كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

حَسَناً فَظَنَنَّا إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لِأَنْ تَغْسِلَهُ أَوْ تَلْبَسَهُ سِخَاباً (١) فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا قَالَ فِيهِ.

وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعاً إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ طَرَقْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ فَخَرَجَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ مَا أَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي قُلْتُ مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ فَكَشَفَهُ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ (٢) فَقَالَ هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا.

وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا.

وَرُوِيَ عَنِ النَّسَائِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتِي الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا قَالَ إِنِّي رَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ

________________

(١) قال ابن الأثير : السخاب : خيط ينظم فيه خرر ويلبسه الصبيان والجواري وقيل هو قلادة تتخذ من قرنفل ومحلب وسك ونحوه وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء ومنه حديث فاطمة رضى اللّه عنها فالبسته سخابا اي الحسن ابنها.

(٢) الورك ـ ككتف ـ : ما فوق الفخذ.

٥٢١

أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي (١) فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ.

وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي صِحَاحِهِمْ كُلٌّ مِنْهُمْ بِسَنَدِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى بُرَيْدَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهما السلام وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنَ الْمِنْبَرَ فَحَمَلَهُمَا وَوَضْعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللهُ (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا وَرَوَاهُ الْجَنَابِذِيُّ بِأَلْفَاظٍ قَرِيبَةٍ مِنْ هَذَا وَأَخْصَرَ.

" وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدِهِ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.

" وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ فِيمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ.

" وَرُوِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَمَعَهُ عَلِيٌّ علیهما السلام فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فَحَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيهاً بِعَلِيٍّ وَعَلِيٌّ علیهما السلام يَضْحَكُ" وَرَوَى الْجَنَابِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ لَا شَبِيهاً بِعَلِيٍّ قَالَ وَعَلِيٌّ يَتَبَسَّمُ " وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جُحَيْفَةَ هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ نَعَمْ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ إِلَّا فَاضَتْ عَيْنَايَ دُمُوعاً وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَرَجَ يَوْماً فَوَجَدَنِي فِي الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَاتَّكَأَ عَلَيَّ ثُمَ

________________

(١) قال الجزريّ وفي الحديث ان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله سجد فركبه الحسن فأبطأ في سجوده فلما فرغ سئل عنه؟ فقال : ان ابني ارتحلنى فكرهت أن أعجله اي جعلني كالراحلة فركب على ظهري.

٥٢٢

انْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْنَا إِلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَمَا كَلَّمَنِي فَطَافَ فَنَظَرَ ثُمَّ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَاحْتَبَى (١) ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي لُكَعُ فَأَتَى حَسَنٌ يَشْتَدُّ حَتَّى وَقَعَ فِي حَجْرِهِ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ يَفْتَحُ فَمَهُ وَيُدْخِلُ فَمَهُ فِي فَمِهِ وَيَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ ثَلَاثاً.

وَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَلَا أُعَلِّمُكَ عُوذَةً كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِبْرَاهِيمُ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَأَنَا أَعُوذُ بِهَا ابْنَيَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْ كَفَى بِسَمْعِ اللهِ وَاعِياً لِمَنْ دَعَا وَلَا مَرْمِيَّ وَرَاءَ أَمْرِ اللهِ لِرَامٍ رَمَى.

وَرُوِيَ عَنِ الدُّولَابِيِّ مَرْفُوعاً إِلَى جُبَيْرِ بْنِ هَبِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ (٢) بِيَدِي يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَحَقْنَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبْصَرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ مُقْبِلاً فَقَالَ اللهُمَّ سَلِّمْهُ وَسَلِّمْ مِنْهُ.

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ كَأَنَّ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ فِي بَيْتِي قَالَ خَيْراً رَأَيْتَ تَلِدُ ابْنَتِي فَاطِمَةُ غُلَاماً تُرْضِعِينَهُ بِلَبَنِ قُثَمَ فَوَلَدَتِ الْحَسَنَ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمَ.

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ فَتَذَاكَرُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ تَزْعُمُ الْعَوَامُّ أَنِّي أُبْغِضُ عَلِيّاً وَوُلْدَهُ حَسَناً وَحُسَيْناً وَلَا وَاللهِ مَا ذَلِكَ كَمَا يَظُنُّونَ وَلَكِنَّ وُلْدَهُ هَؤُلَاءِ طَالَبْنَا بِدَمِ الْحُسَيْنِ مَعَهُمْ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ حَتَّى قَتَلْنَا قَتَلَتَهُ ثُمَ

________________

(١) احتبى بالثوب : اشتمل به.

(٢) جمع الجمجمة.

(٣) بضم القاف وفتح الثاء المثلثة كما في التقريب وهو ابن عبّاس عبد المطلب.

ذكر ابن حجر في التهذيب أيضا انه كان أخا الحسين بن عليّ عليه السلام من الرضاعة.

٥٢٣

أَفْضَى إِلَيْنَا هَذَا الْأَمْرُ فَخَالَطْنَاهُمْ فَحَسَدُونَا وَخَرَجُوا عَلَيْنَا فَحَلُّوا قَطِيعَتَهُمْ وَاللهِ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ علیهما السلام تَبْكِي فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مَا يُبْكِيكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ خَرَجَا فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي أَيْنَ سَلَكَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم لَا تَبْكِينَ فِدَاكِ أَبُوكِ فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ خَلَقَهُمَا وَهُوَ أَرْحَمُ بِهِمَا اللهُمَّ إِنْ كَانَا أَخَذَا فِي بَرٍّ فَاحْفَظْهُمَا وَإِنْ كَانَا أَخَذَا فِي بَحْرٍ فَسَلِّمْهُمَا فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَ يَا أَحْمَدُ لَا تَغْتَمَّ وَلَا تَحْزَنْ هُمَا فَاضِلَانِ فِي الدُّنْيَا فَاضِلَانِ فِي الْآخِرَةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا وَهُمَا فِي حَظِيرَةِ بَنِي النَّجَّارِ نَائِمَيْنِ وَقَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِمَا مَلَكاً يَحْفَظُهُمَا.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا حَظِيرَةَ بَنِي النَّجَّارِ فَإِذَا الْحَسَنُ مُعَانِقُ الْحُسَيْنِ وَإِذَا الْمَلَكُ قَدْ غَطَّاهُمَا بِأَحَدِ جَنَاحَيْهِ فَحَمَلَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم الْحَسَنَ وَأَخَذَ الْحُسَيْنَ الْمَلَكُ وَالنَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّهُ حَامِلُهُمَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نُخَفِّفُ عَنْكَ بِحَمْلِ أَحَدِ الصَّبِيَّيْنِ فَقَالَ دَعَاهُمَا فَإِنَّهُمَا فَاضِلَانِ فِي الدُّنْيَا فَاضِلَانِ فِي الْآخِرَةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا.

ثُمَّ قَالَ وَاللهِ لَأُشَرِّفَنَّهُمَا الْيَوْمَ بِمَا شَرَّفَهُمَا اللهُ فَخَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ جَدّاً وَجَدَّةً قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ جَدُّهُمَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَجَدَّتُهُمَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أَلَا أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِخَيْرِ النَّاسِ أَباً وَأُمّاً قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَبُوهُمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم أَلَا أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِخَيْرِ النَّاسِ عَمّاً وَعَمَّةً قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَمُّهُمَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَمَّتُهُمَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ خَالاً وَخَالَةً قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ خَالُهُمَا الْقَاسِمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَخَالَتُهُمَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَلَا إِنَّ أَبَاهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَأُمَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ

٥٢٤

وَجَدَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَجَدَّتَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَخَالَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَخَالَتَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَعَمَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَعَمَّتَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ أَحَبَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ أَحَبَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا فِي الْجَنَّةِ.

" وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْمُغِيرِيِّ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام أَبْيَضَ مُشْرَباً حُمْرَةً أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَثَّ اللِّحْيَةِ ذَا وَفْرَةٍ وَكَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ عَظِيمَ الْكَرَادِيسِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ رَبْعَةً لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا الْقَصِيرِ مَلِيحاً مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَكَانَ جَعْدَ الشَّعْرِ حَسَنَ الْبَدَنِ (١).

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ وِلَادَةُ فَاطِمَةَ علیهما السلام قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ احْضُرَاهَا فَإِذَا وَقَعَ وَلَدُهَا وَاسْتَهَلَّ فَأَذِّنَا فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقِيمَا فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى فَإِنَّهُ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ إِلَّا عُصِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَا تُحْدِثَا شَيْئاً حَتَّى آتِيَكُمَا فَلَمَّا وَلَدَتْ فَعَلَتَا ذَلِكَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَسَرَّهُ وَلَبَأَهُ بِرِيقِهِ وَقَالَ اللهُمَّ إِنِّي أُعِيذُهُ بِكَ وَوُلْدَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَمِنْ كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُسَمِّيَ ابْنَيَّ هَذَيْنِ حَسَناً وَحُسَيْناً. وَمِنْهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم سَأَلَتِ الْفِرْدَوْسُ مِنْ رَبِّهَا فَقَالَتْ أَيْ رَبِّ زَيِّنِّي فَإِنَّ أَصْحَابِي وَأَهْلِي أَتْقِيَاءُ أَبْرَارٌ فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا أَلَمْ أُزَيِّنْكِ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.

وَمِنْهُ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم سَمَّى هَارُونُ ابْنَيْهِ شَبَّراً وَشَبِيراً وَإِنِّي سَمَّيْتُ ابْنَيَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِمَا سَمَّى هَارُونُ ابْنَيْهِ.

وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَسْجِدِهِ جَالِساً فَمَرَّتْ فَاطِمَةُ صلی الله علیه وسلم خَارِجَةً مِنْ بَيْتِهَا إِلَى حُجْرَةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَمَعَهَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهما السلام ثُمَّ تَبِعَهَا عَلِيٌّ علیهما السلام

________________

(١) الدعج : شدة سواد العين مع سعتها ، يقال عين دعجاء ، والمسربة بضم الراء : الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة. كل عضلين التصقا في مفصل فهو كردوس ، مثل المنكبين والركبتين والوركين ه. م.

٥٢٥

فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ مَنْ أَحَبَّ هَؤُلَاءِ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ هَؤُلَاءِ فَقَدْ أَبْغَضَنِي.

وَمِمَّا جَمَعَهُ صَدِيقُنَا الْعِزُّ الْمُحَدِّثُ مَرْفُوعاً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَيْلَةَ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوباً لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ عَلِيٌّ حَبِيبُ اللهِ ـ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ صَفْوَةُ اللهِ فَاطِمَةُ أَمَةُ اللهِ عَلَى بَاغِضِيهِمْ لَعْنَةُ اللهِ.

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّ فَاطِمَةَ وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ فِي قُبَّةٍ بَيْضَاءَ سَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ ابْنَايَ هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا.

وَمِنْ كِتَابِ الْآلِ لِابْنِ خَالَوَيْهِ اللُّغَوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْ أَحَبَّهُمَا أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا أَبْغَضَنِي.

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِي قَدْ أَحَبَّهُمُ اللهُ وَأَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَهْدِيُّ صلی الله علیه وسلم الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ع.

وَمِنْ كِتَابِ الْآلِ مَرْفُوعاً إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَتِ الْجَنَّةُ يَا رَبِّ أَلَيْسَ قَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُسْكِنِّي رُكْناً مِنْ أَرْكَانِكَ قَالَ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا أَمَا تَرْضَيْنَ أَنِّي زَيَّنْتُكِ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَأَقْبَلَتْ تَمِيسُ كَمَا تَمِيسُ الْعَرُوسُ (١).

وَمِنْ كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلَّفْتُوَانِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَقُولُ نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا وَنِعْمَ الْجَمَلَانِ أَنْتُمَا.

وَرَوَى اللَّفْتُوَانِيُ أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم دَعَا الْحَسَنَ فَأَقْبَلَ وَفِي عُنُقِهِ سِخَابٌ (٢) فَظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ حَبَسَتْهُ لِتَلْبَسَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم هَكَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام هَكَذَا بِيَدِهِ

________________

(١) ماس : تبختر.

(٢) قال الهروي : السخاب خيط ينظم فيه خرز يلبسه الصبيان والجواري وجمعه سخب. وقال الجوهريّ السخاب قلادة تتخذ من السك وغيره ليس فيها جوهر والجمع سخب ه. م.

٥٢٦

فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ ثَلَاثَ [مَرَّاتٍ] قَالَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي السِّيَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ.

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ اللَّفْتُوَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ بِأَبِي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يُصَلِّي فَسَجَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ علیهما السلام فَرَكِبَ ظَهْرَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَرَكِبَ ظَهْرَهُ مَعَ أَخِيهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَثَقُلَا عَلَى ظَهْرِهِ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهُمَا عَنْ ظَهْرِهِ وَذَكَرَ كَلَاماً سَقَطَ عَلَى أَبِي يَعْلَى وَمَسَحَ عَلَى رُءُوسِهِمَا وَقَالَ مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُمَا ثَلَاثاً.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي.

وَرُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَاءَ يَعُودُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم فِي مَرَضِهِ فَرَفَعَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم رَفَعَكَ اللهُ يَا عَمِّ فَقَالَ الْعَبَّاسُ هَذَا عَلِيٌّ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ يَدْخُلُ فَدَخَلَ وَمَعَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهما السلام فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَؤُلَاءِ وُلْدُكَ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ قَالَ هُمْ وُلْدُكَ يَا عَمِّ أَتُحِبُّهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ أَحَبَّكَ اللهُ كَمَا أَحَبَّهُمَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ فَلَمَّا فَرَغَ حَمَلَ الصَّبِيَّ وَقَامَ فَإِذَا الْحَسَنُ فِي فِيهِ تَمْرَةٌ يَلُوكُهَا (١) فَسَالَ لُعَابُهُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَضَرَبَ شِدْقَهُ وَقَالَ كَخْ أَيْ بُنَيَّ (٢) أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ.

قُلْتُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي مُسْنَدِهِ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ هَذِهِ قَالَ

________________

(١) لاك اللقمة يلوكها لوكا : مضغها أهون المضغ وادارها في فمه.

(٢) الشدق ـ بكسر الشين وفتحها ـ : زاوية الفم من باطن الخدين. وكخ ـ بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء وشدها صوت يقال عند زجر الصبى عن تناول شيء وعند التقذر من شيء.

٥٢٧

الْحَسَنُ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِي فَمِي وَقَالَ كَخْ كَخْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ لُعَابِي عَلَى إِصْبَعِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمِيرَةَ رُشَيْدِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى وَذَكَرَ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ بِطَبَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ أَهَذَا هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقَةٌ فَقَدَّمَهَا إِلَى الْقَوْمِ قَالَ وَحَسَنٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَغِيرٌ (١) قَالَ فَأَخَذَ الصَّبِيُّ تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ قَالَ فَفَطَنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِي فِي الصَّبِيِّ فَانْتَزَعَ التَّمْرَةَ ثُمَّ قَذَفَ بِهَا وَقَالَ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.

قَالَ اللَّفْتُوَانِيُّ لَمْ يُخْرِجِ الطَّبَرَانِيُّ لِأَبِي عَمِيرَةَ السَّعْدِيِّ فِي مُعْجَمِهِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. قَالَ مُعَرِّفٌ (٢) فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ جَعَلَ يُدْخِلُ إِصْبَعَهُ لِيُخْرِجَهَا فَيَقُولُ هَكَذَا كَأَنَّهُ يَلْتَوِي عَلَيْهِ (٣) وَيَكْرَهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ.

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم كَانَ يُقْعِدُهُ عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحُسَيْنَ عَلَى الْفَخِذِ الْأُخْرَى وَيَقُولُ اللهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ.

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَانِبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ مَا بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ.

________________

(١) وفي بعض النسخ «يتعفر» بدل «صغير» ولعله الظاهر وهو من تعفر في التراب : تمرغ فيه.

(٢) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الراء المكسورة ـ من رواة العامّة ومحدثيهم وقد أثنى عليه ابن حجر وغيره ووثقوه في الحديث.

(٣) التوى اليد : ثناه.

٥٢٨

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَالَ وَقَدْ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ علیهما السلام مَنْ أَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وهذه الأحاديث قد تقدم أمثالها وهي بأنفسها وإنما أذكرها مكررة لأن في اختلاف طرقها وكثرة رواتها دلالة على صحتها وبرهانها على القطع بورودها عنه صلی الله علیه وسلم على الحقيقة.

وروى الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة وهذا الكتاب أرويه بالإجازة عن السيد جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري عن الشيخ عبد العزيز الأخضر المحدث إجازة في المحرم سنة عشرة وستمائة.

وعن الشيخ برهان الدين أبي الحسين أحمد بن علي المعروف بالغزنوي إجازة في ربيع الأول سنة أربع عشرة وستمائة كلاهما عن الشيخ الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي بإسناده وأجاز لي السيد قديما وفي سنة ست وسبعين وستمائة.

رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَخْطُبُ إِذْ صَعِدَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَإِنَّ اللهَ عَلَّهُ (١) أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ.

قلت وإلى هذا أشار الحسن علیهما السلام وَقَدْ رَوَاهُ الدُّولَابِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعاً إِلَى يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ (٢) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ بِيَدِي يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقْنَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لَبِيبَةَ (٣) مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبْصَرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ مُقْبِلاً

________________

(١) لغة في لعل.

(٢) خمير ـ كزبير ـ مصغرا.

(٣) لبيبة بفتح اللام وكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الموحدة الأخرى كما عن التقريب ، وفي بعض النسخ ـ لبينة ـ بالنون وهو مصحف ويقال إن لبينة أمه وأبا لبيبة أبوه واسمه وردان.

٥٢٩

فَقَالَ اللهُمَّ سَلِّمْ بِهِ وَسَلِّمْ مِنْهُ.

وَرُوِيَ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ قَالَتْ رَأَيْتُ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ فِي بَيْتِي قَالَ خَيْراً رَأَيْتَهُ تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَاماً تُرْضِعِينَهُ بِلَبَنِ قُثَمَ (١) فَوُلِدَ الْحَسَنُ علیهما السلام فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمَ.

وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ علیهما السلام رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِي إِنَّ مِنْ وَاجِبِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ (٢).

وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ رِوَايَةً عَنْ أَبِيهِ علیهما السلام قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا مِنْ رَجُلَيْنِ اصْطَرَمَا (٣) فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا طُوِيَتْ عَنْهُمَا صَحِيفَةُ الزِّيَادَاتِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا صَحِيفَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ وَمَا كَانَ مِنَ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُشَاكِلِ الْفَرْضَ.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِيهِ صلی الله علیه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِيهِ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ مَنْ ظَلَّمَ الظَّالِمَ دَعُوا الظَّالِمَ حَتَّى يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِوِزْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَامِلاً

________________

(١) مر ضبطه وترجمته آنفا فراجع.

(٢) هذا الحديث وما يليه إلى البحث عن إمامته عما رواه (علیهما السلام) عن رسول اللّه وكان على المصنّف أن يجعله تحت عنوان متمايزا ممّا سبق عما ورد في حقه (علیهما السلام) من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما فعل في ذكر إمامته وبيعته عليه السلام فيما يأتي.

(٣) أي بهجر كل منهما صاحبه ويقطع مكالمته وفي بعض النسخ «اضطربا» وهو مصحف.

٥٣٠

ذكر إمامته وبيعته علیهما السلام

الكلام في الحسن بن علي علیهما السلام في باب الإمامة لا يخالفنا فيه أحد من المسلمين فأما غيره من الأئمة علیهما السلام فالمخالفة فيهم ونحن نقرر في هذا قاعدة تطرد في الجميع فإن القائلين بإمامة الجماعة بعد النبي صلی الله علیه وسلم قائلون بإمامة الحسن علیهما السلام بِمَا رَوَوْهُ أَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَعُودُ مُلْكاً وَبِأَنَّ عَلِيّاً علیهما السلام أَوْصَى بِهَا إِلَيْهِ وَأَفَاضَ رِدَاءَهَا عَلَيْهِ فهو علیهما السلام مسألة إجماع وقد سلم مدعي إمامته عن النزاع.

وأما أصحابنا فإنهم يقولون بوجوب الإمامة في كل وقت وقد ثبت ذلك من طريق العقل في كتب الأصول وإن الإمام لا بد أن يكون معصوما منصوصا عليه وإن الحق لا يخرج عن أمة محمد ص.

فإذا ثبت ذلك فالناس بعد علي علیهما السلام إما قائل بأن لا حاجة إلى إمام وقوله باطل بما ثبت من وجوب وجود الإمام في كل وقت وإما قائل بإمام ولا يشترط العصمة وقوله باطل أيضا بما ثبت من وجوب العصمة وإما قائل بوجوب إمامة الحسن بن علي علیهما السلام لوجود الشروط المأخوذة في حد الإمام فيه فيجب الرجوع إلى قوله والعمل به وإلا خرج الحق عن أقوال الأمة.

وفي تواتر الشيعة ونقلهم خلفا عن سلف أن أمير المؤمنين علیهما السلام نص على ابنه الحسن وحضر شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول وليس لأحد أن يدعي كذبهم فيما تواتر عندهم لأن ذلك يقدح في كل ما ادعي أنه علم بالتواتر وفي هذا الموضع بحوث طويلة مذكورة في كتب الكلام ليس ذكرها في هذا الكتاب من شرطه وقد اشتهر عند الناس قاطبة وصية علي علیهما السلام إلى ابنه الحسن علیهما السلام وتخصيصه بذلك من بين ولده ورواه المخالف والمؤالف والوصية من الإمام الحق توجب استخلافه لمن أوصى إليه وكذا وقعت الحال وهي مشهورة وقد أجمع عليها آل محمد علیهما السلام.

٥٣١

وَمِنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ رُوَاةِ الشِّيعَةِ وَثِقَاتِهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ شَهِدْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام حِينَ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ وَمُحَمَّداً وَجَمِيعَ وُلْدِهِ وَرُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ رَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَالسِّلَاحَ وَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ وَأَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَسِلَاحِي كَمَا أَوْصَى إِلَيَّ وَدَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَسِلَاحَهُ وَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ علیهما السلام فَقَالَ وَأَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَقَالَ وَأَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدٍ فَأَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ وَمِنِّي السَّلَامَ.

وَعَنْهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُسِرَّ إِلَيْكَ مَا أَسَرَّ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَآتَمِنُكَ عَلَى مَا ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ فَفَعَلَ.

وَبِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ أَنَّ عَلِيّاً علیهما السلام لَمَّا سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كُتُبَهُ وَالْوَصِيَّةَ فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ علیهما السلام دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ.

وقد ثبت عند فرق الإسلام كافة أن عليا علیهما السلام لما مات دعا الحسن علیهما السلام إلى الأمر بعد أبيه فبايعه الناس على أنه الخليفة والإمام.

وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ خَطَبَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ قَالَ لَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْآخِرُونَ لَقَدْ كَانَ يُجَاهِدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يُوَجِّهُهُ بِرَايَتِهِ فَيَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ (١) فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَدْ تُوُفِّيَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَفِيهَا قُبِضَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ علیهما السلام

________________

(١) اكتنفه القوم : أحاطوا به وكانوا منه يمنة ويسرة.

٥٣٢

وَمَا خَلَّفَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.

ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَبَكَى وَبَكَى النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَأَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ أَنَا ابْنُ مَنْ أَذْهَبَ اللهُ (١) عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ افْتَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) فَالْحَسَنَةُ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.

ثُمَّ جَلَسَ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ هَذَا ابْنُ نَبِيِّكُمْ وَوَصِيُّ إِمَامِكُمْ فَبَايِعُوهُ فَتَبَادَرَ النَّاسُ إِلَى بَيْعَتِهِ فهذه أدلة قاطعة بحقية إمامته. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم ابْنَايَ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا.

وَقَوْلُهُ صلی الله علیه وسلم الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وعصمتهما معلومة ثابتة من قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (٣)

أَقُولُ بَعْضُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ قَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هُبَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالْأَمْسِ لَمْ يَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْآخِرُونَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَبْعَثُهُ بِالرَّايَةِ ـ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ.

________________

(١) وفي نسخة «أنا ابن الذين أذهب اللّه اه».

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) الأحزاب : ٣٣ ـ وقال القاضي في الاحقاق انه قد أجمع المفسرون وروى الجمهور كأحمدين حنبل وغيره انها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، ثمّ سرد في ذيله أسماء مدارك الحديث من العامّة على كثرتهم فراجع الطبع الجديد ج ٢ صلی الله علیه وسلم ٥٠٢. وقد مر فيه شطر كلام من المؤلّف (ره) أيضا في مواضع شتّى من الجزء الأول.

٥٣٣

وقد رواها الدولابي في كتاب العترة بألفاظ تقارب ما رواه الجماعة وَمِنْ حَدِيثٍ آخَرَ فِي الْمُسْنَدِ بِمَعْنَاهُ وَفِي آخِرِهِ. وَمَا تَرَكَ مِنْ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ كَانَ يُرْصِدُهَا لِخَادِمٍ لِأَهْلِهِ وهذا قد رواه الحافظ أبو نعيم في حليته.

وهذه الخطبة قد رواها جماعة من الجمهور أيضا وقد شهد القرآن بطهارته في قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فلا بد أن يكون علیهما السلام محقا في دعوته صادقا في إمامته.

وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ حَبَابَةَ الْوَالِبِيَّةَ أَتَتْ عَلِيّاً علیهما السلام فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَلَالَةُ الْإِمَامَةِ رَحِمَكَ اللهُ فَقَالَ ائْتِنِي بِتِلْكِ الْحَصَاةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَصَاةٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَطَبَعَ لِي فِيهَا بِخَاتَمِهِ وَقَالَ يَا حَبَابَةُ إِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ الْإِمَامَةَ وَقَدَرَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلْتُ فَاعْلَمِي أَنَّهُ مُحِقٌّ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ فَالْإِمَامُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ قَالَتْ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ علیهما السلام وَهُوَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ لِي حَبَابَةُ الْوَالِبِيَّةُ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا مَوْلَايَ قَالَ هَاتِ مَا مَعَكِ فَأَعْطَيْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ فِيهَا كَمَا طَبَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام قَالَتْ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحُسَيْنَ علیهما السلام وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلی الله علیه وسلم فَقَرَّبَ وَرَحَّبَ وَقَالَ أَتُرِيدِينَ دَلَالَةَ الْإِمَامَةِ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا سَيِّدِي فَقَالَ هَاتِ مَا مَعَكِ فَنَاوَلْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ فِيهَا كَمَا طَبَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام قَالَتْ ثُمَّ رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ علیهما السلام وَقَدْ بَلَغَ بِيَ الْكِبَرُ وَأَنَا أَعُدُّ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَأَيْتُهُ رَاكِعاً وَسَاجِداً مَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ فَيَئِسْتُ مِنَ الدَّلَالَةِ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِالسَّبَّابَةِ فَعَادَ إِلَيَّ شَبَابِي قَالَتْ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي كَمْ مَضَى مِنَ الدُّنْيَا وَكَمْ بَقِيَ فَقَالَ أَمَّا مَا مَضَى فَنَعَمْ وَأَمَّا مَا بَقِيَ فَلَا (١) ثُمَّ قَالَ هَاتِي مَا مَعَكِ فَأَعْطَيْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیهما السلام فَطَبَعَ لِي فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ علیهما السلام فَطَبَعَ لِي فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ علیهما السلام فَطَبَعَ فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ الرِّضَا علیهما السلام فَطَبَعَ لِي فِيهَا وَعَاشَتْ حَبَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

________________

(١) قال المجلسيّ [ره] : اماما مضى فنعم أي لنا به علم ، واماما بقي فليس لنا به علم ، أو فسره لها ولم تنقل.

٥٣٤

عَبْدُ اللهِ بْنُ هِشَامٍ.

وَرَوَى الْكُلَيْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السلام عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ دَعَا لِحَبَابَةَ الْوَالِبِيَّةِ فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهَا شَبَابَهَا وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِإِصْبَعِهِ فَحَاضَتْ لِوَقْتِهَا وَلَهَا يَوْمَئِذٍ مِائَةٌ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً والشيخ المفيد رحمه‌الله ذكر قريبا مما ذكره الطبرسي ومنه نقل الطبرسي رحمهم‌الله أجمعين.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تبارك [تَبَارَكْتَ] رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.

وَمِنَ الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ تَمْرَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِلُعَابِهَا فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا عَلَيْكَ لَوْ أَكَلَ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَقَالَ إِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ وَكَانَ يَقُولُ دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ : وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ : وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَعَقَلْتُ عَنْهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ علیهما السلام لَمَّا حَضَرَتْ أَبِيَ الْوَفَاةُ أَقْبَلَ يُوصِي فَقَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام أَخُو مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَابْنُ عَمِّهِ وَصَاحِبُهُ أَوَّلُ وَصِيَّتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُهُ وَخِيَرَتُهُ اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ وَارْتَضَاهُ بِخِيَرَتِهِ وَأَنَّ اللهَ بَاعِثُ (مَنْ فِي الْقُبُورِ) وَسَائِلُ النَّاسِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ عَالِمٌ بِمَا فِي الصُّدُورِ.

ثُمَّ إِنِّي أُوصِيكَ يَا حَسَنُ وَكَفَى بِكَ وَصِيّاً بِمَا وَصَّانِي بِهِ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَا بُنَيَّ فَالْزَمْ بَيْتَكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ وَلَا تَكُنِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّكَ

٥٣٥

وَأُوصِيكَ يَا بُنَيَّ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ وَقْتِهَا وَالزَّكَاةِ فِي أَهْلِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَالصَّمْتِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَالْعَدْلِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَرَحْمَةِ الْمَجْهُودِ وَأَصْحَابِ الْبَلَاءِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَمُجَالَسَتِهِمْ وَالتَّوَاضُعِ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَقَصْرِ الْأَمَلِ وَذِكْرِ الْمَوْتِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكَ رَهَنُ مَوْتٍ وَعَرَضُ بَلَاءٍ وَطَرِيحُ سُقْمٍ.

وَأُوصِيكَ بِخَشْيَةِ اللهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِكَ وَأَنْهَاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَإِذَا عَرَضَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَابْدَأْ بِهِ وَإِذَا عَرَضَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَتَأَنَّهُ حَتَّى تُصِيبَ رُشْدَكَ فِيهِ (١).

وَإِيَّاكَ وَمَوَاطِنَ التُّهَمَةِ وَالْمَجْلِسَ الْمَظْنُونَ بِهِ السُّوءُ فَإِنَّ قَرِينَ السَّوْءِ يَغُرُّ جَلِيسَهُ وَكُنْ لِلَّهِ يَا بُنَيَّ عَامِلاً وَعَنِ الْخَنَا زَجُوراً (٢) وَبِالْمَعْرُوفِ آمِراً وَعَنِ الْمُنْكَرِ نَاهِياً (٣) وَآخِ الْإِخْوَانَ فِي اللهِ وَأَحِبَّ الصَّالِحَ لِصَلَاحِهِ وَدَارِ الْفَاسِقَ عَنْ دِينِكَ وَأَبْغِضْهُ بِقَلْبِكَ وَزَايِلْهُ بِأَعْمَالِكَ لِئَلَّا تَكُونَ مِثْلَهُ.

وَإِيَّاكَ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ وَدَعِ الْمُمَارَاةَ وَمُجَارَاةَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَاقْتَصِدْ يَا بُنَيَّ فِي مَعِيشَتِكَ وَاقْتَصِدْ فِي عِبَادَتِكَ وَعَلَيْكَ فِيهَا بِالْأَمْرِ الدَّائِمِ الَّذِي تُطِيقُهُ وَالْزَمِ الصَّمْتَ تَسْلَمْ وَقَدِّمْ لِنَفْسِكَ تَغْنَمْ وَتَعَلَّمِ الْخَيْرَ تَعْلَمْ وَكُنْ ذَاكِراً لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَارْحَمْ مِنْ أَهْلِكَ الصَّغِيرَ وَوَقِّرْ مِنْهُمُ الْكَبِيرَ وَلَا تَأْكُلَنَّ طَعَاماً حَتَّى تَتَصَدَّقَ مِنْهُ قَبْلَ أَكْلِهِ وَعَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ زَكَاةُ الْبَدَنِ وَجُنَّةٌ لِأَهْلِهِ وَجَاهِدْ نَفْسَكَ وَاحْذَرْ جَلِيسَكَ وَاجْتَنِبْ عَدُوَّكَ وَعَلَيْكَ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنِّي لَمْ آلُكَ يَا بُنَيَّ نُصْحاً (٦) وَ (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ).

________________

(١) وهذا أحد المعاني في وصيته الأخرى في قوله عليه السلام : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

(٢) الخنا : الفحش في القول.

(٣) وفي بعض النسخ «وبالمنكر ناها».

(٤) قال الجوهريّ : الا يألو : قصر وفلان لا يألوك نصحا فهو آل.

٥٣٦

وَأُوصِيكَ بِأَخِيكَ مُحَمَّدٍ خَيْراً فَإِنَّهُ شَقِيقُكَ (١) وَابْنُ أَبِيكَ وَقَدْ تَعْلَمُ حُبِّي لَهُ وَأَمَّا أَخُوكَ الْحُسَيْنُ فَهُوَ ابْنُ أُمِّكَ وَلَا أَزِيدُكَ الْوِصَايَةَ بِذَلِكَ (٢) وَاللهُ الْخَلِيفَةُ عَلَيْكُمْ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ أَنْ يُصْلِحَكُمْ وَأَنْ يَكُفَّ الطُّغَاةَ الْبُغَاةَ عَنْكُمْ وَالصَّبْرَ الصَّبْرَ حَتَّى يَنْزِلَ اللهُ الْأَمْرَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

وقد أورد السيد الرضي الموسوي رحمه‌الله تعالى وألحقه بسلفه الطاهر في نهج البلاغة وصية لأمير المؤمنين علیهما السلام كتبها إلى ابنه الحسن علیهما السلام وهي طويلة جامعة لأدب الدين والدنيا كثيرة الفائدة والجدوى نافعة في الآخرة والأولى قد أخذت بمجامع الفضائل وأعجزت بمقاصدها الأواخر والأوائل وكيف لا يكون كذلك وهو الذي إذا قال بذ كل قائل (٣) وعاد سحبان عنده مثل باقل (٤) فإن أنكرت فسائل وليس هذا الكتاب موضعا لإثباتها وقد دللتك عليها فإن أردتها فأتها تجد البيان والبلاغة وتشاهد آداب الدنيا والآخرة ببدائع ألفاظ تريك ورد البيان صافيا وبرد الفصاحة ضافيا وحظ السمع والقلب وافيا وليكن هذا القدر في صفتها وإن لم يكن كافيا كافيا.

قَالَ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ فِي إِرْشَادِهِ لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام خَطَبَ النَّاسَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام وَذَكَرَ حَقَّهُ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ أَبِيهِ علیهما السلام عَلَى حَرْبِ مَنْ حَارَبَ وَسِلْمِ مَنْ سَالَمَ.

وَرَوَى أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا خَطَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیهما السلام صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَ

________________

(١) الشقيق : الأخ.

(٢) وفي نسخة «ولا أزيد لك الوصاة»

(٣) بذه : غلبه وفاقه.

(٤) سحبان : رجل باهلى يضرب به المثل في الخطابة والفصاحة فيقال : «اخطب من سحبان وائل وأفصح» وبأقل ؛ رجل يضرب به المثل في العى.

٥٣٧

قَالَ لَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ بِعَمَلٍ وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ بِعَمَلٍ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاهِدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يُوَجِّهُهُ بِرَايَتِهِ فَيَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَدْ تُوُفِّيَ علیهما السلام فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ علیهما السلام وَفِيهَا قُبِضَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَمَا خَلَّفَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.

ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَبَكَى وَبَكَى النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ أَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ افْتَرَضَ اللهُ مَوَدَّتَهُمْ (١) فِي كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) (٢) فَالْحَسَنَةُ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ هَذَا ابْنُ نَبِيِّكُمْ وَوَصِيُّ إِمَامِكُمْ فَبَايِعُوهُ فَاسْتَجَابَ لَهُ النَّاسُ وَقَالُوا مَا أَحَبَّهُ إِلَيْنَا وَأَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَيْنَا وَتَبَادَرُوا إِلَى الْبَيْعَةِ لَهُ بِالْخِلَافَةِ.

وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَرَتَّبَ الْعُمَّالَ وَأَمَرَ الْأُمَرَاءَ وَأَنْفَذَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْعَبَّاسِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَنَظَرَ فِي الْأُمُورِ وَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ مَوْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ علیهما السلام وَبِيعَةُ الْحَسَنِ علیهما السلام أَنْفَذَ رَجُلاً مِنْ حِمْيَرَ إِلَى الْكُوفَةِ وَآخَرَ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيُطَالِعَاهُ بِالْأَخْبَارِ وَيُفْسِدَا عَلَى الْحَسَنِ علیهما السلام الْأُمُورَ وَقُلُوبَ النَّاسِ فَعَرَفَ بِهِمَا وَحَصَّلَهُمَا وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا. وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ دَسَسْتَ الرِّجَالَ لِلِاحْتِيَالِ وَالِاغْتِيَالِ وَأَرْصَدْتَ الْعُيُونَ كَأَنَّكَ تُحِبُّ اللِّقَاءَ وَمَا أَوْشَكَ ذَلِكَ فَتَوَقَّعْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ

________________

(١) وفي بعض النسخ «طاعتهم» بدل : «مودتهم».

(٢) الشورى : ٢٣.

٥٣٨

وَبَلَغَنِي أَنَّكَ شَمِتَّ بِمَا لَمْ يَشْمَتْ بِهِ ذَوُو الْحِجَى (١) وَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ

فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلَافَ الَّذِي مَضَى

تَجَهَّزْ لِأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأَنَّ قَدْ (٢)

فَإِنَّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِي

يَرُوحُ فَيُمْسِي فِي الْمَبِيتِ لِيَغْتَدِي

وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَسَنِ علیهما السلام مُكَاتَبَاتٌ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْحَسَنُ علیهما السلام فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأَمْرَ وَتَوَثُّبِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ علیهما السلام (٣) وَابْتِزَازِهِ سُلْطَانَ ابْنِ عَمِّهِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَصَارَ مُعَاوِيَةُ نَحْوَ الْعِرَاقِ وَتَحَرَّكَ الْحَسَنُ علیهما السلام (٤) وَبَعَثَ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَاسْتَنْفَرَ النَّاسُ لِلْجِهَادِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ خَفُّوا وَمَعَهُ أَخْلَاطٌ مِنَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ مِنْ شِيعَتِهِ وَشِيعَةِ أَبِيهِ علیهما السلام وَبَعْضُهُمْ مُحْكَمَةٌ يُؤْثِرُونَ قِتَالَ مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ طَمَعٍ فِي الْغَنَائِمِ وَبَعْضُهُمْ شُكَّاكٌ وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ عَصَبِيَّةٍ اتَّبَعُوا رُؤَسَاءَ قَبَائِلِهِمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى دِينٍ ثُمَّ صَارَ حَتَّى نَزَلَ سَابَاطَ دُونَ الْقَنْطَرَةِ وَبَاتَ هُنَاكَ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرَادَ علیهما السلام أَنْ يَمْتَحِنَ أَصْحَابَهُ وَيَسْتَبْرِئَ أَحْوَالَهُمْ فِي طَاعَتِهِ لِيَمِيزَ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ لِقَاءِ مُعَاوِيَةَ فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا حَمِدَهُ حَامِدٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَائْتَمَنَهُ عَلَى الْوَحْيِ صلی الله علیه وسلم أَمَّا بَعْدَ فَوَ اللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللهِ وَمَنِّهِ وَأَنَا أَنْصَحُ خَلْقَ اللهِ لِخَلْقِهِ وَمَا

________________

(١) شمت : فرح ببلية. والمعنى فرحت بموت على الذي أصبح كل ذي لب مغموما بموته.

(٢) أي فكأن قد نزلت أو جاءت وحذف مدخول قد وذلك شايع.

(٣) توثب عليه. استولى ظلما.

(٤) ابتز منه الشيء : استلبه قهرا.

(٥) وهم الخوارج اي لم يهموا على نصر الحسن وانما كان همهم قتال معاوية.

٥٣٩

أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلاً عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ ضَغِينَةً وَلَا مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَلَا غَائِلَةً (١) وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَلَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ وَأَرْشَدَنِي وَإِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا.

قَالَ فَنَظَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا مَا تَرَوْنَهُ يُرِيدُ بِمَا قَالَ قَالُوا نَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصَالِحَ مُعَاوِيَةَ وَيُسَلِّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَقَالُوا كَفَرَ وَاللهِ الرَّجُلُ وَشَدُّوا عَلَى فُسْطَاطِهِ فَانْتَهَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوا مُصَلَّاهُ مِنْ تَحْتِهِ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُعَالٍ الْأَزْدِيُّ فَنَزَعَ مِطْرَفَهُ (٢) عَنْ عَاتِقِهِ فَبَقِيَ جَالِساً مُتَقَلِّداً السَّيْفَ بِغَيْرِ رِدَاهُ ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَأَحْدَقَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَمَنَعُوا مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَدَعَا رَبِيعَةَ وَهَمْدَانَ فَأَطَافُوا بِهِ وَمَنَعُوهُ فَسَارَ وَمَعَهُ شَوْبٌ مِنْ غَيْرِهِمْ.

فَلَمَّا مَرَّ فِي مُظْلَمِ سَابَاطَ بَدَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ اسْمُهُ الْجَرَّاحُ بْنُ سِنَانٍ وَأَخَذَ بِلِجَامِ فَرَسِهِ وَبِيَدِهِ مِغْوَلٌ (٣) وَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ أَشْرَكْتَ يَا حَسَنُ كَمَا أَشْرَكَ أَبُوكَ مِنْ قَبْلُ وَطَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى بَلَغَ الْعَظْمَ فَاعْتَنَقَهُ الْحَسَنُ علیهما السلام وَخَرَّا جَمِيعاً إِلَى الْأَرْضِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ الْحَسَنِ علیهما السلام فَقَتَلَهُ بِمِغْوَلِهِ وَقُتِلَ مَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ كَانَ مَعَهُ وَحُمِلَ الْحَسَنُ علیهما السلام عَلَى سَرِيرٍ إِلَى الْمَدَائِنِ فَأُنْزِلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ عَامِلَ عَلِيٍّ علیهما السلام بِهَا فَأَقَرَّهُ الْحَسَنُ علیهما السلام عَلَى ذَلِكَ وَاشْتَغَلَ بِمُعَالَجَةِ جُرْحِهِ.

وَكَتَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالطَّاعَةِ سِرّاً وَاسْتَحَثُّوهُ عَلَى سُرْعَةِ الْمَسِيرِ نَحْوَهُمْ وَضَمِنُوا لَهُمْ تَسْلِيمَ الْحَسَنِ علیهما السلام إِلَيْهِ عِنْدَ دُنُوِّهِمْ مِنْ عَسْكَرِهِ أَوِ الْفَتْكِ بِهِ وَبَلَغَ الْحَسَنَ علیهما السلام ذَلِكَ.

________________

(١) الضغينة : الحقد. الغائلة : الحقد الباطن. الشر.

(٢) المطرف ـ بضم الميم وفتحها ـ : رداء من خزذ اعلام.

(٣) المغول : سوط في جوفه سيف دقيق سمي بذلك لان صاحبه يغتال به عدوه من حيث لا يحتسبه.

٥٤٠