القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

القول أولى في القبول مضافا إلى قاعدة : من ملك شيئا ملك الإقرار به (المستمسك ج ١٢ / ٤٠٦).

__________________

ـ وقال في محل رابع (ج ١٤ / ٤١٤ و ٤١٥) : ومن ذلك يتحصل امور :

(الأوّل) : أنّ الإقرار في قاعدة : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» وقاعدة : «من ملك شيئا ملك الإقرار به» ، يختص بالإقرار الصادر لبيان الأعلام ، ولا يشمل ما كان صادرا لفرض آخر أو غلطا. (الثاني) : أن الإقرار في قاعدة : «من ملك شيئا ملك الإقرار به» لا يختص بالإقرار بالوجود ، بل يعم الإقرار بالعدم ، والإقرار بالخدش في إقراره بالوجود أو العدم. فإذا أقر الحاكم الشرعي بالحكم بالهلال قبل ، وإذا أقرّ بعدم الحكم قبل ، وإذا أقرّ بأنّ إقراره بالحكم كان سهوا أو غلطا قبل ، وكذا في إقراره بالعدم. (الثالث) : أنه لا يختص الإقرار الخارج عن عموم القاعدتين بما كان خلافه عاديا كما يظهر من الشرائع. فإذا ادعى المقر بخدش في إقراره بأمر غير عادي يقبل الخدش ، ويسقط الإقرار. ولذلك قال في الجواهر : «إنّ الأقوى في النظر ، إن لم يكن إجماع ، عدم خصوصية للمقام ، فتسمع الدعوى مطلقا ، إذا ذكر وجها ممكنا لإقراره الأوّل». (الرابع) : أنّ السماع في الفرض الأول المذكور في المتن بلحاظ الحكم بالزوجية ، والسماع في الفرض الثاني بلحاظ إلزامه بأحكام ما أقر به أوّلا من باب الأمر بالمعروف ، فلا يلزم به. (الخامس) : أن الوجه في السماع في الأوّل قاعدة : «من ملك ...» والوجه في السماع في الثاني : اختصاص قاعدة : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» بغير المورد. فالسماع في المقامين ليس بلحاظ واحد ، ولا دليله في المقامين واحد.

١٨١

٢٩ ـ رجوع الآذن عن إذنه وقاعدة الغرور

(وفي جواز رجوع الباذل عن بذله بعد الدخول في الإحرام ـ كما يظهر من العروة ـ وجهان).

أحدهما أنه وعد ، والوعد لا يجب الوفاء به كما يقتضيه قاعدة السلطنة على النفس والمال (١).

__________________

(١) في صحيح شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد.

وفي صحيح هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرّض وذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (الوسائل الباب : ١٠٩ من أبواب أحكام العشرة).

وهذان الخبران الصحيحان يدلّان على حرمة خلف الوعد ووجوب الوفاء به ، بل تدل عليه الآية الشريفة : (لِمَ تَقُولُونَ ...) بقطع النظر عن استشهاد الإمام عليه‌السلام بها. ومناقشة سيّدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره في دلالتها عليها عجيبة بل

١٨٢

وأما الثاني فقد يوجه بأنه إذا شرع في الإحرام فقد وجب عليه الإتمام ، فيكون تركه غير مقدور ، فلا أثر للعدول عن البذل. ونظيره ما ذكر ـ في من أذن لغيره في الصلاة في ملكه ـ : من أنه بعد الشروع في الصلاة لا أثر لمنع المالك (١) ،

__________________

ـ بعض كلامه غير متوقع منه (مصباح الفقاهة ج ٢ / ٩٨ طبعة بيروت). نعم لا بدّ من تخصيص الآية أو إطلاقها بغير الوعيد فإنّ الوفاء به غير واجب قطعا كما قيل لكن المتوعد بالشر إذا لم يكن بانيا على إيصاله حال الوعيد فهو كاذب ، فلا بد من حمل الآيات المشتملة على الوعيد على بيان الاستحقاق دون العقاب الفعلي بالنسبة إلى المؤمنين. ثم إن للسيّد الأستاذ الخوئي كلاما في تقريراته (مصباح الفقاهة ج ٢ / ٩٧).

الروايات الواردة في هذا المقام كثيرة جدا ، وكلها ظاهرة في وجوب الوفاء بالوعد .. ولكن خلف الوعد حيث كان يعمّ به البلوى لجميع الطبقات في جميع الأزمان ، فلو كان حراما لاشتهر بين الفقهاء .. ومع ذلك كله فقد أفتوا باستحباب الوفاء وكراهة مخالفته حتى المحدثين منهم.

لكن الذي يسهل الخطب أن السيرة القطعية بين المتشرعة قائمة على جواز خلف الوعد وعلى عدم معاملة من أخلف معاملة الفساق ، ولم نعهد من أعاظم الأصحاب أن ينكروا على مخالفة الوعد كإنكارهم على مخالفة الواجب وارتكاب الحرام. والأوفق بالاحتياط هو الوفاء بالعهد. انتهى.

أقول : وهذا الاحتياط عندنا واجب ، لكن الأرجح بعض الصور انصراف الآية والخبرين عن المقام فإنه عمل بوعده بالبذل والآن يريد الرجوع فيه لا أنه لا يبذل فتأمل فيه.

(١) والأظهر عدم ثبوت دليل معتبر على حرمة قطع الصلاة الواجبة.

١٨٣

كما أشار إلى ذلك بعض مشايخنا في رسالة الحج. وفي حاشيته على المقام ذكر : أن أقوى الوجهين عدمه ويشكل : بأن الحكم غير ثابت في النظير ، فضلا عن المقام. أما الأوّل فلأن نهي المالك عن الصلاة في ملكه يوجب امتناع التعبد بها ، وإذا امتنع التعبد بها بطلت. فوجوب إتمام الصلاة إنما يوجب سلب قدرة المصلي على القطع على تقدير إمكان الإتمام ، ونهي المالك مانع عن الإتمام ، لامتناع التعبد بالصلاة في المكان المغصوب ، فتبطل بنفسها لا بإبطال المصلي لها.

فإن قلت : حرمة الإبطال من آثار الدخول في الصلاة الصحيحة ، ولما كان الدخول في الصلاة بإذن المالك كان الدخول صحيحا ، فيترتب عليه حرمة الإبطال.

قلت : لا ريب أن الإبطال المحرم هو إبطال الصلاة الصحيحة ، فما دامت الصلاة صحيحة يحرم إبطالها ، فهو منوط بالصحة ـ حدوثا وبقاء ـ إناطة كل حكم بموضوعه ، لا أنه منوط بها حدوثا فقط. كيف ولا ريب أنه لو طرأ ما يوجب بطلان الصلاة لم يحرم إبطالها؟ بل لا يتصور إبطالها. وإذا كان الحكم منوطا بالصحة حدوثا وبقاء كان منوطا بشرائط الصحة حدوثا وبقاء ، فإذا زال بعض الشرائط زال الحكم بزواله ، ورجوع المالك عن إذنه موجب. لذلك نظير ما لو شرع في الصلاة في مكان مباح ، ثم اضطر إلى الخروج عنه إلى مكان مغصوب ، فإنه لا يحرم قطعها لبطلانها.

وأضعف من ذلك ما قيل : من أن الشروع في الصلاة الصحيحة لما كان يستلزم الإتمام ، كان الإذن في الشروع إذنا في الإتمام ، لأن الإذن في الشيء إذن

١٨٤

في لوازمه. وجه الضعف : أن الكلام في جواز رجوع المالك عن إذنه وعدمه ، وحرمة إتمام الصلاة وعدمها ، لا في تحقق الإذن في الإتمام كي يستدل على تحقق الإذن بالقاعدة المذكورة. فالكلام في تأثير الرجوع عن الإذن وعدمه ثبوتا ، لا في ثبوت الإذن وعدمه إثباتا ، فالاختلاف بين المقام ومورد القاعدة موضوعا وحكما.

ومثل رجوع المالك عن إذنه في الصلاة رجوعه عن إذنه في البناء في ملكه أو الغرس فيه أو الزرع فيه ، ففي مثل هذه الموارد إذا رجع ـ بعد البناء في ملكه أو الغرس فيه أو الزرع ـ كان الواجب على المأذون إخلاء الأرض إلّا إذا لزم الضرر ، فتكون قاعدة الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة ، المقتضية لجواز الرجوع (١).

ولا تعارضها قاعدة الضرر الجارية في حق المالك ، لأنه مقدم عليه بالإذن.

وقد يستشهد على عدم جواز رجوع المالك عن الإذن في الصلاة بما تسالموا عليه : من عدم تأثير رجوع المالك إذا أذن في رهن ملكه. وفيه : وضوح الفرق بين المقامين ، فإن الراهن بإذن المالك يستوجب حقا للمرتهن في العين ، فقاعدة السلطنة على الحق ـ الجارية في حق المرتهن ـ مانعة من تأثير الرجوع ، ومن إجراء قاعدة السلطنة في حق المالك (٢).

والسر في ذلك : أن عقد الرهن ليس من الأمور القارة الموقوفة على إذن

__________________

(١) لاحظ بحث تقدم قاعدة نفي الضرر على قاعدة السلطنة في كتابنا الأرض في الفقه ص ١٣٢ وما بعدها.

(٢) انظر المصدر السابق ص ٢٥٨.

١٨٥

المالك حدوثا وبقاء ، بل هو يحدث وينعدم ، فإذا حدث بالإذن صح وترتب أثره وبعد العدم لا يناط بالإذن. بخلاف مثل التصرف في المكان ، فإنه كما يحتاج إلى إذن المالك في الحدوث يحتاج إليها في البقاء. نعم المناسب لباب الرهن الجزء الخاص من التصرف الحادث قبل رجوع المالك ، فإنه لا أثر للرجوع في حرمته ، ولا في ترتب أثر الحرمة عليه بوجه. فهو والرهن من باب واحد ، ويصح قياس أحدهما على الآخر ، لا قياس التصرف اللاحق للرجوع بالرهن ، فإنهما من بابين لا من باب واحد.

هذا كله الحكم في النظير. وأما الكلام في المقام فهو : أنه إذا بنينا على عدم تأثير الرجوع إذا أذن في الصلاة ـ لما سبق ـ لا يلزم البناء عليه في المقام ، لأن وجوب إتمام الحج في المقام لا ينافي حرمة التصرف في المال المبذول ، لجواز إتمام الحج بلا تصرف في المال المبذول ، بأن يحج متسكعا ، أو بالاستدانة ، أو الاستيهاب. أو إجارة نفسه على عمل مؤجل أو حال أو غير ذلك. فوجوب إتمام الحج لا يقتضي سلب قدرته على ترك التصرف في المال ، كي يكون من قبيل باب الإذن في الصلاة. نعم إذا انحصر إتمام الحج بركوب الراحلة المبذولة كان من ذلك القبيل ، وحينئذ يجيء فيه ما ذكر هناك ، فإن قلنا فيه بعدم تأثير الرجوع وجب الإتمام بالتصرف بالمال المأذون فيه أوّلا ، وإن رجع المالك عن الإذن. وإن قلنا بتأثير الرجوع وجب ترك التصرف ، ويجري عليه حكم المحصور.

هذا كله من حيث الحكم التكليفي. أما من حيث الحكم الوضعي ـ أعني ضمان المال المبذول في المقام ، والانتفاع المبذول في باب الصلاة والإعارة

١٨٦

للزرع والغرس ـ فهو أنه إن بني على تأثير الرجوع في حرمة التصرف فلا إشكال في الضمان (١). أما لو بني على عدم تأثيره ، فقد يقال بعدم الضمان ، لوجوب البذل شرعا ، المقتضي لعدم احترام المال. وفيه : أن وجوب البذل أعم من عدم احترام المال ، نظير البذل عند المخمصة ، فإنه مضمون على المتصرف فيه بالأكل.

وبالجملة : وجوب بذل المال ، ووجوب تصرف المبذول له فيه لا يقتضي نفي الضمان الثابت بالإتلاف ، لعدم المنافاة بينهما كي يدل أحدهما على عدم الآخر. وكذا الكلام في ضمان منافع الأرض المبذولة للغرس والزرع والبناء إذا لزم الضرر من إخلائها من ذلك عند رجوع الباذل عن إذنه ، فلاحظ (٢).

ومن ذلك تعرف حكم الرجوع عن الإذن في الموارد المختلفة ، فإن رجوع الباذل للرهن لا أثر له ، ورجوع المعير للزرع والغرس ونحوهما يترتب عليه الأثر تكليفا ووضعا ، إلّا مع الضرر فيترتب أثره وضعا لا تكليفا ، ورجوع الآذن في الصلاة يترتب أثره تكليفا ووضعا ، فتبطل الصلاة معه ويكون المصلي ضامنا ، وكذا

__________________

(١) هذا في التصرف المتأخر عن رجوع الباذل عن بذله لا بأس به وإن اريد من الضمان ضمان التصرف السابق على الرجوع وبعد الإذن فلا دليل عليه ولعله واضح.

(٢) الضرر الناشئ عن الانخلاء قد يكون لازما لمطلق الانخلاء وقد يكون ناشئا عن رجوع المالك قبل ما يتوقع رجوعه من الزمان والمسلم من الضمان هو الضمان في الأوّل دون الثاني فإنه مستند إلى نفس الباذل ولقاعدة العدل المحررة في ص ١٤٣ وما بعدها من كتابنا الأرض في الفقه.

١٨٧

المقام. وأما رجوع الزوج عن الإذن للزوجة في الحج فيترتب عليه أثره وإن (١) كان قبل إحرامها ، ولا يترتب أثره إذا كان بعد إحرامها لأن وجوب الإتمام مانع عن وجوب إطاعة الزوج (٢).

ومثله رجوع الوالد عن الإذن لولده في الحج. وأما رجوع المولى إذا أذن لعبده في الحج أو الاعتكاف فإن كان قبل الإحرام في الحج ، وقبل اليوم الثالث في الاعتكاف ترتّب عليه أثره ـ من حرمة الحج والاعتكاف ـ فيبطل اعتكافه إذا كان قد شرع فيه. وإن كان بعد الإحرام أو بعد دخول اليوم الثالث ، فإن قلنا بأن منفعة الحج والاعتكاف من المنافع المملوكة ـ كما هو الظاهر ـ يكون الحكم كما لو رجع الباذل للصلاة ، وإن لم نقل بذلك كان الحكم كما في رجوع الزوج والوالد عن الإذن.

وأما إذا أذن في دفن الميت في ملكه ثم عدل بعد الدفن ، فإن لم يؤد نقله إلى موضع آخر إلى محذور لزم ، وإن أدى إلى هتك حرمته ـ لطروء الفساد على بدنه ـ ففي جواز نقله إشكال ، لاحتمال أهمية حرمة الهتك من محذور دفنه في أرض غيره. ولا سيما أن حرمة الهتك لا تختص بالمباشر لدفنه بل عامة حتى لصاحب الأرض. ولأجل ذلك يشكل النقل حتى لو دفن في أرض بغير إذن المالك ، لاطراد

__________________

(١) الظاهر زيادة كلمة الواو قبل حرف إن الشرطية.

(٢) وفي وجوب نفقتها حينئذ على زوجها نوع تردد وإن كان ثبوته أرجح كم يظهر مما ذكرناه في الجزء الرابع من كتابنا حدود الشريعة في بحث النفقة في حرف النون.

١٨٨

المحذور فيه أيضا.

ثم إن الظاهر أن وجه توقف المصنف رضى الله عنه عن الحكم بجواز الرجوع في البذل بعد الإحرام ، مع بنائه على الجواز فيما لو أذن في الصلاة في داره ـ كما تقدم منه في كتاب الصلاة ـ : احتمال التمسك بقاعدة الغرور في المقام ، التي يدل عليها ـ مضافا إلى الإجماع في الجملة ـ : النبوي المرسل المشهور : «المغرور يرجع على من غره» (١). وما ورد في تدليس الزوجة ، من رجوع الزوج إلى المدلس ، معللا بقوله عليه‌السلام : «كما غر الرجل وخدعه» (٢)(٣).

ومقتضى ذلك وإن كان عموم الحكم برجوع المغرور إلى الغار في جميع الموارد ، إلّا أنه ليس بناء الأصحاب على العمل بها كلية. ولذلك يشكل الأخذ بعموم دليلها ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من (نهج الفقاهة) ، تعليقنا على مكاسب شيخنا الأعظم قدس‌سره.

لكن يخدش الوجه المذكور : أن الإيقاعات لا توجب تغريرا للغير ، فإنها

__________________

(١) هذا الحديث وإن وجد في بعض الكتب الفقهية إلّا أنه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب الحديث العامة والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب العيوب والتدليس في النكاح حديث : ١.

(٣) والأظهر عدم ثبوت كون المرسل حديثا فضلا عن كونه معتبرا أو حجة. والثاني ضعيف بمحمّد بن سنان وأما الإجماع فهو منقول غير حجة. فالعمدة في اعتبار قاعدة الغرور ما أفاده قدس‌سره.

١٨٩

إنشاءات بحتة ليس فيها حكاية ولا دلالة تصديقية ، ولا تتصف بصدق ولا كذب ، فإذا رجع الباذل عن بذله لم ينكشف من الرجوع خلاف ما دل عليه إنشاء الوعد (١).

نعم إذا ظهر من قوله أو فعله أنه لا يخلف في وعده ولا يرجع عنه كان ذلك تغريرا للمبذول له وإيقاعا له في الغرور فالتغرير إنما يكون بذلك القول أو الفعل لا بنفس الوعد. وعليه إذا بني على عموم القاعدة ، ولزوم العمل بها فاللازم التفصيل بين أن يكون اعتماد المبذول له على مجرد الوعد ، وبين أن يكون اعتماده على قوله أو فعله الدال على بقائه على وعده. ففي الأوّل لا مجال لرجوعه عليه. وفي الثاني يرجع عليه ، لحصول التغرير منه في الثاني دون الأوّل. وأما العمل بعموم القاعدة حتى في المقام فلا بأس به ، لعموم دليلها.

نعم قد يشكل صدق التغرير إذا لم يكن الغار قاصدا للإيهام. بل الظاهر اختصاص الخديعة بذلك ، ففي هذه الصورة يضمن الغار ، ولا يبعد أن يكون بناء العقلاء والمتشرعة على الضمان ومؤاخذتهم الغار بتغريره.

أما إذا لم يكن قاصدا للإيهام وإيقاع المغرور في خلاف الواقع ، ففي البناء على الضمان إشكال ، لعدم وضوح الدليل فيه. وعدم ثبوت بناء العقلاء والمتشرعة عليه ، وإن كان ظاهر الأصحاب في مبحث الفضولي ـ فيما لو رجع المالك على المشتري ـ عموم الحكم لصورة علم الغار وجهله. وإن كان بناؤهم على ذلك لا

__________________

(١) إلّا أن يقال أن الإيقاع وإن كان كذلك لكنه مصداق للإغراء عرفا.

١٩٠

يهم إذا كان الدليل قاصرا ، فإنه لم يكن عن إجماع معتد به على ذلك ، لاختلاف أنظارهم في وجه الرجوع. فلاحظ ما ذكرناه في (نهج الفقاهة) في ذلك المبحث. والله سبحانه العالم الموفق (المستمسك ج ١٠ / ١٣٩ إلى ١٤٥).

* * *

١٩١

٣٠ ـ الشرط المخالف للكتاب والسنة

(خلافا للجمهور حيث أن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة ، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به على هذا النحو. ويمكن الحكم بصحته حينئذ للعمومات).

الظاهر أنه يريد عمومات صحة الشروط (١). لكن يشكل : بأن تلك العمومات مخصصة بما لا يخالف الكتاب والسنة ، والمراد به الشرط الذي لا يكون على خلاف الحكم الشرعي الاقتضائي ، فإذا كان مخالفا للحكم الشرعي الاقتضائي كان باطلا ، والظاهر من الدليل الدال على كون الضمان موجبا لبراءة ذمة المضمون عنه كونه مقتضيا لذلك حسب الارتكاز العقلائي ، لا أن البراءة لعدم المقتضي للاشتغال ، فإذا كانت براءة ذمة المضمون عنه لوجود المقتضي لها لا لعدم المقتضي للاشتغال فاشتراط الاشتغال يكون على خلاف الحكم الاقتضائي ، فلا يصح.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب الخيار كتاب التجارة.

١٩٢

وكذا بناء على ما ذكره شيخنا الأعظم رضى الله عنه في تفسير الشرط المخالف للكتاب والسنة بأنه ما كان على خلاف إطلاق دليل الحكم ، فإن إطلاق قوله عليه‌السلام : «إذا رضي المضمون له فقد برئت ذمة الميت» (١) يقتضي البراءة حتى مع الشرط المذكور ، فيكون الشرط المذكور مخالفا لدليل الحكم ، فيبطل. وإن كان ما ذكره قدس‌سره ضعيفا ، فإن أكثر أدلة الأحكام مطلقة من حيث العنوان الثانوي حتى الأحكام غير الإلزامية ، وحينئذ يشكل الأمر في أكثر الشروط ، إذ ما من شرط إلّا ويبدل حكم مشروطه إلى اللزوم ، وهو مناف لإطلاق دليل حكم المشروط ، ولازم ذلك بطلان الشروط عامة إلّا النادر منها ، وهو كما ترى.

ودعوى : أنّ أغلب المباحات والمستحبات والمكروهات بل جميعها إنما دل دليلها على حكمها بالنظر إلى الذات ومن حيث نفسها ومجردا عن ملاحظة عنوان آخر طارئ عليه ، بخلاف أغلب المحرمات والواجبات ، فإن دليل الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع. ممنوعة ، لورود أدلة الطرفين على نهج واحد ، إما مطلقة من حيث العناوين الثانوية أو مهملة. بل ربما وردت في سياق واحد ، مثل قوله تعالى : (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) وقوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فالتفكيك بينهما بحمل : (أحل) على النظر إلى الذات دون العناوين الثانوية ، و (حرم) بالنظر إلى العناوين الثانوية ، بلا فارق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كتاب الضمان حديث : ١.

١٩٣

وكيف كان فالتحقيق : أن الشرط المخالف للكتاب هو المخالف للحكم الاقتضائي ، ومنه الشرط في المقام حسب الارتكاز العرفي ، فإن كون الحكم اقتضائيا أو غير اقتضائي لما لم يكن طريق إليه شرعا تعين الرجوع إلى المرتكزات العقلائية ، إذ لو لا ذلك كان البيان المذكور خاليا عن الفائدة ، إذ لا طريق إلى تشخيص الموضوع سواه. وبالجملة : مقتضى الإطلاق المقامي الرجوع إلى المرتكزات ، كما أن مقتضاه الرجوع إليها في تشخيص مفاهيم موضوعات الأحكام الشرعية. نعم إذا توقف العرف في تشخيص الحكم الاقتضائي واللااقتضائي تعين الرجوع إلى الأصل ، وهو أصل عدم كون الشرط مخالفا ، بناء على جريان الأصل في العدم الأزلي بنحو مفاد ليس الناقصة ، كما هو الظاهر (١).

وتحقيق ذلك في مبحث الشروط من كتاب المكاسب. (المستمسك ج ١٣ / ٢٧٠ و ٢٧٥).

__________________

(١) ولذا ذهب سيدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره إلى صحة ما عليه الجمهور كما مال إليها صاحب العروة رضى الله عنه وإن ضعفه في تعليقته على العروة جدا.

١٩٤

٣١ ـ بعض ما يتعلق بالقرعة

وهذا الاحتمال (أي احتمال القرعة) ذكره جماعة فيما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع ومات قبل الاختيار. وأشكل عليه بأن القرعة إنما تكون طريقا إلى تعيين الواقع المتعين في نفسه. والمفروض عدمه ، ولذا اختار بعضهم التوقف حتى يصطلح الورثة. وبعضهم اختار القسمة بالسوية ، نظير ما لو تداعيا مالا معينا ، والإشكال على الأخير ظاهر ، لاختصاص الدليل بصورة التداعي والمفروض عدمه. ويشكل ما قبله بأن تصالح الورثة تابع لاستحقاقهم ، وهو غير ظاهر. ومن هنا قوّى في الجواهر القرعة مانعا اختصاصها بصورة تعيين الواقع المتعين في نفسه لإطلاق أدلتها من الآية ، والرواية (١).

أقول : المراد من الآية قوله تعالى في سورة آل عمران : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)(٢) ، أو قوله

__________________

(١) هذا المنع هو الأقوى لإطلاق بعض الروايات المعتبرة كما ذكرنا في كتابنا (القضاء والشهادة) في بحث القرعة ص ٩٣ إلى ص ١٠٦ فانظره إن شئت.

(٢) الآية : ٤٤.

١٩٥

تعالى في سورة الصافات : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(١). وأما الرواية : فمنها رواية محمّد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن شيء ، فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة. قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب ، قال عليه‌السلام : كلما حكم الله به فليس بمخطئ» (٢) ، وعن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبي جعفر عليه‌السلام وابي عبد الله عليه‌السلام : أنهم أوجبوا القرعة فيما أشكل (٣) ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وأي حكم في الملتبس أثبت من القرعة؟! أليس هو التفويض إلى الله جل ذكره؟ ...» (٤) ، وخبر عبد الرحيم المروي في كتاب الاختصاص (٥) ، للمفيد رضى الله عنه : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن عليا عليه‌السلام كان إذا ورد عليه أمر يجيء فيه كتاب ولا سنة رجم فيه ، يعني : ساهم فأصاب ، ثم قال : يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات» (٦) ، ـ وقريب منه خبره الآخر (٧) ـ وصحيح محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم ، قال عليه‌السلام : كان علي عليه‌السلام يسهم

__________________

(١) الآية : ١٤١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١١.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٢.

(٥) محمّد بن حكيم لم يثبت حسنه بوجه واضح ، ونسبة كتاب الاختصاص إلى المفيد ـ رغم اشتهارها ـ غير ثابتة.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٤.

(٧) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء ملحق حديث : ١٤.

١٩٦

بينهم» (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل قال أوّل مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعا ، قال عليه‌السلام : يقرع بينهم ، ويعتق الذي خرج اسمه (٢) ونحوها غيرها ، ذكرها في الوسائل في أواخر مباحث القضاء. وقد ذكر في ذلك الباب أخبارا كثيرة متضمنة لجريان القرعة أيضا فيما له تعيّن واقعا ، فلاحظ.

لكن يشكل الاستدلال بالآيتين الشريفتين على جريانها فيما لم يكن له تعيّن واقعا أو لا : لاحتمال أنه من باب التراضي والاتّفاق منهم على ذلك ، لا من باب أنه حجة شرعية يرجع إليها على كل حال ، كما لو اتفقوا على ترجيح الأكبر سنا ، أو الأقوى بدنا ، أو نحو ذلك. وثانيا أنه يتوقف على أن التنازع في موردهما لم يكن في تعيين الأولى ، وهو غير ظاهر ، بل يظهر من بعض الأخبار الواردة في تفسير الآية الثانية : أن الراكبين في السفينة علموا أن الخطر الوارد على السفينة كان من جهة أن فيها عبدا آبقا. واختلفوا في تعيينه (٣). نعم المذكور في الروايات أن النزاع في كفيل مريم عليها‌السلام كان بين أنبياء (٤) ، ويمتنع أن يكون نزاعهم في أمر مجهول ، بل يكون حالهم حال المتسابقين إلى الخير. لكن لا عموم في الآية ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٥.

(٣) قال في مجمع البيان الجزء : ٨ الصفحة ٤٥٨ «وقيل : إن السفينة احتبست فقال الملاحون : إن هاهنا عبدا آبقا ...» وفي تفسير القمي الجزء : ١ الصفحة : ٣١٨ طبعة النجف الحديثة : «فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص ...».

(٤) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٥.

١٩٧

لورودها في مورد خاص ، والتعدي منه غير ظاهر.

ومن ذلك يشكل الاستدلال بالنصوص الأخيرة ، فإنها واردة في موارد خاصة لا يستفاد منها العموم. فلم يبق إلّا العمومات المستفادة من النصوص المتقدمة مثل : إن القرعة في كل مجهول ، الذي يظهر من محكي الخلاف ، وقواعد الشهيد الإجماع عليه ، أو : أنها لكل أمر مشكل ، كما هو مذكور في كلام الفقهاء ، وإن لم أقف على نص فيه غير ما تقدم عن الدعائم ، وإنما حكي عن رواية المخالفين. نعم نسبه في جامع المقاصد إلى قولهم عليهم‌السلام. ومثله : «القرعة لكل أمر مشتبه». لكن قول الراوي في الرواية الاولى : «قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب» ظاهر في وروده فيما له تعين واقعي ، لأنه الذي يتصور فيه الخطأ والصواب. ولا ينافيه قوله عليه‌السلام في الجواب : «كلما حكم الله تعالى به فليس بمخطئ» ، لأن الظاهر منه أنه ليس بمخطئ باعتبار أنه حكم الله ، ولو ظاهرا. بل لعل منصرف «المجهول» ما له تعين واقعي وجهل تعيينه فالبناء على عموم الرواية لما نحن فيه غير ظاهر. مضافا إلى أن البناء على إطلاقه يوجب سقوط جميع أدلة الاصول. فلا بدّ أن يكون المراد من المجهول معنى غير الظاهر ، فيكون مجملا. وكذلك «المشكل» و «الملتبس» المذكوران في رواية الدعائم ، فإنهما وإن كانا شاملين لما نحن فيه ، لكن الأخذ بعموم مفهومهما مشكل ، ولا سيما بملاحظة ما رواه المفيد في كتاب الاختصاص. فيتعين حملهما على ما لا مخرج فيه ، بنحو لا تفي الأدلة فيه ، بل لعله المنصرف إليه منهما ، فلا تشمل ما نحن فيه ، لأنه إذا فهم من أدلة الاختيار الواردة في الموارد المتقدمة العموم لما نحن فيه ، فلا إشكال ولا التباس ، وإن لم يمكن

١٩٨

استفادة حكم ما نحن فيه منها. كان المرجع قاعدة امتناع الترجيح بلا مرجح ، ومقتضاها البطلان في الجميع. نعم لو أمكن البناء على بطلان العقد في أمتين وصحته في أمتين على وجه الترديد. كان الرجوع إلى القرعة في محله ، للاشكال الذي لا يمكن التخلص فيه إلّا بالرجوع إلى القرعة لكن ذلك ممتنع ، لقيام الزوجية في الفرد المبهم.

نعم لا يبعد صدق المشكل فيما إذا اشتبهت المطلقة أو المعقود عليها بين اثنتين أو أكثر ، فإن الرجوع إلى القواعد في حرمة الوطء أو النظر لا يوجب إشكالا ، لكن الرجوع إليها في بقية الأحكام من النفقات ، وحق القسم ، والتوارث ، ونحوها ، مما يوجب الإشكال ، فيرجع فيه إلى القرعة. وكذا إذا تردد مالك العين بين الشخصين ، لتعذر الرجوع إلى القواعد فيه. ولعل منه مصحح محمّد بن عيسى عن الرجل عليه‌السلام في الشاة الموطوءة إذا اشتبهت في قطيع غنم ، من أنه إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم القطيع نصفين ، وأقرع بينهما ، ثم لا يزال يقرع حتى يقع السهم على واحدة (١). فإن وجوب الاحتياط بترك جميع الغنم وإن كان ممكنا ، لكن لزوم الضرر المنفي في الشريعة يستوجب الدوران بين محذورين ، فيكون من المشكل الذي يرجع فيه إلى القرعة أيضا.

لكن ظاهر الفقهاء أن الفتوى بذلك اعتمادا على الخبرين (٢) الواردين فيه ، لا

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١ ، ٤.

١٩٩

لعمومات القرعة. بل ظاهرهم عدم الرجوع إلى القرعة عند تزاحم حقوق الله تعالى ، مثل تزاحم الواجبات ، أو المحرمات ، أو الواجب والحرام ، حتى فيما لو كان هناك تعين في الواقع ، كما في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة ، فإن الجميع ـ وإن كان من المشكل ـ لا يرجع فيه إلى القرعة وإنما يرجع إليها عند تزاحم حقوق الناس ، مثل المال المردد بين المالكين ، والحق المردد بين شخصين ، كالأمثلة التي سبقت. وكذلك النصوص ، فإن الموارد منها في الموارد الخاصة ـ على كثرتها ـ واردة في تزاحم حقوق الناس. وكذا مورد الآيتين الشريفتين. نعم مورد المصحح الوارد في الشاة الموطوءة من قبيل تزاحم حق الله وحق الناس. فالبناء على اختصاصها بمورد تزاحم حقوق الناس متعين.

ومن ذلك يظهر الإشكال في جريانها في المسألة ، لأنه إذا كان مقتضى القاعدة البطلان لا حقوق لها ، ولا تزاحم ، فلا يكون المورد من المشكل ، فلاحظ. وكذا الحكم لو عقد الوكيلان عن امرأة واقترن العقدان. (المستمسك ج ١٤ / ١٠٢ إلى ١٠٧).

* * *

٢٠٠