موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

(٤٤) أوقد معاوية العدد الكافى من القناديل ، ومد تلك القناديل بالكمية الكافية من زيت الزيتون وأصبح هذا عادة.

بعد إحدى وثلاثين سنة من ذلك ركز عبد الملك بن مروان بالقرب من بئر زمزم عمودا ، وعلق عليه قنديلا كبيرا لينير المطاف للذين يطوفون بالبيت ليلا.

بعد ما وضع معاوية بن أبى سفيان نظام إيقاد القناديل ، أعطى أرطال من الطيب لتعطر كعبة الله عقب كل صلاة ، وأبقى ابن الزبير على هذا النظام ، إلا أنه استصوب أن تعطر الكعبة فى الأيام العادية برطل من الطيب ، وفى أيام الجمع برطلين.

لم يوقد قنديل ولم ينصب عمود واحد حول المطاف الشريف إلى عصر الواثق بالله العباسى ، وفى سنة (٢٣١ ه‍) نصبت عشرة أعمدة خشبية وعلقت ما بين الأعمدة ثمانية مصابيح كبيرة ، ومنذ ذلك التاريخ أضيئت الجهة الداخلية للمطاف. وفى (٧٢٠ ه‍) قد زيدت تلك الأعمدة إلى (٣٢) عمودا وبلغت القناديل التى تعلق بينها إلى (١١٦) قنديلا ، وبعد تسع وعشرين سنة قد بدلت جميع هذه الأعمدة بالأعمدة الحجرية ، وإن كانت ريح شديدة هبت فى سنة (٧٥٠ ه‍) وأسقطت جميع الأعمدة التى حول المطاف وحطمتها قطعا إلا أنها جددت وبعد مرور وقت قصير قد بدلت بأعمدة من نحاس أصفر ، وحتى تحفظ تلك الأعمدة من مياه الأمطار التى قد تظهر فيما بعد مد بين الأعمدة أربطة حديدية سميكة لتعلق عليها القناديل أيضا. وفى سنة (١٢٧٠ ه‍) أوصلها السلطان الغازى عبد المجيد خان بن السلطان الغازى محمود خان إلى (٣٥) (١) عمودا وعدد القناديل (٢١٠) وعلق فوق حدائد القباب من أولها لآخرها قناديل (٢) مثل الأنجم على أن توقد فى خلال موسم الحج وليالى رمضان وإحياء الليالى المباركة.

__________________

(١) واليوم عمود من تلك الأعمدة من النحاس الأصفر وثلاثة منها من الرخام الأبيض.

(٢) قد جدد سلاسل هذه القناديل برقوق المصرى من ملوك الشراكسة فى سنة ٨٠٧.

٣٠١

وهكذا أضىء داخل حرم المسجد الحرام مثل الجنة ، وبعد مرور تسعة عشر عاما أرسلت من قبل والدة السلطان عبد العزيز خان الطاهرة النقية شمعدانات متعددة حتى توقد أمام المقامات الأربعة ، وفى الأماكن المناسبة لمساحة الحرم الرملية وذلك فى سنة (١٢٨٩).

بين عمودين من أعمدة المطاف سبعة قناديل وإذا أحصى عدد القناديل كلها تصل قناديل أعمدة المطاف إلى (٢١٠) عمودا وإذا أضيف إليها القناديل التى سنذكرها فى الجدول الآتى يصل عدد القناديل إلى (١٨٢٢) قنديلا :

مواقع وعدد القناديل التى اعتيد إيقادها فى مواسم الحج

عدد القناديل

مكان وجودها

ملاحظات

٣٢٤

فى المطاف السعيد

القناديل ال ٨٦ الموقدة فى المقامات الأربعة داخل هذا العدد

٣٧٠

تحت القباب

٦٠٠

بين الأعمدة

٥٤

فى الأبواب

٣٦

فى النجف الشبيهة بالأشجار

يقال لهذه القناديل «المصطفة» وهى معلقة تحت الصف الأول من كمر قباب الحرم الشريف الواقعة فى الساحة الرملية

١٠

أمام المحكمة

١٦

بين الصفا والمروة

فى كل مئذنة

عدد المآذن

١٤١٠

المجموع

٦٤

٥

١٤١٠

المجموع المنقول

٤٦

٢

٤١٢

فى المآذن

٧

١٨٢٢

المجموع الكلى

هناك جدار نصف دائرى حول حجر إسماعيل ويطلق على هذا الجدار «حطيم».

٣٠٢

سبب بناء الحطيم وتاريخ تأسيسه

كانت أطراف المطاف الشريف إلى سنة (٦٤) هجرية ساحة رملية وفى نفس السنة فرش عبد الله بن الزبير. الجهات الأربعة للمطاف بالأحجار الباقية بعد تجديد البيت الحرام بتوسيعه عشرة أذرع. وبعد ثمانى سنوات من هذا العمل هدم الحجاج الظالم الجدار الشامى الذى بناه عبد الله بن الزبير كما ذكر فى مكانه من قبل وأدخله إلى داخل الكعبة قدر ستة أو سبعة أذرع ، وحتى يحفظ هذا المكان الذى خلا بالهدم من الطائفين (١) بنى ذلك الجدار الذى سبق ذكره أعلاه ، وذلك فى سنة (٨٢ ه‍).

وقد أدى الجدار الذى بناه الحجاج الظالم مهمته إلى سنة (٩٤١ ه‍) بترميمه من حين لآخر ، إلا أنه ضعف وارتج بشدة عقب السيل الفظيع الذى حدث فى سنة (١٠٣١) وحينئذ هدمه السلطان مراد الرابع إلى أساسه وبناه من جديد. وجدده السلطان عبد المجيد فى خلال سنة (١٢٦٢ ه‍) على أكمل صورة.

كان سطح داخل الحطيم الكريم مفروشا بحجارة سوداء صغيرة إلى عهد أبى جعفر المنصور. وفى سنة ١٣٩ ه‍ حينما حج أبو جعفر تأثر حينما شاهد حجارة جدران الحطيم ، وكذلك أرضيته فى الداخل والخارج غير منظمة وفى حالة سيئة ، استدعى زياد بن عبد الحارث والى مكة وقال له : إن هذا الجدار قد بنى بحجارة عادية وإننى أريد أن يفرش هذا الموقع المبارك فى هذه الليلة بحجارة رخامية لامعة منتظمة وابدءوا ما أريد لأننى سأتى غدا صباحا لمعاينته.

وأحضر زياد بن عبد الله عددا كبيرا من العمال والحجّارين ، وتحت ضوء المشاعل والقناديل قد جدد الجدار ثم الأرضية حاملا العمال على بذل الجهود المضنية حتى الصباح ، وانتزع الحجارة السوداء التى أراد أبو جعفر المنصور تغييرها ، وفرش الأرضية بقطع الرخام المجلوة ، وفى سنة (١٤١ ه‍) وبعد عشرين سنة من تجديد أبى جعفر أمر المهدى العباسى فانتزعت الحجارة التى فى داخل

__________________

(١) لما كان هذا المكان من داخل كعبة الله فالمرور عند الطواف من خلال هذا المكان يفسد الطواف.

٣٠٣

الحطيم وخارجه واحدة واحدة وفرشت الأرضية بقطع الرخام اللامعة (١) وذلك فى سنة (١٦٢ ه‍).

دامت الإصلاحات التى أجراها المهدى العباسى فى المطاف الشريف (٤٧٢) سنة ، وفى عام (٥٥١ ه‍) بعد أن غير الحجر الأخضر الذى يقال حجر إسماعيل من قبل المستنجد بالله بن المقتفى بالله احتاج المطاف الشريف إلى ترميم عظيم ، غير المستنصر بالله الحجارة التى جددت فى عهد المهدى تغييرا كاملا ، ثم كتب ما تم إصلاحه فى عهده فى الحرم الشريف على لوحة رخامية زرقاء ، ثم ألصقها على جدران بيت الله الحرام ، وكان ذلك عام (٦٣٤ ه‍).

وإن كان الملك جاقمق غير ما فرشه المستنصر بالله بعد مائة وتسعين سنة ، وفى سنة (٨٤٣ ه‍) إلا أن أكثر رخام المطاف الشريف احتاجت إلى التسوية والإصلاح بعد سبع وثلاثين سنة ، وعلى ذلك جددها السلطان قايتباى المصرى فى سنة (٨٨١ ه‍) وبعده بست وثمانين سنة غير السلطان الغورى المصرى ما فرش فى عهد قايتباى فى سنة (٩١٧ ه‍). وقد أمر السلطان سليمان بانتزاع ما تم إصلاحه فى عهد السلطان الغورى أو ما تم فرشه قبل ذلك. وفرش المطاف الشريف على أحسن وجه فتبدلت أرضية المطاف السعيد الرخامية وانتظمت حالتها فى سنة (٩٥٩ ه‍). وبعده بأربع وثمانين سنة غير السلطان مراد خان الرابع قطع رخام المطاف الشريف ورخام الأماكن الأخرى من الحرم الشريف سنة (١٠٤٣ ه‍) وقطع الرخام التى مازالت مفروشة إلى الآن هى الحجارة التى فرشت فى عصر مراد الرابع.

وقد أصبحت هذه الحجارة بمرور الزمن فى حالة غير منتظمة ، وتحركت من أماكنها حتى اتسعت الشقوق بين قطع الحجارة قدر إصبع ، فلم تنج أقدام الحجاج من الأذى حين الطواف وفى سنة (١٢٩٦ ه‍) أصلح مدير الحرم الشريف السابق أحمد أفندى بأن صب قصديرا بين الشقوق التى فى قطع رخام المطاف والرخام الذى فى داخل الحطيم.

__________________

(١) لا يعرف الوقت الذى عين فيه حجر إسماعيل بالحجر الأخضر ، لا بد أن زياد بن الحارث عين ذلك فى هذا التعمير.

٣٠٤

واختلف العلماء فى تحديد مكان الحطيم بالنسبة للمسجد الحرام ، وبناء على بعض الأقوال أن الحطيم فى داخل الجدار الذى سبق تعريفه ، وباتصال جدار البيت الأعظم الشمالى أى لحجر إسماعيل ، ويطلق على المكان الذى يقع بين ركن الحجر الأسود وبئر زمزم ومقام إبراهيم ، وعند البعض يطلق على الفراغ الذى بين باب بيت الله ومقام إبراهيم ، وفى قول يطلق على الميدان الذى يمتد فى ركن الحجر الأسود إلى حدود مقام إبراهيم ، وبما أن القول الأخير يبدو أقوى من الأقوال الأخرى فالناس يجتمعون فى هذا الميدان للتضرع والدعاء والمناجاة ، وكان أهل الجاهلية يجتمعون فى هذا الميدان حيث يتعاهدون أو يتحالفون.

والحطيم فى زماننا ذلك الجدار الميمون المبارك ، وارتفاع جدار الحطيم (٣ قدم و ٤ بوصة) وله مدخلان وعرض كل مدخل (١٠) قدم ، والفاصل بين الاثنين (٢٩) قدما ، والفاصل بين جدار الكعبة التى تحت الكسوة وجدار الحطيم (٢٢ قدم ٦ بوصة) ، والمحيط الداخلى لجدار الحطيم المذكور (٣٥ قدم ، ٥ بوصة) ، والمحيط الخارجى (٤٤ قدم ، ٤ بوصة) وتبلغ مساحة الأطراف الأربعة لأبنية الكعبة مع إضافة مساحة حجر إسماعيل (١٤٧ قدم ٣ بوصة) كاملة.

والمقامات الأربعة التى يؤدى فيها أئمة المذاهب الأربعة صلواتهم تقع فى الأطراف الأربعة للمطاف الشريف الذى ذكرناه ، فالمقام الحنفى فى الجهة الشمالية لكعبة الله ، ومقابل ميزاب الرحمة المقام الشافعى فى الجهة الشرقية وخلف المقام الإبراهيمى الذى يواجه الكعبة ، والمقام المالكى فى ظهر كعبة الله ، والمقام الحنبلى فى الجهة الجنوبية فى مكان يواجه الحجر الأسود ، وكل المقامات متصلة بالحدود الخارجية للمطاف الشريف ، وقد أدى إمام كل مذهب الصلاة مع المصلين دون ترتيب منذ سنة (٦٣٣ ه‍) إلى سنة (٧٩٠ ه‍) ، ولكن بعد سنة (٧٩٠ ه‍) أخذ إمام المذهب الشافعى يصلى بصلاة الفجر أولا ، وفى الآخر يصلى إمام المذهب الحنفى ، وفى صلوات الأوقات الأخرى يصلى إمام المذهب الحنفى وبعده إمام المذهب الشافعى وبعده إمام المذهب الحنبلى ، وفى الآخر يصلى إمام المذهب المالكى.

٣٠٥

قد استصوب أداء أئمة المسجد الحرام على الوجه المذكور فى خلال سنة (٧٩٠ ه‍) ومع هذا عند اتخاذ هذا النظام للصلاة أخذ أئمة المذاهب الأربعة أداء صلاة المغرب معا ، وكان الناس يقتدون بالأئمة الأربعة فى جهات الحرم الشريف الأربع ، فأخذت الأصوات تختلط مع بعضها مما قد يؤدى إلى فساد الصلاة.

وقال بعض من خيار العلماء إذا ما ترك نظام أداء صلاة المغرب مؤقتا بالأئمة الأربعة فى وقت واحد أحسن ، وحاول بهذا أن يقضى على النظام الغير المعقول ، لذا وضع الملك الناصر فرج نظام أداء صلوات المغرب بإمام واحد فقط ، وبعد ما استمر هذا النظام ما يقرب من إحدى عشرة سنة اختل ، ولا سيما فى سنة (٨١٦ ه‍) أخذ أئمة المذاهب الأربعة يؤدون الصلوات فى وقت واحد وفى النهاية وضعوا النظام الحالى ، والآن تؤدى صلاة التراويح فى أماكن مختلفة قد تصل إلى أربعين أو خمسين موقعا مع أئمة مختلفة يؤمون جماعات مختلفة ، وكان هذا النظام مما يؤذى شعور الناس ، إلا أنه قد اتخذ حكم العادة ومن الصعب حمل الناس على تركها.

والجماعات التى تصلى التراويح يسلم بعضهم بعد ركعتين ، وبعضهم بعد أربع ركعات ، ويطوفون بالبيت بعد السلام ، ثم يبادرون لأداء صلاتهم وبعضهم يصلون التراويح بدون طواف وتكاد الصلاة أن تفسد أحيانا باختلاط الأصوات بعضها مع بعض ، إلا أن وجود فوانيس مختلفة الألوان أمام الأئمة يضيف للحرم الشريف رونقا وجمالا.

وبناء على الفهرس الذى أخذ من خزينة مديرية الحرم الشريف أردنا أن ندرج صورة منه فيما يأتى فللمقام الحنفى (٧٥) وللمقام الشافعى (٢٥) وللمقام المالكى (١٥) وللمقام الحنبلى خمسة أنفار من الخطباء والأئمة ، وخدمة المسجد الحرام يبلغ عددهم ١٧٢ نفرا غير الأئمة والخطباء.

٣٠٦

الفهرس الذى يبين الأئمة والخطباء والخدم الآخرين ، وعددهم وأنواعهم ، بالحرم المكى.

عدد الأنفار

المقام الحنفى

عدد الأنفار

المقام الشافعى

٢٦

أئمة وخطباء موظف (١)

٦

خطيب وأئمة موظف (٢)

٧

ملازمو أئمة

١٢

ملازمو أئمة

٤٣

المجموع

١٨

المجموع

٣٢

ملازمو أئمة غير موظف

٧

ملازمو أئمة غير موظف

٧٥

المجموع الكلى

٢٥

المجموع الكلى

عدد الأنفار

المقام المالكى

عدد الأنفار

المقام الحنبلى

عدد الأنفار

المقام الحنفى

عدد الأنفار

المقام الشافعى

٧

خطيب وأئمة موظف (٣)

٢

خطيب وأئمة موظف (٤)

٨

ملازمو أئمة غير موظف

٣

ملازمو أئمة غير موظف

١٥

المجموع

٥

المجموع

__________________

(١) الأئمة الموظفون والخطباء وملازمو الأئمة أربع طوائف لأفراد الطائفة الأولى لكل واحد ٢٠٠ قرش ، ولأفراد الطائفة الثانية لكل واحد منهم ١٠٠ قرش ، والصنف الثالث لكل واحد منهم ٤٠ قرشا أجر وظيفة ، بينما الصنف الملازمون يخدمون دون أن يوظفوا.

(٢) هؤلاء أربعة أصناف أجر الصنف الأول ٢٠٠ قرش ، والثانى ١٠٠ قرش ، والثالث ٤٠ قرشا ، والملازمون ليسوا موظفين.

(٣) أئمة وخطباء المالكية ثلاثة أصناف الصنف الأول أجره ٢٠٠ قرش ، والثالث ٤٠ قرشا ، ويخدم الصنف الثانى دون أجر بالملازمة.

(٤) لأئمة وخطباء الحنابلة نفس الراتب الشهرى.

٣٠٧

خدمة المسجد الحرام ومدرسوه

عدد الأنفار

نوع الوظيفة

عدد المدرسين

نوع الوظيفة

١٥

١٥ المؤذنون (١)

٦٠

أن هؤلاء موظفون بالبراءة العالية

٧

٧ المكبرون

٦٠

وهؤلاء موظفون بعلم وخبر المدرسين

٧

٧ المرحمون

٨

٨ الوقادون

٣٧

٣٧ المجموع

هؤلاء خاصون بالحرم الشريف

١٢

١٢ الفراشون

١٠

١٠ المشيدان (٢)

٢٠

٢٠ الكناسون

٢٦

٢٦ البوابون

١٢

١٢ الجيادون

١١٧

١١٧ المجموع

ويبلغ عدد الأئمة الكرام والخطباء العظام (١٢٠) نفرا ووظف (٧٠) منهم بالأمر السلطانى ، منهم موظفون بعلم مديرية الحرم الشريف. (٣)

وقد خص المقام الحنفى بثلاثة وأربعين إماما وخطيبا المعينين بالأمر السلطانى ويعمل بالمقام الشافعى ثمانية عشر منهم ، والمقام المالكى بسبعة والمقام الحنبلى

__________________

(١) يدخل ضمن هؤلاء إمام مسجد على ومؤذنو جبل الكعبة ومبلغو المقامات الحنفى والشافعى ، وحارس سبيل الغورى.

(٢) لم يستخدم إلى عهد معاوية المخصيون لخدمة كعبة الله ، ولكن معاوية عين عددا من المخصيين لخدمة الكعبة حتى يتميزوا ويستمروا فى خدمة الكعبة وزاد الذين أتوا بعده عدد المخصيين إلى خمسة وخمسين.

(٣) المدرسون الموظفون ببراءات عالية خمسة أصناف الصنف الأول خمسة عشر شخصا مفتيو المذاهب الأربعة ضمن هؤلاء وأجر كل واحد منهم ٥٠٠ قرش ، وعدد الصنف الثانى ستة وأجور وظائفهم السنوية لكل واحد منهم ٤٠٠ قرش ، وعدد أشخاص الصنف الثالث ٥٠ نفرا وأجور وظائف كل واحد منهم ٣٠٠ قرش ، وعدد الصنف الرابع أربعة وأجر كل واحد منهم ٢٠٠ قرش والذين يدخلون فى الصنف الخامس ثمانية أنفار ولكل واحد منهم أجر سنوى قدره ١٠٠ قرش.

٣٠٨

باثنين من السبعين المكلفين بالأمر السلطانى وإن كان الذين يتمتعون بالأمر العالى ينقسمون إلى قسمين الأصالة والملازمة إلا أنهم كلهم موظفون. إن الأشخاص الذين يتمتعون بالأمر العالى ثمانية عشر منهم من خطباء الحنفية ، وأربعة منهم من خطباء الشافعية ، وأربعة منهم من خطباء المالكية ، وواحد منهم خطيب حنبلى ، ويتقاضى كل واحد منهم شهريا ٢٠٠ قرش. ولكن الأئمة الذين عينوا بعلم المديرية يعطى شهريا ١٠٠ قرش ، والملازمون المعينون بعلم المديرية يتقاضى فى الشهر ٤٠ قرشا.

الاستطراد

يوجد مقام خاص لكل جماعة من جماعات المذاهب الأربعة فى أركان بيت الله الأربعة ليؤدى كل إمام مع جماعته الصلاة فيه ، ولا يعرف الوقت الذى أقيمت فيه المبانى فوق هذه المقامات الأربعة ، ولكن أغلب الاحتمال أنها أنشئت فى عصر الملك الظاهر بيبرس البندقدارى ، لأنه قد عين فى سنة (٦٦٣ ه‍) فى مكة المكرمة إماما لكل مذهب ، وأقر بين العلماء على أن يكون لكل إمام مذهب مكان خاص ليصلى به مع جماعاته ، فاختيرت أماكن المقامات لأئمة المذاهب الأربعة ، ونبهوا بأداء الصلاة كل فى مقامه ، وكما أنه يوجد فى المسجد الحرام مقام خاص بإمام كل مذهب يوجد مفتى لكل مذهب ، وطبقا لما أفاد به المؤرخون عن تعيين أول هؤلاء المفتين وفى أى تاريخ لزمت الحاجة إليه ، يمكننا القول : إن القبائل العربية عندما ذاقت حلاوة الإيمان أرسلت السفراء إلى سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ترجوه أن يرسل معلما إلى القبيلة التى ينتمون إليها لتعليم الأحكام الشرعية ، ولإيضاح غوامض المسائل الدينية لهم ، وأسرع علماء الصحابة الذين استقوا العلم من أشرف الخلق ـ عليه الصلاة والسلام ـ وحفظوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث والآيات القرآنية لتبليغها إلى القبائل ، ولما كانت الحجج قاطعة والنصوص واضحة فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحياته وحياة صحابته الأجلاء لم تكن هناك حاجة للاجتهاد.

٣٠٩

وكان أهل الإيمان فى عصر الرسالة إذا شكوا فى مسألة ما يسألون النبى صلى الله عليه وسلم ، وكانوا بعد وفاته ـ عليه السلام ـ كانوا يلجأون إلى صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ، طالبين الفتوى منهم مثل عبد الرحمن بن عوف أو عبد الله بن مسعود أو أبى بن كعب الأنصارى أو معاذ بن جبل أو عمار بن ياسر ، أو حذيفة بن اليمان أو زيد بن ثابت الأنصارى أو أبى الدرداء أو أبى ذر الغفارى أو أبى موسى الأشعرى أو سلمان الفارسى «رضى الله عنهم» وإذا لم يستطع هؤلاء حل مشاكلهم يلجأون إلى الخليفة فى ذلك الزمان مستفتين. (١)

إخطار :

اشتهر بالإفتاء بعد الخلفاء الراشدين سيد العبادلة عبد الله بن عباس (٢) كما أن عبد الله بن عمر أفتى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، ستين عاما. انتهى.

واستمرت هذه الحالة إلى يوم استشهاد عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ وبدأت الآراء تختلف بعد ذلك وكلما ابتعد عصر السعادة وتناقص عدد الأصحاب والتابعين أخذت الآراء تختلف وتتشتت ، ولا سيما فى وجود كثرة ممن يميلون إلى اتباع آراء الطغاة أدت إلى تغير أطوار الأمة وأوضاعها ، فكثرت فى المسائل الشرعية الفرعية الآراء ، واستخرج أئمة الدين الأحكام الشرعية التى تخص الطاعات والعبادات والعقوبات والمعاملات من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تفهم النصوص الظاهرية وسنة رسول الله بيسر وبشكل واضح لا ينسى ، واتخذ كل واحد منهم مسلكا ومذهبا مختلفا عن الآخر. وفصلوا بين المعنى العرفى والمعنى اللغوى للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، حتى يتقى الخطأ فى المسائل الشرعية ، ووضعوا أصولا وقواعد للوصول إلى مرتبة الاجتهاد الصعبة ، ودونوا علما خاصا يطلق عليه علم أصول الفقه ، وسموا ما جمعوا ورتبوه من المسائل التى استنبطوها وفقا للقواعد السابقة علم الفقه.

__________________

(١) إن الأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم كانوا مفوضين بالفتوى حتى فى عصر النبوة ، إلا أنهم كانوا يرسلون من يلجأ إليهم للفتوى إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، تأدبا.

(٢) العبادلة طائفة من الصحابة الذين كانو يفتون ويقومون بمهمة القضاء وهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عن الجميع.

٣١٠

علم أصول الفقه :

هو استخراج فروع المسائل الفقهية من الكتاب والسنة والإجماع وفقا لقواعد مخصوصة واستنباطها.

وعلم الفقه :

هو أن يعرف كل مسلم ما له وما عليه من الأمور.

والذين لهم دراية بالمسائل المستخرجة والمستنبطة يطلق عليهم الفقهاء. والفقهاء الأجلاء فرقتان : عراقية وحجازية ، وقدوة الفرقة العراقية هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفى ، ورئيسا الفرقة الحجازية هما الإمام مالك بن أنس المدنى والإمام محمد بن إدريس المطلبى الشافعى.

واتخذ الإمام أحمد بن حنبل مسلكا جديدا بعد الإمام الشافعى وأصبح رابع أئمة المذاهب الأربعة ، واجتهد الإمام الأعظم متخذا العقل قبل النقل قاعدة ، واتخذ الإمام مالك النقل قبل العقل قاعدة وأساسا ، واتخذ الإمام الشافعى العقل مساويا للنقل ، واتخذ الإمام أحمد بن حنبل النصوص أساسا لكل شىء ، وهكذا ارتقى إلى المرتبة الرابعة بين الأئمة إلا أن من يقلد مذهبه قليلون.

وقد ظهر بعد الإمام مالك المذهب الظاهرى ، وقد اعترض من يقلدون هذا المذهب على التباس المسائل بطريق القياس ، وتركوا العمل بالقياس وأبطلوه ، وأحدث بعدهم مذهب أهل البيت وبما أنه كان متصفا بالغلو والإفراط ولمخالفته الجمهور اندثر بموت إمامه وإنكار مقلدى المذاهب الصحيحة له ، وأراد بعض الناس فيما بعد إحياء مذهب أهل البيت ولم يكن له شأن إلا مخالفته للمذاهب الأربعة ، وهكذا ساد المذهب الحنفى فى العراق والمالكى والشافعى فى البلاد الحجازية.

انتشر المذهب الحنفى فى إقليم العراق وممالك الهند والصين وما وراء النهر وبلاد الفرس ، والمذهب المالكى فى الأندلس والممالك المغربية ، وساد الشافعى

٣١١

فى بلاد العراق وخراسان وما وراء النهر فى أول ظهوره ، وانتشر المذهب الحنبلى أولا فى الشام والعراق وبغداد والبلاد المجاورة لها.

ويعدد حضرة عبد الوهاب الشعرانى فى كتابه الميزان الكبرى مذاهب أخرى غير المذاهب الأربعة مثل : مذهب عائشة ، مذهب عبد الله بن مسعود ، مذهب عبد الله بن عمر ، ومذهب عطاء بن أبى رباح ، ومذهب الإمام الليث ، ومذهب مجاهد بن جبر ، ومذهب داود الأصفهانى ، ومذهب عمر بن عبد العزيز ، ومذهب سفيان الثورى ، ومذهب سفيان بن عيينة ، ومذهب محمد بن جرير ، ومذهب الشعبى ، ومذهب إسحاق بن راهويه ، ومذهب الأعمش : أربعة عشر مذهبا وبهذا يبلغ المذاهب الصحيحة والحقة إلى ثمانية عشر مذهبا ، وقد اندثرت هذه المذاهب لقلة أتباعها ، أو لا نحصارها فى أصحابها ولم يبق إلا المذاهب الأربعة.

وكان أهالى الحرمين إلى سنة (٣٥٨ ه‍) يحلون شبهاتهم فى المسائل الفقهية باللجوء إلى إلى أى واحد من أئمة المذاهب الأربعة الذى اكتسب ثقتهم.

ووقعت البلاد المصرية تحت إدارة الملوك الفاطميين وفى خلال العهد الفاطمى الذى دام مائتين وبضع سنين أسقط العمل باجتهاد الأئمة الأربعة ، وصنفت كتب وفقا لأحكام فقه أهل البيت.

ومنع فى هذه الفترة حب أصحاب المذاهب الأربعة ، وكان كل من يتبع المذاهب الأربعة مبغوضا منفورا منه لدى الحكومة.

من الحوادث التى تلوث تلك الفترة وصحائف تاريخها هذه الحادثة الشنيعة ، وقد علم أن أحدا من أهل السنة يحتفظ فى مكتبة بكتاب الموطأ ، فأحضر الكتاب وصاحبه ومزق الكتاب المذكور ثم قيل لصاحبه «لماذا تحتفظ بهذا الكتاب وتحترمه؟» ثم شتم وعذب وضرب ضربا مبرحا.

كان القاضى عبد الوهاب من فقهاء أهل السنة ساكنا ببغداد وفى أواخر المائة الرابعة أتى إلى مصر وسعى لنشر المذهب المالكى ، واستطاع أن يدخل كثيرا من

٣١٢

أهل السنة إلى الدائرة المنجية ، إلا أنه كان يحكم فى مصر والبلاد الحجازية بأحكام مذهب أهل البيت إلى سنة (٥٦٨ ه‍) وقد انقرضت الدولة الفاطمية فى تلك السنة ، فعاد علماء الشافعية إلى مصر ، وهكذا سقط العمل بكتب فقه أهل البيت وانتشر المذهب الشافعى فيها ، وأخذ الأهالى والملوك وكبار الموظفين العمل متبعين المذهب الشافعى.

وصلاح الدين الأيوبى واحد من الملوك المصريين الذين قلدوا المذهب الشافعى : وقد أسس هذا الشخص قلعة جبل المقطم ، وفى نفس السنة أنشأ المدرسة التى تنسب إلى قبر الإمام الشافعى ، وهكذا أنقذ الناس من البحث عن عالم يعين بالقاهرة مفتيا شافعيا ، واستصوب بعد ذلك بين العلماء وجود مفتيين على المذهب الشافعى فى مكة المكرمة والمدينة المنورة ونفذ الأمر.

وقد جعل المفتى الشافعى الذى عينه صلاح الدين الأيوبى فى القاهرة نوابا له عن باقى مذاهب أهل السنة حتى يفتوا حسب مذاهبهم ، وهكذا أخذ يزيد أفراد كل مذهب تدريجيا ، وظهرت المذاهب الأربعة كاملة اضطر أهالى الحرمين ومصر القاهرة وسكنة بلاد الشام فى عهد صلاح الدين الأيوبى إلى سنة (٦٦٣ ه‍) أن يلجأوا لمفتى الشافعية ، وبما أنه لا يمكن للإمام الشافعى أن يفتى وفقا لأحكام المذاهب الأخرى عين الملك الظاهر بيبرس قاضيا (١) خاصا بكل مذهب فى خلال تلك السنة ، وبعد ذلك أصبح أتباع المذاهب الأربعة يذهب للإمام الخاص به لحل ما يريدونه من المسائل الدينية ، ولكن فى الممالك الأخرى ظل المفتى الشافعى كما كان فى السابق.

إضافة

وإن كان ثابتا بالتحقيق أن عمر بن الخطاب هو الذى كان يقوم بأمور القضاء فى عهد خلافة أبى بكر الصديق ، وكان هناك يزيد ابن أخت نمر وشريح فى عهد عمر بن الخطاب ، وكعب بن سوار وفى عهد خلافة سيدنا على شريح بن الحارث

__________________

(١) وكان القضاة فى ذلك العهد يعينون على أن يؤدوا مهمة القضاء والإفتاء.

٣١٣

يقومون بأمور القضاء ، إلا أن أول القضاة المعينين فى المدينة المنورة من خارجها هو عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد أرسل إليها فى سنة (٤٢ ه‍) من قبل معاوية.

وفى عهد السلاطين العثمانيين أول من تولى منصب القضاء شخص يسمى طورسون أفندى وعين من قبل عثمان الغازى ، أما أول القضاة المعينين لاستانبول فكان القاضى مجد الدين أفندى «محاضرة الأوائل».

عين الملك الظاهر مفتيا لكل مذهب من المذاهب الأربعة ، وبعد مضى خمسة وأربعين عاما على هذا التاريخ أرسل الناصر فرج من ملوك مصر إلى مكة المعظمة مفتيا للحنفية وآخر للمالكية وذلك عام ٧٥٨ ه‍ ، وبعد فترة وجيزة أرسل مفتيا للحنابلة. ومنذ ذلك الوقت (أى منذ ٧٠٨ ه‍) وبعد فترة وجيزة عين مفتيا خاصا لكل مذهب فى مكة المكرمة والمدينة المنورة على حد سواء.

كان يتم تعيين واحد للإفتاء لكل مذهب حتى العام المبارك الذى انتقلت فيه أزمة إدارة البقاع الحجازية المقدسة فى بعض الأحايين ، وفى الأحايين الأخرى كان يعين واحدا أو اثنين فقط لتسيير الإدارة فى الحرمين ، ولكن بعد عام (٩٢٣ ه‍) لم ينقص عدد المفتين الأربعة فى أى وقت.

وفى وقتنا الحاضر ثمة مفتى حنبلى على الرغم من قلة الحنابلة فى مكة المكرمة بحيث نستطيع القول بأنه لا وجود لحنبلى واحد فيها.

مطالعة

قبل عهد سلاطين آل عثمان وفى بعض الأحايين كان يوجد مفتى أو اثنين فى الحرمين ، وسبب ذلك هو إظهار سلاطين السلف من المسلمين استعدادهم لنجدة كل مسئول من أهل الحرمين ، لأن ملوك المسلمين كانوا يعتنون كل العناية ببسط نفوذهم على الحرمين ، وكانوا يعتقدون أن أعظم الأسباب التى تخدم هذا الغرض

٣١٤

هو نجدة مسئول الأهالى. والرابطة الإسلامية أينما وجدت فإن أساسها الارتباط بالحرمين وكان الحكام يدركون الفوائد السياسية الكبيرة للاحتفاظ بهاتين البلدتين المسعودتين.

وإن كان هذا الاعتقاد موضع احترام وتقدير فإنه من الممكن حدوث تجاوز للحدود الشرعية لنجدة كل مسئول للأهالى ، ولا توجد شبهة فى خطأ الاعتقاد المذكور ، ألم يكن باطلا استيلاء جيوش الجهالة على الحرمين فى العهد السابق ، وحصول أصحاب المذاهب الباطلة على الحماية فى البلاد الحجازية ، وانقياد البدو لصناديد القبائل فى الباطن ، وللدولة فى الظاهر ، والعمل بالأحكام والقوانين التى سنها البدو (١) وليس التى يسنها الولاة والقضاة المعينون من قبل الدولة ، وإذا ما نظر بإمعان إلى المعاملات الكلية والجزئية التى جرى العمل بها من بداية ظهور الملوك الإسلاميين وحتى اندثارهم يتبين أن انقراضهم وسقوطهم كان أولا بالانحراف عن جادة الشرع ، والعمل بالبدع أو لترك الأعمال والتصرفات المشروعة.

أو ليس بقاء سلاطين آل عثمان المنصوص على أنهم أعدل الملوك فى الكتب الإسلامية المعتبرة كان بسبب اتخاذهم الأحكام الشرعية أساسا فى الأعمال والحركات ، وعلى الرغم من أنه لم تلتزم الدقة فى تطبيق أحكام الشريعة بتمامها والتى هى أساس ملكهم الذى قام عليه مما أدى إلى وقوع بعض الخلل والاضطراب ، وبمرور مدة قصيرة جدا على ذلك جددوا تمسكهم بالصورة الموافقة لأحكام الشريعة وأساس ملكهم ووصلوا إلى مطالبهم بعد وقت قصير كما هو مسطور فى الكتب المذكورة وسرى حكمهم إلى أكثر أرجاء الأرض وشملها.

وعندما سيطر السلاطين العثمانيون على البلاد الحجازية المباركة قضوا على

__________________

(١) نظم عرفت قبل عدة مئات من السنين من قبل شيوخ القبائل ، وقد أدرجت النطاقات العربانية والقوانين التى تراعى الآن بين العربان فى جزء مرآة جزيرة العرب.

٣١٥

جميع العقائد والأراء الباطلة والأفكار الخاطئة بحسن تدبيرهم ، وهكذا استطاعوا أن يدخلوا سكنة الحجاز كلهم فى دائرة المذهب الحق مذهب أهل السنة ، والجماعة الفرقة الناجية وأذنوا لمفتىّ المذاهب الثلاثة الحكم فى مسائل الطلاق والنكاح وغيرهما من المسائل ، ولمفتى المذهب الحنفى الحكم فى المسائل الأخرى المهمة وبناء على أصح أقوال الفقهاء ، وحكموا وفقا للأحكام الشرعية فى البلاد العربية وخاصة فى الحرمين الشريفين ، سواء أكان فى العقيدة والآراء أو فى جميع المعاملات والعقوبات الفقهية متبعين فى ذلك رأى السلطان ورؤيته ، وبهذا فعلا أحيوا الشريعة الأحمدية وحكموا بالأحكام الإلهية.

وكان المفتى الشافعى تاج الدين بن بنت الأعز سببا فى تعيين الملك الظاهر مفتيا لجميع المذاهب فى مصر ، وكان الملك الظاهر يلجأ إلى تاج الدين ابن بنت الأعز فى جميع المسائل لكونه مفتى الأنام (١) ، وبما أن الشيخ تاج الدين كان يريد أن يجيب على كل مسألة إجابة صحيحة اتخذ من كل المذاهب نائبا له ، وكان يفتى بعد ما يتفق معهم على الإجابة.

ولسبب ما امتنع مرة عن الإجابة للمسألة التى عرضها عليه الملك الظاهر وقال له «إن هذه المسألة يقتضى سؤالها من النائب الحنفى ، وكأنه بهذا القول أراد أن يشير إلى أن الوقت قد حان لتعيين مفتى لكل مذهب من المذاهب ، وبادر الملك الظاهر بتعيين مفتى لكل مذهب حتى لا يحدث خلل فى رابطة الموحدين ، وأطلق عليه لقب قاضى القضاة ، وأمرهم بأن يرسلوا من قبلهم نوّابا لهم إلى البلاد التى فى حاجة إلى ذلك وحينما عين المفتيين الأربعة سر صاحب القصيدة المشهورة البردة ـ وكان حيا يرزق ـ من هذا العمل وأنشد الأبيات الآتية :

غدا جامع بن العاص كهف أئمة

فلله كهف الأئمة جامع

__________________

(١) معنى مفتى الأنام هو «قاضى القضاة» وأول القضاة فى مصر هو أبو الحسن على ، بن نعمان وأول من عين قاضى القضاة فى الدولة الإسلامية هو الإمام «أبو يوسف». صاحب أبى حنيفة.

٣١٦

لقد سرنا أن القضاة ثلاثة

وأنك تاج الدين للقوم رابع

بهم بنية إسلام صحت وكيف

ولا وهم أركانها والطبائع

فهم رخص أبدوا لنا وعزائم

هدينا بها فهى النجوم الطوالع

فلا تلتبس إن وسع الله فى الهدى

مذاهبنا بالعلم والله واسع

تفرقت الآراء والدين واحد

وكل إلى رأى من الحق راجع

فهذا اختلاف جد للخلق راجع

كما اختلفت فى الراحتين الأصابع

وتتضمن قصيدة الإمام البوصيرى معنى الحديث الشريف «اتفاق أمتى حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة».

فضائل الحطيم

يروون تأييدا بالأحاديث الشريفة أن فى الحطيم بين بئر زمزم والمقام المحترم الذى يمتد إلى الحجر الأسود قد دفن تسعة وتسعون نبيا بعد أن حجوا توفوا وصعدت أرواحهم إلى الجنات العالية.

إن الأنبياء الذين هلك أتباعهم قد أقاموا إلى آخر عمرهم فى مكة المكرمة ، وقضوا حياتهم فى التعبد لله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم توفوا فى تلك المدينة ، وقد نقل ذلك محمد بن السائب نقلا عن النبى صلى الله عليه وسلم.

ولما كان نوح وهود وصالح وشعيب من الأنبياء الذين توفوا فى هذه

٣١٧

المدينة ، فقد دفنوا فى الجهات التى تقابل فيها الكعبة المعظمة مقام إبراهيم وباب الصفا.

الأثر الثانى : المستجار :

يقع الموقع المبارك الذى يطلق عليه المستجار بين الباب المسدود الكائن فى جدار كعبة الله الغربى وبين الركن اليمانى (١) وفى مواجهة الملتزم ، وعرضه ستة أقدام. الباب المسدود هو الباب الذى فتحه عبد الله بن الزبير فى عرض (٤ قدم و ١١ بوصة). وبعد أن قتل الحجاج السفاك عبد الله بن الزبير سد ذلك الباب.

الأثر الثالث : الملتزم :

يطلق على ما بين باب كعبة الله والحجر الأسود الملتزم ، إن هذا المقام موقع طاهر مبارك فى عرض ستة أقدام وأربعة خطوط ، فالذين يكملون الأشواط السبعة للطواف يأتون فى هذا المكان للتضرع ، وهو فى الجهة التى يقع فيها باب كعبة الله ، ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم تفضل قائلا : «إن كل من يصلى أربع ركعات مقابل كعبة الله كأنه قد أدى صلوات جميع العباد ويستغفر له سبعون ألفا من الملائكة». (حديث شريف).

كان من اعتقاد العرب فى الجاهلية أن كل من يتجادل فى هذا المكان أو يقسم يمينا باطلا أو من يدعى عليه لا بد وأن ينالوا عقابهم ، وهذا هو وجه تسميته بالملتزم.

مقطوعة

انطلق إلى باب الحجر

والتزم بلثم هذا المقام

واحتضنه بشوق غامر وإذا صعدت

روحك فلتكن حياتك بالحبيب

__________________

(١) كان الركن اليمانى قد تشقق إثر زلزال عام ٥١٥ ه‍ ، ولكنه رمم على أحسن وجه بلا تأخير وأحكم صنعه.

٣١٨

أضرم من قلبك نار الفراشة

وألق نفسك فى تلك النار

أليست لك عادة الفراشة

تحوم أولا حول النار ثم تحترق

ضع يدك بخشوع على هذا الستار

واتكئ على كرم ذى المنن

امسح بوجهك وصدرك هذا الباب

وزد من نور عينيك وقلبك

علق يدك فى أستاره

وازرف الدمع لرؤيته

ولتأت بذرة الشوق من الطريق

أصبحت الوصل بروج الفراق

الأثر الرابع : تحت الميزاب :

الاسم الشهير لتحت الميزاب هو «حجر إسماعيل» وإنه حجر أخضر يقع فى الجهة التى بها المقام الحنفى مواجها لكعبة الله. وتحت الميزاب الذهبى وهو نصف دائرة ، يقال إن أكثر مواضعه ـ أو على قول ـ بعض مواضعه كان داخل الكعبة وحينما جدد القرشيون بناء الكعبة تركوه خارجها.

رواية

يقال إن كل من يجلس تحت الميزاب ويدعو الله بقلب طاهر ونية خالصة يستجاب دعاؤه ، ويتخلص من ذنوبه كأنه قد ولد من جديد ، وكل من يصلى ركعتين فى هذا المكان المبارك ويدعو عند سجوده لنيل مطلب ما يتحقق أمله.

يجب ألا يشك فى هذه الرواية ، لأن الجهة الشمالية من جدران الكعبة ومن

٣١٩

ركنيها نحو الحطيم قدر ستة أذرع قد ثبت بحديث صحيح أنها من داخل الكعبة ، إنه المكان الذى أخبر عنه بالحديث الشريف ـ يعنى المكان الذى يلزم الدعاء فيه بعد الصلاة ـ وهو المحل الذى سبق تعريفه وقد أشير إليه بحجر مستدير أخضر اللون إن هذا المكان هو «حجر إسماعيل» المبارك.

وبناء على حكم حديث شريف آخر أن كل من يصلى ركعتين فى جهة الركن الشامى لحجر إسماعيل فكأنه قام سبعين ألف ليلة بالصلاة ، وطاف بالبيت الأعظم طوافا مبرورا مقبولا أربعين مرة ، وهذا هو قدر أجره وثوابه.

الأثر الخامس : حفرة المعجن :

من الأماكن التى يستجاب فيها الدعاء المعجن الشريف ، إن الموقع الذى يطلق عليه المعجن حفرة متصلة بجدار كعبة الله الشرقى ، وطولها سبعة أقدام وعرضها خمسة أقدام وست بوصات ، وعمقها أكثر من قدم قد خلط إبراهيم عليه السلام طين بيت الله فى هذه الحفرة ، إن هذه الحفرة اللطيفة هى المكان الذى صلى فيه جبريل ـ عليه السلام ـ الصلوات المفروضة يومين متتالين مع النبى صلى الله عليه وسلم ، عندما فرضت الصلوات الخمس.

يروى أن جبريل ـ عليه السلام ـ عندما فرضت الصلوات أم النبى صلى الله عليه وسلم فى أوائل أوقاتها وفى اليوم الثانى فى أواخر أوقات الصلوات الخمس.

إن فى الجهة التى تلاصق هذه الحفرة من كعبة الله حجر أحمر ، إن هذا الحجر المبارك دواء مؤثر لمرض ضعف البصر والمبتلون بهذا المرض إذا مسوا هذا الحجر ثم مسحوا بأيديهم عيونهم يشفون من هذا المرض.

وقد سرق هذا الحجر سنة (١٢١٣ ه‍) وقد تعرض سكان بلدة الله لمرض مفرط ، ومات منهم كثيرون ، وفيما بعد وجدوا الحجر فى متروكات رجل توفى ، فوضعوه فى محله مرة أخرى.

٣٢٠