القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

الثلاثة إلى العشرة حيض اذا انقطع ، ولا عبرة بلونه ، ما لم يعلم انه لقرح أو لعذرة ، وهو إجماع. ولأنه في زمان يمكن أن يكون حيضا فيجب أن يكون حيضا» ونحوه ما في المنتهى غير انه قال : «وهو مذهب علمائنا أجمع». فان ما ادعياه من الإجماع وإن كان في بعض موارد القاعدة ، إلّا أن استدلالهما عليه بالقاعدة يقتضي كونها بعمومها أوضح من معقد الإجماع ، بحيث يستدل بها عليه.

اذا عرفت ذلك نقول : إن الكلام في القاعدة «تارة» يكون في معناها (واخرى) في دليلها (وثالثة) في موردها.

أما الأوّل : فهو أنه ليس المراد بالامكان الامكان الذاتي ـ أعني ما يكون الحكم به بالنظر إلى الذات ـ وذلك لأن خصوصية الحيضية إن كانت خارجة عن قوام الذات يلزم بطلان عموم القضية في جميع الموارد التي يحكم فيها بعدم الحيض ، لتحقق الامكان الذاتي ، مع أن المفروض ان الدم فيها ليس بحيض ، ولا فرق في ذلك بين الامكان العام والخاص ، وإن كانت داخلة في قوام الذات ، فان كان المقصود الامكان الخاص ـ وهو ما يصح سلب الضرورة فيه عن الطرفين ـ بطلت القضية ، لأن الدم إما حيض بالضرورة أو لا حيض كذلك ، فيمتنع سلب الضرورة عن الطرفين وان كان المقصود العام منه ـ كما اختاره في المسالك وتبعه عليه في الذخيرة ـ وهو ما يصح سلب الضرورة فيه عن الطرف المخالف ، فالقضية وإن كانت صحيحة إلّا أنها تكون حقيقية واقعية ، لأن كل دم لا يكون سلب الحيض عنه ضروريا فهو حيض واقعا ، ولا تكون قضية تعبدية ظاهرية كما هو المقصود. وكذا الحال لو اريد منه الامكان القياسي بلحاظ حدوده الواقعية لأن ما جمع

٢٤١

حدود الحيض واقعا كان حيضا ضرورة. وكذا ليس المراد منه الامكان الوقوعي ـ أعني : ما لا يلزم من الوقوع المحال ـ لعدم إمكان الاحاطة بذلك ، فيعتذر العمل بالقاعدة. وحينئذ يدور الأمر بين أن يراد منه الامكان الاحتمالي ، والامكان القياسي بلحاظ ما علم اعتباره شرعا ، والامكان القياسي بلحاظ ما احتمل اعتباره فيه شرعا واقعا وان لم يعلم.

ويفترق الأوّل عن الاخيرين في أوّل الرؤية اذا لم يمكن احراز استمراره إلى الثلاثة ، ويفترقان عنه فيما لو علم بكونه ليس بحيض مع اجتماع جميع ما يعتبر قطعا او احتمالا فيه ، ويفترق الثاني عن الثالث فيما لو احرز جميع ما ثبت اعتباره فيه وفقد بعض ما يحتمل فهى اعتباره كالتوالي. هذا وحيث أن مورد افتراق الأخيرين عن الأوّل مما لا يحتمل دخوله في محل الكلام ـ لأن القاعدة المذكورة كسائر القواعد الظاهرية تختص بصورة عدم العلم ـ كانت المعاني الثلاثة مترتبة في العموم المطلق ، فالأوّل أعم من الأخيرين ، والثاني أعم من الثالث ، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ رضى الله عنه في رسالة الدماء من أن المعنى الثاني أعم من الأوّل ، بملاحظة مورد الافتراق المذكور ، وبملاحظة خروجه عن محل الكلام يكون مساوقا له ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر.

ثم إنه يستظهر من كل من تمسك لتحيض المبتدئة وغيرها بمجرد الرؤية بقاعدة الامكان اختياره للمعنى الأوّل ، لكن عرفت الاشكال في ذلك. فراجع. نعم هو ظاهر المنتهى في ذلك المقام ، وغيره في المقام. كما أن المختار لشيخنا الأعظم رضى الله عنه هو الأخير ، ولعله هو الظاهر من لفظ الامكان بعد امتناع حمله على

٢٤٢

الذاتي والوقوعي كما سبق ، نعم مقتضى بعض معاقد الاجماعات ، وجملة من الادلة الآتية من النصوص ، وغيرها ـ على تقدير تمامية الاستدلال بها عليها ـ هو الأوّل. وسيجيء تمام الكلام في ذلك.

وأما الثاني : فهو امور. الأوّل : الاصل ذكره جماعة. وفيه : أنه إن كان بمعنى الغلبة فلا دليل على حجيته ، وان كان بمعنى الظاهر ففيه : ـ مع ذلك ـ ان ثبوته مطلقا ولو مع فقد الصفات محل تأمل. وان كان بمعنى استصحاب عدم كونه من قرح أو عرق العاذل أو نحوهما ـ كما عن شرح المفاتيح ـ ففيه : ـ مع أنه يتوقف على جريان الاستصحاب في العدم الازلي. فتأمل. ومعارضته باستصحاب عدم الحيض ، لا يصلح لاثبات كونه حيضا ، إلّا بناء على القول بالاصل المثبت. وان كان بمعنى أصالة الصحة ـ لأن دم الاستحاضة إنما يكون من علة كما في النص (١) ، كما قد يظهر من الرياض ـ فهو لا يصلح لاثبات كون الدم حيضا ، لأنه من اللوازم التي لا يصلح أصل الصحة لاثباتها ، والقدر المتيقن من دليله اعتباره بلحاظ الآثار الشرعية للصحة لا غير.

الثاني : بناء العرف : فان المتعارف ان المرأة التي من شأنها أن تحيض متى ما رأت ما يمكن أن يكون حيضا تبني على كونه حيضا ، كما في محكي شرح المفاتيح. وفيه : أن ذلك مسلم فيما يخرج من الرحم ، لكن الظاهر انه تطبيق حقيقي

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ من أبواب الحيض ح ٢ لكن النص مرسل وفيه مجهول ، على أن كون العلة فيه بمعنى مقابل للصحة فيه نظر لاحتمال انه بمعنى اعم منه ، فلا تدفعه اصالة الصحة وان قلنا بحجيّة الاصل المثبت.

٢٤٣

ـ كما يساعده مادة اشتقاق الاستحاضة ـ لا بنحو يكون قاعدة ظاهرية ـ كما هو محل الكلام ـ بل يكون خطئيا. والنصوص المتضمنة للفرق بين دم الحيض والاستحاضة بمثل : «إن دم الاستحاضة يخرج من عرق العاذل» (١) ، أو : «أنه من علة» (٢) رادعة عنه ، ولو سلم ذلك فالنصوص النافية للتحيض بالفاقد (٣) رادعة عنه. فتأمّل.

الثالث : سيرة المتشرعة. وفيه : أنها وإن كانت مسلمة ، لكنها في الجملة والموارد المتيقنة منها لعله مما قام الدليل على التحيض فيه.

الرابع : ما في كشف اللثام من انه لو لم يعتبر الامكان لم يحكم بحيض إذ لا يقين. وفيه : أنه يتم لو لم يكن طريق إلى الحيض أصلا ، لكن عرفت سابقا الاتفاق من النص والفتوى على اصالة الحيض في كل ما يرى في العادة ، أو ما يقرب منها وإن لم يكن بالصفة (٤) ، وكل ما يرى بالصفة وإن لم يكن في العادة أو ما يقرب

__________________

(١) لم نقف عليه بعد الفحص عنه في مظانه من كتب الحديث. نعم في نهاية ابن الأثير في مادة (عذل) هكذا : «في حديث ابن عباس : وسئل عن الاستحاضة فقال : ذلك يا العاذل يغذو. ثم قال : العاذل اسم العرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة ، ويغذو أي يسيل» ونحوه في الصحاح. وسيأتي قبل المسألة الاولى من فصل الاستحاضة ما يدل على نفي ورود الحديث في ذلك.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الحيض حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ و ٤ من أبواب الحيض.

(٤) الوسائل باب : ٤ و ١٥ من أبواب الحيض.

٢٤٤

منها (١) ، وكل ما استمر ثلاثة أيام وإن لم يكن واجدا للصفات (٢) ، فكيف يتوقف الحكم بالحيض على قاعدة الامكان؟!

الخامس : جملة من النصوص قد أشار إلى أكثرها شيخنا الأعظم رضى الله عنه في طهارته ، وغيره ، مثل روايتي يونس بن يعقوب وأبي بصير فيمن ترى الدم ثلاثة أو أربعة (٣) المتضمنتين : «انها تدع الصلاة كلما رأت الدم وتصلي كلما رأت الطهر ما بينها وبين شهر» ، وروايتي ابن مسلم (٤) والبصري (٥) المتضمنتين : «إن ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى وما تراه بعدها فهو من حيضة مستقبلة». المتقدمة كلها في مبحث التوالي ورواية سماعة الواردة فيمن ترى الدم قبل العادة ، الآمرة بالتحيض به ، معللة بأنه ربما تعجل بها الوقت. وقد تقدمت في التحيض بالدم المتقدم على العادة ، وصحيحة ابن المغيرة الواردة فيمن رأت الدم بعد ما نفست ثلاثين يوما وتركت الصلاة ، الآمرة بالتحيض معللة بأن أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس. وقد تقدمت في تحيض المبتدئة برؤية الدم الواجد للصفات ، ورواية ابن سنان الواردة في الحبلى ترى الدم ، الآمرة بالتحيض معللة بأن الحبلى ربما قذفت بالدم ، المتقدمة في التحيض بالمستمر ثلاثة أيام ، ونحوها موثقة أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الحيض حديث : ٢ و ٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب الحيض حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب العدد حديث : ١.

٢٤٥

بصير (١) ، وكذا مرسلة حريز (٢). إلّا انها معللة بأنه ربما يبقى في الرحم الدم ولم يخرج وتلك الهراقة. فان ظاهر التعليلات المذكورة مجرد ابداء الاحتمال ليكون المورد من صغريات القاعدة. وما ورد في أن الصائمة تفطر بمجرد رؤية الدم (٣) ، وما ورد في المشتبه بدم العذرة أو القرحة من الحكم بالحيض بمجرد انتفاء علامة العذرة أو القرحة (٤) ، ورواية صفوان : «في الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام. قال عليه‌السلام : تمسك عن الصلاة» (٥) ، وما ورد في الاستظهار عند تجاوز الدم عن العادة (٦) ، ورواية العيص : «عن امرأة ذهب طمثها سنين ثم عاد إليها شيء. قال عليه‌السلام : تترك الصلاة حتى تطهر» (٧).

وفيه : أن الروايات المذكورة على تقدير تمامية دلالتها مقيدة بما دل على عدم التحيض بالصفرة (٨) كما تقدم في تحيض المبتدئة بالرؤية. مع أن دلالتها على القاعدة لا تخلو من اشكال ، إذا الاولتان لا يمكن حملهما على قاعدة الامكان ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الحيض.

(٤) الوسائل باب : ٢ و ١٦ من أبواب الحيض.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الحيض حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحيض.

(٧) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الحيض حديث : ١.

(٨) الوسائل باب : ٣ من أبواب الحيض.

٢٤٦

لامتناع الحيض في تمام الشهر ، فتكون متعارضة التطبيق بالاضافة إلى كل واحد من الدماء. وخروج الدم السابق عن محل الابتلاء ـ بالاضافة إلى بعض الاحكام ـ لا يقدح في التعارض ولو بالاضافة إلى بعض الاحكام الأخر ، مثل قضاء الصلاة. مضافا إلى أن المفروض في السؤال كون الدم يستمر ثلاثة أو أربعة ، وقد تقدم الاجماع على الحكم بالتحيض فيه. فتأمل. والثانيتان إنما هما في مقام إلحاق الدم المفروض الحيضية بالحيض الأوّل والثاني. ورواية سماعة إنما تدل على ان ما يقرب من أيام العادة أمارة على الحيض كأيام العادة. لا في مقام جعل أصل في الدم. وإلّا كان المناسب التعليل بانه قد يجىء الدم في غير العادة. وصحيحة ابن المغيرة في مقام بيان عدم مانعية الدم الأوّل عن حيضية الدم الاخير التي قد توهمها السائل. وأما روايات التعليل فقد قيل : إنها واردة لدفع توهم مانعية الحمل عن الحيض. وأخبار إفطار الصائمة برؤية الدم واردة لبيان مفطرية الدم مطلقا ، لا في مقام جعل الحيضية للمحتمل انه حيض ، كما أشرنا إليه آنفا. وأخبار الاشتباه بالعذرة أو القرحة لا عموم فيها لغير موردها. مع أن ما ورد في الاشتباه بالقرحة مختص بصورة الدوران بين الحيض والقرحة ، ولعل الخروج من جانب القرحة لازم مساو لها ، فانتفاؤه يقتضي انتفاءها وتعين الحيض. ومثله جار في بعض أخبار الاشتباه بالعذرة المختص بصورة الدوران بين الحيض والعذرة ، فيكون الانغماس أو عدم التطوق أمارة على الحيض ، فلا يكون مما نحن فيه. نعم بعض أخباره شامل لصورة احتمال دم الاستحاضة ، فيكون مفاده قاعدة الامكان كما عرفت في ذلك المقام. ورواية صفوان موردها صورة بقاء الدم ثلاثة أو أربعة كما

٢٤٧

سبق في روايتي يونس وأبي بصير. وأما أخبار الاستظهار فمن المحتمل أن يكون الوجه فيها الاستصحاب الجاري في المرأة أو في الدم ، لا ثبوت قاعدة في الدم. مع أنها مختصة بموردها. وأما رواية العيص فالتعبير بالعود فيها يصلح قرينة على اختصاصها بصورة إحراز الحيض بالعلم أو العلمي. وكأن الوجه في السؤال احتمال كون انقطاعه مدة طويلة مانعا عنه شرعا.

هذا والانصاف ان بعض المناقشات المذكورة لا تخلو من ضعف ولا سيما المناقشة في التعليلات ، فان دلالتها على الكلية لا تقبل المناقشة ، وما ذكره شيخنا الأعظم رضى الله عنه ، من أن الظاهر ان لفظ «ربما» للتكثير جيء به لرفع الاستبعاد ، ولم يقصد تعليل الحكم بالاحتمال. مع أن أخبار التعجيل مختصة بما تراه المعتادة قريبا من وقتها. خلاف الظاهر في لفظ «رب» ، وخلاف الظاهر من سوقه مساق التعليل ، والتعجيل وإن كان يختص بالوقت القريب ، لكن الاستدلال كان بالتعليل به لا بمادته ، فان التعليل بالتعجيل ظاهر في أن المناط في احتمال الحيض وعدم المانع. ويظهر من محكي المبسوط والروض : الاستدلال على ذلك بما دل على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض بحمل أيام الحيض على الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضا ، وعن السرائر والنهاية : تفسيره بذلك أيضا. ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف الظاهر جدا ، بل الظاهر منه أيام العادة لا غير.

السادس : الاجماعات المتقدمة المتلقاة بالقبول من حاكيها ، وكفى بها دليلا عليها ، ولا سيما مع تأيدها أو اعتضادها بما سبق. نعم تأمّل فيه الأردبيلي لما ذكروه في تعريف الحيض ، وخصه بما إذا لا يمكن كونه غير حيض. وفي المدارك

٢٤٨

استظهر اختصاص ذلك بما إذا كان الدم بصفة الحيض ، لكن على مختار الأوّل تكون القضية ضرورية عقلية لا شرعية ، والثاني وإن كان يقتضيه ما عرفت من النصوص الدالة على أن الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض ، لكنه لو لم ينعقد الاجماع على خلافها. وكأنه لم يثبت عنده الاجماع المذكور ، كما قد يقتضي ذلك الخلاف في تحيض المبتدئة بالفاقد ، كما تقدمت الاشارة إلى ذلك ، وإن كان الذي يظهر من كلماتهم هناك ان الموجب للخلاف عدم انطباقها لا عدم حجيتها. فراجع. وأما الثالث : فلا ينبغي التأمّل في أن القاعدة المذكورة من قبيل الأصل ، يجري عليها ما يجري على عامة الاصول ، من عدم جواز الرجوع اليها في ظرف وجود الامارة موافقة كانت أم مخالفة ، ومن وقوع التعارض بين أفرادها في موضعين أو أكثر إذا علم إجمالا بكذب أحدهما ، كما لو رأت الدم وعلمت أنه يستمر إلى ما فوق العشرة ، فان جريانها فيما قبل العشرة معارض بجريانها فيما بعدها ، وعليه فلو فرض جريان الاستصحاب لاثبات التجاوز عن العشرة يشكل التحيض بالدم بعد الثلاثة اعتمادا على قاعدة الامكان ، لأنه إذا جرى استصحاب بقائه إلى ما بعد العشرة تتعارض القاعدة بالاضافة إلى ما قبل العشرة وما بعدها ، فالوجه في التحيض حينئذ ينحصر بالاجماع ، أو يكون نفس الاجماع مانعا عن العمل بالاستصحاب المذكور. لكن ظاهرهم هو الثاني ، لتمسكهم في وجوب التحيض في الفرض بالقاعدة. وأما التحيض بمجرد الرؤية فيتوقف التمسك بها فيه إما على حمل الامكان على الامكان الاحتمالي ، او حمله على الامكان القياسي بأحد معنييه ، مع البناء على جريان الاستصحاب لاثبات استمراره إلى الثلاثة وإلّا

٢٤٩

أشكل التمسك بها لعدم إحرازه.

هذا وقد يقال : إن مقتضى الأدلة حمل الامكان على الاحتمالي ، أما اقتضاء الأدلة الأربعة الأوّل فظاهر. وأما الأخبار فالعمدة فيها نصوص التعليل ، ومقتضاها الاكتفاء بمجرد الاحتمال ، وكذا مقتضى غيرها مما هو وارد في التحيض بالرؤية. وأما الاجماعات فالعمدة منها إجماع الخلاف والمعتبر والمنتهى ، وظاهر محكي معقد الأوّل سوق القاعدة مساق أيام العادة التي لا ريب في الاكتفاء في التحيض فيها بمجرد الاحتمال ، وأما إجماع المنتهى فحاله أظهر ، لأنه ذهب فيه إلى تحيض المبتدئة بمجرد الرؤية متمسكا بالقاعدة وحدها بلا نظر إلى الاستصحاب ، وأما إجماع المعتبر فيمكن أن يكون محمولا على ذلك ، ولا ينافيه بناؤه على عدم تحيض المبتدئة بمجرد الرؤية لتمسكه على ذلك بأصالة عدم الاستمرار ، بناء منه على انها بحكم اليقين بعدم الاستمرار في المنع عن القاعدة. فلاحظ كلامه. وبالجملة : العمدة في دليل القاعدة النص والاجماع ، والعمدة في النص التعليلات ، وهي وأكثر معاقد الاجماعات ظاهرة في الامكان الاحتمالي.

لكن الانصاف أن هذا المقدار لا يوجب سكون النفس ، ولا سيما مع بعد توجيه كلام المحقق ، وتصريح غير واحد من الأعاظم باعتبار الامكان القياسي ، قال في شرح الروضة : «إن أمكن كونه حيضا بالاستجماع لشرائطه والخلو عن موانعه حكم بكونه حيضا ، كان بصفات الحيض أم لا. كذا ذكره الأصحاب قاطعين به على وجه يظهر اتفاقهم عليه». بل تمكن المناقشة في دلالة التعليلات على الامكان الاحتمالي ، لأن الاحتمال المستفاد من كلمة : «رب» هو احتمال الحيض

٢٥٠

من جهة الموانع الخارجية التكوينية لا الموانع الشرعية ، وإلّا فهي واردة في مقام نفي المانع الشرعي عن الحيض من الحبل وغيره. والحكم بالحيضية كان مبنيا على ذلك ، فلا تصلح للجريان مع الشك فيه. وبالجملة : مفاد التعليلات التعليل بعدم المانع الشرعي ، واحتمال عدم المانع التكويني ، فلا بد من إحراز عدم المانع الشرعي فيها. نعم الحكم في موردها بالتحيض بالرؤية يقتضي عدم الاعتناء باحتمال عدم استمرار الدم ثلاثة أيام. وأما معاقد الاجماع فالحال فيها كما في النصوص ، إذ إجماع الخلاف كان على إلحاق أيام الإمكان بأيام العادة ، وأيام العادة إنما تكون حجة مع الاحتمال فكذا أيام الامكان ، لكن كون الامكان هو الاحتمالي غير ظاهر. وكذا إجماع المنتهى. نعم ظاهرهما التحيض بالرؤية ـ كنصوص التعليل ـ وإن لم يحرز الاستمرار ، إما لإمكان إثبات الاستمرار بالأصل ، أو لعدم اعتبار إحراز الامكان من هذه الجهة.

والمتحصل : انه لا دليل على كفاية الامكان الاحتمالي فالاقتصار على الامكان القياسي متعين ، كما اختاره شيخنا الأعظم رضى الله عنه تبعا لجماعة من الأعاظم ، مع نسبته من بعضهم إلى الأصحاب. ومن ذلك يظهر أنه لو شك في الحيض للشك في البلوغ أو اليأس لا مجال للقاعدة. كما يظهر أيضا اختصاص القاعدة بالشبهة الموضوعية ، فلو شك في الحيض للشك في اعتبار التوالي ، أو نحو ذلك مما لم يدل الدليل على شرطيته أو مانعيته ، فلا مجال للرجوع إلى القاعدة المذكورة لاثباته أو نفيه ، لما عرفت من اختصاصها بالشك في الشروط التكوينية. واستشهد له شيخنا الأعظم رضى الله عنه برجوع المعظم في اعتبار التوالي إلى أصالة عدم

٢٥١

الحيض ، بعد منع الاطلاق ولم يتمسكوا بالقاعدة لنفي اعتباره. انتهى. وحينئذ فما عن جماعة من المتأخرين من إجرائها في الشبهة الحكمية ضعيف. ومن ذلك يظهر أن المراد من الامكان الامكان القياسي بالمعنى الثاني لا الأوّل ، لأنه مع الشك في مانعية الموجود تكون الشبهة حكمية ، ولا يرجع فيها إلى القاعدة.

والذي تحصل مما ذكرنا في القاعدة امور (الأوّل) : أن المراد بالامكان فيها الامكان القياسي ، بالاضافة إلى ما علم اعتباره شرعا ، وما احتمل اعتباره شرعا ، مما لم يقم دليل على نفي اعتباره. (الثاني) : أن العمدة في دليل القاعدة النصوص المعتبرة الاسناد ، المشتملة على التعليل باحتمال الحيض مع عدم المانع الشرعي. (الثالث) : أنها تجري في أوّل الرؤية ، وان لم يعلم استمرار الدم إلى ثلاثة أيام اذا كان الدم واجدا للصفات أما اذا كان فاقدا فالتحيض به للقاعدة لا يخلو من إشكال ، لما أشرنا اليه آنفا من النصوص الدالة على عدم التحيض برؤية الدم الفاقد ، فإن الجمع بينها وبين نصوص التعليلات يقتضي التفصيل في التحيض بالرؤية بينهما.

نعم اذا استمر ثلاثة أيام جرت القاعدة فيه الإجماع ، ولا اجماع على التحيض برؤية الفاقد.

الرابع : ان القاعدة المذكورة من قبيل الأصل لا يرجع اليها مع الدليل ، كما انه يجري عليها ما يجري على الاصول ، من التعارض بين تطبيقها بلحاظ الدمين اللذين لا يمكن الجمع بينهما في الحكم بالحيضية فيهما فتسقط فيهما معا ، ويرجع إلى دليل آخر.

٢٥٢

الخامس : انها لا تجري في الشبهة الحكمية وتختص بالشبهات الموضوعية لا غير.

السادس : انه يكفي في احراز الامكان ، الاصل الجاري لاثبات الشرط أو عدم المانع. كما اذا شكّت في اليأس ورأت الدم ، فان اصالة عدم اليأس كافية في احراز الامكان بلحاظ شرطية عدم اليأس ، فتجرى قاعدة الامكان في الدم المرئي حينئذ. والله سبحانه اعلم. (مستمسك العروة ج ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٤٢).

٢٥٣

٣٨ ـ كلمة حول غايات الوضوء

لا ريب في إمكان اجتماع الغايات الواجبة والمستحبة للوضوء ، كالوضوء بعد دخول الوقت ، فان له غاية واجبة وهي صلاة الفريضة ، وغاية مستحبة وهي صلاة النافلة. كما لا إشكال في أنه لو قصد الغاية الواجبة جاز له فعلها وفعل المستحبة. وإنما الاشكال في جواز فعله للغاية المندوبة ، فان المحكي عن ظاهر كثير أنه لا يجوز الوضوء بنية الندب لمن عليه وضوء واجب. والوجه فيه ـ بناء على اعتبار نية الوجه ـ ظاهر ، لعدم إمكان نية الندب به حينئذ لا وصفا ، ولا غاية ، لانتفائه (١). بل وكذا بناء على عدم اعتبارها أيضا ، إذ هو عبادة ولا يمكن التقرب

__________________

(١) انتفاء الندب يستلزم انتفاء الامر الندبي لا محالة كما يصرح به سيدنا الاستاذ الحكيم قدس‌سره فيما بعد وهو بمعنى انكار اشتراط الغاية المندوبة (كالصلاة المستحبة مثلا) بالوضوء ، فان الامر الغيري ـ سواء كان ندبيّا أو وجوبيا ـ بمعنى اشتراط الغاية بمقدمتها لا غير ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به كما لا يمكن الالتزام بسقوط الامر الندبي المتعلق بالغايات المستحبة بعد تحقق المر المتعلق بالصلوات

٢٥٤

بالأمر الندبي لانتفائه ، ولا بالأمر الوجوبي ، لاعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة في مقربية الأمر الغيري (١) ، فلا يمكن التقرب بالوجوب الغيري مع عدم إرادة التوصل إلى الغاية الواجبة.

وأجاب المصنف رضى الله عنه عن هذا الاشكال (تارة) : بأنه لا مانع من اجتماع الوجوب والندب في موضوع واحد من جهتين (٢) ، فان الوضوء بعنوان كونه مقدمة للصلاة الواجبة واجب ، وبعنوان كونه مقدمة للصلاة النافلة مستحب. وقد وافق في

__________________

ـ الواجبة بدخول الوقت. وهذا واضح ومن كل ذلك نعلم ببقاء الندب وعدم انتفائه. وان شئت فقل لا شك في استحباب الاعمال المستحبة المشروطة بالطهارة في ظرف تحقق الاعمال الواجبة المشروطة بها ، ومقتضى ما في المتن عدم امكان الاتيان بالمستحبات في الظرف المذكور فمن قصد اتيان الصلاة الواجبة في الساعة المتأخرة من أوّل الوقت لعلة الجماعة أو غيرها ويريد النوافل ويعلم بعدم بقاء وضوئه لها إلى حين الصلاة الواجبة ، لا يصح له الوضوء للدعوى المذكورة في المتن فلا يقدر على اتيان النوافل ، وهو كما ترى. نعم ما ذكره السيّد الاستاذ رضى الله عنه في آخر البحث يدفع هذا الاشكال.

(١) لاحظ كلام صاحب الكفاية رضى الله عنه ونظر السيّد الاستاذ في هذا المقام في حقائق الاصول ج ١ / ٢٦٨.

(٢) بناء على جواز الاجتماع الامر والنهي وقد فصلت هذه المسألة في اصول الفقه في باب مستقل. وما افاده صاحب العروة من الجواز مطلقا كما افاده صاحب الكفاية من الامتناع مطلقا محل نظر والاظهر جوازه اذا كانت الجهتان تقييديتين ، وامتناعه اذا كانتا تعليليتين كما في المقام فان وجوب الوضوء وندبه معلولان لوجوب الغاية واستحبابها.

٢٥٥

هذا ظاهر السلطان رضى الله عنه في حاشية له على الروضة في هذا المقام ، حيث قال : «لا نسلم أنه لا يكون في وقت العبادة الواجبة إلّا الوضوء الواجب ، لأن الوضوء في كل وقت مستحب» (واخرى) : بأنه لو سلم عدم اتصافه بالوجوب والاستحباب في زمان واحد ، فانما يمنع ذلك من إمكان نية الندب وصفا ، ولا يمنع من إمكان نيته غاية. والظاهر أن مراده إمكان التقرب بالأمر الندبي المتعلق بالغاية ، لا الأمر الغيري المتعلق به ، فان مبني كلامه هذا انتفاء الأمر الغيري الندبي فيمتنع لحاظه غاية كما يمتنع لحاظه وصفا. ولعل ما ذكره هو مراد جمال الدين رضى الله عنه في حاشيته حيث قال : «وحينئذ فقصد الندب فيه ليس بمعنى كونه مندوبا في نفسه مطلقا ، حتى يكون فاسدا باعتبار كونه واجبا ، بل بمعنى كونه مندوبا لتلك الغاية ..»

أقول : إذا فرض أن الوضوء غايتين واجبة ومندوبة ، فكما أن مقدميته للغاية الواجبة توجب كونه واجبا كذلك مقدميته للغاية المندوبة توجب كونه مندوبا ، وليس اقتضاء إحداهما أقوى من اقتضاء الاخرى ، ولازم التضاد بين الوجوب والاستحباب تزاحم مقتضاهما ، فاذا سلم تساويهما في الاقتضاء سقطا معا عن التأثير ، فلا يكون الوضوء واجبا غيريا ، ولا مندوبا كذلك ، لأن ثبوت الوجوب دون الندب ترجيح بلا مرجح ، فالالتزام بالوجوب دون الندب ـ كما يجري على السنتهم ـ غير ظاهر الوجه (١).

__________________

(١) الاشكال إنما يتوجه اذا قلنا بوجوب المقدمة وجوبا غيريا شرعا واما اذا انكرناه وقلنا بوجوبها عقلا فلا يبقى اشكال فان المقدمة مندوبة غير واجبة

٢٥٦

والتحقيق أنه (تارة) نقول : إن الفارق بين الندب والوجوب هو اختلاف الطلب فيهما بالشدة والضعف ، فيكون الندب منتزعا من مرتبة ضعيفة من الطلب ، والوجوب منتزعا من مرتبة قوية منه ، (وتارة) نقول : إن الفارق بينهما ورود الترخيص وعدمه ، فيكون الندب منتزعا من الطلب المرخص في تركه ، والوجوب منتزعا من الطلب غير المرخص في تركه ، كما هو التحقيق ، وأوضحناه في (حقائق

__________________

ـ شرعا ومجرد اللابدية العقلية لا تنافي ندبها.

وأيضا الاشكال إنما يتوجه اذا قلنا بوجوب المقدمة مطلقا ، واما اذا قلنا بما ذكره الشيخ الانصاري وصاحب نهاية الدراية (رحمهما‌الله) من أنّ الواجب هي المقدمة التي يقصد بها التوصل إلى ذي المقدمة فلا مجال له ، فان المتوضئ لم يقصد التوصل بالوضوء إلى الواجب بل إلى المندوب ، فلا يتصف الوضوء بالوجوب فلا مانع من اتصافه بالندب ، كما صرح به سيدنا الاستاذ الخوئي رضى الله عنه (التنقيح ج ٤ / ٣٤) وقال انه لا اشكال في صحة الوضوء بقصد الغاية المستحبة من دون ان يقصد به الامر الندبي المتعلق بالوضوء وقال انه خارج عن محل الكلام.

ثمّ إن إشكال السيد الحكيم لا يتوجه على صاحب العروة لان مراده قصد ندب الغاية والاشكال يدل على سقوط الندب المتعلق بالمقدمة فلا ربط بين الاشكال وقول العروة فما ذكره السيد الخوئي من عدم الاشكال في صحة الوضوء بقصد الغاية المستحبة في محله.

ثم ان لم نقل بوجوب المقدمة مطلقا بل بوجوب المقدمة الموصلة ، فاذا اتى المكلف بالوضوء بداعي الغاية المستحبة ولم يوصل ذلك إلى الصلاة الواجبة فلا اشكال في صحته ، فانه غير متصفة بالوجوب فلا مانع من اتصافه بالندب فانه مقدمة لغاية مستحبة واما إن اوصل إلى الغاية الواجبة ففيه الاشكال المتقدم.

٢٥٧

الاصول) ، وعلى كل من القولين فالندب له جهتان : جهة اقتضاء للفعل ناشئة من صرف الطلب ، وجهة لا اقتضاء ناشئة من القيد العدمي ، أو من القيد الوجودي على الخلاف المتقدم ، والمقدمية دائما إنما تقضي سراية الحيثية الاقتضائية من ذي المقدمة إلى المقدمة. ولا تقتضي سراية الحيثية اللااقتضائية ، ولذا لا تجد التنافي بين إباحة الشيء وتحريم مقدمته ، ولكن تجد التنافي بين إباحة الشيء وتحريمه ، فان الاباحة لما كانت لا اقتضاء لا تسري من ذي المقدمة إلى المقدمة ، ليلزم التنافي بينها وبين تحريم المقدمة ، فالوضوء الذي يكون مقدمة لغاية مندوبة لا يسري إليه الندب بذاته وقيده ، بل إنما يسري إليه الندب بذاته لا غير.

وأما قيده ـ أعني : جواز الترك ـ فانما يكون للوضوء ، لقصور ذات الندب في نظر العقل عن اقتضاء الالزام ، لا بالسراية من الغاية المندوبة ومثل هذه المرتبة من الطلب لا تنافي وجوبه الغيري الناشئ من مقدميته للغاية الواجبة ، إذ يمكن أن يكون حينئذ واجدا لمرتبتين ، إحداهما لا اقتضاء لها في المنع من الترك ، والاخرى لها هذا الاقتضاء ، فيمكن الاتيان به بداعي تلك المرتبة فيكون امتثالا لذات الندب ، كما في جميع المندوبات النفسية ، إذا الانبعاث فيها إنما يكون من قبل ذات الطلب بذاته لا بقيده فان المقرب في فعل الصلاة النافلة هو فعلها بداعي ذات الطلب ، بلا دخل لحيثية ضعفه أو لحيثية الترخيص في مخالفته في حصول الاطاعة والمقربية أصلا. ومنه ظهر أن الوضوء حينما يكون له غايتان واجبة ومندوبة يسري إليه ذات الطلب الندبي ، كما لو لم يكن له إلّا غاية مندوبة ، بلا فرق اصلا. كما ظهر أيضا أن المقرب في حال كونه مقدمة لغاية مندوبة لا غير ، وفي

٢٥٨

حال كونه مقدمة لغاية مندوبة وواجبة إذا لم يقصد به إلّا المندوبة ، هو بعينه المقرب في سائر المندوبات النفسية ـ أعني : ذات الطلب لا بحده ـ من دون فرق بين الجميع. وعلى هذا فلو كان للوضوء غايتان مندوبة وواجبة أمكن التقرب بمرتبة الطلب الندبي ، سواء لوحظت وصفا أم غاية ، وبمرتبة الطلب الوجوبي ، وبمجموع المرتبتين كذلك. فلاحظ (١) (المستمسك ج ٢ / ٣٠٨ ـ ٣١١).

__________________

(١) قال قال في حقائق الاصول (ج ١ / ٢٦٥) : ثم قد يستشكل على المصنف رضى الله عنه تارة بان الدفع بذلك لا يطرد في التيمم لعدم استحبابه النفسي. واخرى بانه يقتضي نية الندب بعد دخول الوقت كما قبله ، مع ان المعروف تعيّن نية الوجوب ، بل عن العلامة رضى الله عنه في جملة من كتبه لزوم الاستئناف لو دخل الوقت في الاثناء ، بل الظاهر ان نية الوجوب لا اشكال فيها. ومرادهم منها بنحو الداعي لا داعي الداعي.

ويمكن دفع الأوّل بانه مصادرة فليكن هذا الاشكال كاشفا عن استحبابه ، والثاني بانه لا يجدي ما لم يكن اجماعا ، مع ان المحكى عن جماعة خلافه ، وعن المدارك انه لم يقم دليل على نفي الإجزاء ، ومثله ، عن غيره فراجع. نعم يمكن الاشكال عليه بان الامر الغيري لا يعقل أن يدعو إلى طاعة الامر النفسي الاستحبابي ، بل الفعل الواقع في الخارج أما أن يكون عن دعوة الامر النفسي أو عن دعوة الأمر الغيري. وداعي الداعي في باب الاطاعة ممتنع ، كما اوضحناه فيما علقناه على مباحث الانسداد من الكتاب في اثبات أن اوامر الاطاعة ارشادية لا مولوية. فالاولى في الجواب عن الاشكال المذكور بان قصد الامر الغيري بما أنه من شئون الامر النفسي الذي هو علة له لا مانع من كونه حافظا

٢٥٩

__________________

ـ لعبادية المقدمات العبادية فيجوز فعلها بعد الوقت بقصد الامر الغيري على نحو المذكور كما يجوز قصد الامر الاستحبابي النفسي كما سيجيء منه رضى الله عنه التعرض لذلك.

٢٦٠