كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

إليه كما قيل للكعبة بيت الله ولرجب شهر الله وجمع الأهل في السلامة أهلون وأهلين في المذكر والمؤنث أهلات فيكون جمعا لأهلة ولأهل

قال الشاعر (١) :

شعر

وهم أهلات حول قيس بن عاصم

إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا

والكوثر الكثير العطاء وهو فوعل من الكثرة.

فإن قيل ما الفرق بين الآل والأهل؟

قلت هما سؤالان الهمزة في آل مبدلة من الهاء في أهل ثم لينت كما قيل هياك وإياك وهيهات وأيهات ودليل ذلك إجماع النحويين على أن تصغير آل أهيل برده إلى أصله لا خلاف فيه إلا أن الكسائي أجاز أويلا وأهيلا تارة على اللفظ وتارة على الأصل كما قيل في جمع قيل وهو الملك أقيال على لفظ قيل وأقوال على الأصل وقال آخرون الاختيار أن تقول في الجماد والأسماء المجهولة أهل وفي الحيوان والأسماء المعروفة آل يقال أهل بغداد وآل القوم وآل محمد.

والآل السراب الذي تراه في الصحراء وعند الهاجرة كأنه قال الشاعر يهجو بخيلا.

شعر

إني لأعلم أن خبزك دونه

نكد البخيل ودونه الأقفال

وإذا انتجعت لحاجة لم يقضها

وإذا وعدت فإن وعدك آل (٢)

وقد فرقوا بين الآل والسراب فقالوا السراب قبل الظهر والآل بعده والآل أعواد الخيمة والآل اسم جبل بعينه والآل الشخص تقول رأيت آل زيد وشخصه وسواده بمعنى رأيت شخصه والآل الإنسان نفسه يقال جاءني آل أحمد أي جاءني أحمد ورأيت آل الرجال أي الرجال وهذا حرف غريب نادر ذكره الفضل بن سلمة في ضياء

________________

(١) وهو المخبل السعدي.

(٢) النكد ـ بضم النون وفتحها ـ : قلة العطاء. وانتجع فلاماً : اتاه طالباً مروفه

٤١

القلوب واحتج بقوله تعالى (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) (١) أي مما ترك موسى وهارون وبقول جميل :

شعر

بثينة من آل النساء وإنما

يكن لأدنى لا وصال لغائب (٢)

أي هي من النساء في غدرهن وتلونهن ويقال فلان من آل النساء أي خلق منهن وفلان من آل النساء أي يتبعهن ويحب مجالستهن والعزهاة (٣) ضد ذلك وآل فرعون من كان على دينه ومذهبه قال تعالى (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) (٤) والذين غرقوا ثلاثة آلاف ألف (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٥) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) (٦) أي بالجدب والقحط.

فإن قال قائل فما حقيقة الآل في اللغة عندك دون المجاز هل هو خاص لأقوام بأعيانهم أم عام في جميعهم متى سمعناه مطلقا غير مقيد.

فقل حقيقة الآل في اللغة القرابة خاصة دون سائر الأمة وكذلك العترة ولد فاطمة علیهما السلام خاصة وقد يتجوز فيه بأن يجعل لغيرهم كما تقول جاءنا في أخي فهذا يدل على أخوة النسب وتقول أخي تريد في الإسلام وأخي في الصداقة وأخي في القبيل والحي قال تعالى (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) (٧) ولم يكن أخاهم في دين ولا صداقة ولا نسب وإنما أراد الحي والقبيل والإخوة الأصفياء والخلصان وهو قول

________________

(١) البقرة : ٢٤٨.

(٢) بثينة ـ العذرية ـ كجهينة : صاحبة جميل الشاعر.

(٣) وهو الذى لا يقرب النساء قال الشاعر :

اذا كنت عزهة عن اللهو والصبا

فكن حجراً من ياس الصخر جلمداً

(٤) البقرة : ٥٠.

(٥) الغافر : ٤٦.

(٦) الاعراف : ١٣٠.

(٧) الاعراف : ٧٣.

٤٢

النبي صلی الله علیه وسلم لعلي علیهما السلام إنه أخوه قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَنَا عَبْدُ اللهِ وَأَخُو رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا مُفْتَرٍ فلو لا أن لهذه الأخوة مزية على غيرها ما خصه الرسول صلی الله علیه وسلم بذلك وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا يَقُولُهُمَا بَعْدِي إِلَّا كَذَّابٌ.

ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن لوط (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) (١) ولم يكن بناته لصلبه ولكن بنات أمته (٢) فأضافهن إلى نفسه رحمة وتعطفا وتحننا وقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حَيْثُ سُئِلَ فَقَالَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ـ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونَنِي فِيهِمَا قُلْنَا فَمَنْ أَهْلُ بَيْتِكَ قَالَ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْعَبَّاسِ.

وسئل ثعلب (٣) لم سميا الثقلين قال لأن الأخذ بهما ثقيل قيل ولم سميت العترة قال العترة القطعة من المسك والعترة أصل الشجرة ـ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَجْمَعَ آلُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلَى الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَعَلَى أَنْ لَا يَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ قال ابن خالويه هذا مذهب الشيعة ومذهب أهل البيت وقد تخصص ذلك العموم قَالَ اللهُ تَعَالَى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤) قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صلی الله علیه وسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ بَعْدَ أَنْ بَنَى عَلَيْهَا عَلِيٌّ علیهما السلام (٥) سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَقُولُ الصَّلَاةَ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّما يُرِيدُ

________________

(١) هود : ٧٨.

(٢) هذا احمد القولين في الاية ذهب اليه مجاهد وسعيد بن جبير والقول الآخر عن قتادة وغيره اراد بناته لصليه.

(٣) هو ابو العباس أحمد بن يحيى بن زيد النحوي الشيباني بالولاء ، وكان امام الكوفيين في النحو والغة سمى ثعلب لانه كان اذا سئل عن مسئلة اجاب من هاهنا وهاهنا فشبهوه بثعلب اذا اغار ، مات ببغةاد سنة سنة ٢٩١.

(٤) الاحزاب : ٣٣.

(٥) اى بعد الزفاف.

٤٣

اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ قَالَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ علیهما السلام يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللهُمَّ إِنَّ اسْتِغْفَارِي لَكَ مَعَ مُخَالَفَتِي لَلُؤْمٌ وَإِنَّ تَرْكِيَ الِاسْتِغْفَارَ مَعَ سَعَةِ رَحْمَتِكَ لَعَجْزٌ فَيَا سَيِّدِي إِلَى كَمْ تَتَقَرَّبُ إِلَيَّ وَتَتَحَبَّبُ وَأَنْتَ عَنِّي غَنِيٌّ وَإِلَى كَمْ أَتَبَعَّدُ مِنْكَ وَأَنَا إِلَيْكَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ فمتى قلنا آل فلان مطلقا فإنما نريد من آل إليه بحسب أو قرابة ومتى تجوزنا وقع على جميع الأمة.

وتحقيق هذا أنه لو أوصى بماله لآل رسول الله صلی الله علیه وسلم لم تدفعه الفقهاء إلا إلى الذين حرمت عليهم الصدقة وكان بعض من يدعي الخلافة يخطب فلا يصلي على النبي صلی الله علیه وسلم فقيل له في ذلك فقال إن له أهيل سوء إذا ذكرته اشرأبوا (١) فمن المعلوم أنه لم يرد نفسه لأنه كان من قريش ـ وَلَمَّا قَصَدَ الْعَبَّاسُ الْحَقِيقَةَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم شَجَرَةٌ نَحْنُ أَغْصَانُهَا وَأَنْتُمْ جِيرَانُهَا وآل أعوج وآل ذي العقال نسل أفراس من عتاق الخيل يقال هذا الفرس من آل أعوج إذا كان من نسلهم لأن البهائم بطل بينهما القرابة والدين كذلك آل محمد من تناسله فاعرفه قال تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢) أي عالمي زمانهم فأخبر أن الآل بالتناسل لقوله تعالى (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣) قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُدْخِلَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي النَّارَ فَأَعْطَانِيهَا

وأما قولهم قرأت آل حم فهي السور السبعة التي أولهن (حم) ولا تقل الحواميم وقال أبو عبيدة الحواميم سور في القرآن على غير القياس وآل يس آل محمد وآل يس خربيل (٤) وحبيب النجار وقد قال ابن دريد مخصصا لذلك

________________

(١) شارأب للشيء واليه : مجعنقه لينظره.

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) آل عمران : ٣٤.

(٤) وكان الصحيح «حزقيل» كما في سائر الكتب.

٤٤

العموم وإن لم يكن بنا حاجة إلى الاحتجاج بقوله لِأَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَدْ ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ كَآيَةِ الْمُبَاهَلَةِ وَخَصَّ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً علیهما السلام بِقَوْلِهِ اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وكَمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهُ صلی الله علیه وسلم أَدْخَلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً علیهما السلام فِي كِسَائِهِ وَقَالَ اللهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي أَوْ أَهْلُ بَيْتِي فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأَنَا مِنْكُمْ قَالَ أَنْتِ بِخَيْرٍ أَوْ عَلَى خَيْرٍ كما يأتي في موضعه وإنما ذكرنا ما قاله ابن دريد من قبل (ومن شعر ابن دريد) :

شعر

إن النبي محمدا ووصيه

وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء فإنني بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخرة

وأرى محبة من يقول بفضلهم

سببا يجير من السبيل الجابرة

أرجو بذاك رضا المهيمن وحده

يوم الوقوف على ظهور الساهرة

قال الساهرة أرض القيامة.

وآل مرامر أول من وضع الكتابة بالعربية وأصلهم من الأنبار والحيرة فقد أمللت آل الله وآل محمد وآل القرآن وآل السراب والآل الشخص وآل أعوج فرسا وآل جبلا وآل يس وآل حم وآل زيد نفسه وآل فرعون آل دينه وآل مرامر والآل الروح والآل الحزانة والخاصة والآل قرابة والآل كل تقي والأل جمع ألة وهي خشبة والأل حربة يصاد بها السمك

فأما الأهل فأهل الله أهل القرآن وأهل البيت وعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهما السلام على ما فسرته أم سلمة وذلك أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً إِذْ أَتَتْهُ فَاطِمَةُ علیهما السلام بِبُرْمَةٍ فِيهَا عَصِيدَةٌ (١) فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَيْنَ عَلِيٌّ وَابْنَاهُ قَالَتْ فِي الْبَيْتِ قَالَ ادْعِيهِم لِي فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفَاطِمَةُ أَمَامَهُ فَلَمَّا بَصُرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم تَنَاوَلَ كِسَاءً كَانَ عَلَى الْمَنَامَةِ

________________

(١) البرمة : القدر مطلقا وهي في الاصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن والعصيدة : غذاء من الدقيق يلت باسمن وبطبخ.

٤٥

خَيْبَرِيّاً فَجَلَّلَ بِهِ (١) نَفْسَهُ وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ قَالَ اللهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ) الْآيَةَ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ قَالَ صلی الله علیه وسلم إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ أَوْ إِلَى خَيْرٍ وَمِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رض عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رض قَالَتْ بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي بَيْتِي يَوْماً إِذْ قَالَتِ الْخَادِمُ إِنَّ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِالسُّدَّةِ (٢) قَالَتْ فَقَالَ لِي قُومِي فَتَنَحَّيْ لِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِي قَالَتْ فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ مِنَ الْبَيْتِ قَرِيباً فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهما السلام وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ فَوَضَعَهُمَا فِي حَجْرِهِ فَقَبَّلَهُمَا قَالَتْ وَاعْتَنَقَ عَلِيّاً بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَفَاطِمَةَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ وَقَبَّلَ عَلِيّاً فأعذف [فَأَعْدَفَ] عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ (٣) فَقَالَ اللهُمَّ إِلَيْكَ لَا إِلَى النَّارِ أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي قَالَتْ وَقُلْتُ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ وَأَنْتِ.

فإن سأل سائل فقال إنما أنزلت هذه في أزواج النبي صلی الله علیه وسلم لأن قبلها يا نِساءَ النَّبِيِ.

فقل ذلك غلط رواية ودراية أما الرواية فحديث أم سلمة وفي بيتها نزلت هذه الآية وأما الدراية فلو كان في نساء النبي لقيل ليذهب عنكن الرجس ويطهركن فلما نزلت في أهل بيت النبي صلی الله علیه وسلم جاء على التذكير لأنهما متى اجتمعا غلب التذكير وأهل الكتاب اليهود والنصارى وأما قوله تعالى (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٤) فشكرا ينتصب على المصدر تقديره اشكروني بطاعتكم شكرا فصلاة العبد وصومه وصدقته شكر لله وأفضل الشكر الحمد لله فإنه

________________

(١) جلل بالشىء اى عطى به.

(٢) السدة : باب الدار. ماحول الدار من الرواق.

(٣) قال ابن الأثير في النهاية في الحديث انه اعذف على على وفاطمة ستراً اى ارسله واسبله. والخميصة : ثوب خز اوصوف معلم.

(٤) سبأ : ١٣.

٤٦

يعني ما وهب لهم من النبوة والملك العظيم فقد كان يحرس داود في كل ليلة ثلاثون ألفا وألان الله له الحديد ورزقه حسن الصوت بالقراءة وآتاه (الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قيل فصل الخطاب كلمة أما بعد (١) والجبال يسبحن معه والطير وأعطى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وسخرت له الريح والجن وعلم منطق الطير

فصل

في ذكر ما ورد فيما قدمناه من الآثار عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ آبَائِهِ علیهما السلام عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَأُمِرْنَا بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَلَا نُنْزِي حِمَاراً عَلَى عَتِيقَةٍ (٢) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَنْ أَبْغَضَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَهُوَ مُنَافِقٌ حَدَّثَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي مُجَمِّعٌ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلْتُهَا عَنْ مَسِيرِهَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَقَالَتْ كَانَ قَدَراً مِنَ اللهِ فَسَأَلْتُهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فَقَالَتْ تَسْأَلُنِي عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ كَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَزَوْجِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلِيّاً وَحَسَناً وَحُسَيْناً وَجَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ فَقَالَ اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا مِنْ أَهْلِكَ فَقَالَ تَنَحَّيْ وَإِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ ففي هذا الحديث وحديث أم سلمة بيان الآل والأهل

________________

(١) وقيل انه «البينة على الطالب واليمين على المطلوب ، وقيل الغهم في الحكومات والفصل في الخصومات وقيل غير ذلك.

(٢) قال الجزري في النهاية وفي حديث على : امرنا ان لا ننزى الحمر على الخيل اى نحملها عليها للنسل والعتيقة مؤنث العتيق : الفرس الرائع وحكى عن الخطابي انه قال يشبه ان يكون المعنى فيه والله اعلم : ان الحمر اذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع ناؤها وتعطلت منافعها والخيل يحتاج اليها للركوب والركض والطلب والجهاد واحراز الغنائم ولحمها مأكول وغير ذلك من المنافع ، وليس شيء من هذه فاحب ان يكثر نسلها ليكثر الانتفاع بها.

٤٧

وأنه لو كان عاما لأمكن عائشة وأم سلمة أن تقولا نحن من أهله ولما قالتا ذلك لم يرد عليهما ولكان لا يرد أبا بكر لما توجه ببراءة ولما رجع وقال له لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني أو من أهلي أمكنه أن يقول أنا منك أو من أهلك فظهر بهذه الأمور أن لآل علي علیهما السلام خصوصية ليست لغيرهم وهذا بين واضح.

وَحَدَّثَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَالَ أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ حَتَّى إِذَا نَزَلَ بِغَدِيرِ الْجُحْفَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَامَ بِالدَّوْحَاتِ فَقُمَّ مَا تَحْتَهُنَّ مِنْ شَوْكٍ (١) وَنَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحُرِّ وَإِنَّ مِنَّا مَنْ يَضَعُ بَعْضَ رِدَائِهِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضَاءِ (٢) حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَصَلَّى بِنَا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا الَّذِي لَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَّ وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَى وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ مِنَ الْعُمُرِ إِلَّا نِصْفُ عُمُرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ فَإِنَّ عِيسَى لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَلَا وَإِنِّي قَدْ أَشْرَعْتُ فِي الْعِشْرِينَ (٣) أَلَا وَإِنِّي أَوْشَكَ أَنْ أُفَارِقَكُمْ (٤) وَإِنِّي مَسْئُولٌ وَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ هَلْ بَلَّغْتُ فِيمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فَقَامَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مُجِيبٌ يَقُولُونَ نَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاتِهِ وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِهِ وَصَدَعْتَ

________________

(١) الدوحات جيع الدوحة : الشجرة العطيمة وقم البيت : كنسه والكنس التنظيف.

(٢) الرمضاء : هي الارض تشتد وقع الشمس عليها وقد رمض يومنا يرمض : اشتدحرة.

(٣) قال ابن قالويه هذه اللفظة ما سمعت الامن رسول الله (صلی الله علیه وسلم) وسئل أعرابي : كم سنوك؟ فقال : قد ارميت على الخمسين وأناف أبي على الستين ودرف جدى على السبعين وأربى ابو حدى على الثمانين وظلف أبو ه على التسعين (كذا في هامش المطبوع).

(٤) اسى اسرع

٤٨

بِأَمْرِهِ وَعَبَدْتَهُ حَتَّى أَتَاكَ الْيَقِينُ فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرَ مَا جَازَى نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ قَالَ أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَالْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ قَدْ صَدَّقْتُمْ ثُمَّ صَدَقْتُمْ أَلَا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَأَنْتُمْ مَعِي تُوشِكُونَ أَنْ تَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ (١) فَأَسْأَلُكُمْ حِينَ تَلْقَوْنِي عَنْ ثَقَلَيَّ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِي فِيهِمَا قَالَ فَعِيلَ عَلَيْنَا (٢) فَلَمْ نَدْرِ مَا الثَّقَلَانِ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا الثَّقَلَانِ قَالَ الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَا تَزِلُّوا وَلَا تَضِلُّوا وَالْأَصْغَرُ مِنْهُمَا عِتْرَتِي لَا تَقْتُلُوهُمْ وَلَا تَقْهَرُوهُمْ فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَعْطَانِي فَقَاهِرُهُمَا قَاهِرِي وَخَاذِلُهُمَا خَاذِلِي وَوَلِيُّهُمَا وَلِيِّي وَعَدَوُّهُمَا عَدُوِّي ثُمَّ أَعَادَ أَلَا وَإِنَّهُ لَمْ تَهْلِكْ أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ حَتَّى تَدِينَ بِأَهْوَائِهَا وَتُظَاهِرَ عَلَى نَبِيِّهَا (٣) وَتَقْتُلَ مَنْ قَامَ بِالْقِسْطِ فِيهِمَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَهَا ثُمَّ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (٤) اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.

وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ قَالَ لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حِجَّةَ الْوَدَاعِ قَامَ بِغَدِيرِ خُمٍّ عِنْدَ الْهَاجِرَةِ (٥) وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي مَسْئُولٌ وَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَنَصَحْتَ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ قَالَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُهُ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ مِثْلَ مَا شَهِدْتُمْ

________________

(١) قال الجزري : في الحديث انا فرطكم على الحوض اى منقد مكم اليه يقال فرط يفرط وفرط اذا تقدم وسبق القوم ليوتاد لهم الماء ويهييء لهم الدلاءو الارشية.

(٢) عيل علينا اى اعجزنا.

(٣) وفي بعض النسخ «نبوتها» بدل «نبيها».

(٤) وفي نسخة «وليه» بدل «مولاه» في الموضعين.

(٥) الهاجرة : شدة الحر.

٤٩

فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي ـ كِتَابَ اللهِ وَأَهْلَ بَيْتِي أَلَا وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ حَوْضٌ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ (١) فِيهِ مِنَ الْآنِيَةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ سَائِلُكُمْ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِي فِي كِتَابِهِ وَفِي أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّابِعَةِ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَقَالَ اللهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ

أقول : لو تدبر متدبر هذا الكلام ومقاصده وأطرح الهواء جانبا وقدم الإنصاف أمامه لاتضح له أن هذا نص جلي على علي بالإمامة وإقامة للحجة على من نابذه ونازعه الأمر وكم له صلی الله علیه وسلم من الحجج الدالة والبراهين الظاهرة أذكر ما يتفق منها عند ذكر ترجمته فأما هنا فقصدي مصروف إلى إيراد ما جاء في الآل والأهل والعترة على سبيل الإجمال وقال في ذلك الكميت :

شعر

ويوم الدوح يوم غدير خم (٢)

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطرا أضيعا

فلم أبلغ بهم لعنا ولكن

أساء بذاك أولهم صنيعا

فصار لذاك أقربهم لعدل

إلى جور وأحفظهم مضيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلوا

وأقومهم لدى الحدثان ريعا (٣)

تناسوا حقه وبغوا عليه

بلا ترة وكان لهم قريعا (٤)

________________

(١) اى من حيث السعة.

(٢) وفي بعض النسخ «دوح غدير خم».

(٣) الريع الطريق. المكان المرتفع.

(٤) ترة ـ كعدة ـ : الانتقام والظلم. والقريع : السيد يقال فلان قريع دهرهلى المختار من أهل عصره. وهو قريع الكتيبة اى رئيسها.

٥٠

فقل لبني أمية حيث حلوا

وإن خفت المهند والقطيعا (١)

أجاع الله من أشبعتموه

وأشبع من بجودكم أجيعا

بمرضي السياسة هاشمي

يكون حيا لأمته ربيعا

وليثا في المشاهد غير نكس (٢)

لتقويم البرية مستطيعا

يقوم أمرها ويذب عنها

ويترك جدبها أبدا مريعا (٣)

وَقَالَ صلی الله علیه وسلم مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زُخَّ فِي النَّارِ (٤).

وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ علیهما السلام قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ كُلَّ صَمْتٍ لَيْسَ فِيهِ فِكْرٌ فَهُوَ عِيٌّ وَكُلُّ كَلَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ فَهُوَ هَبَاءٌ.

[الْهَبَاءُ الَّذِي تَرَاهُ مُنْبَثّاً فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ إِذَا دَخَلَ فِي الْبَيْتِ وَدِقَاقُ التُّرَابِ أَيْضاً هَبَاءٌ يُقَالُ لَهُ إِذَا ارْتَفَعَ هَبَا يَهْبُو هُبُوّاً] أَلَا إِنَّ اللهَ ذَكَرَ أَقْوَاماً بِآبَائِهِمْ فَحَفِظَ الْأَبْنَاءَ بِالْآبَاءِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) (٥) وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ علیهما السلام كَانَ الْعَاشِرَ مِنْ وُلْدِهِ وَنَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَاحْفَظُونَا لِرَسُولِ اللهِ قَالَ فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْكُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ بِأُذُنَيَّ وَإِلَّا صَمَّتَا ـ : (٦) أَنَا شَجَرَةٌ وَفَاطِمَةُ حَمْلُهَا وَعَلِيٌّ لِقَاحُهَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ثَمَرُهَا (٧) وَمُحِبُّونَا أَهْلَ الْبَيْتِ

________________

(١) المهند : السيف المطبوع من حديد الهند.

(٢) نكس الرجل : ضعف وعجز.

(٣) الجدب : المحل وهو انقطاع المطر ويبس الارض. الريع ضد الجدب.

(٤) قال في النهاية : في الحديث مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلف عنها زخ في النار اى دفع ورمى.

(٥) الكهف : ٨٢.

(٦) اى سمعت باذنى هاتين والاصمتا.

(٧) وفي نسخة «ثمارها».

٥١

وَرَقُهَا فِي الْجَنَّةِ حَقّاً حَقّاً وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَيْضاً صَاحِبُ كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِي قَدْ أَحَبَّهُمُ اللهُ وَأَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَالْمَهْدِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمُ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ع. قَالَ عُمَرُ بْنُ سَاكِنٍ سَمِعْتُ ثَابِتاً الْبُنَانِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قَالَ إِلَى وَلَايَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ ع.

وَقَالَ صلی الله علیه وسلم أَرْبَعَةٌ أَنَا لَهُمْ شَفِيعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُكْرِمُ لِذُرِّيَّتِي وَالْقَاضِي حَوَائِجَهُمْ وَالسَّاعِي لَهُمْ فِي أُمُورِهِمْ عِنْدَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَالْمُحِبُّ لَهُمْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ (١).

وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ تَأْلِيفِ شِيرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أَوَّلُ مَنْ أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُمَّتِي أَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَالنَّاسُ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّى ، وإنما ذكرت هذا الحديث هنا لأنه بمعنى ما تقدم من تخصيص الأهل والآل لقرابته الأدنين صلی الله علیه وسلم

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْهُ صلی الله علیه وسلم إِنَّا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَهْدِيُ وَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنَّا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَادَاتُ النَّاسِ.

[وبني منصوب على المدح كما قال إنا بني نهشل ونحن بني ضبة في أمثال ذلك كثير] وإنما خصهم بالذكر دون باقي الأئمة لأنه هو صلی الله علیه وسلم لا يحتاج في إثبات سيادته إلى دليل لأنه سيد ولد آدم.

وأما الباقون عدا المهدي فإنهم رزقوا الشهادة فلهم مزية على غيرهم وأما المهدي علیهما السلام فصاحب دولة جديدة وسعادة مستأنفة يعيد الله به دينه ويعز

________________

(١) وفى بعض النسخ «بيده ولسانه».

٥٢

بإقامة دعوته سلطانه ويشيد بعز نصره برهانه ويرفع بإيالته مناره فلا عجب إذا ساد الناس وخص بالذكر ونبه رسول الله صلی الله علیه وسلم على فضله وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَقَالَ صلی الله علیه وسلم إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَذْهَبَ اللهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَالْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ يَوْماً خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ خَمْسٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ لَمْ يُعْذَرْ عَنْ تَرْكِ عَمَلِ الْآخِرَةِ زَوْجَةٌ صَالِحَةٌ وَبَنُونَ أَبْرَارٌ وَحُسْنُ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَمَعِيشَةٌ فِي بَلَدِهِ وَحُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ع.

أُمُّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم عَلِيٌّ وَشِيعَتُهُ هُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وقيل في العترة زيادة على ما ذكرنا ما نقلته من مطالب السئول في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة وكان شيخا مشهورا وفاضلا مذكورا أظنه مات ره في سنة أربع وخمسين وستمائة وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة وكان شافعي المذهب من أعيانهم ورؤسائهم قال العترة هي العشيرة وقيل هي الذرية وقد وجد الأمران فيهم علیهما السلام فإنهم عشيرته وذريته أما العترة فهم الأهل الأدنون وهم كذلك وأما الذرية فإن أولاد بنت الرجل ذريته ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١) فجعل عيسى من ذرية إبراهيم علیهما السلام ولم يتصل به إلا من جهة مريم ع.

أقول : مشيدا لما قاله الشيخ كمال الدين وذلك بِمَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ فِي صُلْبِهِ وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ ذُرِّيَّتِي فِي صُلْبِ عَلِيٍ وَنَقَلْتُ مِمَّا خَرَّجَهُ الْعِزُّ الْمُحَدِّثُ عَنْ

________________

(١) الانعام : ٨٤.

٥٣

عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ كُلِّ قَوْمٍ فَعَصَبَتُهُمْ لِأَبِيهِمْ إِلَّا أَوْلَادُ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا عَصَبَتُهُمْ وَأَنَا أَبُوهُمْ نرجع إلى كلام كمال الدين وأما ذوو القربى فمستنده مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ يَرْفَعُهُ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رض قَالَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللهُ بِمَوَدَّتِهِمْ قَالَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا

في ذكر الإمامة وكونهم خصوا بها وكون عددهم

منحصرا في اثني عشر إماما

قال ابن طلحة وألخص أنا كلامه على عادتي أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم فإنه حصل ذلك بالنص من علي لابنه الحسن علیهما السلام ومنه لأخيه الحسين ومنه لابنه علي علیهما السلام وهلم جرا إلى الخلف الحجة علیهما السلام كما سيأتي.

وأما انحصارهم في هذا العدد المخصوص فقد قال العلماء فمنهم من طول فأفرط إفراط المليم ومنهم من قلل فقصر فزال عن السنن القويم وكل واحد من ذوي الإفراط والتفريط قد اعتلق بطرف ذميم والهداية إلى الطريقة الوسطى حسنة ولا يلقاها (إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) وها أنا ذاكر في ذلك ما أظنه أحسن نتائج الفطن وأعده من محاسن الأفكار الجارية لاستخراج جواهر الخواطر في سنن السنن والأقدار وإن كانت فاطمة كثيرة من الفطن عن إدراك الحكم في السر والعلن فإنها والدة لقرائح أهل التوفيق والتأييد ومن نتاجها كل حسين وحسن وتلخيص ذلك من وجوه.

الوجه الأول ذكر فيه شيئا مما يتعلق بالحروف والعدد فقال إن الإيمان والإسلام مبني على كلمتي لا إله إلا الله محمد رسول الله وكل واحد من هذين الأصلين اثنا عشر حرفا والإمامة فرع الإيمان فيجب أن يكون القائم بها اثني عشر إماما.

الوجه الثاني أن الله أنزل في كتابه العزيز (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ

________________

(١) الشورى : ٢٣.

٥٤

وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (١) فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر فتكون عدة أئمة القائمين بهذا كذلك وَلَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ قَالَ أَخْرِجُوا لِي مِنْكُمْ (اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) كَنُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فصار ذلك طريقا متبعا وعددا مطلوبا.

الوجه الثالث قال الله تعالى (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) (٢) فجعل الأسباط الهداة إلى الحق بهذه العدة فتكون الأئمة كذلك.

الوجه الرابع أن مصالح العالم في تصرفاتهم لما كانت في حصولها مفتقرة إلى الزمان وكان عبارة عن الليل والنهار وكل واحد منهما حال الاعتدال مركب من اثنتي عشرة ساعة وكانت مصالح العالم مفتقرة إلى الأئمة علیهما السلام وإرشادها فجعلت عدتهم كذلك.

الوجه الخامس قال وهو وجه صباحته واضحة وأنواره لائحة وتقريره أن نور الإمامة يهدي القلوب والعقول إلى سلوك طريق الحق كما يهدي نور الشمس والقمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق ولما كان محل هذين النورين الهاديين للأبصار البروج الاثنا عشر فمحل النور الثاني الهادي للبصائر وهو نور الإمامة الأئمة الاثني عشر.

تنبيه وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِ أَنَّ الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُوتِ وفي هذا إشارة لطيفة وحكمة شريفة وهو أن آخر محل ذلك النور الحوت وهو آخر البروج وهو حامل لأثقال الوجود فآخر محال النور الثاني عشر وهو نور الإمامة حامل أثقال مصالح أديانهم وهو المهدي ع.

الوجه السادس وهو من جميع الوجوه أولاها مساقا وأجلاها إشراقا وأحلاها مذاقا وأعلاها في ذرى الحكم طباقا وتقريره أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم قَالَ الْأَئِمَّةَ مِنْ

________________

(١) المائدة : ١٢.

(٢) الاعراف : ١٦٠.

٥٥

قُرَيْشٍ فحصرها فيهم فلا تكون في غيرهم وَقَالَ صلی الله علیه وسلم قَدِّمُوا قُرَيْشاً وَلَا تَتَقَدَّمُوهَا وقال النسابون كل من ولده النضر بن كنانة قرشي وبين النضر وبين النبي صلی الله علیه وسلم اثنا عشر أبا فإذا جعلنا النبي صلی الله علیه وسلم مركزا كان متصاعدا في درجة الآباء إلى النضر ومنحدرا في الأبناء إلى المهدي علیهما السلام لما ثبت من أن الخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط متساوية فانظر بعين الاعتبار إلى أدوار الأقدار كيف جرت بإظهار هذه الأسرار من حجب الأستار بأنوار مشكاة الأفكار وفي هذا المقدار غنية وبلاغ لذوي الاستبصار هذا آخر كلام كمال الدين ملخصا.

وأنا أقول إن الذي ذكره لا يكون دليلا يعول عليه في إثبات المطلوب ولا حجة يستند إليها ممن يريد إظهار الحق من أستار الغيوب ولا يدفع نزاع من جرى في الخلاف والشقاق على أسلوب فإنه مستند إلى استخراج ما في القرائح والأذهان ومعول فيه على مطابقة عدد لعدد وأين ذلك والبرهان فإنه لو قال قائل إن كل واحد من السماء والأرض والنجوم المتحيرة والأيام والبحار والأقاليم سبعة سبعة فيجب أن يكون الأئمة سبعة لم يكن القائل الأول أولى أن نسلم إليه ونصدقه من الثاني ولكن الاعتماد في أمثال هذه الأمور على النقل إما عن النبي أو عن الأئمة علیهما السلام فإن العقل وإن اقتضى أنه لا بد من قائم بأمور الناس ومصالحهم هاد لهم إلى طرق الخيرات مهتم بإقامة الحدود واستيفاء الأموال وتفريقها في وجوهها حافظ لنظام العالم إلى غير ذلك من المصالح فإنه لا يقتضي تعيين عدة معلومة ولا انحصارها في عدد دون عدد وإنما يعرف ذلك بصريح النقل أو بتأويل إن وقع ما يحتاج إلى التأويل.

والذي عندي في ذلك مَا نَقَلْتُهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ جَمَعَ الْحَافِظُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَمِيدِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ يَكُونُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ لِي أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ كَذَا فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِياً مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ

٥٦

عَلَيَّ فَسَأَلْتُ أَبِي مَا ذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَكَتَبَ إِلَيَّ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَمَعِي أَبِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزاً مَنِيعاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فَقَالَ كَلِمَةً فَقُلْتُ لِأَبِي مَا قَالَ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَمِثْلُهُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ فَقُلْتُ لِأَبِي مَا قَالَ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَفِي حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْهُ علیهما السلام لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَنَقَلْتُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ جُلُوساً فِي الْمَسْجِدِ يُقْرِئُنَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ هَلْ حَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةً قَالَ نَعَمْ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَقَلْتُهُ مِنَ الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ونحن نطالبهم بعد نقل هذه الأخبار بتعيين هؤلاء الاثني عشر فلا بد لهم من أحد أمرين إما تعيين هذه العدة في غير الأئمة الاثني عشر علیهما السلام ولا يمكنهم ذلك لأن ولاة هذا الأمر من الصحابة وبني أمية وبني العباس يزيدون على الخمسين وإما أن يقروا ويسلموا أن الأخبار الواردة في هذا الكتاب واهية ضعيفة غير مصححة ولا يحل أن يعتمد عليها فنحن نرضى منهم بذلك ونشكرهم عليه لما يترتب لنا عليه من المصالح الغزيرة والفوائد الكثيرة أو يلتزموا بالقسم الثالث وهو الإقرار بالأئمة الاثني عشر لانحصار ذلك في هذه الأقسام وهذا الإلزام يلزم الزيدية كما يلزمهم وهذا إلزام لا محيص لهم عنه متى استعملوا الإنصاف وسلكوا

٥٧

طريق الحق وعدلوا عن سنن المكابرة والمباهتة وتركوا بنيات الطريق (١) وقد خلصنا نحن من هذه العهدة فإن الأئمة الاثني عشر علیهما السلام قد تعينوا عندنا بنصوص واضحة جلية لا شك فيها ولا لبس ولم نحتج في الإقرار بهم علیهما السلام والاعتراف بإمامتهم إلى استنباط ذلك من كتبهم وإنما أوردنا من ذلك ما أوردناه ليكون حجة عليهم ولا يقدح في مرادنا كونهم علیهما السلام منعوا الخلافة وعزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له واستبد به دونهم إذ لم يقدح في نبوة الأنبياء علیهما السلام تكذيب من كذبهم ولا وقع الشك فيهم لانحراف من انحرف عنهم ولا شوه وجوه محاسنهم تقبيح من قبحها ولا نقص شرفهم خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة وجاهرهم بالعصيان وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام وَمَا عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ غَضَاضَةٍ (٢) فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَلَا مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ صِفِّينَ ـ وَاللهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُونَا سَعَفَاتِ هَجَرَ (٣) لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وهذا واضح لمن تأمله.

فأما النص فكما قال الشيخ كمال الدين وهو أن النبي صلی الله علیه وسلم نصها في علي علیهما السلام كما سنذكره في بابه عند وصولنا إليه من طرقنا وطرقهم وأما العدة وتعيينها فإن صدقهم علیهما السلام وعصمتهم ثابتة في كتب أصولنا وهم أخبرونا بولاية كل واحد واحد منهم علیهما السلام وأخبرونا بالإمام الثاني عشر واسمه وصفته واسم أبيه وحال غيبته وأمر ظهوره وصح ذلك عندنا وثبت ثبوتا لم نحتج معه إلى غيرنا وإنما نذكر ذلك من أقوالهم ليكون حجة عليهم وبسط هذا القول ومفصل هذه الجملة يرد في أخبار مولانا الخلف الصالح صاحب الأمر صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين

________________

(١) بنيات الطريق ـ بضم الموحدة وفتح النون الياء المشددة ـ الطرق الصغيرة المتشبه من الجادة.

(٢) الغضاضة : الدلة والمنقصة.

(٣) السعفات جمع السعفة بالتحريك : أغصان النخيل وهجر : اسم لجميع ارض بحرين قيل وانما خص هجر للمباعدة في المسافة ولانها موصوفة بكثره النخيل.

٥٨

ذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه أفضل السلام

وُلِدَ علیهما السلام بِمَكَّةَ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ ـ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ اللهِ الْأَصَمِّ رَجَبٍ بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يُولَدْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ سَوَاءٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ فَضِيلَةٌ خَصَّهُ اللهُ بِهَا إِجْلَالاً لَهُ وَإِعْلَاءً لِرُتْبَتِهِ وَإِظْهَاراً لِتَكْرِمَتِهِ.

وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ رَبَّتْهُ فِي حَجْرِهَا وَكَانَتْ مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَى الْإِيمَانِ وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَفَنَهَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم بِقَمِيصِهِ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْهَا هَوَامَّ الْأَرْضِ وَتَوَسَّدَ فِي قَبْرِهَا لِتَأْمَنَ بِذَلِكَ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ وَلَقَّنَهَا الْإِقْرَارَ بِوَلَايَةِ ابْنِهَا كَمَا اشْتَهَرَتِ الرِّوَايَةُ.

وَكَانَ علیهما السلام هَاشِمِيّاً مِنْ هَاشِمِيَّيْنِ وَأَوَّلُ مَنْ وُلِدَهُ هَاشِمٌ مَرَّتَيْنِ (١) وَقِيلَ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَالْأَوَّلُ عِنْدَنَا أَصَحُّ.

خَبَرٌ مِنْ مَنَاقِبِ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ مَرْفُوعٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ علیهما السلام قَالَ كُنَّا زُوَّارَ الْحُسَيْنِ علیهما السلام وَهُنَاكَ نِسْوَانٌ كَثِيرَةٌ إِذْ أَقْبَلَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ فَقُلْتُ مَنْ أَنْتِ رَحِمَكِ اللهُ قَالَتْ أَنَا زُبْدَةُ ابْنَةُ الْعَجْلَانِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ فَقُلْتُ لَهَا هَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ تُحَدِّثِينَا بِهِ قَالَتْ إِي وَاللهِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ عُبَادَةَ بْنِ فَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فِي نِسَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو طَالِبٍ كَئِيباً حَزِيناً فَقُلْتُ مَا شَأْنُكَ قَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ فِي شِدَّةٍ مِنَ الْمَخَاضِ وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَجَاءَ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ اجْلِسِي عَلَى اسْمِ اللهِ فَطُلِقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً (٢) فَوَلَدَتْ غُلَاماً مَسْرُوراً نَظِيفاً مُنَظَّفاً لَمْ أَرَ كَحُسْنِ وَجْهِهِ فَسَمَّاهُ عَلِيّاً وَحَمَلَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى مَنْزِلِهَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ علیهما السلام فَوَ اللهِ مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ.

________________

(١) اى من قبل الاب والام فمن الاب فهو على بن ابيطالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد المناف ، ومن قبل الام فهى فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد المناف.

(٢) طلقت المرأة في المخاض بالبناء للمفعول : اصابها وجع الولادة.

٥٩

وَمِنْ بَشَائِرِ الْمُصْطَفَى مَرْفُوعٌ إِلَى يَزِيدَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَفَرِيقٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى بِإِزَاءِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ إِذْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَكَانَتْ حَامِلاً بِهِ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَقَالَتْ يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنَةٌ بِكَ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ مِنْ رُسُلٍ وَكُتُبٍ وَإِنِّي مُصَدِّقَةٌ بِكَلَامِ جَدِّي إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ علیهما السلام وَإِنَّهُ بَنَى الْبَيْتَ الْعَتِيقَ فَبِحَقِّ الَّذِي بَنَى هَذَا الْبَيْتَ وَالْمَوْلُودِ الَّذِي فِي بَطْنِي إِلَّا مَا يَسَّرْتَ عَلَيَّ وِلَادَتِي قَالَ يَزِيدُ بْنُ قَعْنَبٍ فَرَأَيْتُ الْبَيْتَ قَدِ انْشَقَّ عَنْ ظَهْرِهِ وَدَخَلَتْ فَاطِمَةُ فِيهِ وَغَابَتْ عَنْ أَبْصَارِنَا وَعَادَ إِلَى حَالِهِ فَرُمْنَا أَنْ يَنْفَتِحَ لَنَا قُفْلُ الْبَابِ فَلَمْ يَنْفَتِحْ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى ثُمَّ خَرَجَتْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَعَلَى يَدِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام ثُمَّ قَالَتْ إِنِّي فُضِّلْتُ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَنِي مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّ آسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ عَبَدَتِ اللهَ سِرّاً فِي مَوْضِعٍ لَا يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُعْبَدَ فِيهِ إِلَّا اضْطِرَاراً وَأَنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ هَزَّتِ النَّخْلَةَ الْيَابِسَةَ (١) بِيَدِهَا حَتَّى أَكَلَتْ مِنْهَا رُطَباً جَنِيًّا (٢) وَإِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَ اللهِ الْحَرَامَ فَأَكَلْتُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَرْزَاقِهَا فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ هَتَفَ بِي هَاتِفٌ وَقَالَ يَا فَاطِمَةُ سَمِيِّهِ عَلِيّاً فَهُوَ عَلِيٌّ وَاللهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى يَقُولُ اشْتَقَقْتُ اسْمَهُ مِنِ اسْمِي وَأَدَّبْتُهُ بِأَدَبِي وَأَوْقَفْتُهُ عَلَى غَامِضِ عِلْمِي وَهُوَ الَّذِي يَكْسِرُ الْأَصْنَامَ فِي بَيْتِي وَهُوَ الَّذِي يُؤَذِّنُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي وَيُقَدِّسُنِي وَيُمَجِّدُنِي فَطُوبَى لِمَنْ أَحَبَّهُ وَأَطَاعَهُ وَوَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَهُ وَعَصَاهُ قَالَتْ فَوَلَدْتُ عَلِيّاً وَلِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثَلَاثُونَ سَنَةً فَأَحَبَّهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حُبّاً شَدِيداً وَقَالَ لَهَا اجْعَلِي مَهْدَهُ بِقُرْبِ فِرَاشِي وَكَانَ صلی الله علیه وسلم يَلِي أَكْثَرَ تَرْبِيَتِهِ وَكَانَ يُطَهِّرُ عَلِيّاً فِي وَقْتِ غُسْلِهِ وَيُوجِرُهُ اللَّبَنَ عِنْدَ شُرْبِهِ (٣) وَيُحَرِّكُ مَهْدَهُ عِنْدَ نَوْمِهِ وَيُنَاغِيهِ فِي يَقْظَتِهِ (٤) وَيَحْمِلُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَرَقَبَتِهِ ـ : وَيَقُولُ هَذَا أَخِي وَوَلِيِّي وَنَاصِرِي وَصَفِيِّي وَذُخْرِي وَكَهْفِي (٥) وَصَهْرِي وَوَصِيِّي وَزَوْجُ كَرِيمَتِي وَأَمِينِي عَلَى

________________

(١) هز الشى : حركه.

(٢) الجنى على وزن فعيل : ما يجنى طريا.

(٣) اى بجمله في فيه عند الشرب.

(٤) اى لاطفه وشاغله بالمحادثة والملاعبة.

(٥) الكهف : الملجأ والملاذ.

٦٠