موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

وفيما بعد أعد جملا تبركا للمحمل ليحمل ستارة الكعبة الشريفة وبعض الهدايا. واستصوب أن يرسل أمام قوافل الحجاج الكرام. والآن يبعث بمحملين أحدهما من مصر ، والآخر من باب السعادة ، وينسب المحمل الذى يخرج من مصر لاسم «فاطمة» ، والذى يخرج من باب السعادة لاسم عائشة الصديقة رضى الله عنهما.

ورتب فى سنة (٩٦٧) إرسال محمل من اليمن وابتداء إرساله فى عهد ولاية المرحوم مصطفى باشا. وكان لهذا المحمل أمير الحج وقائد وشيخ من قبيلة بنى مرزوق ، وكان حجاج اليمن من قبل ذلك يذهبون ويرجعون بقوافل سريعة ، وكان اسم المحمل الذى أخرج من اليمن «حيسى» وسمى كذلك لأنه كان يخرج من مدينة «حيس» الشهيرة كانت حيس مدينة معمورة واقعة على بعد مرحلة من جنوب مدينة زبيد ، وقد اخترعت تلك المحامل من قبل (أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل المحاملى من المحدثين الكرام وولداه «محمد ويحيى» وأخوه «أبو القاسم» ، وفى عهد الحجاج الظالم وكان أعلاه مخروطى الشكل وتحسن شكله بمرور الأيام ، وزين فى عهد فاتح مصر والشام السلطان سليم بكسا مذهبة وستائر لطيفة.

وجهز السلطان سليم في سنة (٩٢٣) وفى الثامن من شهر شوال فى مدينة دمشق الشام محملا لا مثيل له فى العظمة والأبهة ، وسلمه لقافلة الحجاج التى ذهبت فى ذلك العام ، وأرسله إلى مكة المكرمة ، والقلم يعجز عن وصف ما كان عليه ذلك المحمل من نظام وأبهة وعظمة.

إن أول محمل أرسل إلى الحجاز فى الدولة العثمانية العلية لهو ذلك المحمل المذكور الذى جهزه السلطان المشار إليه ، ومازال إلى الآن يرسل على نفس الهيئة والشكل.

والمحمل الذى أمر السلطان سليم بصنعه كان محفة ذات أربعة أركان عليها قبة وأركانها الأربعة مزينة وقبتها كرة من الفضة ، وعلى الكرة التى فوق القبة علم ذهبى ، وقد كتب على قماش ستارة القبة منسوجا العبارة المنجية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، وفى زماننا عندما ترسل هذه المحفة إلى الحجاز تبعث معها

٢٤١

الصرة السلطانية جريا على العادة المعهودة المرعية ، وفى ذلك اليوم تخرج المحفة فى احتفالات عظيمة من قصر السلطان الساحلى ، وتحمل على سفينة خاصة إلى شاطئ اسكدار فى نفس اليوم لوداع العطايا السنية لبعض الذوات الذين جرت العادة على نفحهم العطايا السلطانية.

وصول الصرة إلى أرض الشام وخروجها منها

يستريح أمين الصرة فترة قصيرة بعد ما يضع الصرة السلطانية التى وضعت فى عهدته فى المكان الخاص الذى عين له في دمشق ، ثم يسرع بالخروج إلى الطريق مستصحبا موكب الحج ، ويبتدر بالتوجه إلى الجهة المقصودة.

وبما أن تشييع موكب الحج من العادات المستحسنة للبلد ، ففى اليوم الذى يخرج فيه المحمل الشريف من الشام تذهب هيئة مكونة من مؤذنى الجامع الأموى ، وموظفى الدولة وخدمها والجنود النظاميين ورجال الشرطة السلطانية ـ بناء على عادة قديمة متبعة ـ إلى المكان المبارك الذى تحفظ فيه الراية المحمدية المقدسة ، والذى يقع فى داخل قلعة الشام ، ويمرون بها من أمام الدائرة الحكومية ، ويوصلونها إلى المكان الذى أعد لها من قبل فى دائرة المشيرية العالية ، وفى غير ذلك اليوم يسير جميع الموظفين المدنيين والأمراء والضباط والعلماء ذوى المكانة والوجهاء مرتدين ملابسهم الرسمية ذاكرين الله قارئين الأدعية المنجية مكبرين مهللين أمام موكب المحمل ، بينما تعزف فرقة الموسيقى السلطانية الألحان الموسيقية المناسبة ، ويوصلون المحمل إلى الخيمة التى أقيمت بالقرب من قرية قدم شريف ، وهى على بعد ساعة من دمشق حيث يستقبلهم الوالى والأعيان وكبار موظفى الدولة الذين كانوا فى انتظار المحمل الشريف ، وهناك تجرى مراسم للتسليم والتسلم ، ثم يبعث بالمحمل إلى أراضى الحجاز المقدسة. وكانت من العادات المتبعة عندما تخرج الصرة السلطانية من باب السعادة أن يوزع السلطان (١٤٤٤٦) قرشا ونصف قرش ، وكان ذلك المبلغ يوزع على النحو التالى : (١٥٢٥) قرشا لموظفى أمانة الصرة ، (٦٠٠) قرشا لبعض الجمالين ، (٧٢٠٠) قرشا للعاملين فى إدارة السندات النقدية ، (٥١٢١) قرشا للذين اجتمعوا في داخل القصر السلطانى وقت خروج المحمل.

٢٤٢

إن مبلغ (٧٢٠٠) قرش الخاصة بإدارة المصارف والسندات المالية يعطى (٥٠٠) من (١٠٠٠) لموظفى قيد الحجاز من قبل أمانة الصرة ويعطى (٣٧٠) قرشا من (١٢٠٠) قرش الخاص بموظفى إدارة المصارف والأقلام الأخرى إلى كتبة إدارة السندات وحراسها ، كما يعطى (٨٠) قرشا لرفيقة قيد الحجاز ، و (٧٥٠) قرشا عطايا قديمة لموظفى الصرافة للخزينة ورفقائهم. إن مبلغ (٥١٢٠) قرشا السلطانى ونصف قرش السابق الذكر اعتبر صرفه فى داخل القصر السلطانى خاص بمؤذنى العصر والحراس وخدم القصر.

ويتصدق بمبلغ (٤٩٠٠) قرش عند إخراج الصرة السلطانية إلى الأراضى الحجازية على الفقراء الذين يجتمعون أمام الباب الأوسط للقصر السلطانى على غير تعيين ويصل مجموع المبالغ التى توزع عقب إخراج الصرة السلطانية إلى (١٩٣٤٦) قرشا إلا أن النقود التى اعتيد صرفها لمشايخ التكايا والأئمة والخطباء خارج هذا الحساب.

ويمكن أن تصل المبالغ التى اعتيد صرفها من قبل أمانة الصرة منذ خروج الصرة السلطانية من القصر السلطانى إلى اسكدار ومنها إلى أراضى الشام إلى (١٧٨٦٠) قرش ، إن المبلغ المذكور (١٧٠٠٠) وكسور قرش خاص من قديم بالذين ينزهون جمال المحمل أمام السلطان وبرؤساء المصفقين وخدم الطريق وخدم الإسطبل السلطانى الخاص وللرقباء المصفقين وبأنفار الطريق وبوابى الحرم السلطانى وبالذين يحضرون الدواب ، وبالأنفار الذين يصاحبون موكب الصرة السلطانية ، وخدمة دائرة الباشا ، ورؤساء الجمالين وموظفى صناديق البخور ومترجمى الحرمين وخدمة البوابة والحراس ، والأوقاف السلطانية ، والذين يعينون على وضع المحفة على الحيوانات ، وبعض حراس الأضرحة الآخرين ممن يجب تقديم المعونة لهم.

صورة إجراء حفل موكب المحمل فى مصر

من السنن القديمة التى يؤخذ بها فى مصر إعداد موكب عظيم للمحمل الذى يبعث به من مصر إلى الحجاز فى أواخر شهر شوال ، وعندما يحل الموسم

٢٤٣

الخاص بذلك يحضر فى المكان الخاص لاستقبال موكب المحمل فى ميدان محمد على وزراء الداخلية والجهادية والأشغال ومحافظ مصر والباشوات والوجوه والأعيان بينما يصطف فى أركان ذلك الميدان جنود نظاميون واقفين في حالة الانتباه والسلام ، ويسلم المحمل الشريف بكل وقار وأدب إلى يدى الشخص الذى نصب أمير الحج.

وتطلق المدافع إيذانا لذلك الأمر ثم يشيعون موكب المحمل الشريف إلى مكان يطلق عليه «العباسية».

ويسير خلفهم كتيبتان من الجنود وعلى ظهورهم آلاتهم الموسيقية وبعدهم الضباط الحربيون ، وبعدهم المحمل الشريف ، وبعدهم الفرسان وتزدحم الطرق بالمشاهدين ازدحاما شديدا ، ويقوم رجال الشرطة بالمراقبة والحراسة تحسبا لما قد يقع مما يخل بالآداب العامة.

وإن كان الاحتفال بموكب المحمل الشريف من العادات القديمة إلا أنه لم يكن منظما ، وقد اعتنى فيما بعد بهذا الاحتفال أعظم عناية ولا سيما فى هذا الزمن الذى ترقى فيه الناس ، وقد وصل المحمل المصرى فى نظامه وعظمته وجلاله إلى درجة تحير العقول.

وقد صنعت ستارة المحمل الشريف في سنة (١٢٩٣) فى ظل المبرة السلطانية في غاية الجمال ونقشت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التى على الستارة نسجا فى غاية الجمال ، وكانت الخطوط التى كتب بها الآيات والأحاديث تقليدا لخط عبد الله زهدى بك وهو من كبار الخطاطين ولا شك أن منظرها الجميل كان يفوق سابقتها بمراحل.

ولا سيما وضع الطغراء السلطانية التى تتوسط الكسوة والتى تحمل صفات السلطان الحميدة كان مستحيلا ألا يوجب تعجب الناس.

وإن كان المحمل الشريف مثل القفص ومصنوعا من الخشب إلا أن غطاؤه كان نوعا من الحرير الأسود ، وعليه بعض الآيات الجميلة منسوجة «بالصرمة»

٢٤٤

(الخيوط الذهبية) وفى الجهة الأمامية صورة مكة المعظمة وفى أعلاها الطغراء وقد نقشت على سطح جهاته الأربعة أزهار بالخيوط الذهبية ، وبعض أماكنه نسج بخيوط حريرية خضراء وحمراء كالحواشى.

أما أطرافه فقد زينت بأهداب من خيوط ذهبية خالصة ، ووضعت في أركانه الأربعة وفوق وسطه كرات من الفضة وفوق كل واحدة منها راية ذهبية ، ووضع فوق المركز الرأسى محفظة مذهبة جميلة ووضع داخلها مصحفان.

الذيل :

إن المحمل الشريف الذى حاز إعجاب الناس قد جددت كسوته بما بذله السلطان من نقوده الخاصة ، ولا يسعنا إلا أن نحكم ـ إذا ما رجعنا إلى ضمائرنا ـ أن كل هذا قد تم بالهمّة السلطانية التى وهبها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لذاته السلطانية.

إن ما بذله هذا السلطان بايزيد من نقود للآثار الخيرية نتيجة لمروءته وهى من أشرف الخلال والصفات وهى التى تدفعه إلى نيل شرف الاهتداء إلى صنع المحاسن فى كل زمان ومكان. والسلطان الذى له صفات عمر الفاروق لا حاجة له فى وصف مزاياه ولا الإطناب فى سجاياه ، ونحن فى هذا الصدد نغض النظر عن وصف بره وإحسانه مكتفين بذكر ما اختص بالمحمل الشريف حتى وصل إلى هذه الدرجة من الإتقان والجمال.

وإننا نسأل صاحب اللطف والعطايا أن يقر السلطان الغازى خادم الحرمين الشريفين وحامى حمى الدين المبين : السلطان عبد الحميد خان الثانى بمزيد من العظمة والقوة والشوكة على عرشه ، ويديم ملكه حتى يملأ قلوب سكنة الحرمين الشريفين بالفرحة والسرور ، ويجلى عيون الموحدين بالفرح والحبور ، وهو ينشر أنوار عدله على الأراضى الحجازية.

* * *

٢٤٥

الصورة الرابعة

فى مسألة تقسيم كسوة كعبة الله وبيانها

كان يوجد فيى جاهلية العرب فوق الكعبة أشياء غالية متراكمة ، وفى أوائل الدولة الإسلامية قد هيئت كسوة من قبل بيت مال المسلمين ، فأنزلت الأشياء الغالية من فوق كعبة الله وقسمت بين المسلمين ، وكان عمر بن الخطاب فى عهد خلافته يقوم بتجهيز كسوة جديدة لبيت الله ، ويعلقها عليه ، ويقسم الكسوة القديمة علي الحجاج المسلمين للتبرك بها وأظهر عثمان بن عفان تعظيما لكعبة الله بأن كساها بقطعتين من الكسا ، وأرسل معاوية بن أبى سفيان بعض الأقمشة الغالية من الشام ، وأمر شيبة بن عثمان (رضى الله عنه) بأن ينزل كسوة الكعبة العتيقة ويعلق الكسوة الجديدة على الكعبة ، بعد تنظيف جدران كعبة الله الأربعة ، وبعد تعليق الأقمشة الجديدة الواردة إلى الكعبة قطع الستارة القديمة قطعا صغيرة أمام ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ ووزعها على سكان حرم الله وقسمها.

ولم يستكره عبد الله بن عباس ولم يستهجن ما صنع شيبة ابن عثمان من تقسيم الكسوة الشريفة وتوزيعها ، إيماء إلى جواز ذلك ورأى بعضهم أنه لا كراهية فى ذلك.

ذهب شيبة بن عثمان لما كثرت كسا كعبة الله إلى أم المؤمنين زوج النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ وقال لها : يا عائشة كثرت كسا بيت الله عليه ، ما رأيك لو خلعنا الكسا القديمة ودفناها حتى لا يكتسيها الجنب من الرجال ، والحائض من النساء» فقالت المشار إليها : إن كنتم لم تفعلوا ذلك إلى الآن فلا تفعلوه بعد ذلك ، فلا بأس فى أن يأخذ قطع هذه الكسا من يأخذ وليفعل بها ما يشاء ، ولكن إذا ما بعتم هذه الكسا القديمة وأنفقتم ثمنها فى وجوه الخير أفضل».

٢٤٦

وقال أئمة المذهب الحنفى : الرأى فى التصرف فى كسوة بيت الله متروك للسلطان.

قال القاضى الخانى : عند ما تقدم كسوة كعبة الله فليأخذها سلطان الزمن ، ولينفق ثمنها فى أمور بيت الله.

وقال الإمام محمد إذا ما قدم لإنسان ما قطعة ثمينة من كسوة الكعبة الشريفة فليأخذها ولا بأس فى أخذ الفضة إذا كان ثمنها قليلا» كما قيد فى تتمة الفتاوى.

وقال الإمام الزركشى وهو من أئمة المذهب الشافعى بعد أن منع بيع ستارة بيت الله : أوصى بأن يردها من أخذها. وقال ابن الصلاح هذا الموضوع متروك لرأى ملك ذلك العصر وإرادته ، لأن الملوك السابقين كانوا يهدون الكسا القديمة لبنى شيبة ، وهؤلاء كانوا يبيعونها وينفقون ثمنها فى أمورهم الخاصة ، وأشار بهذا إلى أنه لا كراهة في بيع الكسوة.

وبناء على رأى القطب المكى وحكمه ؛ إذا كانت الكسوة قد صنعت بالإنفاق من بيت مال المسلمين فالأمر فى الكسوة القديمة متروك لرأى الملك ، وإذا كانت الكسوة قد صنعت بأموال وزارة الأوقاف فالحكم فى الكسوة متروك لشرط الواقف ، وينفذ شرطه وإذا كان شرط الواقف غير مشروع تنفذ أحكام الوقف السابقة ، ويجرى عليها حكم الكسوة السابقة ، ولما كانت الكسوة الشريفة في عصرنا هذا تبعث من خزانة وزارة الأوقاف السلطانية ، وكان شرط الواقف مجهولا يبقى الحكم كما كان قديما فتعلق الكسوة الجديدة ، وتخلع الكسوة القديمة وتقطع قطعا وتباع.

وقد جرت العادة أن تكون ستارة كعبة الله المزركشة وحزامها القديم من نصيب الشخص الذى يشغل منصب شريف مكة ، وكسوة بيت الله الشريفة من حق حامل مفتاح بيت الله السيد شيبة.

إن ستارة باب كعبة الله ترسل إلى باب السعادة فى سنين الحج الأكبر ، وتباع للصياغ فى الأعوام التالية ، والخواتم التى تجلب من مكة تصنع من الخيوط

٢٤٧

الذهبية لهذا الحزام ، ويمكن رؤية ستارة باب كعبة الله عليه ولكننا رأينا أن نصفها بالإجمال.

وصف الستارة الشريفة

إنها مصنوعة من أطلس أخضر وفى أطرافها خط من أوراق بلوط منسوج بالخيوط الذهبية ، وفى الداخل كتبت سورة الفاتحة وآيات أخرى وزين ما بين آيات سورة الفاتحة بأسماء الجلالة المتعددة ، وقد كتبت في الجزء الأعلى من الستارة في جهة باب كعبة الله الآية :

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) (البقرة : ١٤٤) وفى ذيلها (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (النمل : ٣٠).

(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (الإسراء : ٨٠).

وتحتها (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (الفتح : ٢٧)

وفى طرفى هذه الآيات كتب (بسم الله) مزدوجا في أربعة أماكن فى شكل قطع ناقص ، وبعده كتبت آية الكرسى علي أربعة أسطر وفى سطر هذه الخطوط كتبت سورة الإخلاص بشكل قطع ناقص ، وفى نهاية آية الكرسى كتبت سورة الإخلاص على سطرين ، وكتب تحتها اسم السلطان عبد الحميد وشهرته ، وعلى طرفيه كتبت الجمل. لا إله إلا الله الملك الحق المبين محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين.

* * *

٢٤٨

الوجهة الخامسة

تجمع أربع صور توضح وتعرف أوضاع مبانى المسجد الحرام القديمة وأبوابها وعددها وأعداد أعمدتها وشرفاتها وصورها.

* * *

٢٤٩

الصورة الأولى

فى تعريف وضع المسجد الحرام القديم

حينما أسس إبراهيم ـ عليه السلام ـ كعبة الله لم يكن حولها منازل ولا بيوت ولا حوانيت ، كما أن طوائف العمالقة والجراهمة وأقوام خزاعة لم يرغبوا فى بناء المساكن حول الكعبة ، ولكن (قصى) بن كلاب حينما استولى على تدبير أمور بيت الله ، وأصبح واليا على المدينة الشهيرة ، وأخذ مفتاح كعبة الله فى يده القوية. وتولى على عاتقه تدبير شئون القبائل ، جمع أفراد قبيلة قريش ونصحهم بأن يسكنوا فى أطراف كعبة الله المفخمة ، وأسس بنفسه مبنى دار الندوة كما جاء فى الصورة الثامنة من الوجهة الثانية.

وكان المكان الذى بنى فيه قصى بن كلاب دار الندوة جهة الزاوية التى يطلق عليها الركن الشامى ، وفى الساحة التى يوجد فيها المقام الحنفى المتصل بأرض المطاف ، حيث يصلى إمام المذهب الحنفى الصلوات الخمس داخل هذا المقام ، وأخذ القرشيون فى بناء منازلهم حول الجوانب الأربعة لكعبة الله حتى زاد عددها عن العدد والحصر ، وأصبحت مكة المكرمة مدينة عظيمة كثرت شعابها ومحالها كما نراها اليوم.

ولد النبى صلى الله عليه وسلم فى منزل يقال له مولد النبى ، وهو فى الحى المشهور بشعب على «ثم شرف دار خديجة الكبرى رضى الله عنها الواقعة فى شعب بنى هاشم بالسكن فيها.

* * *

٢٥٠

الصورة الثانية

فى عدد أعمدة المسجد الحرام القديمة وذكرها

كان بالمسجد الحرام قبل التجديد (٤٩٦) عمود ، بإخراج أعمدة باب دار الندوة الزائد وأعمدة دار إبراهيم الزائد ، وكانت سبعة وعشرين منها فى أبواب المسجد و (٤٦٩) منها تحت سقوفها وكانت ثمانية وثمانون عمودا من تلك الأعمدة فى الجهة الشرقية (١٤٥) منها فى الجهة الشمالية (٨٧) منها فى الجهة الغربية و (٨٧) من أعمدة الجهة الشرقية كانت من قطعة واحدة من الرخام وعمود كان من الطوب اللبن المحروق ، و (١٤) عمودا فى الجهة الشمالية كانت من الحجر المنحوت ، (٢٥) عمودا فى الجهة الجنوبية كانت من الحجر المنحوت ، وكذلك جميع أعمدة الجهة الغربية وأما الباقى فكان من الرخام.

وكان حول الجوانب الأربعة لدار الندوة الزائدة (٦٦) عمودا وكانت كلها مصنوعة من الحجر العادى ، إلا أنها أشبهت الرخام بطلائها بمؤنة جيدة. وكان السلطان الغورى المصرى قد أرسل خيرى بك من كبار موظفى الدولة المصرية فى عام (٩١٧) لتصليح وتعمير بعض أجزاء المسجد الحرام المحتاجة إلى الترميم ، وعمر خيرى بك باب إبراهيم الزائد وأسس فوقه قصر يعادل الخورنق ، ومسجدا وعدة منازل أضاف إليها ما تحتاجه المنازل من المغاسل وخزانات المياه ، ووقفها باسم السلطان ، وبنى على طرفى الباب المذكور الزائد غرفا من طابقين لإيواء الفقراء والصلحاء من الناس ، وأنشأ صهريجا يملأ عند نزول المطر فى الجهة الجنوبية من الباب وكذلك أنشأ سبيلا لا مثيل له.

وأنشأ خوش كلدى بك بأمر تلقاه من السلطان سليمان فى سنة (٩٤٧) مخزنا من غرفتين (١) لحفظ قناديل بيت الله والأشياء الخاصة بالمقام الحنفى.

__________________

(١) إن هذه المخازن قد هدمت بعد موت السلطان سليمان ، وضمت أرضها إلى ساحة الحرم الشريف.

٢٥١

الذى كان بنى فى خلال عام (٨١٥) وعقب ذلك بنى أعمدة باب إبراهيم الزائد مصنوعة من الرخام.

إن الأعمدة التى أمر بصنعها خوش كلدى بك ، فى باب إبراهيم الزائد كانت أحد عشر من أعمدتها فى الجهة التى يقع فيها الرواق الجنوبى ، وستة فيها فى الجهة التى يقع فيها الرواق الشمالى ، وكانت كلها من الحجر المنحوت فى المقام الحنفى بعد سنة من تعمير المقامات المذكورة ، لأن مبانى المقام الحنفى كانت أكبر نسبيا بالنسبة للمقامات الأخر ، وقد شرع فى تجديده سنة (٩٤٧) وأتمه فى سنة (٩٤٩) ، بينما أتم تعمير المقامات الأخرى فى سنة (٩٤٨) ، وأمكن استخدام مبانى مقام إبراهيم التى هى أثر من آثار (خوش كلدى) بك (٦٨) عاما ، إلا أن رواد المقام الحنفى وجماعاته زادت سنة بعد سنة وضاق بهم ، ولما أبلغ الأمر إلى باب السعادة هدم محمد باشا والى مصر ذلك المقام وأنشأه من جديد بناء على الفرمان السلطانى الذى تلقاه.

كما أنه قد رمم قطع رخام المطاف ونظف مجرى عرفات وجدد كسا الأعمدة الداخلية للبيت المعظم ونظف كعبة الله بأن رفع أكوام الكناسة التى حول الكعبة.

وبما أن محراب المقام الحنفى الذى وسعه محمد باشا كان قد أسس فوق ساحة المطاف الشريف ، فكانت صفوف المسلمين المصلين فى داخل الحرم ترى غير منتظمة من خارج الحرم وفى سنة (١٣٠١) أى بعد توسيع المقام الحنفى بمائتين وأربع وثمانين سنة ، أخرج والى الحجاز عثمان باشا الجهة التى تقع بالمحراب فى ساحة المطاف وحركها نحو جهة باب إبراهيم الزائد ، وانتظم الصف الذى يقع فى هذه النقطة ، وهكذا نال ثواب هذا العمل الذى أتمه ، بناء على الأمر السلطانى ، ومازال عثمان باشا واليا على الحجاز.

لازمة

إن المقامات الأربعة الخاصة بأئمة المذاهب الأربعة من جملة المستحدثات التى

٢٥٢

لا محل لها فى الشريعة الإسلامية ، وقد أنشئت فى سنة (٨١٥ ه‍) حينما كان يحكم مصر فرج بن برقوق بن أنس من ملوك الشراكسة. وأراد شاه إيران نادر شاه أن يزيد المقامات إلى خمسة بإنشاء مقام خاص للمذهب الجعفرى ، إلا أنه لم ينل مطلبه وخاب فى مسعاه.

* * *

٢٥٣

الصورة الثالثة

تعرف عدد شرفات المسجد الحرام القديمة وهيئتها

الشرفات جمع كلمة شرفة وهى نوع من أنواع الزينة فى المبنى يطلق على الأماكن البارزة العالية فوق جدران القلاع ، وقد يجمع على شرف أيضا ويتوارى الجنود خلفها فى أثناء الحروب ، وكان للمسجد الحرام قبل التجديد أربعمائة من الشرفات الكاملة ، وسبعة من الشرفات النصفية الداخلية ، واثنين وخمسين من الشرفات الخارجية الكاملة ، وشرفة واحدة خارجية غير تامة ، وسواء أكانت الشرفات الخارجية أو الشرفات الداخلية ما كانت تتجمع فى مكان واحد أو اثنين ، بل كانت متفرقة فوق أبواب المسجد الحرام.

وكان فى كل باب عدة شرفات ، وقد بنيت بين الشرفات مساكن ومنازل وأربطة ومدارس ، وهذه الأماكن تخلو من الشرفات ، وكان لدار الندوة الزائدة (٢٧) شرفة ولباب إبراهيم الزائد (٤٤) شرفة وكانت كلها ترى من داخل الحرم الشريف.

ليس هناك مؤرخ إلى عصر وليد بن عبد الملك يعرف شيئا عن وجود الشرفات فى المسجد الحرام لذا حكم أن تزيين الحرم الشريف بالشرفات أثر من آثار وليد بن عبد الملك.

* * *

٢٥٤

الصورة الرابعة

تعرف أبواب المسجد الحرام القديمة وتبين عددها

كان للمسجد الحرام مقدما تسعة عشر بابا عاليا مبنيا على عقدين وكان باب أقيم على كمرين مثل جسر ، ذو فتحتين ومازالت بعض هذه الأبواب ، محتفظة بأشكالها القديمة وهى معروفة لدى الناس. وكل باب كان له فتحتان إلا أن الاثنين يطلق عليهما اسم واحد. ويطلق مثلا على البابين المجاورين اسم باب السلام ، وعلى هذا الحساب يجب أن يصل عدد طاقات الأبواب وكمرها إلى ثمانية وثلاثين كمرا ، إلا أن معمار المدرسة السليمانية قد أضاف فوق أحد هذه الأبواب كمرا عاليا ، وهكذا أوصل كمر الأبواب إلى تسعة وثلاثين كمرا.

* * *

٢٥٥

الوجهة السادسة

وقد رتبت على ست صور وتجمع قباب المسجد الحرام وأبوابه على هيئتها الجديدة وتبين عددها وشكلها وخريطة مسطحة مع بعض الجداول.

* * *

٢٥٦

الصورة الأولى

تعرف ما حدث للمسجد الحرام بعد تجديده من تغيير فى الشكل

وإن كان رسم المسجد الحرام القديم على شكله الذى ذكرته فى الوجهة القديمة ، إلا أن طوله فى زماننا من باب السلام إلى باب العزة (٥٣٧) قدما ، وعرضه من باب الصفا إلى باب دار الندوة الزائدة (٥٠٠) قدما ، و ٦٧ منه فى الشرق ، ٨١ منه فى الشمال ، ٣٦ منه فى الغرب ، ٣٣ منه فى الجنوب ، وخمسة منه فى جهة دار الندوة ، ٦٠ منه فى باب إبراهيم الزائد ، وله ٢١٨ عمودا رخاميا والأعمدة التى فى الجهة الغربية عددها ٦ ، و ١١ عمودا فى الجهة الجنوبية ، وأحد أعمدة باب دار الندوة مصنوع من حجر الصوان ، والباقى كله من الرخام.

ويبلغ عدد الأعمدة المصنوعة من حجر يطلق عليه الشمليس بعد أن يقطع وينحت قطعا ٢٤٤ عمودا ، وشكل هذه الأعمدة حسب ما يقتضى موقعها مسدس الشكل أو مثمن ، وكل عمود حجرى ابتداء من الأرض يصنع من قطع حجرية صغيرة يطلق عليها حجر الصوان ، وأعلاها يصنع من قطع حجارة صفراء كبيرة منحوتة. إن الأعمدة الحجرية الموجودة ابتداء من الجهة المقابلة لبيت الله أى فى الجهة الشرقية عددها ٣٠ عمودا ، وتحت القبة التى فى الجهة الشمالية المقابلة للميزاب الذهبى ٤٤ عمودا ، وفى الجهة الغربية باب مقابل الباب المسدود ومقابل المستجار ٣٦ عمودا ، وفى الجهة الجنوبية تحت القبب التى تقابل الحجر الأسود ٧٦ عمودا ، وفى دار الندوة الزائدة ٣٦ عمودا ، وفى باب إبراهيم الزائد ١٨ عمودا ، وفى كل ركن من أركان المسجد أربعة أعمدة ، وعند الحساب لا شك أن عددها سيبلغ ٢٤٤ عمودا.

٢٥٧

الصورة الثانية

تبين عدد قبب المسجد الحرام وشكلها

إن للمسجد الحرام خمسمائة قبة لطيفة ويطلق أهل مكة على (١٥٠) منها قبة ، وعلى ٢٨٠ منها طواجن ، وعلى ٦٢ منها مصليات ، ، إن ٢٤ منها فى الشرق ، و ٣٦ منها فى الشمال ، و ٣٦ منها فى الجنوب ، و ٢٢ منها فى الغرب ، وواحدة منها فى ناحية مئذنة الحزورة ، وقبة فى ناحية مئذنة دار الندوة ، و ١٦ منها فى ناحية باب إبراهيم الزائد وكلها تبلغ ١٥٠ قبة.

الطواجن جمع كلمة طاجن وهو اسم نوع من القبب. الطاجن على وزن دامن تطلق على صحن يطلق عليه تابه أو طاوه والمراد منه القبب التى صنعت على شكل (تابه) ، وعددها الكلى (٢٨٨) طاجنا. (٣٨) منها فى الشرق ، (٥٩) منها فى الشمال ، و (٣٤) منها فى الغرب ، و (٦٤) منها فى الجنوب ، وعددان منهما تحت مئذنة باب السلام ، وعدد منها فى ركن المسجد فى جهة باب السلام ، وعدد منها فى باب العمرة ، و (٢٤) منها فى باب دار الندوة الزائد ، و (٤٧) منها فى باب إبراهيم الزائد.

والقبب المسماة المصليات تقع ثلاث منها فى الشرق ، (٢٤) منها فى الشمال ، و (١٨) منها فى الغرب ، و (١٧) منها فى الجنوب ويبلغ مجموعها (٦٢) مصلية ، لا يمكن وصف هيئاتها وشكلها بالكتابة فلا بد من رؤيتها.

* * *

٢٥٨

الصورة الثالثة

تبين شرفات المسجد الحرام وعددها

للمسجد الحرام (٦١٢) شرفة فى الجهة الشرقية ، و (٣٤١) شرفة فى الجهة الشمالية ، و (١٥٤) منها فى الغرب ، و (١٤٠) منها فى باب إبراهيم الزائد ، و (١٩١) فى دار الندوة الزائدة ، والبقية فى الجهة الجنوبية ، ومجموع عددها (١٣٨٠) شرفة ، إن الشرفات الموجودة فى الشرق صنع ٢٧ منها من الرخام ، و (١٣٥) منها من حجر الشمليس وإحدى الشرفات الرخامية أعلى من الشرفات الأخرى ، والشرفات التى فى الشمال (٧٨) منها من الرخام والقبة من حجر الشمليس ، والثلاث الشرفات الرخامية أعلى من الأخريات ٢٢ من الشرفات التى فى الجهة الغربية من الرخام والبقية من الزيادتين والتى فى الجهة الجنوبية كلها مصنوع من حجر الشمليس.

* * *

٢٥٩

الصورة الرابعة

فى بيان عدد أبواب المسجد الحرام وهيئاتها

والجهات الكائنة فيها وعدد شرفات أبوابه

وما هى الأسماء التى عرفت بها فى العهد الجاهلى

للمسجد الحرام ١٩ بابا عظيما ويفتح أربعة من هذه الأبواب إلى الجهة الشرقية وسبعة منها فى الجنوب وثلاثة منها فى الغرب وخمسة منها فى الجهة الشمالية.

الأبواب الشرقية :

١ ـ باب السلام ٢ ـ باب النبى ٣ ـ باب العباس ٤ ـ باب على.

ولكل باب من هذه الأبواب تسع درجات داخلية وخمس درجات خارجية سواء أكان مراقى هذه الأبواب أو مراقى الأبواب الأخرى أظهرها سليمان ، وكانت عتبات الأبواب الخارجية على مستوى الأرض ، فإذا نزل قليل من المطر كان داخل الحرم الشريف يمتلئ بالماء.

١ ـ باب السلام :

كان فى الجاهلية يشتهر باسم باب بنى عبد شمس بن عبد مناف ، وإن كان يعرف الآن بباب بنى شيبة ، إلا أن اسمه الشهير هو باب السلام ، وله ثلاثة عقود ولما كان بناؤه القديم فى منتهى الرصانة والمتانة فبقى على حاله القديم عند التجديد.

وكان الخلفاء الذين يذهبون إلى مكة المكرمة لأداء الحج وأمراء مكة والأشراف يدخلون إلى المسجد الحرام من باب السلام ، كما هو مسطور فى تاريخ الإمام الأزرقى.

٢٦٠