة تثبت بأصالة عدم التذكية بلا شبهة. والأحوط معاملة النجس مع غير المذكى استصحابا.

١٣١

١٧ ـ الإسلام يجبّ ما قبله

(لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه ، وإن كانت العين موجودة ..).

كما هو المشهور ، بل في مفتاح الكرامة : «ما وجدنا من خالف أو توقف قبل صاحب المدارك وصاحب الذخيرة» ، وعن مجمع البرهان : أنه قال : لعله للإجماع والنص. ويريد بالنص : النبوي المشهور : «الإسلام يجبّ ما قبله» (١). لكن يمكن أن يستشكل فيه :

__________________

(١) كنز العمال ج ١ / ١٧ الإسلام يجبّ ما كان قبله ، ح ٢٤٣ ، أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله. ح ٢٤٧ وبحذف الأخير ٢٩٨ الإسلام يجبّ ما كان قبله إصابة ابن حجر ج ٢ / ٥٦٦ وكنز الحقائق والجامع الصغير أم سلمة : ألم تقل إنّ الإسلام يجبّ ما قبله تفسير القمي ج ١ / ٣٨٨ سورة بني إسرائيل آية ٩٠ سيرة الحلبي ج ٢ / ١٠٥ و ١٠٤ وتاريخ الخميس ج ٢ / ٩٣ هدم الإسلام ما كان قبله ومناقب ابن شهرآشوب.

١٣٢

أوّلا : بوروده مورد الامتنان المنافي لشموله للمقام ، لأنه خلاف الامتنان بالإضافة إلى الفقراء.

وثانيا : بأن ظاهر الحديث جبّ حال الكفر عن حال الإسلام ، فيختص بما لو كان ثابتا حال الإسلام لاستند إلى ما ثبت حال الكفر ، مثل التكليف بقضاء العبادات حال الإسلام فإنه لو ثبت كان مستندا إلى الفوت حال الكفر فقطع حال الكفر عن حال الإسلام يقتضي أن لا يترتب على الفوت الثابت حال الكفر التكليف بالقضاء حال الإسلام. وهذا لا يجري في مثل الزكاة لأن حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء ، فإذا حدث كان بقاؤه مستندا إلى استعداد ذاته ، فإذا أسلم وبقي الحق المذكور للفقراء بعد إسلامه لم يكن بقاؤه مستندا إلى حول الحول حال الكفر ليشمله الحديث ، وإنما يستند بقاؤه إلى استعداد ذاته ، فلا يشمله الحديث.

ودعوى : أن تعلق حق الفقراء ناشئ من الأمر بأداء الزكاة ، والأمر المذكور إنما يستند إلى حولان الحول حال الكفر ، فإذا كان الحديث نافيا لوجود ما لو وجد كان مستندا إلى ما قبل الإسلام كان نافيا للأمر المذكور ، وإذا انتفى انتفى الحق المذكور ، لانتفاء منشئه. فيها : منع ذلك جدا ، بل الأمر بالعكس ، فإن السبب في الأمر بالإيتاء ثبوت الحق ، كما يقتضيه تعلق الإيتاء بالزكاة تعلق الحكم بموضوعه المقتضي لثبوته في رتبة سابقة عليه ، نظير قولك : «ادفع مال زيد إليه» لا من قبيل : «ادفع مالك إلى زيد» (١).

__________________

(١) يرد عليه أنّ الأوامر الدالة على وجوب الزكاة تصبح على هذا أوامر إرشادية

١٣٣

وبالجملة : ملاحظة مجموع ما ورد في الزكاة من أدلة التشريع يقتضي الجزم بأن جعل الحق ثابت في الرتبة السابقة على الأمر بالإيتاء ، وإلّا فالأمر بإيتاء الإنسان ماله إلى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله كي يدعى أن الأمر بإيتاء الزكاة منشأ لثبوت الحق ، وقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ...)(١) يراد منها ما ذكرنا. ونسبتها إلى أموالهم يراد أن أصلها من أموالهم ، أو لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة ، إنما تتعين به.

ودعوى : أن الملكية من الأحكام الوضعية ، وهي منتزعة من التكليف مندفعة : بما تقرر في محله : من أن الانتزاع لو سلم فإنما هو في غير ما كان مثل الملكية والحقية ونحوهما ، مما أخذ موضوعا للأحكام الشرعية ، لامتناع انتزاع الموضوع من حكمه فراجع المسألة في الأصول.

وثالثا : بأن البناء على عموم حديث الجبّ يوجب تخصيص الأكثر إذ لا

__________________

ـ وإخبارا عن إعطاء حق الغير إليه ، وهو خلاف الظاهر. والأظهر ثبوت الحق بعد الأمر لا قبله وإنما الثابت قبله ملاك الحق لا نفسه ، فليس المقام من قبيل : «ادفع مال زيد إليه» بل من قبيل : «ادفع مالك إلى زيد» كما يدل عليه أو يؤيده : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، وتأويل السيد الأستاذ مبني على الجزم الحاصل من الأدلة كما أشار إليه وهو محتاج إلى تأمل.

والعمدة في قوله هذا هو لازم تقدم الموضوع على حكمه في رتبة سابقة لكن لسان الأدلة في ذلك مختلفة كقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، فيمكن أن نقول : إن الزكاة عبارة عن مقدار من مال المكلف يجب دفعه إلى المستحقين.

(١) التوبة : ١٠٣.

١٣٤

ريب في بقاء إيقاعاته وعقوده وما عليه من الديون ونحوها على ما هي عليه قبل الإسلام ، وذلك يوجب البناء على إجماله ، والقدر المتيقن عدم مؤاخذته على الكفر السابق ، وليس منه ما نحن فيه.

ويمكن الجواب عن الأوّل : بأنه لو سلم كون الحديث واردا مورد الامتنان فإنما هو بالإضافة إلى المسلم نفسه ، فلا مانع من كونه على خلاف الامتنان بالإضافة إلى غيره. وعن الثاني : بأن ملكية الفقراء للزكاة لما كانت من الأمور الاعتبارية وليست من الأمور الحقيقية كان بقاؤها مستندا إلى ملاحظة منشأ الاعتبار ، فكما أن اعتبارها في آن حدوثها ناشئ من ملاحظة السبب ، كذلك اعتبارها في الآن الثاني ـ وهكذا ـ فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها كذلك. ولذا كان الفسخ واردا على العقد وموجبا لارتفاع الأثر ، لا أنه وارد على نفس الأثر. فهو من هذه الجهة نظير التكليف مثل وجوب القضاء ، فإن المولى في كل آن ما لم يلحظ الفوت لا يوجب القضاء ، وكما لا يصح وجوب القضاء في أوّل أزمنة الفوت إلّا بعد ملاحظة صدق الفوت كذلك في بقية الأزمنة ، لا يصح الوجوب إلّا بلحاظ تحقق الفوت السابق. وكما أن مقتضى الحديث عدم تأثير الفوت الحاصل قبل الإسلام في وجوب القضاء بعده ، كذلك مقتضاه عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الإسلام في ملكية الفقراء بعده.

نعم يتم الإشكال في مثل النجاسة ، والحدث الأصغر ، والأكبر ، فإنها لو كانت اعتبارية (١) فمنشأ اعتبارها نفس الأثر الخارجي الحاصل من وجود السبب

__________________

(١) والقول الآخر إن النجاسة والطهارة أمران واقعيان كشف الشارع عنهما.

١٣٥

لا نفس السبب ، وذلك الأثر بقاؤه مستند إلى استعداد ذاته لا إلى السبب ، فحديث الجبّ لا يقتضي ارتفاعه ، فيصح اعتبار تلك الأحكام منه ويترتب أثرها : من الغسل والوضوء والغسل ، لوجود السبب بعد الإسلام بعين وجوده قبله.

وعن الثالث بإمكان دعوى انصراف الحديث الشريف إلى خصوص ما كان وقوعه نوعا قبل الإسلام ، من جهة عدم كونه مسلما ، فلا يشمل مثل العقود والإيقاعات والديون ونحوها مما لا يختص بفعله نوعا غير المسلم. فلو أعتق الكافر عبدا بقي على حريته بعد إسلامه. ولو استدان مالا بقي في ذمته بعد الإسلام ، وهكذا ...

نعم لو وقع في عقده أو إيقاعه خلل ـ بفقد شرط ، أو وجود مانع ـ لم يؤثر ذلك الخلل فسادا بعد الإسلام ، لسقوط مؤثريته بعد الإسلام بحديث الجب ، فيصح بيعه الربوي أو المجهول فيه أحد العوضين ، وهكذا.

نعم قد يشكل التمسك بالحديث : بأن المروي (١) في مجمع البحرين من متنه ، والمحكي عن غيره أيضا هكذا : «الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب». وقصوره عن صحة التمسك به ظاهر.

والشهرة لا تجبر الدلالة على الصحيح. وفي ج ٢٠ / ص ٩ و ١٠ من شرح النهج لابن أبي الحديد ، عن أبي الفرج الأصبهاني : ذكر قصة إسلام المغيرة بن

__________________

(١) قد تقدم في قضاء الصلوات من كتاب الصلاة التعرض لجملة من طرق الحديث وموارده. فراجع (منه قدس‌سره). انظر ج ٧ / ٥٠ و ٥١.

١٣٦

شعبة ، وأنه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر ، فلما رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق ، وفر إلى المدينة مسلما ، وعرض خمس أموالهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يقبله. وقال : «لا خير في غدر» فخاف المغيرة على نفسه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصار يحتمل ما قرب وما بعد فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام يجب ما قبله».

هذا وفي المدارك : «يجب التوقف في هذا الحكم ، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا. ولما روي في عدة أخبار صحيحة : من أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه شيء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته ، سوى الزكاة فإنه لا بدّ من أن يؤديها (١) ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر. وبالجملة : الوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال ، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به ...».

وفيه : أن ضعف السند مجبور باعتماد الأصحاب ، وضعف الدلالة ممنوع إلّا من جهة ما ذكرنا. ولو سلم فلا مجال للتوقف في الحكم بعد تسالم الأصحاب ، وأن من المقطوع به من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه عليهم‌السلام عدم مطالبتهم من أسلم من الكافرين بزكاة ماله فيما مضى من عمره ، سواء أكان موجودا أم مفقودا. وكفى بمثل ذلك دليلا على السقوط ، مانعا من الرجوع إلى القواعد المقتضية للبقاء ، فضلا عن القياس على المخالف. فتأمل (٢) والله سبحانه

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب مستحقي الزكاة.

(٢) يمكن أن يكون وجه التأمل سقوط الخبر لضعفه سندا ودلالة ، وجبر ضعف

١٣٧

أعلم (المستمسك ج ٩ / ٥٠ إلى ٥٣).

__________________

ـ السند بعمل الفقهاء محل خلاف بينهم ويظهر من الشهيد الثاني في درايته أنّ الأكثر على الأوّل فيكون عدم الجبر نظر الكثير وهو الأظهر ، والعمدة هو حصول الاطمينان بصدوره فإن حصل فلا شبهة في حجية الخبر لحجية الاطمينان عند العقلاء كحجية القطع عند العقل. ولا فرق في سبب الاطمينان بين كونه اعتماد المشهور أو شيئا آخر. والحكم في المقام ونظائره من قضاء الصلاة ونحوها مستند إلى سيرة النبي الأكرم (وخلفائه عليه وعليهم‌السلام) لكن إثباتها في نفي وجوب الزكاة مع بقاء المال الزكوي محل إشكال وتردد ، لعدم حصول العلم بتحقق هذا المورد في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وزمانهم عليه‌السلام.

والأظهر أن الحكم في المقام بلحاظ السيرة القطعية دون هذه الرواية ، وما ذكره سيّدنا الأستاذ في التقصي عن الإشكالات ، تكلفات عذره في خصوص المورد لم تثبت السيرة.

١٣٨

١٨ ـ تفسير المرتد الفطري

١ ـ المحكي عن القواعد وغيرها ـ بل ربما نفي الخلاف فيه ـ تفسير المرتد الفطري بمن انعقد وأبواه أو أحدهما مسلم والمصرح به في النصوص كونه من ولد على الإسلام ، الظاهر في كونه محكوما بالإسلام حين الولادة.

٢ ـ كما أنّ الظاهر منها أنه يعتبر في تحقق الارتداد مطلقا أن يصف الإسلام بعد البلوغ ، ثم يكفر ، فلو ولد بين مسلمين فبلغ كافرا ، لم يكن مرتدا فطريا ، كما هو الظاهر من محكي كشف اللثام ، بل عن جماعة ـ منهم الشيخ والعلّامة ـ التصريح بأن من بلغ من ولد المسلمين فوصف الكفر يستتاب ، فإن تاب وإلّا قتل ، فلم يجروا عليه حكم المرتد الفطري.

٣ ـ ولكن مقتضى ما ذكرنا عدم إجراء حكم المرتد مطلقا ، لعدم تحقق الإسلام حقيقة منه ، ومجرد كونه محكوما بالإسلام حال الولادة لا يجدي في صدق الارتداد لقصور دليل الإسلام الحكمي عن النظر إلى مثل ذلك. مع أنه لو سلّم فاللازم إجراء حكم المرتد الفطري. وكأنهم عوّلوا في ذلك على بعض النصوص ، كمرسل أبان : «في الصبي إذا شب فاختار النصرانية وأحد أبويه

١٣٩

نصراني ، أو مسلمين جميعا. قال عليه‌السلام : لا يترك ، لكن يضرب على الإسلام» (١) ، وقريب منه غيره. والكلام فيه موكول إلى كتاب الحدود. فراجع (٢) (المستمسك

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب حد المرتد حديث : ٢.

(٢) النصوص المعتبرة سندا في هذا الباب على أنحاء :

فمنها ما يدل أو يستفاد منه الإطلاق بالنسبة إلى والديه وإسلامهما حين النطفة أو حين الولادة أو حين التمييز أو حين البلوغ أو حين الارتداد كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (الباب الأوّل من أبواب حد المرتد ح ١ الوسائل وكذا صحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (نفس الباب ح ٢) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه .. عن مسلم تنصّر قال : يقتل ولا يستتاب. قلت : فنصراني أسلم ثم ارتد قال : يستتاب فإن رجع وإلّا قتل (نفس الباب ح ٥) ومرسلة أبان (المصدر ح ٧) وانظر الباب (٦) من أبواب موانع الإرث ولاحظ ما ورد في المرتدة كصحيح الحلبي (الباب ٤) من أبواب حدّ المرتدة إلّا أن ينكر الإطلاق في هذه الروايات وأن نظر الإمام عليه‌السلام فيها إلى الأحكام دون بيان المرتد.

ومنها : ما ظاهره وجود أبوين مسلمين حين الارتداد ولو بعد البلوغ كموثق عمار الساباطي سمع الصادق عليه‌السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام ... وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (المصدر ح ٣) أقول : ولعله لا قائل بهذا الظاهر فيمكن حمله على تاليه.

منها : ما يختص بالولادة على الإسلام وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد قال قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا

١٤٠