موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

المحقق مولانا الشيخ خالد الجعفرى المالكى ـ نفع الله به ـ والدليل على جواز التغيير عدم إنكار العلماء من المذاهب الأربعة فى كل عصر على الملوك فى تغيير باب البيت وعتبته سوى إرادة زيادة إظهار أبهته وإعظامه وإجلاله وقد تكرر من ساداتنا سلاطين آل عثمان ـ خلد الله دولتهم إلى انقراض الدوران ـ إرسال الأقفال الجديدة إلى البيت وطلب العتيق ليوضع فى خزانتهم العامرة تبركا به كما وقع فى موسم هذا الحج من غير إنكار عليهم ، فالمباشرة لتهيئة مؤن عمارة البيت من أهم المهمات وألزم اللوازم فلقد طال الانتظار لمن يعين ليتعاطى خدمة تعمير البيت من قبل الأبواب العالية واستمرار البيت العتيق مهدوما هذه المدة كلها غير لائق وقد شكرت مساعى مولانا السيد الشريف الأعظم مسعود بن إدريس نصره الله تعالى فى بذل الهمة فى خدمة البيت وتدعيمه بالأخشاب من الجهة الساقطة وستره بكسوة إلى أن جاءت كسوته المعتاد وصولها كل عام من قبل السلطنة الشريفة فى صحبة أمير الركب الشريف المصرى وقد نور الله باطن هذا الرجل الذى له من اسمه نصيب حيث رغب فى فعل الخير وتصدى لسؤال العلماء عن ذلك مع ما سبق له من الاهتمام بتنظيف المسجد والشوارع والبيت الحرام وإصلاح برك الحجاج. وتعمير عين خليص فله بذلك وبما نواه جزيل الأجر والثواب من الملك الكريم الوهاب ، فمقتضى قواعد المذهب جواز شروعه فى إصلاح الأحجار وتهيئة المؤن لكن يتعين أن يكون المال المنصرف على ذلك متيقن حليته. فإن تعذر فلا يكون من مال توهم حليته ، إذ يجب كل التحرز عن الصرف على ذلك من مال حرام نحوه. وفقه الله ودفع به وعنه كل ضير وأعان من أعانه ووالى عليه فضله وإحسانه وزاد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة ورفعة وتكريما وزاد من شرّفه وعظّمه جلالا وكرامة وأسبغ عليه جوده وإنعامه ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

حرره الفقير أحمد بن محمد بن آق شمس الدين الصديقى السهروردى الحنفى.

٢١

صورة الفتوى الشريفة

المعطاة لرضوان أغا من قبل الشيخ عبد الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى أفندى من علماء الحنابلة

الجواب :

المسئول عنه فى السؤال : هل يجوز إصلاح ما تكسر بالسقوط من أحجار البيت الشريف ـ زاده الله تشريفا وتعظيما ـ وزيادة عليها من جنس الحجارة الأولى وتهيئة ذلك ومساواته ونحته وتحسين صنعته وإحكامه أم لا يجوز؟ وإذا قيل بالجواز وكان عمل ذلك يحتاج إلى مدة ، كما ذكر فى السؤال ، وكان فى مكة المشرفة من جانب السلطان ـ أيده الله تعالى ـ من ذكر السؤال هل يجوز له الشروع فى ذلك وتهيئته إلى آخر ما فى السؤال؟

فالجواب عما ذكر وتحرير الحكم الشرعى فيما سطر والله المسئول أن يوفقنا إلى طريق الحق المستقيم ، وأن يلهمنا الصواب على النهج القويم ، هو أن نقول نعم! يجوز إصلاح ما تكسر من الأحجار وتعيين ما يحتاج إليه من المال فى تكملة البناء وإعادته كما كان من الأحجار المناسبة لذلك ويؤخذ ما يسهل أخذه من الجبال التى عمرت الكعبة المشرفة منها (١) كما نقله العلامة المحقق شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ خالد المفتى المالكى دام الله النفع به ولا ريب فى ذلك فقد ألف شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة الأئمة والمحققين الشيخ «شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى المكى الشافعى» قدس الله سره وجعل الفردوس مقره ، مؤلفا فى خصوص هذه المسألة سماه «المناهل العذبة فى إصلاح ما وهى وانشعث من الكعبة» وبسط الكلام فيه ونقل فيه كلام العلماء من المذاهب الأربعة مصرحا بجواز ذلك وأشفى الغليل فيه وأوضح المسألة وفصلها أحسن تفصيل ومما نقل عن أئمتنا علماء الحنابلة ـ رضى الله عنهم ـ قول صاحب الفنون : صح لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة لأن كل عصر احتاجت فيه لذلك قد فعل بها ذلك ولم يظهر نكير على من فعله ، «نعم الحجر الأسود» لا يجوز نقله من

__________________

(١) أنظر : إعلام الساجد للزركشى ص ٤٥ ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ، للقطب الحنفى ص ١٣ ، والروض الأنف للسهيلى ١ / ١٢٩.

٢٢

مكانه ولا تغييره إلا بنص من النبى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فهو كبعض آيات القرآن لا يجوز نقلها من موضعها إلى مكان آخر. انتهى.

وما أفتى به العلامة والمحقق الفهامة مولانا الشيخ عبد العزيز المفتى الشافعى أدام الله النفع بوجوده خلاصة ذلك التأليف (١) وزبدة ما فيه ، وليس فى قواعدنا ما ينافيه ويكون المعوّل عليه ويرجع فى هذه الحادثة إليه ، وحيث كان إصلاح الحجارة المنكسرة وعمل الحجارة التى يحتاج الحال إلى زيادتها .. وما أشبه ذلك تحتاج إلى زمن طويل كما جاء فى السؤال فإنه يجوز لمن هو فى البلد من جانب السلطنة المذكورة ـ أيدها الله تعالى ـ مقام فى نحو ذلك كما ذكر فى السؤال أن يشرع فى عمل ذلك إذا لم يخف على نفسه أو على غيره ضررا وينبغى له بذل الهمة فى ذلك كما ظهر منه فى تنظيف المسجد الحرام وإصلاح الشوارع والبرك التى للحجاج ، وكما فعل فى إصلاح عين مكة المعظمة وفى إجراء عين خليص وبذل همته فى ذلك ، وتعاطى ذلك بنفسه مع مزيد الاعتناء بسببه والقيام عليه أجزل الله له الثواب وقابله بالإحسان فى يوم الحساب ، فقد حصل بذلك الرفق العظيم للزوار والحجاج ولكل من سلك فى تلك الفجاج ، لا شك أنه منور البصيرة ، صافى القلب والسريرة ، إذ وفقه الله تعالى للسؤال عن ذلك والاهتمام فى سلك هذه المسالك ، والاعتناء بشأن الكعبة المعظمة التى هى فى الأولية والإسلام محترمة ، زادها الله تشريفا وتكريما ومهابة ، فإذا شرع فى المؤن والأحجار وما يحتاج إليه يجب أن يكون الصرف على ذلك من مال حلال لا تعلم فيه شبه قوية ويتحرز فى ذلك غاية التحرز مهما أمكن ، تقبل الله منه السعى الجميل وقابله عليه بالثواب الجزيل ، وخلد دولة هذه السلطنة العثمانية ، ولا زالت مدى الأيام والليالى محروسة محمية ، وزاد هذا البيت الشريف تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وزاد من شرفه وكرمه تشريفا وجلالة وتكريما ، وألهمنا الصواب فى القول والعمل ووقانا أجمعين من الخطأ والزلل ، بمحمد وآله آمين ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) يعنى أن فتوى الشيخ عبد العزيز الزمزمى الشافعى ، هى خلاصة رسالة ابن حجر الهيتمى المسماه المناهل العذبة فى إصلاح ما وهى وانشعث من الكعبة ؛ وما ذكر من فتوى الشيخ عبد العزيز لا ينافى أصول مذهب الحنابلة.

٢٣

نمقه الفقير عبد الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى الحنبلى

الخطيب والإمام والمفتى بالمسجد الحرام

صورة الفتوى الشريفة

المعطاة من قبل الشيخ محمد عبد العظيم المكى من علماء الحنفية بخصوص تنظيف الحرم الشريف

السؤال :

ما يقول السادة العلماء أئمة الدين نفع الله بعلومهم المسلمين فيما إذا أدخل السيل إلى المسجد ترابا وأوساخا بكثرة واحتاج الحال إلى حملها ولزم من ذلك دخول جمال وحمير إلى المسجد وربما يقع منها روث بول فهل يجوز دخول الحمير والجمال للحاجة لذلك أم لا يجوز شىء من ذلك؟ والحال أن الوقت ضاق بموجب قرب الموسم والضرورة اقتضت ذلك أفتونا مأجورين.

الجواب :

إن تحققت يجوز إدخالها لضرورة وخصوصا لمصلحة المسجد وإذا وقع منها بول أو روث يسارع إلى تنظيفه وإن اندفعت الضرورة بإدخال الجمال فقط ، فيقتصر عليها للخفة التى فى بولها وللخلاف فى روثها. والله تعالى أعلم.

حرره محمد عبد العظيم المكى الحنفى.

صورة الفتوى الشريفة

التى أصدرها الشيخ خالد بن أحمد بن عبد الله الجعفرى وهو من علماء المالكية بخصوص تنظيف الحرم الشريف :

الجواب :

أما الإبل فبولها وبعرها طاهران عندنا. لأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ طاف على بعيره ولأن إدخال البعير إلى المسجد مع عدم الأمن والسلامة عما يخرج دليل على طهارة ما يخرج منه وقال الإمام أبو حنيفة والشافعى بأن ما يخرج من الإبل نجس وأما الحمير فأبوالها وأرواثها نجسة.

٢٤

وطريق العمل فى ذلك أنه إذا اضطر إلى ذلك وأمكن الاكتفاء بالإبل اكتفى بها لكى يطهر المسجد مما يخرج منها عند الكل وأما الحمير فإن اضطر إليها أدخلت وطهر المسجد مما يصيبه منها وحيث طهر المسجد فيبادر إلى التطهير ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

نمقه الفقير خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله. المالكى الجعفرى.

صورة الفتاوى الشريفة

التى أعطيت بخصوص تغطية الكعبة الشريفة بالستائر عند الإزماع للبدء فى بناء بيت الله.

السؤال الذى أورده رضوان أغا :

ما قولكم ـ رضى الله عنكم ونفع بعلومكم المسلمين ـ فى بناء البيت الشريف زاده الله شرفا وكرما هل يجب ستره عن أعين الناس لأجل البناء والفعال حفاظا للحرمة ورعاية لزيادة الأدب وإن ضاق الحال بالطائفين على وجه أفضل أم يجوز بناؤه مكشوفا من غير حائل وستر لأن ذلك فيه كمال الرفق بالمعلمين والبنائين من حيث التمكن من البناء على الوجه المطلوب وهل الستر من حيث هو واجب أم مندوب مستحب أم كيف الحال بينوا لنا ذلك.

الفتاوى الشريفة التى أعطيت ردا على أسئلة رضوان باشا

الجواب :

الحمد لله ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، لا ريب فى كون ستر البيت الشريف ـ زاده الله شرفا وتعظيما ـ حال بنائه مندوبا إليه ، وذلك غير مانع من حصول كمال فضيلة الطواف ولا يمنع أيضا من المشاهدة ، وأما بناؤه مكشوفا من غير ستر فغير لائق بوجه من الوجوه وليس من الأدب ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم ، وهو المسئول أن يستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا.

حرره الفقير أحمد بن محمد آق شمس الدين المدرس الصديقى الحنفى.

٢٥

الجواب :

الحمد لله : ستر البيت عن أعين الناظرين ، حال بنائه مندوب ندبا متأكدا لا واجب (١) ، والطواف وراء الستر ليس مفضولا ، بل الستر قام مقام البيت فلا يمنع من كمال فضيلة الطواف ، بل ولا يمنع من المشاهدة ، لان كسوة البيت جعلت لمنع أعين الناظرين إليها ، وهذا الستر كذلك بل هذا آكد ، لأن النظر إلى البيت حال بنائه أفظع من النظر إليه مستورا ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم.

نمقه الفقير إلى الله خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.

الجواب :

الحمد لله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ستر البيت الشريف أثناء الشروع فى بنائه ، بل وعند الشروع فى مقدمات ذلك كهدم ما يحتاج إلى هدمه منه مندوب إليه ومما ينبغى وليس بواجب وذلك اقتداء بفعل سيدنا عبد الله بن الزبير ـ رضى الله عنهما ـ ومن كان فى عصره من أجلاء الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ فإنه لما عمر الكعبة الشريفة وضع عليها ساترا بإشارة عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وقد نقل ذلك العلامة الأزرقى فى عدة مواضع من تاريخه ، فقال فى (باب ما جاء فى بناء الزبير للكعبة) ما نصه أنهم قاموا أعانهم الناس فما ترحلت الشمس حتى ألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعها فبدأ فى هدمها يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين ، ولم يقرب ابن عباس مكة يوم هدمت الكعبة وحتى فرغ منها أرسل إلى ابن الزبير لا تدع الناس بغير قبلة وانصب من حول الكعبة أخشابا واجعل عليها الستور حتى يطوف الناس من ورائها ويصلوا إليها ففعل ذلك ابن الزبير. انتهى.

وقال فى موضع آخر ما نصه : ونصب الخشب حولها حيث تم سترها وبنوا من وراء الستر. انتهى.

__________________

(١) انظر : إعلام الساجد لبدر الدين الزركشى الشافعى ص ١٤٠ ، ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٢٦

هذه النصوص كلها صريحة فى أن الساتر المذكور مندوب إليه وليس فيها دلالة على وجوبه عند الشروع فى البناء ، بل يحتمل أنه جعل عند الشروع فى مقدمات ذلك كالهدم وهو الظاهر اللائق بحرمة البيت الشريف التى أمرنا بها ، ولا شك أنه لو هدم وبنى من غير وجود ساتر بينه وبين الأعين لسقطت هيبته من قلوب كثير من الناس ممن لا ينظرون إلا إلى الصور ويترتب عليه هتك حرمته ، وقد أجمع العلماء على استحباب كسوة الكعبة واستمرارها عليها والقصد من ذلك سترها عن الأعين لما يلزم من عدمه من المحذور المذكور فليكن هذا الساتر ، بل أولى ، لأن رؤية الكعبة المشرفة متهدمة أفضح من رؤيتها مجردة من أثوابها ، ومن زعم أن الساتر المذكور ، مما ينبغى فعله فقد حاد عن طريق الصواب وأخطأ من وجوه عديدة ، ولا يسعها هذا الجواب ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

حرره الفقير زين العابدين بن عبد القادر الحسين الطبرى الشافعى إمام المقام الشريف.

صورة الفتاوى الشريفة

الصادرة على أثر الخلاف الذى وقع بشأن هدم الجدار الكائن بين الحجر الأسود والركن اليمانى

السؤال الذى طرحه رضوان أغا :

ما يقول السادة العلماء أئمة الدين ومرجع الخاص والعام من المسلمين وقطع بوجودهم دابر المفسدين وعمر بهداهم شعائر الإسلام للمهتدين ، فى الجدار اليمانى من البيت الشريف زاده الله تعالى تشريفا وتعظيما ، الذى يظهر فى بادئ النظر للعوام أنه مستقيم والحال أنه مائل دخل أعلاه وبارز أسفله من رأس الركن الذى على الحجر الأسود إلى «المدماك» الذى تحت الحجر الأسود نصف ذراع ومن نحو نصف الجدار المذكور ذراع كامل ومن محل وصول الميزاب فى المدماك المذكور إلى أرض المكان قدر الميل ثلث أيضا فيكون الميل من رأس الركن إلى

٢٧

أرض المطاف نصف ذراع وثلث ذراع ومن قرب الحجر الأسود المحل الثانى فى الوزن ذراع كامل ومن المحل الثالث فى الوزن الذى بالقرب من وسط الجدار ذراع وثلث كل ذلك بذراع القماش الحديد وقد ظهر كل ما ذكر أعلاه من الميل فى الأماكن الموزونة بالمشاهدة لكل من حضر من العلماء المهندسين والمعلمين وغيرهم ومهد أرباب الخبرة من المهندسين والمعلمين والعارفين ببناء عقارات الجدار المذكور وما كان مثله خصوصا من المنحوت إذا مال نحو سدس ذراع يجب هدمه ولا يجوز بقاؤه سواء كان ذلك فى محل مملوك أو محل موقوف أو مال يتيم وأنهم يوجبون ذلك ، وذكروا أن هدم الجدار اليمانى من البيت من أوجب الواجبات لما فى هدمه من المصالح الواجبة فى تعظيم البيت الشريف ـ زاده الله شرفا ـ ولما فى بقائه من خلاف ذلك ـ نعوذ بالله منه ـ فهل يجوز لمن له ولاية العمارة من جانب السلطنة العثمانية ـ خلد الله دولتها وأيد صولتها ـ أن يهدم هذا الجدار اليمانى المذكور ليقيمه ويقيم بناء البيت الشريف جميعه على الوجه الذى يليق به من اتفاق العمارة وتحسينها الواجب ذلك فى حق البيت الشريف ـ زاده الله مهابة وتكريما وزاد من عظمته وإكرامه تشريفا وتعظيما ـ أم لا يجوز ذلك والحال ما ذكر؟ أم كيف الحال؟ بينوا ذلك تبيانا شافيا؟ أثابكم الله الجنة بمنه وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خيرا.

صورة الأجوبة الشريفة المعطاة ردا على السؤال المذكور :

الجواب :

حيث كان الحائط المذكور بالصفة المذكورة عن العدول المذكورين فى السؤال وأرباب الخبرة من أهل الصناعة وغيرهم فهدمه وتجديده أولى ، بل متعين لأنه أحق من الهدم الصادر من سيدنا عبد الله بن الزبير لأن قضية ابن الزبير كانت محتاجة إلى الترميم فقط ، كما أشار إليه هو ـ رضى الله عنه ـ وهذه محتاجة إلى الهدم والبناء لا سيما مع الانهدام والهدم الكائنين فى الثلاثة الأرباع ، إذا كان ابن

٢٨

الزبير ـ رضى الله عنه ـ ومن خالفه فى القضية يقولون بالهدم فيكون ذلك فى قضيتنا أولى ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

نمقه الفقير خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.

الجواب :

الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، حيث كان الجدار المذكور من البيت الشريف ـ زاده الله تشريفا وتعظيما ـ بالجملة المشروحة فى السؤال المشاهدة لأهل العلم من الرجال وشهد بخرابه أرباب الخبرة الموثوق بهم فى كل حال الذين يغلب على الظن فيهم عدم التهمة فى هدم ما كان خاليا من البقاء ولا غرض لهم فى تخريب أدنى جزء منه خوفا من الله يوم اللقاء ، فهدمه بعد تحقق ما ذكر جائز بل واجب على من فوضه السلطان الأعظم ـ خلد الله سعادته وأيد سيادته وأقام به شعائر الدين وقطع بسيفه رقاب المعتدين ـ عمارة بيت الله العظيم وإعادته على الأسلوب القديم وبناء جدرانه على ما كانت عليه وإحكامها بكل وجه يمكن التوصل إليه فذلك من أعظم شعائر الإسلام وبقاء ما كان خرابا منه على حاله مع إمكان إزالته من موجبات شرور الفجرة الطغاة ، وقد صرح علماؤنا ـ رضى الله عنهم ـ بجواز هدم ما تحقق خرابه من البيت الحرام وما نصوا عليه لا يجوز مخالفته ومن خالف أقوال العلماء كان مكروها عند الله وخلقه أعاذنا الله من ذلك وسلك بنا أحسن المسالك ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

حرره الفقير عبد العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى.

الجواب :

الحمد لله ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، لا ريب فى أن الواجب على كل مسلم تعظيم هذا البيت الشريف زاده الله من التعظيم والتكريم والتبجيل والتشريف ، وقد شاهدنا نحن والجم الغفير من العلماء والولاة حقيقة ما ذكر فى

٢٩

السؤال من الجواب ولم يزل يبلغنا كل يوم من الثقاة السالكين منهم الصواب أنه تداعى إلى السقوط ما لم يتدارك أمره مع شهادة المعلمين الموثوق بهم بخرابه وبقاؤه من بنائه إلى حال سقوطه ألف عام إلا خمسة وعشرين عاما أوفى معجزة ، ولما أراد الله خرابه خرب ، وإذا ما تحقق ما ذكر ومعلوم أن إبقاء شىء منه على حاله محال وجب هدمه بغاية الإجلال والاعظام ومزيد التوقير والاحترام وشكرت مساعى من فوضت إليه هذه الخدمة الجليلة المقدار من قبل من فوض له ذلك مولانا السلطان العظيم الفخار دامت سلطنته العظمى مادام الفلك الدوار ، وثواب على عمارته وإعادته على الأسلوب الحسن بناء جدرانه على ما كانت عليه مهما أمكن وغير لائق البقاء ما كان خرابا على حاله مع إمكان إزالته ، ولقد نص العلماء على جواز هدم ما تحقق خرابه من البيت الشريف إذا لم يمكن بقاؤه ، نسأل الله أن يوفقنا ومن تشرف بهذه الخدمة إلى ما يحبه ويرضاه ويكون عونا لكل منا فى أولاه وأخراه وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويوفقنا لاجتنابه والله أعلم.

نمقه الفير أحمد بن محمد بن آق شمس الدين المدرس الصديقى الحنفى السهروردى.

الجواب :

الحمد لله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ونعم جوابى كذلك سلك الله بالقائم بخدمة هذا البيت الشريف أحسن المسالك.

الفقير الحقير عبد الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى الحنبلى.

صورة السؤال الذى طرحه رضوان أغا :

السؤال :

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين ـ نفع الله بعلومهم المسلمين ـ فى ما إذا احتاج الحال فى عمارة البيت الشريف ـ زاده الله تعالى تشريفا وتعظيما ـ إلى إقامة حائل وأخشاب بالطواف وجعل ألواح عليها وستارة ليمنع ذلك من دخول

٣٠

نحو كلاب ودواب غيرها تنجس البنيان وتوسخه ويمنع من دخول من لا فائدة فى دخوله بل ربما من دخوله ضرر وإقامة ذلك من ضروريات العمارة اللازمة والمعتادة بحيث إنه لا يبنى البناء على الوجه المطلوب إلا بذلك مع بقاء جانب من الطواف أكثر مما يحجب بهذه الستارة للطائفين والمصلين يؤدى فيه ذلك فهل يجوز فعل ذلك أم لا يجوز والحال ما ذكر ، أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة.

الأجوبة الشريفة المعطاة ردا على سؤال رضوان أغا :

الجواب :

الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله : الذى يؤخذ من كلام علمائنا ـ رضى الله عنهم ـ حيث قالوا يحرم الجلوس خلف المقام وبسط السجادة وإن لم تجلس عليها لما فى ذلك من منع فضيلة سنة الطواف فى ذلك المحل للطائفين وحيث قالوا أن ما يفعل بالمسجد من بناء نحو منارة أو ضرب لبن فيه إن فعل لمصلحة المسجد ولم يضق جاز إلا أنه إن ترتب على وضع الأخشاب الموضوع عليها الستائر منع فضيلة مشاهدة البيت الشريف أو منع فضيلة القرب منه للطائف حالة الطواف أو كان فيه تضييق على المصلين لم يجز وضع ما ذكر إلا إن تحقق دخول شىء من الكلاب وملامستها شىء من أجزاء البيت الشريف مع رطوبة فى أحدهما أو وصول شىء من النجاسات غير ما ذكر ولم يكن حفظها عن تطرق ذلك إليها إلا بوضع الأخشاب الساترة فيجوز حينئذ وضعها بل يجب إذا لم تصن إلا بفعل ذلك صيانة لأجزاء البيت المعظم عن تلطخه بما ذكروا أما السقائل التى تتوقف مباشرة البنيان ـ واتباعهم للبناء ـ على وضعها ورفع الأحجار إلى محلها على إقامتها فيجوز لما فى ذلك من المصلحة المتوقف البناء عليها والحاجة الأكيدة إليها ألهمنا الله سلوك طرق الصواب وكشف عن قلوبنا ظلمة الحجاب ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم.

حرره الفقير إلى الله عبد العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى حامدا الله ومصليا على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم.

٣١

صورة الفتوى الشريفة

الصادرة والمتعلقة بعدم جواز تدريس صحيح البخارى داخل بيت الله الحرام.

السؤال :

ما تقول السادة العلماء أساتذة الدين ـ قمع الله تعالى بهم المفسدين وقطع بسيوف أنظارهم الشريفة دوائر المبتدعة والملحدين ـ فى الجرأة على بيت الله الحرام ـ زاده الله تعالى تشريفا واحتراما ومهابة وإجلالا إلى يوم القيامة ـ وهتك حرمته بإدخال أطباق اللوز والزبيب فى جوفه وتدريس كتاب البخارى فى المدارس وغيرها ما حكم هذا التدريس المذكور على هذا الأسلوب المذكور فى جوف هذا البيت العتيق المحترم مهبط الرحمة والنور أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة.

الجواب الذى أعطى ردا على السؤال المذكور :

الحمد لله لا شك أن النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بعث بلسان الشرع وقد أمره الله بتبليغ الشرع قال عز من قائل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (المائدة : ٦٧). أو رسالاته أى وإن لم تبلغ بعض ما أمرت به فحكمك حكم من لم يبلغ شيئا والمبلّغ الكتاب العزيز والسنة الشريفة التى هى أقواله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأفعاله وتقريراته وعزمه وهمته ، فكل من الكتاب والسنة مأمور بتبليغه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل : ٤٤) والبيان بالسنة وهى وحى قال الله جلّ ثناؤه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (النجم : ٣ ، ٤) وقد بلغ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جميع الموحى إليه من الكتاب والسنة وقد شهد له المولى ـ جل جلاله ـ بتمام التبليغ فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة : ٣) ودخل ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ البيت الحرام وفاقا وخلافا خمس مرات إلا أن بعضها

٣٢

متفق على دخوله فيها وبعضها مختلف (١) فيه ، والصحيح أنه لم يدخل وثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جلس مجلسا فى البيت صلى فى بعضها ولم يوجد له معارض واختلف فى بعضها هل صلى أو دعا فقط وهذا الخلاف فى الصحيح وثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان لا يرفع طرفه إلى البيت ولم يثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان لا يرفع طرفه إلى البيت ولم يثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جلس مجلسا فى البيت للتعليم ولو أقل جلوس إذ لو ثبت لنقل لتوفير دواعى النقل إليه وكذا لم يثبت عن الخلفاء الأربعة ولا عن أحد من أعلام الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وهم القدوة قال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (٢) بل لم يثبت عن أحد من أعلام هذه الأمة كالإمام أبى حنيفة النعمان بن ثابت وأصحابه وكالإمام أحمد وأصحابه من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا فتبين أن دخول البيت الحرام لدرس التفسير والحديث أو غيرهما بدعة شنيعة وخصلة ذميمة منكرة محرمة ويدل على تحريمها ما ثبت بطريق العرف بحيث لا ينكر وقوع التبخير عقب الدرس والشموع وماء الورد وغيره وإنشاد المنشدين وقد يؤتى بأشياء غير متوقعة كأن يحضر العوام الجهلة الدروس فيبادرون إلى أكل ما ذكر ورمى نواه فى البيت ولا شك أن هذا مهين للبيت الحرام الذى هو قبلة الإسلام وقد هدمها ابن الزبير ومن تبعه من الصحابة والتابعين ـ رضى الله تعالى عنهم ـ لا لسبب اقتضاه هدمها سوى ما يقتضيه ترميمها من أنها دون بيوت الأماثل ، وبرد هذه الخصال الذميمة ، سادت الكعبة الشريفة على بيوت الأراذل ، فضلا عن الأكابر فيكون الدخول المؤدى إلى ذلك محرم ولا شك فى جرّ أول دخلة لهذا المقصد للدخلات المقتضية لما تقدم والدخلات تبين أنها محرمة فكان الدخول الأول الجار إليها محرما ، (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، (آل عمران : ٨) (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا

__________________

(١) أنظر : إعلام الساجد (١١١ ـ ١١٢).

(٢) حياة الصحابة لمحمد يوسف الكاند هلوى ١ / ٦ ، وعزاه لجمع الفوائد ٢ / ٢٠١.

٣٣

وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (آخر البقرة) ، ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

نمقه الفقير خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.

السؤال الذى طرحه رضوان أغا :

السؤال :

ما يقول السادة العلماء ، أساتذة الملة والدين ، وقمع الله تعالى بوجودهم المفسدين وقطع بسيوف أنظارهم السديدة دابر كل مبتدع وكل ملحد مهين ، فى التجنى على بيت الله الحرام ـ زاده الله تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما ـ وهتك حرمته بإدخال اللوز والزّبيب ونحوها وأكلها فى جوفه وكذلك إدخال الفرش والبسط مع جماعة وفرش تلك البسط للجماعة فيه وإدخال مجامر البخور وإدارتها بين الجماعة فيه كل ذلك لتدريس كتاب البخارى وإلقائه على الجماعة المذكورين على هيئة تدريسه الكائن فى المدارس وغيرها كل ذلك فى جوف البيت العتيق والكعبة الشريفة المعظمة لا زالت مبجلة محترمة. ما حكم هذا التدريس المذكور بهذا الأسلوب المسطور فى جوف هذا البيت العتيق مهبط الرحمة والنور؟

أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه.

الجواب الذى أعطى ردا على السؤال المذكور :

الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله : غير خاف على ذوى العقول السليمة والأفهام المستقيمة أن السعادة العظمى والكمال الأسنى الأسمى ، فى الاتباع لما فعله النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والاقتداء بما سلكه الأصحاب الكرام أو من جاء بعدهم من التابعين والعلماء الأعلام ، ولم ينقل عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولا عن أحد ممن جاء بعده إلى هذا الزمن ، أنه درس شيئا من العلوم وأبدى شيئا من المواعظ وعقد مجلسا لذكر الله فى وسط الكعبة الشريفة مع احتياج الناس إذ ذاك إلى التعلم ، والالتفات إلى أفعاله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والاقتداء ، بها ولو كان فعل شىء من ذلك فى

٣٤

وسط الكعبة مطلوبا ما تركه ـ عليه الصلاة والسلام ، بل المنقول عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وعن من بعده إنما هو مزيد التواضع والخشية والافتقار والصلاة والدعاء والاستغفار عند دخوله فيها ، ولذلك حذر علماءنا ـ رضى الله عنهم ـ من الزيادة على صلاة ركعتين فيها إذا كان خشوعا وخضوعا متوفرا ، وإلا فالأولى أسرع الخروج منها. وقالوا ليس من الأدب أن يرفع الداخل بصره إلى سقفها لقول عائشة ـ رضى الله عنها ـ كما رواه البيهقى : «عجبا لمن دخل الكعبة كيف يفعل ـ أى يرفع بصره ـ ليدعه إجلالا لله وإعظاما ، دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها» (١).

وقال الإمام أبو على الزعفرانى من أعظم أئمتنا : من أحب دخوله إلى البيت فليدخل بصدق إخلاص محبته لله تعالى وتعظيما له بالخشوع والاستكانة والخضوع خائفا راغبا راهبا ذاكرا مستغفرا داعيا متضرّعا إذا علمت ذلك وأن المعروف من حال النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأحوال من بعده عند الدخول فيها ما ذكر ، ونظرت فى قول النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ «من أحدث ـ أى ابتدع أىّ شئ واخترعه من قبل نفسه ـ فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو (٢) رد» أى مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به.

وقوله عليه الصلاة والسلام : «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من المهتدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة» (٣) ، وقول إمامنا الشافعى ـ رضى الله عنه ـ : من أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة المذمومة ، وفعل هذا الشخص المذكور لما ذكر على الوجه المذكور بدعة قبيحة شنيعة وتجرؤ منه على بيت الله ـ تعالى ـ لما فيه من هتك حرمته

__________________

(١) أخرجه الحاكم فى المستدرك على الصحيحين ، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. أنظر : إعلام الساجد ص ١٠٥.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٤٠ ، ٢٧٠. وغيرهما.

(٣) طرف من حديث رواه الترمذى وأبو داود ، أنظر : حياة الصحابة ١ / ٥. سنن أبى داود ٤ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، مسند الإمام أحمد ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧. وغيرها.

٣٥

وإساءة الأدب مع الله ـ تعالى ـ والإخلال بتعظيمه وإجلاله. إذ المراد من تعظيم الكعبة تعظيم من هى منسوبة إليه والإخلال بحرمتها إخلال بحق الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهذا من أقبح الأفعال ويستحق فاعل ما ذكر التأديب وعظيم النكال اللائق به وبما ارتكبه من إدخال ما ذكر بيت الله وجلوسه فيه مجلس تدريس غير مطلوب ، ولا نقل عن أحد ممن سبقه وإنما الحامل له عليه مجرد الشهوة والإرادة والإشاعة.

وقد صرح علماؤنا بأن المراد بالمحدث الذى هو بدعة وضلالة ما ليس له أصل فى الشرع وإنما الحامل عليه مجرد التشهى والإرادة ، وبيت الله تعالى يجب تنزيهه عن أن يفعل فيه شىء مما ذكر لما فيه من الإشعار بالاستحقار بحقه وعدم الاعتناء بشأنه والقيام بحرمته. وهذا خرق عظيم ووبال على فاعله وخيم ويترتب على السكوت على هذه الداهية العظمى ـ إن لم يزجر فاعلها ـ امتداد رقاب غيره إلى فعل ما فعله ليكون له شهرة بذلك فيصير بيت الله ـ الذى عظمه النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بدخوله فيه بغاية التواضع ملعبة إن مكّن طالب ذلك منه. وإضافة لذلك فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح ـ على تقدير وجودها ـ فكيف وهذا الفعل على الوجه المذكور ليس إلا هتكا لحرمة بيت الله الذى إجلاله من إجلاله.

ومما دل على ما ذكرناه من كون فعل هذا الشخص بدعة شنيعة ، إنكار ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ على الجماعة الذين اجتمعوا فى المسجد يدعون اجتماعهم على هذه الهيئة المخصوصة التى لم يفعلها النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والإنكار من هذا الصحابى العظيم على من ذكر لاجتماعهم على هذه الهيئة ، إشارة بأنهم مفتحو باب الضلالة فلا مراء أن من فعل هذا فهو من أشنع البدع وأكرهها وأقبحها والإنكار عليه من الأمر اللازم لينزجر هو وأمثاله عن العود إلى مثل هذا الفعل الغير اللائق بحرمة بيت الله تعالى ، وحديث الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا يشك من له أدنى مكنة فى العلم أنه أفضل ما يقرأ لكن لما كان المقصود من دخول الكعبة الشريفة الصلاة والدعاء والاستغفار كما فعل ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان المنع

٣٦

من القراءة فيها من اللازم لإحداث أمر لم يكن مطلوبا فيها ، ولم يترتب على ذلك ما ذكرناه وقد صرح العلماء بأن كل عبادة خصت بمحل لا يفعل غيرها بذلك المحل ، ولذلك قالوا : إن قراءة القرآن بالطواف خلاف الأولى لاختصاص الطواف بأذكار تقال فيه فمنعهم من اشتغال الطائفة بقراءة القرآن الذى هو أعظم من غيره يدل على منع المشتغل بقراءة الحديث فى جوف الكعبة لاختصاصها لما ذكرناه ، فكيف بقراءته على الوجه المذكور المشعر بغاية الاستحقار والإخلال لعظمتها وحرمتها ، أعاذنا الله من ارتكاب ما لا يليق بجلالة بيت الله وحرمته ومن تعدى حدوده وانتهاك حرمته ووفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه.

حرره الفقير عبد العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى.

* * *

٣٧

الوجهة الثالثة

هذه الوجهة تشمل صورا ستة :

تبين عدد المرات التى وسع فيها المسجد الحرام السعيد.

ومن قام بتوسيعه وترتيبه وكيفية ذلك ومتى بدأ الأهالى الكرام بإرسال الصرر إلى الحرمين الشريفين؟

ومتى أخذت ذلك عادة؟ وما الأسباب التى أدت إلى زيادتها وما مقدار تلك الصرر التى ترسل؟ ومن الذين ترسل لهم؟ ومن الذين ينالون الهدايا؟ وما مقدار الوقود ـ وسائر ما تمس الحاجة إليه فى المسجد الحرام؟ وكذلك القناديل وشتى أنواع الشموع مع بيان مقدارها ونوعها ، وتبين كذلك أول من أنشأ عين زبيدة ذاكرة مجاريها وقنواتها والذين جددوها وعمروها وأصلحوها وعدد ذلك.

٣٨

الصورة الأولى

فى توسيع وتعديل الحرم الشريف لأول مرة

أول من تفضل بتوسيع الحرم الشريف للمرة الأولى هو عمر بن الخطاب رضى عنه الله الوهاب.

كان ما يحيط بالمسجد الحرام إلى عصر الخليفة سيدنا «عمر الفاروق» المبارك وزمانه المقرون بالعدل والقسطاس ساحة رملية شبيهة بالصحراء ، ولم يكن هناك ما نراه اليوم من مبان ، بل كان مساكن فقراء الغرباء المصنوعة من القش والحصير ، وكانت هناك طرق ملتوية بين الأكواخ للوصول إلى حرم الكعبة المعظمة.

أما المسجد الحرام وهو توأم حرم الجنة فكان فى تلك الآونة ممتدا إلى ما وراء مقام إبراهيم والمنبر الشريف ، فأما الذى مازال موجودا إلى اليوم أمام الكمر الذى يسمى اليوم ب «باب السلام العتيق» قد وضع علامة مميزة لحدود الحرم الشريف القديم.

ولم يغير وضع الحرم الشريف القديم فى عهد أبى بكر الصديق لقلة المؤمنين وأبقى كما هو. لم توسع ساحة الحرم الشريف فى ذلك العهد لاستيعابها مسلمى تلك الآونة.

إلا أن عدد المسلمين قد زاد فى عصر عمر الفاروق المتميز بالعبادة بحيث ضاقت كل الساحة ذات الفيوضات الإلهية لبيت الله بجموع المسلمين ولم تستوعبهم ، وأصبح توسيع مساحة بيت الله وتفسحها يتجاوز درجة الوجوب ، وهكذا اشترى عمر بن الخطاب (رضى عنه الله الوهاب) الأكواخ والدويرات الملتصقة بالمطاف وضمها إلى المسجد الحرام ، ولكن ذلك التوسيع لم يف بالغرض مما اقتضى ضمّ البيوت الأخرى الكائنة حول الحرم إلى ساحة الحرم ، وهذا ما دعا الخليفة إلى شراء بعض المنازل التى ستساعد على التوسيع.

٣٩

وفى هذه المحاولة الثانية للتوسيع لم يرض أصحاب المنازل بالتنازل عن دورهم ، بل سعوا لإحداث فتنة بنشر أقوال مغرضة.

حينئذ استدعى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ المعترضين على إعطاء بيوتهم وقال لهم : «لم يبن بيت الله فى وسط بيوتكم ، بل أنتم الذين بنيتم بيوتكم حوله ، وضيقتم الساحة المقدسة لكعبة الله» ثم دبر المبالغ اللازمة لشراء تلك الدور كما قدر ثمنها أهل الخبرة ، ووضعها فى خزانة كعبة الله ثم هدم تلك البيوت وألحق أرضها بالمسجد الحرام ، وهكذا وسع حرم المسجد الحرام على الوجه المطلوب.

ثم أحاط الحرم الشريف بسور يزيد ارتفاعه على قدمين قليلا من جهاته الأربعة لتوضع عليه القناديل والشموع ، ثم أمر بفتح بوابات مقابل الطرق التى تركها قصى» بن كلاب للدخول فى المطاف السعيد. وفى ختام هدم المنازل جاء أصحابها إلى حضرة الفاروق عارضين ندمهم وأسفهم ، ورجوه أن يعطيهم نقودا كافية لشراء سكن فأعطاهم المبالغ التى وضعها فى خزانة بيت الله من قبل ، وهكذا أرضاهم وأسكتهم وكان ذلك فى سنة ١٧ الهجرية (١).

* * *

__________________

(١) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٦٨ ـ ٦٩.

٤٠