موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

الإمام على ، ثم زوج ابنته أم الفضل من محمد تقى ابن الإمام ، وخلع الجبة السوداء الخاصة بالعباسيين ولبس جبة خضراء جاعلا لبسها خاصّا بالسادة الكرام ، ثم ألبس الإمام عليا جبة خضراء وأمر جميع السادات بلبس ملابس خضراء.

وهذا ما وقع موقع الرضا والقبول من أهل الإيمان فلهج بمدحه والثناء عليه كل لسان ، ولكن فرقة «ذيلة» من رؤساء القبائل التابعة للعباسيين ، أرادوا أن يسقطوا المأمون من عرش الخلافة ، وأطمعوا عمه إبراهيم فى الخلافة ؛ وهذا الخبر المفزع أقلق المأمون الذى كان فى ذلك الوقت فى خراسان ، فعاد إلى بغداد بينما سافر الإمام علي إلى طوس.

حينما دخل المأمون بغداد كان يرتدى جبة خضراء ، وإن كان الناس جددوا البيعة له إلا أنهم لم يعجبوا بعمامته وجبته ، فخلع جبته وعمامته الخضراوين بإيعاز من أهله وأصدقائه ، ولبس الملابس السوداء وأعلن أن يستمر العلويون فى ارتداء الملابس الخضراء.

ومما لم يغب عن أذهان أهل الدقة والفكر أن ما ذهب إليه ذلك الفريق من المؤرخين مخطئون فى ادعاءاتهم ؛ لأن محبة المأمون لأهل البيت ثابتة بأقوال هؤلاء المؤرخين أنفسهم. وبما أن المأمون قد وضع نظام ارتداء العلويين العمامة الخضراء ، فقد اعتاد العلويون أن يعتموا بالعمائم الخضراء. وقد تركت تلك العادة فيما بعد ، وهكذا أصبح أبناء الرسول لا يتميزون عن الآخرين.

إلا أن الملك الأشرف «شعبان» بن حسن من الملوك الشراكسة فى مصر أظهر حبه وحرمته لآل البيت إذ جدد عادة الاعتمام بالعمامة الخضراء ولبس الجبة الخضراء القديمة (١) وذلك فى ستة ٧٧٢ ه‍.

عندما قرر اعتمام أولاد النبى بعمائم خضراء أنشد أبو عبد الله الأندلسى (٢) من شعراء الزمان العظماء القطعة الآتية :

__________________

(١) يصدق الإمام السيوطي على هذا القول.

(٢) إن هذا الشخص كان أعمى.

٢٢١

جعلوا لأبناء الرسول علامة

إن العلامة شأن من لم يشهر

نور النبوة فى كريم (١) وجوههم

يغنى الشريف عن الطراز الأخضر

وأيد شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقى من أدباء دمشق صواب رأى الملك بإنشاد القطعة الآتية.

القطعة

أطراف تيجان أتت من سندس

خضر بأعلام على الأشراف

والأشرف السلطان خصهم بها

شرفا ليفرقهم من الأطراف

استصواب رأى :

يجب على الناس جميعا استصواب ما ذهب إليه الملك الأشرف المصرى ، لأنه لا شك فى أن السادات الكرام يجب احترامهم. حتى إن حضرة مولانا قتادة قدس الله سره كان يقول : إذا ما رأيت فى مجلس شخصا من آل الرسول تحيرت فى كيفية إكرامه وتوقيره. وقد أطنب ابن حجر فى رسالته التى تسمى «الصواعق» فى ذكر ما يجب على الإنسان من توقير آل الرسول واحترامهم ، ولكنه أشار أيضا أنه يجب عليهم أن يبتعدوا عن ارتكاب المعاصى. والأبيات التالية من آثار صاحب كتاب «كمنجيه راز» أى خزانة الأسرار ونوردها فى هذا المقام لأنها تناسبه.

الأبيات :

لتكن لهذا الرب على الدوام الصلوات

فمنها الظهور للحسنات

ومن الآل رمز وتنبيه

إلى أن الولد سر أبيه

__________________

(١) يروى بدل كريم وسيم أيضا.

٢٢٢

ومن الحق بعيد من كذب على الآل

ومن غصين لا يثمر حتى الثمر محال

إن الضال بخداعه لا يفلح

والحجر الأسود ياقوتا لا يصبح

«عن فرح الروح»

إن لبس الملابس والاعتمام بسود العمائم كان قبل عهد الخلافة بزمن طويل ويقول المؤرخون إن على بن أبى طالب والحسن ـ رضى الله عنهما ـ وكثير من وجهاء القوم كانوا يكتسون سود الثياب ، كما أن عثمان بن عفان كان يكتسى ثيابا سودا يوم استشهاده ، كما يروى أن على بن أبى طالب قد ألقى خطبة بليغة وهو لابس ملابس سوداء ومعتم بعمامة سوداء.

وكان عبد الله بن الزبير يقيم العمامة سوداء حينما كان يخطب ، كما أن أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر «رضى الله عنهم» كانوا يلبسون جببا وعمائم ومناديل الرأس السوداء.

كما أن ابن المسيب كان يرتدى فى أيام الأعياد ملابس سوداء ، ويعتم بعمامة سوداء أيضا ، كما أن عبد الله بن عباس كان يلبس ملابس سوداء ويعتم بعمامة سوداء أيضا حينما يجلس فى ملجس تلقى العلوم.

ورد فى الخبر أن جبريل ـ عليه السلام ـ أتى يوما أمام النبى صلى الله عليه وسلم بملابس وعمة سوداء. وقد أظهر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عجبه له قائلا : ما هذه الصورة؟ فإنى إلى الآن لم أكن قد رأيتك من قبل بهذه الملابس السوداء! فقال له إن هذه الهيئة هى زى أولاد ابن عمك عباس الذين سيعتلون كرسى الحكم فسأله ثانية هل هم على حق؟ فرد عليه قائلا : نعم. فدعا لهم قائلا «اللهم اغفر للعباس».

وكان هذا الأمر سبب آخر لارتداء العباسيين الملابس السوداء إذ قال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمه العباس بن عبد المطلب وزوجته أم الفضل «يبدو أن أولادكم

٢٢٣

وأحفادكم سيعتلون منبر الخلافة المنير» وبهذا أبلغهما ما أخبره به جبريل ـ عليه السلام ـ وقد دفعهما هذا الخبر إلى انتظار ذلك الوقت «انتهى».

كان تعليق الكساء إلى سنة ٥٣٣ خاصا وحصرا للملوك والسلاطين إلا أنهم فى تلك السنة شغلوا بدفع الأعداء وتهيئة ما يلزم من القوت للجيوش ؛ ولذا لم يستطيعوا أداء خدمة تعليق الكسوة على الكعبة ؛ لذا رتب كساء الكعبة من طرف التجار بطريقة اشتراك كل واحد منهم بدفع حصته اللازمة.

إن الرياح التى أخذت تهب فى أواخر سنة ٦٤٣ ه‍ بشدة قد مزقت كسوة الكعبة وجعلتها قطعا فى يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر ربيع الآخر سنة ٦٤٤ ه‍ وبعد هذا ظلت الكعبة بدون كسوة ما يقرب من واحد وعشرين يوما.

هناك مقترحات وأسباب كثيرة لسقوط الدولة العباسية وانقراضها إلا أن الناس عدوا تمزيق الكسوة بهذا الشكل مقدمة لزوال اللون الأسود شعار العباسيين وانقراض دولتهم ، وفعلا قد سقطت الدولة العباسية بعد ذلك بفترة يسيرة.

وبعد ذلك الحادث بثمانية أعوام ظهرت نار فى «عدن» من سلسلة جبال مكة ، وكانت هذه النار تسرى نحو البحر وتخرج ليلا دخانا أسود ، وقد خاف الناس من ظهور هذه النار وقلقوا واضطربوا وأخذوا يديمون الدخول إلى الحرم الشريف للتوبة وللاستغفار ، وتركوا الظلم والفسق والفساد وأخذوا يؤدون زكاتهم وصدقاتهم متجهين لعمل الخير. «حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة».

محاصيل القرى السبع الموقوفة للكسوة الشريفة

حينما أخذت شمس خلافة آل عباس تتوارى بين سحب الانقراض والزوال ، انتقل تجديد كسوة الكعبة إلى السلاطين المجاورة من ملوك اليمن وغيرهم. فكانت كسوة الكعبة الشريفة لملوك اليمن حينا ولغيرهم من السلاطين حينا آخر.

وفى خلال عام ٧٥٠ أوقف الملك الصالح إسماعيل ، ابن الناصر محمد

٢٢٤

المصرى ، ربع أراضي القليوبية الخاصة بقرى سندس ، وأبو الغيث ، ويبنون على صنع الكسوة الشريفة ، وعلى هذا أمر سلاطين مصر أهالى تلك القرى بصنع كسوة سوداء فى كل عام ، ويرسلونها إلى مكة المعظمة ، وعندما يتبدل السلاطين كانوا يضيفون إلى الستارة السوداء ستارة أخرى حمراء لتعلق على جدران الكعبة الداخلية.

وكان من العادة أن ينسج على الستارة الحمراء عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» الكلمة المنجية ، ولكن أحيانا كانت تكتب آيات قرآنية جليلة وأسماء أصحاب المعالى ، وفى عيد جلوس السلاطين المصريين ترسل إلى الروضة المطهرة للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعا من أقمشة خضراء ، وحينما خلص السلطان سليم بن بايزيد خان «عليهما الرحمة والغفران» مصر من أيدى ملوك الشراكسة وجبت خدمته للحرمين الشريفين.

فكسا الحجرة النبوية المعطرة بأشكال ذات ألوان ، وكسا الكعبة بكسوة سوداء على نحو ما كان عليه الحال فى السابق.

لأن السلطان سليم أزال الخلافة العباسية التي فى مصر ونصب الملوك العثمانيين خلفاء العالم الإسلامى واستولى على البلاد الحجازية المقدسة فجعل البلاد العثمانية قبلة المسلمين واستصوب أن يسير على آثار الملوك الشراكسة ورأى أن يصنع كسوة الكعبة أهالى القرى التى وقفها الملك الصالح لذلك ، ورجح السلطان سليمان ـ جعل الله مثواه الجنة ـ أن يظل صنع الكسوة الشريفة فى يد أهالى القرى التى سبق ذكرها ولكن القرى التى أمر الملك الصالح أهلها بصنع الكسوة أشرفت على الخراب وقلت مواردها فقرر أن تكمل نفقات الكسوة من خزينة الدولة المصرية ثم أمر أن توقف قرى أخرى حتى تصل الواردات إلى نصابها لصنع الكسوة وأملى أن ترسل الكسوة الشريفة مصنوعة من وقف الملك الصالح.

القرى التى ضمها السلطان سليمان إلى وقف الملك الصالح كانت سبع قرى

٢٢٥

ونحن استطعنا أن نحصل على صورة لحجة الوقفية التى أرسلت فى ذلك الوقت إلى والى مصر والتى تبين موارد تلك القرى فى ذلك العصر وقيمتها وكيفية إنفاقها وإدارتها بعد أن قيدت في سجلات مصلحة الأوقاف وقد رأينا إدراجها هنا تبركا بها.

صورة وقف الكسوة الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذى رفع القبة الخضراء ووضع بساط الخير وسمك فى سمائه الأفلاك ، ملك فى أرضه الأملاك ، ففتح مناهج الملك والدولة الغراء بيمن وقاية السلاطين وحسن رعاية الأمراء ، وجعل الكعبة البيت الحرام لشعائر الدين الزهراء (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٥٨) واستعد بحجة يوم الجمرات ثم الصلاة والسلام على سيد الأنبياء محمد أعلم الرسل الأعلام والأبناء وعلى آله الكرام الأتقياء وأصحابه العظام الأصفياء.

نمقه العبد المحتاج إلى عفو ربه محمد بن قطب الدين محمد القاضى بالعساكر المظفرة المنصورة فى ولاية الأناضول.

أما بعد فهذه وثيقة أنيقة بديعة المعانى والبيان ، بليغة المبانى والتبيان ، توارى عبارتها راحا رحيقا ، بل هى أصفى ، وتجارى استعاراتها مسكا سحيقا بل هى أزكى ، يشعر عما هو الحق القاطع ، ما حواه فحواها ، ويجير عما هو الصدق الساطع ، ما أداه مؤداها ، وهو أنه قد بان لكل ذى عقل سديد أن الدّنيا الدنية قنطرة العابرين ورباط المسافرين ، يحل هذا ويرحل ذاك ، ولا يدرى أحد إلا ويمتطى صهوتى أدهم الليل وأشهب النهار ، ويسير مع السائرين إلى منتهى الآجال والأعمار ، وهى موعظة ما قال سيد الكائنات عليه أفضل الصلوات «اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ، فلا ريب أن العاقل من اعتبر من الرواحل واتخذ فيها لرحيله ذخيرة وزاد ، وادخر لمقامه الباقى عدة وعتاد بالصدقات التى ينال بها النجاة ، ويتوسل بها إلى الجنات على ما نطق به القرآن وحديث رسول الرحمن ، حيث قال عز من قائل : (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف ٨٨) وقال عليه الصلوات التامات : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية» (حديث

٢٢٦

شريف) ألا وهى الوقف فلما تذكر فى جميع ذلك السلطان الأعظم ، والخاقان الأكمل الأكرم ، ظل الله فى أرضه وخليفة على خليفة فى رفعه وخفضه ؛ علوى العلا من آل عثمان عثمانى المحيا ، من سلاطين الزمان سلطان البحرين والبرين ، والعرض القائم بالسنة والفرض ، عاشر المجددين لدين الإسلام بأحسن المعاشر ، وعاشر السلاطين كالعقد العاشر السلطان ابن السلطان ابن السلطان سليمان شاه بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان لا زالت حديقة حقيقة العالمين منضرة بماء حياته ، ونماء ذاته وحدقة العالمين منورة بضياء صفاته ، وبضياء سناء حسناته ، وبلغ أرواح آبائه وأجداده الرحمة ، وسقاهم بالكوثر وأسبغ عليهم نعم غفرانه ، وأنذر منها ورأى فى نفسه النفيسة نعم الله تعالى جزيلة لا يسع شكرها على ذاته الكريمة منه منة جميلة ليس من طوقه ذكرها أراد استقرارها بالأوقات القارة واستمرارها بالإرادة الدارة متفكرا فى قول الملك الخلاق ، (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (النحل : ٩٦) ونظر فى قول (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (حديث شريف) دعا لما بان تعظيم الكعبة المستورة بالأستار العالية وتشريفها فى الحج يوجب الجنة ، ويصل الهدف الساتر من العذاب والجنة ، وسيما في قلبه من قول الرسول «من زارنى وجبت له شفاعتى» (حديث شريف) أن يستشفع منه بتكريم قبره بالأستار بل بتشريف مراقد الاتباع وستر مراصد الأشباع ، أيضا بالإزار تنزيلا أية منزلة الزيارة الدائمة ، والخدمة القائمة على مر الدهور فإن تلك المواضع وإن كانت جرت العادة بسترها لكنها كانت بالأموال المتطرقة المتفرقة ، فأحب أن يكون ما يصرف إلى هذه الآثار الشرييفة ، من الأموال المتميزة المنيفة ، فعين لهذه أجمل أملاكه وأسبابه ، وأجمل أكسابه ، فلذلك قد قال لدى المولى الفاضل ، النحرير الكامل ، مصباح رموز الدقائق ، مفتاح كنوز الحقائق ، كشاف المشكلات ، حلال المعضلات ، الموقع أعلى هذا الكتاب ، يسر الله له حسن المآب بقوله الشريف ولطفه اللطيف ، العارى عن الاعتساف ، الحاوى على الإقرار والإعتراف ، الذى يجوزه الشرع لاحتوائه على ما يغير الأصل والفرع ، وحكى بأنه قد أوقف سبلها ، وحبس أملاكها ، وكملها

٢٢٧

على النمط الأكفأ الأشمل ، وعلى الطريق الأكمل ، لتكون لهذه المصلحة أوقافا قارة ، وإدارات دارة ، فى الدنيا العاجلة ، ومفيدة له فى يوم الجزاء والآجلة ، وتكون عدة معدة لغده عن أمسه ، ومزية منورة لا تفارقه فى رمسه وتصيرها جسره من العذاب ، وحجة ويكون جزاءها مثل جزاء الحج المبرور ، وتكون باعثة للرفاعة ، وموجبة للشفاعة ، منها جميع القرى المسماة ببسوس وأبو الغيث وحوص بقمص الواقعة بالولاية المصرية التى كان يحصل منها فى السنة الواحدة مبلغ (٨٩٠٠٠) درهم ومنها جميع القرى الجديدة الواقعة فى الولاية الشرقية بالديار المصرية أولها قرية (سلكة) حصل منها فى تلك السنة مبلغ (٣٠٤٩٦) درهما ، وثانيها : قرية (سيرو نجنجة) حاصل ما فيها مبلغ (٧١٨٢٠) درهما ، وثالثها قرية قريس الحجر حاصل ما فيها مبلغ (٥١٣٠٤) درهما ، ورابعها قرية المنايل وكوم ريحان حاصل ما فيها مبلغ (٣٧٨٤٠) ، وخامسها قرية (بيجام) حاصل ما فيها (١٤١٣٤) درهما ، وسادسها قرية (منية النصارى) وحاصل ما فيها (٦٠٨٥٨) درهما ، وسابعها قرية (بطاليه) وحاصل ما فيها (١٠٤٨٤) درهما ، وجميع النقود المذكورة فى تلك السنة المسفورة مبلغ (٣٦٥١٥٢) درهما فضيا محاذيا بنصف القطعة رائجا فى الوقت أيد الله تعالى دولته من سكها باسمه السامى ، ورفه رعاياه بعدله المتوفر النامى ، وقف جميع القرى المزبورة المستغنية عن التحديد والتعريف والتبيين والتوصيف لشهرتها فى مكانها عند أهاليها وجيرانها ، ولكونها مشروحة ومعلومة في الدفاتر السلطانية والمناشير الخاقانية بجملة مالها ، الحدود والحقوق وما ينسب إليها بالأصالة والحقوق والمراسم والمرافق والمداخل والطرائق ، خلا ما يستثنى منها شرعا من المساجد والمعابد والمراقد والمقابر والأملاك والأوقاف ، وسائر ما يعرف مبينا بينه بالأسامى والأوصاف ، وسلم جميعها إلى من ولاه عليها بموجب الشرع المنصوص للخدمة بالأمانة والاستقامة فى هذا الخصوص ، وتسلمها هو منه للتصرف بالوجه السداد ، على ما هو المراد ، تسليما وتسلّما صحيحين شرعيين.

ثم عين السلطان الفائق على حذافير السلاطين فى الآفاق ، بالاستهلاك والاستحقاق والسابق فى مضامير التدابير بمكارم الأخلاق ، ومراسم الإشفاق

٢٢٨

لا زالت شموس سعادته أبدية الإشراق ، وما برحت نجوم سلطنته محمية عن الانمحاق ، مما يحصل من تلك القرى الموقوفة المذكورة لى حسب التخمين التى مدرها حصل السنة المشروحة المزبورة فالتعيين على هذه النسبة فى جميع الأعوام ، وقلت المحصولات وحلت بتفاوت الشهور والأيام مبلغ مائتى ألف درهم وستة وسبعين ألف ومائتى وستة عشر درهما لأستار ظاهر الكعبة الشريفة شرفها الله تعالى فى مرة على ما جرت به العادة القديمة فى السنين الماضية القديمة طبقا على هذا التخمين بعد الصرف المذكور فى السنة مبلغ ثمانية وثمانين ألف درهم وتسعمائة درهم وثلاثين درهما ، وشرط أن يحفظ ذلك الباقى بحفظ المتولى تمام خمسة عشر عاما ، فيكون عدد الجمع فى هذا العام على التخمين التام مبلغ ثلاثة عشر مرة مائة ألف وأربعين درهم ، فعين من هذا الباقى فى المحفوظ المجموع المسطور لأستار المواضيع التى تجدد فى كل خمسة عشر عاما مرة.

وبعد تجديدها المزبور لا تجدد كل سنة بل تروح إلى انقضاء خمسة عشر عاما آخر ثم تجدد مرة أخرى كذلك ثم فثم إلى أن ينقضى الدهر ويتم لكل مرة من تلك المرات وفى كل كرة من هذه الكرات بالتخمين المزبور ، والتعيين المذكور مبلغ ألف درهم واحد وخمسين ألف درهم وثلاثمائة درهم وسبعين درهما فضيا رائجا ، وتلك المواضع التى يصرف إليها هذا المقدار فى خمسة عشر عاما مرة داخل الكعبة الشريفة ، وو الروضة المطهرة المنيفة أعنى بها التربة المنورة لسيد الكونين ورسول الثقلين نبينا محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام) إلي يوم القيامة بالمدينة المنورة ، والمقصورة المعمورة فى الحرم الشريف ، والمنبر المنيف ومحرابه محراب التهجد ، والأستار الأربعة لنفس الحرم الشريف ، ومحراب ابن العباس وقبر عقيل بن أبى طالب ، وحضرة الحسن ، وحضر عثمان بن عفان ، وفاطمة بنت أسد (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) ، وما زاد بعد هذا وهو مبلغ خمسمائة ألف درهم واثنين وثمانين ألف درهم وستمائة وسبعين درهما لاحتمال أن يقع بعض السنين النقصان ، بسبب الشراقى وطوارق الحدثان ، لأن هذا بالتخمين وإن لزم فى بعض السنين ، جبر النقصان فليجبر من هذا الفضل ذاك

٢٢٩

الزمان ، وإن وجد فى انقضاء المدة وبعد الصرف شىء مما يزيد ويفضل سواء كان هذا المقدار أو أكثر منه أو أقل فليشتر بالموجود المذكور الملك المناسب للوقف من العقار الواقع فى موضع الرغبة والاشتهار ليكثر محصول الوقف وتوفير مواضع الصرف بإلحاق هذا المشترى والمتاع بسائر الأوقاف واستغلاله معها بل وصرف غلاته إلى المصاريف المبينة بالأوصاف ، وتنمية الوقف وتقويته بهذا التكثير ، وتمشيته وتوسعته بذلك التوفير ، وهذا بعد رعاية شرط أنه إن وقعت المضايقة فى هذا الوقف أو فى الوقف الآخر الذى وقفه السلطان أيضا على مصالح الفقراء الذاهبين إلى الحجاز وعلى جمالهم وعلى سائر مهماتهم وكتب له وقفية مستقلة مشتملة على هذه الشروط والقيود تكون مرعية بالخلود والأبود ، يلزم أن يعين كل واحد الآخر من الجانبين بزوائده ، وبفاضل عوائده ، بإتمام ما به ويلزم له وبتكميله لدفع مضايقته ، وضرورته وإسعاده واجتهاده إقرارا واعترافا صحيحين شرعيين مصدقين محققين مرعيين وقفا صحيحا شرعيا وحبسا صريحا مرعيا حاويا على الحكم بصحته أصلا وفرعا ، على وجه يعتد به دينا وشرعا ، وغب رعايته شرائط الحكم والتبجيل وفى حصول الوقف والتسبيل ، لدى المولى الفاضل النحرير الكامل الموقع أعلاه الصك الدينى ، والحفظ اليقينى ، وفتح الله أبواب الحقوق بمفاتيح أقلامه ، وأحكم الأمور بثبوت أحكامه ، فصار وقفا لازما مسلسلا متفق عليه على مقتضى الشرع ومرتضى أحكامه بحيث لا يرتاب صحته وابترامه لوقوع حكم المولى المومى إليه على رأى من رآه من الأئمة الماضين المجتهدين (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) عالما بالاختلاف الجارى فى مسألة الوقف فعلم خلوده بخلود السموات وأبوده بأبود الكائنات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فلا يحل بعد ذلك لأحد يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن ينقصه أو يعطله أو يحوله أو يبدله فلا يملك بعد ذلك المؤمن أو الخائف من الله المهيمن بعد ينقصه أو يعطله أو يحوله ما سمع قول الرب (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود : ١٨) وأجر الواقف بعد ذلك على أرحم الراحمين.

جرى ذلك ، وحرر بالأمر العالى الخاقانى لا زال عاليا في صفر المظفر المنخرط

٢٣٠

فى سلك شهور سنة سبع وأربعين وتسعمائة من هجرة من لا نبى بعده وصلى الله عليه وآله وصحبه والذين وفوا عهده.

الذيل

مما يدرك من تلك الحجة الوقفية المذكورة أعلاه أن واردات تلك القرى الثلاث التى وقفها الملك الصالح قد بلغ ربعها فى عهد السلطان سليمان (٨٩٠٠٠) وربع ما وقفه العاهل المشار إليه من أربع قرى معمورة كان كالآتى : فقرية «سلكه» ريعها (٣٠٤٩٦) أقجه ، وقرية (وسير ونجنجة) ريعها (٧١٠٢٨) أقجة ، أما قرية قريس الحجر فريعها (٥١٣٠٤) وكوم ريحان (٣٧٤٨) وبيجام (١٤٩٣٤) وقرية منية النصارى (٦٠٨٥٨) والبطالية (١٠٤٨٤) أقجة ومجموع ريع هذه القرى جميعها فى العام (١٥٢ ، ٣٦٥) أقجة.

وصدر أمر السلطان سليمان بأن يخصص مبلغ (٢٧٦٢١٦) أقجة لتجديد كسوة بيت الله الخارجية سنويا ، وأمر بترك المبلغ الباقى وقيمته (٨٨٩٣٦) أقجة فى خزانة إدارة الأوقاف لتنميته عن طريق المرابحة فى خلال السنة المحددة إلى (١٣٣٤٠٤٠) أقجة وإذا ضم إليها مبلغ (٦٦٤٠٠٠) أقجة نقود التنمية تقريبا يلزم أن يتجمع فى خزينة الكسوة الشريفة في نهاية خمسة عشر عاما مبلغ (٤٠ ، ٠٠٠ ، ٢) أقجة ويخصم منه مبلغ (٢٧٦٢١٦) لتجديد المواضع التى جرت العادة تجديدها مرة كل خمسة عشر عاما مرة ويخصم من مبلغ (١٢٤٨٦٧) أقجة لتجديد القصور ، (٥٧٢٦٤٠) لتجديد ستائر الأضرحة الأخرى لاحتمال تناقص الواردات ، واشترط أن تعمر القرى الموقوفة (٦٦٦٠٠٠) أقجة وأن تعان الأماكن الأخرى المنسوبة للسلطان المشار إليه ، وإن أحكام هذا الوقف المكتوبة مازالت مرعية الجانب إلى يومنا هذا.

الأماكن التى تجدد كل خمسة عشر عاما

داخل كعبة الله الروضة المطهرة ، مقصورة الحرم النبوى ، المنبر النبوى ، محراب التهجد ، أبواب الروضة المطهرة ، محراب ابن عباس ، ضريح عقيل بن أبي طالب ، ضريح الحسن بن على ، ضريح عثمان بن عفان ، ضريح فاطمة بنت أسد والأضرحة الأخرى المنيفة.

٢٣١

ومنذ أن تلقب السلاطين العثمانيون بلقب خادم الحرمين الشريفين إلى عهد السلطان أحمد خان ـ عليه الرحمة والغفران ـ كان كل واحد منهم ـ مادام معتليا عرش الخلافة ـ يرسل الستائر الداخلية للكعبة المعظمة والحجرة النبوية المعطرة ، بعد أن تصنع فى القرى التى سبق ذكرها ، لأن هذا أصبح قانونا منذ أقدم العصور ، إلا أنه كان يتساهل فى دقة صنعها ؛ لذلك أمر السلطان أحمد خان بصنع تلك الأقمشة في مصانع دار السلطنة حتى تراعى الدقة فى صنعها ؛ وفعلا نسجت أستار الكعبة المعظمة الداخلية فى غاية الإبداع ، وأرسلت في أواخر شهر جمادى الأولى سنة ١٠١٨ ه‍ وأرسلت إلى البلاد الحجازية عن طريق مصر ، كانت تلك الستارة الشريفة التى أمر بصنعها السلطان المشار إليه تزن (٤٨٠٠) درهم وقد نسجت من حرير حلبى لا نظير له في بداعة الصنع ، وكان طول الحرير المستخدم (١٠٦٠) ذراعا وكانت جميلة إلى درجة أنه قيل إن باب السعادة لم ير مثيلا لها من قبل.

وقد شرع فى السنة المذكورة فى صنع شرائط ضريح السيدة فاطمة (رضى الله عنها) وكسوته وكسا الأساطين (١) الداخلية للكعبة المعظمة وتم وضعها كلها فى خلال عام (١٠١٩) وجعلت كل كسوة داخل صندوق خاص بها.

وفى الخامس عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة أرسلت إلى الكعبة بواسطة مندوب خاص.

إن نطاق الكعبة المعظمة من أربع قطع طول القطعة منه واحد وخمسون ذراعا ، وعرضها ذراعا وأربعة أخماس ذراع ، وكسوة الروضة المطهرة التى تتألف من إحدى وخمسين قطعة طولها جميعا (٧٤٥) ذراعا ، وعرضها ستة أذرع وربع ذراع أما كسوة ضريح السيدة فاطمة فتتألف من عشر قطع وطول قماشها (١٠٠) ذراع وشريط هذا الضريح عشرة أذرع وربع ذراع ، وعرضه ثلاثة أذرع وربع ذراع

__________________

(١) هما الأسطوانتان الحنان والمنان.

٢٣٢

وعقدة ، فيكون العدد (١٧٦٩٢) وقد أنفق (٥٤٩) مثقالا خالصا من الصرة المزركشة الذهبية لزركشة الكسوة الغالية التى تتكون من ثلاث قطع قماش مذهب لكساء الاسطوانات التى فى داخل البيت المعظم والتى يبلغ طول كل واحد منها خمسة عشر ذراعا.

وعدد أساطين الكعبة المعظمة ثلاثة ، وقد كتب فوق كسوة كل واحدة منها نسجا «الحنان والمنان» الأسماء الجليلة ، ولذا عرفت هذه الأساطين بين الناس بأعمدة الحنان والمنان.

وترسل الكسا الخاصة بداخل البيت المعظم والحجرة النبوية المعطرة وضريح فخر النساء السيدة فاطمة (رضى الله عنها) من باب السعادة وترسل الكسوة الخارجية السوداء للكعبة الشريفة ـ كما كان فى الماضى ـ من الخديوية المصرية لحساب خزينة الأوقاف الهمايونية السلطانية محمولة على جمال المحفة التى تسير في مقدمة قوافل الحجاج الشامية والتى تحمل أشياء نفيسة أخرى مع الكسا ، والتى يطلق عليها خطأ المحمل بين عوام الناس ، ويصنع كيس مفتاح باب الكعبة والكساء الخاصة بمقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ والستارة الخاصة به فى نفس المكان الذى تصنع فيه كسوة بيت الله الأكرم ، ويلقى صنع هذه الأشياء المباركة عناية بالغة ، وبعد إتمام صنعها ترسل إلى القاهرة حيث تحفظ فى مكان هيئ لها من قبل من ديوان محافظة القاهرة ، وعند حلول الوقت المعين ترسل مع المحمل الشريف إلى مكة المكرمة.

نطاق كعبة الله حزام فى وسط الستارة الشريفة عرضه ذراع وأربعة أخماس ذراع ، ويتكون هذا الحزام كما سبق ذكره من أربع قطع ، قطعة لكل وجه من وجوه كعبة الله ، وفى وسط كل قطعة دائريا كتب فى داخلها «يا حنان يا منان يا سبحان يا ديان» بعضها تحت بعض ، وإن كانت خلفية الحرم سوداء اللون على لون الكسوة الشريفة ؛ إلا أن الكلمات قد سطرت بخيوط ذهبية مسماة بصرمة وقد كتبت على الوجه المقابل لمقام الشافعى (١) الآية الآتية :

__________________

(١) هنا مكان الدائرة.

٢٣٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج : ٢٦ ـ ٢٨)

وعلى القطعة التى تقابل المقام الحنبلى (١) :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة : ١٢٥ ـ ١٢٧)

وعلى الوجه المقابل للمقام المالكى (٢) كتب :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ

__________________

(١) هنا أيضا مكان الدائرة.

(٢) هنا مكان الدائرة التى تحاذى الوجه الثالث.

٢٣٤

إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (آل عمران : ٩٥ ـ ٩٦)

وكتبت على القطعة التى تواجه المقام الحنفى السلطان الأعظم والخاقان المعظم مالك العرب والعجم السلطان الغازى عبد الحميد خان بن الغازى السلطان عبد المجيد خان بن الغازى محمود خان بن عبد الحميد خان بن أحمد خان بن الغازى محمد خان بن إبراهيم خان بن مراد خان بن عثمان (١). وقد كبت على أماكن أخرى غير الحزام المذكور بالحرير الأسود الجملة المنجية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

__________________

(١) هنا محل الدائرة التى تحاذى الميزاب الذهبى وقد كتبت فى داخل هذه الدائرة يا حنان يا منان يا ديان يا سبحان بل كتبت الآية الجليلة : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (الإسراء : ٨٤).

٢٣٥

موكب الكسوة الشريفة فى مصر

إن موكب كسوة الكعبة الشريفة والنفائس الأخرى إلى مكة المعظمة يحتفل به فى مصر بشكل ملفت للنظر ويستحق رؤيته.

عندما يتم صنع الكسوة المباركة التى تتكون من ثمانى قطع ، وأحزمتها المزركشة ، وستارتى باب بيت الله المذهبتين ، وكسوة مقام إبراهيم (على نبينا وعليه التكريم) ، وستارة باب المقام المذكور ، وكيس مفتاح بيت الله يهيأ مكان فى ديوان المحافظة المصرية لحفظ الأشياء المذكورة ، وفى اليوم المقرر لنقلها يستدعى مشايخ الطرق الصوفية ، وعلماء مصر المفخمين ، ويرسل عدد كاف من العساكر والشرطة إلى مكان صنع تلك الأشياء المباركة ، ويأخذ الموظفون المكلفون والجند والحراس الأشياء المذكورة من مواقع نسجها بكل توقير وتعظيم ، ويوصلونها إلى موضعها بين ذكر وتهليل وتوقير المارين العابرين إلى المكان الذى هىء من قبل من ديوان المحافظة ، وعند اقتراب الموكب من ديوان المحافظة يستقبله الباشا المحافظ متبركا بالمقدسات المحمولة ، ويضعونها فى مكانها المهيأ من قبل ، وبعد ذلك يشترك الحاضرون من المشايخ والمشتركون فى الموكب فى الدعاء للخليفة بطول عمر دولته ، غير ناسين الخديوى فى الدعاء ، وتحيى ليلة اليوم الذى تنقل فيه الكسوة الشريفة إلى دائرة ديوان المحافظة.

ويدعا فى يوم الاحتفال العلماء الأعلام والمشايخ العظام ، والذوات الفضلاء ، والموظفون المدنيون ووجهاء البلاد وأعيانها إلى دائرة ديوان المحافظة الفاخرة ، وبعد تقديم الطعام يبدأ مشاهير القراء المدعوون فى تلاوة القرآن ، وفى غد ذلك اليوم ترفع تلك الأشياء وهى كسوة الكعبة المعظمة وكيس مفتاح باب الكعبة والأشياء الأخرى من مكانها فى دائرة ديوان المحافظة فى موكب عظيم ، وتوضع فى مقر الجمعية الكائنة فى ميدان محمد على ، وتترك الكسوة الشريفة وستارة

٢٣٦

المحمل النفيسة مكشوفتين ليجلو الناس عيونهم بمشاهدتها ، ويبتهجون برؤيتها ، وبعد إجراء العادة المرعية قديما من التسليم والتسلم ، تطلق المدافع ثم تحمل إلى المسجد المسمى بمسجد الحسين فى موكب منظم غاية التنظيم. إن الجامع المذكور كائن فى الجهة الجنوبية من خان الخليلى المشهور.

وتجرى الاحتفالات على صورة كاملة جميلة بانتظام تام ، ويتقدم الموكب العظيم الجنود النظاميون وتمر بعدهم الكسوة الشريفة للبيت المعظم بأجزائها الثمانية وثمانى قطع من الأحزمة المزركشة ، وقطعتين من الستائر المذهبتين ، وكساء مقام إبراهيم (على نبينا وعليه التسليم) ، وستارة بابه وكل واحدة منها فوق ألواح خشبية ، وهذه الألواح محمولة فوق الأعناق حرمة وتوقيرا لها ، وتمضى مجموعة بعد مجموعة ، وعقب ذلك يمضى صناع الكسوة الشريفة وموظفو تلك الهيئة حاملين كيس مفتاح باب الكعبة المعظمة المنسوج ، ويمضى وكيل ديوان المحافظة والضباط الآخرون راكبين خيولهم وممتطين جيادهم ، ويمر بعدهم مشايخ الطرق بأعلامهم متعددة الألوان مهللين مكبرين منشدين الأناشيد الدينية والأشعار. وإن كان منذ وقت طويل يجرى الاحتفال بهذا الموكب يعنى منذ أن اعتادت الدولة العلية تجديد كسوة الكعبة الشريفة كانت تنسج فى القاهرة مصر ، وترسل مع قافلة حجاج مصر ، وعندما استولى الفرنسيون على مصرفى سنة (١٢١٣) قد صنعت تلك الكسوة حول شادروان مسجد السلطان أحمد ، ونقلت فى الحادى عشر من شهر رجب سنة (١٢١٣) فى موكب خاص عظيم إلى القصر السلطانى ، ثم نقلت مع الصرة السلطانية إلى اسكودار غد ذلك اليوم ، وهكذا أجرى الاحتفال بموكب المحمل فى تلك السنة فى باب السعادة ، ولكنه الآن يجرى فى مصر القاهرة على ما كان عليه فى السابق.

صورة دخول المحمل الشريف إلى مكة المكرمة

يقوم المحمل الشريف المصرى (١) من القاهرة مصر برا ، ويمضى إلى مكة المعظمة دون أن يمر بالمدينة المنورة ، وعندما يصل الشخص الذى أنيط به سوق

__________________

(١) لما كان المحمل الشامى فى معية أمين الصرة الذى كان فى صحبة حماية أمين مؤونة الحج الشريف لذلك يصاحبه جنود نظامية سلطانية فى ذهابه وإيابه.

٢٣٧

المحمل وتوصيله إلى وادى فاطمة يخبر أهالى مكة باليوم والساعة التى سيدخل فيها إلى مكة المكرمة.

ويخرج أمير مكة ومعه الجنود النظاميون وجنود الشرطة يوم وصول المحمل لاستقباله ، كما يصاحبه أغلب الموظفين يستقبلونه عند مسجد عائشة ، ويأتون به إلى ميدان ذى طوى (١) ، وينصب مندوب المحمل خيمة فى ساحة ذى طوى الواسعة بعد أن يصل إليها من مسجد عائشة وهو يطلق البنادق والمدافع فى سيره ، ويظل منتظرا حتى وصول المحمل الشامى.

وبما أن المحمل الشامى قد أخبر ساعة وصوله إلى أهل مكة مثل المحمل المصرى (٢) يخرج الأهالى الكرام لاستقبال المحمل الشامى مثل المحمل المصرى عند مسجد عائشة. ويستقبلونهما من مسجد عائشة ويوصلونهما إلى مكان خاص أمام قبور الشهداء (٣) ويشترك فى إقامة مراسم الحفاوة والترحيب الباشا الوالى والأشراف والأعيان.

وبعد أن يضرب هذين المحملين خيامهما فى الأماكن الخاصة التى ذكرت ، وبعد الانتهاء من مراسم الاحتفال والترحيب يتجهان إلى صحراء منى الساكنة فى موكب عظيم فخم من خارج حرم المسجد الحرام بالذكر والتهليل أمامه الجنود السلطانية وخلفه الداعون للسلطان فى سكون ووقار ، ومن هناك يمضى الموكب إلى عرفات وبعد وقفة عرفات يرجع إلى المزدلفة (٤) ، ومن هناك إلى منى حيث يقف ثلاثة أيام بلياليها ، وتجرى الاحتفالات السارة ، وإلى أن يصل الموكب من عرفات إلى المزدلفة توقد المشاعل المتعددة ، وتطلق المدافع والبنادق طلقات لا حصر لها بينما يستمر الدعاء الواجب أداؤه للسلطان بدوام الرفعة والشوكة والعز.

__________________

(١) طوى : الآبار المباركة وبما أنها فى مكان مكشوف يطلق عليها ميدان ذى طوى.

(٢) يحمل المحمل المصرى علم عمر الفاروق رضى الله عنه أيضا.

(٣) قبور الشهداء اسم المقبرة التى دفن فيها عبد الله بن عمر رضى الله عنه.

(٤) من العادات المرعية أن تطلق البنادق والمدافع كل ثلاث دقائق أمام والى مكة والحجاز وأمير مكة وشريفها وأمين الصرة.

٢٣٨

التوضيح :

ويمضى إلى مكة المعظمة محملان يسمى أهل مكة أحدهما (المحمل المصرى) ، والآخر (المحمل الشامى) ، وعلى ما سبق ذكره يصل المحمل المصري إلى مكة قبل المحمل الشامى ، وينصب خيامه في مكان يسمّى ذى طوى الذى يقع أمام موقع يسمى الشيخ محمود ، ويطلقون عددا كثيرا من المدافع إعلانا بقدوم الموكب ، ثم يصل المحمل الشامى فتنصب خيامه أمام قبور الشهداء ـ حيث يوجد مدفن عبد الله بن عمر ـ والذى يسمى زاهر ، وهذا المحمل يعلن وصوله بإطلاق عدة طلقات من المدافع ، ويتحرك المحمل المصرى من مكة فى صبيحة اليوم الثامن من شهر ذى الحجة ويصل إلى عرفات بعد الزوال ، وكذلك يغادر المحمل الشامى مكة ظهر اليوم المذكور ، ويواصل السير إلى ساحة جبل الرحمة حتى وقت العصر من يوم الوقفة ، وفى جبل عرفات يتحركان معا متجهين نحو المزدلفة محتفلين بإطلاق المدافع والبنادق ، وعندما يصل المحمل المصرى إلى مكة يدخل الحرم الشريف ، وفى اليوم السابع والعشرين من ذى الحجة يزين الجمل الذى يحمله ، ويؤتى به أمام مبنى الحكومة ويسلم إلى الباشا الوالى وهو فى الحلة الرسمية فيمسك بزمام الجمل وهو من المخمل والصرمة ، ويرفع صوته بالتكبير ، وبعد أن يتجول به يسلمه إلى يد أمير الحج المصرى ويشيعه (١) بضع خطوات وبعد ذلك يقوم المحمل المصرى ويتجه نحو المدينة ويعود من هناك إلى القاهرة.

وفى العباسية يستقبله الأعيان وعلية القوم ، ويجتمع كبار الموظفين والعلماء وينطلقون مع المحمل إلى ميدان محمد على حيث تطلق المدافع إعلانا للشكر.

وبعد أن يغادر المحمل المصرى مكة يغادر فى اليوم الثامن من شهر ذى الحجة مكة المحمل الشامى ويجرى له نفس الاحتفالات التى أجريت للمحمل المصرى ويمضى نحو المدينة. وسواء أكانت الاحتفالات التى تقام للمحمل المصرى أو الشامى يصطف الجنود السلطانية ، ويقفون في موقف الانتباه والسلام فى أثناء

__________________

(١) وفى خلال ذلك تصدح الموسيقى وتقرع الطبول الخاصة بالمحمل الشريف.

٢٣٩

الاحتفال ، وعند إدخال المحمل فى الحرم الشريف كان الطواف بالكعبة من العادات القديمة واستمرت تلك العادة إلى سنة (١٢٩٢) وهى خاصة بالمحمل المصرى ، وإلى تلك السنة لم يكن المحمل الشامى يدخل في الحرم الشريف ولم يكن يطوف بالبيت الحرام.

وفى سنة (١٢٩٢) أدخل المحمل الشامى إلى الحرم الشريف بهمة وسعى والى الحجاز «تقى الدين باشا» وبعد الطواف بالكعبة شيعه الوالى المذكور وأصبح هذا من الأمور التى يرعى جانبها. وأصبح من العادات التى ترعى لدى سكان الحجاز أن يسبق المحمل المصرى الذى يحمل كسوة البيت الشريف وسائر الأماكن الأخرى المباركة المحمل الشامى ، سواء أكان فى الدخول إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو عرفات.

ورسخت هذه العادة فى قلوب أهالى الحجاز ؛ لذا كانوا يتمنون دائما أن يسبق المحمل المصرى الشامى ؛ وإذا ما حدث أن دخل المحمل الشامى قبل المحمل المصرى ؛ يطلق الناس على هذه السنة عام القحط.

لائحة

هذه اللائحة خاصة بشرح معنى المحمل الشريف ، ووقت إيجاده. إن ما يتردد على ألسنة الناس من كلمة محفل تحريف لكلمة محمل ، كما يطلق على القاعدة التى تصنع على شكل محفة خاصة لجلوس شخصين فوق الجمل اسم المحمل ، بعد ما يركب هذا الشئ المكون من قطعتين على الجمل قد يركب على جهة منهما شخص واحد.

وكان يطلق اسم المحمل الشريف على الهودج الذى يحمل خرقته الشريفة صلى الله عليه وسلم وسواكه اللطيف وإبريق وضوئه ونعليه المباركين والأشياء المباركة الخاصة به فى أسفاره.

وكانت أمهات المؤمنين اللائى يرافقن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى سفره يركبن فى ذلك الهودج.

٢٤٠