كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

" حَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ دَخَلَ مِحْفَنُ بْنُ أَبِي مِحْفَنٍ الضَّبِّيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَلْأَمِ الْعَرَبِ وَأَبْخَلِ الْعَرَبِ وَأَعْيَا الْعَرَبِ وَأَجْبَنِ الْعَرَبِ قَالَ وَمَنْ هُوَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مُعَاوِيَةُ اسْمَعُوا يَا أَهْلَ الشَّامِ مَا يَقُولُ أَخُوكُمُ الْعِرَاقِيُّ فَابْتَدَرُوهُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُهُ عَلَيْهِ وَيُكْرِمُهُ فَلَمَّا تَصَدَّعَ النَّاسُ عَنْهُ قَالَ لَهُ كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ يَا جَاهِلُ كَيْفَ يَكُونُ أَلْأَمَ الْعَرَبِ وَأَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَنَّى يَكُونُ أَبْخَلَ الْعَرَبِ فَوَ اللهِ لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ بَيْتُ تِبْنٍ وَبَيْتُ تِبْرٍ (١) لَأَنْفَدَ تِبْرَهُ قَبْلَ تِبْنِهِ وَأَنَّى يَكُونُ أَجْبَنَ الْعَرَبِ فَوَ اللهِ مَا الْتَقَتْ فِئَتَانِ قَطُّ إِلَّا مَا كَانَ فَارِسُهُمْ غَيْرَ مُدَافِعٍ وَأَنَّى يَكُونُ أَعْيَا الْعَرَبِ فَوَ اللهِ مَا سَنَّ الْبَلَاغَةَ لِقُرَيْشٍ غَيْرُهُ وَلَمَا قَامَتْ أُمُّ مِحْفَنٍ عَنْهُ أَلْأَمَ وَأَبْخَلَ وَأَجْبَنَ وَأَعْيَا لِبَظْرِ أُمِّهِ (٢) فَوَ اللهِ لَوْ لَا مَا تَعْلَمُ لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ فَإِيَّاكَ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَالْعَوْدَ إِلَى مِثْلِ هَذَا قَالَ وَاللهِ أَنْتَ أَظْلَمُ مِنِّي فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاتَلْتَهُ وَهَذَا مَحَلُّهُ قَالَ عَلَى خَاتَمِي هَذَا حَتَّى يَجُوزَ بِهِ أَمْرِي قَالَ فَحَسْبُكَ ذَلِكَ عِوَضاً مِنْ سَخَطِ اللهِ وَأَلِيمِ عَذَابِهِ قَالَ لَا يَا ابْنَ مِحْفَنٍ وَلَكِنِّي أَعْرِفُ مِنَ اللهِ مَا جَهِلْتَ حَيْثُ يَقُولُ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).

قلت قد شهد معاوية من فضل علي علیهما السلام بما كان يعرف أضعافه ورأى مع ذلك عصيانه ومنابذته وخلافه وناصبه العداوة حتى قتل بينهما ألوف متعددة واستمر على سبه على المنابر بهمة لا وانية في ذلك ولا مترددة وأوصى على الاستمرار عليها بنيه وبني أبيه واتخذها سنة جرى على بدعته هو ومن يقتفيه إلى أن أجرى الله رفعها على يد عمر بن عبد العزيز رحمه‌الله فوفقه الله لصوابها وهداه إلى ثوابها و

________________

(١) التبر ـ بكسر التاء ـ : الذهب غير مضروب.

(٢) قال الجزريّ ـ البظر بفتح الباء ـ : الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان. ثم قال بعد كلام له : والعرب تطلق هذا اللفظ في الذم وان لم تكن أم من يقال له خاتنة واللام للتعليل ، وما قامت عنه انه كناية عنه نفيه

٤٢١

أنجاه من أليم عذابها ووبيل عقابها.

ثم إن معاوية يجعل عذره فيما صنع واعتماده في الفتنة التي خب فيها ووضع وعصره في الدماء التي أراقها وملاذه في النار التي وراها وقوى إحراقها الاعتماد على رحمة الله ولعمري إنها قريبة من المحسنين (١) فأين إحسانه وحاصله لصالحي المؤمنين فأين صلاحه وإيمانه وشفاعة نبيه معدة للمذنبين أفيشفع له وهذا شأنه هيهات إنها من أماني النفوس الكاذبة وتعللاتها الباطلة الخائبة

حملوها يوم السقيفة أوزارا

تخف الجبال وهي ثقال

ثم جاءوا من بعدها يستقيلون

وهيهات عثرة لا تقال

" وَحَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ قَدِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَانَ يَلْبَسُ أَدْنَى ثِيَابِهِ وَيَخْفِضُ مِنْ شَأْنِهِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَكْرَهُ إِظْهَارَهُ لِشَأْنِهِ وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِمَوْتِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَسَجَدَ شُكْراً لِلَّهِ تَعَالَى وَبَانَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ وَذَكَرْتُ مِنْهُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ لِابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَهُمْ فَدَخَلَ فَاسْتَدْنَاهُ وَكَانَ قَدْ عَرَفَ بِسَجْدَتِهِ فَقَالَ لَهُ أَتَدْرِي مَا حَدَثَ بِأَهْلِكَ قَالَ لَا قَالَ فَإِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ علیهما السلام تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ فَعَظَّمَ اللهُ لَكَ الْأَجْرَ فَقَالَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ الْمُصِيبَةَ بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ مُصِيبَتَنَا بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَتْنِي سَجْدَتُكَ فَلَا أَظُنُّ ذَلِكَ إِلَّا لِوَفَاتِهِ وَاللهِ لَا يَسُدُّ جَسَدُهُ حُفْرَتَكَ وَلَا يَزِيدُ انْقِضَاءُ أَجَلِهِ فِي عُمُرِكَ وَلَطَالَ مَا رُزِينَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْحَسَنِ (٢) ثُمَّ جَبَرَ اللهُ.

قَالَ مُعَاوِيَةُ كَمْ كَانَ أَتَى لَهُ مِنَ الْعُمُرِ قَالَ شَأْنُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْهَلَ مَوْلِدُهُ قَالَ أَحْسَبُهُ تَرَكَ صِبْيَةً صِغَاراً قَالَ كُلُّنَا كَانَ صَغِيراً فَكَبِرَ قَالَ

________________

(١) لقوله تعالى«إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»وليس بمعلوم ان معاوية ناسى في ذلك الكلام عن هذه الآية أم تناسى ، أو رأى ان ابن محفن لم يكن حاويا لكتاب اللّه وآياته فتمسك بالآية لإحجامه.

(٢) الرزء والرزية : المصيبة العظيمة.

٤٢٢

أَصْبَحْتَ سَيِّدَ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا مَا أَبْقَى اللهُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فَلَا ثُمَّ قَامَ وَعَيْنُهُ تَدْمَعُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلَّهِ دَرُّهُ لَا وَاللهِ مَا هَيَّجْنَاهُ قَطُّ إِلَّا وَجَدْنَاهُ سَيِّداً.

وَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَزَاءِ فَقَالَ يَا ابْنَ الْعَبَّاسِ أَمَا تَدْرِي مَا حَدَثَ فِي أَهْلِكَ قَالَ لَا قَالَ هَلَكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَعَظَّمَ اللهُ لَكَ الْأَجْرَ قَالَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) رَحِمَ اللهُ أُسَامَةَ وَخَرَجَ وَأَتَاهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى مُحَاقَّتِهِ (١) فَصَلَّى فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَأَحْوَالِ الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يُجِيبُ وَافْتَقَدَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَقِيلَ إِنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَضْرِبُوا مَعَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ قَبْلَ اللَّيْلِ لَفَعَلَ فَقَالَ نَحْنُ أَظْلَمُ مِنْهُ حَبَسْنَاهُ عَنْ أَهْلِهِ وَمَنَعْنَاهُ حَاجَتَهُ وَنَعَيْنَا إِلَيْهِ أَحِبَّتَهُ انْطَلِقُوا فَادْعُوهُ فَأَتَاهُ الْحَاجِبُ فَدَعَاهُ فَقَالَ إِنَّا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ لَمْ نَقُمْ حَتَّى نُصَلِّي أُصَلِّي إِنْ شَاءَ اللهُ وَآتِيهِ.

فَرَجَعَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَأَتَاهُ فَقَالَ حَاجَتَكَ فَمَا سَأَلَهُ حَاجَةٌ إِلَّا قَضَاهَا وَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا دَخَلْتَ بَيْتَ الْمَالِ فَأَخَذْتَ حَاجَتَكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَهْلُ الشَّامِ مِيلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى الدُّنْيَا فَعَرَفَ مَا يُرِيدُهُ فَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ فَإِنْ أَذِنْتَ أَنْ أُعْطِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَعَلْتَ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا دَخَلْتَ فَأَخَذْتَ حَاجَتَكَ فَدَخَلَ فَأَخَذَ بُرْنُسَ خَزٍّ أَحْمَرَ (٢) يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ لِي حَاجَةٌ فَقَالَ مَا هِيَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ عَرَفْتَ فَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَقَدْ كَفَاكَهُ الْمَوْتُ أُحِبُّ أَنْ لَا يُشْتَمَ عَلَى مَنَابِرِكُمْ قَالَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَذَا أَمْرُ دِينٍ أَلَيْسَ أَلَيْسَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَعَدَّدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْلَى لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ وَ (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وَتَوَجَّهْ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قلت أولى لك قال الجوهري تهدد ووعيد وقال الأصمعي أي قاربه ما

________________

(١) حاق محاقة في الامر : خاصمه ورافعه وادعى انه أولى بالحق.

(٢) البرنس : كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلا به.

٤٢٣

يهلكه أي نزل به قال ثعلب لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي.

فأما إقدام معاوية وطغيانه واستمراره على ما سول له شيطانه وإعلانه على رءوس الأشهاد بما نطق به لسانه وجعله سب أمير المؤمنين علیهما السلام من أمور الدين فاغرا بذلك فاه بين المسلمين منتهكا بذلك ما وجب له علیهما السلام من الحرمة غير مراقب في ذلك إلا ولا ذمة خارجا على الإمام واثبا على الأمة فمما يقضي منه العجب لفرط تمرده وتتحير الخواطر من جريه في حلبات عصيانه في أمسه ويومه وغده وتذهل الألباب من ادعائه الإسلام مع جناية يده وإن كان قد جعله سترا دون أفعاله ووقاية لجاهه وماله ونظرا لدنياه مع غفلة عن ماله نعوذ بالله من الفتنة في الأديان والتورط في حبالات الشيطان.

" وَحَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْتَحِقُّوا الْخِلَافَةَ كَمَا اسْتَحْقَقْتُمُ النُّبُوَّةَ وَلَا يَجْتَمِعَانِ لِأَحَدٍ حُجَّتُكُمْ فِي الْخِلَافَةِ شُبْهَةٌ عَلَى النَّاسِ تَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَمَا بَالُ خِلَافَةِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فِي غَيْرِنَا وَهَذِهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ فَأَمَّا الْخِلَافَةُ فَتَنْقَلِبُ فِي أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ بِرِضَا الْعَامَّةِ وَشُورَى الْخَاصَّةِ فَلَمْ يَقُلِ النَّاسُ لَيْتَ بَنِي هَاشِمٍ وَلَّوْنَا وَلَوْ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَلَّوْنَا لَكَانَ خَيْراً لَنَا فِي دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا فَلَا هُمْ حَيْثُ اجْتَمَعُوا عَلَى غَيْرِكُمْ تَمَنَّوْكُمْ وَلَوْ زَهَدْتُمْ فِيهَا أَمْسِ لَمْ يُقَاتِلُوا عَلَيْهَا الْيَوْمَ.

وَأَمَّا مَا زَعَمْتُمْ أَنَّ لَكُمْ مَلِكاً هَاشِمِيّاً وَمَهْدِيّاً قَائِماً فَالْمَهْدِيُّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ علیهما السلام وَهَذَا الْأَمْرُ فِي أَيْدِينَا حَتَّى نُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ وَلَعَمْرِي لَئِنْ مَلَكْتُمُونَا مَا رَائِحَةُ عَادٍ وَصَاعِقَةُ ثَمُودَ بِأَهْلَكَ الْيَوْمَ مِنْكُمْ لَنَا ثُمَّ سَكَتَ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا نَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ بِالنُّبُوَّةِ فَنَعَمْ فَإِذَا لَمْ نَسْتَحِقَّهَا بِهَا فَبِمَ تَسْتَحِقُّهَا.

وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَحَدٍ فَأَيْنَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (١) فَالْكِتَابُ :

________________

(١) النساء : ٥٤.

٤٢٤

النُّبُوَّةُ وَالْحِكْمَةُ السُّنَّةُ وَالْمُلْكُ الْخِلَافَةُ وَنَحْنُ آلُ إِبْرَاهِيمَ أَمْرُ اللهِ فِينَا وَفِيهِمْ وَالسُّنَّةُ لَنَا وَلَهُمْ جَارِيَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ حُجَّتَنَا مُشْتَبِهَةٌ فَوَ اللهِ لَهِيَ أَضْوَأُ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنْوَرُ مِنْ نُورِ الْقَمَرِ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَكِنْ شَيْءٌ عَطَفَكَ وَصَعَّرَكَ (١) قَتْلُنَا أَخَاكَ وَجَدَّكَ وَأَخَاهُ وَخَالَكَ فَلَا تَبْكِ عَلَى أَعْظَمِ حَائِلَةٍ وَأَرْوَاحِ (٢) أَهْلِ النَّارِ وَلَا تَغْضَبَنَّ لِدِمَاءٍ أَحَلَّهَا الشِّرْكُ وَوَضَعَهَا.

فَأَمَّا تَرْكُ النَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْنَا فَمَا حُرِمُوا مِنَّا أَعْظَمُ مِمَّا حُرِمْنَا مِنْهُمْ.

وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا زَعَمْنَا أَنَّ لَنَا مَلِكاً مَهْدِيّاً فَالزَّعْمُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى شِرْكٌ قَالَ تَعَالَى (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) وَكُلٌّ يَشْهَدُ أَنَّ لَنَا مَلِكاً وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَبَعَثَ اللهُ لِأَمْرِهِ مِنَّا مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً لَا تَمْلِكُونَ يَوْماً وَاحِداً إِلَّا مَلَكْنَا يَوْمَيْنِ وَلَا شَهْراً إِلَّا مَلَكْنَا شَهْرَيْنِ وَلَا حَوْلاً إِلَّا مَلَكْنَا حَوْلَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ الْمَهْدِيَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا يَنْزِلُ عِيسَى عَلَى الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ يَذُوبُ كَمَا تَذُوبُ الشَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ مِنَّا رَجُلٌ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَلَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهُ.

وَأَمَّا رِيحُ عَادٍ وَصَاعِقَةُ ثَمُودَ فَإِنَّهُمَا كَانَا عَذَاباً وَمُلْكُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَحْمَةٌ.

" حَدَّثَ الزُّبَيْرُ قَالَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَجَلَسَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِمَ تُعْرِضُ عَنِّي فَوَ اللهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنِ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَ ذَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِماً وَكُنْتَ كَافِراً قَالَ لَا وَلَكِنِ ابْنُ عَمِّي عُثْمَانُ قُتِلَ مَظْلُوماً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ قُتِلَ مَظْلُوماً قَالَ إِنَّ عُمَرَ قَتَلَهُ كَافِرٌ وَإِنَّ عُثْمَانَ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَاكَ أَدْحَضُ لِحُجَّتِكَ (٣) فَأَسْكَتَ مُعَاوِيَةُ

________________

(١) الصعر : الميل في الخد خاصّة وقد صعر خده (ه. م).

(٢) أعظم جمع العظم وقوله حائلة اي متغيرة بالية. من قولهم حال الشيء : أتى عليه أحوال اي سنون.

(٣) دحض الحجة : ابطلها.

٤٢٥

وَحَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أُوصِي مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَنِي بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَنْ تَوَلَّاهُ فَقَدْ تَوَلَّانِي وَمَنْ تَوَلَّانِي فَقَدْ تَوَلَّى اللهَ وَمَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ.

أقول لا ريب أن القلم استحلى المناقب فجرى سعيا على رأسه ووجد مجالا فسيحا فأعنق في حلبة قرطاسه (١) ورأى مكان القول ذا سعة فقال واعتقلته الأيام مدة فألان حين ألقى العقال ولو لا كف غربه لاستمر على غلوائه (٢) فإن طلبه حصر ما لا يتناهى معدود من ضعف رأيه ومن أين يحصر مناقب الإمام علیهما السلام وهي تتجاوز حد الإكثار وكيف يمكن عد مفاخره وبيته بيت الشرف والفخار إليه تنتهي مكارم الأخلاق وعنه يحدث بزكاء الأعراق وهو الحجة على العباد والمحجة المسلوكة ليوم المعاد ونور الله الذي من استضاء به اهتدى وعروته التي من اعتلق بها فما راح عن الحق ولا اعتدى وبابه الذي منه الدخول إلى طاعته ورضوانه وسبيله الذي يؤدي إلى الفوز بعالي جنانه وعصمته التي من اعتلق بحبالها اعتصم وميثاقه الذي من التزم به فقد التزم وإذا كانت الإطالة لا تبلغ وصف كماله والإطناب لا يحيط بنعت فضله وإفضاله فالأولى أن يقتصر على ما ذكرناه من شرفه وجلاله فحاله صلی الله علیه وسلم أشهر من أن يحتاج إلى التنبيه على حاله.

وهذه الأخبار التي أوردتها ونسبتها إلى ناقليها ربما قال قائل هذه أخبار آحاد لا يعول عليها ولا يستند في إثبات المطلوب إليها.

فالجواب عن ذلك إنا معاشر الشيعة ننقل ما ننقله في فضائله من طرق أصحابنا وإجماعهم وفيهم الإمام المعصوم فلا حاجة هنا إلى آحادكم ولا متواتركم وأنتم تعملون بأخبار الآحاد فدونكم إلى العمل بها ثم إن هذه الأخبار قد

________________

(١) الحلبة : الدفعة من الخيل في الرهان خاصّة.

(٢) الغرب : الحدة والنشاط وكففت من غربه : اي من حدته. وغلواء الشباب : ـ بضم العين وفتح اللام ـ نشاطه وسرعته.

٤٢٦

يحصل المجموع ما جاءوا به معنى التواتر كما إنه إذا سمعنا أن إنسانا ما بلغ من الملك مكانة جليلة ثم بلغنا أن الملك يتزيد في الإحسان إليه وإنا في كل يوم نسمع من جهات مختلفة بتخصيصه إياه بضروب من إنعامه فإنا نستفيد من جملة ذلك أن مكانته منه مكينة وأن محله منه عظيم فكذاك الحال في هذا وحيث ملنا إلى الاقتصار على هذا القدر فلنشرع في ذكر قتله صلی الله علیه وسلم وكيف جرت الحال فيه ونختم هذا المجلد الأول بذلك (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

في ذكر قتله ومدة خلافته وذكر عدد

أولاده صلى الله عليه وآله

قَالَ أَبُو الْمُؤَيَّدِ الْخُوَارِزْمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِ أَنَّهُ عَادَ عَلِيّاً فِي شَكْوَى اشْتَكَاهَا قَالَ فَقُلْتُ لَهُ لَقَدْ تَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَكْوَاكَ هَذِهِ فَقَالَ لَكِنِّي وَاللهِ مَا تَخَوَّفْتُ عَلَى نَفْسِي لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ الصَّادِقَ الْمُصَدَّقَ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّكَ سَتُضْرَبُ ضَرْبَةً هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى صُدْغَيْهِ (١) فَيَسِيلُ دَمُهَا حَتَّى تَخْضِبَ لِحْيَتُكَ وَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَشْقَاهَا كَمَا كَانَ عَاقِرُ النَّاقَةِ أَشْقَى ثَمُودَ.

قلت الضمير في أشقاها يعود إلى الأمة وإن لم يجر لها ذكر كما قال تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٢) وكما قال حتى إذا ألقت يدا

________________

(١) الصدغ : ما بين العين والاذن.

(٢) سورة صلی الله علیه وسلم : ٣٢. والضمير في تورات في الآية يرجع إلى الشمس وان لم يجر لها ذكر لأنه شيء قد عرف قال الطبرسيّ (ره) وهذا كقوله سبحانه«إِنَّا أَنْزَلْناهُ»يعنى القرآن ولم يجر له ذكر ، وقوله«كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ»يعنى الأرض ونقل عن الزجاج أنه قال : في الآية دليل يدلّ على الشمس وهو قوله«إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ»فهو في معنى عرض عليه بعد زوال الشمس حتّى تورات الشمس بالحجاب ؛ قال : وليس يجوز الاضمار الا ان يجرى ذكر أو دليل بمنزلة الذكر.

٤٢٧

في كافر (١) ويدل عليه أشقى ثمود.

وَمِنَ الْمَنَاقِبِ مَرْفُوعاً إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ كَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ وَالْبَرَكَ بْنَ عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيَّ وَعَمْرَو بْنَ بَكْرٍ التَّمِيمِيَّ اجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ فَذَكَرُوا أَمْرَ النَّاسِ وَعَابُوا عَلَى وُلَاتِهِمْ ثُمَّ ذَكَرُوا أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا وَاللهِ مَا نَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُمْ شَيْئاً وَقَالُوا إِخْوَانُنَا الَّذِينَ كَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ فَأَرِحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ وَثَأَرْنَا بِهِمْ إِخْوَانَنَا فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ أَنَا أَكْفِيكُمْ أَمْرَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَقَالَ الْبَرَكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَتَعَاهَدُوا وَتَوَافَقُوا اللهَ لَا يَنْكُلُ الرَّجُلَ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي وُجِّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا وَاتَّعَدُوا لِتِسْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ رَمَضَانَ يَثِبُ (٢) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ.

فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ فَخَرَجَ فَلَقِيَ أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ فَرَأَى ذَاتَ يَوْمٍ أَصْحَاباً لَهُ مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ وَكَانَ عَلِيٌّ علیهما السلام قَتَلَ مِنْهُمْ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ عَدَداً فَذَكَرُوا قَتْلَاهُمْ وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا قَطَامِ وَكَانَ عَلِيٌّ قَتَلَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَ عَقْلُهُ

________________

(١) وبعده «وأجن عورات الثغور ظلامها» وهو من معلقات لبيد بن ربيعة يصف الليل وظلمته ، والضمير في القت يرجع إلى الشمس وقال الزوزنى : الكافر : الليل سميت به لكفره الأشياء اي لستره والكفر : الستر والاجنان : الاستار أيضا. والثغر : موضع المخافة وعورته : أشده مخافة. يقول : حتى إذا ألقت الشمس يدها في الليل اي ابتدأت في الغروب وعبر عن هذا المعنى بإلقاء اليد لان من ابتدأ بالشيء قيل القى يده فيه ، وستر الظلام مواضع المخافة ، والضمير في ظلامها للعورات.

(٢) وثب : نهض وقام.

٤٢٨

فَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُكِ حَتَّى تَشْتَفِيَ لِي قَالَ وَمَا تَشَاءِينَ قَالَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَعَبْداً وَقَيْنَةً (١) وَقَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ هُوَ مَهْرُكِ فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيٍّ فَلَا أَرَاكِ تُدْرِكِينَهُ وَلَكِنْ أَضْرِبُهُ ضَرْبَةً قَالَتْ فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ (٢) فَإِنْ أَصَبْتَهُ انْتَفَعْتَ بِنَفْسِكَ وَنَفْسِي وَإِنْ هَلَكْتَ فَ (ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا (٣).

فَقَالَ وَاللهِ مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ فَإِذَا أَدْرَكْتَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَطْلُبُ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ يُقَالُ لَهُ وَرْدَانُ فَكَلَّمَتْهُ فَأَجَابَهَا وَجَاءَ ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلاً مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ شَبِيبُ بْنُ بَجْرَةَ فَقَالَ لَهُ هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِدّاً (٤) كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَكْمُنُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ فَإِنْ نَجَوْنَا شُفِيَتْ أَنْفُسُنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ قَدْ عَرَفْتَ بَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَمَا أَجِدُنِي أَنْشَرِحُ لِهَذَا قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ قَالَ بَلَى قَالَ فَنَقْتُلُهُ بِمَنْ قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا.

فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةٌ فِيهِ فَقَالُوا لَهَا قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَأْتُونِي ثُمَّ عَادُوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قُتِلَ عَلِيٌّ فِي صَبِيحَتِهَا سَنَةَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْتُ فِيهَا صَاحِبِي أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ فَلَمَّا خَرَجَ شَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ

________________

(١) القينة : الأمة المغنية ، وقيل : الأمة مغنية كانت أو غير مغنية.

(٢) الغرة ـ بالكسر ـ : الخدعة.

(٣) الزبرج ـ بالكسر ـ : الزينة من وشى أو جوهر ونحو ذلك وقيل هو الذهب (ه. م)

(٤) الإد : الداهية والامر الفظيع (ه. م).

٤٢٩

فَوَقَعَ سَيْفُهُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ أَوْ بِالطَّاقِ وَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ وَهَرَبَ وَرْدَانُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَأَى سَيْفَهُ فَسَأَلَهُ فَعَرَفَهُ فَقَتَلَهُ وَخَرَجَ شَبِيبٌ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَفِي يَدِ شَبِيبٍ السَّيْفُ فَقَبَضَ عَلَيْهِ الْحَضْرَمِيُّ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ قَدْ أَقْبَلُوا فِي طَلَبِهِ وَسَيْفُ شَبِيبٍ فِي يَدِهِ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ فَنَجَا فِي غُمَارِ النَّاسِ (١).

فَشَدُّوا عَلَى ابْنِ مُلْجَمٍ فَأَخَذُوهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَصَرَعَهُ وَتَحَامَلَ عَلِيٌّ علیهما السلام (٢) فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ وَقَالَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْ عَدُوَّ اللهِ أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا قَالَ شَحَذْتُهُ (٣) أَرْبَعِينَ صَبَاحاً وَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ قَالَ عَلِيٌّ فَلَا أَرَاكَ إِلَّا مَقْتُولاً بِهِ وَمَا أَرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حُنَيْفٍ قَالَ وَاللهِ إِنِّي لَأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ مِنَ الْمِصْرِ قَرِيباً مِنَ السُّدَّةِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فَجَعَلَ يُنَادِي أَيُّهَا النَّاسُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَنَظَرْتُ إِلَى بَرِيقِ السُّيُوفِ وَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ الْحُكْمُ لِلَّهِ لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ فَرَأَيْتُ سَيْفاً ثُمَّ رَأَيْتَ ثَانِياً وَسَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُولُ لَا يَفُوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أُخِذَ وَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ فَدَخَلْتُ فَسَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُولُ (النَّفْسُ بِالنَّفْسِ) فَإِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي فَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي.

وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَى الْحَسَنِ فَزِعِينَ وَابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَادَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ أَيْ عَدُوَّ اللهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَاللهُ مُخْزِيكَ فَقَالَ لَعَنَهُ اللهُ عَلَى مَا تَبْكِينَ إِذًا وَاللهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَسَمَمْتُهُ بِأَلْفٍ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ بِجَمِيعِ

________________

(١) الغمار ـ بالضم ويفتح ـ : جماعة الناس ولفيفهم يقال دخلت في غمار الناس اى في جمعهم المتكاثف.

(٢) تحامل في الامر وبالامر : تحمله على اعياء ومشقة.

(٣) شحذ السكين : أحده.

٤٣٠

أَهْلِ الْمِصْرِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

قَالَ وَدَعَا عَلِيٌّ حَسَناً وَحُسَيْناً علیهما السلام فَقَالَ أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ وَلَا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلَا تَبْكِيَا عَلَى شَيْءٍ زُوِيَ عَنْكُمَا (١) وَقُولَا بِالْحَقِّ وَارْحَمَا الْيَتِيمَ وَأَعِينَا الضَّائِعَ وَاصْنَعَا لِلْأُخْرَى وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ نَاصِراً اعْمَلَا بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا تَأْخُذْكُمَا فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.

ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ وَأُوصِيكَ بِتَوْقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ فَلَا تُوثِقْ أَمْراً دُونَهُمَا ثُمَّ قَالَ أُوصِيكُمَا بِهِ فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا (٢) وَابْنُ أَبِيكُمَا وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ وَقَالَ لِلْحَسَنِ أُوصِيكَ يَا بُنَيَّ بِتَقْوَى اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحَلِّهَا فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَلَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ مِمَّنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَأُوصِيكَ بِعَفْوِ الذَّنْبِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأُمُورِ (٣) وَالتَّعَاهُدِ لِلْقُرْآنِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ علیهما السلام :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ثُمَ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ثُمَّ أُوصِيكَ يَا حَسَنُ وَجَمِيعَ وُلْدِي وَأَهْلِي وَمَنْ يَبْلُغُهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللهِ رَبِّكُمْ (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّ صُلُوحَ ذَاتِ الْبَيْنِ (٤) أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ

________________

(١) الابتغاء بمعنى الطلب. وزوى عنه حقه : منعه إياه.

(٢) الشقيق : الأخ كأنه شق نسبه من نسب أخيه.

(٣) وفي بعض النسخ «في الامر».

(٤) وفي بعض النسخ «صلاح» وفي آخر «اصلاح»

٤٣١

فَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلُوهُمْ يُهَوِّنِ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ وَاللهَ اللهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغَيِّرُوا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا يَضِيعَنَّ بِحَضْرَتِكُمْ (١) وَاللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ صلی الله علیه وسلم مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَاللهَ اللهَ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَسْبِقْكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَاللهَ اللهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَاللهَ اللهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ فَلَا تَخْلُونَ بِهِ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ يُتْرَكَ لَنْ تُنَاظَرُوا وَاللهَ اللهَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّ صِيَامَهُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَاللهَ اللهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَاللهَ اللهَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَاللهَ اللهَ فِي ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكُمْ فَلَا تَظْلِمُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وَاللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَوْصَى بِهِمْ وَاللهَ اللهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَاشْرَكُوهُمْ فِي مَعَاشِكُمْ وَاللهَ اللهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ قَالَ أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ نِسَائِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ لَا تَخَافُنَّ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ يَكْفِيكُمُ مَنْ أَرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ وَلَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَتَوَلَّى الْأَمْرَ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ وَالتَّفَرُّقَ (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) حَفِظَكُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ.

وَلَمْ يَنْطِقْ إِلَّا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حَتَّى قُبِضَ صلی الله علیه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ.

وَكَانَ علیهما السلام نَهَى الْحَسَنَ عَنِ الْمُثْلَةِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا

________________

(١) انظر إلى قوله عليه السلام : لا تغيروا أفواههم وأعجب من حسن هذه الكناية ، فإنه أراد لا تجيعوهم فتغير أفواههم ، فاكتفى بذلك عن التصريح بذكر الجوع وكل أحواله وأقواله عليه السلام عجب (ه. م).

٤٣٢

أُلْفِيَنَّكُمْ (١) تَخُوضُونَ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا يُقْتَلَنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرْ يَا حَسَنُ إِنْ أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً وَلَا تُمَثِّلْ بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ (٢).

فَلَمَّا قُبِضَ صلی الله علیه وسلم بَعَثَ الْحَسَنُ علیهما السلام إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ فَقَتَلَهُ وَلَفَّهُ النَّاسُ فِي الْبَوَارِيِّ وَأَحْرَقُوهُ وَكَانَ أَنْفَذَ إِلَى الْحَسَنِ يَقُولُ إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْداً إِلَّا وَفَيْتُ بِهِ إِنِّي عَاهَدْتُ اللهَ أَنْ أَقْتُلَ عَلِيّاً وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَكَ اللهُ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ فَإِنْ قَتَلْتُهُ وَبَقِيتُ لَآتِيَنَّكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ فَقَالَ أَمَا وَاللهِ حَتَّى تُعَايِنَ النَّارَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ.

وَذَكَرَ أَبُو الْمُؤَيَّدِ فِي مَنَاقِبِهِ يَرْفَعُهُ أَنَّ عَلِيّاً علیهما السلام قَالَ لِأُمِّ كُلْثُومٍ يَا بُنَيَّةِ مَا أَرَانِي إِلَّا قَلَّ مَا أَصْحَبُكُمْ قَالَتْ وَلِمَ يَا أَبَتِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِي وَيَقُولُ لِي يَا عَلِيُّ لَا عَلَيْكَ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ

وَعَنْهُ قَالَ لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ علیهما السلام تِلْكَ الضَّرْبَةَ قَالَ فَمَا فَعَلَ ضَارِبِي أَطْعِمُوهُ مِنْ طَعَامِي وَاسْقُوهُ مِنْ شَرَابِي فَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَوْلَى بِحَقِّي وَإِنْ مِتُّ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَلَا تَزِيدُوهُ عَلَيْهَا ثُمَّ أَوْصَى الْحَسَنَ فَقَالَ لَا تُغَالِ فِي كَفَنِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ وَامْشُوا بَيْنَ الْمَشْيَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً عَجَّلْتُمُونِي وَإِنْ كَانَ شَرّاً أَلْقَيْتُمُونِي (٣) عَنْ أَكْتَافِكُمْ.

" وَبِالْإِسْنَادِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَيُّ وَاحِدٍ أَنْتَ إِنْ حَدَّثْتَنِي مَا كَانَتْ عَلَامَةُ يَوْمِ قَتْلِ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رُفِعَتْ حَصَاةٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَّا كَانَتْ تَحْتَهَا دَمٌ عَبِيطٌ فَقَالَ إِنِّي وَإِيَّاكَ غَرِيبَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ

________________

(١) ألفاه : وجده.

(٢) العقور من الحيوان : الذي يعقر اي يخرج ويقتل ويفترس كالأسد والنمر والذئب والفهد وما أشبهها واشتركها الكلب في السبعية.

(٣) وفي نسخة لقيتموه.

٤٣٣

" وَعَنْهُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرَّفَّاءِ بِالْكُوفَةِ قَالَ كُنْتُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعُونَ حَوْلَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالُوا رَاهِبٌ أَسْلَمَ فَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَقَلَنْسُوَةُ صُوفٍ عَظِيمُ الْخَلْقِ وَهُوَ قَاعِدٌ بِحِذَاءِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كُنْتُ قَاعِداً فِي صُومِعَتِي فَأَشْرَفْتُ مِنْهَا فَإِذَا طَائِرٌ كَالنَّسْرِ قَدْ سَقَطَ عَلَى صَخْرَةٍ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ ثُمَّ طَارَ فَتَفَقَّدْتُهُ فَعَادَ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ كَذَا إِلَى أَنْ تَقَيَّأَ بَاقِيَهُ ثُمَّ طَارَ فَدَنَتِ الْأَرْبَاعُ فَقَامَ رَجُلاً فَهُوَ قَائِمٌ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ حَتَّى انْحَدَرَ الطَّيْرُ فَضَرَبَهُ وَأَخَذَ رُبُعَهُ وَطَارَ وَفَعَلَ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ كَذَلِكَ فَبَقِيتُ أَتَفَكَّرُ وَأَتَحَسَّرُ أَلَا أَكُونُ سَأَلْتُهُ مَنْ هُوَ فَبَقِيتُ أَتَفَقَّدُ الصَّخْرَةَ حَتَّى رَأَيْتَ الطَّيْرَ فَأَقْبَلَ وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فَالْتَأَمَتِ الْأَرْبَاعُ وَصَارَ رَجُلاً فَنَزَلْتُ وَقُمْتُ بِإِزَائِهِ وَدَنَوْتُ مِنْهُ وَسَأَلْتُهُ مَنْ أَنْتَ فَسَكَتَ عَنِّي فَقُلْتُ بِحَقِّ مَنْ خَلَقَكَ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا ابْنُ مُلْجَمٍ فَقُلْتُ وَمَا فَعَلْتَ قَالَ قَتَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَكَّلَ اللهُ بِي هَذَا الطَّائِرَ يَقْتُلُنِي كُلَّ يَوْمٍ قَتْلَةً فَهَذَا خَبَرِي وَانْقَضَّ الطَّائِرُ فَأَخَذَ رُبُعَهُ وَطَارَ فَسَأَلْتُ عَنْ عَلِيٍّ فَقَالُوا ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَسْلَمْتُ.

قلت قد اختصرت بعض ألفاظ هذه القصة لما فيها من تكرار فأثبت معناها وهي تناسب قَوْلَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حِينَ سَأَلَهُ علیهما السلام مَنْ أَشْقَى النَّاسِ قَالَ عَاقِرُ النَّاقَةِ وَضَارِبُكَ عَلَى يَافُوخِكَ هَذَا (١).

وَعَنْهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ لَمَّا أَنْ دَخَلَ رَمَضَانُ كَانَ عَلِيٌّ يَتَعَشَّى لَيْلَةً عِنْدَ الْحَسَنِ وَلَيْلَةً عِنْدَ الْحُسَيْنِ وَلَيْلَةً عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ لُقَمٍ يَقُولُ يَأْتِينِي أَمْرُ اللهِ وَأَنَا خَمِيصٌ إِنَّمَا هِيَ لَيْلَةٌ أَوْ لَيْلَتَانِ فَأُصِيبَ مِنَ اللَّيْلِ.

يقال فلان خميص الحشا أي ضامر البطن.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَمْسَ سِنِينَ وَقُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً قُتِلَ يَوْمَ

________________

(١) اليافوخ : الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل.

٤٣٤

الْجُمُعَةِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَاتَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَدُفِنَ بِالْكُوفَةِ.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ إِنِّي لَشَاهِدٌ لِعَلِيٍّ وَقَدْ أَتَاهُ الْمُرَادِيُّ يَسْتَحْمِلُهُ فَحَمَلَهُ ثُمَّ قَالَ

عَذِيرِي مِنْ خَلِيلِي مِنْ مُرَادٍ (١)

أُرِيدُ حَبَاءَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي

كَذَا أَوْرَدَهُ فَخْرُ خُوَارِزْمَ وَالَّذِي نَعْرِفُهُ

أُرِيدُ حَبَاءَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي

عَذِيرِي .........

الْبَيْتَ (٢) ثُمَّ قَالَ هَذَا وَاللهِ قَاتِلِي قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَلَا تَقْتُلُهُ قَالَ لَا فَمَنْ يَقْتُلُنِي إِذًا ثُمَّ قَالَ

اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَاقِيكَ

وَلَا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا حَلَّ بِنَادِيكَ

لفظ اشدد زيادة على عروض البيت الحيزوم وسط الصدر وما يشد عليه الحزام والحزيم مثله.

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ عَشِقَ امْرَأَةً مِنَ الْخَوَارِجِ مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ يُقَالُ لَهَا قَطَامِ فَنَكَحَهَا وَأَصْدَقَهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام ففي ذلك قال الفرزدق :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب علي بالحسام المصمم (٣)

فلا مهر أغلى من علي وإن غلا

ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم

وذكرت بهذه الأبيات قول القائل :

فلا غرو للأشراف قد عبثت بها

ذئاب الأعادي من فصيح وأعجم

________________

(١) قال الجزريّ قال على وهو ينظر إلى ابن ملجم «عذيرك من خليلك من مراد» يقال : عذيرك من فلان بالنصب اي هات من يعذرك فيه ، فعيل بمعنى فاعل.

(٢) وقال الميداني أيضا في حرف الراء «أريد حباءه ويريد قتلى» هذا مثل تمثل به أمير المؤمنين على كرم اللّه وجهه حين ضربه ابن ملجم لعنه اللّه وباقي البيت «عذيرك من خليلك من مراد».

(٣) الحسام ـ بالضم ـ : السيف القاطع. وصمم السيف : مضى في العظم وقطعه.

٤٣٥

فحربة وحشي سقت حمزة الردى

وحتف علي من حسام ابن ملجم (١)

وَذَكَرَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ طَلْحَةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِهِ قَالَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي وِلَادَتِهِ وَبَيَانِ وَقْتِهَا وَإِذَا كَانَ مَبْدَأُ عُمُرِهِ مَضْبُوطاً وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَوَّلُ وَكَانَ آخِرُ عُمُرِهِ مَضْبُوطاً وَهُوَ الطَّرَفُ الثَّانِي يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ ظُهُورَ مِقْدَارِ مُدَّةِ عُمُرِهِ وَقَدْ صَحَّ النَّقْلُ أَنَّهُ علیهما السلام ضَرَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لَكِنْ قِيلَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ لِتِسْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدْ نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيلَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ وَمَاتَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ ثَالِثَ لَيْلَةٍ ضُرِبَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِينَ لِلْهِجْرَةِ فَيَكُونُ عُمُرُهُ خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً وَقِيلَ بَلْ كَانَ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ وَقِيلَ بَلْ ثمان [ثَمَاناً] وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ بَلْ كَانَ سَبْعاً وَخَمْسِينَ سَنَةً وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَعْضُدُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَعْرُوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا س يَقُولُ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً فَهَذِهِ مُدَّةُ عُمُرِهِ.

وَأَمَّا تَفْصِيلُ قَتْلِهِ فَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ علیهما السلام لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَأَخَذَ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْكُوفَةِ سَبَقَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ إِلَى الْكُوفَةِ يُبَشِّرُ أَهْلَهَا بِهَلَاكِ الشُّرَاةِ الْخَوَارِجِ (٢) فَمَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْكُوفَةِ فِيهَا جَمْعٌ فَخَرَجَ مِنْهَا نِسْوَةٌ فَرَأَى فِيهِنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا قَطَامِ بِنْتُ الْأَصْبَغِ التَّمِيمِيُّ بِهَا مَسْحَةٌ مِنْ حُسْنٍ فَأَحَبَّهَا وَسَاقَ كَمَالُ الدِّينِ حَدِيثَ قَتْلِهِ قَرِيباً مِمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ خُوَارِزْمَ.

وَقَالَ فَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَفِي دَارِهِ إِوَزٌّ فَلَمَّا صَارَ فِي صَحْنِ الدَّارِ تَصَايَحَ

________________

(١) وقد مر البيت في الجزء الأول في قصة أحد وشهادة حمزة عليه السلام أيضا لكن بلفظ آخر وهو قوله :

ولا عار للاشراف ان ظفرت بهم

كلاب الاعادى من فصيح وأعجم ـ الخ

(٢) قال الجزريّ : الشراة هم الخوارج ؛ وانما لزمهم هذا اللقب لأنهم زعموا انهم شروا دنياهم بالآخرة اي باعوها ، والشراة جمع شار ويجوز أن يكون من المشارة : الملاحة.

٤٣٦

فِي وَجْهِهِ فَقَالَ علیهما السلام صَوَائِحُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ وَقِيلَ صَوَارِخُ فَقَالَ ابْنُهُ الْحَسَنُ علیهما السلام مَا هَذِهِ الطِّيَرَةُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ لَمْ أَتَطَيَّرْ وَلَكِنْ قَلْبِي يَشْهَدُ أَنِّي مَقْتُولٌ وَقَالَ إِنَّهُ ضَرَبَهُ وَقَدِ اسْتَفْتَحَ وَقَرَأَ وَسَجَدَ سَجْدَةً فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ عَلَى ضَرْبَةِ عَمْرِو بْنِ وُدٍّ ـ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ ابْنُ طَلْحَةَ فَلَمَّا مَاتَ علیهما السلام غَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَمُحَمَّدٌ يَصُبُّ الْمَاءَ ثُمَّ كُفِّنَ وَحُنِّطَ وَحُمِلَ وَدُفِنَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ بِالْغَرِيِّ وَقِيلَ بَيْنَ مَنْزِلِهِ وَالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ وَاللهُ أَعْلَمُ.

قَالَ وَإِذَا كَانَتْ مُدَّةُ عُمُرِهِ علیهما السلام خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً عَلَى مَا ظَهَرَ فَاعْلَمْ مَنَحَكَ اللهُ بِأَلْطَافِ تَأْيِيدِهِ أَنَّهُ علیهما السلام كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ أَوَّلِ عُمُرِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً فَمِنْهَا بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَالنُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَبْلَهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ وَأَقَامَ مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ عَشَرَ سِنِينَ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ إِلَى أَنْ قُتِلَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً آخِرُ كَلَامِهِ».

وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَرِيباً مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ طَلْحَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَالْخُوَارِزْمِيُّ وَزَادَ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَلْقَوْا إِلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَا فِي نُفُوسِهِمْ

________________

(١) أشعث بن قيس الكندي قد عده الشيخ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم عده من أصحاب عليّ عليه السلام وقال : ثم صار خارجيا ملعونا ، وعن الكشّيّ بسنده عن بعض أصحابنا ان رجلين من ولد الأشعث بن قيس استأذنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فلم يأذن لهما ، فقلت : ان لهما ميلا ومودة لكم؟ فقال : ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعن أقواما فجرى اللعن فيهم وفي أعقابهم إلى يوم القيمة ، وحديث بيعته وعمرو بن حريث وجماعة مع الضب في خارج الكوفة وتسميته أمير المؤمنين استهزاء واخبار عليّ عليه السلام بهذه القضية معروف مشهور في الاخبار وقال في تنقيح المقال : ويكفى في خبث هذا الخبيث نهى أمير المؤمنين (علیهما السلام) عن الصلاة في المسجد الذي بناه بل عده الباقر (علیهما السلام) من المساجد الملعونة وذكر الخبر في ترجمة شبث بن ربعي ثمّ قال : ومات بعد مقتل عليّ عليه السلام بأربعين ليلة ودفن بكوفة : وقيل غير ذلك «انتهى» أقول : وكان الرجل ذا ثروة ومنعة في قبيلة كندة وله صولة وشجاعة وكان ممن خرج مع عليّ عليه السلام إلى صفّين لقتال معاوية وقصة *

٤٣٧

مِنَ الْعَزِيمَةِ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَاطَأَهُمْ عَلَيْهِ وَحَضَرَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِمَعُونَتِهِمْ عَلَى مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَكَانَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَائِتاً فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَ الْأَشْعَثَ يَقُولُ لِابْنِ مُلْجَمٍ النَّجَا النَّجَا بِحَاجَتِكَ (١) فَقَدْ فَضَحَكَ الصُّبْحُ فَأَحَسَّ حُجْرٌ بِمَا أَرَادَ الْأَشْعَثُ فَقَالَ لَهُ قَتَلْتَهُ يَا أَعْوَرُ وَخَرَجَ مُبَادِراً لِيَمْضِيَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُخْبِرَهُ الْخَبَرَ وَيُحَذِّرَهُ الْقَوْمَ فَخَالَفَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام (٢) فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَسَبَقَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَأَقْبَلَ حُجْرٌ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ـ.

وَقَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللهُ وَهَرَبَ الْقَوْمُ نَحْوَ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ وَتَبَادَرَ النَّاسُ لِأَخْذِهِمْ فَأَمَّا شَبِيبُ بْنُ بَجْرَةَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ وَصَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَأَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ لِيَقْتُلَهُ فَرَأَى النَّاسَ يَقْصِدُونَ نَحْوَهُ فَخَشِيَ أَنْ يُعَجِّلُوا عَلَيْهِ وَلَا يَسْمَعُوا مِنْهُ فَوَثَبَ عَنْ صَدْرِهِ وَخَلَاهُ وَطُرِحَ السَّيْفُ عَنْ يَدِهِ وَمَضَى شَبِيبٌ هَارِباً حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَرَآهُ يَحِلُّ الْحَرِيرَ عَنْ صَدْرِهِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا لَعَلَّكَ قَتَلْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَا فَقَالَ نَعَمْ فَمَضَى ابْنُ عَمِّهِ فَاشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ.

وَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ فَإِنَّ رَجُلاً مِنْ هَمْدَانَ لَحِقَهُ فَطَرَحَ عَلَيْهِ قَطِيفَةً كَانَتْ فِي

________________

* شجاعته في وقعة القتال على الماء وثباته في الحرب مع عسكر معاوية قبل رفع المصاحف على الرماح معروفة في كتب التواريخ. لكن الشيطان استحوذ عليه وصار من الخوارج وأعداء عليّ عليه السلام وقد ورثت ولده الخباثة والشقاوة والسعي في اهلاك آل الرسول وفت أفلاذ كبد البتول من أبيهم فهذه جعدة ابنته زوجة الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام وهي التي سفته السم فمات منه كما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة وغيره في غيره ، وهذا ابنه محمّد بن الأشعث الذي سار مع عمر بن سعد إلى كربلا وصار من قتلة سيد الشهداء عليه آلاف التحية والثناء فعليهم لعائن اللّه والملائكة والناس أجمعين.

(١) نجا نجاء في الامر : اسرع وسبق. وقولهم النجاء النجاء اي اسرع اسرع

(٢) أي في الطريق.

٤٣٨

يَدِهِ ثُمَّ صَرَعَهُ وَأَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صلی الله علیه وسلم وَأَفْلَتَ الثَّالِثُ فَانْسَلَّ بَيْنَ النَّاسِ (١) وَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي وَإِنْ سَلِمْتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ وَاللهِ لَقَدِ ابْتَعْتُهُ بِأَلْفٍ وَسَمَمْتُهُ بِأَلْفٍ فَإِنْ خَانَنِي فَأَبْعَدَهُ اللهُ قَالَ وَنَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ يَا عَدُوَّ اللهِ قَتَلْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ إِنَّمَا قَتَلْتُ أَبَاكَ قَالَتْ يَا عَدُوَّ اللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ بَأْسٌ فَقَالَ لَهَا فَأَرَاكِ إِنَّمَا تَبْكِينَ عَلَيَّ إِذًا وَاللهِ لَقَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لَوْ قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ لَأَهْلَكَتْهُمْ فَأُخْرِجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ النَّاسَ لَيَنْهَشُونَ لَحْمَهُ بِأَسْنَانِهِمْ (٢) كَأَنَّهُمْ سِبَاعٌ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا عَدُوَّ اللهِ مَا ذَا فَعَلْتَ أَهْلَكْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَقَتَلْتَ خَيْرَ النَّاسِ وَإِنَّهُ لَصَامِتٌ مَا يَنْطِقُ وَجَاءَ النَّاسُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا مُرْنَا بِأَمْرِكَ فِي عَدُوِّ اللهِ فَقَدْ أَهْلَكَ الْأُمَّةَ وَأَفْسَدَ الْمِلَّةَ فَقَالَ لَهُمْ إِنْ عِشْتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي وَإِنْ هَلَكْتُ فَاصْنَعُوا بِهِ مَا يَصْنَعُ بِقَاتِلِ النَّبِيِّ اقْتُلُوهُ ثُمَّ حَرِّقُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّارِ. وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ عَلِيّاً علیهما السلام الضَّرْبَةُ قَالَ عَلِيٌّ افْعَلُوا بِهِ كَمَا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ يَفْعَلَ بِرَجُلٍ أَرَادَ قَتْلَهُ فَقَالَ اقْتُلُوهُ ثُمَّ حَرِّقُوهُ فَلَمَّا قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام نَحْبَهُ وَفَرَغَ أَهْلُهُ مِنْ دَفْنِهِ جَلَسَ الْحَسَنُ علیهما السلام وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِابْنِ مُلْجَمٍ فَجِيءَ بِهِ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ يَا عَدُوَّ اللهِ قَتَلْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْظَمْتَ الْفَسَادَ فِي الدِّينِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَاسْتَوْهَبَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ النَّخَعِيَّةُ جِيفَتَهُ مِنْهُ لِتَتَوَلَّى إِحْرَاقَهَا فَوَهَبَهَا لَهَا فَأَحْرَقَتْهَا بِالنَّارِ.

وَأَمَّا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ كَانَا مَعَ ابْنِ مُلْجَمٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى قَتْلِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا ضَرَبَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَوَقَعَتْ ضَرَبْتُهُ فِي أَلْيَتِهِ وَنَجَا مِنْهَا وَأُخِذَ فَقُتِلَ مِنْ وَقْتِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ وَافَى عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَدْ وَجَدَ عِلَّةً فَاسْتَخْلَفَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ يُقَالُ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ الْعَامِرِيُّ فَضَرَبَهُ

________________

(١) أفلت اي خلص. وانسل من الرخام : انطلق في استخفاء.

(٢) نهشه : عضه أو أخذه بأضراسه.

٤٣٩

بِسَيْفِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَأُخِذَ وَأُتِيَ بِهِ عَمْراً فَقَتَلَهُ وَمَاتَ خَارِجَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.

قلت هذا موضع بيت ابن زيدون وقد تقدم.

فليتها إذ فدت عمرا بخارجة

فدت عليا بمن شاءت من البشر

هذا آخر ما ذكره المفيد رحمه‌الله في حديث مقتله وإنما أوردته ليعلم موضع نقل أصحابنا وأصحابهم فيه فما الخلاف فيه بطائل.

وقد ورد في موضع مدفنه بالغري من جهة أصحابنا ما هو كاف شاف وليس ذكر ذلك مما يتعلق به غرض والخلاف فيه ظاهر كل الشيعة متفقون على أنه دفن بالغري حيث هو معروف الآن يزار بأخبار يروونها عن السلف وفيهم الإمام المعصوم والجمهور يذكرون مواضع أحدها هذا الموضع وهذا لا يضرنا فيه خلاف من خالف وليكن هذا القدر كافيا (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ).

ذكر أولاده الذكور والإناث عليه وعليه السلام

قَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللهُ أَوْلَادُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَداً ذَكَراً وَأُنْثَى ـ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَزَيْنَبُ الْكُبْرَى وَزَيْنَبُ الصُّغْرَى الْمُكَنَّاةُ أُمَّ كُلْثُومٍ أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بِنْتُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمُحَمَّدٌ الْمُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنَفِيَّةُ وَعُمَرُ وَرُقَيَّةُ كَانَا تَوْأَمَيْنِ وَأُمُّهُمَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ رَبِيعَةَ وَالْعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ الشُّهَدَاءُ مَعَ أَخِيهِمُ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِطَفِّ كَرْبَلَاءَ أُمُّهُمْ أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بْنِ خَالِدِ بْنِ دَارِمٍ وَمُحَمَّدٌ الْأَصْغَرُ الْمُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُبَيْدُ اللهِ الشَّهِيدَانِ مَعَ أَخِيهِمَا الْحُسَيْنِ علیهما السلام بِالطَّفِّ أُمُّهُمَا لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ الدَّارَمِيَّةُ وَيَحْيَى وَعَوْنٌ أُمُّهُمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأُمُّ الْحَسَنِ وَرَمْلَةُ أُمُّهُمَا أُمُّ مَسْعُودٍ بن [بِنْتُ] عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَنَفِيسَةُ وَزَيْنَبُ الصُّغْرَى وَرُقَيَّةُ الصُّغْرَى وَأُمُّ هَانِئٍ وَأُمُّ الْكِرَامِ وَجُمَانَةُ الْمُكَنَّاة بِأُمِّ جَعْفَرٍ وَأُمَامَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ وَخَدِيجَةُ

٤٤٠