كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

فَقَالَ الْوَلِيدُ لِعَلِيٍّ علیهما السلام اسْكُتْ فَإِنَّكَ صَبِيٌّ وَأَنَا وَاللهِ أَبْسَطُ مِنْكَ لِسَاناً وَأَحَدُّ سِنَاناً وَأَمْلَأُ لِلْكَتِيبَةِ مِنْكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام اسْكُتْ فَإِنَّكَ فَاسِقٌ فَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَصْدِيقاً لِعَلِيٍ (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ عَلِيّاً وَبِالْفَاسِقِ الْوَلِيدَ وكفى بهذه القصة شهادة من الله عز وعلا ـ لعلي بكمال فضيلته وإنزاله قرآنا يتلى على الأبد بتصديق مقالته ووصفه إياه بالإيمان الذي هو عنوان عمله ونتيجة معرفته وقد نظم هذه القصة حسان بن ثابت فقال :

أنزل الله والكتاب عزيز

في علي وفي الوليد قرآنا

فتبوأ الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزى جنانا

فعلي يلقى لدى الله عزا

ووليد يلقى هناك هوانا

وفشت هذه الأبيات من قول حسان وهذا الوليد جده أبو معيط كان أبوه ذكوان يقول إنه ابن أمية بن عبد شمس وقيل لم يكن ابنه بل كان عبده فاستخلفه (١) فكان ينسب إلى غير أبيه وأسلم يوم فتح مكة وولاه عثمان الكوفة في خلافته إذ كان أخاه لأمه فبقي واليا يشرب الخمر حتى صلى الفجر في مسجدها بالناس أربع ركعات وهو سكران ثم قال أزيدكم وروي أنه قاء في المحراب وعرف الناس ذلك وقال الحطيئة فيه :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

أن الوليد معاقر الخمر

الأبيات بتمامها وقصته وأخذ الحد منه معلوم واشتهر حاله وظهر فسقه وعزل عن الكوفة ومات بالرقة (٣) فانظر إلى الحكمة الإلهية التي هي سر هذه القضية فإنه حيث أخبر علي علیهما السلام بفسقه أظهره الله ذلك للناس من عالم الغيب إلى عالم

________________

(١) في نسخة «فاستلحقه».

(٢) عاقر الخمر:ادمن شربها.

(٣) مدينة مشهورة على الفرات.

١٢١

الشهادة ومن الخبر إلى المعاينة فكان الخمر جامعا لأسباب الفسوق وسوء السمعة ثم أخذ الحد منه على رءوس الأشهاد ليتحقق له ما وصفه به أمير المؤمنين علیهما السلام وإذا ثبتت هذه الصفة للوليد تعين ثبوت الصفة الأخرى لعلي علیهما السلام وهي الإيمان.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَمَّا خَصَّصَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كُلَّ وَاحِدٍ بِفَضِيلَةٍ خَصَّصَ عَلِيّاً علیهما السلام بِعِلْمِ الْقَضَاءِ فَقَالَ وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌ وقد صدع هذا الحديث بمنطوقه وصرح بمفهومه أن أنواع العلم وأقسامه قد جمعها لعلي دون غيره فإن كل واحد ممن اختص بصفة لا يتوقف حصولها على غيرها من الصفات والفضائل فَإِنَّهُ صلی الله علیه وسلم قَالَ أَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ وَأَعْرَفُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وكل واحدة من هذه لا تفتقر إلى غيرها بخلاف علم القضاء وقد حصلت لعلي بصيغة أفعل وهي تقتضي وجود أصل ذلك الوصف وزيادة فيه على غيره والمتصف بها يجب أن يكون كامل العقل صحيح التمييز جيد الفطنة بعيدا عن السهو والغفلة يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل ذا عدالة تحجزه عن أن يحوم حول حمى المحارم ومروة تحمله على محاسن الشيم ومجانبة الدنايا صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحظورات مأمونا في السخط والرضا عارفا بالكتاب والسنة والإتقان للاختلاف والقياس ولغة العرب ليقدم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ ويبني المطلق على المقيد ويقضي بالتواتر دون الآحاد والمسند دون المرسل والمتصل دون المنقطع وبالإتقان دون الاختلاف ويعرف أنواع الأقيسة من الجلي والواضح والخفي ليتوصل بها إلى الأحكام ويعرف أقسام الأحكام من الواجب والمحظور والمندوب والمكروه ولا يتصف بالقضاء من لم يجمع هذه الأمور ويستولي على الأمد والغاية فيها.

١٢٢

ومن المعلوم أن عليا علیهما السلام حاز فيها قصبات السبق وشأى (١) في إحراز غاياتها جميع الخلق وهذا حصل له ببركة دُعَاءِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حِينَ أَنْفَذَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ ـ فَقَالَ تُرْسِلُنِي وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللهِ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتُ مِنَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ تَبِينَ لَكَ الْقَضَاءُ قَالَ فَمَا زِلْتُ قَاضِياً وَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَا قَالَ عُمَرُ أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ وَكَانَ عَلِيٌّ علیهما السلام قَدْ أَخَذَ نَعْلَ رَسُولِ اللهِ وَهُوَ يَخْصِفُهَا فقضى صلی الله علیه وسلم أن عليا يقوم بالقتال على تأويل القرآن كما قام هو صلی الله علیه وسلم بالقتال على تنزيله والتنزيل مختص برسول الله فإن الله أنزله عليه لأنواع من الحكم أرادها.

قال الله تعالى (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٢) وقال عزوجل (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٣) وقال عز من قائل (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (٤) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذه الحكم التي تنزيله طريق إلى تحصيلها يختص بالنبي صلی الله علیه وسلم ولا يمكن حصولها إلا بتنزيله فمن أنكر التنزيل فقد كذب به وجحده واتصف بالكفر كما قال (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وَما

________________

(١) شأى القوم : سبقهم.

(٢) إبراهيم : ١.

(٣) النحل : ٨٩.

(٤) الشعراء : ١٩٣.

(٥) العنكبوت : ٤٧.

١٢٣

يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ). (١)

فأنكروا التنزيل على ما نطق به القرآن المجيد (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٢) فتعين قتالهم إلى أن يؤمنوا فقاتلهم رسول الله صلی الله علیه وسلم إلى أن دخلوا (فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) فهذا بيان القتال على تنزيله.

وأما تأويله فهو تفسيره وما يئول إليه آخر مدلوله فمن حمل القرآن على معناه الذي يقتضيه لفظه من مدلول الخطاب وفسره بما يتأوله من معانيه المرادة به فقد أصاب سنن الصواب ومن صدف عن ذلك وصرفه عن مدلوله ومقتضاه وحمله على غير ما أريد به مما يوافق هواه وتأوله بما يضل به عن نهج هداه معتقدا أن مجمله الذي ادعاه ومقصده الذي افتراه فنحاه هو المدلول الذي أراده الله فقد ألحد في القرآن حيث مال به عن مدلوله وسلك غير سبيله وخالف فيه أئمة الهدى واتبع داعي الهوى فتعين قتاله إن أصر على ضلالته ودام على مخالفته واستمر على جهالته وتمادى في مقالته إلى أن يفيء إلى أمر الله وطاعته ولهذا جعل رسول الله صلی الله علیه وسلم القتال على تأويله كالقتال على تنزيله فقاتل النبي صلی الله علیه وسلم من جريمته أقوى لموضع النبوة ووكل قتال من جريمته دون تلك إلى الإمام إذ كانت الإمامة فرع النبوة فقاتلهم علي علیهما السلام بعهد من النبي صلی الله علیه وسلم إليه ولقد كان يصرح بذلك في يوم قتالهم وعند سؤاله عن ذي الثدية وإخراجه من بين القتلى وَيَقُولُ : وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ.

وهذا بتمامه نذكره عند ذكرنا لحروبه صلی الله علیه وسلم وما وجده من اختلاف الأمة عليه علیهما السلام وتظاهرهم على منابذته ومحاربته وشق العصا عليه وسبه على المنابر والتبري منه وتتبع أولاده وشيعته من بعده وقتلهم وإخافتهم في كل ناحية وقطر والتقرب

________________

(١) لقمان : ٣٢.

(٢) الأنعام : ٩١.

١٢٤

إلى ولاة كل زمان بدمائهم والطعن في عقائدهم ومنعهم حقوقهم بل بغضهم (١) وتطريدهم وتشريدهم حتى لعلك لا تجد مدينة من مدن الإسلام ولا جهة من الجهات إلا وفيها لطالبي دم مطلول (٢) وثأر مطلوب تشارك في قتلهم الأموي والعباسي واستوى في إخافتهم العدناني والقحطاني ورضي بإذلالهم العراقي والشامي لم يبلغ من الكفار ما بلغ منهم ولا حل بأهل الكتاب ما حل بهم هذا حال من قتل فأما من استبقي فليته أصاب القوت أو وجد البلغة وكيف ومن أين يجدها وهو مهان مضطهد فقير مسكين قد عاداه الزمان وأرهقه السلطان وهذا الكلام وإن لم يكن من غرض كتابنا هذا فإن القلم جرى بسطره والحال ساق إلى ذكره.

وأذكر شيئا من تأويلهم الذي استحقوا به العقاب والعذاب وخالفوا فيه السنة والكتاب فإنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فصرفوها عن محل مدلولها وحملوها على المؤمنين فإن أئمة التفسير وعلماء الإسلام أجمعوا على أن قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٣) أنها نزلت في اليهود وهي مختصة بهم وذكروا في سبب نزولها وجوها فقيل لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالُوا هَلُمَّ نُخَاصِمْكَ إِلَى الْأَحْبَارِ فَقَالَ بَلْ إِلَى كِتَابِ اللهِ فَأَبَوْا وَقِيلَ بَلْ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ فَقَالَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالُوا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّاً فَقَالَ هَلُمُّوا بِالتَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَأَبَوْا وَقِيلَ بَلْ لَمَّا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ رَجْمُ الزَّانِي فِي التَّوْرَاةِ قَالَ هَلُمُّوا بِالتَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَأَبَوْا فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِهِ أَسْبَابِ النُّزُولِ.

فقد اتفق الجميع أنها اختصت باليهود فجعلها الخوارج في المسلمين وأقاموها عمدة لهم ومرجعا في اتباع ضلالتهم واحتجوا بها في خروجهم من الطاعة

________________

(١) وفي بعض نسخ «بل بعضها»

(٢) أي مهدور لم يثار به.

(٣) آل عمران : ٢٣.

١٢٥

المفروضة عليهم اللازمة لهم.

فإذا علمت حقيقة المقاتلة على التنزيل والمقاتلة على التأويل بان لك أن بين النبي صلی الله علیه وسلم وبين علي علیهما السلام رابطة الاتصال والأخوة والعلاقة وأنه ليس لغيره ذلك كما وردت به النصوص المتقدمة من قَوْلِهِ صلی الله علیه وسلم عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍ وَقَوْلِهِ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَوْلِهِ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى.

فهذه النصوص مشيرة إلى خصوصية بينهما فاقتضت تلك الخصوصية أنه أعلمه أنه يبلى بمقاتلة الخارجين كما بلي صلی الله علیه وسلم بمقاتلة الكافرين وأنه يلقى في أيام إمامته من الشدائد كما لقي صلی الله علیه وسلم في أيام نبوته.

قال الشافعي أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلی الله علیه وسلم وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علي علیهما السلام فتدبر هذا المقام واعرف منه فضله ع.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ يَرْفَعُهُ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ فَجَاءَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللهِ قَاتِلُ الْقَاسِطِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي.

وقد تقدم الحديث بتمامه فذكر صلی الله علیه وسلم فرقا ثلاثة صرح بأن عليا علیهما السلام يقاتلهم من بعده والأسماء التي سماهم بها تشير إلى أن وجود كل صفة منها في الفرقة المختصة بها علة لقتالهم والناكثون هم الناقضون عهد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمبايعة [والمتابعة] لإمامهم الذي بايعوه فإذا نقضوا ذلك وصدفوا عن طاعته وخرجوا عن حكمه وأخذوا في قتاله بغيا وعنادا كانوا ناكثين باغين فيتعين قتالهم كما فعل صلی الله علیه وسلم في قتال أصحاب الجمل.

وَنَقَلْتُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمَّا خَلَعَ النَّاسُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ ـ : وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكَ بِاللهِ تَعَالَى أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى بَيْعِ اللهِ

١٢٦

تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ يَنْكُثُ بَيْعَتَهُ وَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْأَمْرَ فَيَكُونَ صَيْلَمٌ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الصيلم الداهية.

وفي حديث آخر من المسند أن ذلك قاله حين بايعوا ابن الزبير فليقض متأمل العجب من عبد الله وتوقفه من نقض بيعة يزيد وإنذار أهله وولده والتشديد عليهم وتحذيرهم من ذلك وأنه لا شيء أعظم منه إلا أن يكون الإشراك فأين يذهب بعبد الله وعلي قوله فما عذر طلحة والزبير في نقض عهد علي علیهما السلام وخلع طاعته ونكث بيعته والخروج عن حكمه ونصب الحرب له فلو أن عبد الله بن عمر بحث مع طلحة والزبير بشرط أن ينصح عليا علیهما السلام نصحه ليزيد ويعرفهما ما في خلع الطاعة ومفارقة الجماعة من الإثم التام والخطيئة العظيمة لأمكن أن يتوقفا عما أقدما عليه ويدخلا فيما خرجا منه والتوفيق عزيز أو أنهما كانا يسهلان على عبد الله نقض بيعة يزيد ويقولان إنا خلعنا عليا ونقضنا عهده فتأس بنا وقس علينا واجعلنا حجة وإنما قلنا ذلك على سبيل الفرض وإلا فطلحة والزبير قتلا ولم يدركا خلافة معاوية فضلا عن خلع يزيد.

وأما القاسطون فهم الجائزون عن سنن الحق الجانحون إلى الباطل المعرضون عن اتباع الهدى الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعين قتالهم كما جرى من قتاله صلی الله علیه وسلم معاوية وأصحابه وهي حروب صفين وقد صرح النبي صلی الله علیه وسلم بكونهم بغاة وَرَوَى الْمُحَدِّثُونَ فِي مَسَانِيدِهِمُ الصِّحَاحِ أَنَّهُ صلی الله علیه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ : وَفِي آخَرَ تَقْتُلُ عَمَّاراً الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ صلی الله علیه وسلم لِعَمَّارٍ أَبْشِرْ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وهذه أحاديث لا خلل في أسنادها ولا اضطراب في متونها (١).

________________

(١) ومن العجيب ما صدر عن العسقلاني في المقام قال في التهذيب في ترجمة عمار بن ياسر بعد ذكر شطر من فضائله : وتواترت الروايات عن النبيّ صلّى اللّه وآله وسلم أنه قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية روى ذلك عن عمّار وعثمان وابن مسعود وحذيفة وابن عبّاس في آخرين وقال الواقدي : والذي اجمع عليه في قتل عمّار انه قتل مع علي

١٢٧

وأما المارقون فهم الخارجون عن متابعة الحق المصرون على مخالفة الإمام المصرحون بخلعه ومتى فعلوا ذلك تعين قتالهم كما فعل علیهما السلام بأهل حروراء والنهروان وهم الخوارج.

ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِي مُسْنَدِهِ الْمُسَمَّى بِالسُّنَنِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ (١) هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللهِ مِنْهُمْ.

وَنَقَلَ مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ فِي صَحِيحِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قُرْآنُكُمْ إِلَى قُرْآنِهِمْ

________________

بصفين سنة سبع وثلاثين وهو ابن (٩٣) سنة ودفن هناك بصفين

ثمّ قال : وروى العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن أبي وائل قال : رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل وكان من أفاضل أصحاب عبد اللّه في المنام انه ادخل الجنة فإذا هو بقباب مضروبة قال : فقلت : لمن هذه؟ قالوا : لذي الكلاع وحوشب وكان قتل مع معاوية ، قال : فأين عمّار وأصحابه؟ قالوا : امامك قال : وقد قتل بعضهم بعضا؟ قالوا : نعم انهم لقوا اللّه فوجدوه واسع المغفرة (انتهى)

فلينظر العاقل في الحديثين وانه هل يمكن التوفيق بينهما وهل الاعتقاد بالثاني لا يوجب تكذيب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فيما أخبره به ، وكيف يدخل الجنة من أخبر البنى (صلی الله علیه وسلم) بأنه باغ وأين الرؤيا وحديث سيد الأنبياء؟ وما حمله على ذكر هذه الأكاذيب والمجعولات الا التعصب والعناد أعاذنا اللّه منه.

(١) قال الجزريّ : في حديث الخوارج : يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية اى يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم المرمى به ويخرج منه وقد تكرر في الحديث ، ومنه حديث على : أمرت بقتال المارقين يعنى الخوارج.

١٢٨

بِشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ قِرَاءَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ لَنَكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ لَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ حُلْمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَيَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا عَلَى سَرْجِ النَّاسِ فَسِيرُوا قَالَ سَلَمَةُ فَنَزَلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلاً مَنْزِلاً حَتَّى قَالَ مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ أَلْقُوا الرِّمَاحَ وَسَلُّوا السُّيُوفَ مِنْ جُفُونِهَا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ أَيَّامَ حَرُورَاءَ فَرَجَعُوا فَوَحَشُوا بِرِمَاحِهِمْ يُقَالُ وَحَشَ الرَّجُلُ إِذَا رَمَى بِسِلَاحِهِ وَثَوْبِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُلْحَقَ وَسَلُّوا السُّيُوفَ ثُمَّ شَجَرَهُمُ النَّاسُ بِالرِّمَاحِ قَالَ وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَجُلَانِ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ وَهُوَ النَّاقِصُ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِيٌّ علیهما السلام بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاساً وَقَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ أَخْرِجُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَالَ علیهما السلام صَدَقَ اللهُ لَنَا وَبَلَّغَ رَسُولَهُ قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ إِي وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثاً وَهُوَ يَحْلِفُ.

وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي لَسَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَوُجِدَ وَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم الَّذِي نَعَتَ.

وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي صِحَاحِهِمْ قَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ حَدِيثاً فَوَ اللهِ لَئِنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ لَأَحَبُّ إِلَيَ

١٢٩

مِنْ أَنْ أَكْذَبَ عَلَيْهِ : وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فقد دلت هذه الأحاديث على ما أصلناه من قتاله صلی الله علیه وسلم على التأويل كما قاتل صلی الله علیه وسلم على التنزيل واقتدائه به وقيامه وأمره ونيابته عنه في هذا الأمر المهم الذي حفظ به نظام الدين وأقام به الأود كف عادية الخوارج المارقين وقتل من قتل منهم واستبقاء من فاء منهم ورجع كما اعتمده مع المشركين حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وقد تقدم أن النبي صلی الله علیه وسلم كان شديد الحرص على تربية علي والإشفاق عليه مهتما بتعليمه وإرشاده إلى الفضائل وكان في حجره من صغره ملازما له متأدبا بآدابه مقتفيا أفعاله آخذا بطرائقه جاريا على سننه متشبها به صلی الله علیه وسلم وزوجه ابنته علیهما السلام فكان يدخل عليه في غالب أوقاته وفي أوقات لم يكن غيره يدخل عليه فيها.

وَقَدْ نَقَلْتُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ عَلِيٌ كَانَتْ لِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَنْزِلَةٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلَائِقِ إِنِّي كُنْتُ آتِيهِ كُلَّ سَحَرِهِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ سَبَّحَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَذِنَ لِي فإذا كان المربي المؤدب رسول الله صلی الله علیه وسلم وهو أكمل العالمين وأعلاهم في المعارف وأرفعهم درجات مجد ومنازل شرف وكان التلميذ المؤدب عليا علیهما السلام وأضيف إلى استعداده وفطنته وذكائه نظر النبي صلی الله علیه وسلم إليه وتفرسه فيه قبول ما يلقي إليه مع طول ملازمته له فلا جرم أنه يبلغ أقصى غايات الكمال وينال نهايات معارج المعرفة فتمكن من قول سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي وَسَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاوَاتِ فَإِنِّي أَعْرَفُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ وَقَالَ علیهما السلام مَرَّةً لَوْ شِئْتُ لَأَوْقَرْتُ بَعِيراً مِنْ تَفْسِيرِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ) وَقَالَ مَرَّةً لَوْ كُسِرَتْ لِيَ الْوِسَادَةُ ثُمَّ جَلَسْتُ عَلَيْهَا لَقَضَيْتُ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ بِإِنْجِيلِهِمْ

١٣٠

وَبَيْنَ أَهْلِ الزَّبُورِ بِزَبُورِهِمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْفُرْقَانِ بِفُرْقَانِهِمْ وَاللهِ مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ وَلَا سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ وَلَا لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ وفي هذا القول إشارة إلى علمه صلی الله علیه وسلم بهذه الكتب المنزلة.

وأما تفصيل العلوم فمنه ابتداؤها وإليه تنسب

أما علم الكلام فالقائم بها الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والخوارج هؤلاء أشهر فرقهم وأئمة هذه الطوائف إليه علیهما السلام يعتزون.

أما المعتزلة فينسبون أنفسهم إليه وأما الأشاعرة فإمامهم أبو الحسن كان تلميذا لأبي علي الجبائي وكان الجبائي ينسب إليه وأما الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر وأما الخوارج فأكابرهم ورؤساؤهم تلامذة له.

فإذا كان علماء الإسلام وأئمة علم الأصول ينتسبون إليه كفى ذلك دليلا على غزارة علمه وأقصى المطالب في علم الأصول علم التوحيد والعلم بالقضاء والقدر والعلم بالنبوة والعلم بالمعاد والبعث والآخرة وكلامه علیهما السلام يشهد بمكانه من هذه العلوم ومعرفته بها وبلوغه فيها ما تعجز الأوائل والأواخر فمن تدبر معاني كلامه وعرف مواقعه علم أنه البحر الذي لا يساحل والحبر الذي لا يطاول.

وأما علم الفروع فهو ينقسم إلى قسمين قسم يتعلق بالأحياء وهو أنواع من الأحكام وغيرها وقسم يتعلق بالأموات وهو علم الفرائض وقسمة التركات وبهذا الاعتبار سمى النبي صلی الله علیه وسلم الفرائض نصف العلم حَيْثُ قَالَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ

وهو أول ما ينزع من أمتي و ـ علي علیهما السلام قد تسنم هذه الذرى وفضل فيها جميع الورى فأسمع به وأبصر فلا تسمع بمثله غيره ولا ترى واهتد إلى اعتقاد فضله بناره فما كل نار أضرمت نار قرى واعلم يقينا أنه في علومه

________________

(١) هو أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ المنتسب إلى أبى موسى الأشعريّ وإليه تنسب الأشاعرة.

(٢) تسنم الشيء : علاه ـ مثل سنم ـ. والذرى جمع الذروة : أعلى الشيء

١٣١

كالبحر وفي سماحه كالغيث وفي بأسه كليث الشرى. (١)

أما الفرائض وقسمة التركات فقدمه فيها ثابتة ونكتفي بذكر ما وقع منها فمن ذلك المسألة المعروفة بالدينارية وشرحها

أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَيْهِ علیهما السلام وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَخِي مَاتَ وَخَلَّفَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ وَقَدْ دَفَعُوا إِلَيَّ مِنْ مَالِهِ دِينَاراً وَاحِداً فَأَسْأَلُكَ إِنْصَافِي فَقَالَ علیهما السلام لَهَا خَلَّفَ أَخُوكَ بِنْتَيْنِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَلَّفَ أُمّاً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَهَا السُّدُسُ مِائَةٌ وَخَلَّفَ زَوْجَةً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَهَا الثُّمُنُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَاراً وَخَلَّفَ مَعَكِ اثْنَيْ عَشَرَ أَخاً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لِكُلِّ أَخٍ دِينَارَانِ وَلَكِ دِينَارٌ فَقَدْ أَخَذْتِ حَقَّكِ فَانْصَرِفِي وَرَكِبَ فسميت هذه المسألة الدينارية. (٢)

ومنه المسألة المنبرية وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ ابْنَتِي قَدْ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَهَا مِنْ تَرَكَتِهِ الثُّمُنُ وَقَدْ أَعْطَوْهَا التُّسُعَ فَأَسْأَلُكَ الْإِنْصَافَ فَقَالَ علیهما السلام خَلَّفَ صِهْرُكَ بِنْتَيْنِ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَأَبَوَاهُ بَاقِيَانِ قَالَ نَعَمْ قَالَ صَارَ ثُمُنُهَا تُسُعاً فَلَا تَطْلُبْ سِوَاهُ إِرْثاً ثُمَّ مَضَى فِي خُطْبَتِهِ فانظر إلى استحضاره الأجوبة في أسرع من رجع الطرف واعلم أنه علیهما السلام قد تجاوز غايات الوصف.

وأما علوم الأحياء فكان صلی الله علیه وسلم فارس ميدانها وسابق حلباتها وحاوي قصبات رهانها ومبين غوامضها وصاحب بيانها والفارس المتقدم عند إحجام فرسانها وتأخر أقرانها ويكفي في إيضاح ذلك مَا نُقِلَ عَنْهُ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ فَانْفَتَحَ لِي مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ.

أما علم القرآن فقد استفاض بين الأمة أن أعلمهم بالتفسير عبد الله بن العباس

________________

(١) قال ياقوت : يقال للشجعان : ما هم الا اسود الشرى قال بعضهم : شرى مأسدة بعينها ، وقيل : شرى الفرات ناحية به غياض وآجام تكون فيها الأسود.

(٢) سيأتي ان حكمه عليه السلام في هذه المسألة وكذا في المسألة الآتية كان على وفق مذهبهم والا فهو مخالف لمذهب الحق كما لا يخفى.

١٣٢

وكان تلميذا لعلي علیهما السلام مقتديا به آخذا عنه.

وأما القراءة فإمام الكوفيين فيها عاصم وقراءته مشهورة في الدنيا وهو تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي وأبو عبد الرحمن هذا تلميذ علي علیهما السلام وعلي أخذها عن النبي صلی الله علیه وسلم وأما النحو فقد عرف الناس قاطبة أن عليا علیهما السلام هو الواضع الأول الذي اخترعه وابتدعه ونصبه علما لأبي الأسود ووضعه.

وأما علم البلاغة والبيان فهو فارسه المجلى في ميدانه والناطق الذي تقر الشقاشق عند بيانه والبحر الذي يقذف بجواهره ويحكم على القلوب باتباع نواهيه وأوامره ويدل على الخيرات بترغيباته وينهى عن المنكرات بقوارعه وزواجره ومتى شئت أن تجعل الخبر عيانا فدونك نهج البلاغة فهو دليل واضح ونهج إلى البلاغة لائح ولو لا اشتهاره ووجوده لأفردت لشيء منه فصلا يعرف منه مقداره ويعلم أنه الجواد الذي لا يدرك شأوه (١) ولا يشق غباره.

وأما علم تصفية الباطن وتزكية النفس فقد أجمع أهل التصوف من أرباب الطريقة وأصحاب الحقيقة أن انتساب خرقتهم إليه ومعولهم في سلوك طرقهم عليه.

وأما علم التذكير بأيام الله والتحذير من عذابه وعقابه فالمقتدي به في ذلك الحسن البصري وكان تلميذا له علیهما السلام وبذلك كان شرفه وفخره وبه طلع بين المذكرين فجره.

وأما علم الزهد والورع فقد كان في الصحابة جماعة من الزهاد كأبي الدرداء وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله عنهم وكانوا جميعا تلامذة لعلي بمحمد صلی الله علیه وسلم اهتدوا وبعلي اقتدوا وسأذكر فصلا في زهده علیهما السلام إن شاء الله.

وأما علم مكارم الأخلاق وحسن الخلق فإنه صلی الله علیه وسلم بلغ في ذلك الغاية القصوى حتى قال عنه أعداؤه فيه دعابة وإنه امرؤ تلعابة (٢) وإنما كانت سهولة أخلاقه مع

________________

(١) الشأو : الأمد والغاية.

(٢) قال الجزريّ : الدعابة المزاح ومنه حديث عمر وذكر له على للخلافة فقال : لولا دعابة فيه ، وقال أيضا : وفي الحديث ان عليا تلعابة اي كثير المزح والمداعبة.

١٣٣

ذوي الدين وصالحي المؤمنين وأما من كان من غيرهم فإنه كان يوليه غلظة وشدة طلبا لتأديبه ورغبة في تهذيبه فكان علیهما السلام في ذلك من الموصوفين بقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ).

وأما الشجاعة والنجدة والقوة فاتصافه بذلك أشهر من النهار وأظهر من الشمس لذوي الأبصار أقر بذلك المؤالف والمخالف واعترف به العدو والمخالف وشهد به الولي والحسود وأسجل بصحته السيد والمسود وذل لسطوته وصرامته الأساود والأسود هو الذي دوخ الفرسان وأذل الشجعان وكان وكان من كأبي حسن إذا احمر البأس وحام الناس قسوا ولانوا فلهم هذه وهذه في العنف والرفق وسأذكر في تضاعيف هذا الكتاب من ذلك ما يكون عبرة لأولي الألباب.

وأما علم القضاء والأحكام ومعرفة الحلال والحرام فقد تقدم من ذكره ما لعله كاف شاف وبما يراد من الغرض واف وقضاياه التي اشتهرت وأحكامه التي ظهرت تشهد بمكانه ومحله وتنبئ عن شرفه ونيله وتقضي بعلو مكانه وفضله.

فمن أحكامه أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ علیهما السلام أَنَّ شُرَيْحاً الْقَاضِيَ قَدْ قَضَى فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ زَوْجاً وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَقَدْ أَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ مِنْ تَرَكَتِهَا وَأَعْطَى الْبَاقِيَ لِابْنِ عَمِّهَا الَّذِي هُوَ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا وَحَرَّمَ الْآخَرَ فَأَحْضَرَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام قَالَ لَهُ مَا أَمْرٌ بَلَغَنِي عَنْ قَضَائِكَ فِي قَضِيَّةِ الِامْرَأَةِ الْمُتَوَفَّاةِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَضَيْتُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَأَجْرَيْتُ ابْنَ الْعَمِّ بِكَوْنِهِ أَخاً مِنْ أُمٍّ مَجْرَى أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَبٍ وَالْآخَرُ مِنْ أُمٍّ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَالَ أَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ قَالَ لَا قَالَ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِ

________________

(١) صرم الرجل صرامة : كان صارما اي ماضيا.

(٢) دوخ الرجل : ذلّله.

١٣٤

واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (١) فَجَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَأَعْطَى الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ ثُمَّ قَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ ابْنَيِ الْعَمِّ فَحَصَلَ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنَ الْأُمِّ ثُلُثٌ وَلِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ سُدُسٌ وَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ فَتَكَمَّلَتِ الْفَرِيضَةُ وَرَدَّ قَضَاءَ شُرَيْحٍ وَاسْتَدْرَكَهُ.

ومنها أَنَّهُ علیهما السلام حَيْثُ كَانَ بِالْكُوفَةِ حَاكَمَ يَهُودِيّاً فِي دِرْعٍ إِلَى شُرَيْحٍ وَادَّعَى أَنَّ الدِّرْعَ بِيَدِ الْيَهُودِيِّ فَأَنْكَرَ الْيَهُودِيُّ دَعْوَاهُ فَطَالَبَهُ شُرَيْحٌ بِمَنْ يَشْهَدُ بِهَا فَشَهِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام بِالدِّرْعِ فَرَدَّ شُرَيْحٌ شَهَادَتَهُ وَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ أَقْبَلُ شَهَادَةَ ابْنِكَ لَكَ وَالْوَلَدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِوَالِدِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام فِي أَيِّ كِتَابٍ وَفِي أَيِّ سُنَّةٍ وَجَدْتَ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ ثُمَّ عَزَلَهُ عَنِ الْقَضَاءِ وَأَخْرَجَهُ إِلَى قَرْيَةٍ تَرَكَهُ بِهَا نَيِّفاً وَعِشْرِينَ يَوْماً ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ وَوَلَايَتِهِ وكشف سر هذه الواقعة وما صدر من أمير المؤمنين علیهما السلام في حق شريح أنه لم يدع الدرع لنفسه وإنما ادعاها لبيت المال فإنه نائب المسلمين والإمام القائم بمصالحهم فادعى الدرع لهم وشهادة الحسن علیهما السلام بها لهم فتسرع شريح ـ وظن أنها لعلي وأن الحسن يشهد بها له فأدبه لتركه الفحص وتدقيق النظر فإن ذلك موجب لتعطيل الحقوق وإيصالها إلى غير مستحقيها.

قال ابن طلحة ومن العجائب والغرائب أن جماعة من العلماء منهم إسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر والمزني وأحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه لما بلغهم هذه القصة وما اعتمده أمير المؤمنين مع شريح استدلوا بذلك على جواز شهادة الولد لوالده وجعلوا ذلك مذهبا لهم وأجروه مجرى شهادة الأخ لأخيه استنادا إلى هذه الواقعة واستدلالا بفعله علیهما السلام وغفلوا عن سرها وحقيقة أمرها.

أقول إن هذه القسمة في هذه المسائل وقسمة الفرائض (٢) أوردها ابن طلحة وغيره من علماء الجمهور وليست مذهب أمير المؤمنين علیهما السلام ولكنه لشرفه

________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) في المسألة الدينارية والمنبرية.

١٣٥

ومحله من العلم ومكانه من هذا الدين يحب أهل كل طائفة أن ينسبوا إليه دقائق فتاويهم ومحاسن ما يجدونه في مذاهبهم ويجعلونه مرجعا يستندون إليه في ترويج مسائلهم ويأتمون به في مصالح أديانهم.

تشبه الخفرات الآنسات بها

في مشيها فينلن الحسن بالحيل.

وقد رواها أصحابنا عنه علیهما السلام وعلى هذا يكون قد أفتى بها على مذهبهم فإنه كان علیهما السلام ممنوعا في أيام خلافته عن كثير من إرادته الدينية حتى إنه أراد عزل شريح وقال عزب ذهنك وعلت سنك وارتشى ابنك فلم يمكن من عزله والاستبدال به وكم مثلها مما منع عنه علیهما السلام أن يجريه على الحق الذي لا لبس فيه حتى قيل له رأيك مع رأي عمر أحب إلينا من رأيك على انفرادك والخطب جليل وبالله المستعان ولما قيل له علیهما السلام رأيك مع رأي عمر أحب إلينا قال لعبيدة السلماني اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف وكان عبيدة هذا قاضيا وذكر علومه علیهما السلام بحر لا يدرك ساحله وهو علیهما السلام الماجد الذي لا يظفر بالغلب مساجله فأما ما أعده الله لمحبيهم من الثواب الجزيل والأجر العريض الطويل وارتفاع المنزلة وعلو المكان وما وعدهم الله به من درجات الجنان فإني أورد من ذلك ما يلتزم به العقلاء ويكون بلاغا لمن أراد الحق وموجبا لمودتهم وحبهم.

فَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلْتُهُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِنَ الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْنَدِ عَلِيٍّ علیهما السلام عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَقَالَ مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذا الحديث نقله أحمد في مواضع من مسنده وهو حديث خطره عظيم ومجده كريم ووجده وسيم وشرفه قديم فإنه جعل درجة محبيهم مع درجته وهذا محل يقف دونه الخليل والكليم وهاهنا ينقاد إلى المنقول والمعقول وهو صلی الله علیه وسلم أعلم بما يقول.

________________

(١) خفرت المرأة : اشتد حياؤها.

١٣٦

وَنَقَلْتُ مِنَ الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ صَدِيقُنَا الْعِزُّ الْمُحَدِّثُ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِعَلِيٍّ أَمَا إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَشِيعَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

وَمِنْ كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَسَنَةٌ لَا يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ وَبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ.

وَمِنْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم قَالَ حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ يَوْماً خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

وَمِنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي

وَمِنْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم عَلِيٌّ وَشِيعَتُهُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وقد تقدم هذا وأمثاله.

وَمِنْ بَشَائِرِ الْمُصْطَفَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ علیهما السلام قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ عُرَاةً حُفَاةً فَيُوقِفُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمَحْشَرِ حَتَّى يَعْرِقُوا عَرَقاً شَدِيداً وَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ فَيَمْكُثُونَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (١) قَالَ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْعَرْشِ أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ قَالَ فَيَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْمَعْتَ فَسَمِّهِ بِاسْمِهِ فَيُنَادِي أَيْنَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ فَيَقُومُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَوْضٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ (٣) فَيَقِفُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُنَادِي بِصَاحِبِكُمْ فَيَقُومُ أَمَامَ النَّاسِ فَيَقِفُ مَعَهُ ثُمَّ يُؤَذِّنُ لِلنَّاسِ فَيَمُرُّونَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیهما السلام فَبَيْنَ وَارِدٍ وَبَيْنَ مُنْصَرِفٍ فَإِذَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ مِنْ مُحِبِّينَا أَهْلَ الْبَيْتِ بَكَى فَقَالَ يَا رَبِّ شِيعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَهَبْتُهُمْ لَكَ وَصَفَحْتُ لَكَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ

________________

(١) طه : ١٠٨.

(٢) وفي بعض النسخ «تلقاء العرش».

(٣) أيلة : اسم مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأول الشام. وصنعاء : موضع باليمن.

١٣٧

وَأَلْحَقْتُهُمْ بِكَ وَبِمَنْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَجَعَلْتُهُمْ فِي زُمْرَتِكَ وَأَوْرَدْتُهُمْ حَوْضَكَ وَقَبِلْتُ شَفَاعَتَكَ فِيهِمْ وَأَكْرَمْتُكَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام فَكَمْ مِنْ بَاكٍ يَوْمَئِذٍ وَبَاكِيَةٍ يُنَادُونَ وَا مُحَمَّدَاهْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ كَانَ يَتَوَلَّانَا وَيُحِبُّنَا إِلَّا كَانَ فِي حِزْبِنَا وَمَعَنَا وَوَرَدَ حَوْضَنَا.

وَمِنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام عَلَى بَابِ الْقَصْرِ حَتَّى أَلْجَأَتْهُ الشَّمْسُ إِلَى حَائِطِ الْقَصْرِ فَوَثَبَ لِيَدْخُلَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَتَعَلَّقَ بِثَوْبِهِ وَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثْنِي حَدِيثاً جَامِعاً يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ قَالَ لَهُ حَدَّثَنِي خَلِيلِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنِّي أَرِدُ أَنَا وَشِيعَتِي الْحَوْضَ رِوَاءً مَرْوِيِّينَ مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ وَيَرِدُ عَدُوُّنَا ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ خُذْهَا إِلَيْكَ قَصِيرَةٌ مِنْ طَوِيلَةٍ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكَ مَا اكْتَسَبْتَ أَرْسِلْنِي (١) يَا أَخَا هَمْدَانَ وفي هذا الحديث (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ)

وَنَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِ رَبِيعِ الْأَبْرَارِ عَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم قَالَ لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَخَذَ جَبْرَئِيلُ بِيَدِي وَأَقْعَدَنِي عَلَى دُرْنُوكٍ (٢) مِنْ دَرَانِيكِ الْجَنَّةِ ثُمَّ نَاوَلَنِي سَفَرْجَلَةً فَأَنَا أَقْلَبُهَا إِذِ انْفَلَقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْهَا جَارِيَةٌ حَوْرَاءُ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَقَالَتْ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ مَنْ أَنْتِ قَالَتْ أَنَا الرَّاضِيَةُ الْمَرْضِيَّةُ خَلَقَنِي الْجَبَّارُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ أَسْفَلِي مِنْ مِسْكٍ وَوَسَطِي مِنْ كَافُورٍ وَأَعْلَائِي مِنْ عَنْبَرٍ عَجَّنَنِي مِنْ مَاءِ الْحَيَوَانِ قَالَ الْجَبَّارُ كُونِي فَكُنْتُ خَلَقَنِي لِأَخِيكَ وَابْنُ عَمِّكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام.

وَمِنْ مَنَاقِبِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَقْبَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ قَاصِداً إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ لِي يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَمُوداً تَحْتَ الْعَرْشِ يُضِيءُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لَا يَنَالُهُ إِلَّا عَلِيٌّ وَمُحِبُّوهُ.

وَمِنْ مَنَاقِبِ ابْنِ الْمَغَازِلِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ بِمَا هَبَطَ بِي جَبْرَئِيلُ علیهما السلام قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ثُمَ

________________

(١) ارسله : أطلقه.

(٢) الدرنوك ـ بضم الدال ـ : ستر له خمل.

١٣٨

قَالَ هَبَطَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ غَرَسَ قَضِيباً فِي الْجَنَّةِ ثُلُثُهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَثُلُثُهُ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ وَثُلُثُهُ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ رَطْبَةٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا طَاقَاتٌ جَعَلَ بَيْنَ الطَّاقَاتِ غُرَفاً وَجَعَلَ فِي كُلِّ غُرْفَةٍ شَجَرَةً وَجَعَلَ حَمْلَهَا الْحُورَ الْعِينَ وَأَجْرَى عَلَيْهِ عَيْنَ السلم [السَّلَامِ] ثُمَّ أَمْسَكَ فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ ذَلِكَ الْقَضِيبُ فَقَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِذَلِكَ الْقَضِيبِ فَلْيَتَمَسَّكْ (١) بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ كِفَايَةِ الطَّالِبِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم تَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ رَايَةُ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِمَامِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ فَأَقُومُ وَآخُذُ بِيَدِهِ فَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ وَوُجُوهُ أَصْحَابِهِ فَأَقُولُ مَا خَلَّفْتُمُونِي فِي الثَّقَلَيْنِ بَعْدِي فَيَقُولُونَ تَبِعْنَا الْأَكْبَرَ وَصَدَّقْنَاهُ وَوَازَرْنَا الْأَصْغَرَ وَنَصَرْنَاهُ وَقَاتَلْنَا مَعَهُ فَأَقُولُ رِدُوا رِوَاءً مَرْوِيِّينَ فَيَشْرَبُونَ شَرْبَةً لَا يَظْمَئُونَ بَعْدَهَا أَبَداً وَجْهُ إِمَامِهِمْ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ وَوُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَوْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ. وَمِنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نُورٍ وَالْمَلَائِكَةُ تُحْدِقُ بِهِ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا المَلَكُ قَالَ ادْنُ مِنْهُ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخِي (٢) وَابْنُ عَمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ سَبَقَنِي عَلِيٌّ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ لَا وَلَكِنِ الْمَلَائِكَةُ شَكَتْ حُبَّهَا لِعَلِيٍّ فَخَلَقَ اللهُ هَذَا الْمَلَكَ مِنْ نُورٍ عَلَى صُورَةِ عَلِيٍّ فَالْمَلَائِكَةُ تَزُورُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ وَيَوْمِ جُمُعَةٍ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ وَيُقَدِّسُونَهُ وَيَهْدُونَ ثَوَابُهُ لِمُحِبِّ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَالٍ لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ ثِقَةٌ

وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى مَسْرُوقٍ الْأَجْدَعِ فَإِذَا عِنْدَهُ ضَيْفٌ لَا نَعْرِفُهُ وَهُمَا يَطْعَمَانِ مِنْ طَعَامٍ لَهُمَا فَقَالَ الضَّيْفُ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِخَيْبَرَ فَلَمَّا قَالَهَا عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم قَالَ جَاءَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حَيِّ بْنِ

________________

(١) وفي بعض النسخ «فليستمسك»

(٢) وفي نسخة «فإذا انا بأخي»

١٣٩

أَخْطَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِ نِسَائِكَ قَتَلْتَ الْأَبَ وَالْأَخَ وَالْعَمَّ فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَإِلَى مَنْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِلَى هَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام ثُمَّ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقَالَ مَا جَاءَكَ يَا أَعْوَرُ قَالَ قُلْتُ حُبُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللهَ قُلْتُ اللهَ فَنَاشَدَنِي ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ مِمَّنْ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ مَوَدَّتَنَا عَلَى قَلْبِهِ فَيُحِبُّنَا وَلَيْسَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ مِمَّنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ بُغْضَنَا عَلَى قَلْبِهِ فَهُوَ يُبْغِضُنَا فَأَصْبَحَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ فَكَانَ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ قَدْ فُتِحَتْ لَهُ وَأَصْبَحَ مُبْغِضُنَا (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) فَهَنِيئاً لِأَهْلِ الْجَنَّةِ (١) رَحْمَتُهُمْ وَتَعْساً لِأَهْلِ النَّارِ مَثْوَاهُمْ.

وَعَنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ فَقُلْتُ حُبِّي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا حَارِثُ أَتُحِبُّنِي فَقُلْتُ نَعَمْ وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ أَمَا لَوْ بَلَغَتْ نَفْسُكَ الْحُلْقُومَ لَرَأَيْتَنِي حَيْثُ تُحِبُّ وَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَذُودُ الرِّجَالَ عَنِ الْحَوْضِ ذَوْدَ غَرِيبَةِ الْإِبِلِ لَرَأَيْتَنِي حَيْثُ تُحِبُّ وَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا مَارٌّ عَلَى الصِّرَاطِ بِلِوَاءِ الْحَمْدِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَرَأَيْتَنِي حَيْثُ تُحِبُ وقيل : إن آخر شعر قاله السيد بن محمد (٣) قبل وفاته

________________

(١) وفي بعض النسخ «لأهل الرحمة».

(٢) الذود : الطرد وأكثر ما يستعمل الذود في الغنم والإبل وربما استعمل في غيرهما.

(٣) وهو السيّد الحميري المعروف ، وهو من شعراء أهل البيت وروى عن الصادق انه عليه السلام قال له : أنت سيد الشعراء ، وحاله في الجلالة والمجد ظاهر معروف قال في الكنى والألقاب : كان همه رحمه اللّه نظم فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ونشره حتّى حكى صاحب الأغاني عن المدائني ان السيّد الحميري وقف بالكناس وقال : من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب (علیهما السلام) لم أقل فيها شعرا فله فرسى هذا وما على فجعلوا يحدثونه ـ

١٤٠