موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

ويروى أن هذا المكان المقدس جلس فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقت وقوع معجزة شق القمر ، وكل جهة من طولى ذلك المرتفع ثلاثون قدما ، وكل جهة عرضية واحد وعشرون قدما ، ويعرف هذا المصلى بمسجد شق القمر. «فتوح الحرمين»

وبين هذا المسجد سالف الذكر والمصلى حفرة كبيرة ، ومما يشتهر بين العوام أنّ أكل راس شاة مشوى فى هذه الحفرة يمنع الصداع طوال العمر ، وهذه القصة قد ترددت على ألسنة أهل مكة ، إلا أنها لا أصل لها إن هذه الحفرة موقع مناجاة لأولياء الله ، فالجنيد البغدادى ، وإبراهيم ابن أدهم ، وفريد الدين العطار وأمثالهم كانوا يعتكفون فيها ، ويتعبدون أربعين يوما ، وعلى قول أن أبا البشر وابنه شيث ـ عليهما السلام ـ مدفونان فى هذه الحفرة وهذا ما نقله بعض المؤرخين ، طبقا لرواية أخرى أن قبر آدم ـ عليه السلام ـ كان بالقرب من مكن يعرف ب (غار كنن) بهذا الجبل ، فأخذه نوح ـ عليه السلام ـ وحمله فى السفينة ثم أعاده إلى موضعه ، وبناء على قول ابن كثير والثقاة من المؤرخين أن آدم مدفون فى الهند ، ويقول الإمام الأزرقى أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف (عليهم السلام) مدفونون إما فى جبل أبى قبيس أو فى بيت المقدس إلا أن كل هذه الروايات اليست مبنية على سند يصدق.

هناك رواية تنقل أن آدم ـ عليه السلام ـ وابنه شيث مدفونان تحت مسجد الخيف ، ويدعوان أن هذه الرواية أقوى الروايات المنقولة فى هذا الموضوع ، ولكن مع هذا لا يمكن الحكم بصحتها.

اختلف فى المكان الذى أخذ منه التراب الذى خمر لتكوين قالب جسد ـ آدم عليه السلام ـ كما اختلف فى مكان قبره ، وبناء على الأقوال التى يعتمد على صدقها ويوثق بها : أن التراب الذى شكل منه وجه آدم أخذ من تراب الكعبة العطر ، وتراب صدره وظهره من بيت المقدس ، وتراب فخذيه من أرض الحجاز ، وتراب يديه الحكيمتين من أرض المشرق ، وتراب ذراعيه من أرض المغرب ، وتراب رأسه من بيت المقدس ، وتراب بشرة رأسه وشعره من الجنة ، وتراب

٤٢١

رموشه وحاجبيه من تراب حوض الكوثر الطاهر ، وعلى رواية أخرى أن تراب رئتيه من الموصل ، وتراب طحاله من الحجاز ، وتراب بشرة جسمه من الطائف ، وتراب جبهته من أرض كنعان ، وتراب محل عورته من بابل ، وتراب أمعائه وأحشائه من الجزائر ، كما أن عظامه مأخوذة من الجبال المختلفة.

إن الاختلاف بين البشر فى الخلق والشكل والهيئة والطباع يرجع لهذا. وانعدام تشابه أولاد آدم وأحفاد بعضهم البعض يرجع لاختلاف مصادر التراب.

وجبل أبى قبيس ليس عظيم الارتفاع ، إلا أن ارتفاعه عمودى ، فمن صعد تبين ، ومع ذلك فإن مشاهدة البيت الأنور من قمته تزيل التعب. وما ذاك إلا أن سطح الكعبة يغمر القلب بغبطة لا سبيل إلى وصفه ، وسرعان ما يزيل عنه كل ما يشعر به من تعب ونصب.

* * *

٤٢٢

الأثر السابع والأربعون : جبل ثور

جبل مبارك يقع على بعد تسعة أميال وعلى أشهر الأقوال على بعد ثلاثة أميال أو ميلين فى الجهة الجنوبية من مكة المكرمة. وهذا الجبل أضخم قليلا من جبل النور ويرتفع عن الأرض بمقدار (٢٥٠) ذراع معمارى ، وسمى باسم من سكنه وهو (ثور بن عبد مناف) ، ويقال إن كل ما فى أرض الحجاز من أشجار ونباتات وأزهار تنبت فى هذا الجبل وقيل إن فيه شجرة لو يحمل الإنسان جزءا صغيرا مبريا منها لا تمسه أية حشرة مؤذية.

وبالقرب من ذروة هذا الجبل كهف ضيق يصعب الدخول فيه ، وقد أقام فيه النبى صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أيام عندما هاجر إلى المدينة المنورة. وبابه ضيق لدرجة أن طفلا نحيلا لا يمكنه الدخول فيه ، ولكن من حكمة الله أن أضخم الناس جسما يستطيع دخوله والخروج منه ، إلا أنه يقتضى الداخل أو الخارج أن يصلى على النبى ويسلم عليه ، وباب الكهف ـ مع كونه ضيقا ـ مثقوب على شكل المئذنة من اليمين إلى اليسار فالداخل إذا ما انحرف قليلا إلى اليمين وبعده إلى اليسار يدخله دون أن يلمس شيئا متسربا كمياه جارية ، فالذين يدخلون فى الغار يخرجون من مخرجه الواسع فى الجهة الشرقية بعد أداء ركعتين من الصلاة فيه. يتسع لدخول مجموعة من ثلاثة أشخاص معا ، إن هذا المدخل قد فتحه جبريل عليه السلام بأجنحته عند خروجه من الغار ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ، دخل فيه من باب الكهف الضيق ، ثم خرج من الباب الذى فتحه جبريل ـ عليه السلام ـ لذا ترى الزوار يدخلون فى الغار من الباب الذى فى الجهة الغربية منه ، ويخرجون من المخرج الذى فى الجهة الشرقية منه وذلك للتبرك. «فتوح الحرمين».

٤٢٣

ولما كان ارتفاع جبل ثور عموديا فإنه يصعد من سفحه إلى حيث الكهف فى خمس وأربعين دقيقة ، ولكن من يجدّون. فى الصعود يستطيعون الوصول إليه فى نصف ساعة وفى الجهة الجنوبية من ذلك الغار محل مكشوف آخر.

يقال إن عبد الله بن عباس كتب فيه تفسيره الكبير. وزيارة غار ثور قاصرة بين الأهالى على يوم السبت ، ولكن الحجاج يمكنهم أن يزوروه فى كل الأيام ، والذين يلجون فى هذا الغار لا يحزنون ولا يغتمون أبد الدهر. إن للغار بابان كما وضحنا أحدهما ضيق ، والآخر واسع جدا لأنه فتح بضربة من جناح جبريل ـ عليه السلام ـ ويقال لمن لا يوفق فى دخوله الغار «إنه ليس ابن أبيه».

قصة :

كان فى الزمن القديم رجل غنى جدا وفى فترة ما هلك أولاده وعياله وتلف ماله ولم يبق شىء فى كنفه ، ومع هذا لم يكن يحزن أو يغتم ، وقد أثارت هذه الحالة عجب أفراد قبيلته وقالوا له يا هذا قد فنى جميع أموالك وعيالك وإنك لا تظهر قدرا ولو قليلا من الحزن والهم كأنك لم تتأثر بما حدث لك؟! ما أعجب حالك؟ وما هذه اللامبالاة؟ وما أصبرك على الكوارث؟!.

فقال لهم : كنت قد سمعت من أحد الأشخاص أن الذى يدخل فى غار ثور لا يحزن لما يصيبه من مصائب الدهر الفانى ؛ لذا دخلت فى هذا الغار بكل صدق وإيمان ؛ ومنذ ذلك اليوم لم أتأثر لأية مصيبة ولم أتأسف لضياع شئ حتى إننى لا أعرف ما هو الحزن أو الألم بل نسيتهما فاستعجب قومه.

الأثر الثامن والأربعون : جبل حراء :

هو اسم آخر لجبل النور الذى بدأ فيه نزول الوحى. ويقع هذا الجبل فيما بين مكة المكرمة ومنى فى الجهة الشامية من بلدة الله ، وعلى بعد ثلاثة أميال (أو ساعة واحدة) من المسجد الحرام بين الجبل المذكور وجبل ثبير الذى أمامه واد سعيد ، يعنى أن (جبل النور وجبل ثبير) كلاهما يظلان على يسار الذاهبين إلى

٤٢٤

منى ، وقد حدثت واقعة شق الصدر فوق جبل النور ، وقد بنى فوق أرض المكان الذى حدث فيه شق الصدر مسجد لطيف ، وداخل مسطح هذا المسجد ستون قدما مربعا ، والقبة التى فوق مبانيه تظهر من بعد ساعتين. وفى داخل هذا المسجد صخرة طويلة مجوفة ، ويقال إن هذا المكان كان متكأ الرسول صلى الله عليه وسلم فى أثناء شق صدره الشريف.

والغار اللطيف الذى نزلت فيه سورة (اقْرَأْ) يقع على بعد خمسمائة خطوة فى الجهة الجنوبية من مسجد شق الصدر ، فالزوار ينالون آمالهم بالزيارة سواء أكان الغار المذكور أو المسجد سالف الذكر ، ولهذا الغار منفذ فى الجهة الجنوبية حيث تظهر منه مكة المكرمة تماما وقد ثبت بالروايات الموثوقة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعبد فى هذا الغار قبل البعثة.

من الأشياء المهمة التى اختلف عليها علماء الأسلاف طريقة عبادة النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. إذ قال بعض العلماء إنه كان يفكر فى آيات الله ، وفى الكون ومصنوعاته. وقال البعض كان يتذكر خلق الكائنات. وقال البعض إنه كان يتنسك ببعض الأعمال غير المنسوخة من دين موسى. وقال البعض وكان متمسكا بشريعة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقال البعض كان يتعبد بالأحكام الصحيحة للشرائع السابقة. وإن كان القول الأخير يبدو مرجحا على الأقوال الأخرى ، ولكن بناء على أصح الأقوال وأوثق الروايات أنه كان يعمل وفق الأحكام الباقية من شريعة إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ لأن طائفة العرب كانوا يعملون بأحكام من بقايا دين إسماعيل مثل الحج ، والختان ، وإرجاع زوجاتهم بعد الطلقة الأولى والثانية ، واعتبار فدية الرجل مائة جمل ، والاغتسال من الجنابة ، والمضمضة والاستنشاق واستخدام السواك ، وتحريم ذات المحارم ، والاستنجاء ، وتقليم الأظافر ، واستخدام الشفرة ، وقطع اليد اليمنى للص.

وقد عمل نبى آخر الزمان وفقا لهذا أعمال العرب وعاداتهم ، وكان يجتهد فى الأعمال الأخرى حتى إذا ما اقتنع بأن ما يفعله من الأعمال حسنا فيعمل به ، ولم

٤٢٥

يلتفت النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأصنام والأوثان فى صباه ولم يبال بأقوال الذين كانوا يرجون ألا يحقر الأصنام.

ويمكن الوصول إلى مسجد شق الصدر بسير بطئ من سفح الجبل فى نصف ساعة ، ويمكن الصعود إليه فى عشرين دقيقة بسير معتدل.

كان الاسم الأصلى لجبل النور (جبل حراء) ، وبما أن نور شمس النبوة أشرقت من هذا المكان وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعبد فيه مدة طويلة قبل البعثة ؛ أطلق عليه (جبل النور). وكان العرب يراعون جانب هذا الجبل ، وفوقه صهريج قديم خرب يمتلىء بالمياه كلما هطلت الأمطار.

ويجدد الزوار وضوءهم عند ذلك الصهريج ويستريحون جالسين فى المقهى الذى بجانبه ، وليس المقهى مثل المقاهى المبنية من اللبن والحجارة ولكنه مجرد خيمة عادية.

رواية :

كان النبى صلى الله عليه وسلم قد اختفى فى جبل ثبير ، فناداه جبل ثبير قائلا : يا رسول الله ابتعد عنى بما أنه لا مكان للاختفاء على ظهرى وأخاف أن يراك القرشيون فيؤذونك ، ورجاه أن ينتقل إلى جبل آخر وعقب ذلك سمع صوتا هاتفا من جبل حراء يقول : يا رسول الله! تفضل عندى إننى أستطيع أن أحافظ عليك. وهذا ما ينقله الإمام السهيلى فى كتابه «الروض الأنف».

وخرج صاحب «البحر العميق» قائلا : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يختف فى مكان آخر غير غار ثور ؛ إلا أن الإمام الأزرقى قال «عندما كانت قريش تبحث عنه كان فوق جبل ثبير ، حتى قال الجبل (يا رسول الله لا تبق فوقى لأننى أخاف أن يهجم عليك الكفار ، ويقتلونك فأتعرض لعقاب ربى) وقال جبل حراء : «يا رسول الله أقبل إلى» فترك النبى صلى الله عليه وسلم جبل ثبير وذهب إلى جبل حراء حيث اختفى من قريش ، وقال أن هذه الواقعة غير واقعة جبل ثور ، وبهذا أيد الإمام السهيلى وخرج قول صاحب البحر العميق.

٤٢٦

ولا نهاية لفضائل وعجائب جبل النور ، يقول المرحوم مؤلف (بهجة النفوس) إننى كنت أذهب فى بعض الأيام لزيارة جبل النور وفى يوم الجمعة بعد الظهر من جمادى الأولى سنة ٧٥٣ صعدت فوق قمة ذلك الجبل لزيارته كالعادة ، ولما وصل إلى سمعى أصوات عجيبة من الأحجار رفعت من على الأرض بعض الحجارة ، وأخذت الحجارة تصيح فى كفى وكانت الأصوات تسمع من مسافة قدر طول إنسان. ولما فهمت أن تلك الأحجار تسبح الله وتقدسه ، أخذت أدعو الله قدر استطاعتى وفى أثناء ذلك غابت الشمس خلف السحب ، ولما ظهرت الشمس بعد فترة انقطعت صيحات الحجارة ، وعندما غابت الشمس مرة أخرى خلف الغيم أخذت الحجارة كلها تصيح ، وقد أصبحت تحت ظل السحب. وبما أن الساعة قد وصلت إلى العاشرة لم أستطع أن أبقى أكثر من ذلك ، فعدت وأصبحت أسمع صيحات الحجارة وأنا بعيد عن سفح الجبل بمائة خطوة ، فرويت لأبى ما سمعت ، فقال لى قد حدث لى أيضا هذا الحال عدة مرات ، إذ كنت أذهب إلى زيارته مع بعض الرجال ، ورأيت أحد كبراء البلد يلتقط بعض الحجارة من الأرض. فسألته فأجاب قائلا (كل هذه ذهب خالص ونفقتى السنوية).

يروى أن المرحوم المرجانى قد زار الجبل مع بعض أصدقائه ، وسمع أن الحجارة تصيح وتسبح كما سمع بعض أصحابه.

نظم

إنه على بعد ميلين من «المعلا» إنه جبل نور تناطح قمته الجوزاء إن ياقوت «بدخشان» لا يلتمع أمام جوهره وقرص الشمس والقمر فى سفحه إن رمله وهج نور يمحو قصة موسى وتجلى الطور ولو أن الياقوت فى «بدخشان» فان فى هذا الجبل يكن الدر اليتيم فى حبة واحدة أعوام وشهور والرسول الذى لم يكن قد رأى طلعة جبريل نزل عليه فى هذه الدار فجأة ولما شق القمر صدره الطاهر

٤٢٧

غسله فى هذا البيت بأنوار الحق ...

«تحفة الحرمين»

الأثر التاسع والأربعون : جبل خندمة :

جبل كبير يقابل جبال أجياد وشعب عامر خلف جبل أبى قبيس. وقد نقل الإمام الفاكهى عن ابن عباس قال : قد دفن فى هذا الجبل سبعون نبيا وبسببهم تهطل الأمطار على مكة ببركاتهم.

الأثر الخمسون : جبل ثبير :

هو أعظم الجبال التى تواجه غار المرسلات الموجود فى منى. ويطلق على الجبل الذى يقع يمين المتجه من منى إلى مكة المكرمة. كما يطلق على الجبال التى تقع على يسراه «جبل ثقبة» وترتفع جبال الجهتين عن الأرض ستة أمتار ، وسبب تسميته بذلك الاسم أن واحدا من قبيلة بنى هذيل المسمى ثبير قد مات فوق ذلك الجبل المبجل.

قال القاضى مجد الدين الفيروزابادى نقلا عن المفسر النقاش أن هذا الجبل أيضا من المواقع التى يستجاب فيها الدعاء ، ولكنه لم يبين وقت التوجه بالدعاء ، ولكن الأسلاف الكرام قالوا يجوز الدعاء فى أى وقت كان.

قال المفسر النقاش أن جبال : النور والثور وجبل ثبير قطع من جبل الطور فحينما تجلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ على جبل الطور سقطت عدة قطع من ذلك الجبل ، وثلاثة منها سقطت على مكة المعظمة ، وقد ذكرنا آنفا أن النبى صلى الله عليه وسلم قد شرف غار حراء واختفى من كفار مكة المخذولين.

إضافة

قد حققت ما قاله الإمام الأزرقى عن وجود اثنى عشر ألف جبل حول مكة المعظمة ، فتأكدت من صدق قوله لأن حول بلد الله الأمين ما لا يحصى ولا يعد من الجبال ، وكل هذه الجبال متصلة متسلسلة ، وقد نسيت أسماء أكثرها كما ذكر فى مبدأ المقال.

٤٢٨

والجبال مضبوطة الأسماء غير التى ذكر من الجبال المأثورة هى : زرود (١) رقمتين ، سلع (٢) ، قعيقعانا (٣) ، حاجر ، أذاخر ، منحنى ، شامة ، طفيل ، حجون مصافى ، صفا ، مروة ، معترضة ، عرفات ، مأزمين (٤) ، قزح (٥) ، صراصر ، مفجر ، مضايق (٦) ، سبع البنات (٧) ، جبل عمر (٨) ، جبل الكعبة (٩) ، نعيم ، نعيمان (١٠) ، كدا (١١) ، أخشبان (١٢) ، جبل الكحل ، ثبير الخضراء ، ثبير النضع ، ثبير الزنج ، ثبير الأعرج ، ثبير أعنيا ، قرا (١٣) ، جبل أيوب ، جبل سبوع (١٤).

لا يوجد فى زماننا رجل يخبرنا بأسماء الاثنى عشر ألفا من الجبال التى قال عنها الإمام الأزرقى ، كما أنه لا يوجد كتاب تاريخ مفصل موثوق يدلنا على هذه الجبال ، ولكننا مع ذلك لا نملك إلا أن نصدق ما قاله صاحب كتاب البحر العميق : بأن من يلقى نظرة من فوق جبل ثبير على مكة المكرمة يرى أن جميع الجبال منحنية نحو الكعبة المعظمة كأنها تسجد لها.

أوقات الدعاء وساعاته

بين العلماء الأعلام أوقات الدعاء فى الأماكن المقدسة وساعاته على اختلاف فيما بينهم ، وقالوا يستجاب الدعاء عند الدخول إلى الحرم الشريف من باب بنى

__________________

(١) الجبل الذى يشرف على أبطح.

(٢) يطل عليه جبل فلق أيضا.

(٣) على ظهر أبى قبيس جرهم تقع أسلحته عند ما وصلها هناك لذلك سمى بهذا الاسم.

(٤) يقال لهذه الجبال الأخشبان أيضا.

(٥) اسم المسجد الحرام ويوجد فى المزدلفة.

(٦) هذا الجبل يقع أمام الحوض الكبير لبركة السلام الواقعة فى وادى محسر.

(٧) من جبال أجياد.

(٨) هذا الجبل أيضا من جبال اجياد وقد ولد هناك عمر بن الخطاب (رضى الله عنه).

(٩) أخذت أحجار أجياد من هذا الجبل لتعمير بيت الله الحرام.

(١٠) يسمى وادى التنعيم السهل الواقع بين الجبلين ومسجد عائشة فيما بين الواديين.

(١١) هذا الجبل يتصل بوادى سليم.

(١٢) هما جبلان أحدهما جبل أبى قبيس والآخر الجبل الأحمر الذى يشرف على جبل قعيقعان ويقال للجبلين فى منى أيضا الأخشبان.

(١٣) يبدأ هذا الجبل من عدن ويشكل شعبا كثيرة حتى يتصل بجبل الطور وهى أعلى جبال الحجاز.

(١٤) هذان الجبلان من الجبال المرتفعة أيضا وتقع فى الجهة الشمالية من مكة المكرمة.

٤٢٩

شيبة فى أى وقت كان ، وفى ليالى الجمعة فى بيت السيدة خديجة الكبرى ـ رضى الله عنها ـ وفى أيام الاثنين عند المولد النبوى وعند الزوال ، وفى أيام الأربعاء عند مسجد الشجرة ، وفى أيام الأحد فى مسجد المتكأ صباحا ، وعند الظهر يوم السبت عند جبل ثبير ومسجد نمرة ومسجد نمل (١) ، وفى أوقات السحور عند الميزاب الذهبى ومقام إبراهيم وخلفه ، وأوقات الفجر (٢) عند «الركن اليمانى» ، وفى منتصف النهار عند الحجر الأسود. وفى منتصف الليالى عند الملتزم ، وفى أوقات العصر عند الصفا والمروة ، وفى أوقات غروب الشمس فى داخل أبنية بئر زمزم ، وفى دار الأرقم وفى ليالى البدور فى منى ، وعند طلوع الشمس فى المزدلفة ، وعند غروب الشمس فى مسجد صخرة عرفات ، وعند الطواف فى المطاف وفى الأماكن الأخرى.

مبرك الناقة :

مكان محدب مثل القبر قرب باب العمرة. ويزوره الناس على أنه قبر مشهور مع أنه مبرك ناقة السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ لأنها عندما اعتمرت أبركوا ناقتها فى هذا المكان ، فنزلت فيها ودخلت فى الحرم الشريف ، وطافت بالبيت ، وإن زيارة هذا المكان لا تخلو من فائدة ، إلا أنه يلزم زيارته على أنه مبرك ناقة السيدة عائشة وليس قبر بثبوت لزوم الإرشاد.

ولما كان هذا الكتاب يحتوى على مآثر مكة المعظمة التى أنبأتنا بها كتب التاريخ ، فلا يظن أن هذا سيغنى الحجاج الكرام من اتخاذ الأدلاء ؛ لذا يجب على الذين يلبسون ملابس الإحرام لأداء فريضة الحج أن يتخذوا دليلا من أهل مكة ، وصحيح أن هؤلاء الأدلاء ليس عندهم فكرة عن التاريخ ، وعما يخبره المؤرخون ، ولكنهم بحكم وجودهم فى مكة المكرمة وحياتهم فيها فهم يعرفون آداب السعى والطواف وأركان الحج أكثر من المؤرخين.

__________________

(١) لا يوجد فى زماننا من يعرف مكان مسجد النمل.

(٢) الفجر هو الوقت الذى يجوز فيه أداء صلاة الصبح ، أما السحر فهو وقت الظلمة قبل الفجر ، وفى وقت السحر يجوز للصائم أن يتناول الطعام لذا يسمى هذا الطعام السحور. هذا هو الفرق بين الفجر والسحر.

٤٣٠

ومهما كان الإنسان مطلعا على التاريخ وتعلم ما يخص المناسك وكان متبحرا فى العلوم فهو فى حاجة إلى دليل عند زيارته للمآثر المبروكة ، وأن طفلا من أهل مكة فى الخامسة أو السادسة من عمره يمكنه أن يخجل فى آداب الزيارة ، وتعيين مواقعها ومعرفة آثار مكة المتبحر فريد عصره ووحيد دهره ، إن فى عصرنا هذا من المستحيل أن نجد عالما متبحرا فى تحليل المسائل الفقهية والشرعية ودقائقها مثل الإمام الأعظم أبى حنيفة رحمة الله.

قد أوجب الإمام الأعظم ـ الذى يسلّم بفضله وكماله ـ اتخاذ دليل للحاج. ولا يقال ما دامت كتب المناسك فى اليد والمعلومات التاريخية فى الحافظة فما لزوم الدليل؟

وفى الواقع أن كتب المناسك والمعلومات التاريخية يمكنهما أن تكونا رفيقين شقيقين للحاج ، وهذه حقيقة غير قابلة للإنكار ، إلا أن الشخص المتبحر الذى تعلم مسائل الحج من كتب المناسك ، وتعرف على الآثار الشريفة بواسطة كتب التاريخ ، ثم حج معتمدا على هذه الأشياء يشبه ربان الباخرة ، فمثل هذا الربان لا يستطيع أن يقترب من الشطآن المجهولة معتمدا على المعلومات الغنية للشخص المكلف بحسابات السفينة ، وما معه من الخرائط ومتانة آلات الباخرة وسائر أدواتها ، صحيح أنه قد يصل إلى المكان الذى يقصده بدلالة البوصلة ومتانة الآلات والأدوات الأخرى ، ويمكنه أن يتجافى مخاطر العواصف والأعاصير المتوقعة ، وأنه قد يصل إلى شاطئ السلامة ، لكن مع كل هذا لا يمكنه أن يستغنى عن الدليل المرشد الذى يعرف أماكن الجزر والمضايق والرمال التى لا تستقر فيها المرساة والجرف ، وكل ربان يخرج إلى البحر بدون أن يأخذ معه دليلا بدافع تعنته وغروره الأنانى ، يكون قد ألقى بأرواح المسافرين معه فى بحر الهلاك.

وكذلك تعطى كتب المناسك والتاريخ معلومات صحيحة ومكملة ، إلا أنه يحتاج إلى دليل عند زيارة الآثار ، دليل يوضح له الآثار ، وآداب زيارتها وكيفية تصرفه عند وجوده عندها ، لأن الكتب لا تستطيع أن تؤدى الخدمة التى يؤديها

٤٣١

الدليل. وبناء على ذلك يقتصر اختيار الدليل على كونه من أهل مكة. وبما أن قبلة الموحدين الكعبة المعظمة المفخمة تقع فى واد غير ذى زرع ؛ فأغلب سكانها يتعايشون بالدلالة وسقاية الحجاج. والقليلون منهم يشتغلون بالخياطة والعطارة وغيرها من أعمال البيع والشراء وتمر الحياة عندهم. وكانت مهنة الدلالة المهمة فى صدر الإسلام وقصرا على خمسة أو عشرة أشخاص ، وفيما بعد تعددت البلاد الإسلامية وأصبح من الواجب تعيين دليل خاص لكل بلد من البلاد الإسلامية. وفى زماننا أدلة خاصة سواء أكان للمسالك العثمانية أو الممالك الموجودة فى البلاد الأجنبية ، فالحاج عندما يصل إلى مكة فمن الأمور الواجب إتباعها الاتصال بدليل بلاده ومراجعته ، فإذا ما لجأ إلى دليل آخر غير الدليل الذى عين من أجل بلاده يكون قد ألقى نار الخصومة بين الدليلين ، وقد صدرت مثل هذه الخصومات فيما مضى كثيرا حتى قام الأهالى بعضهم ضد بعض ، لأجل ذلك قرر أن يكون لكل دليل وكيل فى مرفأ جده المعمورة ، يستقبل الحجاج التابعين له وكان قرارا سديدا.

وبما أن للعساكر السلطانية دليلا بريا ودليلا بحريا معينان بالأمر العالى فهم مستثنون من مراجعة أدلاء البلاد ، إذا كان الجندى الحاج من الجنود النظاميين يراجع دليل الجنود النظاميين ، وإذا كان بحريا يراجع دليل البحرية ، ودليل الجنود النظاميين الشيخ محمد أفندى ، ودليل العساكر البحرية الشيخ أحمد حوائى أفندى ، وخدم أحمد حوائى أفندى فى داخل البيت الأكرم ما يقرب من خمس عشرة عاما ، وقد اضطر أن يختار دلالة البحرية حتى لا يقصر فى خدمة الحرم الشريف بسبب شيخوخته ، وكان يؤوى جميع ضباط البحرية وأنفارها الذين يحجون فى منزله دون أجر ، إذ كان رجلا سخيا كريما رغم فقره ، وقد ارتحل عن دنيانا سنة (١٢٩٩ ه‍) تاركا مهنته لابنيه عبد الكريم ويوسف وكلاء السادة الأدلاء فى مدينة جده ، إن وكلاء جده يترقبون وصول البواخر ، وعند ما تأتى البواخر يستقبلون الحجاج الذين ينتسبون إليهم ، ويأخذونهم إلى البيوت أو المنازل حيث يؤونهم ، ثم يوصلونهم إلى مكة المكرمة بعد وصولهم بثلاثة أيام أو أربعة

٤٣٢

أيام ، بعد أن يعدوا لهم الجمال التى ستنقلهم إليها ، وبعدما يكونون قد أروهم الأماكن التى تزار فى جده ، وبعد العصر يذهب إلى مكة المكرمة من جده ، إما بحمار أو جمل ، والذين يذهبون بالجمال يصلون إلى مكة المكرمة فى ليلتين والذين يركبون الحمير فى ليلة واحدة ، ويعلم الوكلاء الأدلاء قبل وصول الحجاج المنتسبين إليهم بالبريد ، ويبينون فى رسالتهم عدد الحجاج وأسماء الجمالين الذين حملوا الحجاج وأسماءهم وينتظرونهم ليلة وصولهم فى خارج المدينة ويستقبلونهم.

إن استقبال أدلاء مكة الحجاج قد اتخذ توصيل الحجاج إلى مكة ليلا نظاما لدى الجمالين لذا ترى الدليل الذى استلم رسالة من جده يخرج إلى ضريح الشيخ محمود قبل وصول قافلة جده بعدة ساعات ، وينتظرون وعندما تصل القافلة يقفون أمام الجمال ويبادرون فى البحث عن حجاجهم قائلين :

هل السيد الفلانى من المكان الفلانى موجود هنا؟ والحجاج الذين يجدونهم يبعثونهم إلى منازلهم فى رفقة أبنائهم أو خدمهم ، ويجد الأدلاء حجاج الممالك التى يتولون دلالتهم ، ويرحبوا بهم أعظم ترحيب ويرسلونهم إلى منازلهم ، ويضع الأدلاء الأشياء التى على الجمال فى أماكنها المطلوبة ، ثم يأخذونهم إلى المسجد الحرام حيث يقومون بمناسك الحج من الطواف والسعى ، وبعد مرور عدة أيام يهيئ لهم الدليل وكالة حيث يأويهم.

ويعتبر حفل الضيافة الذى يقيمه الأدلاء من العادات الطيبة القديمة لدى الأدلاء. وإقامة وليمة عظيمة للحجاج بعدما يتم تسكينهم فى الوكالات حتى لو كان حاجا واحدا. ويطوف به الكعبة طوال وجود الحاج فى مكة المكرمة.

الخدمات التى يؤديها الأدلاء للحجاج :

لما كان الحجاج محتاجين لعون أدلائهم سواء كان فى الطواف والزيارة والبيع والشراء فى النهوض والحركة ، فالأدلاء يفتخرون بأداء هذه الخدمات للحجاج بكل صدق وإخلاص.

٤٣٣

ومن هنا ترى أن الدليل يقابل الحاج منفردا عدة مرات ، ويستفسر عن حاله ويهيئ له ما يحتاج إليه.

كيف يقابل الحجاج خدمات الأدلاء :

ذكرنا الخدمات التى يؤديها الأدلاء للحجاج فهم يقابلون هذه الخدمات والترحيب بالنقود ، وكل حاج يرى دينا عليه أن يدفع عقب الوليمة التى تقام له قدرا من النقود حسب حاله.

وفى عيد الفطر يوم عودته مقدارا من النقود ، وكذلك ينفحه من أسبوع لآخر عدة قروش ، وبما أنه يلزم إعطاء وكيل الدليل الذى فى جده بعض النقود يعطى ، الحاج فى اليوم الذى يتحرك من جده إلى مكة المكرمة مقدارا مناسبا من النقود كهدية ، وكل هذه الهدايا تعد من نوع الصدقة الشرعية.

وكل هذه الأشياء يمكن تحقيقها باللجوء إلى ظل السلطان الظليل ، السلطان عبد الحميد الثانى ، إمام المسلمين ، وخليفة الأرض وبالدعاء إلى الله بمد عمره وزيادة قوة دولته كما هو مبين فى الخاتمة الآتية الذكر ؛ لأن تأمين الحرمين المحترمين من تسلط المتسلطين وإخلائهما من اللصوص الناهبين وجعلهما ساحة آمنة مصونة ، يؤدى الحجاج فيهما مناسكهما فرحين مبتهجين آمنين ؛ متوقف على وجود خليفة ذو صفات قدسية وأولاده وأحفاده إلى يوم القيامة على وجود خليفة عادل كل همه : خير الأمة الإسلامية.

* * *

٤٣٤

الخاتمة

ضرورة وجود السلطان ووجوب الطاعة والانقياد له

إن السلامة والفلاح سواء أكانت فى هذه الدنيا ساحة تجلى القدرات ، أو فى حياة الآخرة الباقية يتوقف على وجوب الطاعة والخضوع لأوامر خليفة العصر ونواهى السلطان الذى يصدق عليه معنى الأثر القائل والسلطان ظل الله فى الأرض ، ويأوى إليه كل مظلوم.

كان علماء السلف الصالح يرجعون إلى السلاطين أصحاب الإمامة والخلافة فى عصورهم لحل الخلافات ، وإزالة الشبهات ؛ وهذا يدل دلالة قطعية على وجوب عرض الأمور الهامة على إمام المسلمين للعصر فى كل آن وزمان ، ولكن حتى تكون الإجابة الصادرة من جانب الخليفة حائزة لرضا الله ـ سبحانه وتعالى ـ يجب على العلماء أن يوضحوا كل فقرة من فقرات القضية المفروضة وفقا للقواعد الشريفة القومية ، حتى تصان الأجوبة التى ستصدر مؤيدة بإلهام إلهى من شائبة الإبهام والشك ، وحتى لا تظهر الإجابة منافية للمقصود ، لعدم وضوح المسائل المعروضة ، ومع هذا فنظرة الخلفاء الثاقبة وأحكامهم تشمل على خلاصة الأمور الهامة المعروضة عليه ومضمونها العام لأن الخلافة وأعبائها الثقيلة التى يحملونها فوق أكتافهم تحول دون الاطلاع على مفردات الأمور وجزئياتها.

ولما كان الخلفاء مطمئنين واثقين من أن تدقيق الأمور وتحقيقها تقع على أكتاف العلماء والوزراء ، كما أنهم مسئولون عن موافقة المسائل المعروضة للأحكام الشرعية والقوانين العرفية ، وهذه قاعدة مشروعة متفق عليها بالإجماع ، فتدقيق المسائل وتحقيقها يخرجان عن إطار مهماتهم المقدسة ، ومن هنا فالمسئولية المادية والمعنوية تقع على كاهل عارضى المسائل.

فإذا ما اطلع على أى صحيفة من صفحات كتب التاريخ القديمة فى العالم ،

٤٣٥

وإذا ما دقق وحقق فى المعاملات الجارية للأقوام الذين أتوا إلى الدنيا ، مكمن العبر ثم غادروها وعمّق النظر فيها لسلّم أن الدنيا ليست دار ثواب وعقاب ، ولكنها نموذج للحياة الآخرة بكل ما فيها من المجازاة الشرعية وقوانينها العرفية ، هذه هى خلاصة الخلاصة التى تستنبط من فحوى الكتب الشرعية.

وإن كان لا ينكر أن الدنيا دار كسب وعمل وتقدم ، إلا أن الحصول على السعادة المطلوبة فى الدنيا والآخرة والتمتع بالنعم الجليلة والأخذ بالحظ الوافر منهما يتوقف على الانصياع لأوامر الخليفة المقتدى به وتدابيره. ولما كان منصب الخلافة أصلا قويما يجمع بين المناصب الدينية والدنيوية فقد فوض تنظيم أمور العباد وفقا للقوانين الشرعية ، والحكم والتصرف ليد الخليفة القديرة ، فالخدمات الدينية والوظائف التى توجه إلى رجال الدولة والمصالح العامة برمتها متشعبة من ذلك الأصل ومتفرعة منه.

وإذا لم يخف بنو البشر من سياسة الخوف والجزاء لأخلوا بالنظام وراحة الناس بحكم طبيعتهم البشرية ، ولقاموا بارتكاب أعمال غير مرضية. إن ضرورة وجود خليفة مقتدر به فى كل عصر قد ثبت بالنص الجليل :

(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص : ٢٦)

إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق ورتب وسائل صيانة صلاح بنى البشر ونظام معاده ومعاشه خاليا وجوده وبقائه من الفساد والخلل وفق الحكمة الربانية ، وجعل الخليفة وسيلة فى تدبير أموره لأن ترك بنى البشر لأنفسهم يؤدى إلى الظلم والبغى والتعدى وإفنائهم وانقطاع نسلهم وانفصامهم.

وهذه الحال تنافى أحكام المشيئة الإلهية ، لهذا لزم وجود خليفة حكيم قادر على دفع الظلم والعدوان ، مدبر للشئون محافظة على حياة الإنسانية ، وعلى هذا يجب أن تقوم صلاحية الخليفة الشرعية وأن نعلم من ذلك الشخص الذى يستحق أن يطلق عليه اسم الخليفة.

٤٣٦

وقسم حكماء علماء الإسلام حكومة الملوك وسياستهم التى تكفل انتظام حياتهم الدنيوية وأحوالها إلى ثلاثة أقسام هى الخلافة ، السياسة والطبيعية.

الخلافة :

إحدى أقسام الحكومات الثلاثة ويطلق عليها الإمامة أيضا حكومة الخلافة ، وهى دولة عادلة وسلطنة فاضلة. ويقوم صاحب هذه الدولة بجعل أحكام الشريعة نصب عينيه فى جميع الأمور العامة والخاصة. وبما أنه يحكم ويتصرف فى عامة المصالح الدينية والدنيوية وفقا لقوانين الشرع والعدل فمدار الخلافة الأصلى هو حفظ قواعد الشريعة ، وضبط سياسة الأمة قائما مقام صاحب الشريعة (عليه أفضل التحية) ، وكائنا سلطانا ذو شوكة وقوة ، وبناء على هذا سمى هذا النوع من الملك والحكومة : «الخلافة».

٢ ـ يطلق على القسم الثانى من الحكومات الثلاث حكومة سياسة. لما كان هذا النوع من الحكومة سلطنة فالهيئة التى تشكل هذه الحكومة تتخذ إعمال الفكر والنظر دستورا لها ، وتدبر دولتها بما ينظم عقلاؤها وحكماؤها من القوانين والنظم.

إن النظم والقوانين التى رتبت بناء على العقل البشرى القاصر والفكر الفاتر لا تستطيع أن تؤمن ما يحتاج إليه الأفراد من سبل المعاش ، وتنظيم أمور المعاد كما يبين ذلك قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ

(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (الروم : ٧)

فمثل هذه السلطنة التى تنشغل بالمنافع الدنيوية فقط ليست مقبولة لدى الشرعيين.

٣ ـ يسمى النوع الثالث من الحكومات حكومة طبيعية لا يأخذ المفسرون الساعون إلى تشكيل الحكومة التى يطلق عليها حكومة طبيعية فى الاعتبار

٤٣٧

مقتضيات العقل والشرع ، وإنما يقصرون حكمهم ـ مثال قطاع الطرق والبغاة الظلمة ـ على العنف وغصب الأموال وقتل النفوس والحركات غير المشروعة والتعديات الظالمة.

وبما أن هؤلاء قد سلموا زمام أمرهم وتدبيرهم للنفس الأمارة بالسوء ، ولما كان بصرهم وبصيرتهم فى غاية الظلام من ناحية الخير ، فهم لا يستهدون إلى الخير أبدا ، ولا يسلمون أبدا من الخطأ والقتل وفقا لمدلول قول الله تعالى :

(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور : ٤٠)

وقد أنعم الله ـ سبحانه وتعالى ـ على البشر بالعقل والقدرة والرشد والبصيرة ، وبين لهم فى الكتب المنزلة ما ينفعهم ويصلح من شأنهم ، وما يخص معاشهم ومعادهم ، وحذرهم من الانهماك فى الشرور والمفاسد ، لأن جزاء الخير والشر يعود لفاعله ، وانقراض دول ملوك الطوائف وبغاة المسلمين الذين لوثت أفعالهم المذمومة صفحات كتب التاريخ لدليل واضح على إثبات ذلك.

قد انقرضت تلك الدول بظهور سلاطين الدول الإسلامية الذين حكموا بالعدل ، وكانت القوة والمتانة من أحلافهم ، وبناء على هذا من واجب الأمة البحث عن إمام عادل تعيش تحت حكومته العادلة وسلطنته الفاضلة ، وقد ثبت ذلك باتفاق آراء الصحابة العظام والتابعين الكرام واتفق على هذا علماء المسلمين الأعلام بإجماع الأمة ، وحينما ارتحل النبى صلى الله عليه وسلم ، عن دنيانا إلى مقر الراحة الأبدية أسرع الصحابة بمبايعة الصديق الأكبر.

ومازالت البيعة تجرى على هذا النهج إلى عصرنا هذا ، ولم يترك أحد هذه السنة السليمة الغاية فى أى عصر من العصور مدعيا الانفراد والاستقلال برأيه ، والإجماع القطعى سند قوى فى الدلالة على الأحكام الشرعية وصحتها ، وبناءا

٤٣٨

على هذا يكون قد ثبت وجوب انخراط المسلمين فى كل العصور فى سلك إدارة خليفة ثابت بأدلة قطعية لدى المسلمين.

وطاعة خليفة العصر والزمان واجبة شرعا ، وكذا الخضوع لكل أوامره ونواهيه التى توافق القوانين العادلة التى اقتبست من مشكاة أنوار الشريعة الغراء. ومن المصلحة العامة إخراجها إلى حيز الوجود ، كما يجب شرعا تنفيذ أوامر إمام المسلمين إذا كان ما طلب من الإنسان مباحا ، وكان الخليفة يؤدى مهمة الخلافة وأفعالها وفقا للأحكام الشرعية ويطبقها فقد صرح له أن يستقل برأيه فى اتخاذ القرارات بناء على قول الله تعالى (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (آل عمران : ١٥٩) وإن كان مأمورا باستشارة عقلاء قومه ، فإن الذى يتولى مقام الخلافة الجليل ملهم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومؤيد بأوامره ونواهيه ، وبما أن السلاطين العثمانيين أعدل من ملوك الأسلاف فى إجراءاتهم الدينية وحركاتهم بأدلة شرعية متعددة ، وإنهم أتم وأكمل منهم فى خدمة الدين ورعاية جانبه ، وبما أن أساس سلطنتهم مبنى على قواعد الشرع الكريم ؛ فكل أمر يصدر من مقام الخلافة الجليل وفى أى وقت فالخضوع له وتنفيذه قد وصل إلى درجة الوجوب ، ويكفى لإيضاح هذه الحقيقة أن سكان الأراضى الحجازية السعيدة التى كانت مطلع أنوار الإيمان والدين ، وهدف المسلمين وغايتهم يراجعون دار الخلافة السنية لإزالة شبهاتهم الدينية ، وحل خلافاتهم ، ويستدل على مراعاة السلاطين العثمانيين فى أعمالهم وأفعالهم الموافقة لتعاليم الدين العديد من الكتب التى تزين دور الكتب مصنفات الأسلاف القيمة ، حتى أن رمزا من رموز العلوم الباقية وهو عثمان باشا الغازى كان قد كتب عدة كتب قبل أن يرفع علمه مغادرا الحياة ، يظهر فيها عدالة سلاطين الدولة العثمانية ، وكيفية استهلال حكمهم وكيف يستطيع رعاياهم أن يعيشوا قريرى العين ، مرفهين آمنين تحت حمايتهم.

٤٣٩

وندرج هنا ما كتبه سيد الآراء والقدسية المعنوية وصدرها السيد «صدر الدين» القنوى فى مقال له فى شرح الشجرة كما هى حتى نقيم دليلا على مدعانا.

صورة المقالة

واعلم أن لهذه الدولة تأصيل نسب وعلو مرتبة بأصل صحيح ، يعلم منه شرف مقاماتهم العلية ، وذلك التأصيل فى الآية الشريفة قوله تعالى :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (فاطر : ٣٢)

فقد دخلوا ضمن الآية الشريفة لكونهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، مع من أشارت إليه الآية فلا شك أنهم فى سلكها مندرجون ومن التأصيل المشار إليه أيضا قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أى الصلاحية لهم ، فهم بالنسبة لغيرهم من أصلح الدول بعد الصحابة والتابعين ؛ لوجود النعت فيهم وانقيادهم للشرع الشريف ، وتمكينهم من رتبة العبادة والخدمة كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وملازمة الجماعة واتباع السنة وحسن العقيدة ، وقل أن يوجد ذلك بكماله فى دولة من الدول الذين تقدموا وأما لفظة (لبلاغا) فهى إشارة تفيد العلم بالوقت المنتظر ، وكفى بذلك توفيقا لمن أيقظه الله تعالى وفتح عين بصيرته فرأى الصلاح فيهم ظاهرا ، وسيظهر ذلك إن شاء الله تعالى ونشاهده عند ظهور دولتهم ، فافهم.

فائدة عظيمة ، لا يستغنى عنها :

اعلم أن ظهور هذه الدولة قد حكاه ونبه عليه صاحب الأصل فى خطبة البيان بإشارة واضحة. وذكر أن ظهورها الإحاطى فى (بكلظ) وانتهاء ظهورها فى «دسغ» وإنها ستظهر على غالب المعمور من وجه البسيطة ويقهرون من ناوأهم ، وينتهى سير جنودهم إلى الجزيرة الكبرى يفتحها الله على يد (م وح) من المدن

٤٤٠