القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

ج ٢ / ١٢١ ـ ١٢٢).

__________________

ـ يستتاب؟ فكتب عليه‌السلام : يقتل. (المصدر ح ٦).

والظاهر اعتبار الرواية سندا بعد الحسين ، نعم ؛ في إسناد الشيخ إلى الحسين إشكال خلافا للمشهور ظاهرا. ثم إنه لا مفهوم للرواية كما لا يخفى فالمتحصل من الأحاديث ـ على الأحوط ـ أن من ولد على الإسلام ثم بلغ مسلما فخرج عنه يصير مرتدا فما اختاره سيّدنا الأستاذ الماتن هو الأظهر وأما القول الأوّل المحكى من القواعد وغيرها المختار لسيدنا الخوئي قدس‌سره فلم نجد له دليلا والله أعلم.

١٤١

١٩ ـ التسبيب والتسبّب

التسبّب (١) إلى الشيء عبارة عن فعل الشيء بواسطة السبب ، فيعتبر فيه القصد إلى المسبب بخلاف التسبيب ، فإنه مجرد فعل السبب ، ولو مع الغفلة ، عن ترتب المسبب عليه ، وكيف كان فدليل الحرام إن كان ظاهرا في توجه الخطاب

__________________

(١) في نسختي من العروة الوثقى المحشاة بحواش كثيرة : التسبّب في الموردين وفي نسخة المستمسك ضبط التسبيب (على وزن التفعيل) في المورد الأوّل وضبط التسبّب في المورد الثاني وفي نسخة التنقيح : التسبيب في كليهما. وكأنّ الأوّل أولى فلاحظ العروة الوثقى.

وعلى كل الظاهر خروج فرض توسط اختيار المباشر بين التسبيب والفعل من محل البحث ، كما إذا قدّم شخص طعاما متنجسا إلى أحد ، فيأكله باختياره وعلمه بنجاسته ، فإنّه جائز إلّا أن يقال بحرمته من جهة حرمة الإعانة على الحرام لكنها غير ثابتة مطلقا وإنما الحرام مطلقا حرمة التعاون على الإثم والعدوان كما فصلناه في حدود الشريعة في حرف العين ج ٢ أو من جهة صدق التجري ببعض مراتبه لكنه إن تم لحرم بيع العنب ممن يعمل خمرا ، فافهم المقام.

١٤٢

بتركه إلى خصوص من قام به الفعل (١) لم يحرم التسبب إليه من غيره فضلا عن التسبيب ، وإن كان ظاهرا في توجه الخطاب بتركه إلى كل أحد حرم التسبّب إليه ، والتسبيب مع الالتفات إلى ترتّبه على السبب ، بل يجب على كل أحد دفع وقوعه وإن لم يكن على وجه التسبيب. ولو لم يكن ظاهرا في أحد الوجهين كان مقتضى الأصل جواز التسبّب إليه والتسبيب. وعلى هذا فحرمة التسبّب إلى أكل النجس وشربه من غير المتسبب تتوقف على ظهور الدليل في كون الخطاب بالحرمة على النحو الثاني ، وهو غير ظاهر. نعم قد يستفاد من صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس لقوله عليه‌السلام فيه : «ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به» (٢) من جهة أن الاستصباح ليس محبوبا ومأمورا به ، ولا مما يترتب على التنبيه والإعلام ، فلا بدّ أن يكون التعليل به عرضيا ، والعلة في الحقيقة هي ترك الأكل (٣) ، فيكون ترك أكل المشتري واجبا على البائع ، كما تقدم بيان ذلك في مبحث الماء المتنجس. وتقدم

__________________

(١) إذا قلنا بأن المفهوم عرفا ـ كما يظهر لك بالتأمل ـ إذا فرضت نفسك آمرا ـ من أدلة التكاليف حرمة إيجاد المبغوض مباشرة وتسبّبا ثبتت حرمة التسبّب في جميع المحرّمات وترك الواجبات بلا خصوصية لباب الأطعمة والأشربة كما لا يخفى ، نعم ـ إذا نظرنا إلى المقام من منظر توجه الخطاب كان ما أفاده سيدنا الأستاذ الماتن متينا لا مناص منه.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ١.

(٣) بل العلة هي إيجاد المبغوض عرفا وإن كان المذكور في النص هو الأكل كما أفاده قدس‌سره وعلى تقدير قول الماتن الارتكاز يدل على التعدّي.

١٤٣

أيضا الاستدلال على حرمة التسبب إلى فعل غيره للحرام : بأن استناد الفعل إلى السبب أقوى ، فنسبة الفعل إليه أولى ، كما تقدم الإشكال فيه فراجع.

ثم إن الصحيح المتقدم وإن كان مورده الزيت المتنجس ، لكن يجب التعدي عنه إلى مطلق المأكول والمشروب ، بقرينة التعليل ، المحمول على الارتكاز العرفي ، فإن مقتضاه عدم الفرق بين الزيت وغيره ، نعم يشكل التعدي عن المأكول والمشروب إلى غيرهما من المحرمات. لعدم مساعدة الارتكاز عليه. فالاقتصار عليهما متعيّن. ويشير إلى ذلك موثق ابن بكير (١) المتضمن للنهي عن إعلام المستعير إذا أعاره ثوبا لا يصلّي فيه (٢) وعليه فلا يجب الإعلام إذا كان يتوقف

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) سند الرواية موثق ، لكن نسخة مصدرها ـ وهو قر الإسناد ـ لم تصل إلى المجلسي والحر ـ رحمهما‌الله تعالى ـ بسند معتبر ، فلا عبرة بالرواية ، وهذا البحث طويل دقيق أهمله أهل الرجال والفقه والأصول فلاحظه في كتابنا بحوث في علم الرجال.

على أنّ متنها أجنبي عن المقام فإن الطهارة في لباس المصلّي شرط ذكرى علمي لا واقعي ، فوجود الطهارة وعدمها سيّان للمصلي الجاهل بها ، ولا شبهة في عدم وجوب الإعلام في المقام.

ينبغي ذكر فروع :

١ ـ يجب الإعلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي الإرشاد ، وفي ما يعلم من مذاق الشرع كما في من تخيّل مؤمنا ، كافرا فقصد قتله أو أجنبية ،

١٤٤

ترك استعمال النجس في غير الأكل والشرب عليه ، وكذا في سائر المحرمات غير النجس إذا كان يتوقف تركها عليه.

ومن ذلك يظهر لك الفرق بين مقتضى الصحيح المذكور ومقتضى الاستدلال المتقدم على حرمة التسبيب ، فإنّ بينهما عموما من وجه ، إذ مقتضى الصحيح وجوب الإعلام وإن لم يكن هناك تسبيب (١). ولكنه يختص بالنجس من حيث

__________________

ـ زوجته فأراد جماعها ، بل يجب الردع والدفع في النفوس والفروج كالزنا واللواط.

٢ ـ يجب الإعلام فيما يوجب تركه التسبيب فإنه حرام كما عرفت ، وكذا يجب إن دلّ الدليل عليه.

٣ ـ لا يجب الإعلام ولا يحرم التسبيب في الشروط الذكرية والعلمية كما عرفته في التعليقة السابقة.

٤ ـ قد يحرم الإعلام كما إذا استلزم إهانة أو أذية للمؤمن ، وقد صرح في بعض الروايات بعدم وجوب الإعلام وأنه ما ذا عليك لو سكتّ؟

٥ ـ التسبيب في حق غير البالغين لا يحرم إلّا فيما علم من مذاق الشرع ، بل ربما يجب دفعه عن المنكر على الولي بل وعلى غيره.

واعلم أنا ذكرنا مسائل التسبيب وما يتعلق به قبل عشرين سنة في كتابنا حدود الشريعة في محرماتها ج ١ ولم نراجع إليه الآن ولا بدّ للباحثين من الرجوع إليه والله الموفق.

(١) ولعل عدم صدق التسبيب في بيع المتنجس للمشتري الجاهل ، أنه ياكله لا اعتمادا على بيع البائع بل على اصالة الطهارة. لكن في الجزم بنفي السببية مطلقا محل إشكال.

١٤٥

استعماله في الأكل والشرب ، فلا يشمل غير النجس ، ولا النجس بلحاظ استعماله فيما يعتبر فيه الطهارة غير الأكل والشرب. ومقتضى الاستدلال حرمة التسبيب مطلقا إلى فعل الحرام ، سواء أكان مورده النجس أم غيره ، وسواء أكان الحرام الأكل والشرب أم غيرهما ، لكنه يختص بصورة التسبيب الموجب لقوة إسناد الفعل إلى السبب ولا يشمل غيرها.

هذا وقد يستدل على حرمة التسبيب : بأن فيه تفويتا لغرض الشارع وإيقاعا في المفسدة. وفيه ـ مع أن لازم ذلك عدم الفرق بين التسبيب وغيره ـ : أن تفويت الغرض إنما يكون حراما على من توجه إليه الخطاب بحفظه ، لا على من لم يتوجه إليه الخطاب به ، كما هو محل الكلام (المستمسك ج ١ / ٥٢٢ ـ ٥٢٤).

١٤٦

٢٠ ـ عموم حجية البيّنة

(تثبت نجاسة الماء كغيره بالعلم والبينة).

على المشهور. وفي الجواهر : «ينبغي القطع به ، بل لا أجد فيه خلافا إلّا ما يحكى عن القاضي وظاهر عبارة الكاتب والشيخ ، ولا ريب في ضعفه». لعموم ما دلّ على حجية البينة. وخصوص خبر عبد الله بن سليمان المروي عن الكافي والتهذيب عن الصادق عليه‌السلام في الجبن : «كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة» (١). لكن قد يستشكل في الرواية بضعف السند ، واختصاصها بما فيه الميتة ، وأنها لا تدل على ثبوت النجاسة ، وإنما تدل على ارتفاع الحل وثبوت الحرمة (٢).

وأما العموم فهو وإن ادّعاه جمع من الأعاظم ، وفيهم شيخنا الأعظم رحمه‌الله في رسالة الجماعة ، لكنه غير ظاهر. إذ دليله إن كان هو الإجماع المحكي عن النراقي

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب الأطعمة المباحة حديث : ٢.

(٢) العمدة ضعف السند بجهالة أبان بن عبد الرحمن وعبد الله بن سليمان واشتراك محمّد بن الوليد ، وأما ما ذكر الميتة فحمله على مجرد المثال سهل ومثله شائع.

١٤٧

والسيّد الأصبهاني قدس‌سره فهو ينافيه الخلاف في المقام ممن عرفت وغيرهم من متأخري المتأخرين ، وكذا الخلاف في مقام آخر.

وإن كان قوله عليه‌السلام : «فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم» (١) فالمراد من التصديق فيه التصديق النفسي ولو ببعض مراتبه ، لا التعبدي يترتب آثار الواقع شرعا الذي هو محل الكلام. ويشهد بذلك ملاحظة مورده ، فإن العمل فيه ليس موضوعا لأثر شرعي. هذا مضافا إلى أن لو تم اقتضى حجية خبر المسلم مطلقا من دون اعتبار العدد والعدالة فيه.

ومثله قوله تعالى : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٢) إذ المراد منه الإيمان الصوري.

وإن كان آية النبأ (٣) ، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها ، وهو محل الإشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها.

وإن كان ما ورد في جواز شهادة العبد ، والمكاتب ، والصبي ، بعد البلوغ ، والأعمى ، والأصم ونحوهم. ففيه : أنه لا إطلاق له من حيث المورد ، ولا تعرّض فيه لاعتبار العدد والعدالة.

وإن كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه : أن بين خبر الثقة وبين البينة

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من كتاب الوديعة حديث : ١ ، وج ١٩ / ٨٢.

(٢) التوبة : ٦١.

(٣) الحجرات : ٦.

١٤٨

عموما من وجه (١).

وإن كان الاستقراء. فثبوته وحجيته معا ممنوعان.

وإن كان رواية مسعدة بن صدقة (٢) : «كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه ، فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (٣). فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الإشارة ، وكونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع ، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن موردا للحل والحرمة من موضوعات سائر الأحكام.

اللهم إلّا أن يقال : المراد من قيام البينة بالحرمة أعم من كونها مدلولا مطابقيا وتضمنيا والتزاميا ، فإذا شهدت بكون الثوب سرقة فقد قامت بحرمته ، وكذا إذا شهدت بكون المرأة رضيعة فقد قامت بحرمتها. فليس المراد من قيام

__________________

(١) لا شبهة في بناء العقلاء وسيرة المسلمين على العمل بخبر الثقة فبطريق أولى يثبت بناؤهم على حجية البينة. وكون النسبة بين العادل والثقة عموما من وجه غير واضح. والظاهر أن هذا عمدة الوجوه لحجية عموم البينة ، ويؤكّده كلام الجواهر ودعوى الإجماع عليه.

(٢) قد ذكرنا ما عندنا حول الرواية سندا ودلالة في البحث الثالث من كتابنا بحوث في علم الرجال مفصلا فلا ملزم للبحث عنها هاهنا.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

١٤٩

البينة بالحرمة شهادتها بها فحسب ، بل أعم من ذلك ومن شهادتها بموضوع خارجي تلزمه الحرمة ، أو لازم لها ، أو ملازم ، مثل كون المائع خمرا أو بولا أو دما أو نحوها ، وكذا أعم من شهادتها بعنوان اعتباري مثل إخوة امرأة ، أو نجاسة مائع ، أو حرية رجل ، إذا كان بينه وبين الحرمة ملازمة ، فإن البينة في جميع ذلك قائمة بالحرمة فلا يختص موردها بما إذا شهدت البينة بالحرمة لا غير.

ثم إن البينة لما كانت من سنخ الأمارات العرفية ، كان الظاهر من ثبوت الحرمة عند قيامها بها كونها طريقا إلى مؤداها ، لا تعبدا كما في موارد الاصول ، فإذا شهدت البينة يكون الثوب سرقة ، فثبوت الحرمة ظاهرا لثبوت موضوعها وقيام الأمارة عليه. وعليه لا فرق بين الحرمة وغيرها من الأحكام المترتبة على السرقة ، فكما تثبت الحرمة تثبت تلك الأحكام ، لأن طريقيتها بنظر العرف لا تختص بجهة دون جهة ، فيحمل الدليل على إطلاق الحجية ، ومقتضى ذلك حجية البينة مطلقا عند قيامها بالحرمة ، فيترتّب عليها جميع الأحكام والآثار. فلم يبق مورد خارج عن الرواية إلّا ما لا يترتب عليه أثر الحرمة أصلا ، بحيث لا تدل عليه البينة أصلا ولو بالالتزام لكنه نادر. ولا يبعد التعدي إليه بعدم القول بالفصل أو لعدم التفكيك عرفا بينه وبين مورد الرواية ، بحيث تكون البينة ؛ حجّة حيث يكون في موردها حكم الحرمة ، ولا تكون حجة في غير ذلك. فلاحظ.

والمتحصل : أن الرواية المذكورة صالحة لإثبات عموم الحجية بتوسط أمور : (الأوّل): أنّ المراد من قيام البينة بالحرمة كونها مدلولا للكلام ولو بالالتزام (الثاني): أنّ طريقية البينة عرفا تقتضي كون المفهوم من الدليل عموم الحجية

١٥٠

(الثالث): امتناع التفكيك بين الموارد التي تكون الحرمة فيها مدلولا للكلام ـ ولو التزاميا ـ ولو باللزوم غير البين (١) وبين غيرها من الموارد مما هو نادر إما لعدم القول بالفصل ، أو لإلغاء الخصوصية عرفا.

ويعضد العموم المذكور الإجماع المدعى ممن عرفت على عموم الحجية ولا ينافيه الخلاف في بعض الموارد ، لأنه لشبهة ، كما يظهر ذلك من استدلال المخالف في المقام : بأن البينة ليست من العلم الذي جعل غاية للحل في قولهم عليه‌السلام : «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» (٢) ونحوه. وكذا المخالف في حجية البينة في الاجتهاد استدل : بأن الاجتهاد من الأمور الحدسية التي لا تكون

__________________

(١) اللازم إما بيّن وإما غير بيّن ، والبيّن له معنيان ، أحدهما اللازم الذي يلزم تصوره من تصور الملزوم كلزوم تصور البصر من تصور العمى ، وهذا هو البيّن بالمعنى الأخص ، فغير البيّن هو اللازم الذي لا يلزم تصوره عن تصور الملزوم كالكاتب بالقوة للإنسان. وثانيهما هو اللازم الذي يلزم عن تصوره مع تصور الملزوم وتصور النسبة بينهما الجزم باللزوم كزوجية الأربعة ، فإن العقل بعد تصور الأربعة والزوجية ونسبة الزوجية إليها يحكم بلزوم الزوجية لها وهذا هو البيّن بالمعنى الأعم وحينئذ فغير البيّن هو اللازم الذي لا يلزم من تصوره مع تصور الملزوم والنسبة بينهما الجزم باللزوم كالحدوث للعالم ، كما صرح به بعض علماء الميزان ومراد سيدنا الأستاذ الماتن قدس‌سره باللزوم غير البيّن هو المعنى الأوّل من غير البيّن ، والثابت عنده وعند سائر الأعلام الاعتماد على الظهورات اللفظية فحسب.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

١٥١

موردا للشهادة مع تيسّر العلم. ولو كان الوجه في الخلاف عدم ثبوت العموم الدال على الحجية كان المناسب الاستدلال به أيضا ، ولكان اللازم الخلاف في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص على الحجية ، وهو مما لا يحصى كثرة ، مع أن الخلاف لم ينقل إلّا في موارد خاصة.

هذا وبعين هذا التقريب يمكن إثبات عموم الحجية في إثبات النجاسة من رواية عبد الله بن سليمان المتقدمة في صدر المسألة ، بناء على ظهورها في كون ذكر الميتة فيها من باب المثال.

(وبالعدل الواحد على إشكال)

كما عن ظاهر التذكرة ، وقواه في الحدائق. لما دل على جواز الصلاة بأذان الثقة (١) وثبوت عزل الوكيل بإخباره (٢) ، وكذا ثبوت الوصية بقوله (٣) ، وثبوت استبراء الأمة إذا كان بائعا (٤) ، وغير ذلك. بل قيل : إن ثبوت حكم النجاسة به دون المتنجس متنافيان. (وفيه) : أن الموارد المذكورة موضوعها خبر الثقة ، وبينه وبين خبر العادل عموم من وجه (٥) مع أن استفادة الكلية من الموارد المذكورة غير

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاذان والاقامة.

(٢) الوسائل باب : ٢ من كتاب الوكالة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩٧ من كتاب الوصايا حديث : ١.

(٤) راجع باب : ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٥) تقدم التردد فيه. نعم لا يستفاد من الأحاديث المذكورة وغيرها الكلية كما

١٥٢

ظاهرة ، ولا سيما عند الأخباريين. وأنه خلاف ظاهر الحصر في رواية مسعدة. وأما التنافي بين الحجية في إثبات الحكم دون موضوعه ، فأوضح إشكالا كما لا يخفى. وأما آية النبأ فدلالتها على حجية خبر العادل محل إشكال مشهور ولو سلمت فيتعارض مفهومها مع الحصر في رواية مسعدة ، ورفع اليد عن المفهوم فيها أولى من تخصيص الرواية ، لأن عطف خبر العدل على البينة مستهجن ، لأن العدل جزء البينة ، ولو كان خبره حجة تعين الاقتصار عليه دون البينة ، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر أن عموم حجية خبر الثقة في الأحكام والموضوعات ، لو تم ـ من بناء العقلاء وغيره ـ فتخصيصه أولى من تخصيص الرواية. على أنها بالنسبة إلى بناء العقلاء رادعة واردة لا معارضة وكذا الكلام في خصوص رواية عبد الله بن سليمان في إثبات النجاسة ، بناء على ما عرفت من استفادة عموم حجية البينة فيها فلاحظ وتأمّل. ومن ذلك تعرف الوجه في قول المصنف : «على إشكال» ، وأن المتعين المنع من القبول. (مستمسك العروة : ج ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦).

__________________

ـ أفاده والعمدة في إثباتها بناء العقلاء ولا رادع له بعد ضعف خبر مسعدة سندا ودلالة.

١٥٣

٢١ ـ كلمة حول حديث رفع القلم

(وولد الكافر يتبعه في النجاسة إلّا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا وكان إسلامه عن بصيرة على الأقوى)

لإطلاق الأدلة الشارحة لمفهوم الإسلام ، الشامل للبالغ والصبي بنحو واحد. ومقتضاه ثبوت أحكام الإسلام لإسلام الصبي ـ كثبوتها لإسلام البالغ ـ وإن لم يكن عن بصيرة. بل قيل بوجوبه عليه كوجوبه على البالغ. وحديث رفع القلم (١) لا مجال له ، لأن وجوب الإسلام عقلي أو فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل (٢) ، ومثله لا يرتفع بحديث رفع القلم ؛ لاختصاصه بما يكون رفعه ووضعه

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

(٢) قال في أوّل المستمسك : أو عقلي بمناط وجوب شكر المنعم. وكأنه قدس‌سره عدل عنه هنا واكتفى بدفع الضرر وتردد في كون وجوبه عقليا أو فطريا. ولعل مراده بالفطري ، الغريزي فإن المجانين والحيوانات أيضا يدفعون الضرر عن أنفسهم ويفرّون من احتماله وإن كان تشخيص مصاديق الضرر في الغالب لا يتيسّر من

١٥٤

بيد الشارع. (وفيه) : أن احتمال الضرر الذي هو موضوع الحكم العقلي أو الفطري يرتفع بالحديث المذكور. وكذا الحال في بقية المعارف الدينية ، سواء أكان وجوبه عقليا أم شرعيا ، فإنه يمكن رفع وجوبه بحديث رفع القلم. إلّا أن الرفع بحديث رفع القلم لا يمنع من صحة وقوعه من الصبي ، لأنه يرفع الإلزام لا الصحة كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر لك أنه لا حاجة في إثبات نجاسة ولد الكافر ـ إذا كان متدينا بدين والده ـ إلى دليل على النجاسة بالخصوص. بل تكفي فيها الأدلة العامة لنجاسة الكافر ، التي لا فرق فيها بين الصبي والبالغ. وحديث رفع القلم عن الصبي لا يرفع النجاسة ؛ لوضوح اختصاصه برفع المؤاخذة. وليس هو مثل حديث رفع التسعة ، كي يتوهم عمومه لرفع النجاسة حتى ادّعى بعضهم عمومه لرفع التكليف والوضع. وذلك لاختلاف لساني الحديثين ، فإن حديث رفع القلم إنما رفع فيه القلم ، والمراد قلم السيئات (١) ، بخلاف حديث رفع التسعة ، فإن المرفوع فيه نفس

__________________

ـ دون العقل وإدراكه. والفطرة اليوم يراد بها الخواص العامة المختصة بالنوع الإنساني في مقابل الغريزة الشاملة لجميع الحيوانات فقط ـ ولا يبعد شمولها للجن أيضا ـ والطبيعة هي الخواص المشتركة للموجودات المادية.

(١) هل المراد بالقلم المرفوع ، قلم التكاليف أو قلم المؤاخذة وإن كان الثاني لازما للأوّل؟ فيه وجهان. قال الشيخ رضى الله عنه (ص ١١٤) في مكاسبه حول تصرفات الصبي في مقام الرد على الشيخ الطوسي وجماعة رحمهم‌الله : وأما حديث رفع القلم

١٥٥

الفعل ، و (لا ـ ظ) يمكن توهم رفع جميع أحكامه كما لا يخفى بأقل تأمّل (المستمسك ج ١ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣).

__________________

ـ ففيه أوّلا : أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام ، ولذا بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبي. وثانيا أن المشهور على الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين.

وقال في ص ١١٥ : ثم إن القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير. وقال قبل ذلك حول حديث ضعيف سندا : إن ما فيه لا يستقيم إلّا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما ـ أي عن المجنون والصبي ـ شرعا من حيث العقوبة الأخروية والدنيوية المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية.

أقول : الروايات المتضمنة لرفع القلم ـ وهي ثلاث كما يظهر من البحار والوسائل وجامع الأحاديث ـ كلها ضعيفة سندا فلا معنى لصرف الوقت في تفسير متنها ، وإن كان الأنسب بمناسبة سائر الروايات الواردة حول اشتراط البلوغ المذكورة في جامع الأحاديث أن المراد بالقلم هو قلم التكليف دون قلم المؤاخذة. ويدل عليه أيضا أن المؤاخذة واستحقاق العقاب ليسا مما تناله يد الجعل والتشريع ، فإن الأوّل فعل الخالق والمدبّر في عالم التكوين دون التشريع ، والثاني من حكم العقل فالقابل للرفع والوضع هو الحكم الشرعي.

وبالجملة إن قيّدنا القلم بقلم التكليف فلا بدّ من إخراج العبادات المستحبة في حق المميز وإن قيّدناه بقلم المؤاخذة فلا بدّ من إخراج بعض التعزيرات الثابت بالأدلة المعتبرة في حقه. فإطلاقه مقيد على كل حال.

١٥٦

٢٢ ـ حول بدلية الأبدال في حال العذر

(الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح).

كما عن المختلف وكتب الشهيد وجامع المقاصد والمدارك ، حيث لم يوجبوا الاستيناف للغايات بعد زوال العذر. لظهور أدلة المقام في كون وضوء الجبيرة بمنزلة وضوء التام في كونه مصداقا للطهور المعتبر في الصلاة وغيرها ، ومصداقا للوضوء الذي لا بدّ أن يكون عليه المكلّف عند الدخول في الغايات ، كما تضمنه كثير من نصوصها ، كما تقدم في مبحث الغايات. خلافا لما عن المبسوط وظاهر المعتبر والإيضاح ، وشرح المفاتيح من كونه مبيحا لدعوى قصور النصوص عن إثبات الرافعية.

والإنصاف يقتضي ما أشرنا إليه مرارا من أن إطلاق دليل وجوب التام يقتضي تعيّنه للرافعية وعدم وفاء الناقص بها ، ومقتضى الجمع العرفي بينه وبين دليل وجوب الناقص عند العجز عن التام ليس التقييد ، لتكون نتيجته كون الرافع في حال الاختيار هو التام ، وفي حال الاضطرار هو الناقص ، فيكون الاختيار والاضطرار كالسفر والحضر وغيرهما من الخصوصيات التي يختلف الحكم باختلافها ، بل الذي يقتضيه الجمع العرفي هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التام

١٥٧

من جهة العجز ، فيكون ملاك التام ثابتا في حال العجز ثبوته في حال الاختيار (١) ، غاية الأمر أنه يعذر المكلف في تركه للعجز ومقتضى ذلك عدم رافعية الناقص ، وإلّا لم يتعين التام للرافعية ، مع أنه خلاف إطلاق الأدلة الأوّلية. عليه فلا بدّ إما من الالتزام بكون الناقص مبيحا محضا ، أو بان له رافعية ناقصة. وإن كان الأظهر الثاني ، فإن الجمع العرفي بين الأدلة يقضي بأن الأبدال الاضطرارية قائمة مقام التام المبدل منه في ترتب الأثر بنحو غير تام ، فأثرها من سنخ أثر المبدل منه ، لكنه من بعض مراتبه. ولا فرق بين أن يكون البدل من سنخ المبدل ، كالوضوء الناقص ، والصلاة جالسا ، أو من غير سنخه ، كالتيمم ، وعدم الرفع فيه ـ إن تم ـ فهو للدليل الخاص. مع أنه غير تام ، كما يأتي إن شاء الله في محله.

وما ذكرنا مطرد في جميع الأبدال الثابتة في حال العذر عن الواقع الأوّلي ، فإنها يترتب عليها أثر المبدل منه ـ في الجملة ـ ولا يترتب عليها تمام الأثر ، وإلّا كانت في عرض المبدل منه ، وهو خلاف اطلاق أدلته الذي عرفت أن مقتضى الجمع بينه وبين دليل مشروعية الناقص مجرد البدلية بلا تقييد للإطلاق المذكور. وقد أشرنا إلى ذلك في حكم الوضوء من الإناء المغصوب. ومنه يظهر أنه لا يجوز للمكلف إيقاع نفسه في العذر ، لأنه تفويت للواقع الأوّلي ، إلّا أن يقوم دليل على جوازه. فتأمل جيدا (المستمسك ج ٢ / ٥٥٣ و ٥٥٤). وراجع الجواهر ج ٥ / ٢٥٢.

__________________

(١) فإن قلت : ادّعاء بقاء الملاك في فرض العجز بعد سقوط الخطاب محتاج إلى علم الغيب؟ قلت : دليل سيّدنا الماتن أنه مقتضى الجمع العرفي بين دليل وجوب التام ودليل وجوب الناقص.

١٥٨

٢٣ ـ تحديد حجية قاعدة اليد

(إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا ـ مع الأرض أو بدونها ـ قبل تعلق الزكاة ، فالزكاة عليه بعد التعلق ، مع اجتماع الشرائط. وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء. وإذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شيء).

قد يشكل ذلك (أي ما ذكره في فرض الشك) بمخالفته لأصالة عدم أداء الزكاة ، وإن كان الانتقال إليه بمعاوضة ونحوها ، لأن إثبات خلو المال عن الزكاة ـ بقاعدة الصحة الجارية في المعاملة أو نحوها ـ يختص بالشك الحادث بعد المعاملة.

بل قد قيل : إنه يختص بخصوص صورة احتمال التفاته حين المعاملة ، وعلمه بوجوب الأداء ، فلا تجري أصالة الصحة إلّا في تلك الصورة لا غير.

فضلا عما إذا كان الانتقال بالموت ونحوه من الأسباب التي لا تتصف بالصحة والفساد.

اللهم إلّا أن يتمسك باليد ، فتجعل أمارة على الملكية الطلقة.

١٥٩

نعم ظاهر المشهور عدم حجية اليد إذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية ، لاستصحاب كونها كذلك. وفيه : أن عنوان اليد الأمانية أو العادية لم يؤخذ عدمه قيدا في موضوع حجية اليد ، كي يكون الاستصحاب جاريا في قيد الموضوع الشرعي ، فيكون حجة. كيف واليد حجة مطلقا ولو احتمل كونها يد أمانة أو عادية؟

غاية الأمر أنه إذا علم بكون اليد أمانة أو عادية فقد علم بعدم الملكية ، فلا مجال لجعل الحجية على الملكية (١) ، لأن الأحكام الظاهرية يمتنع جعلها في ظرف العلم بالواقع ، لا أن موضوع الحجية اليد التي ليست يد أمانة أو عادية ، فإن ذلك غير معقول ، لأنه إذا كانت إلى ليست امانة ولا عادية فهي مالكة واقعا. وحينئذ لا مجال لجعل الحكم الظاهري المحتمل المصادفة للواقع والمخالفة.

مع أنه يلزم عدم جواز التمسك باليد على الملكية ، لأن الشك في الملكية

__________________

(١) وأما على المشهور فيجري استصحاب بقاء حق الفقراء أو عدم إخراج الزكاة أو استصحاب أمانة اليد ، والمفروض أن الموضوع ليس هو مطلق اليد كما عند سيّدنا الأستاذ بل اليد غير المسبوق بكونها أمانة أو عدوانا فإذا ثبت العدوان أو الأمانة بالأصل فلا يبقى موضوعا للقاعدة. ففي فرض الشك يظهر الثمرة بين القولين حيث يجري الاستصحاب عند المشهور ولا يجري عند السيّد الأستاذ لعدم حجية الأصل المثبت ، اللهم أن يقال إنه مثبت حتى على مذاق المشهور لعدم حكم شرعي لليد العدواني أو الأماني ، بل الملكية مترتبة على اليد غير المسبوق بالعدوان وترتب عدم الحكم على عدم المرفوع عقلي ، فلاحظ وتأمّل.

١٦٠