موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

إعادة الحجر الأسود

إلى مكة المكرمة

ولما رأت طائفة القرامطة بعد هلاك أبى طاهر أن أفكاره غير قابلة للتنفيذ ، ولا تروج قرروا إرسال الحجر الأسود مع شخص يسمى ثبير ، أو سنبر بن الحسين إلى مكة المكرمة ، وعرضوا الأمر على ثبير ونال ذلك القرمطى شرف وضع الحجر الأسود فى مكانه ، إذ وصل إلى مكة فى يوم النحر بعد أن كان قد بدأ رحلته فى أواخر سنة ٣٣٩ ه‍.

قد سر المكيون أعظم سرور بوصول الحجر الأسود ، ووضعوه فى داخل كعبة الله خوفا من حدوث فجيعة أخرى ، وبعده أعدوا طوقا فى ثقل (٣٠٣٧) درهما ووضعوا الحجر فى مكانه القديم.

وكان السلطان عبد الحميد خان قد جدد ذلك الطوق ومازال عليه طغراء السلطان المشار إليه.

قصة غريبة

قال : ثبير بن الحسين الذى أحضر الحجر الأسود إلى مكة عندنا حجارة سوداء كثيرة فاختاروا من هذه الحجارة حجرا أسود لكعبة الله. ووضع على الأرض بضعة من الحجارة السوداء ، وكانت هذه الحجارة تشبه بعضها بعضا بحيث لا يمكن لإنسان أن يفرق بينها قيد أنملة. لم يستطع أهالى مكة أن يفرقوا بين تلك الحجارة وعرضوا الأمر على أحد الكرام.

وطلب ذلك العالم أن ترمى جميع الحجارة فى داخل حوض الماء ، فرسبت جميع الحجارة فى القاع إلا حجر ، أخذ يطوف فوق الماء وقال عنذئذ هذا هو الحجر الأسود صنوا الجواهر الذى نريده ، فأشار بإصبعه إليه ، وإذا بالقرمطى ثبير كان قد وضع علامة على الحجارة الأخرى ، وقد عاين الحجر الذى اختاره العالم الجليل ثم قال نعم هذا هو الحجر الأسود الذى نقله أبو طاهر إلى بلاد هجر ، لأننى كنت وضعت علامة فوق الحجارة الأخرى.

٣٦١

حكمة

بينما كان القرامطة ينقلون الحجر الأسود إلى بلادهم التى يسمونها هجر ، قد نفق تحت نقل الحجر الأسود (٣٠٠) جملا قويا فى مقتبل العمر أو (٥٠٠) جمل بناء على رواية أخرى. وعندما أعاد ثبير بن الحسين الحجر كان قد حمله فوق جمل نحيل ضعيف ، لم يمت من شدة التعب ، بل إنه لم يتعب وسمن وتضخم.

وكان العباسيون لم يستطعيوا أن يردوا الحجر بالحرب مع القرامطة ، وأرادوا أن يعيدوه بدون حرب واعدين أبا طاهر بخمسين ألف دينار ، إلا أن هذا الملعون الملحد لم يقبل ذلك ، ولكن أعوانه حملوه بدون أن يأخذوا شروى نقير (والله على كل شىء قدير).

مظالم القرامطة الخبثاء وجرائمهم

أول من خرج من طائفة القرامطة هو الملعون «أبو سعيد بن بهرام جنابى. ويقول الذين يعرفوننا كيف ظهر هذا الرجل وأين أوقد نار الشر أولا. إن صاحب مذهب القرامطة ومخترعه هو الخنزير يحيى بن زكرويه ، إذ جاء هذا الرجل فى سنة ٢٧٨ أو ٢٨٩ إلى بلدة القطيف (١). ونزل ضيفا عند على بن يعلى من أعيان البلدة ، وأسر له أنه مبعوث من قبل الإمام محمد المهدى ، وأن وقت ظهور هذا الإمام قد اقترب وأخذ يدعو أهالى القطيف وسكان الناحية ، واستطاع أن يضمّ إليه بعض الجهلة والحمقى من سكان القطيف وسكان ناحية البحرين ويخدعهم ، وكما استطاع أن يضم إلى مذهبه أبو سعيد الجنابى من كبار شيوخ القبائل واختفى بعيدا عن العيون.

ثم ظهر مرة ثانية وهو يحمل خطابا مزيفا من قبل الإمام المهدى يتضمن أنه قد أمر بدعوة الناس إلى مذهبه ، وأن يأخذ من كل واحد ممن اتبعوه مبلغ ستة

__________________

(١) القطيف بلدة فى الجهة الشمالية من مدينة الإحساء وعلى بعد ست مراحل من البصرة ، وعلى ساحل الخليج العربى.

٣٦٢

دراهم وأربع دوانق (١) ، وبعد أن استطاع أن يدخر بهذه الخدعة مبالغ كبيرة من النقود اختفى فترة أخرى ، ثم ظهر مرة أخرى وفى هذه المرة أظهر لأتباعه رسالة مزيفة أخرى من قبل الإمام ، حيث أمره بأن يأخذ من أتباعه خمس أموالهم ويسلمها له ، واستطاع أن يحصل على أموال كثيرة من جميع الأنواع.

واستضيف فى هذه الفترة من قبل أبى سعيد الجنابى حيث حل فى داره المنكوبة ، وأراد أبو سعيد أن يكرمه غاية الكرم فأنامه على فراش واحد مع زوجته وقبل أن يكون ديوثا.

وعندما شاع خبر احتفاء أبى سعيد بيحيى بن زكرويه غاية الحفاوة حتى قدم له زوجته لتنام معه فى فراش واحد وغيره من مراسم الإلحاد والإباحة وأخذ الناس يتناقلون سيرته ، استدعى يحيى بن زكرويه من طرف رجال الحكومة وأذل وحقر ، وبعد فترة طرد من حدود البحرين بعد أن نكل به.

إن هذا الملحد ذو المزاج الكلبى حط عصا ترحاله من بلاده بنى كلاب وحرص على نشر مذهبه الباطل بينهم وزادت قوته بعون بعض الناس والأقوام ، فاستولى على أطراف الشام وسفك دماء المسلمين وهتك أعراض نساء الموحدين.

ووصل إلى ذروة البغى والشقوة بارتكاب المظالم والفساد ، وعندما وصلت قوة ابن زكرويه وشوكته إلى درجة ترهيب خلفاء بغداد أخذ يكر على دمشق بالشام بدون توقف ، وهزم الفرقة العسكرية التى واجهته بقيادة طغج بن جف (٢) شر هزيمة ، وحاصر دمشق الشام فى سنة ٢٩٠ ه‍ ، وإن كان الجيش الذى سيق من الشام قتل ابن زكرويه ؛ إلا أن أخا زكرويه حسين حمد تولى القيادة ، واستنجد بكثير من القرامطة وشدد الحصار على دمشق ، وفى النهاية انسحب بناء على رجاء الأهالى وطلبهم بعد أن أخذ مبالغ كبيرة من النقود ، ولكن عندما انسحب من دمشق هجم أتباعه قوائم الحشرات على حلب واستولوا عليها فى

__________________

(١) الدانق جزء من ستة أجزاء من الدرهم.

(٢) كان طغج بن جف أمير بلدة دمشق بالشام.

٣٦٣

الحملة الأولى. وأعلنوا أن اسم صاحب الشام أمير المؤمنين للعهد ، وبناء على التعليمات التى تلقوها أمروا بأن يذكروا اسمه فى خطبة الجمعة.

وبعد هذا النصر اتخذ صاحب الشام ابن عمر عبد الله وليا للعهد ، وسماه المدثر وادعى أن المدثر الذى ذكر فى القرآن هو عبد الله الذى سبق ذكره ، وأراد بهذه الطريقة أن يخدع الناس ويبسط سطوته ويوسعها إلا أنه لم يوفق.

وهجم صاحب الشام بعد ذلك على حماة بعد حلب والمدن والقرى التى حولها ، وأخذ يقتل كل من يصادفه من الأهالى مع أولادهم وعيالهم ، وأخيرا وصل إلى بلدة سلمية التى استسلم سكانها دون أن يدافعوا عن أنفسهم فقتلهم جميعا حتى تلاميذ المدارس الصغار (١).

لما أزعج ما يرتكبه صاحب الشام من المظالم والغدر مسامع المكتفى بالله البغدادى فتحرك بما جهزه من العساكر الكثيرة من بغداد وتوجه إلى بلد الرقة.

ومن هنا وجه جنوده جف وفرق القرامطة ، وتقابل البغداديون مع القرامطة فى مكان يبعد عن حماة اثنى عشر ميلا وبدأت حرب ضروس.

وإن كان القرامطة هربوا من شدة صولة البغداديين غير قادرين على صد هجومهم إلا أن جنود بغداد لم يتعقبوا فلو لهم المنهزمة وقبضوا على صاحب الشام وكذلك ولى عهده المدثر (٢) وسلموهما للخليفة الذى كان ينتظر النتيجة.

بعد ما قضى جنود الخليفة تماما على القرامطة عاد منصورا إلى بغداد حيث صلب صاحب الشام مع رفقاء له وشهر بهم فى سنة ٢٩١ ه‍. إن فرقا من القرامطة الذين نجوا من سيوف البغداديين تربصوا فى طريق العراق ، وكانوا يسيرون ليلا منها ونهارا ، ويهاجمون المارين وعابرى السبيل ويسببون لهم خسائر كبيرة ، وكانوا يختفون من الجيوش التى أرسلتها حكومة بغداد فى أماكن خفية.

إن هذه الفرقة الخبيثة قد هاجمت قافلة حجاج العراق فى سنة ٢٩٤ ه‍ ،

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبرى ١٠ / ١٠٠.

(٢) المدثر هذا كان عبد صاحب الشام وهو رومى الأصل.

٣٦٤

وقتلت ما يقرب من عشرين ألفا من الأبرياء ونهبت أموالهم. ولما علم المكتفى بالله بهذا الحادث المفجع جهز فرقة عسكرية وساقها ضد الفرقة الحقيرة فتعقبت الفرقة البغدادية القرامطة ، وأسرت كثيرين منهم مع قوادهم بعد ما قهرت ودمرت الباقى ، ولما كان القائد (١) المأسور للفرقة الباغية جريحا مات متأثرا بجرحه بعد ستة أيام.

بعد ما مات صاحب الشام انتقلت قيادة جماعات القرامطة عامة إلى أبى سعيد بن بهرام الجنابى الذى بدوره جهز أفراد الجماعة الخبيثة ، وجمعهم وأخذ ينشرهم كالجراد حول بادية الشام وفى الحروب التى كانت تقوم بينهم وبين الجنود الذين ترسلهم حكومة بغداد ينهزمون أحيانا وينتصرون أحيانا.

وتفرقوا إلى فرق صغيرة وتكاثروا ، وأخذوا يقتلون الناس كلهم حيث تطأ أقدامهم. حتى إنهم فاجأوا قافلة من القوافل الحجازية بالهجوم وأعملوا سيوفهم فى أفرادها حتى قتلوا عشرين ألفا من المسلمين ، ولم يبق نفر يتنفس.

وقد زاد بعد هذه الفاجعة صاحب الشام من غدره وظلمه حتى استطاع أن ينتزع بلدة القطيف من يد العباسيين بنباح كلاب الإلحاد والإباحة ، ثم نهب البحرين ونواحيها وأخذ يتجرأ فى إهانة أهل الإيمان فى صورة مستهجنة.

واستولى على البصرة وملحقاتها وأصبح واليا على حشرات الشقوة التى دخلت فى دائرة الرفض والإلحاد ، ووسع دائرة الإباحية والخيانة (٢).

الاستطراد

البحرين مدينة غاية فى المتانة والاستحكام وتقع فى غرب جزيرة البحرين التى تقع فى خليج البصرة فيما بين خطوط الطول ٤١ درجه و ٥ دقائق شرقا ، وخط العرض ٢٦ درجة و ٢٠ دقيقة شمالا ، بطول ٢٥٤ ميلا و ٧٠ ميلا من الجهة

__________________

(١) راجع فى أخبار القرامطة : تاريخ الطبرى ١٠ / ٢٣ ـ ٢٧ ، ٦٤ ، ٧١ ، ٧٥ ، ٧٦ ـ ٧٩ ، ٨٢ ، ٨٦ ، ٩٤ ، ٩٥ ـ ٩٧ ، ٩٩ ـ ١٥٥ ، ١٢١ ـ ١٣٣.

(٢) المقصود به صاحب الشام.

٣٦٥

الشرقية الشمالية لمكان يسمى لا شر ، ويحدها شرقا بحر الفرس ، وشمالا إقليم البصرة ، وغربا نجد العارض ، وجنوبا عمان وسكنتها من سلالة عبد قيس.

وبما أن الأنهار والعيون تكثر فى هذا الموقع تتزيّن أطراف أنهارها بأشجار الحنة والقطن والسوسن ، وكل مكان يحفر فيه قدر ذراعين يخرج منه الماء ، ومن يشرب ماءها تصفر ملابسه ، وفى هذه البلاد فاكهة مختلفة ولا سيما البلح والأرز متوفران ، والسكان يذهبون للتنزه فى الأيام الحارة للحدائق التى تبعد ما يقرب من ميل واحد. فى هذه البلاد رمال متحركة ، والتى يطلق عليها بحار الرمال ، وما يرى هناك اليوم جبال تراه فى يوم آخر أرضا منبسطة ، وما كان اليوم معمورا تراه فى الغد خرابا.

والطريق الواسع الذى يبدأ من البحرين تطمسه الرمال فيستحيل السير فيه ، لذا يذهب الناس ويأتون عن طريق البحر.

كان البرتغاليون قد استولوا على ممالك البحرين قديما والآن فى يد الشيخ «أبو شهر» ومع هذا فلا يطلق البحرين على الجزيرة فقط بل يطلق على الجزر الأخرى التى تحيطها ، والتى يستخرج سكانها اللآلىء من البحر ، وهناك إقليم يمتد إلى الغرب ويطلق عليه البحرين أيضا ، وذلك لاتصال البحيرة التى بالقرب من الإحساء ببحر الفرس. انتهى.

بينما كان أبو سعيد يخرب القرى والبلاد لنشر مذهب الإلحاد ساق المقتدر بالله العباسى الذى كان خليفة فى تلك العهود عددا من الجنود بقيادة «عباس بن عمرو الغنوىّ» ليفرق جمع أبى سعيد. وانتصر أبو سعيد عليهم وأسرهم جميعا ثم قتلهم جميعا ، وأبقى عباس حيا ، وقال : يا عباس إننا القرامطة أناس نعيش فى الصحارى والفيافى ونقنع بالقليل لأنا لسنا طامعين فى الاستيلاء على البلاد ، فإذا جمعت جميع جنودك وسقتهم على ، أقسم بالله بأننى أنا المنتصر ، إن جنودنا يتحملون المشاق ويعتقدون أن حياة الرفاهية حرام ، قد تعود جنودكم على قضاء أوقاتهم فى راحة ورغد عيش والتّنعّم بما طاب من الطعام ولذ فى ظل الخليفة ،

٣٦٦

فإنهم لا يستطيعون القتال ، فإذا ما خرج جنودكم فى الصحارى تاركين راحتهم يموتون مثل السمك الذى خرج من الماء.

والعساكر الكثيرة الذين سقتهم علينا مثل النمل قد أصابهم التعب والضعف منذ خروجهم من بغداد ، وانهزامهم فى أول حرب أكبر دليل يؤيد رأيى ، إذا ما أرسلتم جنودا أشجع ممن أرسلتم وأكثر مما سأجهزه أنا من العساكر فإننى أهرب من أمامهم بعد أن أتعبهم ، كما أننى أتصدى لهم فى مضيق ضيق فأقطع خط رجوعهم ، وأهزمهم وأولى بكم ألا تشغلوا أنفسكم بى ، ولا تهلكوا جنودكم عبثا ، وقد حقنت دمك حتى توصل هذه الأقوال بالتفصيل إلى الخليفة ، دون أن تنقص منها كلمة ثم أطلق سراحه وخلّى سبيله.

وقد عاد عباس بن عمرو الغنوى إلى بغداد وهو فى شدة الحيرة من نجاته من يد أبى سعيد. ولما أبلغ عباس ما قاله أبو سعيد إلى المقتدر بالله بالتفصيل خاف الخليفة ، واضطرب ولم يستطع أن يذكر اسم القرامطة بلسانه مدة طويلة.

ومع هذا استطاع أن ينقذ أهالى الكوفة من اعتناق مذهب القرامطة ، إذ ظهرت جماعة من القرامطة وأخذوا فى إضلال الناس فى الكوفة ، وبعث الخليفة بجنود من مركز الخلافة وقوة عسكرية قضت على هذه الجماعة.

وانتقل أبو سعيد فى سنة ٣٠١ ه‍ إلى دار البوار (١) بعد أن ارتكب كثيرا من الجرائم إلى تلك السنة تاركا ميدان الخباثة والشقاء إلى ابنه الكبير سعيد.

وتولى ابنه سعيد مكانه بعد وفاته ، إلا أنه ما كان يشبه أباه فى إلحاق الأذى بالناس ، فتولى تدبير الأمور ابنه الأصغر سليمان أبو طاهر ، وكان ظلوما غشوما سفاحا ، فاستولى على الإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين ونواحى هجر ، وبعد أعوام عشرة أغار ليلا على مدينة البصرة ، وأثناء مقامه فيها سبعة عشر يوما قتل كل من صادفه ، وأعمل السلب والنهب فى الناس جميعا ، وكان ذلك عام ٣١١ ه‍ ، وبعد عام من تلك الواقعة المؤلمة أغار على قافلة الحجاج ونهبها.

__________________

(١) يقول الذين يروون كيفية هلاك هذا الرجل : كان أبو سعيد قد دخل الحمام فى خلال السنة المذكورة فضربه أحد خدمه الذى عانى من سوء معاملته على رأسه بفأس وقتله. إن هذا الخادم بعد أن قتل هذا الخبيث قتل أربعة من رؤساء القرامطة ولما شاع هذا الخبر قتل هذا الخادم.

٣٦٧

وكان يسلك الذكور والإناث فى السلاسل على نحو بشع مهين ، وألحق الهزائم بمن تصدى له من الجند وكان ذلك عام ٣١٢ ه‍ ، وبعد إغارة أبى طاهر على قافلة الحجاج هجم على معظم سواد الكوفة ، وأعمل السيف فى الخلق فى ظرف ستة أيام ، أقام فيها ونهب واغتصب كل ما وصلت إليه يداه فى سنة ٣١٣ ه‍.

وعندما عرض الأمر على المقتدر بالله استصوب أن يوجه ضد أبى طاهر فرقة عظيمة من الجيش بقيادة يوسف بن أبى الساج. كان يوسف فى ذلك الوقت فى أذربيجان ، وبمجرد ما أخذ أمر الخليفة توجه إلى الكوفة بجنوده الذين كانوا مهيئين. وكان قوام جيش ابن أبى الساج أربعين ألفا ، أما جيش أبى طاهر فكان ألف وخمسمائة جندى منهم سبعمائة فارس.

ودخل يوسف بن أبى الساج المغرور بكثرة عساكره ، وحاصر القرامطة فى موضع حصين ووجه سفيرا برسالة إلى أبى طاهر ليحدثه عن كثرة جيشه ، ويوصيه فيها بالدخول فى طاعة الخليفة. فقال أبو طاهر لأحد أتباعه اقتل نفسك بسلاحك من أجلى ، وبعد أن افتدى هذا الكلب «أبا طاهر» بالروح ، قال للرسول لقد رأيت بعينيك كيف يطيعون أوامرى!! قل ليوسف أن يستعد ، وبإذن الله سأقبض عليه غدا وأربطه مع الكلب فى حبل واحد ، وأشار إلى الكلب الذى كان مربوطا بوتد خيمة.

وصرف الرسول وفى غد ذلك اليوم استطاع أن يقبض على يوسف بن أبى الساج مع أتباعه ، وربطهم فى سلسلة ضخمة ، وربط يوسف بجانب الكلب الذى أراه للرسول.

بعد أن كسب أبو طاهر هذه المعركة بهذا الشكل عبر نهر الفرات بثلاثمائة قرمطى ، واستولى على بلدة الأنبار (١) التى تقع فى الجهة الغربية من بغداد دار

__________________

(١) الأنبار مدينة صغيرة فى الجهة الغربية من نهر الفرات ، وكانت قديما مدينة عظيمة وبانيها بختنصر ، ويقال إن أهل الحيرة نقلوا إليها ، فى العام الثانى عشر للهجرة ، وفتحها خالد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ فى خلافة الصديق ـ عليه رضوان الله ـ وفى عام مائة واثنين وثلاثين نقل أبو العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس إدارة الدولة من الحيرة إليها ، إلا أن المنصور اتخذ الهاشمية ثم بغداد عاصمة للدولة.

٣٦٨

الخلافة وفوقها بستين كيلومتر. استولى عليها بالقوة وهزم الجيوش التى أرسلت ضده مرتين ، وقتل يوسف بن أبى الساج الذى أسره مع رفقائه ، وهكذا ألقى الرعب فى قلوب الناس الفزعين ، وبعد أن فرض على كل فرض من أهالى الأنبار خراجا دينارا توجه نحو الأراضى الحجازية المباركة بنية الاعتداء على مكة المكرمة ، وهجم على المسجد الحرام وداس بقدميه المشئومتين حرم المسجد الحرام توأم الجنة كما سبق ذكره ، وقتل ثلاثين ألفا من الأبرياء ، وأكثرهم ملتفون بملابس الإحرام وبعضهم فى داخل كعبة الله ، وبعد أن هدم مبانى ذلك البلد الغالية وخربها اقتلع الحجر الأسود وعاد إلى بلدة هجر فى سنة ٣١٧ ه‍.

وقد دامت نار شرور القرامطة مندلعة تتأجج من سنة ٣٠١ ه‍ إلى سنة ٣٧٣ ه‍ وفى رأى إلى عام ٣٨٤. استطاع فيها القرامطة إغواء كثير من الناس ، وأدخلوهم فى زمرتهم ومذهبهم ، وأغار هؤلاء على البلاد وقتلوا ونهبوا وهدموا ، إذ خربوا الكوفة سنة ٢٧٨ ، والبحرين سنة ٢٨٦ ، والشام سنة ٢٨٩ ، ودمشق ٢٩٠ ، والشام مرة ثانية سنة ٢٩٣ ، والبصرة سنة ٣٠٧ ه‍ ، والكوفة سنة ٣١٣ ، الأنبار سنة ٣١٥ ، وبعد ذلك بعام الرحبة والرقة والهيط ، ومكة المعظمة سنة ٣١٧ ، ودمشق مرة ثانية سنة ٣٦٠ ه‍ ، وهجموا على هذه البلاد وقتلوا سكانها وخربوا منازلها وأخلوا بنظام الأمن فى تلك البلاد.

واستأصلوا حجاج قوافل العراق فى السنين ٢٩٤ و ٣١٢ و ٣٥٥ (١) و ٣٦١ (٢) ، كما أنهم أغلقوا طريق بيت الله العتيق طريق الفيض والنور فى السنين ٣١٤ و ٣٥٦ و ٣٦٣ و ٣٨٤ ، ووصلوا إلى الذروة فى فن الإجرام إذ منعوا أداء فريضة الحج مدة تسع سنوات لعنهم الله.

كيفية ظهور طائفة القرامطة

يروى المؤرخون على اختلاف آرائهم أن ظهور القرامطة كان فى عهد الرشيد أو المأمون ، ولم يظهروا إلا بعد أن تشكل كيانهم ، وكانوا قبل ذلك يفسدون

__________________

(١) وفى سنة ٣٦١ اتفق عربان بنى هلال مع القرامطة.

(٢) اتفق فى هذه السنة عربان بنى سليم مع القرامطة وأغاروا على قوافل مصر وقوافل الشام.

٣٦٩

عقول البلهاء والحمقى وأهل الغفلة بضلالهم فى الخفاء ، ثم وسعوا نطاق دعوتهم شيئا فشيئا.

وقد تضاربت الأقوال بعض الشىء فى أسباب ظهور القرامطة ومكان ظهورهم ، وكيفية ظهورهم ، كما وقع الخلاف فى تعيين وتحديد مبادئهم ، وفى هذا أدلى كل واحد برأيه وقال قولته ، وها هى ذى طائفة من المؤرخين الذين كدوا أذهانهم وأتعبوا أنفسهم يقولون : «إن أول من لوث الساحة من القرامطة كان رجلا ادعى النبوة ، واتخذ لنفسه كتابا زعم أنه من الكتب السماوية محاولا أن يصدقه الناس».

وقال بعض المؤرخين : «إن أول من أعلن وجوده من ملاعين القرامطة شخص ادعى هذا الشخص أنه من الأئمة الإسماعيلية ، وأنه مرسل من قبل الإمام المهدى ، وأراد أن يقنع الناس بما يدعيه».

وبهذه الرواية أو تلك يستبين لنا أن المذهب الذى نشره القرامطة وأشاعوه مذهب باطل ، وأنه عبارة عن توصية للعمل بمبادئ الكفر والضلالة والإلحاد والإباحية ، ولكننا لما رأينا أن الرواية الثانية أقوى دليلا وأمتن رواية رأينا أن نكتفى ببيانها.

سبب تسمية القرامطة بهذا الاسم

على نحو ما اختلف المؤرخون فى نشأة القرامطة وكان اختلافهم فى أصل تسميتهم ، ففى بعض الروايات أن سبب تسميتهم بالقرامطة يرجع إلى من يسمى بأبى سعيد الجنابى القرمط ، ذلك الملحد الذى سلك بهم سبل الضلال ، وكان قصير القامة لا يدين بدين وكان يقارب بين قدميه فى السير ، فسمى الذين اقتفوا أثره من الرفض والإلحاد والإباحة بقرامطة.

وفى رواية أخرى : كان رئيس هذه الطائفة قميئا كريه الخلقة ، وكان يتجول من قرية إلى قرية لنشر دعوته ، ولما بلغ قرية من قرى الكوفة اشتد به المرض فنزل بدار من يسمى «كرميتة» ومعناه ذو عيون حمراء ، وراح فى سبات ، ولما استيقظ وقام على رجله من مرضه سمى باسم صاحب الدار ، ونودى بشيخ الكرامته وبعد ذلك خففت لفظة «كرميته» وعربت فصارت قرامطة.

٣٧٠

وفى رواية ثالثة : أن عظيما من هذه الطائفة كان يكتب خطا دقيقا متقارب السطور ، واشتهر بذلك أى كان مقرمط الخط ، فسميت الطائفة المذكورة بالنسبة له قرمطى.

مذهب القرامطة وطقوسهم

وإن كانت طائفة القرامطة الملاحدة الخبيثة يعترفون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ـ رضى الله عنه ـ وأعلنوا فى الظاهر انتماءهم لمذهب الإسماعيلية ، ولكنهم فى الباطن كانوا يحلون المحرمات ، ويسفكون دماء المسلمين ، كما أنهم كفروا من ليس على مذهبهم ، ومن كلمات الكفر التى تنسب إليهم قولهم : لما كان المنى أطهر من البول فلماذا يجب الغسل بعده ولا يجب بعد التبول؟

إن أداء الفرائض الخمس عندهم طاعة أئمتهم المعصومين ، وإطاعة أوامر الذين يمنعون وينهون عن طريق الإلحاد والكفر والإباحة من غيرهم بعد البحث عنهم ، والزكاة عندهم إعطاء الإمام خمس المال وفى رواية أخرى تزكية النفس بالتفوه بكلمات الإلحاد ، «والصوم» عندهم حفظ أسرار المذهب وكتمها ، والزنا عندهم إفشاء أسرار المذهب بدون مقابل ، ومع هذا يدعون أنهم يقتدون بالملائكة ويخالفون الشياطين.

ويكنون بالوضوء عن محبة الإمام ومصاحبته ، والاحتلام هو كشف الأسرار لمن ليس لها أهل ، والكعبة والصفا كناية عن النبى ، والمروة كناية عن باب على ، والتلبية كناية عن إجادة المخاطب ، والطواف كناية عن حب الأئمة كذلك ، والجنة كناية عن الاستراحة من التكاليف الشرعية ، والجهل كناية عن اختيار مشقة التكاليف الشرعية ، يطلقون على حدة الذين ينسلخون عن الدين كليا «الخلع» ، والخروج عن الدين «السلخ» والذين يصلون لهذه المرتبة يباح لهم جميع المحرمات ، ولا شك فى أنهم يعترفون بالكفر والإلحاد.

ومن جملة معتقداتهم الباطلة استحلال شرب الخمر ، وعدم الاغتسال بعد الجنابة ، وحصر الصوم فى اليومين (فى يوم المهرجان والنوروز) ، واعتبار الحج

٣٧١

إلى القدس فرضا ، وإضافة قولهم (أشهد أن محمد بن الحنفية رسول الله). كل هذه من جملة اعتقاداتهم الباطلة.

وبناء على ما جاء فى تاريخ نظام الملك بالتفصيل : إن طائفة القرامطة الحقيرة أينما ظهروا وأينما امتدت نار شقاوتهم وأينما حلوا فى الآفاق ظهروا بأسماء مختلفة ، فمثلا عرفوا فى حلب ومصر ب «السبعية» وظهروا فى بغداد وما وراء النهر باسم «قرمطى» ، وظهروا حول الكوفة باسم «مباركى» واستولوا على البصرة باسم «روندى ، برقعى» وعلى الشام باسم «المبيضة» وذكروا باسم «سعيدى» عندما هجموا على أرض المغرب ، والجنابى فى الإحساء والبحرين.

وفى أصفهان «الباطنية» ، وأسماء «حرمية ، بابكية ومحمرية» من الأسماء الخاصة بتلك الطائفة ، وسبب تسميتهم بالحرمية لأنهم أحلوا المحرمات ، و «بابكية» لأنهم اتبعوا أحد الخارجين الذى يسمى «بابك» ، و «المحمرية» لأنهم ارتدوا ملابس حمراء فترة حينما اتبعوا «بابك».

والسبب فى عد القرامطة أنفسهم من الطائفة الإسماعيلية هو لعين اسمه «عبد الله بن ميمون» الذى كان من قرناء عبد الإمام محمد بن إسماعيل ، والدنئ كان يسمى مبارك ، وكان الإمام المذكور قد زار بغداد فى أيام هارون الرشيد.

وبعد ما مات الإمام محمد بن إسماعيل ، أخذ عبده مبارك يتجول هنا وهناك حزينا مغموما ، ويسكب الدموع حيثما حل ، وكان مبارك هذا حريصا على أن يكتب بخط باربك فعرف بين أقرانه بقرمطى. وعرض عبد الله بن ميمون ـ سالف الذكر والذى كان من أفراد قبيلة أهواز ـ صداقته على مبارك ، واستطاع أن يكسب ثقته بإظهار الصلاح والزهد ولازمه ، بالتدريج استطاع أن يقنعه بأقواله.

وقال له يوما : «يا مبارك إن ولى نعمتك وسبب جاهك هو الإمام محمد بن إسماعيل كان صديقى الذى يطلعنى على جميع أسراره ، ويطلع على جميع أحوالى ، وكم أطلعنى فى حياته على كثير من الأسرار ، وكم من علوم لقننى ، هذا ما لا تعرفه أنت ، ولا من كان متصلا به» وانخذع مبارك بأقوال عبد الله وصدقه ، وطلب منه أن يعلمه تلك الأسرار والعلوم فعلمه حروفا معجمة ،

٣٧٢

وكلمات غير مسموعة وكلمات من أقوال الفلاسفة والأئمة ، فمضى مبارك إلى الكوفة وعبد الله إلى كوهستان وأطراف العراق حيث أخذا ينشران طقوس الإباحة (١).

صورة ترتيب الفقهاء

يختار مجلس الشورى الذى ينعقد تحت رياسة شريف مكة عبد الله باشا الفقهاء الذين سيتم تعيينهم وإرسالهم إلى القرى ، وفى هذا المجلس يوجد أشخاص يعلمون أحوال الولاة ووجهاء البلدة والسادات الأشراف وقبائل العربان.

هيئة الشورى :

بعد تحديد عدد القرى التى تحتاج إلى تعيين الفقهاء يتم انتخاب الفقهاء ويحول أمرهم إلى رأى رئيس العلماء ويقوم المشار إليه هو والهيئة التى معه بكتابة أسماء الفقهاء وانتخابهم ويقدمهم إلى الهيئة المحترمة.

ولو توفى أو استقال أحد الفقهاء الذين تم تعيينهم يتم تعيين فقيه آخر محله بواسطة رئيس العلماء أى أن تعيين فقيه آخر يتم بعد صدور الأمر من أمراء الولاية الجليلة وهيئة الشورى ولقد ذكر فى الجداول التالية أسماء الفقهاء الذين تم تعيينهم عام ١٢٨٥.

وهذا الجدول يوضح اسم القرى التى عين فيها الفقهاء والقبائل التى تسكن فى هذه القرى.

جدول الفقهاء

أسماء الفقهاء

أسماء القرى

أسماء القبائل

ملحوظة

الشيخ عبد الرحيم باقيس

دار الغربة

من هذه الثلاث عشرة فى الجهة التى تقع فى ناحية مكة المكرمة من الطائف وعلى ثلاث ساعات منها وعلى سفح الجبل الذى يقال له جبل الفرا والذى يبعد عن مكة المكرمة خمس عشرة ساعة وعلى ظهر هذا الجبل موقع يسمى هذا والقرى المذكورة فى أطراف هذا الموقع وفى القرية التى تعرف ب «دار البيضاء» مسجد أثرى.

__________________

لمزيد من المعرفة انظر : العصر العباسى الثاني ، للدكتور شوقى ضيف ص ٣٣ ـ ٤٢ (سلسلة تاريخ الأدبى العربى ٤).

٣٧٣

الشيخ أحمد بن قاسم

مصر وحوله

الشيخ مهدى اليمانى

الكمل النبى

الشيخ عبد القادر المغربى

الخضرة

الشيخ محمد مكى

دار البيضاء

الشيخ محمد بن طالب

ملتوى

الشيخ حمد المغربى

مبيريز

الشيخ أحمد باوزير

مملكة

الشيخ فخرى الصخرى

بنى صخرة

قريش

الشيخ صالح باقيس

أعمق

الشيخ محمد باعماد

غديرين

الشيخ صالح السيفانى

شرقة

بنى خديله

الشيخ عبد القادر باقيس

خليصة

خديلة

لشيخ على المغربى

شريف

الشيخ إبراهيم المغربى

قدء

تقع هذه القرى فى جهات الشرق والشمال وعلى بعد ساعة أو ساعتين من الطائف.

الشيخ حامد المغربى

صفاه صد عين

الشيخ محمد بن المهدى

غنامين نحاتين

الشيخ عبد الرحمن الفقية

بلاد بن شريان

الشيخ إبراهيم البكرى

عرج

عتبية

الشيخ أحمد العبادى

شرب

الشيخ عبد الحفيظ الربيدى

عبيلا

الشيخ سفر بن سفر

جليل

الشيخ محمود بن سالم المشولى

نخب

الشيخ سعيد بن ناصر

مليسةا

ثقيف قرآن

الشيخ على بن قنا

سويد

الشيخ قامد اليمانى

الشيخ محمود المنصورى

مسجد الهادى

المسجد الهادى (١) ومثناه ووهط على بعد نصف ساعة من الطائف وفى مكان كثير المياه والبساتين وأهل الطائف يخرجون إليهما متنزهين. وهذه القرى تقع فى جهة الجنوب من الطائف وعلى بعد ساعتين أو ساعة منها. وبين قرية ال مقبل وقرية عبلة تمتد عشر قرى وتقع جهة الغرب بعد أربع أو خمس ساعات من الطائف ولها شهرة واسعة بالعقارب والحيات وقريتا زيما وسولة اللتين مسكنهما قبائل قريش.

__________________

(١) لما كان بانى هذا المسجد شخص يقال له هادى فالقرية معروفة باسمه. وسيدنا عكرمة الصحابى ـ رضوان الله عليه ـ مدفون فيها.

٣٧٤

أول مرحلة بيات للمسافرين من مكة إلى الطائف والقرى الأخرى واقعة بجانب وادى فاطمة.

الشيخ عبد العاطى أبو حربة

مثناه

بنى ثقيف

الشيخ سعيد بن على المخاوى

وهط

الشيخ محمد بخروس

قلمة

الشيخ عبد الواحد الحديدى

زوران

عتيبة

الشيخ صالح بن سعيد

بسل

الشيخ عبد اللطيف الحديدى

كلاخ

الشيخ على بن محسن اليمان

دار الغنم

بنى ثقيف

الشيخ نخيل الشمالى

صخيرة

الشيخ سيف الدين اليمانى

بنى سالم

بنى سفيان

الشيخ صالح بن عبيل

آل مقبل ، آل زايد

آل زايد

الشيخ عيسى بن موسى

آل طول

شمالة

الشيخ سالم بن عوض

آل ساعد

آل خديعة

الشيخ غالب بن قارع

آل حجة

الشيخ محمد رحيم

آل مساعد

الشيخ على بن عمر المعامدى

آل عايشة

الشيخ صالح بن سميح

بجيدى بنى عمر طلحات آل خالد

الشيخ خالد اليمانى

زيما

عتيبة

إن معظم قرى قريش هذه جار ماؤها كثيرة منابت نخيلها بها أشجار الليمون والنارنج ومن ثم يخرج إليها أهل مكة للتنزه ولا سيما إلى تنسم طيب نسيمها وتتفاوت هذه القرى والقرى الأخرى فى حجمها ومدى استبحار عمرانها. فمنها ما يشمل ثلاثة أو خمسة أو عشرة منازل ومنها ما يضم أربعين أو خمسين منزلا وإن كان عدد سكانها وعمرانها فى تزايد وأكبر هذه القرى قرى : الدار البيضاء ، ووادى فاطمة والحسينية وهق وأجواؤها أطيب من جوزيما وسولة ومضيق حسين ، وشنابره فى السعدية والقرى التى تسمى شنابرة تلك تعد مقرا للأشراف والسادات.

٣٧٥

الشيخ صالح بن جمال

سولة

فى وادى هرامز

الشيخ عباد بن صالح

كضيق

الشيخ محمد بن أحمد موسى

حدا

الشيخ أحمد العباس

هدا

الشيخ عبد الرحمن الزبيدى

بلاد بنى

عند بنى ربيع

الشيخ بشرى الحيرتى

عمر

الشيخ زين العابدين جمال

عمر

الشيخ صالح بن شعيب

برابر محمية

الشيخ وهق بن رشيدان

حراجل

فى السعدية

الشيخ أحمد الكليبى

الفرع

الشيخ صديق بن عبد القادر

أبو شعيب

الشيخ عبد الله باسميح

حميد

الشيخ إبراهيم حسينية

الخادم

هنابرة

الأثر الرابع عشر : باب الجرير

ويسمى كذلك (باب القفص) وهو الباب العالى المسمى باب النبى ، وهو مكان يستجاب فيه الدعاء على حد قول أبى سهيل النيسابورى.

ولا يعرف الوقت الذى ينبغى فيه الدعاء فى هذا الموضع ، ويقول الصالحون من الأسلاف : كلما سنحت الفرصة اذهب وادع بجواره.

الأثر الخامس عشر : بيت خديجة الكبرى السعيد

وهو فى سوق الصاغة الذى كان يطلق عليه زقاق الحجر ، وكان يسمى زقاق العطار قديما ، وكان دار خلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحين الهجرة النبوية وهب لعقيل بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبعد ذلك أخذه معاوية ووسعه وحوله إلى مسجد ، وفتح له بابا يؤدى إلى منزل أبيه أبى سفيان.

بيت أبى سفيان ذاك صار مستشفى للغرباء فى عصر السلطان عبد الحميد. وقد حول بيت زوج الرسول خديجة بنت خويلد ـ رضى الله عنها ـ إلى مسجد

٣٧٦

باسمها ، وقد رممه الملك المظفر اليمانى والناصر العباسى وملوك الشراكسة المصرية ، وملوك اليمن على هيئته القديمة.

وفى عام ٩٣٥ ه‍ عصر سليمان بن سليم عصر البر والإحسان رمم على هيئته القديمة ، وأقيم عليه قبة عظيمة ، وبنى فى داخله محرابان وفى سنة ١٠٤٣ جدد ما يستحق تجديده.

وكان داخل القبة التى أقامها السلطان سليمان فى سنة ٩٥٣ ه‍ (١٤٤) قدما مربعا ، وكانت كل جهة من جهاتها الأربع اثنى عشر قدما.

وولدت سيدة النساء فاطمة الزهراء (رضى الله عنها) فى الحجرة المنيرة التى تقع فى الجهة اليمنى من الدار السعيدة. ولأن مولد السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ كان فى تلك الحجرة المنيرة المتصلة بالجهة اليمنى من هذا البيت المسعود ، فقد عين موضع مولدها فى وسط هذه الحجرة بحجر أبيض مستدير ناقص الشكل ، ووضع فى كوخ مكتس بالخضرة.

إنه موضع مبارك تحت قبتين جميلتين فى تلك الحجرة العريقة ، وطول هذا الموضع من الشمال إلى الجنوب ثمانية أقدام ، ومن الشرق إلى الغرب خمسة عشر قدما. وقد حمى الكوخ الذى بنى لمشاهدة الموضع المنير الذى ولدت فيه السيدة فاطمة بما يقرب من ٣٥٧ عام ، وذلك بفضل الإصلاحات والترميمات الجزئية التى كانت تجرى من آن لآخر ، وبالرغم من ذلك تخربت تلك الترميمات ، وبات من اللازم هدمها كلها ، حتى أن جدران بيت خديجة ـ رضى الله عنها ـ أصبحت محتاجة إلى الترميم والإصلاح ، وفى عام ١٢٩٦ حول أحمد أفندى مدير المسجد الحرام الكوخ المذكور إلى شبكة مصنوع من خشب الساج ، وأصلح ما مست الحاجة فيه إلى الإصلاح من جدرانه المسقوفة ، ووضع صندوقا فوق الحجر الأبيض الذى يشير إلى موضع مولدها ، وغطاء يستر المكان من الحرير المزركش.

٣٧٧

وأمام الكوخ المذكور جدار باهر الأنوار يرتفع بمقدار ذراع ، ويتصل بهذا الجدار من جهة الجنوب بصفة ، يعلو هذه الصفة حجر مدور يميل لونه إلى السواد ، يقول بعض أهالى مكة المكرمة أن هذا الحجر هو الرحى التى كانت السيدة خديجة تطحن بها القمح.

ويتصل بالجدار الشمالى للمسجد الشريف حجرة مقدسة كذلك ، ولما بات من المعلوم ـ من خلال آثار موثوقة الدلالة ـ أن هذه الحجرة كانت خاصة بعبادات النبى صلى الله عليه وسلم وطاعاته ، أشير إلى موضع سجوده صلى الله عليه وسلم بحجر من الماس مسدس الشكل قطره كقطر إصبع اليد ، ووضع هذا الحجر وسط المحراب.

الأثر السادس عشر : مولد النبى

بيت يقع فى الجهة الشرقية لمكة المكرمة وفى شارع شعب أبى طالب الذى يسمى الآن : شعب بنى هاشم وزقاق المولد.

وهى دار ميمونة تقع فى سوق الليل وكانت تعرف فى عصر النبوة ب «دار التبابعة». ومن العادات القديمة أن يخرج العلماء والأعيان الكرام من المسجد ويذهبون إلى الدار المذكورة موقدين المشاعل والقناديل ، وبعد إقامة مراسم الطاعة والعبادة يعودون إلى حرم كعبة الله.

ومن العادات المتفرعة من الحفاوة بمولد النبى أن يقوم الناس بعد عودتهم من دار مولد النبى بالوقوف خلف المقام الشافعى وأمامهم الشخص الذى يتولى رياسة الروم بالدعاء للسلطان ، وبعد أن يلبس بعض كبار الحاضرين الخلع حسب قواعد المراسم يصلون صلاة العشاء ثم يعودون إلى منازلهم.

ولم تكن هذه العادة قائمة إلى عهد السلطان مصطفى خان الثانى ابن السلطان محمد الرابع ولم تكن تلك الاجتماعات تنعقد فيه ، فلما أراد السلطان المذكور أن يستزيد من الغفران وأن ينال الشفاعة النبوية قام باستحداث هذه الاجتماعات

٣٧٨

واتخذها عادة ميمونة ، لأجل ذلك ينعقد فى مكة المكرمة فى الليلة السابعة عشرة فى رمضان اجتماعات عظيمة بغية تعظيم بعثة نبى آخر الزمان صلى الله عليه وسلم ، كما تجتمع جماعات كثيرة فى الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول للاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فى المدينة المنورة وفقا لرغبة السلطان.

ولعقد هذين المجلسين أمر السلطان بمنح ٣٣٠٠ قرش سنويا من ريع مقاطعة مصر للإنفاق على إقامة ذلك الاحتفال. وقد صدر ذلك الأمر السلطانى فى سنة ١١١٣ ه‍ ، واستمر إجراء ذلك الحفل الميمون والاحتفالات السنية فترة ما ، والآن تجرى الاجتماعات فى ليالى الثانية عشرة من ربيع الأول لسبب ما.

ومازالت نفقات هذين الاجتماعين ترسل من الخزانة المصرية إلى يومنا هذا ومازالت الاحتفالات تجرى وفق ما ذكرنا آنفا.

وقد ذكرنا فى المقال الثالث من الفصل الحادى عشر من مرآة المدينة كيفية الاحتفالات بالمولد النبوى السعيد.

وكانت العادة المرعية بين أهالى مكة المكرمة فى ليالى رمضان أن يقرأوا القرآن الكريم فى صلاة التراويح. وكان الإمام الحنبلى يختم القرآن فى الليلة الحادية والعشرين من رمضان ، وفى الليلة الخامسة والعشرين الإمام الشافعى ، وفى الليلة السابعة والعشرين الإمام الحنفى ، وفى الليلة التاسعة والعشرين الإمام المالكى فيختمون القرآن بعد تمام قراءته.

وكان أتباع الإمام الذى سيختم القرآن يزينون المسجد الحرام بمصابيح وقناديل وفوانيس مختلفة ، ومازالت هذه العادة قائمة ولكنها لا تنحصر فى أئمة المذاهب الأربعة لأن الذين يريدون أن يختموا القرآن يتفقون فيما بينهم ويصلون فى جماعة منفصلة ، ومع هذا تعقد مجالس عظيمة فى ليلة ختم القرآن الكريم.

وفيما مضى كانت تعقد المجالس فى ليلة ٢٧ من رمضان فى الجهة الشرقية

٣٧٩

للحرم الشريف وأمام المحكمة الشرعية ، ويقرأ دعاء ختم القرآن وعقبه يوزع على الحاضرين الكرماء الشراب الحلو ثم يتجهون إلى البيت المعظم حيث يدعون الله ، ويحضر هذا المجلس الأشراف العظام والسادات الكرام والعلماء الأعلام ، ويوزع نائب الحرم الشريف حلو الشراب ، وفى أثناء الدعاء يظل باب الكعبة مفتوحا ، ومازال هذا المجلس المشكور يجتمعون إلى الآن ، كما سبق ذكره ومازالت تلك الإجراءات مرعية الجانب.

الأثر السابع عشر : سوق الليل

إنه مكان فى غاية اليمن والبركة لأن مولد النبى ، والدار التى ولد فيها على كرم الله وجهه ، ودار الصديق الأكبر فى هذه السوق وفى كل جهاتها آثار مباركة ظاهرة.

إن عينيك تنبت جنة من سوق المال ورافع الشوك من طريقه يعجب بالورد تطلع الشمس التى تنير الدنيا منه كما امتلأت منه روضة الرضوان ومن عجب أن هذا أصبح مقاما ومنزل قرص الشمس والبدر إن منزل الزهرة فى هذا الشعب وهو على بعد قدم أو قدمين من الصديق إن المشترى والشمس والقمر اقترن بعضها ببعضها الآخر فهذه المحلة كلها مرتفعات ومنخفضات وفيها يهادى سرو الدلال

«فتوح الحرمين».

الأثر الثامن عشر : دار الخيزران

كان يعرف هذا المكان عند الأوائل من المسلمين بدار الأرقم بن أبى الأرقم المخزومى.

٣٨٠