كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

قَالَ (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) إِلَى قَوْلِهِ (أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١) فصدق الله عليا في دعواه وشهد له بالإيمان والمهاجرة والجهاد وزكاه ورفع قدره بما أنزل فيه وأعلاه وكم له من المزايا التي لم يبلغها أحد سواه.

فأما مواقف جهاده ومواطن جده واجتهاده ومقامات جداله بألسنة الأسنة وجلاده فمنها ما كان مع رسول الله صلی الله علیه وسلم ومنها ما تولاه على انفراده فمن ذلك ما كان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة وعمره إذ ذاك سبع وعشرون سنة.

غزوة بدر

التي هدت قوى الشرك وقذفت طواغيته في قليب الهلك وبينت الفرق بين الحق والإفك ودوخت مردة الكفار وسقتهم كاسات الدمار والبوار ونقلتهم من القليب إلى النار فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله وفضل الله فيه من أحسن فضله أنزل الله فيه الملائكة لنصر رسوله صلی الله علیه وسلم تفضيلا له على جميع رسله وخصه فيه من إعلاء قدره بما لم ينله أحد من قبله وغادر صناديد قريش فرائس أسره وقتله وجزر شبا سنانه وحد نصله وجبرئيل ينادي أقدم حيزوم (٢) لإظهار دينه على الدين كله وعلي فارس تلك الملحمة فما تعد الأسد الغضاب بشسع نعله ومسعر تلك الحرب العوان ينصب على الأعداء انصباب السحاب ووبله ونار سطوته وبأسه تتسعر تسعر النار في دقيق الغضا وجزله. قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي جَمِيعُ مَنْ يُحْصَى قَتْلُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَشَرِكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلاً شَرِكَ

________________

(١) التوبة : ١٩ ـ ٢٢.

(٢) حيزوم : اسم فرس النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في غزوة بدر ، وقبل : اسم فرس جبرئيل عليه السلام والمعنى : اقدم يا حيزوم.

١٨١

فِي أَرْبَعَةٍ وَقَتَلَ بِانْفِرَادِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ إِنَّهُ قَتَلَ بِانْفِرَادِهِ تِسْعَةً بِغَيْرِ خِلَافٍ وَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ خَالُ مُعَاوِيَةَ قَتَلَهُ مُبَارَزَةً وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَحَاجِبُ بْنُ السَّائِبِ وَأَمَّا الَّذِينَ شَارَكَهُ فِي قَتْلِهِمْ غَيْرُهُ فَهُمْ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخُو مُعَاوِيَةَ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَزَمْعَةُ وَعَقِيلُ ابْنَا الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَأَمَّا الَّذِينَ اخْتَلَفَ النَّاقِلُونَ فِي أَنَّهُ علیهما السلام قَتَلَهُمْ أَوْ غَيْرُهُ فَهُمْ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَعُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ قَيْسٍ وَأَوْسٌ الْجُمَحِيُّ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ صَبْراً (١) وَمُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ فهذه عدة من قيل إنه قتلهم علیهما السلام في هذه الرواية غير النضر بن الحارث فإنه قتله صبرا بعد القفول من بدر هذا من طرق الجمهور.

فأما المفيد فقد ذكر في كتابه الإرشاد قال فصل فمن ذلك ما كان منه علیهما السلام في غزوة بدر المذكورة في القرآن وهي أول حرب كان به الامتحان وملأت رهبتها صدور المعدودين من المسلمين في الشجعان وراموا التأخر عنه لخوفهم منها وكراهتهم لها على ما جاء بمحكم الذكر في البيان حيث يقول جل اسمه فيما قص من نبئهم على الشرح له والبيان (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) في الآي المتصل بذلك إلى قوله عز اسمه (وَلا

________________

(١) يقال للرجل إذا شدت يداه ورجلاه أو امسكه رجل آخر حتّى يضرب عنقه أو حبس على القتل حتّى يقتل : قتل صبرا. وكان من قصة عقبة بن أبي معيط انه اسرفى وقعة بدر وكان في الأسارى حتّى إذا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقدم إلى موضع يقال له عرق الظبية أمر بقتل عقبة ، وكانت له ابنة صغيرة ـ فقال. حين أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ان يقتل : فمن للصبية يا محمد؟ قال : النار ، فقتل.

١٨٢

تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (١).

وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ خَبَرِ هَذِهِ الْغُزَاةِ ـ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَضَرُوا بَدْراً مُصِرِّينَ عَلَى الْقِتَالِ مُسْتَظْهِرِينَ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَدِ وَالرِّجَالِ وَالْمُسْلِمُونَ إِذْ ذَاكَ نَفَرٌ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَضَرَ كَارِهاً فَتَحَدَّتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالْبِرَازِ وَدَعَتْهُمْ إِلَى الْمُصَافَّةِ وَالنِّزَالِ وَاقْتَرَحَتِ الْأَكْفَاءَ وَتَطَاوَلَتِ الْأَبْصَارُ لِمُبَارَزَتِهِمْ فَمَنَعَهُمُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم وَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الْقَوْمَ دَعُوا الْأَكْفَاءَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَ عَلِيّاً بِالْبُرُوزِ إِلَيْهِمْ وَدَعَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَبْرُزَا مَعَهُ فَلَمَّا اصْطَفُّوا لَمْ يُثْبِتْهُمُ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَغَفَّرُوا فَسَأَلُوهُمْ مَنْ أَنْتُمْ فَانْتَسَبُوا لَهُمْ فَقَالُوا أَكْفَاءٌ كِرَامٌ وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَبَارَزَ الْوَلِيدُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فَلَمْ يَلْبَثْهُ أَنْ قَتَلَهُ وَبَارَزَ عُتْبَةُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ وَبَارَزَ شَيْبَةُ عُبَيْدَةَ فَاخْتَلَفَ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ قَطَعَتْ إِحْدَاهُمَا فَخِذَ عُبَيْدَةَ فَاسْتَنْقَذَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام بِضَرْبَةٍ بَدَرَ بِهَا شَيْبَةَ فَقَتَلَهُ وَشَرَكَهُ فِي ذَلِكَ حَمْزَةُ.

فَكَانَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَوَّلَ وَهْنٍ لَحِقَ الْمُشْرِكِينَ وَذُلٍّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ بَارَزَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام الْعَاصَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بَعْدَ أَنْ أَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ فَقَتَلَهُ وَبَرَزَ إِلَيْهِ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَتَلَهُ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ بَعْدَهُ نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ وَلَمْ يَزَلْ علیهما السلام يَقْتُلُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى أَتَى عَلَى شَطْرِ الْمَقْتُولِينَ مِنْهُمْ وَكَانُوا سَبْعِينَ قَتِيلاً تَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً وَالْمَلَائِكَةُ قَتَلَ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ وَتَوَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الشَّطْرَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ بِمَعُونَةِ اللهِ إِيَّاهُ وَتَوْفِيقِهِ لَهُ وَكَانَ الْفَتْحُ لَهُ وَبِيَدَيْهِ وَخَتَمَ الْأَمْرُ بِأَنْ رَمَاهُمُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم بِكَفٍّ مِنَ الْحَصَاةِ وَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَانْهَزَمُوا جَمِيعاً وَوَلَّوُا الدُّبُرَ (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَشُرَكَائِهِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ مِنْ خَاصَّةِ آلِ الرَّسُولِ علیهما السلام وَمَنْ أَيَّدَهُمْ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ وَالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ

________________

(١) الأنفال : ٥ ـ ٤٧.

١٨٣

فصل : وَقَدْ أَثْبَتَ رُوَاةُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مَعاً أَسْمَاءَ الَّذِينَ تَوَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام قَتْلَهُمْ بِبَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اتِّفَاقٍ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَاصْطِلَاحٍ فَكَانَ مِمَّنْ سَمَّوْهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ كَمَا قَدَّمْنَا وَكَانَ شُجَاعاً جَرِيئاً فَاتِكاً وَقَّاحاً (١) تَهَابُهُ الرِّجَالُ وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ وَكَانَ هَوْلاً عَظِيماً وَحَادَّ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (٢) وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ مِنْ رُءُوسِ أَهْلِ الضَّلَالِ وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمُشْرِكِينَ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَدِّمُهُ وَتُعَظِّمُهُ وَتُطِيعُهُ وَهُوَ الَّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ بِطَلْحَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ وَأَوْثَقَهُمَا بِحَبْلٍ وَعَذَّبَهُمَا يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى سُئِلَ فِي أَمْرِهِمَا وَلَمَّا عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حُضُورَهُ بَدْراً سَأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكْفِيَهُ أَمْرَهُ فَقَالَ اللهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ فَقَتَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ وَعُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ تَيْمٍ عَمُّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَعُثْمَانُ وَمَالِكُ ابْنَا عُبَيْدِ اللهِ أَخَوَا طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَحُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ مَخْزُومٍ وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ وَمُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيُّ وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَعَلْقَمَةُ بْنُ كَلْدَةَ وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ وَلَوْذَانُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَحَاجِبُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ عُوَيْمٍ وَأَوْسُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ لَوْذَانَ وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ وَسَعِيدُ بْنُ وَهْبٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَمِيلِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ أَسَدٍ وَالسَّائِبُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

فذلك ستة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين فيه

________________

(١) الفاتك : الذي إذا هم بشيء فعل. ووقح الرجل وقاحة قل حياؤه واجترأ على القبائح. والوقاح ـ بفتح الواو ـ : ذو الوقاحة.

(٢) حاد عنه : مال.

١٨٤

غيره وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدمناه.

قلت وعلى اختلاف المذهبين في تعيين عدة المقتولين فقد اتفقا على أن أمير المؤمنين قتل النصف ممن قتل ببدر أو قريبا منه وما أجدره صلی الله علیه وسلم بقول القائل

لك خلتان مسالما ومحاربا

كفلا الثناء لسيفك المخضوب

فرقت ما بين الذوائب والطلى

وجمعت ما بين الطلا والذئب

قال المفيد رحمه‌الله فصل فمن مختصر الأخبار التي قد جاءت بشرح ما أثبتناه مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثِ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام يَقُولُ لَقَدْ حَضَرْنَا بَدْراً وَمَا فِينَا فَارِسٌ إِلَّا الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَلَقَدْ رَأَيْنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِلَّا مَنْ نَامَ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ مُنْتَصِباً فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَدْعُو حَتَّى الصَّبَاحِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ لَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ اصْطَفَّتْ قُرَيْشٌ أَمَامَهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ فَنَادَى عُتْبَةُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قُرَيْشٍ فَبَدَرَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةً مِنْ شُبَّانِ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُمْ عُتْبَةُ مَنْ أَنْتُمْ فَانْتَسَبُوا لَهُمْ فَقَالُوا لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مُبَارَزَتِكُمْ إِنَّمَا طَلَبْنَا بَنِي عَمِّنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِلْأَنْصَارِ ارْجِعُوا إِلَى مَوَاقِفِكُمْ ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا عَلِيُّ قُمْ يَا حَمْزَةُ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ قَاتِلُوا عَلَى حَقِّكُمُ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ نَبِيَّكُمْ إِذْ جَاءُوا بِبَاطِلِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ فَقَامُوا فَصَفُّوا لِلْقَوْمِ وَكَانَ عَلَيْهِمُ الْبِيضُ فَلَمْ يُعْرَفُوا فَقَالَ لَهُمْ عُتْبَةُ تَكَلَّمُوا فَإِنْ كُنْتُمْ أَكْفَاءَنَا قَاتَلْنَاكُمْ فَقَالَ حَمْزَةُ أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ فَقَالَ عُتْبَةُ كُفْوٌ كَرِيمٌ وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ عُبَيْدَةُ أَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ عُتْبَةَ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ قُمْ يَا وَلِيدُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَا إِذْ ذَاكَ أَصْغَرَيِ الْجَمَاعَةِ سِنّاً فَاخْتَلَفَا

________________

(١) الطلى ـ بضم الطاء ـ جمع الطلية : العنق والطلا ـ بفتح التاء ـ : الصغير من أولاد العنم والظبي وقيل مطلقا.

١٨٥

ضَرْبَتَيْنِ فَأَخْطَأَتْ ضَرْبَةُ الْوَلِيدِ وَاتَّقَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى ضَرْبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَبَانَتْهَا.

فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ بَدْراً وَقَتْلَهُ الْوَلِيدَ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَمِيضِ خَاتَمِهِ فِي شِمَالِهِ (١) ثُمَّ ضَرَبْتُهُ أُخْرَى فَصَرَعْتُهُ وَسَلَبْتُهُ فَرَأَيْتُ بِهِ رَدْعاً مِنْ خَلُوقٍ (٢) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَرِيبُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ وَبَارَزَ عُتْبَةُ حَمْزَةَ فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ وَمَشَى عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ إِلَى شَيْبَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَأَصَابَ ذُبَابُ سَيْفِ شَيْبَةَ عَضَلَةَ سَاقِ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَهَا وَاسْتَنْقَذَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَحَمْزَةُ مِنْهُ وَقَتَلَا شَيْبَةَ وَحُمِلَ عُبَيْدَةُ مِنْ مَكَانِهِ فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ (٣).

قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام لَقَدْ عَجِبْتُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ جُرْأَةِ الْقَوْمِ وَقَدْ قَتَلْنَا عُتْبَةَ وَالْوَلِيدَ وَشَيْبَةَ إِذْ أَقْبَلَ إِلَيَّ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَسَالَتْ عَيْنَاهُ وَلَزِمَ الْأَرْضَ قَتِيلاً

وَقِيلَ مَرَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَتَحَدَّثُ عِنْدَهُ فَانْطَلَقَا فَصَارَ عُثْمَانُ إِلَى مَجْلِسٍ الَّذِي يُشْبِهُهُ وَمِلْتُ أَنَا فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَنَظَرَ إِلَيَّ عُمَرُ وَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ كَأَنَّ فِي نَفْسِكَ عَلَيَّ شَيْئاً أَتَظُنُّ أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَاتِلَهُ وَلَوْ قَتَلْتُهُ لَمْ أَعْتَذِرْ مِنْ قَتْلِ كَافِرٍ لَكِنِّي مَرَرْتُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَرَأَيْتُهُ يَبْحَثُ لِلْقِتَالِ كَمَا يَبْحَثُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ فَإِذَا شَدْقَاهُ قَدْ أَزْبَدَا (٤) كَالْوَزَغِ فَهِبْتُهُ وَرُعْتُ عَنْهُ فَقَالَ إِلَى أَيْنَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَصَمَدَ لَهُ (٥) عَلِيٌّ فَتَنَاوَلَهُ فَمَا رُمْتُ مِنْ مَكَانِي حَتَّى قَتَلَهُ وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ اللهُمَّ غَفْراً ذَهَبَ الشِّرْكُ بِمَا فِيهِ وَمَحَا الْإِسْلَامُ مَا تَقَدَّمَ فَمَا لَكَ تُهَيِّجُ

________________

(١) ومض البرق وميضا : لمع حفيفا.

(٢) الردع : اثر الطيب في الجسد. والخلوق : ضرب من الطيب مائع فيه صفرة لان أعظم اجزائه من الزعفران.

(٣) قال ياقوت : الصفراء : وادى من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل في طريق الحاجّ بينه وبين بدر مرحلة.

(٤) من أزبد الرجل : فار غضبه.

(٥) صمد له : قصده.

١٨٦

النَّاسَ عَلَيَّ فَكَفَّ عُمَرُ وَقَالَ سَعِيدٌ أَمَا إِنَّهُ مَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ أَبِي غَيْرَ ابْنِ عَمِّهِ (١) عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَخَذُوا فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ يَوْمَ بَدْرٍ نَحْوَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ فَشَجَرَهُ بِالرُّمْحِ وَقَالَ لَهُ وَاللهِ لَا تُخَاصِمُنَا فِي اللهِ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَداً.

وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِ أَنَّهُ لَمَّا عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حُضُورَ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ بَدْراً قَالَ اللهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَلاً فَلَمَّا انْكَشَفَتْ قُرَيْشٌ رَآهُ عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَدْ تَحَيَّرَ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ فَصَمَدَ لَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَنَشِبَ فِي بَيْضَتِهِ فَانْتَزَعَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ سَاقَهُ وَكَانَتْ دِرْعُهُ مُشَمَّرَةً (٢) فَقَطَعَهَا ثُمَّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا عَادَ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم سَمِعَهُ يَقُولُ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنَوْفَلٍ قَالَ أَنَا قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي فِيهِ.

غزوة أحد

كَانَتْ فِي شَوَّالٍ وَلَمْ يَبْلُغْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عُمُرِهِ تِسْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَسَبَبُهَا أَنَّ قُرَيْشاً لَمَّا كُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ وَأُسِرَ بَعْضُهُمْ حَزِنُوا لِقَتْلِ رُؤَسَائِهِمْ فَتَجَمَّعُوا وَبَذَلُوا أَمْوَالاً وَاسْتَمَالُوا جَمْعاً مِنَ الْأَحَابِيشِ وَغَيْرِهِمْ (٣) لِيَقْصِدُوا النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم بِالْمَدِينَةِ لِاسْتِئْصَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَوَلَّى كَسْرَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَحَشَدَ وَحَشَرَ (٤) وَقَصَدَ الْمَدِينَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ وَنَفَقَ النِّفَاقُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنَ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَتَعَامَلُوا بِهِ وَأَنْسَاهُمُ الْقَضَاءَ الْمُبْرَمَ سُوءُ الْعَاقِبَةِ وَالْمَآلِ فَرَجَعَ قَرِيبٌ مِنْ ثُلُثِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَقِيَ صلی الله علیه وسلم فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

________________

(١) وفي بعض النسخ «اما انه كان يسوؤني أن يكون قاتل أبى غير ابن عمه اه».

(٢) أي مجتمعة منضمة.

(٣) يقال : حبش قومه تحبيشا : جمعهم ، والاحبوش والأحابيش : الجماعة ليسوا من قبيلة واحدة (ه. م)

(٤) حشد الناس : جمعهم. وحشر بمعناه أيضا.

١٨٧

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إِلَى آخِرِ سِتِّينَ آيَةً وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ وَدَارَتْ رَحَاهَا وَاضْطَرَبَ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتُشْهِدَ حَمْزَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ مِنْ مُقَاتِلَةِ الْمُشْرِكِينَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَتِيلاً.

نَقَلَ أَرْبَابُ الْمَغَازِي أَنَّ عَلِيّاً قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعَةً طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدَ اللهِ بْنَ جَمِيلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَأَبَا الْحَكَمِ بْنَ الْأَخْنَسِ وَأَبَا سِبَاعِ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى وَأَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ علیهما السلام قَتَلَهُمْ وَأَبَا سَعْدٍ طَلْحَةَ بْنَ طَلْحَةَ وَغُلَاماً حَبَشِيّاً لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ قِيلَ اسْتَقَلَّ بِقَتْلِهِمَا وَقِيلَ قَتَلَهُمَا غَيْرُهُ وَعَادَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ طَالِبِينَ مَكَّةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَدَفَعَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ إِلَى فَاطِمَةَ علیهما السلام فَقَالَ اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةِ فَوَ اللهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ سَيْفَهُ وَقَالَ لَهَا كَذَلِكِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنَّهُ لَمَّا فَرَّ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ مَا زَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم شِبْراً وَاحِداً يَرْمِي مَرَّةً عَنْ قَوْسِهِ وَمَرَّةً بِالْحِجَارَةِ وَصَبَرَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَزُبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَمِنَ الْأَنْصَارِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو دُجَانَةَ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَيُقَالُ ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ فَيَجْعَلُونَهُمَا مَكَانَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَبَايَعَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمَوْتِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلِيٌّ علیهما السلام وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَأَبُو دُجَانَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ قَالَ فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ تَحْتِي امْرَأَةً شَابَّةً جَمِيلَةً أُحِبُّهَا وَتُحِبُّنِي وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقْذَرَ مَكَانَ عَيْنِي فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَرَدَّهَا فَأَبْصَرْتُ وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَمْ

١٨٨

تُؤْلِمْهُ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسَنَّ هِيَ أَقْوَى عَيْنَيَّ وَكَانَتْ أَحْسَنَهُمَا.

وَبَاشَرَ النَّبِيُّ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَرَمَى حَتَّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ وَأَصَابَ شَفَتَهُ وَرَبَاعِيَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَوَقَعَ صلی الله علیه وسلم فِي حُفْرَةٍ وَضَرَبَهُ ابْنُ قَمِيئَةَ فَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئاً إِلَّا وَهَنَ الضَّرْبَةَ بِثِقْلِ السَّيْفِ وَانْتَهَضَ وَطَلْحَةُ يَحْمِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ وَعَلِيٌّ آخِذٌ بِيَدِهِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِماً.

وَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ (١) قَالَ حَضَرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا غُلَامٌ فَرَأَيْتُ ابْنَ قَمِيئَةَ عَلَا رَسُولَ اللهِ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّى تَوَارَى فَجَعَلْتُ أَصِيحُ وَأَنَا غُلَامٌ حَتَّى رَأَيْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَيْهِ وَيُقَالُ الَّذِي شَجَّهُ فِي جَبْهَتِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَالَّذِي أَشْظَى رَبَاعِيَتَهُ (٢) وَأَدْمَى شَفَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَالَّذِي دَمَّى وَجْنَتَيْهِ حَتَّى غَابَ الْحَلَقُ فِي وَجْنَتِهِ ابْنُ قَمِيئَةَ وَسَالَ الدَّمُ مِنْ جَبْهَتِهِ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) الْآيَةَ (٣).

وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ره فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِالْمَاءِ فِي تُرْسِهِ وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَخَذَ حَصِيراً فَأُحْرِقَ وَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ (٤) وَرَأَى سَيْفَ عَلِيٍّ مُخْتَضِباً وَقَالَ إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَسَيْفُ أَبِي دُجَانَةَ غَيْرُ مَذْمُومٍ قَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ رَأَيْتَنِي يَوْمَئِذٍ وَإِنِّي

________________

(١) وفي نسخة «أبي سعيد» مكان «أبى بشير» ولكن الصحيح ما اخترناه.

(٢) أي كسر. قال الجزريّ وفي الحديث : فانشظت رباعية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اي انكسرت.

(٣) آل عمران : ١٢٨.

(٤) حشاه بالشيء : ملاه به.

١٨٩

لَأَذُبُّهُمْ فِي نَاحِيَةٍ وَإِنَّ أَبَا دُجَانَةَ فِي نَاحِيَةٍ يَذُبُّ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَإِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَذُبُّ طَائِفَةً مِنْهُمْ حَتَّى فَرَّجَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَانْفَرَدَتْ يَوْمَئِذٍ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَدَخَلْتُ وَسْطَهُمْ بِالسَّيْفِ فَضَرَبْتُ بِهِ وَاشْتَمَلُوا عَلَيَّ حَتَّى أَفْضَيْتُ إِلَى آخِرِهِمْ ثُمَّ كَرَرْتُ فِيهِمُ الثَّانِيَةَ حَتَّى رَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جِئْتُ وَلَكِنَّ الْأَجَلَ اسْتَأْخَرَ وَيَقْضِي (اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).

وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى فَرَسٍ فَقَالَ مَنْ يُبَارِزُ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتِيقٍ فَنَهَضَ أَبُو بَكْرٍ وَشَهَرَ سَيْفَهُ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أُبَارِزُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم شَمِّ سَيْفَكَ (١) وَارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ وَمَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِينَ تَوَلَّى (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ نَادَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُنَادٍ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌ.

قِيلَ وَسُئِلَ علیهما السلام عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) (٢) فَقَالَ اللهُمَّ غَفْراً هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيَّ وَفِي عَمِّي حَمْزَةَ وَفِي ابْنِ عَمِّي عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَمَّا عُبَيْدَةُ فَقَضَى نَحْبَهُ شَهِيداً يَوْمَ بَدْرٍ وَأَمَّا عَمِّي حَمْزَةُ فَإِنَّهُ قَضَى نَحْبَهُ شَهِيداً يَوْمَ أُحُدٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَنْتَظِرُ أَشْقَاهَا يَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ حَبِيبِي أَبُو الْقَاسِمِ ص.

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ثم تلت بدرا غزوة أحد فكانت راية رسول الله صلی الله علیه وسلم بيد أمير المؤمنين كما كانت يوم بدر وكان الفتح له أيضا في هذه الغزوة وخص بحسن البلاء فيها والصبر وثبوت القدم عند ما زلت الأقدام وكان له من العناء ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام وقتل الله بسيفه رءوس أهل الشرك والضلال وفرج الله به الكرب عن نبيه صلی الله علیه وسلم وخطب بفضله جبرئيل علیهما السلام في ملائكة الأرض والسماء وأبان نبي الهدى من اختصاصه به ما كان مستورا

________________

(١) شام السيف شيما : أغمده.

(٢) الأحزاب : ٢٣.

١٩٠

عن عامة الناس.

فمن ذلك ما حَدَّثَ ابْنُ الْبَخْتَرِيِّ الْقُرَشِيِ قَالَ كَانَتْ رَايَةُ قُرَيْشٍ وَلِوَاؤُهَا جَمِيعاً بِيَدِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الرَّايَةُ فِي يَدِ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحْمِلُهَا مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ صلی الله علیه وسلم فَصَارَتْ رَايَةُ قُرَيْشٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ص. فَأَقَرَّهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ وَأَعْطَاهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فِي غَزْوَةِ وَدَّانَ وَهِيَ (١) أَوَّلُ غَزْوَةٍ حُمِلَتْ فِيهَا رَايَةٌ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ فِي الْمَشَاهِدِ بِبَدْرٍ وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى وَفِي يَوْمِ أُحُدٍ وَكَانَ اللِّوَاءُ يَوْمَئِذٍ فِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَاسْتُشْهِدَ فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ فَتَشَوَّفَتْهُ القَبَائِلُ (٢) فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَدَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ الرَّايَةِ وَاللِّوَاءِ.

" وَرَوَى الْمُفَضَّلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام أَرْبَعٌ مَا هُنَّ لِأَحَدٍ هُوَ أَوَّلُ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ وَهُوَ صَاحِبُ لِوَائِهِ فِي كُلِّ زَحْفٍ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَ الْمِهْرَاسِ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ (٣) وَفَرَّ النَّاسُ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ وَجَدْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَوْماً طَيِّبَ النَّفْسِ فَقُلْنَا لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَيْفَ كَانَ فَقَالَ أَجَلْ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ الْحَرْبِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم اخْرُجُوا إِلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ اللهِ تَعَالَى فَخَرَجْنَا فَصَفَفْنَا صَفّاً طَوِيلاً وَأَقَامَ عَلَى الشِّعْبِ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنْهُمْ وَقَالَ لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا وَإِنْ قُتِلْنَا عَنْ آخِرِنَا فَإِنَّمَا نُؤْتَى مِنْ مَوْضِعِكُمْ وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِإِزَائِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَكَانَتْ أَلْوِيَةُ قُرَيْشٍ فِي بَنِي عَبْدِ

________________

(١) ودان ـ بفتح الواو وتشديد الدال ـ : اسم موضع بين مكّة والمدينة.

(٢) تشوف للشيء : طمح بصره إليه.

(٣) وقد مر في صفحة ٨١ في ما بين المعقفتين ان يوم المهراس يوم حنين وانما سمى بذلك لشدته مأخوذ من الهرس وهو الدق. وعن بعض أهل اللغة ان المهراس اسم ماء بأحد.

١٩١

الدَّارِ وَكَانَ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ يُدْعَى كَبْشَ الْكَتِيبَةِ قَالَ وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَجَاءَ حَتَّى قَامَ تَحْتَ لِوَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى أَصْحَابِ اللِّوَاءِ فَقَالَ يَا أَصْحَابَ الْأَلْوِيَةِ إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمَا يُؤْتَى الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ أَلْوِيَتِهِمْ كَمَا أُوتِيتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قِبَلِ الْأَلْوِيَةِ فَإِنْ ضَعَفْتُمْ عَنْهَا فَادْفَعُوهَا إِلَيْنَا نَكْفِكُمْ أَمْرَهَا فَغَضِبَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ أَلَنَا تَقُولُ هَذَا وَاللهِ لَأُورِدَنَّكُمْ بِهَا الْيَوْمَ حِيَاضَ الْمَوْتِ فَلَقِيَ طَلْحَةُ عَلِيّاً وَتَقَارَبَا وَاخْتَلَفَ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَبَدَرَتْ عَيْنُهُ وَصَاحَ صَيْحَةً عَظِيمَةً وَسَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ مُصْعَبٌ أَخُوهُ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ أَخُوهُ عُثْمَانُ فَرَمَاهُ عَاصِمٌ أَيْضاً فَقَتَلَهُ فَأَخَذَهُ عَبْدٌ لَهُمْ اسْمُهُ صَوَابٌ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَضَرَبَ عَلِيٌّ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَضَرَبَهُ فَقَطَعَهَا فَأَخَذَ اللِّوَاءَ عَلَى صَدْرِهِ وَجَمَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَهُمَا مَقْطُوعَتَانِ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَسَقَطَ سَرِيعاً وَانْهَزَمَ الْقَوْمُ وَأَكَبَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ وَرَأَى أَصْحَابُ الشِّعْبِ النَّاسَ يَغْنَمُونَ فَخَافُوا فَوْتَ الْغَنِيمَةِ فَاسْتَأْذَنُوا رَئِيسَهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَرَامٍ فِي أَخْذِ الْغَنَائِمِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَمَرَ بِي أَنْ لَا أَبْرَحَ مِنْ مَوْضِعِي فَقَالُوا إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ مَا تَرَى وَمَالُوا إِلَى الْغَنَائِمِ وَتَرَكُوهُ وَلَمْ يَبْرَحْ هُوَ مِنْ مَوْضِعِهِ.

فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم قَدْ حَفَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ دُونَكُمْ وَهَذَا الَّذِي تَطْلُبُونَ فَحَمَلُوا حَمَلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ضَرْباً بِالسُّيُوفِ وَطَعْناً بِالرِّمَاحِ وَرَمْياً بِالنِّبَالِ وَرَضْخاً بِالْحِجَارَةِ وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يُقَاتِلُونَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً وَثَبَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبُو دُجَانَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ لِلْقَوْمِ يَدْفَعُونَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَكَانَ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ النَّاسُ قَالَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ فَقَالَ فَاكْفِنِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَدُوا نَحْوِي فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَكَشَفَهُمْ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ وَقَدْ قَصَدُوهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَكَرَّ عَلَيْهِمْ فَكَشَفَهُمْ وَأَبُو دُجَانَةَ

١٩٢

وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ قَائِمَانِ عَلَى رَأْسِهِ وَسُيُوفُهُمَا بِأَيْدِيهِمَا يَذُبَّانِ عَنْهُ وَثَابَ (١) مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَصَعِدَ الْبَاقُونَ الْجَبَلَ وَصَاحَ صَائِحٌ بِالْمَدِينَةِ قُتِلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَانْخَلَعَتِ الْقُلُوبُ لِذَلِكَ وَتَحَيَّرَ الْمُنْهَزِمُونَ فَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً وَجَعَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لِوَحْشِيٍّ جُعْلاً عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللهِ أَوْ عَلِيّاً أَوْ حَمْزَةَ فَقَالَ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَا حِيلَةَ فِيهِ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يُطِيفُونَ بِهِ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ إِذَا قَاتَلَ كَانَ أَحْذَرَ مِنَ الذِّئْبِ وَأَمَّا حَمْزَةُ فَإِنِّي أَطْمَعُ فِيهِ لِأَنَّهُ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُبْصِرْ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ حَمْزَةُ يَوْمَئِذٍ قَدْ أَعْلَمَ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فَكَمَنَ لَهُ وَحْشِيٌّ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَرَآهُ حَمْزَةُ فَبَدَرَ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ قَالَ وَحْشِيٌّ فَهَزَزْتُ الْحَرْبَةَ حَتَّى إِذَا تَمَكَّنْتُ مِنْهُ رَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُهُ فِي أُرْبِيَّتِهِ فَأَنْفَذْتُهُ (٢) وَتَرَكْتُهُ حَتَّى إِذَا بَرَدَ صِرْتُ إِلَيْهِ وَأَخَذْتُ حَرْبَتِي وَشُغِلَ الْمُسْلِمُونَ عَنِّي وَعَنْهُ بِالْهَزِيمَةِ وَجَاءَتْ هِنْدٌ فَأَمَرَتْ بِشَقِّ بَطْنِهِ وَقَطْعِ كَبِدِهِ وَالتَّمْثِيلِ بِهِ فَجَذَعُوا أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ.

أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلاً

وَلَا عَارٌ لِلْأَشْرَافِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا

كِلَابُ الْأَعَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمَ

فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى

وَحَتَفَ عَلِيٌّ مِنْ حُسَامِ ابْنِ مُلْجَمٍ (٣)

هَذَا وَرَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَشْغُولٌ عَنْهُ لَا يَعْلَمُ حَالَهُ.

قَالَ الرَّاوِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ ـ قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا عَلِيٌّ وَأَبُو دُجَانَةَ وَسَهْلٌ قَالَ انْهَزَمَ النَّاسُ إِلَّا عَلِيٌّ وَحْدَهُ وَثَابَ إِلَى رَسُولِ اللهِ نَفَرٌ كَانَ أَوَّلَهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو دُجَانَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَلَحِقَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ـ فَقُلْتُ لَهُ فَأَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ كَانَا فِيمَنْ تَنَحَّى فَقُلْتُ فَأَيْنَ كَانَ عُثْمَانُ قَالَ جَاءَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْوَقْعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَقَدْ ذَهَبْتَ فِيهَا عَرِيضَةً (٤) قُلْتُ فَأَيْنَ كُنْتَ أَنْتَ قَالَ فِيمَنْ تَنَحَّى قُلْتُ فَمَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا

________________

(١) ثاب ثوبا : رجع بعد الذهاب.

(٢) الاربية ـ بالضم والتشديد ـ : أصل الفخذ فهما اربتيان (ه. م)

(٣) الردى : الهلاكة. والحتف : الموت.

(٤) قال الجزريّ : وفي حديث أحد قال للمنهزمين لقد ذهبتم فيها عريضة اي واسعة.

١٩٣

قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ قُلْتُ إِنَّ ثُبُوتَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ قَالَ إِنْ تَعْجَبُ مِنْهُ فَقَدْ تَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ قَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ فَقُلْنَا وَمِنْ أَيْنَ عُلِمَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ قَالَ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعَ النَّاسُ النِّدَاءَ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم.

وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم جَاءَ عَلِيٌّ مُتَقَلِّداً بِسَيْفِهِ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ مَا لَكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَرْجِعُ كَافِراً بَعْدَ إِسْلَامِي فَأَشَارَ إِلَى قَوْمٍ انْحَدَرُوا مِنَ الْجَبَلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَهَزَمَهُمْ فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ حُسْنِ مُوَاسَاةِ عَلِيٍّ لَكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ وَأَنَا مِنْكُمَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ وَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللهَ يُعَجِّلُنَا بِسُيُوفِكُمْ إِلَى النَّارِ وَيُعَجِّلُكُمْ بِسُيُوفِنَا إِلَى الْجَنَّةِ فَأَيُّكُمْ يَبْرُزُ إِلَيَّ فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَالَ وَاللهِ لَا أُفَارِقُكَ الْيَوْمَ حَتَّى أُعَجِّلَكَ بِسَيْفِي إِلَى النَّارِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام عَلَى رِجْلَيْهِ فَقَطَعَهُمَا وَسَقَطَ وَقَالَ أَنْشُدُكَ اللهَ وَالرَّحِمَ يَا ابْنَ عَمِّ فَانْصَرَفَ إِلَى مَوْقِفِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ أَلَا أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ؟ (١) فَقَالَ إِنَّهُ نَاشَدَنِي وَلَنْ يَعِيشَ بَعْدَهَا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ وَبُشِّرَ النَّبِيُّ بِذَلِكَ فَسُرَّ بِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً علیهما السلام يَقُولُ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ لَحِقَنِي مِنَ الْجَزَعِ عَلَيْهِ مَا لَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي وَكُنْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَجَعْتُ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَرَهُ فَقُلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ لِيَفِرَّ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي الْقَتْلَى وَأَظُنُّهُ رُفِعَ مِنْ بَيْنِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَكَسَرْتُ جَفْنَ سَيْفِي وَقُلْتُ لَأُقَاتِلَنَّ بِهِ حَتَّى أُقْتَلَ وَحَمَلْتُ عَلَى الْقَوْمِ فَأَفْرَجُوا فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ مَا فَعَلَ النَّاسُ يَا عَلِيُّ قُلْتُ كَفَرُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَوَلَّوُا الدُّبُرَ وَأَسْلَمُوكَ فَنَظَرَ إِلَى كَتِيبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ فَقَالَ رُدَّهُمْ عَنِّي فَحَمَلْتُ عَلَيْهِمْ أَضْرِبُهُمْ يَمِيناً وَشِمَالاً

________________

(١) اجهز على الجريح : شد عليه وأسرع وأتم قتله.

١٩٤

حَتَّى فَرُّوا فَقَالَ أَمَا تَسْمَعُ مَدِيحَكَ فِي السَّمَاءِ إِنَّ مَلَكاً اسْمُهُ رِضْوَانُ يُنَادِي لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ فَبَكَيْتُ سُرُوراً وَحَمِدْتُ اللهَ عَلَى نِعْمَتِهِ وهذه المناداة بهذا قد نقلها الرواة وتداولها الأخباريون ولم ينفرد بها الشيعة بل وافقهم على ذلك الجماء الغفير.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ تِسْعَةً كُلُّهُمْ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام عَنْ آخِرِهِمْ وَانْهَزَمَ الْقَوْمُ وَبَارَزَ الْحَكَمَ بْنَ الْأَخْنَسِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ الْفَخِذِ فَهَلَكَ مِنْهَا وَأَقْبَلَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ دَارِعٌ وَهُوَ يَقُولُ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ وَصَمَدَ لَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام فَضَرَبَهُ عَلَى هَامَتِهِ فَنَشِبَ السَّيْفُ فِي بَيْضَتِهِ وَسَيْفُهُ فِي دَرَقَةِ عَلِيٍّ (١) فَنَزَعَا سَيْفَهُمَا وَتَنَاوَشَا قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَنَظَرْتُ إِلَى فَتْقٍ تَحْتَ إِبْطِهِ فَضَرَبْتُهُ فِيهِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ وَثَبَتُّ قَالَ مَا لَكَ لَا تَذْهَبُ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ علیهما السلام أَذْهَبُ وَأَدَعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ لَا بَرِحْتُ حَتَّى أُقْتَلَ أَوْ يُنْجِزَ اللهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَبْشِرْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّ اللهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَلَنْ يَنَالُوا مِنَّا مِثْلَهَا أَبَداً ثُمَّ نَظَرَ إِلَى كَتِيبَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ احْمِلْ عَلَى هَؤُلَاءِ يَا عَلِيُّ فَحَمَلْتُ فَقَتَلْتُ مِنْهَا هِشَامَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ وَانْهَزَمُوا وَأَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ أُخْرَى فَقَالَ احْمِلْ عَلَى هَذِهِ فَحَمَلْتُ فَقَتَلْتُ مِنْهَا عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ الْجُمَحِيَّ وَانْهَزَمَتْ أَيْضاً وَجَاءَتْ أُخْرَى فَحَمَلْتُ عَلَيْهَا وَقَتَلْتُ بِشْرَ بْنَ مَالِكٍ الْعَامِرِيَّ وَانْهَزَمَتْ فَلَمْ يَعُدْ بَعْدَهَا أَحَدٌ وَتُرَاجِعُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّةَ وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ علیهما السلام وَمَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ بِهِ وَجْهَهُ وَلَحِقَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَقَدْ خَضَبَ الدَّمُ يَدَهُ إِلَى كَتِفِهِ وَمَعَهُ ذُو الْفَقَارِ فَنَاوَلَهُ فَاطِمَةَ علیهما السلام وَقَالَ خُذِي هَذَا السَّيْفَ فَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَقَالَ

أَفَاطِمُ هَاكِ السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ

فَلَسْتُ بِرِعْدِيدٍ وَلَا بِمُلِيمٍ (٢)

________________

(١) الدرقة : الترس من جلود ليس فيها خشب ولا عقب

(٢) الرعديد : الجبان ، والمليم : الذي يلام على ما يصدر منه (ه. م) والذميم بمعنى المذموم.

١٩٥

أَمِيطِي دِمَاءَ الْكُفْرِ عَنْهُ فَإِنَّهُ

سَقَى آلَ عَبْدِ الدَّارِ كَأْسَ حَمِيمٍ (١)

لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْذَرْتُ فِي نَصْرِ أَحْمَدَ

وَطَاعَةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ عَلِيمٍ (٢)

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خُذِيهِ يَا فَاطِمَةُ فَقَدْ أَدَّى بَعْلُكِ مَا عَلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَ اللهُ صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ بِيَدَيْهِ.

(فصل) وقد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين وكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين ع.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَ صَاحِبُ لِوَاءِ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَقَتَلَ ابْنَهُ أَبَا سَعِيدٍ وَأَخَاهُ كَلْدَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ جَمِيلِ بْنِ زُهْرَةَ وَأَبَا الْحَكَمِ بْنَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيَّ وَالْوَلِيدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَخَاهُ أُمَيَّةَ وَأَرْطَاةَ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَهِشَامَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ الْجُمَحِيَّ وَبِشْرَ بْنَ مَالِكٍ وَصَوَاباً مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، وكان الفتح له ورجوع الناس إلى النبي صلی الله علیه وسلم بمقامه وثباته ويذب عنه دونهم ويبذل مهجته العزيزة في نصره وتوجه العتاب من الله إلى كافتهم لموضع الهزيمة وفي قتله علیهما السلام من قتل يوم أحد وعنائه وبلائه يقول الحجاج بن غلاظ السلمي :

لله أي مذبب عن حزبه

أعني ابن فاطمة المعم المخولا (٤)

جادت يداك له بعاجل طعنة

تركت طليحة للجبين مجدلا (٥)

________________

(١) قوله عليه السلام : اميطى اي أبعد وأزل عنه الدماء وفي بعض النسخ «دماء القوم». والحميم : الماء الحار والمراد به الموت.

(٢) اعذر في الامر : بالغ فيه.

(٣) وفي بعض النسخ «عبد اللّه بن حميد» ومثله المصدر أيضا

(٤) الذب : الدفع والمنع والمراد بفاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام. والمعم المخول : اي كريم الأعمام والأخوال.

(٥) طليحة هو كبش الكتبية وقد سبق ذكره وقصته. والمجدل : المصروع المقتول.

١٩٦

وشددت شدة باسل فكشفتهم

بالسفح إذ يهوون أسفل أسفلا (١)

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن

لترده حران حتى ينهلا (٢)

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَنَابِذِيُّ فِي كِتَابِ مَعَالِمِ الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَرْفُوعاً إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً علیهما السلام يَقُولُ أَصَابَتْنِي يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً سَقَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ فِي أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فَجَاءَنِي رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ (٣) طَيِّبُ الرِّيحِ فَأَخَذَ بِضَبْعَيَّ فَأَقَامَنِي ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ عَلَيْهِمْ فَإِنَّكَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَهُمَا عَنْكَ رَاضِيَانِ قَالَ عَلِيٌّ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ يَا عَلِيُّ أَمَا تَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْتُ لَا وَلَكِنِّي شَبَّهْتُهُ بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَقَالَ يَا عَلِيُّ أَقَرَّ اللهُ عَيْنَكَ كَانَ جَبْرَئِيلَ

غزوة الخندق

لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ بِأَحَابِيشِهَا وَأَتْبَاعِهَا مِنْ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ يَتْبَعُهَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَنَزَلُوا مِنْ فَوْقِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَسْفَلِهِمْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) (٤) فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَجَعَلُوا الْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ وَاتَّفَقَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَطَمَعَ الْمُشْرِكُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ لَهُمْ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَرَكِبَ فَوَارِسُ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَكَانَ مِنْ مَشَاهِيرِهِمْ

________________

(١) الباسل : الشجاع القوى. والسفح : أصل الجبل وأسفله. وقوله بالسفح متعلق بيهوون. والهوى : الانحدار.

(٢) العلل : الشرب الثاني. والنهل : ـ الشرب الأول والحران : العطشان.

(٣) وفي نسخة «حسن اللمة». واللمة ـ بالكسر ـ : الشعر المجاوز شحمة الأذن ولكن الظاهر هو المختار.

(٤) الأحزاب : ١٠.

١٩٧

وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَتَوَاعَدُوا الْقِتَالَ وَأَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خُيُولُهُمْ (١) حَتَّى وَقَفُوا عَلَى أَضْيَقَ مَكَانٍ فِي الْخَنْدَقِ ثُمَّ ضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْهُ (٢) وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السَّبَخَةِ (٣) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَنْدَقِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذُوا عَلَيْهِمُ الْمَضِيقَ الَّذِي اقْتَحَمُوه فَقَصَدُوهُ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ مَكَانُهُ وَتَظْهَرَ شِهَامَتُهُ وَلَمَّا وَقَفَ وَمَعَهُ وَلَدُهُ حِسْلٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ مَنْ يُبَارِزُ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَنَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنَّهُ عَمْرٌو فَسَكَتَ فَقَالَ عَمْرٌو هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ وَجَعَلَ يُؤَنِّبُهُمْ (٤) وَيَقُولُ أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا أَفَلَا يَبْرُزُ إِلَيَّ رَجُلٌ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ عَمْرٌو فَسَكَتَ ثُمَّ نَادَى عَمْرٌو فَقَالَ

وَلَقَدْ بَحَحْتُ مِنَ النِّدَاءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ

وَوَقَفْتُ إِذْ جَبُنَ الْمُشَجِّعُ مَوْقِفَ الْقَرْنِ الْمُنَاجِزِ (٥)

وَكَذَاكَ أَنِّي لَمْ أَزَلْ مُتَسَرِّعاً قَبْلَ الْهَزَاهِزِ (٦)

إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزِ

فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنَّهُ عَمْرٌو فَقَالَ وَإِنْ كَانَ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَقَالَ علیهما السلام :

لَا تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاكَ مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرُ عَاجِزٍ

ذُو نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ وَالصِّدْقُ مَنْجَى كُلِّ فَائِزٍ

________________

(١) أي تسرع.

(٢) اقتحم الفرس النهر : رمى نفسه فيه.

(٣) السبخة من الأرض : ما يعلوه الملوحة ولا ينبت الا بعض الأشياء.

(٤) أنبه : لامه وعابه.

(٥) البحة والبحاح : غلظ وخشونة في الصوت. والمناجز : المبارز والمقاتل.

(٦) الهزاهز : الحروب والشدائد.

١٩٨

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِيمَ عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزِ

مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلَاءَ يَبْقَى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزِ (١)

ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا عَمْرُو إِنَّكَ قَدْ عَاهَدْتَ اللهَ أَنْ لَا يَدْعُوَكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ قَالَ لَهُ أَجَلْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى النِّزَالِ قَالَ لِمَ يَا ابْنَ أَخِي فَوَ اللهِ إِنِّي مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام وَلَكِنِّي وَاللهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ فَحَمِيَ عَمْرٌو وَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ ثُمَّ جَاوَلَ عَلِيّاً سَاعَةً (٢) فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ بِهَا وَكَرَّ عَلَى ابْنِهِ حِسْلٍ فَقَتَلَهُ وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً وَعَظُمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ عَمْرٍو وَابْنِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ ع

أَعَلَيَّ تَفْتَخِرُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا

عَنِّي وَعَنْهُمْ خَبَّرُوا أَصْحَابِي

الْيَوْمَ يَمْنَعُنِي الْفِرَارَ حَفِيظَتِي

وَمُصَمَّمٌ فِي الرَّأْسِ لَيْسَ بِنَابٍ

إِلَى ابْنِ وُدٍّ حِينَ شَدِّ أَلْيَةٍ

وَحَلَفْتُ فَاسْتَمِعُوا إِلَى الْكَذَّابِ

أَنْ لَا أَصُدَّ وَلَا يُوَلَّى فَالْتَقَى

رَجُلَانِ يَضْطَرِبَانِ كُلَّ ضِرَابٍ

نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ

وَنَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابٍ

فَغَدَوْتُ حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلاً

كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكَ وَرَوَابِي (٣)

وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنِي

كُنْتُ الْمُجَدَّلَ بَزَّنِي أَثْوَابِي

لَا تَحَسَبَنَّ اللهَ خَاذِلَ دِينِهِ

وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ

الدكداك من الرمل ما التبد الأرض ولم يرتفع والجمع الدكادك وبزه ثوبه أي سلبه ومنه المثل من عز بز وقيل لبعضهم ما معنى من عز بز فقال من غلب سلب.

وَكَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مَعَهُمَا فَلَمَّا قُتِلَا أَلْقَى رُمْحَهُ وَانْهَزَمَ مِنْ عَلِيٍّ علیهما السلام ثُمَّ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ عَمْرٌو أَرْسَلَ اللهُ عَلَى قُرَيْشٍ الرِّيحَ وَعَلَى غَطَفَانَ وَاضْطَرَبُوا وَاخْتَلَفُوا

________________

(١) ضربة نجلاء : واسعة.

(٢) قوله : فحمى اي اخذته الحمية ، وجاوله : دافعه وطارده.

(٣) الروابى جمع الرابية : المرتفع من الأرض.

١٩٩

هُمْ وَالْيَهُودُ فَوَلَّوْا رَاجِعِينَ فَرَدَّهُمُ الَّلهُ (بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) فكان هذا الفتح بإقدام علي علیهما السلام وثباته وقتل هذا الطاغية وابنه بمنازلته وثباته حتى ولى الجمع الكثيف المتزاحم وانجلى ذاك القتام (١) المتراكم وتفرق المشركون عباديد (٢) بعد الالتيام متبددين بعد الانتظام وإذا أردت أن تعرف مكان منازلة علي لعمرو ومحل عمرو من النجدة والبسالة فانظر إلى منع النبي صلی الله علیه وسلم عليا علیهما السلام من مبارزته حتى أذن له في الثالثة وحسن طاعة علي علیهما السلام وسكوته مرة بعد مرة مع شدة حرصه على الجهاد ومعرفته بما أعده الله فيه من الأجر وميله إلى الذب عن رسول الله صلی الله علیه وسلم وقوة باعثه على الشجاعة التي ينطوي عليها وفي بعض هذه الدواعي ما تحف له حصاة الحليم وتدخل به الشبهة على الحكيم ولكنه صلی الله علیه وسلم الجبل الراسخ والطود الشامخ الذي لا تزعزعه العواصف ولا تقلقله الرواجف وهو واقف عند أمر رسول الله صلی الله علیه وسلم عنه يصدر وعنه يرد وبه يأخذ وعليه يعتمد.

ثُمَّ لَمَّا ذَهَبَ أَبُو سُفْيَانَ بِقُرَيْشٍ خَابِياً وَرَجَعَ إِلَى وِجَارِهِ بِجَمْعِهِ هَارِباً قَصَدَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ لِمُوَافَقَتِهِمُ الْأَحْزَابَ وَمُظَاهَرَتِهِمْ قُرَيْشَ وَأُولَئِكَ الْأَوْشَابَ (٣) وَسَلَّمَ رَايَتَهُ إِلَى عَلِيٍّ علیهما السلام وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَفَتَحَ اللهُ حُصُونَهَمْ وَأَزَالَ مَصُونَهُمْ وَأَبَاحَهُ أَبْكَارَهُمْ وَعُونَهُمْ وَأَنْزَلَهُمُ اللهُ كَمَا قَصَّ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَمَكَّنَهُ مِنْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ وَقَذَفَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ مُطِيعِهِمْ وَعَاصِيهِمْ وَعَمَّهُمُ الْقَتْلُ وَالْإِسَارُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ وَلَهُمْ فِي الْأُخْرَى النَّارُ وَأَوْرَثَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ (أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) وَأَطْفَأَ نُورُ الْإِسْلَامِ نَارَهُمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَسَلَبَ قَرَارَهُمْ قال المفيد رحمه‌الله

________________

(١) القتام ـ كسحاب ـ : الغبار الأسود.

(٢) أي مفرقا متشتتا.

(٣) الاوشاب بمعنى الأوباش.

٢٠٠