القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

من الشروط الصحيحة ما يلزم العمل بها ويترتب الأثر على مضمونها وقال في القواعد : «ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا ، أو يخدمه في شيء بعينه ، فالوجه صحة الشرط». وفي جامع المقاصد : «حكي عن الشيخ بطلان الشرط إذا اشترط في المضاربة أن يدفع إليه ألفا بضاعة ، لأن العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ...».

وقال في القواعد في كتاب الشركة : «ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوتهما ، فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما ، سواء شرط الزيادة للعامل أو للآخر وقيل : تبطل إلّا أن تشترط الزيادة للعامل» ونحوه في الشرائع. فالقائل بالصحة لا يراها منافية لجواز العقد ، والقائل بالبطلان لم يستند إلى جواز العقد وعدم صحة الشرط في العقد الجائز ، بل استند إلى أمر آخر. وفي التذكرة : لو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها جاز لأنه شرط سائغ لا ينافي الكتاب والسنة ، فوجب الوفاء به ، عملا بقوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١). وبالجملة : ملاحظة كلماتهم في الشروط في العقود الجائزة ـ مثل الشركة والمضاربة والعارية وغيرها ـ وبناؤهم على صحة بعض الشروط فيها وعلى بطلان البعض الآخر ، لامور ذكروها مع عدم تعرضهم للقاعدة المذكورة ، وجعلها منشأ لبطلان بعضها ، أو مخصصة بالنسبة إلى الصحيح منها ، دليل على عدم

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخيار حديث : ١ ، ٢ ، ٥.

٣٨١

بنائهم عليها وما في بعض الكلمات المتقدمة ونحوها محمول على خلاف ظاهره ، أو أنه رأي خاص للقائل نفسه.

نعم قال في الجواهر في المقام : «إنما الكلام في حكمه (يعني : حكم الشرط بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وعدمه) فيحتمل الأوّل ، لكن بمعنى الوجوب المشروط بالبقاء على العقد وعدم إنشاء فسخه لكونه حينئذ كنفس مقتضى العقد ، إذ هو من توابعه. وبهذا المعنى يندرج في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .. (إلى أن قال) : ويحتمل الثاني ، لا بمعنى تسلطه على فسخ العقد ، بل على معنى عدم وجوب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد : للأصل السالم عن معارضة الآية ... (إلى أن قال) : ولعل هذا هو مراد الشيخ والفاضل في التحرير من المحكي عنهما ، لا أن المراد عدم لزوم الوفاء بالعقد باعتبار جواز العقد ، وإلّا فالوفاء به واجب حال عدم فسخ العقد ، إذ هو كما ترى لا دليل عليه ، بل المعلوم خلافه ، ضرورة كون الشرط أولى من مقتضى العقد الذي لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد ، فان من استودع أو وكل أو أعار أو ضارب ـ أي جاء بعقد من هذه العقود ـ لا يجب عليه الوفاء بمقتضى ذلك ، فيأخذ الوديعة مثلا ، ويفعل كل ما وكل ، ويتناول العارية ويأخذ عين مال القراض ، فالشرط أولى. ومنه يعلم حينئذ أنه هو مراد الشيخ والفاضل فيما ذكراه من عدم لزوم الوفاء به. وهو لا يخلو من قوة».

وما ذكره قدس‌سره من أنه مراد الشيخ والفاضل في التحرير غير ظاهر ، فان الشيخ قدس‌سره قد علل البطلان بما ذكر ، ثم علل الجواز : بأن البضاعة لا يجب القيام بها وظاهره أن الوجه في الجواز امتناع وجوب البضاعة ، لا كون الشرط في عقد

٣٨٢

جائز ، والفرق بين البطلان وبين الجواز الذي اختاره : أن مقتضى البطلان أن لو جاء المشروط عليه بالشرط استحق العوض ، كما هو الملاك في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، بخلاف الجواز ، فانه لا يستحق كما لو فعل ما وعد به ، فانه لا يستحق على الموعود عوضا. وأما العلامة في التحرير فلم يعلم منه الوجه في عدم وجوب الوفاء به ، ومن القريب أن يكون هو الوجه فيما ذكره الشيخ ، وإلّا فقد ذكر جملة من الشروط في عقد المضاربة وغيره وصححها ولم يتعرض فيها لما ذكر ، فلو كان الشرط في العقد الجائز لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد لم يكن وجه للبناء على صحة الشروط الاخرى المذكورة في كتابي الشركة والمضاربة وغيرهما.

وبالجملة : فكلمات الأصحاب خالية عن التعرض لهذه القاعدة ، ويظهر منهم عدم البناء عليها ، ولزوم العمل بالشروط وإن كانت في عقد جائز ، والعبارات السابقة لا بدّ من حملها على غير هذا المعنى ، وإلّا لم يكن وجه لبنائهم على صحة جملة من الشروط المذكورة في العقود الجائزة ، وتمسكهم على صحتها بلزوم الوفاء بالعقود والشروط. فلاحظ ما تقدم عن القواعد من قوله في كتاب القراض : «وهو عقد قابل ...» ، وما تقدم في شرحه من جامع المقاصد.

وكيف كان فالذي يمكن أن يكون وجها لهذه القاعدة امور.

(الأوّل) الأولوية المشار إليها في عبارتي الرياض والجواهر. وفيه : أنها لا تخلو من خفاء ، فلا تصلح للاثبات.

(الثاني) : أن دليل الجواز يدل على جواز العقد بتوابعه والشرط من توابعه.

٣٨٣

وقد يظهر ذلك من عبارة المسالك الآتية. وفيه : أنه غير ظاهر ، فان دليل الجواز هو الاجماع ، والمتيقن منه يختص بالعقد ولا يشمل توابعه.

(الثالث) : أنه لو لزم الالتزام بالشرط مع عدم الالتزام بالعقد للزم الالتزام به ولو مع فسخ العقد ، ولا قائل به. وفيه : أن دليل لزوم الشرط يختص بما كان في العقد ، فاذا فسخ العقد ارتفع الشرط الذي هو موضوع اللزوم.

(الرابع) : أن جواز الشرط مقتضى الأصل كما أشار إلى ذلك في الجواهر في عبارته المتقدمة ، وفيه : أن وجوب الوفاء بالعقد أو الشرط لا يراد منه الوجوب التكليفي ، بل الارشادي إلى نفوذ العقود والشروط ، وكذلك وجوب الوفاء بالنذر فالشك في الحقيقة في اللزوم والجواز يرجع إلى الشك في جواز الفسخ وعدمه ، والأصل عدم ترتب الأثر على الفسخ.

وكأنه لذلك لم يتعرض لها الأصحاب ، وكأن بنائهم على خلافها ، وشيخنا الأعظم في مكاسبه لم يتعرض لذكرها مع أنه أطال في ذكر مباحث الشروط وما يتعلق بها. نعم في المسالك ـ في شرح قول ماتنه فيما إذا اشترط في المضاربة أن يأخذ مالا آخر بضاعة : «ولو قيل بصحتهما (يعني : صحة المضاربة وصحة الشرط) كان حسنا» قال : والقراض من العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به ، فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقده ، لان الشرط كالجزء من العقد فلا يزيد عليه» والاستدلال بما ذكر مشكل كما عرفت. ولذا قال بعد ذلك : «والذي تقتضيه القواعد أنه يلزم العامل الوفاء به ، وبه صرح في التحرير ، فمتى أخل به تسلط المالك على فسخ العقد وإن كان ذلك له بدون الشرط ، إذ لا يمكن هنا سوى ذلك».

٣٨٤

والذي يظهر من مجموع كلامه أن القاعدة المذكورة لا أصل لها في كلاهم وإنما تذكر كوجه من الوجوه الذي تختلف فيها العلماء. فلاحظ. (المستمسك ج ١٢ / ٢٦٤ إلى ٢٦٩).

* * *

٣٨٥

٥٧ ـ بعض ما يتعلق بشرط النتيجة

الذي هو نظير شرط الوكالة هو شرط المضاربة لا شرط عمل المضاربة ، فان شرط الوكالة من قبيل شرط النتيجة ، وشرط العمل من قبيل شرط الفعل ، وهما متغايران. والثاني لا إشكال في صحته إذا لم يخالف الكتاب والسنة. والأوّل في صحته إشكال من وجوه (الأوّل) : أن الشرط في ضمن العقد مملوك للمشروط له على المشروط عليه ، ولهذا صح للمشروط له المطالبة بالشرط. وهذا لا يتأتى في النتائج ، من جهة أنها لا تقبل إضافة المملوكية (والثاني) : أن مفاد الشرط حينئذ ملك المشروط له الوكالة مثلا ، وملك الوكالة لا يقتضي وقوع الوكالة الذي هو مقصود المشترط ؛ فيكون خلفا. (الثالث) : أن بعض النتائج لا تعقل الانشاء التبعي ، فلا يصح أن يبيعه فرسا بدينار بشرط أن تكون بنته زوجة له ، لان الزوجية لا تقبل الانشاء التبعي. وكذا لو باعه بشرط أن تكون زوجته مطلقة ، لان الطلاق لا يقبل الانشاء التبعي .. وهكذا فصحة شرط المضاربة يتوقف على كونها مما تقبل الانشاء التبعي ، وهو غير واضح.

ويدفع الاشكالين الأولين : أن ملك المشروط له للشرط يختص بشرط الفعل ، ولا يكون في شرط النتيجة. نعم لا بدّ في شرط النتيجة من كون المشروط

٣٨٦

محبوبا للمشروط له وان لم يكن مملوكا له ، فشرط النتيجة مجرد إنشاء في ضمن إنشاء على أن يكون قيدا له من دون قصد تمليكه للمشروط له.

نعم يبقى الاشكال الثالث ، وتوضيحه : أن شرط النتيجة في ضمن العقد راجع إلى تقييد المنشأ بالنتيجة ، فاذا قلت : بعتك الدار على أن يكون ثمنها بيدك مضاربة ، فقد قيدت البيع المنشأ بقيد ، وهو المضاربة بثمنه ، وبهذا التقييد كنت قد أنشأت المضاربة ، لكونها مأخوذة قيدا للمنشإ ، لان إنشاء المقيد إنشاء لقيده ، فهذا النحو من الانشاء ربما يترتب عليه الاثر ، فيحصل المنشأ ، كما في شرط الوكالة في ضمن البيع ، فيما لو قال : بعتك داري على أن اكون وكيلا على إجارتها ، ومثل شرط الملكية مثل : بعتك داري بالف دينار بشرط أن يكون لي عليك منّ من السكر أو مثل جميع شرائط الفعل ، لما عرفت من رجوع الشرط فيها إلى شرط ملكية الفعل للمشروط له ، وربما لا يترتب عليه الاثر ، مثل شرط التزويج والطلاق ، والمائز بين القسمين المرتكزات العرفية ، ومع الشك يبنى على عدم ترتب الأثر ، للشك في القابلية ، وإطلاقات الصحة لا تثبت القابلية.

ولا يبعد في المرتكزات العرفية أن تكون المضاربة من النتائج التي يصح إنشاؤها بجعلها قيدا للمنشإ ، ومثلها جميع العقود الاذنية ، كالعارية والوديعة والوكالة ، وكذلك الرهن ، فاذا قال : بعتك داري بثمن إلى شهر بشرط أن تكون رهنا على ثمنها ، صح البيع وصح الرهن ، وليس كذلك البيع والاجارة والوقف والنكاح والطلاق. وقد عرفت أنه مع الشك في المرتكزات العرفية يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

والذي يتحصل مما ذكرنا امور (الأوّل) : أن شرط الفعل مفاده تمليك

٣٨٧

المشروط له على المشروط عليه الفعل. (الثاني) : أن هذا لا يمكن في شرط النتيجة ، للاشكالين السابقين. (الثالث) : أن شرط النتيجة إنشاء للنتيجة كسائر الانشاءات للعناوين الانشائية ، ويختلف عنها بأنه إنشاء تبعي ، بخلاف سائر الانشاءات فانه أصلي. (الرابع) : أن النتائج في مرتكزات العرف على ثلاثة أقسام ، منها ما يقبل الانشاء التبعى ، ومنها ما لا يقبله ، ومنها ما هو مشكوك. والأوّل يصح أخذه شرطا ويترتب عليه الأثر ، والاخيران لا يصح ذلك فيهما.

ثم إنه لا إشكال في أنه يجوز الجمع بين عنوانين بعقد واحد ، فيقول بعتك هذه الجارية وزوجتك أختها بالف دينار ، فاذا قال المخاطب : قبلت صح البيع والنكاح ، وليس أحدهما شرطا في الآخر ، لأن الشرط يجب أن يكون قيدا للمشروط به كما عرفت ، وهنا لم يؤخذ أحدهما قيدا للآخر ولا مقيدا به ، بل الأمران مقترنان في عرض واحد بلا تقييد ولا تقيد. ولذلك لا خلاف بينهم في صحة الجمع من دون شبهة أو اشكال ، وقد تقدم في مبحث ضمان العين المستأجرة ما له نفع في المقام ، فليراجع.

هذا ولا يبعد أن يكون غرض المصنف من قوله : «عمل المضاربة» نفس المضاربة بقرينة تنظير ذلك بشرط الوكالة. وبقرينة قوله بعد ذلك : «فلا يجوز له فسخها». وإنما لم يجز فسخها لان التوقيت إلى زمان معين يقتضي اشتراط عدم فسخها ، مضافا إلى اشتراط وجودها ، وحينئذ يكون فسخها قبل الغاية مخالفة للشرط ، فلا يكون تحت قدرة المشروط عليه. (المستمسك ج ١٢ / ٤٤٢ إلى ٤٤٥).

٣٨٨

٥٨ ـ الانفاق على الاقارب حق أو ذو حكم؟

(مضافا إلى أن وجوب الانفاق ـ على الارقاب ـ حكم تكليفي (١) ولا تكون النفقة في ذمته ولكن مع ذلك لا يخلو عن اشكال (٢)).

(١) إن كان مورد كلامه المستقبلة فكونها من قبيل الحكم التكليفي أيضا غير ظاهر ، لعدم ثبوت هذا التكليف بالنسبة إلى الزمان المستقبل. نعم يتم بالنسبة إلى الزمان الحاضر لو بني على الاقتصار على ما تحت عبارة النصوص. أما بالنظر إلى جواز مطالبة القريب بالنفقة ، وعرض الأمر على الحاكم الشرعي ، وإذنه في الاستدانة لها ، فيتعين البناء على عدم كونها تكليفا بحتا ، بل على كون القريب يملك الانفاق عليه أو النفقة ، إذ لو لا الملك والحق الوضعي لم تجز المطالبة إلّا من باب الأمر بالمعروف. لكنه يختص بشرائط لا مجال له مع فقدها. وكذلك لو لا الحق الوضعي لا وجه لرفع الامر إلى الحاكم ، ولا لاذنه بالاستقراض ، كما هو واضح. نعم لما كان الحق مرددا بين الحقين لا مجال للاستصحاب في اثبات القضاء ، لانه من قبيل الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد ، وهو غير حجة ، فيتعين الرجوع في وجوب قضائه إلى أصالة البراءة ، فهو حق وضعي لا تكليف

٣٨٩

محض.

(٢) لما عرفت. مضافا إلى بنائهم على صحة ضمانها ، فقد ذكر في القواعد : أنه يصح ضمان النفقة الحاضرة للقريب دون الماضية والمستقبلة.

وفي التذكرة : «أما نفقة اليوم فالأقرب جواز ضمانها ، لوجوبها بطلوع الفجر». ونحوه في المسالك وعن مجمع البرهان. ومن المعلوم أن الضمان لا يصح في التكليف ، فلا بدّ أن يكون الانفاق حقا ماليا مملوكا للقريب ويكون المضمون هو ذلك الحق المالي. وإن كان ظاهر كلامهم أن المضمون عين النفقة ، كما يقتضيه أيضا سوقها مساق نفقة الزوجة التي يكون المضمون منها عن النفقة بلا شبهة. لكن لا مجال للأخذ بهذا الظاهر ، إذ لا دليل عليه ، بل لا يتناسب مع فتواهم بعدم قضاء الماضية.

والذي يتحصل مما ذكرنا امور : (الأوّل) : أن وجوب الانفاق ليس من باب التكليف ، بل من باب الحق المالي. (الثاني) : أن هذا الحق في الزوجة لما كان مشروطا بالتمكين وعدم النشوز لا يكون ثابتا إلّا عند الحاجة مع حصول الشرط ، ولا يثبت قبله. وما ذكره الاصحاب من أن نفقة اليوم تثبت للزوجة عند طلوع الفجر غير ظاهر ، بل تثبت نفقة الصبح عند حصوله مع الشرط ، ونفقة الظهر عند حصوله كذلك ، ونفقة العشاء عند حصوله كذلك ، وكذلك نفقة القريب. وعلى تقدير البناء على ثبوت الملك عند الفجر فهو مراعى ببقاء الشروط (الثالث) : أن الفرق بين نفقة الزوجة ونفقة القريب : أن الاولى من قبيل ملك النفقة ، والثانية من قبيل ملك الانفاق.

٣٩٠

(الرابع) : أن عبارة المصنف أهملت التعرض لنفقة القريب الحاضرة ، مع أنها أولى من غيرها بالتعرض ، لذكر الأصحاب لها بالخصوص من حيث جواز الضمان ، وإن كان التعليل الثاني كافيا في المنع عن ضمانها. لكن عرفت إشكاله. (الخامس) : أن التحقيق جواز ضمان نفقة القريب الحاضرة كنفقة الزوجة الحاضرة. كما ذكره الجماعة آنفا. وكون الثابت في الثانية ملك العين وفي الاولى ملك الانفاق لا يوجب الفرق بينهما في ذلك. فان الانفاق حق مالي في الذمة يقبل الانتقال منها إلى ذمة اخرى ، وليس من قبيل الحكم التكليفي الذي لا يقبل ذلك ، فكما أن الخياطة إذا كانت دينا يجوز ضمانها كذلك الانفاق. (المستمسك ج ١٣ / ٣٣٦ إلى ٣٣٨).

٣٩١

٥٩ ـ تصرفات الصبي

استدل له (لعدم اعتبار عقد الصبي) بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (١) بناء على ان الظاهر منه رفع الحكم اعم من التكليفي والوضعي. وفيه أن الظاهر منه رفع قلم السيئات ، ولا يرفع الالزام المؤدي إليها فلا يشمل ما نحن فيه.

واخرى : بالروايات المتضمنة منطوقا أو مفهوما عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء. كخبر حمزة بن حمران (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث أنه قال : «الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت ، قبل

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.

(٢) سند الحديث كسابقه ضعيف. ثم المذكور في الوسائل والكافي : حمزة بن حمران عن حمران فالراوي الاخير هو حمران دون حمزة بن حمران. كما ان روايتي السكوني وإبراهيم بن أبي يحيى أيضا ضعيفتان.

٣٩٢

ذلك» (١). وفيه : أن الظاهر من الجواز ما كان على نحو الاستقلال في مقابل الجواز الثابت حال البلوغ ، يظهر ذلك جدا بالتأمل في الرواية المتقدمة المشتملة على حكم الصبا والبلوغ معا. وثالثة : بالروايات المتضمنة أن عمده بمنزلة الخطأ ، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عمد الصبي وخطؤه واحد» (٢) ونحوه غيره. وفيه : أن الظاهر منه تنزيل العمد منزلة الخطأ فيما كان للخطإ حكم خاص به. ليكون التنزيل بلحاظه ، فيختص بالجناية العمدية. ولا يشمل ما نحن فيه مما لم يكن الحكم فيه إلّا للعمد ، ويكون حكم الخطأ انتفاء حكم العمد لانتفاء موضوعه. بل التعبير بالعمد والخطأ اللذين تعارف التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطائية ، تبعا للقرآن المجيد (٣) ، وما في بعض تلك النصوص من التعرض للعاقلة (٤) كالصريح في الاختصاص بالجنايات العمدية ، فيكون أجنبيا عما نحن فيه.

وقد يستدل على جواز تصرفه باذن الولي بأمور : الأوّل : قوله تعالى :

(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(٥) ، فان الظاهر من ابتلائهم ابتلاؤهم بالمعاملة بالاموال ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٢.

(٣) النساء : ٩٢ ، ٩٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٣.

(٥) النساء : ٦.

٣٩٣

لاختبار رشدهم. وحملها على الابتلاء بمقدمات العقد خلاف الظاهر.

والمراد من قوله تعالى : (فَادْفَعُوا) ادفعوا بقية أموالهم ، فلا ينافي دفع بعض أموالهم لأجل الابتلاء والاختبار.

الثاني : رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الاماء ، فانها إن لم تجد زنت ، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده ، فانه إن لم يجد سرق» (١) ، فان التقييد والتعليل ظاهران في نفوذ كسبه في الجملة. وإذا حمل النهي على الكراهة فالدلالة أظهر ، وحمله على الكسب بنحو الالتقاط والاحتطاب ، أو العمل بأمر الغير ـ مع أنه خلاف الاطلاق ـ بعيد. ورواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم سلمة ، زوجها إيّاه عمر بن أبي سلمة ، وهو صغير لم يبلغ الحلم» (٢).

الثالث : السيرة التي ادعاها غير واحد من الأعلام على وقوع المعاملة مع الصبيان قبل البلوغ في بلاد الاسلام ، وفي جميع الاعصار. وحملها على كونها صادرة من غير المبالين في الدين. كما ترى ، خلاف المقطوع به ، فان الظاهر استقرار سيرة العقلاء على المعاملة مع المميزين مع رشدهم كالبالغين. ولأجل عدم الردع عنها من الشارع المقدس جرى عليها المتشرعة. نعم تحقق الردع عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٣٩٤

الاستقلال كما عرفت ، لا عن المعاملة كلية. فلاحظ.

فاذا لا يبعد القول بجواز تصرف الصبي باذن الولي ، كما عن جماعة ، منهم الأردبيلي ، وقبله الفخر في الايضاح ، وقبله المحقق في عارية الشرائع. قال : «ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة». وفي كتاب الاجارة قال : «لو اجر المجنون لم تنعقد إجارة. وكذا الصبي غير المميز.

وكذا المميز إلّا باذن وليه. وفيه تردد». وظاهره الميل إلى الجواز.

وإذا شك في حصول الاذن حمل تصرفه على الصحة (١).

وإذا أخبر بها صدق خبره ، من باب إخبار ذي اليد ، أو عن النفس. (المستمسك ج ١٤ / ٣٨٣ إلى ٣٨٦).

__________________

(١) فتواه هذا بحمل فعل الصبي ـ عند الشك في الاذن ـ على الصحة ، رحمة للناس في هذه الاعصار ، كما قلت له قدس‌سره يوما في بيته المباركة ففرح.

أقول : اذا ثبت شمول اصالة الصحة للصبيان فالظاهر عدم الفرق في الآذن بين كونه وليا أو غيره ، بعد كونه بالغا عاقلا.

٣٩٥

٦٠ ـ نسبة الزوجية الدائمة مع المنقطعة

(إذا كان عنده اربع وشك في ان الجميع بالعقد الدائم أو البعض المعين أو غير المعيّن منهن بعقد الانقطاع ففي جواز نكاح الخامسة دواما اشكال).

للاشكال في ان الزوجية المنقطعة هي الزوجة الدائمة ، والاختلاف بينهما في الدوام والانقطاع أو انها غيرها. الذي ذكره في الجواهر : الأوّل ، واستدل له بظهور بعض النصوص فيه ، ولان شرط الاجل في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح ، فمع عدم ذكر الشرط لا أثر له ، بناء على أن الشرط المقدر لا يجري عليه حكم الشرط المذكور ـ فقصد النكاح حينئذ بحاله. واورد عليه شيخنا الاعظم رضى الله عنه بان الذي يظهر من النصوص والفتاوى ان الدائم والمنقطع حقيقتان مختلفتان ، وليس الفرق بينهما من قبيل الفرق بين المطلق والمشروط ، كما يشهد به تعبير الفقهاء بقولهم : «إذا أخل بالاجل انقلب دائما» ، فان التعبير بالانقلاب يدل على أن الانشاء الصادر من أول الأمر لم يكن مقتضيا

٣٩٦

للدوام. ويشهد له أيضا اتفاق النص (١) والفتوى على أن المهر ركن هنا للعقد ، دون الدائم ، فانه يدل على أن المنقطع بمنزلة المعاوضة على التسليط على البضع وتمليك الانتفاع به ، كالاجارة كما ورد من أنهن مستأجرات (٢)(٣).

وبأنه لازم القول الأول أنه اذا أخل بالأجل والمهر معا انقلب دائما أيضا ، مع أن ظاهر المسالك الاتفاق فيه على البطلان ، وأن الخلاف يختص بما إذا ذكر المهر وترك ذكر الأجل. وبأنه لو لا ذلك لم يكن وجه لسقوط بعض المهر بعدم تمكين الزوجة في الانقطاع وعدم سقوطه بذلك في الدوام.

أقول : الوجوه المذكورة لا تدل على الاختلاف في الحقيقة بين الدوام والانقطاع. فان تعبير الفقهاء بالانقلاب ـ مع أنه معارض بتعبير غير واحد بالانعقاد قال في الشرائع : «ولو لم يذكره ـ يعني : الأجل ـ انعقد دائما» ـ يكفي في صحته الاختلاف في بعض الاحوال ، كما يظهر ذلك من تعبيرهم بالانقلاب في باب المطهرات ، فقد ذكروا أن الانقلاب مطهر لخصوص الخمر ، وفرقوا بينه وبين الاستحالة بأن الانقلاب لا يقتضى اختلافا في الحقيقة ، بخلاف الاستحالة ، ولذا اقتصروا في مطهرية الانقلاب على خصوص الخمر ، بخلاف الاستحالة ، فانها مطهرة في جميع الموارد من غير استثناء (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٧ ، ١٨ من أبواب المتعة.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢ ، ٤.

(٣) الخبران الدالان عليه ضعيفان سندا.

(٤) فيه بحث وخلاف ، وقد صرح السيد الاستاذ الخوئي قدس‌سره بعدم الفرق بين

٣٩٧

وأما كون المهر ركنا في المنقطع دون الدائم. فلا يدل على كونه من قبيل المعاوضة. إذ من الجائز أن يكون لأجل الاختلاف بينهما ولو في التأجيل ، فان القبض شرط في السلم ، مع أنه لا يختلف مع بقية أنواع البيع في الحقيقة. وما في بعض النصوص من قوله عليه‌السلام : «انهن مستأجرات» ، مبني على نوع من المسامحة ، كما ورد في جواز النظر إلى من يريد تزويجها : أنه مستام (١) ، وأنه يشتريها بأغلى الثمن (٢). والاتفاق المذكور في المسالك إن تم كان هو الموجب للخروج عن القواعد. وإلّا كان اللازم البناء على الانقلاب أيضا في صورة عدم ذكر الأجل والمهر معا. وأما سقوط بعض المهر عند عدم تمكين الزوجة فمن الجائز أن يكون حكما للمنقطع ثبت لبعض الجهات الخارجية ، لا لاختلاف الحقيقة.

ولو كان المنقطع من قبيل المعاوضة لزم بطلانه من أصله بالموت ، ولزم تبعيضه في الحيض أيضا بالنسبة إلى سائر الاستمتاعات ، ولزم أيضا استحقاق تمام المهر لو وهبها المدة قبل الدخول ، مع اتفاق النص والفتوى على التنصيف حينئذ.

فالعمدة في مبنى القولين هو أن مفاد عقد الدوام جعل الزوجية دائما ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الزوجية إلى الأجل. أو أن مفاد عقد الدوام جعل نفس الزوجية حدوثا ، والدوام يكون لذاتها ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الرافع لدوام الزوجية.

__________________

ـ الانقلاب والاستحالة وقد ذكرناه في كتابنا (الفقه ومسائل طبية) ج ٢.

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

٣٩٨

فعلى الأوّل يكون عدم التعرض للأجل موجبا لبطلان العقد انقطاعا ، ودواما ، أما الأوّل فلعدم ذكر الأجل ، وأما الثاني فلعدم جعل الدوام. وعلى الثاني يكون عدم التعرض للأجل موجبا لعدم صحة الانقطاع ، ولصحة الدوام ، أما الأوّل فلما ذكر ، وأما الثاني فلعدم جعل الرافع ، والمفروض أن الدوام يكون لذاتها ، لا بجعل جاعل.

والتحقيق هو الأوّل ، فان الزوجية وأمثالها من الملكية ، والحرية ، والرقية ، والبيعية ، وغيرها من مضامين العقود والايقاعات ، إنما يكون العقد موجبا لحدوثها ، وهو المقصود من إنشائها ، والبقاء إنما يكون باستعداد ذاتها ، فبقاؤها عند العقلاء لا يكون منشؤه العقد ، بل استعداد ذاتها ، وليس العقد الا متضمنا لجعل الحدوث لا غير. فالاختلاف بين الانقطاع والدوام يرجع إلى الاختلاف في أن الأوّل قد جعل فيه الانقطاع زائدا على جعل الحدوث ، بخلاف الثاني ، فانه لم يجعل فيه إلّا الحدوث. فاذا شك في الدوام والانقطاع فقد شك في جعل الانقطاع زائدا على جعل الحدوث وعدمه ، فيرجع فيه إلى أصالة العدم. فالمقام نظير ما لو شك في شرط الانفساخ وعدمه ، فيكون الانقطاع على خلاف الأصل والدوام على وفقه. كيف ولو كان الدوام مجعولا في الدائم كان الطلاق مخالفة لوجوب الوفاء بالعقد. وهو كما ترى. ومقتضى ما ذكرنا جواز اشتراط الطلاق في عقد النكاح ، كجواز اشتراط الاقالة فيه. لكن عن الشيخ : بطلان الشرط في الأوّل ، بل عن المسالك : الاتفاق عليه. وهو غير ظاهر. (المستمسك ج ٤ / ١٠٧ إلى ١١٠).

٣٩٩

٦١ ـ الشبهة والزنا

قد اختلفت كلمات الجماعة في تمييز الشبهة من الزنا فالذي ذكره في المسالك ... عن مصابيح العلامة الطباطبائي .. وفي الجواهر .. وفي الرياض .. وفي التذكرة : إلى غير ذلك من كلمات الجماعة الظاهرة في اختلافهم في دخول وطء من ارتفع عنه التكليف لصبا ونوم ونحوهما في الزنا أو في وطء الشبهة ..

والذي يظهر بعد النظر والتأمل هو دخوله في الزنا بالمعنى اللغوي والعرفي ، بل دخول وطء الشبهة فيه ، وليس الزنا إلّا مطلق الوطء غير المستحق وإن كان شبهة. وأما في عرف الشارع والمتشرعة : فالزنا يقابل وطء الشبهة. والمراد بوطء الشبهة : الوطء غير المستحق لشبهة ، بحيث تكون الشبهة من علل وجوده ، فاذا كان الوطء غير مستحق وكانت الشبهة دخيلة في وجوده فهو وطء شبهة ، وليس من الزنا ، وإن لم تكن دخيلة فيه فهو زنا. وهذا هو وجه المقابلة بين الشبهة والزنا ، ولا تقتضي المقابلة بينهما أن يكون معناه وطء الاجنبية على أنها أجنبية ، كما تقدم عن الجواهر. ولعل قول ماعز : «أتيت منها حراما ...» بيان الزنا الذي يجب فيه الحد ، لا الزنا في مقابل الشبهة. على أنه غير ثابت. وعليه فالاحكام الثابتة للزنا

٤٠٠