كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

وَصِيَّتِي وَخَلِيفَتِي وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَحْمِلُهُ دَائِماً وَيَطُوفُ بِهِ جِبَالَ مَكَّةَ وَشِعَابَهَا وَأَوْدِيَتَهَا وَفِجَاجَهَا (١) صَلَّى اللهُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ.

وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ عَلِيٍّ صلی الله علیه وسلم حَامِلاً بِعَلِيٍّ وَأَبُو طَالِبٍ غَائِبٌ فَوَضَعَتْهُ فَسَمَّتْهُ أَسَداً لِتُحْيِيَ بِهِ ذِكْرَ أَبِيهَا فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو طَالِبٍ سَمَّاهُ عَلِيّاً.

وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ تَعَالَى وَبِرَسُولِهِ علیهما السلام مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْأَصْحَابِ وَأَوَّلِ ذَكَرٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَجَابَ وَلَمْ يَزَلْ يَنْصُرُ الدِّينَ وَيُجَاهِدُ الْمُشْرِكِينَ وَيَذُبُّ عَنِ الْإِيمَانِ وَيَقْتُلُ أَهْلَ الزَّيْغِ وَالطُّغْيَانِ وَيَنْشُرُ الْعَدْلَ وَيُوَلِّي الْإِحْسَانَ وَيُشَيِّدُ مَعَالِمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَانَ مُقَامُهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَعْدَ الْبِعْثَةِ ثَلَاثاً وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُشَارَكاً لَهُ فِي مِحْنَتِهِ كُلِّهَا مُتَحَمِّلاً عَنْهُ أَكْثَرَ أَثْقَالِهَا صَابِراً مَعَهُ عَلَى اضْطِهَادِ قُرَيْشٍ (٢) وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ قَائِماً بِمَا يَأْمُرُهُ بِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً رَاضِياً وَعَشْرَ سِنِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ يُكَافِحُ دُونَهُ (٣) وَيُجَالِدُ وَيَجْهَدُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي قَمْعِ الْكَافِرِينَ وَيُجَاهِدُ وَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَشَاهِدِ وَيَثْبُتُ إِذَا تَزَلْزَلَتِ الْأَقْدَامُ وَكَلَّتِ السَّوَاعِدُ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللهُ إِلَى رَحْمَتِهِ [جَنَّتِهِ] وَاخْتَارَ لَهُ دَارَ كَرَامَتِهِ وَرَفَعَهُ فِي عِلِّيِّينَ فَمَضَى صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعُمُرِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.

واختلفت الأمة في إمامته بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وسلم وقالت شيعته وهم بنو هاشم كافة وسلمان وعمار وأبو ذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري في أمثالهم من أجلة المهاجرين

________________

(١) الشعاب جمع الشعب : الطريق بين الجبلبن. والاودية جمع الوادي والفجاج قريب من الشعاب في المعني.

(٢) اضطهده : اذاه واضطره بسبب المذهب او الدين.

(٣) كافح القوم اعدائهم : استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس ولا غيره.

٦١

والأنصار إنه كان الخليفة بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم لما اجتمع له من صفات الفضل والكمال والخصائص التي لم تكن في غيره من سبقه إلى الإسلام ومعرفته بالأحكام وحسن بلائه في الجهاد وبلوغه الغاية القصوى في الزهد والورع والصلاح وما كان له من حق القربى ثم للنص الوارد في القرآن وهو قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وهذه الآية نزلت بالإجماع فيه علیهما السلام حين تصدق بخاتمه في صلاته.

وإذا ثبت هذا فكلما ثبت لله ولرسوله من الولاية فهو ثابت لعلي علیهما السلام بنص القرآن وبِقَوْلِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم يَوْمَ الدَّارِ (١) وَقَدْ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً مَنْ يُوَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَكُنْ أَخِي وَوَصِيِّي وَوَزِيرِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَقَالَ وَكُنْتُ أَصْغَرَهُمْ سِنّاً وَأَرْمَصَهُمْ عَيْناً وَأَحْمَشَهُمْ سَاقاً وَأَكْبَرَهُمْ بَطْناً (٢) فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ وهذا صريح في استخلافه وقد أورد ابن جرير الطبري وابن الأثير الجزري هذا الحديث في تاريخهما بألفاظ تقارب هذه.

وبِقَوْلِهِ فِي غَدِيرِ خُمٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْرَدَهُ نَقَلَةُ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابُ الصِّحَاحِ ـ : أَلَسْتُ (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فَقَالُوا بَلَى فَقَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ الحديث بتمامه فأوجب له من الولاية ما كان واجبا له صلی الله علیه وسلم وهذا نص ظاهر جلي لو لا

________________

(١) وهو اليوم الذي امر رسول الله «صلی الله علیه وسلم» عليا ان يصنع طعاما ويدعونى عبد المطلب وهم يومئذ اربعون رجلا من عمامه وبنيهم وساير اقربأئه وكان ذلك بسكة سنة ثلال من مسعثه (علیهما السلام) بعد نزول قوله «تعالى وانذر عشيرتك الاقربين» وذكر الطبرى القصة بطولها في التاريخ بسنده عن علي بن أبيطالب (جلد ٢ صلی الله علیه وسلم ٦٢ ط مصر) وغيره فراجع.

(٢) الرمض : شدة الحرو المراد من رمض العين ـ بالضاد ـ تهييجها وحرقتها وفي نسخة مخطوطة «أرمصهم» بالصاد والعله الظاهر وهو من الرمص : البياض الذي تقطعه العين ويجتمع في زوايا الاجفان ويقال للرطب منه المرص. وحمشت الساق : دقت ولعلل مراده (علیهما السلام) والله العالم بيان انه أضيفهم واضيقهم عيشاً وذكر بعض هذه الحالات من باب الكتابة.

٦٢

الهوى.

وَبِقَوْلِهِ صلی الله علیه وسلم حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى تَبُوكَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي (١) وَهَذَا أَيْضاً مِنَ الصِّحَاحِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَقَلْتُهُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ فثبتت له وزارته صلی الله علیه وسلم والقيام بكل ما كان هارون يقوم به ولم يستثن عليه إلا النبوة كما أخبر الله تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (٢) وقال في استخلافه له (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (٣) فثبتت له خلافته بمحكم التنزيل فجعل له النبي صلی الله علیه وسلم كل ما لهارون علیهما السلام عدا النبوة وجعل [حصل] له استخلافه وشد أزره وشركته في أمره وقيامه بنصره وأمثال هذا كثير يرد في مواضعه من هذا الكتاب بحول الله وقوته.

فكانت إمامته بعد النبي صلی الله علیه وسلم ثلاثين سنة منها أربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعا من التصرف آخذا بالتقية والمداراة محلا عن مورد الخلافة قليل الأنصار

________________

(١) قال ابن الجر في تذهيب التهذيب في ترجمة علي (علیهما السلام) ما لفطه : وقد اجمعوا أنه اول من صلى القبلتين وهاجرو شهد بدراً واحداً وساير المشاهد وانه ابلى ببدر وأحم والخندق وخيبر البلاء العظيم وكان لواء رسول الله (صلی الله علیه وسلم) بيده في مواطن كثيرة ولم يختلف الافى تبوك خلفه رسول الله (صلی الله علیه وسلم) على المدينة وقال له: انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدى (تهذيب التهذيب ج ٧ صلی الله علیه وسلم ٣٣٦ ط حيدر آبادلدكن) وذكر مثله ابن الاثير قال فى ترجمته (علیهما السلام) في اسدالغابة : واجمع اهل التاريخ على انه شهد بدراً وغيرها من المشاهد وانه لم يشهد غزوة تبوك لا غير لان رسول الله (صلی الله علیه وسلم) خلفه على اهله وذكر في حديث آخران عليا (علیهما السلام) قال : يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه وسلم) : اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى لاانه لا نبوة بعدى [اسد الغابة ج ٤ صلی الله علیه وسلم ١٩ و ٢٦] وسيأتيى في كلام المؤلف «ره» ايضا بعض الاحاديث في ذلك.

(٢) طه : ٣٠.

(٣) الاعراف : ١٤٢.

٦٣

كما قَالَ فَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ

[يقال ارتأى في الأمر إذا تفكر فيه ونظر وجه المصلحة فأتاه والجذ القطع والجذاء علیهما السلام المقطوعة والطخية قطعة من سحاب والطخياء الليلة المظلمة].

ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين مضطهدا بفتن الضالين واجدا من العناء ما وجده رسول الله صلی الله علیه وسلم ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع الدفع عن المؤمنين وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للكافرين ممتحنا بالمنافقين وسيرد تفصيل هذا فيما بعد إن شاء الله

ذكر نسبه علیهما السلام من قبل أبيه

وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ الْحَمْدِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَارِثِ وَعِنْدَهُ يَجْتَمِعُ نَسَبُهُ بِنَسَبِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَكَانَ وُلْدُ أَبِي طَالِبٍ طَالِباً وَلَا عَقَبَ لَهُ وَعَقِيلاً وَجَعْفَراً وَعَلِيّاً كُلُّ وَاحِدٍ أَسَنَّ مِنَ الْآخَرِ بِعَشْرِ سِنِينَ كَذَا ذَكَرَ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو الْمُؤَيَّدِ مُوَفَّقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَنَاقِبِ وَمِنْهُ نَقَلْتُ وَأُمَّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَأُمُّهُمْ جَمِيعاً فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ وَقَالَ أَبُو الْمُؤَيَّدِ الْخُوَارِزْمِيُ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَأَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَغُلَاماً أَسْوَدَ فَحَفَرُوا قَبْرَهَا فَلَمَّا بَلَغُوا لَحْدَهَا حَفَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِيَدِهِ وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ وَلَمَّا فَرَغَ اضْطَجَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مَدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

قال الخوارزمي ومن قولي فيه

نسب المطهر بين أنساب الورى

كالشمس بين كواكب الأنساب

والشمس إن طلعت فما من كوكب

إلا تغيب في نقاب حجاب

قال رضي الله عنه ووجدت ثلاثة أبيات لنصراني بخط الزجاج في مدح أمير

٦٤

المؤمنين ع.

شعر

علي أمير المؤمنين صريمه (١)

وما لسواه في الخلافة مطمع

له النسب العالي وإسلامه الذي

تقدم فيه والفضائل أجمع

ولو كنت أهوى ملة غير ملتي

لما كنت إلا مسلما أتشيع

وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ مَوَالِيدِ الْأَئِمَّةِ تَصْنِيفِ الشَّيْخِ ابْنِ الْخَشَّابِ بِخَطِّ ابْنِ وَضَّاحٍ فِي عُمُرِهِ وَنَسَبِهِ علیهما السلام مَا هَذَا صُورَتُهُ ـ مَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ـ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَنَزَلَ الْوَحْيُ وَلَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ فَأَقَامَ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَأَقَامَ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَكَانَ عُمُرُهُ خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً قَالَ وَقُبِضَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ قَبْرُهُ بِالْغَرِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ لَقَبُهُ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَالْفَارُوقُ الْأَعْظَمُ وَقَسِيمُ النَّارِ وَالْجَنَّةِ وَالْوَصِيُّ وَحَيْدَرَةُ وَأَبُو تُرَابٍ هذا آخر كلامه في هذا فانظر واعتبر إلى هذا الكتاب ومصنفه وكاتبه وهما من أعيان أصحاب أحمد بن حنبل واعترافهما بأنه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ويفضلون عليه غيره ويحطونه عن رتبة من قد أقروا أنه أكبر منه ما هذا إلا عجيب

ذكر كناه صلی الله علیه وسلم

أبو الحسن وأبو الحسين وأبو تراب وَذَكَرَ الْخُوَارِزْمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ ـ : قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام كَانَ الْحَسَنُ يَدْعُونِي فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أَبَا حُسَيْنٍ وَالْحُسَيْنُ يَدْعُونِي أَبَا حَسَنٍ وَلَا يَرَيَانِ أَباً إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَلَمَّا مَاتَ دَعَوَانِي أَبَاهُمَا ومن كنياته أيضا ـ مَا نَقَلْتُهُ مِنْ كِتَابِ مَنَاقِبِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَبَا الرَّيْحَانَتَيْنِ أُوصِيكَ بِرَيْحَانَتَيَ

________________

(١) الصريمة : العزيمة على الشيء وقطع الامر ويقال فلان ماضي الصريبة والعزيمة ولعله في الشعر من باب زيد عدل.

٦٥

مِنَ الدُّنْيَا فَعَنْ قَلِيلٍ يُنْهَدُ رُكْنَاكَ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكَ قَالَ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام هَذَا أَحَدُ رُكْنِيَ الَّذِي قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ علیهما السلام قَالَ هَذَا الرُّكْنُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ قَالَ فَدَعَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيّاً قَالَ فَأَبَى سَهْلٌ فَقَالَ أَمَّا إِذَا أَبَيْتُ فَقُلْ لَعَنَ اللهُ أَبَا تُرَابٍ فَقَالَ سَهْلٌ مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي تُرَابٍ وَإِنَّهُ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ فَقَالَ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ علیهما السلام فَلَمْ يَجِدْ عَلِيّاً فِي الْبَيْتِ فَقَالَ ابْنُ عَمِّكَ فَقَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ وَلَمْ يَقُلْ (١) عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيُ.

وَمِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا آخَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ خَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَباً [مُبْغِضاً] حَتَّى أَتَى جَدْوَلاً مِنَ الْأَرْضِ (٢) وَتَوَسَّدَ ذِرَاعَهُ فَتَسْفِي الرِّيحُ عَلَيْهِ (٣) فَطَلَبَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم حَتَّى وَجَدَهُ فَوَكَزَهُ بِرِجْلِهِ (٤) وَقَالَ لَهُ قُمْ فَمَا صَلَحْتَ أَنْ تَكُونَ إِلَّا أَبَا تُرَابٍ أَغَضِبْتَ عَلَيَّ حِينَ آخَيْتُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ أُؤَاخِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدِي

________________

(١) يعنى ترك القيلولة.

(٢) الجدول : النهر الصغير.

(٣) توسد الشيء : اتخذه وجعله بمنزلة الوسادة وجعله تحت راسه واسقى الريح الشيء : حمله.

(٤) وكزه بمعنى ضربه.

٦٦

نَبِيٌّ (١) أَلَا مَنْ أَحَبَّكَ حُفَّ بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَمَاتَهُ اللهُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَحُوسِبَ بِعَمَلِهِ فِي الْإِسْلَامِ.

قال العباس عمه رضي الله عنه حين بويع أبو بكر يمدحه عليه أفضل الصلاة والسلام :

شعر

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم

وأعلم الناس بالآثار والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما في جميع الناس كلهم

وليس في الناس ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردكم عنه فنعرفه

ها إن بيعتكم من أول الفتن

ألقابه صلى الله عليه وآله

أمير المؤمنين ويعسوب الدين والمسلمين (اليعسوب ملك النحل ومنه قيل للسيد يعسوب) ومبير الشرك والمشركين (البوار الهلاك والمبير المهلك) وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (نكث الحبل والعهد فانتكث أي نقضه فانتقض وهي إشارة إلى أصحاب الجمل والزبير بايعاه بالمدينة ونكثا عهده وخرجا عليه وقاتلاه والقسوط الجور والعدول عن الحق قال الله تعالى (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) وهذه حال معاوية وأصحابه فإنهم عدلوا عن الحق فجاروا عن القصد وطلبوا ما ليس لهم ووسموا غير إبلهم ومروق السهم خروجه عن القوس وهذه صفة الخوارج لأنهم مرقوا عن الإسلام وخرجوا من الدين) ومولى المؤمنين وشبيه هارون والمرتضى ونفس الرسول

________________

(١) وفي بعض النسخ «لانبي بعدى» مكان «ليس بعدي نبي».

٦٧

وأخوه وزوج البتول (١) وسيف الله المسلول وأبو السبطين وأمير البررة وقاتل الفجرة وقسيم الجنة والنار وصاحب اللواء وسيد العرب وخاصف النعل وكشاف الكرب والصديق الأكبر وأبو الريحانتين وذو القرنين والهادي والفاروق والداعي والشاهد وباب المدينة وبيضة البلد (بيضة البلد تستعمل في المدح والذم (٢) أما استعمالها في المدح فقول أخت عمرو ترثيه وقد قتله أمير المؤمنين علي ع

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه آخر الأبد (٣)

لكن قاتله من لا يعاب به

وكان يدعى قديما بيضة البلد

وأما استعمالها في الذم فقولهم هو أذل من بيضة البلد أي من بيضة النعام التي تتركها قال :

شعر

لو كان حوض حمار ما شربت به

إلا بإذن حمار آخر الأبد

________________

(١) البتول من النساء : العذراء المنقطعة من الازواج وقيل هي المنقطعة الى الله عن الدنيا (ه م).

(٢) وهو بمعنى السيد وعن أبي العباس : العرب تقول للرجل الكريم بيضة البلد يمدحونه وبقولون للاخر هو بيضة البلد يذمونه ، قالم : فالممدوح يراد به البيضة التي تصونها النعامة وتوقيها الاذى لان فيها فرخها فالممدوح من هيهنا فاذا انفلق عن فرخها رمي بها الظليم (وهو الذكر من النعامة) فنقع في البلد القفر فمن هيهنا ذم الاخر.

وعن ابن الاعرابي : واذاذم بها فهي التي قدخرج الفرخ منها رمي بها الظليم فداسها الناس والايل.

(٣) وفي نسخة «بكتيته مااقام الروح في جسد» بدل المصراع الاخير.

٦٨

لكنه حوض من أودى بإخوته

ريب الزمان فأمسى بيضة البلد (١)

والولي والوصي وقاضي دين الرسول ومنجز وعده.

قال الخوارزمي وأنا أقول في ألقابه هو أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وغرة المهاجرين وصفوة الهاشميين وقاتل الكافرين والناكثين والقاسطين والمارقين والكرار غير الفرار فصال فقار كل ذي ختر بذي الفقار [الختر الغدر يقال ختره فهو ختار] صنو جعفر الطيار [إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد فكل واحدة منهن صنو والاثنتان صنوان والجمع صنوان برفع النون وَفِي الْحَدِيثَ عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيه] قسيم الجنة والنار مقعص الجيش الجرار [ضربه فأقعصه أي مكانه والقعص الموت الوحي يقال مات قعصا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه والقعاص داء يأخذ الغنم ولا يلبثها أن تموت والجرار الجيش الثقيل السير لكثرته] لاطم وجوه اللجين والنضار بيد الاحتقار (٢) أبو تراب مجدل الأتراب (٣) معفرين بالتراب رجل الكتيبة والكتاب والمحراب والحراب (٤) والطعن والضراب والخير الحساب بلا حساب مطعم السغاب بجفان كالجواب (٥) راد المعضلات بالجواب

________________

(١) هومن شعر لصنان ـ [بكسر الصادو تشديد النون]. بن عباد اليشكرى واوله لما راى شمط حوضى له ترع على الحياض اتانى غير ذي لدد لو كان حوض حماراء.

حممار في البيت اسم رجل وهو علقمة بن النعمان بن قيس بن عمرو بن خطبة ، وشمط هو شمط بن قيس ، وكان اورد ابله حوض صنان بن عباد قاتل هذا الشعر فغضب لذلك ، وقيل : ان حماراخوه وكان في حياته يتعززبه ، قوله اودى باخوته هو من قوله اوري به الموت اى ذهب به ، وريب المئون : حوادث الدهر. وقوله فامسى بيضة البلد اى امسى ذليلا كالبيضة التى فارقها الفرخ فرمى بها الطليم فد بست فلااذل منها.

(٢) اللجين : الفضة (مصفراً لا مكبرله) والنضار : الذهب.

(٣) الاتراب جمع الترب ـ بالكسر ـ : من ولد معك.

(٤) الكتية : القطعة من الجيش. والحراب جمع الحربة : الطعنة

(٥) السغاب كتاب جمع الساغب : الجائع. وجفان جمع الجفته : القصة الكبيرة

٦٩

الصواب [أعضل الأمر اشتد واستغلق وأمر معضل لا يهتدى لوجهه والمعضلات الشدائد] مضيف النسور والذئاب بالبتار الماضي الذباب (١) [ذباب السيف طرفه الذي يضرب به] هازم الأحزاب قاصم الأصلاب [القصم الكسر والقاصم الكاسر] قاسم الأسلاب جزاز الرقاب بأين القراب مفتوح الباب إلى المحراب عند سد أبواب سائر الأصحاب [هذا إشارة إلى أن النبي صلی الله علیه وسلم أمر بسد الأبواب التي كانت إلى المسجد ولم يترك منها مفتوحا إلا باب علي ع] جديد الرغبات في الطاعات بالي الجلباب رث الثياب رواض الصعاب معسول الخطاب عديم الحجاب والحجاب ثابت اللب في مدحض الألباب [مكان دحض ودحض بالتحريك أي زلق ودحضت حجته دحوضا بطلت وأدحضه الله والإدحاض الإزلاق] شقيق الخير رفيق الطير [قوله مضيف النسور والذئاب ورفيق الطير مثل قول الشاعر هو مسلم بن الوليد :

شعر

قد عود الطير عادات وثقن بها

فهن يصحبنه في كل مرتحل

في أمثال ذلك كثير] صاحب القرابة والقربة كاسر أصنام الكعبة مناوش الحتوف [المناوشة في القتال إذا تدانى الفريقان وهو اشتداده وكثرته والتناوش التناول والحتف الموت وجمعه حتوف] قتال الألوف مخرق الصفوف ضرغام يوم الجمل [الضرغام والضرغامة الأسد] المردود له الشمس عند الطفل [الطفل بالتحريك بعد العصر وتطفيل

________________

(١) النسور جمع النسر : حيوان معروف يقال له بالفارسية «عقاب» والبتار : السيف القاطع.

(٢) جز الشيء : قطعه. والابن : الحية مثل الايم. والقراب ـ بالكسر ـ مايجعل فيه السيف بغمده.

(٣) بلى الثوب : خلق والجلباب : القميص. والرث بمعنى البلى ايضا. رواض الصعاب اى مذ للها ومسخرها.

٧٠

الشمس ميلها إلى الغروب وطفل الليل ظلامه] تراك السلب (١) ضراب القلل

شعر

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

 [قلة كل شيء أعلاه ورأس الإنسان قلة وجمعه قلل] حليف البيض والأسل (٢) شجاع السهل والجبل زوج فاطمة الزهراء سيدة النساء مذل الأعداء معز الأولياء أخطب الخطباء قدوة أهل الكساء إمام الأئمة الأتقياء الشهيد أبو الشهداء أشهر أهل البطحاء مضمخ مردة الحروب بالدماء (٣) الخارج عن بيت المال صفر اليدين (٤) عن الصفراء والحمراء والبيضاء مثكل أمهات الكفرة ومفلق هامات الفجرة (٥) ومقوي أعضاد البررة وثمرة بيعة الشجرة وفاقئ عيون السحرة [يقال فقأت عينه فقاء وفقأتها تفقية إذا نجفتها أي أخرجتها] وداحي أرض الدماء [دحا الشيء دحوا بسطه] ومطلع شهب الأسنة في سماء القترة [القترة الغبار] المسمي نفسه يوم الغبرة بحيدرة [الحيدرة الأسد وقد قدمنا أن أمه رضي الله عنها سمته أسدا على أحد الأقوال] خواض الغمرات حمال الألوية والرايات [الغمرة جمعها غمرات وهي شديد

________________

(١) السلب : من يسلب من القتيل مما معه من الثياب والسلاح ، وهذه مدح تنبيء عن كرم القاتل وقد اشتهر (علیهما السلام) بهذه الصفة حتى انه (علیهما السلام) ترك درع عمرو بن عبدود يوم خندق لماقتله وماللعرب يومئذ درع خير من درعه وكلام عمربن الخطاب له (علیهما السلام) في ذلك مذكور في كتب الخاصة والعامة فراجع بحار الانوار ج ٦ : ٥٢٩ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ : ٣٤١ وغير همامي كتب الفرقين.

(٢) الاسل : الرماح.

(٣) ضمخ جسده بالدم : لطخه به حتى كانه يقطر.

(٤) الصفر مثلثه ـ الخالي.

(٥) فلق الشيء : شقه. والهامات جمع الهامة : رأس كل شيء.

(٦) الاسنة : جمع السنان.

٧١

الموت] مميت البدعة محيي السنة وكاتب جوائز أهل الجنة ومصرف الأعنة (١) واللاعب بالأسنة ساد أنفاق النفاق شاق جماجم ذوي الشقاق [النفق سرب في الأرض له مخلص في مكان وجمعه أنفاق] سيد العرب موضع العجب المخصوص بأشرف النسب الهاشمي الأم والأب المفترع أنواع أبكار الخطب [يقال افترع البكر إذا افتضها] نفس رسول الله صلی الله علیه وسلم يوم المباهلة وساعده المساعد يوم المصاولة [المصاولة المواثبة] وخطيبه المصقع يوم المقاولة [المصقع البليغ] وخليفته في مهاده [المهاد الفراش] وموضع سره في إصداره وإيراده وملين عرائك أضداده وأبو أولاده [العريكة الطبيعة يقال لانت عريكته إذا انكسرت نخوته] وواسطة قلادة الفتوة ونقطة دائرة المروة وملتقى شرفي الأبوة والبنوة ووارث علم الرسالة والنبوة وسيف الله المسلول وجواد الخلق المأمول ليث الغابة وأقضى الصحابة والحصن الحصين والخليفة الأمين أعلم من فوق رقعة الغبراء وتحت أديم السماء (٢) المستأنس بالمناجاة في ظلمة ليلة الليلاء (وأنشد أبو المؤيد ره

هذي المكارم لا قعبان من لبن (٣)

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وأنا أنشد

أساميا لم تزده معرفة

وإنما لذة ذكرناها

راقع مدرعته والدنيا بأسرها قائمة بين يديه حتى استحيا من راقعها منزه نفسه النفيسة عن الدنيا الدنية ومصارعها ومثبتها بلجام تقواه عن مطامعها وفاطمها بتهجدها عن وثير مضاجعها (التهجد صلاة الليل والوثير الوطيء) أخو رسول الله صلی الله علیه وسلم وابن عمه وكشاف كربه وغمه ومساهمه في طمه ورمه ـ (أي في أموره كلها وأحواله جميعا) بعضه بعض البتول وولده ولد الرسول هو من رسول الله صلی الله علیه وسلم دمه دمه ولحمه لحمه وعظمه عظمه وعلمه علمه وسلمه سلمه وحربه حربه وحزبه

________________

(١) الاعنة : جمع العنان

(٢) الغبراء : الارض ، وأديم السماء : وجيه

(٣) القعب : القدح الغيلظ الجافي.

٧٢

حزبه وفرعه فرعه ونبعه نبعه ونجره نجره (النجر الأصل والحسب) وفخره فخره وجده جده وحده حده أنهار الفضائل في الدنيا من بحور فضائله ورياض التوحيد والعدل من بساتين خطبه ورسائله وكبش أهل العراق والشام والحجاز (١) وشجا حلوق الأبطال عند البراز (الشجا ما ينشب في الحلق من عظم وغيره) وابن عم المصطفى وشفيق النبي المجتبى ليث الشرى (الشرى طريق في سلمى كثير الأسد) غيث الورى حتف العدى مفتاح الندى قطب رحى الهدى مصباح الدجى جوهر النهى بحر اللهى (٢) مسعر الوغى (النهية بالضم واحدة النهى وهو العقول لأنها تنهى عن القبيح والمسعر والمسعار الخشب الذي تسعر به النار ومنه قيل إنه لمسعر حرب أي تسعر به وتحمى والوغى الحرب لما فيها من الصوت والجلبة والوغى مثله) قطاع الطلى (وهي الرقاب) شمس الضحى أبو القرى في أم القرى المبشر بأعظم البشرى مطلق الدنيا مؤثر الآخرة على الأولى رب الحجى بعيد المدى ممتطي صهوة العلى مستند الفتوى (الصهوة موضع اللبد من ظهر الفرس وأعلى كل جبل صهوته) مثوى التقى نديد هارون من موسى (الند والنديد المثل والنظير) مولى كل من له رسول الله صلی الله علیه وسلم مولى كثير الجدوى (وهي العطية) شديد القوى سالك الطريقة المثلى (المثلى تأنيث الأمثل وهو القريب من الخير وأماثل القوم خيارهم وأفاضلهم) المعتصم بالعروة الوثقى الفتى أخو الفتى الذي أنزل فيه هل أتى أكرم من ارتدى وأشرف من احتذى أفضل من راح واغتدى أشجع من ركب ومشى أهدى من صام وصلى مراقب حق الله إن أمر أو نهى الذي ما صبا في الصبا وسيفه عن قرنه ما نبا (٣) ونور هداه ما خبا ومهر إقدامه ما كبا دعاه رسول الله صلی الله علیه وسلم إلى التوحيد فلبى وجلا ظلم الشرك وجلى وسلك المحجة البيضاء وأقام الحجة الزهراء جنيت ثمار النصر من علمه والتقطت جواهر العلم من قلمه ونشأت ضراغم المعارك من

________________

(١) الكبش : سيد القوم وقاتدهم.

(٢) اللهي : فضل العطا.

(٣) نبا السيف عن الضريية بنواً : كل وارتدعنها ولم يمض.

٧٣

أجمه (١) (الضرغام والضرغامة الأسد) وبأس كيوان أقدام هممه واخضرت ربى الأماني من ديم كرمه (الديمة المطر ليس فيه رعد وبرق أقله ثلث النهار أو ثلث الليل وأكثره ما بلغ وجمعه ديم) نعم هو أبو الحسن القليل الوسن (٢) الذي لم يسجد للوثن هو عصرة المنجود (العصرة الملجأ والمنجود المكروب) هو من الذين أحيوا أموات الآمال بحباء الجود هو من الذين (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) هو محارب الكفرة والفجرة بالتأويل والتنزيل هو الذي مثله مذكور في التوراة والإنجيل هو الذي كان للمؤمنين وليا حفيا وللرسول بعده وصيا نصره كبيرا وآمن به صبيا هو الذي كان لجنود الحق سندا ولأنصار الدين يدا وعضدا ومددا ولضعفاء المسلمين مجيرا ولصناديد الكافرين مبيرا (الصنديد السيد الشجاع) ولكئوس العطاء على الفقراء [العاجزين] مديرا حتى أنزل فيه وفي أهل بيته الذين طهرهم الله تطهيرا (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) هو علي العلي الوصي الولي الهاشمي المكي المدني الأبطحي الطالبي الرضي المرضي المنافي القوي الجري اللوذعي (٣) الأريحي المولوي الصفي الوفي الذي بصره الله حقائق اليقين ورتق به فتوق الدين الذي صدق رسول الله صلی الله علیه وسلم وصدق وبخاتمه في الركوع تصدق واعتصب بالسماحة والحماسة وتطوق ودقق في علومه ومعارفه وحقق وذكرنا بقتل الوليد بدرا وبقتل عمرو الخندق ومزق من أبناء الحروب ما مزق وغرق في لجة سيفه من أسود الهياج من غرق وحرق بشهاب صارمه من شياطين العراك من حرق (٤) حتى استوسق الإسلام واتسق (استوسق اجتمع واتسق انتظم) هو أطول بني هاشم

________________

(١) الاجم بفتحتين جمع الاجمة : مأوى الاسد.

(٢) الوسن بفتحتين : النعاس.

(٣) اللوذعي : الخفيف الذكي الظريف الذهن ، الحديد الفؤاد واللسان الفصيح كانه يلذع بالنار ومن ذكائه وتوقد خاطره.

(٤) الصارم : السيف القاطع

٧٤

باعا (١) وأمضاهم زماعا (يقال للرجل الشجاع المقدام) زميع بين الزماع (والزماع الإسراع والعجلة) أرحبهم ذراعا وأكثرهم أشياعا وأخلصهم أتباعا وأشهرهم قراعا (٢) وأحدهم سنانا وأعربهم لسانا (٣) وأقواهم جنانا هو حيدر وما أدراك ما حيدر وهو الكوكب الأزهر والصارم المذكر صاحب براءة وغدير خم وراية خيبر وكمي أحد وحنين والخندق وبدر الأكبر (٤) هو ساقي وراد الكوثر يوم المحشر أبو السبطين ومصلي القبلتين وأنسب من في الأخشبين (الأخشبان جبلا مكة وفِي الْحَدِيثِ لَا تَزُولُ مَكَّةُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا وأعلم من في الحرمين (هذا آخر ما ذكر أبو المؤيد رحمه‌الله من ألقابه صلی الله علیه وسلم لم أزد فيها إلا شرح غريبها وربما حذفت منها شيئا قليلا).

صفته عليه السلام

قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو الْمُؤَيَّدِ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلِيّاً أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ضَخْمَ الْبَطْنِ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ (٥) وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَةَ (٦) أَنَّهُ علیهما السلام كَانَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ ثَقِيلَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَهُمَا ذَا بَطْنٍ وَهُوَ إِلَى الْقَصْرِ أَقْرَبُ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ـ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الْمُحَبَّرِ الْكَبِيرِ فِي صِفَاتِهِ علیهما السلام آدَمَ اللَّوْنِ

________________

(١) الباع : قدر مد اليدين وربماعبر بالباع عن الشرف والفضل والكرم يقال ملان طويل الباع اى كريم واسع الخلق ومقتدر.

(٢) قارع الابطال قراعا : ضارب بعضهم بعضا.

(٣) اى افصحهم

(٤) الكمى : الشجاع.

(٥) الربعة : الوسيط القامة.

(٦) ابن مندة : بفتح الميم وسكون النون ابو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن أبي عبد الله محمد بن اسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة بن الوليد الاصبهاني كان من الحفاظ المشهور بن من بيت العم والحديث وهو محدث نب محدث الى خمسة آباء كلهم علماء محدثون قيل في حقهم بيت ابن مندة بداً بيحيى وختم بيحيى (يريد في معرفة الحديث والعلم والفضل) وكان جده صاحب تاريخ اصبهان توفى سنة ٥١٢. (الكنى والالقاب)

٧٥

حَسَنَ الْوَجْهِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ.

[الأدمة السمرة كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس نحو المنكبين والركبتين والوركين والجمع كراديس].

واشتهر علیهما السلام بالأنزع البطين أما في الصورة فيقال رجل أنزع بين النزع وهو انحسر الشعر عن جانبي جبهته وموضعه النزعة وهما النزعتان ولا يقال لامرأة نزعاء ولكن زعراء والبطين الكبير البطن وأما المعنى فإن نفسه نزعت يقال نزع إلى أهله ينزع نزاعا اشتاق ونزع عن الأمور نزوعا انتهى عنها أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها ونزعت إلى اجتناب السيئات فسد عليه مذهبها ونزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها ونزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها وتجلببها (١) وامتلأ علما فلقب بالبطين وأظهر بعضا وأبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين.

أما ما ظهر من علومه فأشهر من الصباح وأسير في الآفاق من سري الرياح.

وأما ما بطن فَقَدْ قَالَ بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ (٢) لَاضْطُرِبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ.

اندمج إذا دخل في الشيء واستتر فيه والأرشية الحبال واحدها رشاء والطوي البئر المطوية.

وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال :

من كان قد عزقته مدية دهره

ومرت له أخلاف سم منقع (٣)

فليعتصم بعرى الدعاء ويبتهل

بإمامة الهادي البطين الأنزع

نزعت عن الآثام طرا نفسه

ورعا فمن كالأنزع المتورع

وحوى العلوم عن النبي وراثة

فهو البطين لكل علم مودع

________________

(١) جلببه جليايا فتجلبب : البسه الجلباب فلبسه.

(٢) باح بالسر: اظهره.

(٣) قوله : قد عزقته اه كانه من باب عزتي الارض شقها وسم منقع : مربي.

٧٦

ومما ورد في صفته علیهما السلام ما أورده صديقنا العز المحدث (١) وذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ره أن يخرج أحاديث صحاحا وشيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين علیهما السلام وصفاته وكتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده صلی الله علیه وسلم وأنا رأيتها ـ قَالَ كَانَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ (٢) حَسَنَ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ حُسْناً ضَخْمَ الْبَطْنِ عَرِيضَ الْمَنْكِبَيْنِ شتن [شَثْنَ] الْكَفَّيْنِ أَغْيَدَ (٣) كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ أَصْلَعَ كَثَّ اللِّحْيَةِ لِمَنْكِبَيْهِ مُشَاشٌ (٤) كَمُشَاشِ السَّبُعِ الضَّارِي لَا يَبِينُ عَضُدُهُ مِنْ سَاعِدِهِ وَقَدْ أُدْمِجَتْ إِدْمَاجاً إِنْ أَمْسَكَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ أَمْسَكَ بِنَفَسِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَنَفَّسَ شَدِيدُ السَّاعِدِ وَالْيَدِ إِذَا مَشَى إِلَى الْحَرْبِ هَرْوَلَ ثَبْتُ الْجِنَانِ قَوِيٌّ شُجَاعٌ مَنْصُورٌ عَلَى مَنْ لَاقَاهُ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ صِفْ لِي عَلِيّاً قَالَ اعْفُنِي قَالَ لَتَصِفَنَّهُ قَالَ أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ فَإِنَّهُ وَاللهِ كَانَ بَعِيدَ الْمَدَى شَدِيدَ الْقُوَى يَقُولُ فَصْلاً وَيَحْكُمُ عَدْلاً يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا وَيَأْنَسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ وَكَانَ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ (٥) طَوِيلَ الْفِكْرَةِ يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشِنَ وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشِبَ (٦) وَكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا مُجِيبَنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَيَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ وَنَحْنُ وَاللهِ مَعَ تَقْرِيبِهِ إِيَّانَا

________________

(١) هو الحافظ أبو محمد عبد الرزاق بن عبد الله بن أبي بكر عز الدين الرسعني الحنبلي المثوفي سنة ٦٦١ ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ٤ : ٢٤٣ وقال كان اماما متقنا ذا فنون وادب صنف كتاب مقتل الحسين (علیهما السلام) وجمع وصنف تفسيراً حسنا وأيته يروى فيه بالسانيده ، كان بيه وبين المؤلف (قده) صداقة وصلة ويروى (ره) عنه كثيرا في هذا الكتاب وسيأتى عنه بعض القول في ترجمة ايضاً.

(٢) دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها فصاحبها «ادعج»

(٣) شئنت كفه : خشنت وغلظت. وغيد غيدا : مالت عنقة والنك اعطافه فهو اغيد

(٤) المشاش : رؤوس الظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين

(٥) اى كثيرها.

(٦) جشب الطعام : خشن

٧٧

وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيَقْرُبُ الْمَسَاكِينَ لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ (١).

وَغَارَتْ نُجُومُهُ قَابِضاً عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَهُوَ اللَّذِيعُ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ وَهُوَ يَقُولُ ـ : يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي أَبِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ بَيَّنْتُكَ (٢) ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا فَعُمُرُكَ قَصِيرٌ وَخَطَرُكَ كَبِيرٌ وَعَيْشُكَ حَقِيرٌ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ لِلسَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ فَبَكَى مُعَاوِيَةُ وَقَالَ رَحِمَ اللهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ وَاللهِ كَذَلِكَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا بِحَجْرِهَا فَهِيَ لَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا.

في بيعته وما جاء فيها

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ جَاءَ النَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام حَتَّى دَخَلُوا دَارَهُ فَقَالُوا نُبَايِعُكَ فَمُدَّ يَدَكَ فَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِ بَدْرٍ فَمَنْ رَضُوا بِهِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَّا أَتَى عَلِيّاً علیهما السلام وَقَالُوا مَا نَرَى أَحَداً أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ فَمُدَّ يَدَكَ نُبَايِعْكَ فَقَالَ أَيْنَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةَ فَبَايَعَهُ بِيَدِهِ وَكَانَتْ إِصْبَعُهُ شَلَّاءَ فَتَطَيَّرَ مِنْهَا عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَالَ مَا أَخْلَفَهُ أَنْ يَنْكُثَ ثُمَّ بَايَعَهُ الزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم جَمِيعاً.

عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ (٣) قَالَ لَمَّا بُويِعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام عَلَى

________________

(١) يقال : سدل شعره وثوبه : اذا أرخاء يعدله بالضم ، والسديل : ما أسبل على الهودج (ه م).

(٢) اى طلقتك.

(٣) وفى بعض المخطوطة «اسودين زيد» لكن الصحيح هو المختار وكان الرجل عن محدثي اهل الكوفة وكان موثقا ممدوحا صالحا عند اهل السنة توفى سنة ٧٤ ذكره ابن حجرفي تهذيب التهذيب ج ١ صلی الله علیه وسلم ٣٤٣.

٧٨

مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمِنْبَرِ

إِذَا نَحْنُ بَايَعْنَا عَلِيّاً فَحَسَبْنَا

أَبُو حَسَنٍ مِمَّا نَخَافُ مِنَ الْفِتَنِ

وَجَدْنَاهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ إِنَّهُ

أَطَبُّ قُرَيْشٍ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَنِ

فَإِنَّ قُرَيْشاً مَا تَشُقُّ غُبَارَهُ

إِذَا مَا جَرَى يَوْماً عَلَى الضُّمْرِ الْبَدَنِ

وَفِيهِ الَّذِي فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ

وَمَا فِيهِمْ بَعْضُ الَّذِي فِيهِ مِنْ حَسَنٍ

ما جاء في إسلامه وسبقه وسنه يومئذ

قَالَ أَبُو الْمُؤَيَّدِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ أَوَّلَ ذَكَرٍ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَعُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ عَشْرُ سِنِينَ وَكَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُبِّيَ فِي حَجْرِهِ صلی الله علیه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشاً أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ وَهِيَ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مُوسِراً يَا عَبَّاسُ إِنَّ أَخَاكَ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى فَانْطَلِقْ حَتَّى تُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ وَقَالا لَهُ فَقَالَ اتْرُكُوا لِي عَقِيلاً وَخُذُوا مَنْ شِئْتُمْ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم عَلِيّاً وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَراً فَلَمْ يَزَلْ مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حَتَّى بَعَثَهُ اللهُ نَبِيّاً فَاتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ.

أبو المؤيد ذكر أخذ النبي صلی الله علیه وسلم عليا ولم يذكر أخذ العباس جعفرا والقصة مشهورة قَالَ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ أَوَّلُ النَّاسِ وُرُوداً عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوَّلُهُمْ إِسْلَاماً عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيَّ وَعَلَى عَلِيٍّ سَبْعَ سِنِينَ قِيلَ وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَمْ يَكُنْ مَعِي مِنَ الرِّجَالِ غَيْرُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِيِّ أَيْضاً قَالَ صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيَّ وَعَلَى عَلِيٍ

٧٩

سَبْعَ سِنِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ تُرْفَعْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا مِنِّي وَمِنْ عَلِيٍ وَقَدْ أَوْرَدَهُ النَّطَنْزِيُّ صَاحِبُ الْخَصَائِصِ وَقَالَ إِلَّا مِنْهُ وَمِنِّي.

وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ لِأَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ عَنْ لَيْلَى الْغِفَارِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ امْرَأَةً أَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أُدَاوِي الْجَرْحَى فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ أَقْبَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ عَشِيَّةً فَقُلْتُ حَدِّثِينِي هَلْ سَمِعْتِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي هَذَا الرَّجُلِ شَيْئاً قَالَتْ نَعَمْ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ وَعَائِشَةَ عَلَى فِرَاشٍ وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَالَتْ فَأَقْعَى عَلِيٌّ كَجِلْسَةِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ هَذَا أَوَّلُ النَّاسِ إِيمَاناً وَأَوَّلُ النَّاسِ لِقَاءً لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَآخِرُ النَّاسِ بِي عَهْداً عِنْدَ الْمَوْتِ

وَمِنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَظَرَ عَلِيٌّ يَوْماً فِي وُجُوهِ النَّاسِ فَقَالَ إِنِّي لَأَخُو رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَوَزِيرُهُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَوَّلُكُمْ إِيمَاناً بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدِي رِسْلاً رِسْلاً.

[الرِّسْلُ اللِّينُ وَالسُّكُونُ يُقَالُ تَكَلَّمْ عَلَى رِسْلِكَ أَيْ هِينَتِكَ وَالرَّسَلُ الْجَمَاعَةُ وَالرَّسْلُ مِثْلُهُ وَأَصْلُهُ بِالتَّحْرِيكِ].

وَإِنِّي لَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَخُوهُ وَشَرِيكُهُ فِي نَسَبِهِ وَأَبُو وُلْدِهِ وَزَوْجُ سَيِّدَةِ وُلْدِهِ وَسَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (١) وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ إِذَا مَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَخْرَجاً قَطُّ إِلَّا رَجَعْنَا وَأَنَا أَحَبُّكُمْ إِلَيْهِ وَأَوْثَقُكُمْ فِي نَفْسِهِ وَأَشَدُّكُمْ نِكَايَةً وَأَثَراً فِي الْعَدُوِّ (٢).

وَلَقَدْ رَأَيْتُمْ بَعْثَتَهُ إِيَّايَ بِبَرَاءَةَ وَوَقْفَتَهُ لِي يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَقِيَامَهُ إِيَّايَ مَعَهُ وَرَفْعَهُ بِيَدِي وَلَقَدْ آخَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمَا اخْتَارَ أَحَداً لِنَفْسِهِ غَيْرِي وَلَقَدْ قَالَ لِي أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَقَدْ أَخْرَجَ النَّاسَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَتَرَكَنِي وَلَقَدْ قَالَ لِي أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.

وَمِنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيٍّ أَرْبَعُ خِصَالٍ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ

________________

(١) وفى بعض النسخ «سيدة نساء اهل الجنة»

(٢) تقول : تسكيت في العدو نكاية اذا قلت فيهم وجرحت (ه م)

٨٠