كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

غرور (١) وإمساكها محذور من اغتر بها يجور فإنه يجود ببذلها ولا ترغب نفسه في وصلها وقد كان الحسن علیهما السلام عارفا بختلها (٢) عازفا عن الركون إلى أهلها (٣) وَكَانَ كَثِيراً مَا يَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ :

يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا

إِنَّ اغْتِرَاراً بِظِلِّ زَائِلٍ حُمْقٌ

وَرَوَى ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْمَدِينَةَ فَرَأَى رَجُلاً رَاكِباً بَغْلَةً حَسَنَةً قَالَ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ فَمَالَ قَلْبِي إِلَيْهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَامْتَلَأَ قَلْبِي غَيْظاً وَحَنَقاً وَحَسَداً أَنْ يَكُونَ لِعَلِيٍّ علیهما السلام وَلَدٌ مِثْلُهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ أَنْتَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَنَا ابْنُهُ فَقُلْتُ أَنْتَ ابْنُ مَنْ وَمَنْ وَمَنْ وَجَعَلْتُ أَشْتِمُهُ وَأَنَالُ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَاكِتٌ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ فَلَمَّا انْقَضَى كَلَامِي ضَحِكَ وَقَالَ أَحْسَبُكَ غَرِيباً شَامِيّاً فَقُلْتُ أَجَلْ فَقَالَ فَمِلْ مَعِي إِنِ احْتَجْتَ إِلَى مَنْزِلٍ أَنْزَلْنَاكَ وَإِلَى مَالٍ أَرْفَدْنَاكَ وَإِلَى حَاجَةٍ عَاوَنَّاكَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَجِبْتُ مِنْ كَرَمِ أَخْلَاقِهِ فَانْصَرَفْتُ وَقَدْ صِرْتُ أُحِبُّهُ مَا لَا أُحِبُّ أَحَداً غَيْرَهُ.

تنبيه من غفلة وإيقاظ من غفوة

منار مبرات الأجواد وآثار مقامات الأمجاد يتفاوت مقدارها بين العباد بحسب أقطار أقدارها في الاعتقاد وقد جاد الحسن علیهما السلام بما لم تجد بمثله نفس جواد وتكرم بما يبخل به كل ذي كرم وإرفاد فإنه لا رتبة أعظم من الخلافة ولا أعلى من مقامها ولا حكم لملك في الملة الإسلامية إلا وهو مستفاد من أحكامها ولا ذو إيالة ولا ولاية إلا وهو منقاد ببره زمامها واقف

________________

(١) الغرور ـ بالفتح ـ ما غرك وخدعك وصفة غالبة للدنيا ، والغرور ـ بالضم ـ ما اغتر به من متاع الدنيا.

(٢) الختل : الخدعة.

(٣) عزف نفسه عن الشيء : زهدت فيه وملته.

(٤) أرفده : أعطاه

٥٦١

في قضايا تصرفاتها بين نقضها وإبرامها فهي المنصب الأعلى والمنتصب لها صاحب الدنيا فالأمر والنهي متصل بأسبابه والجاه والمال محصل من أبوابه والنباهة والشهرة يستفاد من اقترابه والتقدم والتأخر يرتاد من إرضائه وإغضابه وهو خليفة رسول الله صلی الله علیه وسلم في أمته لإقامة أحكامه وآدابه.

وكان الحسن علیهما السلام قد تقلد بعقد انعقادها واستبد بعقد إيجادها وارتدى بمفوف أبرادها (١) وبايعته ألوف لا تفر يوم جلادها وتابعته سيوف لا تقر في أغمادها وشايعته من قبائل القبائل نفوس آسادها واشتملت جريدة جيشه على أربعين ألفا كل يعد قتله بين يدي الحسن علیهما السلام شهادة ويعتقد قيامه بطاعته عبادة ويرى كونه من أنصاره وشيعته إقبالا وسعادة.

فبينما هو في إقبال أيامها يأمر وينهى وقد أحاط بحال مقامها حقيقة وكنها كشف له التأييد الرباني حالة لم يدركها سواه ولم يستبنها فجاد بالخلافة على معاوية فسلمها إليه وخرج عنها وتكرم بها وحرمها نفسه الشريفة فانسلخ منها.

فلا جرم باعتبار هذه الحال وما أسداه علیهما السلام من الجود والنوال وما أبداه من التكرم والإفضال اعترف له معاوية على رءوس الأشهاد في غضون المقال فقال له يا أبا محمد لقد جدت بشيء لا تجود به أنفس الرجال ولقد صدق معاوية فيما ذكره عقلا ونقلا وعظم ما أسداه إليه الحسن علیهما السلام جودا وبذلا فإن النفوس تتنافس في زينة الدنيا ومتاعها قولا وفعلا وتحرص على إحرازها واقتطاعها حرما وحلا فيركب إلى اكتساب محاب حطامها حزنا وسهلا ويستعذب في إدراك مناها منها أسرا وقتلا.

وفي الجملة :

فهي معشوقة على الغدر لا

تحفظ عهدا ولا تتمم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها

وبفك اليدين عنها تخلى

________________

(١) برد مفوف : رقيق.

٥٦٢

فمن أخرجها على حبها عنه جدير أن يعد جواد الأمجاد وأن يسجل له بإحراز الفلج إذا تفاخرت أمجاد الأجواد.

أقول إن الشيخ كمال الدين رحمه‌الله وقف على أنجد هذا الأمر ولم يقف على أغواره (١) وخاض في ضحاضحه ولم يلحج في أغمر غماره (٢) وعد تسليم الحسن علیهما السلام الخلافة إلى معاوية من كرمه وجوده وإيثاره ولو أنعم النظر (٣) علم أنه لم يسلمها إلى معاوية باختياره وإنه لو وجد أعوانا وأنصارا لقاتله بأعوانه وأنصاره ولكنه آنس من أصحابه فشلا وتخاذلا جروا منه في ميدان الخلاف ومضماره وشحوا بأنفسهم عن مساعدته فرغبوا عن قربه وسخت أنفسهم بمفارقة جواره وأحبوا بعد داره في الدنيا فبعدت في الأخرى دارهم من داره وفر عنه من فر فتوجه عليه العقاب لفراره وحليت الدنيا في أعينهم فلم يردعهم بالغ مواعظه وإنذاره ومالوا إلى معاوية رغبة في زخرف دنياه وطمعا في درهمه وديناره فسلم إليه الأمر حذرا على نفسه وشيعته فما رد القدر بحذاره وطلب حقن الدماء وإسكان الدهماء (٤) فأقره في قراره.

وكيف يجود الحسن علیهما السلام على معاوية بشيء يصطلي الإسلام وأهله بناره أم كيف يرضى تأهيله لأمر قلبه معتقد لإنكاره أم كيف يظن أنه قارب بعض المقاربة وهو يسمع سب أبيه في ليله ونهاره أم كيف ينسب معاوية إلى الصدق وهو مستمر على غلوائه (٥) مقيم على إصراره أم كيف يتوهم فيه الإيمان وهو وأبوه من المؤلفة قلوبهم فانظر في أخباره وهذه جمل تستند إلى تفصيل وقضايا واضحة الدليل

________________

(١) الانجد جمع النجد : ما ارتفع من الأرض واشرف. والاغوار جمع الغور :الكهف.

(٢) الضحضاح : الماء القريب القعر ، ولحج في الامر : دخل فيه ونشب.

(٣) أنعم في الامر : بالغ ـ كأمعن ـ

(٤) الدهماء : الفتنة السوداء المظلمة.

(٥) من غلواء الشباب وهو أوله وشرته.

٥٦٣

وأحوال تفتقر إلى نظر وفكر طويل والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

عاد الكلام إلى تمام ما أورده كمال الدين رحمه‌الله قال :

(زيادة فائدة)

لعل من وقف على هذا التنبيه والإيقاظ يود أن يحيط علما بما حمل الحسن علیهما السلام على خلع لباس الخلافة عنه وإلباسه معاوية فرأيت أن أشير إلى ما ينيل نفسه مناها ويزيل عن فكرته ما عراها وأذكر ما أورده الإمام ـ محمد بن إسماعيل البخاري رحمه‌الله عن الحسن البصري رضي الله عنه وأسنده وأقصه حسب ما تلاه في صحيحه وسرده وفيه ما يكشف حجاب الارتياب ويسعف بمطلوب هذا الباب.

فقال قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُ اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تَوَلَّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ أَيْ عَمْرٌو أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرٍ وَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ وَدَخَلَا عَلَيْهِ وَتَكَلَّمَا وَقَالا لَهُ وَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمُ الْحَسَنُ علیهما السلام إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا (١) قَالا فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا قَالا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إِلَّا أَجَابَاهُ وَقَالا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ.

قَالَ وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَانِبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وقد تقدم هذا الحديث عنه ص.

فمكان انقياد الحسن علیهما السلام إلى الصلح لمعاوية وتسليم الأمر إليه والجنوح إلى

________________

(١) عاث الشيء : فسدت.

٥٦٤

الصلح من آثار الأخبار النبوية ومعدودا من معجزاته صلی الله علیه وسلم انتهى كلام ابن طلحة رحمه‌الله تعالى.

قلت يجب أن تكتفي أيدك الله بما عرفتك به من أن الحسن علیهما السلام إنما صالح معاوية لما علمه من تواكل أصحابه وتخاذلهم وميلهم إلى معاوية ومواصلتهم إياه بكتبهم ورسائلهم ورغبتهم عن حقه وصغوهم إلى أهل الشام وباطلهم فخذلوه كما خذلوا أباه من قبله فقبحا لخاذلهم وفعلهم بأخيه من بعده دال على فساد عقائدهم وقبح فعائلهم فمتى أمعنت النظر وجدت أواخرهم قد انتهجوا سبيل أوائلهم وهمجهم قد نسجوا على منوال أماثلهم

بأسياف ذاك البغي أول سلها

أصيب علي لا بسيف ابن ملجم

ولهم جميعا يوم يظهر فيه ما كانوا يكتمون ويجازون فيه بما كانوا يعملون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ..

وَقَالَ علیهما السلام التَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ مِنْ أَكْبَرِ السُّؤْدُدِ.

وَسُئِلَ عَنِ الْبُخْلِ فَقَالَ هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَا أَنْفَقَهُ تَلَفاً وَمَا أَمْسَكَهُ شَرَفاً. لو أراد علیهما السلام الصناعة لقال سرفا وشرفا لكنهم علیهما السلام بريئون من التكلف منزهون عن التصنع تقطر الفصاحة من أعطافهم وتؤخذ البلاغة من ألفاظهم فهم فرسان الجلاد والجدال وليوث الحروب وغيوث النزال.

أذكر هنا ما نقله من كتاب حلية الأولياء ـ للحافظ أبي نعيم ره قال فأما السيد المحبب والحليم المقرب الحسن بن علي علیهما السلام فله في معاني المتصوفة الكلام المشرق المرتب والمقام المونق المهذب وقد قيل إن التصوف تنوير البيان وتطهير الأكنان.

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يُصَلِّي بِنَا فَيَجِيءُ الْحَسَنُ وَهُوَ سَاجِدٌ صَبِيٌّ صَغِيرٌ حَتَّى يَصِيرَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ فَيَرْفَعُهُ رَفْعاً رَفِيقاً فَلَمَّا صَلَّى صَلَاتَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تَصْنَعُ بِهَذَا الصَّبِيِّ شَيْئاً لَا تَصْنَعُهُ بِأَحَدٍ فَقَالَ هَذَا رَيْحَانَتِي وَإِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَعَسَى اللهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

٥٦٥

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَاضِعاً الْحَسَنَ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ.

وَعَنْ نُعَيْمٍ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا رَأَيْتُ الْحَسَنَ علیهما السلام قَطُّ إِلَّا فَاضَتْ عَيْنَايَ دُمُوعاً وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى يَوْماً يَشْتَدُّ حَتَّى قَعَدَ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَرَسُولُ اللهِ يَفْتَحُ فَمَهُ ثُمَّ يُدْخِلُ فَمَهُ فِي فَمِهِ وَيَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

وَعَنِ الْحَارِثِ قَالَ سَأَلَ عَلِيٌّ ابْنَهُ الْحَسَنَ علیهما السلام عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْمُرُوَّةِ وَيَجِيءُ فِيمَا أَوْرَدَهُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ فِي كَلَامِهِ وَفِي آخِرِهَا قَالَ عَلِيٌّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ لَا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ وَلَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ (١).

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةَ فَقَالَ قَدْ كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ فِي يَدِي يُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ وَيُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى وَحَقْنَ دِمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص.

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ شَهِدْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام حِينَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ بِالنُّخَيْلَةِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ قُمْ فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّكَ تَرَكْتَ هَذَا الْأَمْرَ وَسَلَّمْتَهُ إِلَيَّ فَقَامَ الْحَسَنُ علیهما السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى وَأَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقَّ امْرِئٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقّاً لِي فَقَدْ تَرَكْتُهُ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ وَحَقْنَ دِمَائِهَا (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)

قلت لا تظن الحسن علیهما السلام تردد شاكا في نفسه ومخالفا لاعتقاده ومذهبه لا والله ولكنه جرى على لغة القرآن المجيد في قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى

________________

(١) الاعود : الأنفع.

٥٦٦

هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وعلى ما قَالَ جَدُّهُ صلی الله علیه وسلم لِأَحَدِ أَصْحَابِهِ أَحَدُنَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَعَنْ أَبَانِ بْنِ الطُّفَيْلِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً علیهما السلام يَقُولُ لِلْحَسَنِ كُنْ فِي الدُّنْيَا بِبَدَنِكَ وَفِي الْآخِرَةِ بِقَلْبِكَ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ٥ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَلْقَاهُ وَلَمْ أَمْشِ إِلَى بَيْتِهِ فَمَشَى عِشْرِينَ مَرَّةً مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى رِجْلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام حَجَّ مَاشِياً وَقَسَمَ مَالَهُ نِصْفَيْنِ.

وَعَنْ شِهَابِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام قَاسَمَ اللهَ مَالَهُ مَرَّتَيْنِ حَتَّى تَصَدَّقَ بِفَرْدِ نَعْلِهِ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُذْعَانٍ قَالَ خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَالِهِ مَرَّتَيْنِ وَقَاسَمَ اللهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُعْطِي مِنْ مَالِهِ نَعْلاً وَيُمْسِكُ نَعْلاً وَيُعْطِي وَيُمْسِكُ خُفّاً.

وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ أَكَلْتُ فِي بَيْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ طَعَاماً فَلَمَّا أَنْ شَبِعْتُ أَخَذْتُ الْمِنْدِيلَ وَرَفَعْتُ يَدِي فَقَالَ مُحَمَّدٌ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ إِنَّ الطَّعَامَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ فِيهِ.

وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ امْرَأَةً فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِمِائَةِ جَارِيَةٍ مَعَ كُلِّ جَارِيَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ.

وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَتَّعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام امْرَأَتَيْنِ بِعِشْرِينَ أَلْفاً وَزِقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ (١) فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا وَأَرَاهَا الْحَنَفِيَّةَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ مُحِبٍّ مُفَارِقٍ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَرَجُلٌ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام نَعُودُهُ فَقَالَ يَا فُلَانُ سَلْنِي قَالَ لَا وَاللهِ لَا أَسْأَلُكَ حَتَّى يُعَافِيَكَ اللهُ ثُمَّ أَسْأَلُكَ قَالَ ثُمَّ دَخَلَ الْخَلَاءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ سَلْنِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي قَالَ بَلْ يُعَافِيكَ اللهُ ثُمَّ أَسْأَلُكَ قَالَ قَدْ أَلْقَيْتُ طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي وَإِنِّي قَدْ سُقِيتُ السَّمَّ مِرَاراً

________________

(١) الزقاق : جمع الزق ـ بالكسر ـ جلد يجز ولا ينتف للشراب وغيره.

٥٦٧

فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَالْحُسَيْنُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ يَا أَخِي مَنْ تَتَّهِمُ قَالَ لِمَ تَسْأَلُهُ لِتَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ إِنْ يَكُنِ الَّذِي أَظُنُّ فَإِنَّهُ (أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) وَإِلَّا يَكُنْ فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ بِي بَرِيءٌ ثُمَّ قَضَى ع.

وَعَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ قَالَ لَمَّا حَضَرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ أَخْرِجُونِي إِلَى الصَّحْرَاءِ لَعَلِّي أَنْظُرُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ يَعْنِي الْآيَاتِ فَلَمَّا أُخْرِجَ بِهِ قَالَ اللهُمَّ إِنِّي أَحْتَسِبُ نَفْسِي عِنْدَكَ فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيَّ وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لَهُ أَنَّهُ احْتَسَبَ نَفْسَهُ آخر كلام الحافظ أبو نعيم.

التاسع في كلامه علیهما السلام ومواعظه وما يجري معها

نَقَلَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي حِلْيَتِهِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً علیهما السلام سَأَلَ ابْنَهُ الْحَسَنَ علیهما السلام عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْمُرُوَّةِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ مَا السَّدَادُ فَقَالَ يَا أَبَتِي السَّدَادُ دَفْعُ الْمُنْكَرِ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فَمَا الشَّرَفُ قَالَ اصْطِنَاعُ الْعَشِيرَةِ وَحَمْلُ الْجَرِيرَةِ (١) قَالَ فَمَا الْمُرُوَّةُ قَالَ الْعَفَافُ وَإِصْلَاحُ الْمَالِ قَالَ فَمَا الرِّقَّةُ قَالَ النَّظَرُ فِي الْيَسِيرِ وَمَنْعُ الْحَقِيرِ قَالَ فَمَا اللُّؤْمُ قَالَ إِحْرَازُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَبَذْلُهُ عِرْسَهُ (٢) قَالَ فَمَا السَّمَاحُ قَالَ الْبَذْلُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ قَالَ فَمَا الشُّحُّ قَالَ أَنْ تَرَى مَا فِي يَدَيْكَ شَرَفاً وَمَا أَنْفَقْتَهُ تَلَفاً قَالَ فَمَا الْإِخَاءُ قَالَ الْمُوَاسَاةُ فِي الشِّدَّةِ قَالَ فَمَا الْجُبْنُ قَالَ الْجُرْأَةُ عَلَى الصَّدِيقِ وَالنُّكُولُ عَنِ الْعَدُوِّ قَالَ فَمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ الرَّغْبَةُ فِي التَّقْوَى وَالزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا هِيَ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ (٣) قَالَ فَمَا الْحِلْمُ قَالَ كَظْمُ الْغَيْظِ وَمِلْكُ النَّفْسِ قَالَ فَمَا الْغِنَى قَالَ رِضَا النَّفْسِ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَعَالَى لَهَا وَإِنْ قَلَّ وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ قَالَ فَمَا الْفَقْرُ قَالَ شَرَهُ النَّفْسِ (٤) فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ فَمَا الْمَنَعَةُ قَالَ شِدَّةُ الْبَأْسِ وَمُنَازَعَةُ أَعَزِّ

________________

(١) اصطناع العشيرة : فعل المعروف بهم والاحسان إليهم والجريرة : الذنب.

(٢) العرس : حليلة الرجل وامرأته.

(٣) غنيمة باردة : آتية عفوا من دون قتال.

(٤) الشره : غلبة الحرص.

٥٦٨

النَّاسِ (١) قَالَ فَمَا الذُّلُّ قَالَ الْفَزَعُ عِنْدَ الْمَصْدُوفَةِ (٢) قَالَ فَمَا الْعِيُّ قَالَ الْعَبَثُ بِاللِّحْيَةِ وَكَثْرَةُ النَّزَقِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَةِ (٣) قَالَ فَمَا الْجُرْأَةُ قَالَ مُوَاقَفَةُ الْأَقْرَانِ (٤) قَالَ فَمَا الْكُلْفَةُ قَالَ كَلَامُكَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ قَالَ فَمَا الْمَجْدُ قَالَ أَنْ تُعْطِيَ فِي الْغُرْمِ (٥) وَتَعْفُوَ عَنِ الْجُرْمِ قَالَ فَمَا الْعَقْلُ قَالَ حِفْظُ الْقَلْبِ كُلَّ مَا اسْتَوْدَعْتَهُ قَالَ فَمَا الْخُرْقُ (٦) قَالَ مُعَادَاتُكَ إِمَامَكَ وَرَفْعُكَ عَلَيْهِ كَلَامَكَ قَالَ فَمَا السَّنَاءُ؟ (٧) قَالَ إِتْيَانُ الْجَمِيلِ وَتَرْكُ الْقَبِيحِ قَالَ فَمَا الْحَزْمُ قَالَ طُولُ الْأَنَاةِ (٨) وَالرِّفْقُ بِالْوُلَاةِ قَالَ فَمَا السَّفَهُ قَالَ اتِّبَاعُ الدُّنَاةِ وَمُصَاحَبَةُ الْغُوَاةِ قَالَ فَمَا الْغَفْلَةُ قَالَ تَرْكُكَ الْمَسْجِدَ وَطَاعَتُكَ الْمُفْسِدَ قَالَ فَمَا الْحِرْمَانُ قَالَ تَرْكُكَ حَظَّكَ وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْكَ قَالَ فَمَنِ السَّيِّدُ (٩) قَالَ الْأَحْمَقُ فِي مَالِهِ الْمُتَهَاوِنُ فِي عِرْضِهِ فَيُشْتَمُ فَلَا يُجِيبُ المتهم [الْمُهْتَمُ] بِأَمْرِ عَشِيرَتِهِ هُوَ السَّيِّدُ

________________

(١) المنعة : العز والقوّة قال الفيض «ره» في الوافي والمنازعة الحرب والجهاد في اللّه ، ويحتمل أن يكون المراد بالبأس الهيبة في أعين الناس وبأعز الناس : النفس ، فان أعز الناس عند كل أحد نفسه «انتهى» وقيل لعلّ المراد بأعز الناس أقواهم.

(٢) المصدوقة : الصدق.

(٣) العى. العجز في الكلام. والنزق ـ محركة ـ خفة في كل أمر وعجلة في حمق

(٤) المواقفة بتقديم القاف ـ المحاربة قال الفيروزآبادي الوقاف والمواقفة أن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة.

(٥) العزم ـ بتقديم المعجمة وضمها وسكون المهملة : ما يلزم أداؤها.

(٦) الخرق : الحمق.

(٧) السناء : الرفعة.

(٨) الأناة ، الحلم والوقار.

(٩) وفي تحف العقول «وما السفاه؟ قال : الأحمق في ماله ، المتهاون بعرضه»

٥٦٩

فهذه الأجوبة الصادرة عنه على البديهة من غير روية شاهدة له علیهما السلام ببصيرة باصرة وبديهة حاضرة ومادة فضل وافرة وفكرة على استخراج الغوامض قادرة.

وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام كِتَابٌ كَتَبَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ وَفَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَايَعَهُ النَّاسُ وَهُوَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مِنْ عَبْدِ اللهِ الْحَسَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَخْرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وسلم (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فَأَظْهَرَ بِهِ الْحَقَّ وَرَفَعَ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَذَلَّ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ وَأَعَزَّ بِهِ الْعَرَبَ عَامَّةً وَشَرَّفَ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ خَاصَّةً فَقَالَ تَعَالَى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى تَنَازَعَتِ الْعَرَبُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ فَلَا تَنَازَعُوا سُلْطَانَهُ فَعَرَفَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ وَنَحْنُ الْآنَ أَوْلِيَاؤُهُ وَذَوُو الْقُرْبَى مِنْهُ وَلَا غَرْوَ (١) أَنَّ مُنَازَعَتَكَ إِيَّانَا بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الدِّينِ مَعْرُوفٍ وَلَا أَثَرٍ فِي الْإِسْلَامِ مَحْمُودٍ وَالْمَوْعِدَ اللهُ تَعَالَى بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَنَحْنُ نَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ لَا يُؤْتِيَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا شَيْئاً يَنْقُصُنَا بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَبَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَلَّانِي هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَاتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَانْظُرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم مَا تَحْقُنُ بِهِ دِمَاءَهُمْ وَتُصْلِحُ بِهِ أُمُورَهُمْ وَالسَّلَامُ.

وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام مَا كَتَبَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الَّذِي اسْتَقَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ حَيْثُ رَأَى حَقْنَ الدِّمَاءِ وَإِطْفَاءَ الْفِتْنَةِ وَهُوَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ وَلَايَةَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَسِيرَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (٢) وَلَيْسَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ النَّاسَ آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَرْضِ اللهِ شَامِهِمْ وَعِرَاقِهِمْ وَحِجَازِهِمْ وَيَمَنِهِمْ وَعَلَى أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ وَشِيعَتَهُ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ

________________

(١) لا غرو اي لا عجب

(٢) وفي نسخة «الصالحين» بدل «الراشدين»

٥٧٠

وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ بِالْوَفَاءِ بِمَا أَعْطَى اللهَ مِنْ نَفْسِهِ وَعَلَى أَنْ لَا يَبْغِيَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَا لِأَخِيهِ الْحُسَيْنِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم غَائِلَةً سِرّاً وَلَا جَهْراً وَلَا يُخِيفُ أَحَداً مِنْهُمْ فِي أُفُقٍ مِنَ الْآفَاقِ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَالسَّلَامُ

وَلَمَّا تَمَّ الصُّلْحُ وَانْبَرَمَ الْأَمْرُ (١) الْتَمَسَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الْحَسَنِ علیهما السلام أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ : فَخَطَبَ وَقَدْ حَشَدَ النَّاسُ خُطْبَةً حَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صلی الله علیه وسلم فِيهَا وَهِيَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ علیهما السلام وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى وَأَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ وَإِنَّكُمْ لَوْ طَلَبْتُمْ مَا بَيْنَ جَابَلْقَ وَجَابَرْسَ رَجُلاً جَدُّهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا وَجَدْتُمُوهُ غَيْرِي وَغَيْرَ أَخِيَ الْحُسَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللهَ هَدَاكُمْ بِجَدِّي مُحَمَّدٍ فَأَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَرَفَعَكُمْ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ وَأَعَزَّكُمْ بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ وَكَثَّرَكُمْ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَازَعَنِي حَقّاً هُوَ لِي دُونَهُ فَنَظَرْتُ لِصَلَاحِ الْأُمَّةِ وَقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَقَدْ كُنْتُمْ بَايَعْتُمُونِي عَلَى أَنْ تسالمون [تُسَالِمُوا] مَنْ سَالَمْتُ وَتحاربون [تُحَارِبُوا] مَنْ حَارَبْتُ فَرَأَيْتُ أَنْ أُسَالِمَ مُعَاوِيَةَ وَأَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَقَدْ بَايَعْتُهُ وَرَأَيْتُ [أَنَ] حَقْنَ الدِّمَاءِ خَيْرٌ مِنْ سَفْكِهَا وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَلَاحَكُمْ وَبَقَاءَكُمْ (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

وَعَنْهُ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ لَا أَدَبَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا مُرُوَّةَ لِمَنْ لَا هِمَّةَ لَهُ وَلَا حَيَاءَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ وَرَأْسُ الْعَقْلِ مُعَاشَرَةُ النَّاسِ بِالْجَمِيلِ وَبِالْعَقْلِ تُدْرَكُ الدَّارَانِ جَمِيعاً وَمَنْ حُرِمَ مِنَ الْعَقْلِ حُرِمَهُمَا جَمِيعاً.

وَقَالَ علیهما السلام عَلِّمِ النَّاسَ وَتَعَلَّمْ عِلْمَ غَيْرِكَ فَتَكُونَ قَدْ أَتْقَنْتَ عِلْمَكَ وَعَلِمْتَ مَا لَمْ تَعْلَمْ.

وَسُئِلَ علیهما السلام عَنِ الصَّمْتِ فَقَالَ هُوَ سَتْرُ الْغَيِّ وَزَيْنُ الْعِرْضِ وَفَاعِلُهُ فِي رَاحَةٍ وَجَلِيسُهُ آمِنٌ.

وَقَالَ علیهما السلام هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ الْكِبْرِ وَالْحِرْصِ وَالْحَسَدِ فَالْكِبْرُ هَلَاكُ

________________

(١) من أبرم الامر : أحكمه.

٥٧١

الدِّينِ وَبِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ وَالْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَبِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْحَسَدُ رَائِدُ السَّوْءِ وَمِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ.

وَقَالَ علیهما السلام لَا تَأْتِ رَجُلاً إِلَّا أَنْ تَرْجُوَ نَوَالَهُ (١) وَتَخَافَ يَدَهُ أَوْ تَسْتَفِيدَ مِنْ عِلْمِهِ أَوْ تَرْجُوَ بَرَكَةَ دُعَائِهِ أَوْ تَصِلَ رَحِماً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.

وَقَالَ علیهما السلام دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ لَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ فَجَزِعْتُ لِذَلِكَ فَقَالَ لِي أَتَجْزَعُ فَقُلْتُ وَكَيْفَ لَا أَجْزَعُ وَأَنَا أَرَاكَ عَلَى حَالِكَ هَذِهِ فَقَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ خِصَالاً أَرْبَعَ إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهُنَّ نِلْتَ بِهِنَّ النَّجَاةَ وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْتَهُنَّ فَاتَكَ الدَّارَانِ يَا بُنَيَّ لَا غِنَى أَكْبَرُ مِنَ الْعَقْلِ وَلَا فَقْرَ مِثْلُ الْجَهْلِ وَلَا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ وَلَا عَيْشَ أَلَذُّ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ.

فهذه سمعت عن الحسن يرويها عن أبيه علیهما السلام فاروها إن شئت في مناقبه أو مناقب أبيه صلى الله عليهما.

وَقَالَ علیهما السلام مَا رَأَيْتُ ظَالِماً أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ حَاسِدٍ وَقَالَ اجْعَلْ مَا طَلَبْتَ مِنَ الدُّنْيَا فَلَمْ تَظْفَرْ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مُرُوَّةَ الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا أَكْثَرُ مِنْ مُرُوَّةِ الْإِعْطَاءِ وَتَمَامُ الصَّنِيعَةِ خَيْرٌ مِنِ ابْتِدَائِهَا وَسُئِلَ عَنِ الْعُقُوقِ فَقَالَ أَنْ تَحْرِمَهُمَا وَتَهْجُرَهُمَا (٢).

وَرُوِيَ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيّاً علیهما السلام قَالَ لَهُ قُمْ فَاخْطُبْ لِأَسْمَعَ كَلَامَكَ فَقَامَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ كَلَامَهُ وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ مَا فِي نَفْسِهِ وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مَعَادُهُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقُبُورَ مَحَلَّتُنَا وَالْقِيَامَةَ مَوْعِدُنَا وَاللهَ عَارِضُنَا إِنَّ عَلِيّاً بَابٌ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ كَانَ كَافِراً فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام يَا ابْنَ آدَمَ عِفَّ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ تَكُنْ عَابِداً وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَكُنْ غَنِيّاً وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِماً وَصَاحِبِ النَّاسَ بِمِثْلِ

________________

(١) النوال : العطاء.

(٢) أي الوالدين.

٥٧٢

مَا تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِهِ تَكُنْ عَدْلاً إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ يَجْمَعُونَ كَثِيراً وَيَبْنُونَ مَشِيداً وَيَأْمَلُونَ بَعِيداً أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُوراً وَعَمَلُهُمْ غُرُوراً وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُوراً يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَمِّ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَزَوَّدُ وَالْكَافِرَ يَتَمَتَّعُ وَكَانَ علیهما السلام يَتْلُو بَعْدَ هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).

وَمِنْ كَلَامِهِ علیهما السلام أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَصَابِيحُ النُّورِ وَشِفَاءُ الصُّدُورِ فَلْيَجْلُ جَالٍ بِضَوْئِهِ وَلْيُلْجِمِ الصِّفَةَ قَلْبَهُ فَإِنَّ التَّفْكِيرَ حَيَاةُ الْقَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ.

وَاعْتَلَّ عَلِيٌّ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَ الْحَسَنُ علیهما السلام يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى الْغَدَاةَ بِالنَّاسِ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ وَقَالَ إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا اخْتَارَهُ نَفْساً وَرَهْطاً وَبَيْتاً وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَا يَنْقُصُ أَحَدٌ مِنْ حَقِّنَا إِلَّا نَقَصَهُ اللهُ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا تَكُونُ عَلَيْنَا دَوْلَةٌ إِلَّا كَانَتْ لَنَا عَاقِبَةٌ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

وَلَمَّا خَرَجَ حَوْثَرَةُ الْأَسَدِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَجَّهَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْحَسَنِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِقِتَالِهِ فَقَالَ وَاللهِ لَقَدْ كَفَفْتُ عَنْكَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا أَحْسُبُ ذَلِكَ يَسَعُنِي أَنْ أُقَاتِلَ عَنْكَ قَوْماً أَنْتَ وَاللهِ أَوْلَى بِقِتَالِي مِنْهُمْ.

وَلَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ وَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَامَ الْحَسَنُ علیهما السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ قَالَ اللهُ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (١) فَأَنَا ابْنُ عَلِيٍّ وَأَنْتَ ابْنُ صَخْرٍ وَأُمُّكَ هِنْدٌ وَأُمِّي فَاطِمَةُ وَجَدَّتُكَ قُتَيْلَةُ وَجَدَّتِي خَدِيجَةُ فَلَعَنَ اللهُ أَلْأَمَنَا حَسَباً وَأَخْمَلَنَا ذِكْراً وَأَعْظَمَنَا كُفْراً وَأَشَدَّنَا نِفَاقاً فَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ آمِينَ آمِينَ فَقَطَعَ مُعَاوِيَةُ خُطْبَتَهُ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ.

وهذا الكلام ذكرته آنفا وإنما أعدته هنا لأن اختلاف الرواة يؤنس بما يتفقون على روايته.

وَدَخَلَ علیهما السلام عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَقَعَدَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ أَلَا أُطْرِفُكَ بَلَغَنِي

________________

(١) الفرقان : ٣١.

٥٧٣

أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ تَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قُعُودِي عِنْدَ رِجْلَيْكَ فَقَامَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ

قلت والحسن علیهما السلام لم يعجب من قول عائشة رضي الله عنها إن معاوية لا يصلح للخلافة فإن ذلك عنده ضروري لكنه قال وأعجب من توليك الخلافة قعودي.

وَقِيلَ لَهُ علیهما السلام فِيكَ عَظَمَةٌ قَالَ لَا بَلْ فِيَّ عِزَّةٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (١).

وَقَالَ لِأَبِيهِ علیهما السلام إِنَّ لِلْعَرَبِ جَوْلَةً وَلَقَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحْلَامِهَا وَلَقَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ أَكْبَادَ الْإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ وَجَارِ الضَّبُعِ (٢).

وَخَطَبَ مَرَّةً فَقَالَ مَا بَيْنَ جَابَلْقَ وَجَابَرْسَ رَجُلٌ جَدُّهُ نَبِيٌّ غَيْرِي.

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْهَاشِمِيُّ جَوَاداً لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الزُّبَيْرِيُّ شُجَاعاً لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ (٣) وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْأُمَوِيُّ حَلِيماً لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَخْزُومِيُّ تَيَّاهاً لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَسَنَ علیهما السلام فَقَالَ مَا أَحْسَنَ مَا نَظَرَ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يَجُودَ بَنُو هَاشِمٍ بِأَمْوَالِهِمْ فَيَفْتَقِرَ وَتُزْهَى بَنُو مَخْزُومٍ (٥) فَتُبْغَضَ وَتُشْنَأَ وَتُحَارِبَ بَنُو الزُّبَيْرِ فَيَتَفَانَوْا وَتَحْلُمَ بَنُو أُمَيَّةَ فَتُحَبَّ.

وَقَالَ لِحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ رُبَّ مَسِيرٍ لَكَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ قَالَ أَمَّا مَسِيرِي إِلَى أَبِيكَ فَلَا قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ أَطَعْتَ مُعَاوِيَةَ عَلَى دُنْيَا دَنِيَّةٍ قَلِيلَةٍ وَلَعَمْرِي لَئِنْ قَامَ بِكَ فِي دُنْيَاكَ لَقَدْ قَعَدَ فِي دِينِكَ وَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ شَرّاً قُلْتَ خَيْراً كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَ (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٦) وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ شَرّاً وَقُلْتَ شَرّاً فَأَنْتَ كَمَا قَالَ اللهُ (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧)

________________

(١) المنافقون : ٨.

(٢) الوجار ـ بالكسر ـ جحر الضبع.

(٣) التياه : المتكبر.

(٤) زهى الرجل : تكبر.

(٥) تفانى القوم : أفنى بعضهم بعضا.

(٦) التوبة : ١٠٢.

(٧) المطففين : ١٤.

٥٧٤

قَالَ الشَّعْبِيُ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَالْجَمَلِ الطَّبِّ قَالَ يَوْماً وَالْحَسَنُ علیهما السلام عِنْدَهُ أَنَا ابْنُ بَحْرِهَا جُوداً وَأَكْرَمِهَا جُدُوداً وَأَنْضَرِهَا عُوداً فَقَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام أَفَعَلَيَّ تَفْتَخِرُ أَنَا ابْنُ عُرُوقِ الثَّرَى (١) أَنَا ابْنُ سَيِّدِ أَهْلِ الدُّنْيَا أَنَا ابْنُ مَنْ رِضَاهُ رِضَا الرَّحْمَنِ وَسَخَطُهُ سَخَطُ الرَّحْمَنِ هَلْ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مِنْ قَدِيمٍ تُبَاهِي بِهِ أَوْ أَبٍ تُفَاخِرُنِي بِهِ قُلْ لَا أَوْ نَعَمْ أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ فَإِنْ قُلْتَ نَعَمْ أَبَيْتَ وَإِنْ قُلْتَ لَا عَرَفْتَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ أَقُولُ لَا تَصْدِيقاً لَكَ.

فَقَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام.

الْحَقُّ أَبْلَجُ مَا تَخَيَّلَ سَبِيلَهُ

وَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ

وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ فُلَاناً يَقَعُ فِيكَ فَقَالَ أَلْقَيْتَنِي فِي تَعَبٍ أُرِيدُ الْآنَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اللهَ لِي وَلَهُ.

وَقَالَ علیهما السلام مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ.

وَقَالَ علیهما السلام حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ.

وَسُئِلَ عَنِ الْبُخْلِ فَقَالَ هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَا أَنْفَقَهُ تَلَفاً وَمَا أَمْسَكَهُ شَرَفاً

وكلامه علیهما السلام ينزع إلى كلام أبيه وجده ومحله من البلاغة لا ينبغي لأحد من بعده ومن رام حصره وعده كان كمن شرع في حصر قطع السحاب وعده فالأولى أن أقتصر منه على هذا القدر إذ كانت جملته غير داخلة في الحصر والعاقل يرى في الهلال صورة البدر.

العاشر في ذكر أولاده

قَالَ كَمَالُ الدِّينِ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ عَدَداً لَمْ يَكُنْ لِكُلِّهِمْ عَقِبٌ بَلْ كَانَ الْعَقِبُ لِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَقِيلَ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ الْحَسَنُ وَزَيْدٌ وَعَمْرٌو وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللهِ وَإِسْمَاعِيلُ وَمُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ وَجَعْفَرٌ وَطَلْحَةُ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاسِمُ وَكَانَ الْعَقِبُ مِنْهُمْ لِلْحَسَنِ

________________

(١) قال في البحار رأيت في بعض الكتب أن عروق الثرى إبراهيم عليه السلام لكثرة ولده في البادية ولعله عليه السلام عرض بكون معاوية ولد زنا وليس من ولد إبراهيم (علیهما السلام).

٥٧٥

وَلِزَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُمْ عَقِبٌ.

وَقِيلَ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ كَانَ لَهُ بِنْتٌ تُسَمَّى أُمَّ الْحَسَنِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ وُلِدَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَلَداً وَبِنْتٌ أَسْمَاءُ بَنِيهِ عَبْدُ اللهِ وَالْقَاسِمُ وَالْحَسَنُ وَزَيْدٌ وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَحْمَدُ وَإِسْمَاعِيلُ وَالْحُسَيْنُ وَعَقِيلٌ وَأُمُّ الْحَسَنِ فَاطِمَةُ وَهِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي إِرْشَادِهِ بَابُ ذِكْرِ وُلْدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام وَعَدَدِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ وَطَرَفٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ أَوْلَادُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَداً ذَكَراً وَأُنْثَى زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأُخْتَاهُ أُمُّ الْحَسَنِ وَأُمُّ الْحُسَيْنِ أُمُّهُمْ أُمُّ بَشِيرٍ بِنْتُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيَّةُ وَالْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيَّةُ وَعَمْرٌو وَأَخَوَاهُ الْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا الْحَسَنِ أُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَثْرَمِ وَأَخُوهُ طَلْحَةُ بْنُ الْحَسَنِ وَأُخْتُهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ أُمُّهُمْ أُمُّ إِسْحَاقَ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيِّ وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ وَفَاطِمَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَرُقَيَّةُ بَنَاتُ الْحَسَنِ علیهما السلام لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ شَتَّى.

فصل فَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ فَكَانَ يَلِي صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَسَنَّ وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ كَرِيمَ الطَّبْعِ زَلِفَ النَّفْسِ كَثِيرَ الْبِرِّ وَمَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ وَقَصَدَهُ النَّاسُ مِنَ الْآفَاقِ لِطَلَبِ فَضْلِهِ وَذَكَرَ أَصْحَابُ السِّيرَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَمَّا بَعْدُ إِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَاعْزَلْ زَيْداً عَنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَادْفَعْهَا إِلَى فُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ وَأَعِنْهُ عَلَى مَا اسْتَعَانَكَ عَلَيْهِ وَالسَّلَامُ فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ الْحَسَنِ شَرِيفُ بَنِي هَاشِمٍ وَذُو سِنِّهِمْ فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَارْدُدْ إِلَيْهِ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَعِنْهُ عَلَى مَا اسْتَعَانَكَ عَلَيْهِ وَالسَّلَامُ.

وَفِي زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْبَشِيرِ الْخَارِجِيُّ يَمْدَحُهُ

٥٧٦

إِذَا نَزَلَ ابْنُ الْمُصْطَفَى بَطْنَ تَلْعَةٍ

نَفَى جَدْبَهَا وَاخْضَرَّ بِالنَّبْتِ عُودُهَا (١)

وَزَيْدٌ رَبِيعُ النَّاسِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ

إِذَا أَخْلَفَتْ أَبْرَاقُهَا وَرُعُودُهَا (٢)

حَمُولٌ لِأَشْنَاقِ الدِّيَاتِ كَأَنَّهُ

سِرَاجُ الدُّجَى قَدْ قَارَنَتْهَا سُعُودُهَا (٣)

وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ علیهما السلام وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً فَرَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ وَذَكَرُوا مَآثِرَهُ وَبَكَوْا فَضْلَهُ فَمِمَّنْ رَثَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَمْرٍو الْجُمَحِيُّ فَقَالَ

فَإِنْ يَكُ زَيْدٌ غَالَتِ الْأَرْضُ شَخْصَهُ

فَقَدْ بَانَ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ وَجُودٌ (٤)

وَإِنْ يَكُ أَمْسَى رَهْنَ رَمْسٍ فَقَدْ ثَوَى

بِهِ وَهُوَ مَحْمُودُ الْفِعَالِ فَقِيدٌ (٥)

سَرِيعٌ إِلَى الْمُعْتَرِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ

سَيَطْلُبُهُ الْمَعْرُوفُ ثُمَّ يَعُودُ (٦)

وَلَيْسَ بِقَوَّالٍ وَقَدْ حَطَّ رَحْلَهُ

لِمُلْتَمِسِ الْمَعْرُوفِ أَيْنَ تُرِيدُ

إِذَا قَصَّرَ الْوَغْدُ الدَّنِيَّ نَمَا بِهِ

إِلَى الْمَجْدِ آبَاءٌ لَهُ وَجُدُودٌ (٧)

مَبَاذِيلُ لِلْمَوْلَى مَحَاشِيدُ لِلْقِرَى

وَفِي الرَّوْعِ عِنْدَ النَّائِبَاتِ أَسْوَدُ (٨)

إِذَا انْتَحَلَ الْعِزُّ الطَّرِيفُ فَإِنَّهُ

لَهُمْ إِرْثُ مَجْدٍ مَا يُرَامُ تَلِيدٌ (٩)

إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ

كَرِيمٌ يَبْنِي بَعْدَهُمْ وَيَشِيدُ

في أمثال هذا ومات زيد ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له مدع من الشيعة ولا غيرهم وذلك لأن الشيعة رجلان إمامي وزيدي والإمامي يعتمد في الإمامة

________________

(١) التلعة : ما ارتفع من الأرض. والجدب ضد الخصب.

(٢) الشتوة مفرد الشتاء أو الشتاء نفسه. وفي الإرشاد «أنوائها» مكان «أبراقها» وهي نجوم معروفة المطالع وكانت العرب ينسبون الغيث إليها.

(٣) الشنق : ما دون الدية وذلك ان يسوق ذو الجمالة الدية كاملة وإذا كانت معها ديات جراحات فتلك هي الاشناق كأنها متعلقة بالدية العظمى. ه. م.

(٤) غاله : أهلكه وأخذه من حيث لم يدر.

(٥) الرمس : القبر وترابه. وثوى بالمكان : أقام.

(٦) المعتر : الفقير الذي يتعرض للمسألة ولا يسأل.

(٧) الوغد : الرذل الدنى. الأحمق الضعيف.

(٨) رجل مشهود : يخف الناس لخدمته لأنه مطاع فيهم. والقرى : الضيف.

(٩) التليد : القديم ـ والطريف ضده.

٥٧٧

النصوص وهي معدومة في ولد الحسن علیهما السلام باتفاق ولم يدع ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب والزيدي يراعي الإمامة بعد علي والحسن والحسين علیهما السلام الدعوة والجهاد وزيد بن الحسن رحمه‌الله كان مسالما لبني أمية ومتقلدا من قبلهم الأعمال وكان رأيه التقية لأعدائه والتألف لهم والمداراة وهذا يضاد عند الزيدية علامات الإمامة كما حكيناه فأما الحشوية فإنها تدين بإمامة بني أمية ولا ترى لولد رسول الله صلی الله علیه وسلم إمامة على حال والمعتزلة لا ترى الإمامة إلا فيمن كان على رأيها في الاعتزال ومن تولوهم العقد له بالشورى والاختيار وزيد على ما قدمنا ذكره خارج عن هذه الأحوال والخوارج لا ترى إمامة من تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهما السلام وزيد كان متواليا أباه وجده بلا خلاف فصل

فَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ فَكَانَ رَجُلاً جَلِيلاً رَئِيساً فَاضِلاً وَرِعاً وَكَانَ يَلِي صَدَقَاتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فِي وَقْتِهِ وَلَهُ مَعَ الْحَجَّاجِ خَبَرٌ رَوَاهُ زُبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ وَالِياً صَدَقَاتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فِي عَصَرِهِ فَسَايَرَ الْحَجَّاجُ يَوْماً وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ أَدْخِلْ عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ مَعَكَ فِي صَدَقَاتِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ عَمُّكَ وَبَقِيَّةُ أَهْلِكَ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ لَا أُغَيِّرُ شَرْطَ عَلِيٍّ وَلَا أُدْخِلُ فِيهَا مَنْ لَمْ يُدْخِلْ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ إِذًا أُدْخِلُهُ أَنَا مَعَكَ فَنَكَصَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُ حَتَّى غَفَلَ الْحَجَّاجُ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَطْلُبُ الْإِذْنَ فَمَرَّ بِهِ يَحْيَى ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ فَلَمَّا رَآهُ يَحْيَى مَالَ إِلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ مَقْدَمِهِ وَخَبَرِهِ ثُمَّ قَالَ إِنِّي سَأَنْفَعُكَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ فَلَمَّا دَخَلَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ رَحَّبَ بِهِ وَأَحْسَنَ مُسَاءَلَتَهُ وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ أَسْرَعَ إِلَيْهِ الشَّيْبُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لَقَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَقَالَ يَحْيَى وَمَا يَمْنَعُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْبُهُ أَمَانِيَّ أَهْلِ الْعِرَاقِ (١) يَفِدُ عَلَيْهِ الرَّكْبُ (٢) يُمَنُّونَهُ الْخِلَافَةَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ بِئْسَ وَاللهِ

________________

(١) قيل يعنى لا يمنعه كبر سنه من انفاذ أماني أهل العراق

(٢) وفد عليه : قدم.

٥٧٨

الرِّفْدُ رَفَدْتَ (١) لَيْسَ كَمَا قُلْتَ وَلَكِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يُسْرِعُ إِلَيْنَا الشَّيْبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ يَسْمَعُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ هَلُمَّ مَا قَدِمْتَ لَهُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اكْتُبْ إِلَيْهِ كِتَاباً لَا يَتَجَاوَزُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَوَصَلَ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ فَأَحْسَنَ صِلَتَهُ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ لَحِقَهُ يَحْيَى ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ فَعَاتَبَهُ الْحَسَنُ عَلَى سُوءِ مَحْضَرِهِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي وَعَّدْتَنِي بِهِ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى إِيهاً عَنْكَ (٢) فَوَ اللهِ لَا يَزَالُ يَهَابُكَ وَلَوْ لَا هَيْبَتُكَ لَمَا قَضَى لَكَ حَاجَةً وَوَ اللهِ مَا أَلَوْتُكَ رِفْداً (٣).

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ حَضَرَ مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام الطَّفَّ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ علیهما السلام وَأُسِرَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِهِ جَاءَهُ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ (٤) فَانْتَزَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَسْرَى وَقَالَ وَاللهِ لَا يُوصَلُ إِلَى ابْنِ خَوْلَةَ أَبَداً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ دَعُوا لِأَبِي حَسَّانَ ابْنَ أُخْتِهِ (٥) وَيُقَالُ إِنَّهُ أُسِرَ وَكَانَ بِهِ جِرَاحٌ قَدْ أَشْفَى مِنْهَا ..

وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ خَطَبَ إِلَى عَمِّهِ الْحُسَيْنِ علیهما السلام إِحْدَى ابْنَتَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ علیهما السلام اخْتَرْ يَا بُنَيَّ أَحَبَّهُمَا إِلَيْكَ فَاسْتَحْيَا الْحَسَنُ وَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ علیهما السلام فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ فَهِيَ أَكْثَرُهُمَا شَبَهاً بِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ ص.

________________

(١) الرفد : العطاء والصلة. ورفده : أعطاه.

(٢) أيها ـ بالكسر ـ : للاسكات والكف. اى كف واسكت.

(٣) أي ما قصرت في رفدك.

(٤) هو أسماء بن خارجة بن عيينة بن خضر بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان يعد من أخواله وكان رئيس فزارة يومئذ ، وفزارة من أشراف العرب.

(٥) وفي بعض الكتب انه لما أخذه أسماء بن خارجة قال : دعوه لي فان وهبه الأمير عبيد اللّه بن زياد لي والا رأى رأيه فيه فتركوه له فحمله إلى الكوفة وحكوا ذلك لعبيد اللّه بن زياد فقال : دعوا لأبي حسان ابن أخته وعالجه أسماء حتّى برئ ثمّ لحق بالمدينة.

(٦) أي لم يرد.

٥٧٩

وَقُبِضَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ ره وَلَهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ حَيٌّ وَوَصَّى إِلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ رَحِمَهُ اللهُ.

وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ ضَرَبَتْ زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ علیهما السلام عَلَى قَبْرِهِ فُسْطَاطاً وَكَانَتْ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ بِالنَّهَارِ وَكَانَتْ تُشْبِهُ بِالْحُورِ الْعِينِ لِجَمَالِهَا فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ السَّنَةِ قَالَتْ لِمَوَالِيهَا إِذَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ فَقَوِّضُوا هَذَا الْفُسْطَاطَ (١) فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ سَمِعَتْ قَائِلاً يَقُولُ هَلْ وَجَدُوا مَنْ فَقَدُوا فَأَجَابَهُ آخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا.

ومضى الحسن بن الحسن ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له مدع كما وصفناه من حال أخيه زيد رحمة الله عليهما.

وَأَمَّا عَمْرٌو وَالْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللهِ بَنُو الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَإِنَّهُمْ اسْتُشْهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ عَمِّهِمُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام بِالطَّفِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَأَحْسَنَ عَنِ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ جَزَاهُمْ.

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ مَعَ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صلی الله علیه وسلم إِلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ بِالْأَبْوَاءِ (٢) وَهُوَ مُحْرِمٌ.

والحسين بن الحسن المعروف بالأثرم كان له فضل ولم يكن له ذكر في ذلك.

وطلحة بن الحسن كان جوادا انتهى كلام الشيخ المفيد.

وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْأَخْضَرِ الْجَنَابِذِيُ وُلْدُ الْحَسَنِ الذُّكُورُ حَسَنٌ وَزَيْدٌ وَمُحَمَّدٌ وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللهِ وَالْقَاسِمُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحُسَيْنٌ وَمُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللهِ وَطَلْحَةُ وَمِنَ النِّسَاءِ تُمَاضِرُ وَأُمُّ الْحَسَنِ وَأُمُّ الْخَيْرِ وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ وَأُمُّ سَلَمَةَ والذي أراه أن في هذه الأسماء تكريرا وأظنه من الناسخ و

________________

(١) التقويض : نزع الأعواد والاطناب.

(٢) الأبواء : موضع بين الحرمين بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا وبه قبر آمنة بنت وهب أم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أيضا سميت بالابواء لتبوء السيول ونزوله فيه وقيل سميت بذلك لما فيه من الوباء وقيل غير ذلك.

٥٨٠