كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

الْحَسَنُ يُقَبِّلُهَا مَرَّةً وَيَقُولُ يَا أُمَّاهْ كَلِّمِينِي قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَ رُوحِي بَدَنِي قَالَ وَأَقْبَلَ الْحُسَيْنُ يُقَبِّلُ رِجْلَهَا وَيَقُولُ يَا أُمَّاهْ أَنَا ابْنُكِ الْحُسَيْنُ كَلِّمِينِي قَبْلَ أَنْ يَنْصَدِعَ قَلْبِي (١) فَأَمُوتَ قَالَتْ لَهُمَا أَسْمَاءُ يَا ابْنَيْ رَسُولِ اللهِ انْطَلِقَا إِلَى أَبِيكُمَا عَلِيٍّ فَأَخْبِرَاهُ بِمَوْتِ أُمِّكُمَا فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا كَانَا قُرْبَ الْمَسْجِدِ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا بِالْبُكَاءِ فَابْتَدَرَهُمْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ فَقَالُوا مَا يُبْكِيكُمَا يَا ابْنَيْ رَسُولِ اللهِ لَا أَبْكَى اللهُ أَعْيُنَكُمَا لَعَلَّكُمَا نَظَرْتُمَا إِلَى مَوْقِفِ جَدِّكُمَا صلی الله علیه وسلم فَبَكَيْتُمَا شَوْقاً إِلَيْهِ فَقَالا لَا أَوَلَيْسَ قَدْ مَاتَتْ أُمُّنَا فَاطِمَةُ صلی الله علیه وسلم قَالَ فَوَقَعَ عَلِيٌّ عَلَى وَجْهِهِ يَقُولُ بِمَنِ الْعَزَاءُ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ كُنْتُ بِكِ أَتَعَزَّى فَفِيمَ الْعَزَاءُ مِنْ بَعْدِكِ ثُمَّ قَالَ :

لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ

وَكُلٌّ الَّذِي دُونَ الْفِرَاقِ قَلِيلٌ

وَإِنَّ افْتِقَادِي فَاطِمَا بَعْدَ أَحْمَدَ

دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَدُومَ خَلِيلٌ

ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ يَا أَسْمَاءُ غَسِّلِيهَا وَحَنِّطِيهَا وَكَفِّنِيها قَالَ فَغَسَّلُوهَا وَكَفَّنُوهَا وَحَنَّطُوهَا وَصَلَّوْا عَلَيْهَا لَيْلاً وَدَفَنُوهَا بِالْبَقِيعِ وَمَاتَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ.

قال ابن بابويه رحمه‌الله جاء هذا الخبر هكذا والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت في المسجد.

قلت الظاهر المشهور مما نقله الناس وأرباب التواريخ والسير أنها علیهما السلام دفنت بالبقيع كما تقدم.

وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى سَلْمَى أُمِّ بَنِي رَافِعٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وسلم وَعَلَيْهَا فِي شَكْوَاهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهِيَ أَخَفُّ مَا نَرَاهَا فَغَدَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام فِي حَاجَةٍ وَهُوَ يَرَى يَوْمَئِذٍ أَنَّهَا أَمْثَلُ مَا كَانَتْ فَقَالَتْ يَا أَمَةَ اللهِ اسْكُبِي لِي غَسْلاً فَفَعَلْتُ فَاغْتَسَلَتْ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتُهَا اغْتَسَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ لِي أَعْطِينِي ثِيَابِيَ الْجُدُدَ فَأَعْطَيْتُهَا فَلَبِسَتْ ثُمَّ قَالَتْ ضَعِي فِرَاشِي وَاسْتَقْبِلِينِي ثُمَّ قَالَتْ إِنِّي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ نَفْسِي فَلَا أُكْشَفَنَّ إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ ثُمَّ تَوَسَّدَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ فَقَضَتْ فَجَاءَ عَلِيٌّ علیهما السلام وَنَحْنُ نَصِيحُ فَسَأَلَ عَنْهَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ إِذًا وَاللهِ لَا تُكْشَفُ فَاحْتُمِلَتْ

________________

(١) انصدع : انشق.

٥٠١

فِي ثِيَابِهَا فَغُيِّبَتْ.

أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ بَابَوَيْهِ كَمَا تَرَى.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُمِّ سَلْمَى قَالَتْ اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ علیهما السلام شَكْوَاهَا الَّتِي قُبِضَتْ فِيهَا فَكُنْتُ أُمَرِّضُهَا فَأَصْبَحَتْ يَوْماً كَأَمْثَلِ مَا رَأَيْتُهَا فِي شَكْوَاهَا ذَلِكَ قَالَتْ وَخَرَجَ عَلِيٌّ علیهما السلام لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَتْ يَا أُمَّاهْ اسْكُبِي لِي غَسْلاً فَسَكَبْتُ لَهَا غَسْلاً فَاغْتَسَلَتْ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّاهْ أَعْطِينِي ثِيَابِيَ الْجُدُدَ فَأَعْطَيْتُهَا فَلَبِسَتْهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّاهْ قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ فَفَعَلْتُ فَاضْطَجَعَتْ وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّاهْ إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَقَدْ تَطَهَّرْتُ فَلَا يَكْشِفْني أَحَدٌ فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا قَالَتْ فَجَاءَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَأَخْبَرْتُهُ.

واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافه عجيب فإن الفقهاء من الطريقين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في مواضع ليس هذا منه فكيف رويا هذا الحديث ولم يعللاه ولا ذكرا فقهه ولا نبها على الجواز ولا المنع ولعل هذا أمر يخصها علیهما السلام وإنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسل زوجته بأن عليا علیهما السلام غسل فاطمة علیهما السلام وهو المشهور.

وَرَوَى ابْنُ بَابَوَيْهِ مَرْفُوعاً إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام أَنَّ عَلِيّاً غَسَّلَ فَاطِمَةَ ع.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام أَنَّهُ صَلَّى عَلَى فَاطِمَةَ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا خَمْساً وَدَفَنَهَا لَيْلاً.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام أَنَّ فَاطِمَةَ علیهما السلام دُفِنَتْ لَيْلاً.

وَنَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ لِلدُّولَابِيِّ فِي وَفَاتِهَا علیهما السلام مَا نَقَلَهُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ لَبِثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَالَ

٥٠٢

الزُّهْرِيُّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (١) وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَمِثْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام خَمْساً وَتِسْعِينَ لَيْلَةً فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي مَعَارِفِهِ مِائَةَ يَوْمٍ.

وَقِيلَ مَاتَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةَ الثَّلَاثَاءِ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوِهَا.

وَقِيلَ دَخَلَ الْعَبَّاسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ علیهما السلام وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ أَيُّنَا أَكْبَرُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وُلِدْتَ يَا عَلِيُّ قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ الْبَيْتَ بِسَنَوَاتٍ وَوُلِدَتِ ابْنَتِي وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْبَيْتَ وَرَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ.

وَرُوِيَ أَنَّهَا أَوْصَتْ عَلِيّاً وَأَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ يُغَسِّلَاهَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرِضَتْ فَاطِمَةُ مَرَضاً شَدِيداً فَقَالَتْ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَلَا تَرَيْنَ إِلَى مَا بَلَغْتُ فَلَا تَحْمِلِينِي عَلَى سَرِيرٍ ظَاهِرٍ فَقَالَتْ لَا لَعَمْرِي وَلَكِنْ أَصْنَعُ نَعْشاً كَمَا رَأَيْتُ يُصْنَعُ بِالْحَبَشَةِ قَالَتْ فَأَرِينِيهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَى جَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَقُطِعَتْ مِنَ الْأَسْوَاقِ ثُمَّ جَعَلَتْ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشاً وَهُوَ أَوَّلُ مَا كَانَ النَّعْشُ فَتَبَسَّمَتْ وَمَا رُئِيَتْ مُتَبَسِّمَةً إِلَّا يَوْمَئِذٍ ثُمَّ حَمَلْنَاهَا فَدَفَنَّاهَا لَيْلاً وَصَلَّى عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ.

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ قَالَتْ لِأَسْمَاءَ إِنِّي قَدِ اسْتَقْبَحْتُ

________________

(١) كتب في هامش نسخة مخطوطة : اعلم أن ابن شهاب والزهري واحد فان وقع من الكاتب فلا بأس ، وان نوهم المصنّف انهما شخصان فيعد من كبوة الجواد وعثرة العباد واللّه الهادي إلى طريق السداد «انتهى».

أقول : قال في تنقيح المقال : ابن شهاب قد مر في ترجمة عبد الرحمن بن أبي ليلى وقوعه في سند رواية الكشّيّ وروايته عن الأعمش وزعم الحائري كونه محمّد بن شهاب الزهري العامي ولم أقف له على شاهد ومحمّد بن شهاب متعدّد جرمي وبارقى وعبدي وكندى فمن اين يتعين الزهري «انتهى» فمن ذلك يعلم عدم اتّحادهما ولو أن اطلاقه على الزهري أكثر من غيره.

٥٠٣

مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ أَنَّهُ يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا لِمَنْ رَأَى فَقَالَتْ أَسْمَاءُ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ أَنَا أُرِيكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ فَدَعَتْ بِجَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فَحَنَّتْهَا (١) ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْباً فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیهما السلام مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ لَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ قَالَ قَالَتْ فَاطِمَةُ فَإِذَا مِتُّ فَغَسِّلِينِي أَنْتِ وَلَا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ أَحَدٌ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ علیهما السلام جَاءَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لِتَدْخُلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ لَا تَدْخُلِي فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَتْ إِنَّ هَذِهِ الْخَثْعَمِيَّةَ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ جَعَلَتْ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ يَا أَسْمَاءُ مَا حَالُكِ عَلَى أَنْ مَنَعْتِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَجَعَلْتِ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسِ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ لِأَبِي بَكْرٍ هِيَ أَمَرَتْنِي أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَأَرَيْتُهَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُ وَهِيَ حَيَّةٌ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَصْنَعَ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ فَانْصَرَفَ وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ وَأَسْمَاءُ

وروى الدولابي حديث الغسل الذي اغتسلته قبل وفاتها وكونها دفنت به ولم تكشف وقد تقدم ذكره.

وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَاتَبَا عَلِيّاً كَوْنَهُ لَمْ يُؤْذِنْهُمَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَاعْتَذَرَ أَنَّهَا أَوْصَتْهُ بِذَلِكَ وَحَلَفَ لَهُمَا فَصَدَّقَاهُ وَعَذَّرَاهُ.

وَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام عِنْدَ دَفْنِ فَاطِمَةَ علیهما السلام كَالْمُنَاجِي بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم عِنْدَ قَبْرِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي (٢) إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ (٣) مَوْضِعُ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتْ

________________

(١) حن الشي ـ بتشديد النون ـ : عطفه.

(٢) قال ابن أبي الحديد قوله عن صفيتك. أجله صلى الله عليه وآله عن أن يقول عن ابنتك فقال : صفيتك وهذا من لطيف عبارته ومحاسن كنايته ، يقول عليه السلام ضعف جلدي وصبري عن فراقها لكنى أتأسي بفراقي فأقول كل عظيم بعد فراقك جلل وكل خطب بعد موتك يسير.

(٣) الفادح : الصعب المثقل.

٥٠٤

الْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ (١) إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ (٢) وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ هَذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَلَمْ يَخْلُقِ الذِّكْرُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ (٣) فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَإِنْ أَقُمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ الحديث ذو شجون أنشدني بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر بن أبي قريعة رحمه‌الله تعالى

يا من يسائل دائبا

عن كل معضلة سخيفة (٤)

لا تكشفن مغطى

فلربما كشفت جيفة

ولرب مستور بدا

كالطبل من تحت القطيفة

إن الجواب لحاضر

لكنني أخفيه خيفة

لو لا اعتداد رعية

ألغى سياستها الخليفة

وسيوف أعداء بها

هاماتنا أبدا نقيفة (٥)

لنشرت من أسرار

آل محمد جملا طريفة

تغنيكم عما رواه

مالك وأبو حنيفة

وأريكم أن الحسين

أصيب في يوم السقيفة

ولأي حال لحدت

بالليل فاطمة الشريفة

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفة

________________

(١) قال المجلسيّ (ره) واستعار لفظ الوديعة والرهينة لتلك النفس الكريمة لان الأزواج كالوديعة والرهن في الأبدان أو لأن النساء كالودائع والرهائن عند الأزواج «انتهى» وقال ابن أبي الحديد كأنّها عليها السلام كانت عنده عوضا من رؤية رسول اللّه كما تكون الرهينة عوضا عن الامر الذي أخذت رهينة عليه والمسهد : القليل النوم.

(٢) أحفاه : حمله على أن يحث عن الخبر.

(٣) القلاء : البغض. السأمة : الملالة :

(٤) دأب في العمل فهو دائب : جد وتعب واستمر عليه.

(٥) الهامات جمع الهامة : الرأس. ونقيفة من نقف هامة الرجل : كسرها عن الدماغ فعيل بمعنى مفعول.

٥٠٥

أوه لبنت محمد

ماتت بغصتها أسيفة

وقد ورد من كلامها علیهما السلام في مرض موتها ما يدل على شدة تألمها وعظم موجدتها وفرط شكايتها ممن ظلمها ومنعها حقها أعرضت عن ذكره وألغيت القول فيه ونكبت عن إيراده لأن غرضي من هذا الكتاب نعت مناقبهم ومزاياهم وتنبيه الغافل من موالاتهم فربما تنبه ووالاهم ووصف ما خصهم الله به من الفضائل التي ليست لأحد سواهم فأما ذكر الغير والبحث عن الشر والخير فليس من غرض هذا الكتاب وهو موكول إلى يوم الحساب و (إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى زِيَادَةٌ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ علیهما السلام عِنْدَ مَوْتِهَا ـ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وَلَا نَبْرَحُ أَوْ يَخْتَارَ اللهُ تَعَالَى لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ سَرْعَانَ مَا فُرِّقَ بَيْنَنَا وَإِلَى اللهِ أَشْكُو وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا حَقَّهَا (١) فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلاً (٢) فَسَتَقُولُ وَيَحْكُمُ اللهُ (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَإِنْ أَقُمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَهُ اللهُ الصَّابِرِينَ فَالصَّبْرُ أَيْمَنُ وَأَجْمَلُ فَبِعَيْنِ اللهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ صَبْراً وَتَهْتَضِمُ حَقَّهَا وَتُمْنَعُ إِرْثَهَا وَلَمْ يَبْعُدِ الْعَهْدُ فَإِلَى اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ الْمُشْتَكَى وَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلَيْهَا مَعَكَ.

وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللهِ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْعَرْشِ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَمُرَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَتَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى.

وَعَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم لِفَاطِمَةَ فِي الْجَنَّةِ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ لَا أَذَى فِيهِ وَلَا نَصَبَ بَيْنَ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام يَقُولُ دَخَلْتُ يَوْماً مَنْزِلِي فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم جَالِسٌ وَالْحَسَنُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْحُسَيْنُ عَنْ يَسَارِهِ وَفَاطِمَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ يَا حَسَنُ وَيَا حُسَيْنُ أَنْتُمَا كِفَّتَا الْمِيزَانِ وَفَاطِمَةُ لِسَانُهُ وَلَا تَعْدِلُ

________________

(١) الهضم : الظلم والغصب.

(٢) الغليل : حرارة الجوف. والاعتلاج : الاضطراب. والبث : النشر.

٥٠٦

الْكِفَّتَانِ إِلَّا بِاللِّسَانِ وَلَا يَقُومُ اللِّسَانُ إِلَّا عَلَى الْكِفَّتَيْنِ أَنْتُمَا الْإِمَامَانِ وَلِأُمِّكُمَا الشَّفَاعَةُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَنْتَ تَوَفَّى الْمُؤْمِنِينَ أُجُورَهُمْ وَتَقْسِمُ الْجَنَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شِيعَتِكَ (١).

فصل

في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة علیهما السلام

حيث ذكرت ما أمكن من مناقب فاطمة علیهما السلام غير مدع الاستقصاء فإن مناقبها تجل عن العد والإحصاء شرعت في ذكر شيء من فضائل أمها علیهما السلام ليعلم أن الشرف قد اكتنفها من جميع أقطارها وأن المجد أوصلها إلى غاية يعجز المجارون عن خوض غمارها ومهما ذكره ذاكر فهو على الحقيقة دون مقدارها.

نَقَلْتُ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَيْرُ نِسَائِهَا (٢) خَدِيجَةُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ.

وَمِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ (٣).

" وَمِنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ عَلِيٌّ علیهما السلام وَقَالَ مَرَّةً أَسْلَمَ وقد تقدم ذكر تقدم إسلامها علیهما السلام وأنها سبقت الناس كافة فلا حاجة إلى إعادة ذلك وهو مشهور.

وَمِنَ الْمُسْنَدِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم قَالَ حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ

________________

(١) وفي نسخة وبين أهلها وهم شيعتك.

(٢) وكأنّ الضمير يرجع إلى الأمة ، يدل عليه سياق الكلام وقد مر الكلام في نظيره في قوله أشقاها في باب قتل أمير المؤمنين عليه السلام فراجع.

(٣) قال الجزريّ الصخب : الضجة واضطراب الأصوات للخصام ومنه حديث خديجة : لا صخب فيه ولا نصب ـ وقال في موضع آخر : النصب : التعب.

٥٠٧

وَمِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ بَشَّرَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.

وَرُوِيَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ علیهما السلام أَتَى النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم فَسَأَلَ عَنْ خَدِيجَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ إِذَا جَاءَتْ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ رَبَّهَا يُقْرِئُهَا السَّلَامَ.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى جَبْرَئِيلُ علیهما السلام النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ مُغَطًّى فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ وقال شريك وقد سئل عن القصب إنه قصب الذهب وقال الجوهري القصب أنابيب من جوهر وذكر الحديث وقال غيره اللؤلؤ وقال صاحب النهاية في غريب الحديث القصب لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف في هذا الحديث والقصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف.

" وَرُوِيَ أَنَّ عَجُوزاً دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فَأَلْطَفَهَا فَلَمَّا خَرَجَتْ سَأَلَتْهُ عَنْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم خَدِيجَةَ يَوْماً وَهُوَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَبَكَى فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا يُبْكِيكَ عَلَى عَجُوزٍ حَمْرَاءَ مِنْ عَجَائِزِ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ صلی الله علیه وسلم صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبْتُمْ وَآمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرْتُمْ وَوَلَدَتْ لِي إِذْ عَقِمْتُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَا زِلْتُ أَتَقَرَّبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ بِذِكْرِهَا.

ونقلت من كتاب معالم العترة النبوية ـ لأبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي الحنبلي وذكر خديجة بنت خويلد أم المؤمنين وتقدم إسلامها وحسن مؤازرتها وخطر فضلها وشرف منزلتها.

وَذَكَرَ مَرْفُوعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ ـ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ مِنْهُ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْماً تُجَّاراً فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ وَعَظِيمِ أَمَانَتِهِ

٥٠٨

وَكَرْمِ أَخْلَاقِهِ بَعَثَتْ إِلَيْهِ وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا تَاجِراً إِلَى الشَّامِ وَتُعْطِيَهُ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ فَقَبِلَهُ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ وَمَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيباً مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَالَ مَيْسَرَةُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا نَبِيٌّ. ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلاً إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ وَكَانَ مَيْسَرَةُ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَالَ إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ نَزَلَ مَلَكَانِ يَظِلَّانِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيباً.

وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ فَبَعَثَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَتْ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ يَا ابْنَ عَمِّ إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ مِنِّي وَشَرَفَكَ فِي قَوْمِكَ وَسَطَتِكَ فِيهِمْ (١) وَأَمَانَتِكَ عِنْدَهُمْ وَحُسْنِ خُلُقِكَ وَصِدْقِ حَدِيثِكَ ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا.

وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةٍ حَازِمَةً لَبِيبَةً شَرِيفَةً وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطُ قُرَيْشٍ نَسَباً وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفاً وَأَكْثَرُهُمْ مَالاً وَكُلُّ قَوْمِهَا قَدْ كَانَ حَرِيصاً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ (٢) فَلَمَّا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا قَالَتْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ ص.

وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَالٍ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ

________________

(١) سطتك ـ بكسر السين وفتح المهملة ـ اى شرفك وسامى منزلتك.

(٢) وفي بعض النسخ «لو يقدر عليه».

٥٠٩

سُوقٌ بِتِهَامَةَ وَاسْتَأْجَرْتَ مَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا رَأَيْتَ مِنْ صَاحِبَةٍ لِأَجِيرٍ خَيْرٌ مِنْ خَدِيجَةَ وَمَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تَخْبَؤُهُ لَنَا.

وَمِنْهُ قَالَ الدُّولَابِيُّ يَرْفَعُهُ عَنْ رِجَالِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَدْءِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا فَشَقَّ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِصَاحِبَتِهِ خَدِيجَةَ فَقَالَتْ لَهُ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَصْنَعُ بِكَ إِلَّا خَيْراً فَذَكَرَ لَهَا أَنَّهُ رَأَى أَنَّ بَطْنَهُ أُخْرِجَ وَطُهِّرَ وَغُسِلَ ثُمَّ أُعِيدُ كَمَا كَانَ قَالَتْ هَذَا خَيْرٌ فَأَبْشِرْ ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جَبْرَئِيلُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُجْلِسَهُ عَلَيْهِ وَبَشَّرَهُ بِرِسَالَةِ رَبِّهِ حَتَّى اطْمَأَنَّ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ قَالَ كَيْفَ أَقْرَأُ قَالَ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) فَقَبِلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم رِسَالَةَ رَبِّهِ وَاتَّبَعَ الَّذِي جَاءَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ قَالَ أَرَأَيْتُكِ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكِ وَرَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ جَبْرَئِيلُ اسْتَعْلَنَ وَأَخْبَرَهَا بِالَّذِي جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَسَمِعَ فَقَالَتْ أَبْشِرْ يَا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَوَ اللهِ لَا يَفْعَلُ اللهِ بِكَ إِلَّا خَيْراً فَاقْبَلِ الَّذِي أَتَاكَ اللهُ وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقّاً.

" وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ ص.

" وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ الْقُرْآنَ وَالْهُدَى وَعِنْدَهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.

" وَقَالَ ابْنُ حَمَّادٍ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ذَهَباً وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَةً.

" وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ أَبُو بَكْرٍ عَنِ ابْنِ هِشَامِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَدِيجَةَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.

" وَعَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ قَالَ كَانَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم عِنْدَ عَتِيقِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ يُقَالُ وَلَدَتْ لَهُ جَارِيَةً وَهِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍ

٥١٠

الْمَخْزُومِيِّ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ عَتِيقٍ أَبُو هَالَةَ هِنْدُ بْنُ زُرَارَةَ التَّيْمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ ص.

" وَبِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَ مِنَ اللهِ وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ فَخَفَّفَ اللهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَكَانَ لَا يَسْمَعُ شَيْئاً يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ فَيَحْزُنَهُ ذَلِكَ إِلَّا فَرَّجَ اللهُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِهَا إِذَا رَجَعَ إِلَيْهَا تُثْبِتُهُ وَتُخَفِّفُ عَنْهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ حَتَّى مَاتَتْ رَحِمَهَا اللهُ.

وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَيِ ابْنَ عَمِّ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَإِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لِخَدِيجَةَ يَا خَدِيجَةُ هَذَا جَبْرَئِيلُ قَدْ جَاءَنِي قَالَتْ قُمْ يَا ابْنَ عَمِّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَجَلَسَ عَلَيْهَا قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَتَحَوَّلْ فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى فَتَحَوَّلَ فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَاجْلِسْ فِي حَجْرِي فَفَعَلَ قَالَتْ هَلْ تَرَاهُ فَقَالَ لَا قَالَتْ يَا ابْنَ عَمِّ اثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَوَ اللهِ إِنَّهُ لِمَلَكٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ قَدْ سَمِعْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ أَدْخَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعَهَا (١) فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ هَذَا لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ. " وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم هَلَاكُ خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَسْكُنُ إِلَيْهَا.

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ وَقَالَ

________________

(١) درع المرأة : قميصها ، وقيل : ما تلبسه فوق القميص.

٥١١

رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أُرِيتُ لِخَدِيجَةَ بَيْتاً مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ (١).

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ أَقْرِئْ خَدِيجَةَ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَا خَدِيجَةُ هَذَا جَبْرَئِيلُ يُقْرِئُكِ مِنْ رَبِّكِ السَّلَامَ قَالَتْ خَدِيجَةُ اللهُ السَّلَامُ وَمِنْهُ السَّلَامُ وَعَلَى جَبْرَئِيلَ السَّلَامُ.

وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ علیهما السلام قَالَ إِنِّي لَسَيِّدُ الْبَشَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِي نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُقَالُ أَحْمَدُ فُضِّلَ عَلَيَّ بِاثْنَتَيْنِ زَوْجَتُهُ عَاوَنَتْهُ وَكَانَتْ لَهُ عَوْناً وَكَانَتْ زَوْجَتِي عَلَيَّ عَوْناً وَإِنَّ اللهَّ أَعَانَهُ عَلَى شَيْطَانِهِ فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ شَيْطَانِي.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَسْأَمْ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا فَذَكَرَهَا ذَاتَ يَوْمَ فَحَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ (٢) فَقُلْتُ لَقَدْ عَوَّضَكَ اللهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ قَالَتْ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم غَضِبَ غَضَباً شَدِيداً فَسَقَطْتُ فِي يَدِي فَقُلْتُ اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ بِغَضَبِ رَسُولِكَ صلی الله علیه وسلم لَمْ أَعُدْ لِذِكْرِهَا بِسُوءٍ مَا بَقِيتُ قَالَتْ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا لَقِيتُ قَالَ كَيْفَ قُلْتِ وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ النَّاسُ وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَرُزِقَتْ مِنِّي الْوَلَدَ حَيْثُ حُرِمْتُمُوهُ قَالَتْ فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً. (٣)

" وَرُوِيَ أَنَّ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ هِنْدٍ.

" وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَمَّ خَدِيجَةَ عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ زَوَّجَهَا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَنَ

________________

(١) قال ابن هشام : القصب هاهنا : اللؤلؤ المجوف. ه. م.

(٢) سقط في يده : ندم وتحير.

(٣) قال المجلسيّ (ره) لعل المعنى انه صلّى اللّه عليه وآله كان إلى شهر يذكر خديجة وفضلها في الغدو والرواح ، أو لما علم ندامتى في امرها كان يغدو ويروح إلى لطفا بي «انتهى» وقيل إن المعنى كان يغدو ويروح شهرا بهذه الحالة اي بحالة الغضب ولا يخفى ان هذا الاحتمال ساقط مع ما نعلم من عفوه العميم الشامل للعدو والحميم كيف وقد قال اللّه في شأنه «انك لعلى خلق عظيم».

٥١٢

أَبَاهَا مَاتَ قَبْلَ الْفِجَارِ (١).

" وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَةً وَمَهَرَهَا النَّبِيُّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَكَذَلِكَ كَانَتْ مُهُورُ نِسَائِهِ.

وَقِيلَ إِنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتَزَوَّجَهَا صلی الله علیه وسلم وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَرَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وحديث عفيف ورؤيته النبي صلی الله علیه وسلم وخديجة وعليا يصلون حين قدم تاجرا إلى العباس وقوله لا والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة قد تقدم ذكره بطرقه فلا حاجة لنا إلى ذكره لأنه لم يختلف في أنها علیهما السلام أول الناس إسلاما.

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ يَرْفَعُهُ إِلَى حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ قَالَ ـ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ (٢) فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي حُفْرَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ صَلَاةٌ عَلَى الْجِنَازَةِ قِيلَ وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا خَالِدٍ قَالَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَوَاتٍ ثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا وَبَعْدَ خُرُوجِ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الشِّعْبِ بِيَسِيرٍ قَالَ وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَوْلَادُهُ كُلُّهُمْ مِنْهَا إِلَّا إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ.

هذا آخر ما نقلته من كتاب الجنابذي وربما اختصرت في بعض المواضع

________________

(١) الفجار يوم من أيّام العرب وهي أربعة أفجرة كانت بين قريش ومن معها من كنانة ، ومن قيس عيلان في الجاهلية ، وكانت الدبرة على قيس ، وانما سمعت قريش هذه الحرب فجارا لأنّها كانت في الأشهر الحرم فلما قاتلوا فيها قالوا قد فجرنا فسميت فجارا. ه. م.

(٢) قال ياقوت : الحجون : جبل بأعلى مكّة عنده مدافن أهلها.

٥١٣

ذكر الإمام الثاني أبي محمد الحسن التقي علیهما السلام

قال ابن طلحة رحمه‌الله الباب الثاني في أبي محمد الحسن التقي علیهما السلام وفيه اثنا عشر فصلا في ولادته في نسبه في تسميته علیهما السلام في كنيته ولقبه فيما ورد في حقه من رسول الله صلی الله علیه وسلم وهاهنا نذكر إمامته فإن كمال الدين بن طلحة لم يذكر ذلك في فصوله في علمه في عبادته في كرمه في كلامه في أولاده في عمره في وفاته.

الأول في ولادته أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي وِلَادَتِهِ إِنَّهُ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ وَالِدُهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام قَدْ بَنَى بِفَاطِمَةَ علیهما السلام فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ الْحَسَنُ علیهما السلام أَوَّلَ أَوْلَادِهَا وَقِيلَ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ.

وَلَمَّا وُلِدَ علیهما السلام وَأُعْلِمَ بِهِ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَخَذَهُ وَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ ومثل ذلك روى الجنابذي أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر.

وَرَوَى ابْنُ الْخَشَّابِ أَنَّهُ وُلِدَ علیهما السلام لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مَوْلُودٌ فَعَاشَ إِلَّا الْحَسَنُ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ع.

وَرَوَى الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى كِتَابُ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ قَالَ تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ علیهما السلام فَوَلَدَتْ لَهُ حَسَناً بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ وَكَانَ بَيْنَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَبَيْنَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم الْمَدِينَةَ سَنَتَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ فَوَلَدَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ مِنَ التَّارِيخِ وَبَيْنَ أُحُدٍ وَبَدْرٍ سَنَةٌ وَنِصْفٌ.

وَرُوِيَ أَنَّهَا علیهما السلام وَلَدَتْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وكنيته أبو محمد.

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَقَّ عَنْهُ بِكَبْشٍ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَمَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ فِضَّةً.

وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ علیهما السلام أَرَادَتْ أَنْ تَعُقَّ عَنْهُ بِكَبْشٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَا تَعُقِّي عَنْهُ وَلَكِنِ احْلَقِي رَأْسَهُ ثُمَّ تَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

" وَمِنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ كَبْشاً وَعَنِ الْحُسَيْنِ كَبْشاً

وَقَالَ الْكَنْجِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ كِفَايَةِ الطَّالِبِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ كُنْيَتُهُ

٥١٤

أَبُو مُحَمَّدٍ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ ص.

وقال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب إعلام الورى الباب الأول في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب علیهما السلام الإمام الثاني والسبط الأول سيد شباب أهل الجنة ويتضمن خمسة فصول في ذكر مولده ومبلغ عمره ومدة خلافته ووقت وفاته وموضع قبره ع.

وُلِدَ علیهما السلام لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَاءَتْ بِهِ أُمُّهُ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي خِرْقَةٍ مِنْ حَرِيرِ الْجَنَّةِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ علیهما السلام إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَسَمَّاهُ حَسَناً وَعَقَّ عَنْهُ كَبْشاً وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَلَهُ سَبْعُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ وَقِيلَ ثَمَانِي سِنِينَ.

وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ علیهما السلام وَلَهُ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَأَقَامَ فِي خِلَافَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَالَحَ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَإِنَّمَا هَادَنَهُ (١) خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِ كَاتَبُوا مُعَاوِيَةَ وَضَمِنُوا لَهُ تَسْلِيمَ الْحَسَنِ علیهما السلام إِلَيْهِ عِنْدَ دُنُوِّ عَسْكَرِهِ مِنْ عَسْكَرِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يَأْمَنْ غَائِلَتَهُ إِلَّا جَمَاعَةٌ مِنْ شِيعَتِهِ لَا يَقُومُونَ بِأَهْلِ الشَّامِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فِي الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ وَبَعَثَ بِكُتُبِ أَصْحَابِهِ إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ شُرُوطاً كَثِيرَةً مِنْهَا أَنْ يَتْرُكَ سَبَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَالْقُنُوتَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ وَأَنْ يُؤْمِنَ شِيعَتِهِ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِسُوءٍ وَيُوصِلَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَاهَدَهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ فَلَمَّا اسْتَتَمَّتِ الْهُدْنَةُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ إِنِّي مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَأَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ جَعَلْتُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْءٍ مِنْهَا لَهُ.

وَخَرَجَ الْحَسَنُ علیهما السلام إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ وَمَضَى إِلَى رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى

________________

(١) هادنه : صالحه. والهدنة : المصالحة.

٥١٥

لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ مَسْمُوماً سَمَّتْهُ زَوْجَتُهُ جَعْدَةُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ دَسَّ إِلَيْهَا مَنْ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ يَزِيدَ ابْنِهِ وَأَعْطَاهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَقَتْهُ السَّمَّ وَبَقِيَ علیهما السلام مَرِيضاً أَرْبَعِينَ يَوْماً وَتَوَلَّى أَخُوهُ الْحُسَيْنُ علیهما السلام غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ وَدَفْنَهُ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ بِالْبَقِيعِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللهُ فِي إِرْشَادِهِ بَابِ ذِكْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَتَارِيخِ مَوْلِدِهِ وَدَلَائِلِ إِمَامَتِهِ وَمُدَّةِ خِلَافَتِهِ وَوَقْتِ وَفَاتِهِ وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ وَعَدَدِ أَوْلَادِهِ وَطَرْفٍ مِنْ أَخْبَارِهِ.

وَالْإِمَامُ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صلی الله علیه وسلم ابْنُهِ الْحَسَنُ بْنُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ.

وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَسَاقَ مَا أَوْرَدَهُ الطَّبْرِسِيُّ إِلَى قَوْلِهِ وَعَقَّ عَنْهُ كَبْشاً قَالَ وَرَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع.

وَكَانَ الْحَسَنُ علیهما السلام أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم خَلْقاً وَهَدْياً (١) وَسُؤْدَداً.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع.

وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ علیهما السلام أَتَتْ بِابْنَيْهَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ علیهما السلام إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي شَكْوَاهُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَانِ ابْنَاكَ فَوَرِّثْهُمَا شَيْئاً فَقَالَ أَمَّا الْحَسَنُ فَإِنَّ لَهُ هَدْيِي وَسُؤْدُدِي وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّ لَهُ جُودِي وَشَجَاعَتِي وَرَوَاهُ الْجَنَابِذِيُّ أَمَّا الْحَسَنُ فَلَهُ هَيْبَتِي وَسُؤْدُدِي وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَلَهُ جُرْأَتِي وَجُودِي.

فهذا ذكر الاختلاف في مولده علیهما السلام وذكرت فيه ما أورده السنة والشيعة ليتلخص لك معرفة ذلك وبالله التوفيق.

________________

(١) الهدى : كتمر : السيرة والهيئة والطريقة.

٥١٦

الثاني في نسبه علیهما السلام قال كمال الدين محمد بن طلحة حصل للحسن ولأخيه الحسين علیهما السلام ما لم يحصل لغيرهما فإنهما سبطا رسول الله صلی الله علیه وسلم وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة فجدهما رسول الله صلی الله علیه وسلم وأبوهما علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم علیهما السلام وأمهما الطهر البتول فاطمة بنت محمد رسول الله صلی الله علیه وسلم سيدة النساء.

نسب كان عليه من شمس الضحى

نورا ومن فلق الصباح عمودا

أقول إن نسبه علیهما السلام هو النسب الذي تتضاءل عنده الأنساب (١) وشرفه الشرف الذي أسجل بصحته الأثر والكتاب فهو وأخوه دوحتا (٢) النبوة التي طابت فرعا وأصلا وشعبتا الفتوة التي سمت رفعة ونبلا وإنسانا عيني السيادة والفخار وسليلا الشرف الذي أظهر الخيلاء في مضر ونزار (٤) قد اكتنفهما العز والشرف ولازمهما السؤدد فما له عنهما منصرف وأحاط بهما المجد من طرفيهما وتصورا من الجلالة فكادت أن تقطر من عطفيهما وتكونا من الأريحية (٥) فهي تلوح على شمائلهما وتبدو كما يبدو النهار على مخايلهما بذا الأضراب والأمثال وأين الضريب والمماثل وترفعا في أوج الفتوة عن العديل والمساجل وأين العديل والمساجل وفاقا في طيب الأعراق وطهارة الأخلاق رتبة الأواخر والأوائل فعلت سماء فضلهما عن اللمس حتى قيل أين الثريا من يد المتناول نسبهما يتصل بمحمد صلی الله علیه وسلم من قبل أمهما بغير فصل ومن قبل أبيهما يجتمع في عبد المطلب فأعجب لطيب فرع وزكاء أصل.

________________

(١) تضاءل : ضعف وحقر وصغر.

(٢) الدوحة : الشجرة العظيمة المتسعة.

(٣) انسان العين : المثال الذي يرى في سوادها وقيل إنسان العين ناظرها.

(٤) الخيلاء ـ بالضم : ـ العجب والكبر.

(٥) الاريحية : خصلة يرتاح بها إلى الندى يقال «أخذته الاريحية» أي الهشاشة لابتذال العطايا.

٥١٧

أنتم ذوو النسب القصير وطولكم

باد على الكبراء والأشراف

والخمر إن قيل ابنة العنب اكتفت

باب من الألقاب والأوصاف

الثالث في تسميته علیهما السلام

قَالَ ابْنُ طَلْحَةَ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْحَسَنَ سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ رَسُولُ اللهِ ص. فَإِنَّهُ لَمَّا وُلِدَ علیهما السلام قَالَ مَا سَمَّيْتُمُوهُ قَالُوا حَرْباً قَالَ صلی الله علیه وسلم بَلْ سَمُّوهُ حَسَناً ثُمَّ إِنَّهُ صلی الله علیه وسلم عَقَّ عَنْهُ كَبْشاً وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي كَوْنِ الْعَقِيقَةِ سُنَّةً عَنِ الْمَوْلُودِ.

وَتَوَلَّى ذَلِكَ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم وَمَنَعَ أَنْ تَفْعَلَهُ فَاطِمَةُ علیهما السلام وَقَالَ لَهَا احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ الشَّعْرِ فِضَّةً فَفَعَلَتْ ذَلِكَ وَكَانَ وَزْنُ شَعْرِهِ يَوْمَ حَلْقِهِ دِرْهَماً وَشَيْئاً فَتَصَدَّقَتْ بِهِ فصارت العقيقة والصدقة بزنة الشعر سنة مستمرة بما شرعه النبي صلی الله علیه وسلم في حق الحسن علیهما السلام وكذا اعتمد في حق الحسين علیهما السلام عند ولادته وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وَرَوَى الْجَنَابِذِيُ أَنَّ عَلِيّاً علیهما السلام سَمَّى الْحَسَنَ حَمْزَةَ وَالْحُسَيْنَ جَعْفَراً فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم عَلِيّاً وَقَالَ لَهُ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أُغَيِّرَ اسْمَ ابْنَيَّ هَذَيْنِ قَالَ فَمَا شَاءَ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ.

ويظهر من كلامه أنه بقي الحسن علیهما السلام مسمى حمزة إلى حين ولد الحسين وغيرت أسماؤهما علیهما السلام وقتئذ وفي هذا نظر لمتأمله أو يكون قد سمى الحسن وغيره ولما ولد الحسين وسمى جعفرا غيره فتكون التسمية في زمانين والتغيير كذلك.

الرابع في كنيته علیهما السلام وألقابه

قال ابن طلحة كنيته أبو محمد لا غيره وأما ألقابه فكثيرة التقي والطيب والزكي والسيد والسبط والولي كل ذلك كان يقال له ويطلق عليه وأكثر هذه الألقاب شهرة التقي لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقبه به رسول الله صلی الله علیه وسلم حيث وصفه به وخصه بأن جعله نعتا له فإنه صح النقل. عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم

٥١٨

فِيمَا أَوْرَدَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَثْبَاتُ وَالرُّوَاةُ الثِّقَاتُ أَنَّهُ قَالَ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ.

وسيأتي هذا الحديث بتمامه في الفصل الآتي ردف هذا إن شاء الله تعالى فيكون أولى ألقابه السيد وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَلْقَابُهُ الْوَزِيرُ وَالتَّقِيُّ وَالْقَائِمُ وَالطَّيِّبُ وَالْحُجَّةُ وَالسَّيِّدُ وَالسِّبْطُ وَالْوَلِيُ.

الخامس فيما ورد في حقه من رسول الله صلی الله علیه وسلم

وما رواه علیهما السلام وإمامته

قال ابن طلحة هذا فصل أصله مقصود وفضله معقود ونقله مشهور وظله ممدود ووروده مورود وسدره مخضود وطلحه منضود وهو من أسنى السجايا والمدائح معدود فإنه جمع من أشتات الإشارات النبوية والأفعال والأقوال الطاهرة الزكية ما أشرقت به أنوار المناقب وسمقت (١) بالحسن إلى أشرف شرف المراتب وأحدقت مزايا المآثر به من جميع الجوانب فإن من امتطى مطا رسول الله صلی الله علیه وسلم رقي قدم شرفه على مناكب الكواكب فبخ بخ لمن خصه الله تعالى من رسوله المصطفى بهذه المواهب.

فمنها ما اتفقت الصحاح على إيراده وتطابقت على صحة إسناده وَرُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ (٢) قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ رَوَاهُ الْجَنَابِذِيُ (٣)

________________

(١) سمق : علا وطال.

(٢) نفيع ـ بضم أوله وفتح الفاء.

(٣) قال الجزريّ وفي الحديث أنه قال للحسن بن عليّ رضى اللّه عنهما ان ابني هذا سيد ، قيل : أراد به الحليم لأنه قال في تمامه : وان اللّه يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

٥١٩

وَرُوِيَ مِنْ صَحِيحَيْ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ مَرْفُوعاً إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ الْعَازِبِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ.

وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعاً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حَامِلٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَالَ رَجُلٌ نِعْمَ الْمَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ رَوَاهُ الْجَنَابِذِيُ.

وَرُوِيَ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ مَا أَوْرَدَهُ فِي حِلْيَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يُصَلِّي بِنَا فَيَجِيءُ الْحَسَنُ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ صَغِيرٌ حَتَّى يَصِيرَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ فَيَرْفَعُهُ رَفْعاً رَفِيقاً فَلَمَّا صَلَّى قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تَصْنَعُ بِهَذَا الصَّبِيِّ شَيْئاً لَا تَصْنَعُهُ بِأَحَدٍ فَقَالَ إِنَّ هَذَا رَيْحَانَتِي وَإِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَعَسَى أَنْ يُصْلِحَ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ الْجَنَابِذِيُّ فِي كِتَابِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ صَحِيحِهِ يَرْفَعُهُ بِسَنَدِهِ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ صلی الله علیه وسلم ادْعِي إِلَيَّ ابْنِي فَيَشَمَّهُمَا وَيَضُمَّهُمَا إِلَيْهِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ بِسَنَدَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم طَائِفَةً مِنَ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جِئْنَا سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ (١) ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى مَخْبَأً وَهُوَ الْمِخْدَعُ (٢) فَقَالَ أَثَمَّ لُكَعُ (٣) أَثَمَّ لُكَعُ يَعْنِي

________________

(١) بفتح القاف وضم النون كما في النهاية وهم بطن من بطون يهود مدينة أضيفت السوق إليهم.

(٢) أي الخزانة.

(٣) قال ابن الأثير اللكع قد يطلق على الصغير ومنه الحديث انه عليه السلام جاء يطلب الحسن بن عليّ قال : أثم لكع؟ وقال الجوهريّ في الصحاح : ويقال للجحش لكع وللصبي الصغير أيضا وفي حديث أبي هريرة : أثم لكع؟ يعنى الحسن والحسين رضى اللّه عنهما.

٥٢٠