القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

الشيخ محمد آصف المحسني

القواعد الأصولية والفقهية في المستمسك

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


المحقق: مهدي النيازي الشاهرودي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: پيام مهر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-94560-6-6
الصفحات: ٤٤٠

التعرض لها اعتمادا على التعرض لها عند تعرض المصنف رضى الله عنه في شرائط الامام من مباحث صلاة الجماعة. والله سبحانه ولي التوفيق.

(وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنا وتثبت بشهادة العدلين وبالشياع المفيد للعلم).

اعلم أن الطريق إلى إثبات العدالة امور :

الأوّل : العلم الوجداني ، سواء أحصل من حسن الظاهر ، أم من الشياع ، أم من غيرهما. ولا إشكال في كونه طريقا اليها ، لكونه حجة بالذات في نظر العقل ، كما هو محرر في محله.

الثاني : البينة بلا إشكال ظاهر ، وهو واضح بناء على عموم حجيتها ، كما سيأتي تقريبه في مباحث المياه (١) إن شاء الله. أما بناء على عدمه فقد تستفاد حجيتها في المقام ـ مما في ذيل صحيح ابن أبي يعفور المتقدم من قوله عليه‌السلام : «فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا» بضميمة الاجماع على عدم اعتبار اكثر من البينة ، ومما في خبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : «شهادة القابلة جائزة على أنه استهل أو برز ميتا اذا سئل عنها فعدلت» (٢) ، وما في رواية علقمة «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر» (٣) ـ بالفحوى ، أو بضميمة عدم الفصل بين الفسق والعدالة. هذا وفي

__________________

(١) في مسألة : ٦ من الفصل المتعرض لاحكام البئر.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من كتاب الشهادات حديث : ٣٩.

(٣) الوسائل باب : ٤١ من كتاب الشهادات حديث : ١٣.

٢٢١

اعتبار حصول الوثوق بصدقها ، أو الظن به ، أو عدم الظن بالخلاف ، أو عدم اعتبار شيء من ذلك ، وجوه مبنية على ثبوت إطلاق يعتمد عليه في اثبات الحجية وعدم انصرافه إلى شيء من ذلك ، وعدمه. والظاهر عدم الفرق بين الشهادة الفعلية والقولية.

الثالث : حسن الظاهر. ويشهد له كثير من النصوص المتقدم بعضها (١) مثل ما في صحيح ابن أبي يعفور من قوله عليه‌السلام : «والدلالة على ذلك ...» وما في رواية علقمة ، وما في رواية أحمد بن عامر الطائي وما في رواية ابن سنان ، وغيرها. ومقتضى إطلاقها حجية حسن الظاهر وان لم يفد الظن بل وان كان الظن على خلافه. لكن يجب تقييدها بما في مرسل يونس من قول الصادق عليه‌السلام : «فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه» (٢). وارساله لا يقدح (٣) بعد كون المرسل من أصحاب الاجماع ، ورواية المشايخ الثلاثة قدس‌سره له في كتبهم بأسانيد مختلفة ، وفيهم جماعة من الاعاظم ، كأحمد بن محمّد بن عيسى ، وعلي بن إبراهيم وغيرهما ، واعتماد المشهور عليه في بعض مضمونه ، فان مجموع ذلك مما يستوجب الوثوق المدخل له تحت دليل الحجية. وأما التقييد

__________________

(١) في شرح المسألة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من كتاب الشهادات حديث : ٣.

(٣) ما افاده في حجية مرسل يونس قابل للبحث ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال ، بل ربما ينافيه بعض كلماته في مقامات أخر ، كما نقلناه في كتابنا المشار إليه آنفا.

٢٢٢

بالظنّ ـ كما في المتن ـ فليس عليه دليل ظاهر. وأما خبر إبراهيم الكرخي «من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته» (١). فالأمر فيه بالظن وان كان ظاهرا في لزوم ترتيب أثر الظن ، لكنه لا يقتضي تقييد حجية الظاهر بالظن ، وإنما يدل على حجية الظاهر كالظن ، فهو باطلاقه من أدلة حجية الظاهر مطلقا كالظن ، ولا يصلح لتقييد حجيته بالظن. ولا يبعد أن يكون المراد من كونه مأمونا كونه موجبا للأمن فعلا ، والحمل على الأمن النوعي محتاج إلى قرينة مفقودة.

الرابع : الوثوق بها (٢) وان لم يكن مستندا إلى ظاهر حسن. وقد يشهد له رواية أبي علي بن راشد : «لا تصل إلّا خلف من تثق بدينه» (٣) ونحوها رواية يزيد بن حماد (٤). لكن مع أن المنصرف إليه من الدين الاصول لا الفروع ، محمول على

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من كتاب الشهادات حديث : ١٢.

(٢) حجية الوثوق كحجية القطع ، غير ان الأول ببناء العقلاء والثاني بحكم العقل ، واما الظن بالعدالة فهو غير حجة للاصل واما حسن الظاهر فهو دليل على العدالة تعبدا وان لم يفد الظن ، نعم لا بدّ من احراز حسن الظاهر نفسه. ثم ان سيدنا الاستاذ الماتن كثيرا ما يتمسك بالاخبار الضعاف سندا فلعله لحصول الوثوق له قدس‌سره بصدورها من القرائن أو لمجرد التأييد وإلّا فالخبر الضعيف ليس بحجة ، والمتأمّل في المستمسك ربما يطمئن بالوجه الأوّل ، والوثوق امر قلبي يختلف فيه الاشخاص سرعة وبطوءا ، ولا ايراد لاحد على احد في ذلك.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٢٣

ذلك بقرينة السؤال. نعم رواها الشيخ قدس‌سره بزيادة «وأمانته» ولا يجري فيها الاشكال المذكور. لكن التعدي عن الايتمام إلى سائر الاحكام لا يخلو من تأمل. وان كان هو الاقرب ، ولا سيما بملاحظة مرسل يونس المتقدم ، فان الارتكاز العقلائي يناسب كون الوجه في الحجية هو الأمن لا الخصوصية في حسن الظاهر. فلاحظ.

وعن بعض : حجية مطلق الظن. وكأنه لرواية إبراهيم الكرخي. وقريب منه مرسل الفقيه : «من صلى الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير» (١). وفيه : أنه لو تم حمل الظن على ما هو محل الكلام ، يتعين تقييده بخبر بن راشد ، بل ومرسل يونس بالاولوية فيحمل على الظن الاطمئناني. واما الشياع الموجب للعلم فليس بحجة ، وإنما الحجة هو العلم لا غير كما تقدم في نظيره. والمتحصل مما ذكر :

ان طرق العدالة ثلاثة : العلم والبينة والوثوق ، سواء أحصل من حسن الظاهر أم من غيره ، وعنه تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف قدس‌سره عبارة ومؤدّى. والله سبحانه الهادي (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٢) المتن منقول من صفحة ٤٦ ـ ٥٧ ج ١ من مستمسك العروة الوثقى ـ الطبعة الرابعة.

٢٢٤

٣٤ ـ داعي الداعي في العبادات

(لا يجوز أخذ الاجرة على تغسيل الميت ، بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الاجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضا (١). نعم لو كان داعيه هو القربة وكان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الاجرة صح الغسل (٢)).

١ ـ لفوات التقرب المعتبر فيه كما تقدم. والظاهر أن مراده صورة ما إذا لم يكن الغسل صادرا عن الأمر بل كان عن داعي الاجرة (١).

٢ ـ لصدوره عن داعي الأمر ، غاية الأمر أن الاجرة من قبيل داعي الداعي وذلك لا ينافي العبادية ، لأن المقوم لها صدور الفعل عن داعي الأمر وهو حاصل. وفيه : أن القربة المعتبرة في العبادات ليست عبارة عن مجرد الفعل عن داعي الأمر

__________________

(١) للاجماع ولما يفهم من الروايات من مجانية العمل وانه حق الميت على الاحياء ، لكن الاجماع منقول محتمل الملاك ، والمفهوم المذكور غير واضح فالارجح هو التوقف كما عن بعضهم.

٢٢٥

مطلقا ، بل بنحو يوجب استحقاق الثواب من الآمر (١) ، فاذا كان الداعي إلى امتثال أمر الشارع أمر المستأجر لأجل الاجرة لم يكن الفعل موجبا عقلا لاستحقاق الأجر والثواب من الشارع ، بل كان مستحقا للأجر والثواب من المستأجر لا غير ، فينتفي التقرب المعتبر في عبادية العبادة. نعم لو كان الداعي الى الاتيان بالغسل عن أمر الشارع إباحة الاجرة واستحقاقها شرعا لم يكن ذلك منافيا لوقوعه على وجه العبادة ، كما في طواف النساء الذي يؤتى به بداعي إباحة النساء شرعا.

وبالجملة : الاتيان بالغسل عن أمره (تارة) يكون بداعي أمر الولي (واخرى) بداعي الاجرة مع غض النظر عن أمر آمر. (وثالثة) يكون بداعي إباحة الاجرة شرعا (٢). والثالث لا ينافي العبادية قطعا. والأول ينافيها. والثاني لا يبعد

__________________

(١) لم يذكر سيدنا الاستاذ دليلا على هذا القيد ، مع انه ان قلنا باشتراط قبول الاعمال بالتقوى كما يشير إليه قوله تعالى حاكيا عن هابيل : «إنما يتقبل الله من المتقين» أو بعدم شرب الخمر وان من شرب الخمر او المسكر لا تقبل له صلاة (أو لا يقبل الله صلاته) أربعين يوما .. (الوسائل ج ٢٥ / ٣٠٥) كما في موثقة عمار وغيره لا يمكن القول ببطلان العبادات. فتأمّل جيدا. على أن في استحقاق الثواب اذا كان داعي الداعي اباحة الاجرة نوع خفاء. مع أن الحلّية المذكورة غير مترتبة على العمل ، بل على نفس عقد الاجارة كما نبه عليه سيدنا الاستاذ الخوئي (التنقيح ج ٨ / ٣٠٥).

(٢) أقول : لا فرق بين الوجه الاول والثاني ، والعمل في كليهما صحيح من باب الداعي الى الداعي ، وأما الثالث فحلية الاجرة من اثر العقد دون العمل ، إلّا أن بقاء الحلية ، وعلى كل ترتب الثواب على قصد إباحة الاجرة غير ظاهر كما مر.

٢٢٦

أن لا ينافيها فإنه من قبيل العبادة لأجل تحصيل الثواب الدنيوي ، وإن كان لا يخلو من اشكال ، فلا يحصل التقرب المعتبر وقد أوضحنا ذلك في محله من حقائق الأصول. (المستمسك ج ٤ / ١٤٠).

٢٢٧

٣٥ ـ اشتراط صحة العبادات بالولاية

في صحيح بريد العجلي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم من الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته. ولو حج لكان أحب إلي. قال :

وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ، ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجّة الاسلام؟ فقال عليه‌السلام : يقضي أحب إليّ ..» (١). ونحوه صحيح عمرو بن أذينة (٢)(٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٣) لا يبعد وحدة الروايتين وان عمر بن أذينة كاتب الامام بتوسط بريد فالاختلاف في التعبير وبعض الالفاظ. نعم في نقل بريد زيادة في آخره وهي : قال : كل عمل وهو في حال نصبه وضلالته ، ثم من الله تعالى عليه وعرفه الولاية فانه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فانه يعيدها ، لانه وضعها في غير مواضعها ، لانها لاهل

٢٢٨

__________________

ـ الولاية واما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء. (الوسائل باب ٣ من أبواب المستحقين للزكاة). ونقله الكافي هكذا : ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله او حال نصبه ثم من الله عليه وعرّفه هذا الامر فانه يؤجر عليه ويكتب له الا الزكاة ، فانه يعيدها لانه وضعها في غير موضعها ، وانما موضعها أهل الولاية ، واما الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما (المصدر السابق).

وفي صحيحة الفضلاء عن الباقرين عليهما‌السلام انهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال : ليس عليه اعادة شيء من ذلك غير الزكاة ، لا بدّ ان يؤديها لانه وضع الزكاة في غير موضعها ، وانما موضعها أهل الولاية. (الوسائل باب ٣ من أبواب المستحقين للزكاة).

المستفاد من هاتين الروايتين أو الروايات الثلاث المعتبرة سندا امور :

١ ـ ان الولاية ليست شرط في صحة اعمال المكلفين ولا في صحة العبادات فانه معنى قوله : (قد قضى فريضته) وليس المراد عدم وجوب القضاء مع بطلان العمل.

٢ ـ عدم الفرق في صحة العبادات والمعاملات بين الناصب وغيره.

٣ ـ عدم لزوم قضاء ما اتى به عبادة بعد استبصاره اذا وقعت العبادة صحيحة على مذهبه أو مذهبنا.

٤ ـ ان ما يبطل اعمال الشيعة كغسل الرجلين وغيره لا يبطل اعمال غيرهم ومن تزوج بامرأة بعد ترك طواف النساء في حجة صح نكاحه ، ولا يجب تجديد

٢٢٩

ثم انه لا ريب في شرطية الايمان في صحة العبادة ، وعليه فعبادة المخالف باطلة لا يترتب عليه الاحكام.

__________________

ـ عقده بعد الاستبصار.

٥ ـ الروايات الكثيرة المعتبرة والضعاف المنقولة في الوسائل (ج ١) وبحار الأنوار (ج ٢٧ / ١٦٦ إلى ٢٠٢) تدل على اشتراط قبول الاعمال بالولاية ومعنى القبول ترتب الثواب ونيل الدرجات لا بطلان العمل ووجوب الاعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، كما هو المعنى المقابل للصحة ، فالصحة غير القبول. وفي صحيح سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام .. ومن شرب منه (اي من الخمر) شربة لم يقبل الله عزوجل صلاته أربعين يوما (الوسائل ج ٢٥ / ٣٢١).

وفي نفس تلك الروايات دلالة على ان المراد بالقبول هو الثواب. واليه (اي اشتراط القبول بالولاية) ذهب بعض الفقهاء لكن السيّد الاستاذ الحكيم قدس‌سره قطع باشتراط الولاية في صحة العبادات كاشتراط النبوة فيها وقد تشرفت يوما من الايام في بيته المباركة فسألت من حضرته عن الدليل على ذلك وقلت له ان الخبر الفلاني لا يدل عليه. فقال ان الرواية الفلانية تدل عليه وكأنه قدس‌سره اعتمد عليها في فتواه هذا فراجعت الرواية فوجدتها ضعيفة سندا ، لكن تقدم انه قدس‌سره قد يعتمد على الروايات الضعيفة سندا لا لغفلة عن ضعفها بل لوقوفه على قرائن يثق بها فسلام عليه يوم توفي وسلام عليه يوم يبعث حيا. واعلم ان الشهيد رضى الله عنه نقل في قاعدة (١٨٠) من قواعده كلاما من السيّد المرتضى رضى الله عنه من أنّ قبول العبادة واجزائها غير متلازمين فيوجد الاجزاء من دون القبول ، دون العكس (ج ٢ / ٩٧) ثم ذكر ادلة هذا القول ونقدها في بحث طويل لا طائل تحته وما ذكرنا يغني عن النظر اليها ، تمت ام لم تتم.

٢٣٠

فإذا حج ولم يطف النساء جاز للمؤمنة أن تتزوجه ، لعدم صحة احرامه ولو استبصر بعد ذلك لم يجب عليه طواف النساء كما ذكرنا. لكن في الجواهر : احتمل ان الايمان اللاحق شرط في صحة عبادته. وهو خلاف ظاهر الادلة ، ولو سلم لم يجب عليه طواف النساء ، لاطلاق النصوص المتقدمة الدالة على الاجتزاء وعدم لزوم الاعادة ، فانها ظاهرة في عدم لزوم طواف النساء (المستمسك ج ١٠ / ٢٢٦).

٢٣١

٣٦ ـ حول التيمم

(لا يجوز التيمم للصلاة قبل دخول وقتها وان كان بعنوان التهيؤ. نعم لو تيمم غاية اخرى واجبة أو مندوبة يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها كأن يتيمم لصلاة القضاء أو للنافلة اذا كان وظيفته التيمم).

إجماعا كما عن المعتبر والنهاية والتحرير والدروس والتنقيح وجامع المقاصد والروض وغيرها ، وفي الذكرى والقواعد والمدارك والجواهر والمستند وغيرها : وكأنه لهذا الاجماع يجب الخروج عن مقتضى القواعد الأولية المقتضية لوجوب الطهارة قبل الوقت (١) كغسل الجنب والمستحاضة للصوم قبل الفجر ، إما للبناء على كون الوقت شرطا للواجب لا للوجوب فيكون الوجوب من قبيل الوجوب المعلق لا المشروط ، فيكون حاليا قبل الوقت والواجب استقباليا. فيترشح منه وجوب غيري حالي أيضا فيبعث إلى فعل المقدمة. أو للبناء على كون

__________________

(١) أي في المقدمات المفوّتة كما لا يخفى. وعلى كل نحن لا نعتمد على امثال هذه الاجماعات ، والبحث فيه طويل الذيل.

٢٣٢

الوجوب النفسي مشروطا بالوقت لكن الوجوب الغيري غير مشروط به. أو للبناء على كون الوجوب الغيري وإن كان مشروطا بالوقت أيضا كالوجوب النفسي لكنه على نحو الشرط المتأخر ، وإن كان اشتراط الوجوب النفسي به على نحو الشرط المتقدم ، فيختلف الوجوبان في نحو الاشتراط وإن كانا متفقين في أصل الاشتراط ، وذلك الاختلاف ناشئ من اختلاف ملاكيهما في نحو الاناطة ، أو للبناء على كون الوجوب النفسي مشروطا بالوقت بوجوده اللحاظي الذهني لا الخارجي الحقيقي ، فقبل تحقق الشرط في الخارج يكون الوجوب حاصلا لكنه منوط لا مطلق ، وإذا كان موجودا قبل تحقق الشرط خارجا كان الوجوب الغيري كذلك ، فيكون باعثا إلى فعل المقدمة قبل تحقق الشرط. أو للبناء على كون المقدمة قبل الوقت واجبة وجوبا تهيئيا. وهذه الوجوه كلها مذكورة في تقريب عبادية المقدمات العبادية قبل الوقت مع قطع النظر عن الأمر بها من جهة اخرى (١).

لكن يشكل الاخير : بأنه لا معنى للوجوب التهيئي إلّا الوجوب الغيري ، كما عن كشف اللثام الاعتراف به (٢). ويشكل ما قبله : بانه لو سلم وجود الوجوب

__________________

(١) لكن الوجوب الغيري ـ على تقدير ترشحه من الواجب النفسي ـ وان كان مترشحا من الوجوب التعبدي ـ ليس بتعبدي بل هو توصلي ولذا لا يعتبر في غسل الثوب والبدن والستر ونحوه قصد القربة وعليه فالوجوه المذكورة لا تصحح عبادية المقدمات قطعا حتى وإن تمت في انفسها.

(٢) يمكن ان يقال ان الصحابة كانوا يتوضئون في خارج المسجد حتى يدركوا

٢٣٣

النفسي قبل الوقت منوطا بوجود الوقت فلا يجدي في البعث إلى متعلقه ما لم يتحقق المنوط به ، فاذا لم يصلح للبعث إلى متعلقه قبل الشرط لا يصلح للبعث إلى مقدمته كذلك. ويشكل ما قبله : بأن مصلحة المقدمة وإن كانت منوطة بالوقت بنحو الشرط المتأخر لترتب ذي المقدمة عليها إذا جيء بها قبل الوقت ، لكن ذلك غير كاف في البعث اليها بعد ما كان ملاك الوجوب الغيري تابعا للوجوب النفسي ، والمفروض أنه منوط بالشرط لأن المعلول معلول ، ومنه يظهر الاشكال فيما قبله.

ويشكل الوجه الأوّل : بأن إرجاع الوجوب المشروط إلى الوجوب المعلق إن كان في مقام الثبوت فهو غير معقول ، لأن ما يناط به الحكم ويكون قيدا له غير ما يكون قيدا للموضوع ، ولا يجوز إرجاع أحدهما إلى الآخر ، كما أوضحناه في الاصول. وإن كان الارجاع في مقام الاثبات فهو خلاف ظاهر الأدلة الدالة على الاشتراط. على أن في معقولية الوجوب المعلق إشكالا وخلافا ، وإن كان التحقيق

__________________

ـ الصلاة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد في أوّل الوقت ولم يكونوا يعلمون الكون على الطهارة وإلّا لنقل الينا منهم ، وهذا يصحح قصد التهيؤ وحكمه غير الوجوب الغيري كما لا يخفى ومثل الوضوء ، الغسل والتيمم ، لكن التقريب المذكور ظني أو يقال أن الطهارات الثلاث باسرها مستحبة نفسية ولو للكون على الطهارة. والله العالم. وفي التنقيح (ج ١٠ / ٢٠٣) .. فلا مانع من الإتيان به (اي بالوضوء) قبل الوقت تهيؤا للصلاة في أول وقتها وتدل عليه السيرة المتشرعية حيث جرت سيرتهم على التهيؤ والوضوء قبل الوقت للتمكن من اقامة الجماعة في أول الوقت. وهذه السيرة لم تقم في التيمم .. فالاشكال في اثبات السيرة المذكورة ، اقوى.

٢٣٤

معقوليته ، لكن الأخذ بظاهر الأدلة متعين. وعلى هذا فوجوب المقدمة قبل وقت الموقت لا بدّ أن يكون وجوبا عقليا من باب وجوب الاحتفاظ بغرض المولى : ومن هذه الجهة لا فرق بين التيمم وغيره من الغسل والوضوء في عدم صحة تعلق الوجوب الغيري به ، وكون الوجوب المتعلق به عقليا محضا (١).

وكان الفرق بين التيمم وغيره عند الأصحاب : أن التيمم لا يجوز الاتيان به قبل الوقت بداعي الأمر الغيري وإن قيل بذلك (٢) في الوضوء والغسل : قال في جامع المقاصد : «وينبغي أن يراد بعدم جواز التيمم قبل دخول الوقت ما إذا تيمم لفعل الفريضة قبل وقتها. أما تيممه لمطلق الفعل أو للكون على الطهارة مثلا مع فقد الماء فيجوز على احتمال في الثاني» ولذا قال في المنتهى : «وهل يجوز للجنب إذا

__________________

(١) وعليه لا فرق بين التيمم والغسل والوضوء في اتصافها بالوجوب العقلي وأما عبادية المقدمات فهى من امرها الاستحبابي التعبدي لانها قبل الوجوب العقلي. هذا في فرض عدم امكان الإتيان بها بعد الوقت. واما في فرض امكانه فلا دليل على استحباب التيمم نفسيا فتأمل في المقام إذ لا يصح ان تقول ان التيمم طهور بشهادة جملة من الروايات وقوله تعالى : «والله يحب المتطهرين» يثبت الاستحباب. إذ يقال التيمم طهور اذا احتيج إليه بعد الدخول الوقت والعجز عن الوضوء لا مطلقا. إلّا أن يقال ببدلية التيمم للوضوء المستحبي كما يأتي عن الماتن في (ص ٢٠٦).

(٢) اي بجواز الاتيان قبل الوقت. لكن الامر الغيري قبل الوقت غير موجود لعدم علته وهي الوجوب النفسي. فلا فرق على الاقوى بين التيمم وبين الغسل والوضوء.

٢٣٥

تعذر عليه الغسل قبل الفجر؟ أقربه عدم الوجوب ، وكذا الحائض والمستحاضة فيصح صومهم وإن كانوا محدثين من غير تيمم إذا لم يجدوا ماء». ونحوه ما في المدارك وحكي عن غيرهما ، وان كان يحتمل أن يكون ذلك لعدم ثبوت عموم البدلية عندهم ـ كما سيأتي ـ لا لأنّه قبل الوقت ، فرقا بينه وبين الوضوء والغسل في ذلك.

ويحتمل أن يكون الوجه في فرق الأصحاب بين التيمم والوضوء والغسل : أن الوضوء والغسل مستحبان في أنفسهما ـ ولو للكون على الطهارة ـ مع قطع النظر عن الموقت ، فيمكن الاتيان بهما قبل الوقت بداعي الأمر النفسي ويصحان لذلك ، ولا كذلك التيمم ، لأنه عندهم مبيح لا مطهر ، فلا أمر به ، فلا يصح قبل دخول الوقت : لعدم مشروعيته حينئذ ، وإن كان هذا أيضا لا يخلو من نظر ، لأن القائلين بصحة المقدمات العبادية قبل الوقت اعتمادا على أحد الوجوه المذكورة يلزمهم أن يقولوا بصحة التيمم قبل الوقت ، لجريان الوجوه المذكورة فيه ، الموجب لتعلق الأمر الغيري ، المصحح لعباديته كما تجري في الغسل والوضوء مع ما عرفت (١) من دعوى الاجماع على عدم الصحة حتى من القائل بصحة الوجوه المذكورة. وأيضا فان التحقيق قيام التيمم مقام الوضوء أو الغسل حتى المأمور بهما لأنفسهما ، أو للكون على الطهارة ـ كما سيأتي في المسألة العاشرة ـ سواء أقلنا

__________________

(١) وما افاده واضح الاشكال إذ المصحح للعبادية هو الأمر النفسي المفقود في التيمم إلّا أن يثبت بما ذكره اخيرا فيبطل قوله : (وأيضا) الظاهر في كونه وجها مستقلا.

٢٣٦

بأنه مفيد للطهارة في الجملة أم لم نقل بذلك ، فيكون أيضا مشروعا قبل الوقت كالوضوء والغسل ، فلا وجه لعدم صحته حينئذ.

وبالجملة : الفرق بين الوضوء والغسل وبين التيمم في صحتهما قبل الوقت وعدم صحته غير منطبق على القواعد إذا كان المراد به ذلك.

وهذا ويحتمل قويا أن نظر الأصحاب في الاجماع على عدم صحة التيمم قبل الوقت ما يقابل صحته آخر الوقت وصحته في السعة ، فان عباراتهم في بيان الحكم المذكور هكذا : «لا يصح التيمم قبل الوقت إجماعا ، ويصح في آخر الوقت إجماعا ، وفي صحته في سعة الوقت خلاف». فكأن نظرهم إلى أن فقدان الماء قبل الوقت غير مجزئ في صحة التيمم وصحة الصلاة به إجماعا. وفقدانه في سعة الوقت محل الخلاف ، وفقدانه في آخر الوقت مجزئ في الصحة إجماعا. فكأنهم قصدوا الاجماع على اعتبار الفقدان في الوقت في مقابل الفقدان قبله ، فانه لا يكفي في صحة التيمم ـ ولو قلنا بتعلق الأمر الغيري به ـ لعدم الدليل على الاجتزاء بذلك. وادلة التشريع واردة في فقدان الماء في الوقت لا غير ، فلا يشمل كلامهم صورة ما لو تيمم لغاية قبل الوقت ـ ولو كانت للكون على الطهارة ـ فدخل الوقت واستمر الفقدان للماء ، فانه يصح تيممه وتصح صلاته به حينئذ ، وأوضح منه : ما لو علم بفقد الطهورين بعد الوقت ، فانه لا ينبغي الاشكال في وجوب التيمم عليه قبل الوقت ، كما اختاره في الجواهر وحكاه عن شرح المفاتيح (١).

__________________

(١) فانّه مفهوم من مذاق الشرع.

٢٣٧

لكن الظاهر وجوب الاتيان به بداعي الأمر النفسي ، أو بداعي الكون على الطهارة ، لما عرفت من أن الأمر بالموقت لا يصلح للبعث إليه قبل الوقت ، وإنما الباعث العقل وهو لا يصلح للداعوية إليه على وجه يكون عبادة.

اللهم إلّا أن يقال : إنه يكفي في عبادية العبادة كونها مشروعة في نفسها ، وكون الاتيان بها على وجه يستحق فاعلها الثواب وإن لم يقصد الفاعل الأمر الشرعي ، بل لو لا ذلك لم يصح الوضوء المأتي به بعد الوقت بداعي الصلاة ، لأن الأمر الغيري المترشح من قبل الأمر النفسي بالصلاة إنما يتعلق بالطهارة المقارنة للصلاة ، وهو بقاء الطهارة ، وبقاء الطهارة ليس مستندا إلى الوضوء فان الوضوء إنما يحدث الطهارة ، والحدوث ليس علة للبقاء ، ولا البقاء معلول له ، لأن العلية والمعلولية تستتبع الاثنينية ولا اثنينية بين الحدوث والبقاء ، بل هما وجود واحد مستمر. فالأمر بالصلاة مع الطهارة لا يترشح منه أمر غيري بالوضوء وإنما يتشرح منه أمر غيري ببقاء الطهارة لا غير ، فلو بني على اعتبار الأمر الغيري في صحة الوضوء للصلاة كان باطلا ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ضرورة.

وقد أشار إلى ما ذكرنا في الجواهر قال : «فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت لم يكن مشروعا بالنسبة إلى ذلك. لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض استحبابه للكون على الطهارة ، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها ، لأن ملاحظة الغاية أمر خارج عنه اللهم إلّا ان يقال بعدم حصول التقرب فيه. لأنه قصد ما لم يشرع له وترك ما شرع له. فتأمّل جيدا». والذي يتحصل مما ذكرنا : أنه

٢٣٨

لم يتحقق من الأصحاب إجماع بنحو يخرج به عن القواعد ، فالعمل عليها متعين (١) (المستمسك ج ٤ / ٤٣٦ ـ ٤٤٠).

__________________

(١) أقول : في صحيح ابن مسلم على المشهور عدّ التيمم أحد الطهورين (الوسائل ج ٣ / ٣٧١) وفي صحيح محمّد وجميل : فان الله عزوجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (المصدر : ٣٨٧) وفي موثقة سماعة : فان الله عزوجل جعلهما طهورا : الماء والصعيد (المصدر : ٣٨٨) وقال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : ٢٢٢) فالتيمم كالوضوء مستحب نفسي. ومفهوم ما ورد في الروايات عرفا من ان رب الماء والارض أو الصعيد واحد على اجماله في الجملة ان كل ما هو غاية للغسل والوضوء فهو غاية للتيمم كما ذكره السيّد الاستاذ الماتن في مستمسكه.

٢٣٩

٣٧ ـ قاعدة الامكان

تنبيه : قال العلّامة رضى الله عنه في القواعد : «وكل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض وإن كان أصفر أو غيره». ومثله كلام غيره ، وفي جامع المقاصد : «هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك ، وتكرر في كلامهم ، ويظهر منهم انه مما أجمعوا عليه». وعن شرح الروضة : «ذكره الأصحاب قاطعين به على وجه يظهر منه اتفاقهم عليه» وفي الذخيرة : «لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب ، بل في كلام المحقق والعلّامة انه إجماعي» وعن شرح المفاتيح : أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، وعن حاشية المدارك : «انهم لم يعولوا على الامكان وإنما عولوا على الاجماع» وفي الرياض : نسبته إلى الأصحاب من غير خلاف ، بل عن الخلاف : «الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر ، سواء كانت أيام العادة أو الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضا» ، ثم حكى عن بعض العامة تخصيص ذلك بأيام العادة ، ثم قال : «دليلنا على ذلك إجماع الفرقة» ، وعن نهاية الأحكام : «كل دم يمكن أن يكون حيضا وينقطع على العشرة فانه حيض ، سواء اتفق لونه أو اختلف ، ضعيف أو قوي إجماعا» وفي المعتبر : «وما تراه المرأة بين

٢٤٠