كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنِ النَّاكِثُونَ قَالَ الَّذِينَ يُبَايِعُونَهُ بِالْمَدِينَةِ وَيَنْكُثُونَ بِالْبَصْرَةِ قُلْتُ مَنِ الْقَاسِطُونَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قُلْتُ مَنِ الْمَارِقُونَ قَالَ أَصْحَابُ النَّهْرَوَانِ فَقَالَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَرَّجْتِ عَنِّي فَرَّجَ اللهُ عَنْكِ وَاللهِ لَا سَبَبْتُ عَلِيّاً أَبَداً.

قلت أبعد الله هذا العبد وأبعد داره ولا قرب منزله ولا أدنى جواره لأنه حين كان مبغضا لأمير المؤمنين علیهما السلام كان ذا عقيدة ذميمة وطريقة غير مستقيمة فلما عرف الصواب تاب عن سبه ولم يمل إلى صحبته ولا قال أعتقد ما يجب منه حبه وأكون معه ومن حزبه وهل يرضى بذلك إلا من غطى الله على عينه وقلبه.

ورضي الله عن أم المؤمنين أم سلمة فلقد أدت الأمانة في مقالها وقدمت هذه الشهادة أمام ارتحالها عن الدنيا وانتقالها وستجني رحمها الله ورضي عنها ثمرة أعمالها عند مآلها.

وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَتَتْ فَاطِمَةُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم فَذَكَرَتْ عِنْدَهُ ضَعْفَ الْحَالِ فَقَالَ أَمَا تَدْرِينَ مَا مَنْزِلَةُ عَلِيٍّ عِنْدِي كَفَانِي أَمْرِي وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَضَرَبَ بَيْنَ يَدَيَّ بِالسَّيْفِ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَتَلَ الْأَبْطَالَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَفَرَّجَ هُمُومِي وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَرَفَعَ بَابَ خَيْبَرَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ لَا يَرْفَعُهُ خَمْسُونَ رَجُلاً قَالَ فَأَشْرَقَ لَوْنُ فَاطِمَةَ وَلَمْ تَقَرَّ قَدَمَاهَا عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى أَتَتْ عَلِيّاً علیهما السلام فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ كَيْفَ وَلَوْ حَدَّثَكِ بِفَضْلِ اللهِ كُلِّهِ عَلَيَ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَوْماً مُقْبِلاً عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَتْلُو (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١) فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَلَّكَنِي الشَّفَاعَةَ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنْ أُمَّتِي وَحَظَرَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ نَاصَبَكَ أَوْ نَاصَبَ وُلْدَكَ مِنْ بَعْدِكَ.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يَا أَبَا ذَرٍّ مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَى أَوَّلِ النِّعَمِ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا أَوَّلُ النِّعَمِ قَالَ طِيبُ

________________

(١) الإسراء : ٧٩.

٤٠١

الْوِلَادَةِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا مَنْ طَابَ مَوْلِدُهُ.

عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام يَوْمَ الْجَمَلِ فَلَمَّا رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَاقِفَةً دَخَلَنِي مِنَ الشَّكِّ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ النَّاسَ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ كَشَفَ اللهُ ذَلِكَ عَنِّي فَقَاتَلْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام ثُمَّ أَتَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَرَضِيَ عَنْهَا فَقَصَصْتُ عَلَيْهَا قِصَّتِي فَقَالَتْ كَيْفَ صَنَعْتَ حَيْثُ طَارَتِ الْقُلُوبُ مَطَائِرَهَا قَالَ قُلْتُ إِلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَشَفَ اللهُ ذَلِكَ عَنِّي عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَقَاتَلْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام قِتَالاً شَدِيداً فَقَالَتْ أَحْسَنْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ ـ عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَحَدَّثَنِيهِ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ أَنَّ هِنْدَ بْنَ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ الْأُسَيْدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ رَبِيبِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأُمُّهُ خَدِيجَةُ زَوْجُ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأُخْتُهُ لِأُمِّهِ فَاطِمَةُ صلی الله علیه وسلم قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ وَأَبُو رَافِعٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ يُحَدِّثُونَ عَنْ هِجْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَمَبِيتِهِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ عَلَى فِرَاشِهِ.

قَالَ وَصَدْرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ وَاقْتِصَاصُهُ عَنِ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالُوا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا يَمْنَعُ نَبِيَّهُ صلی الله علیه وسلم بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَمَا كَانَ يَخْلُصُ إِلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ أَمْرٌ يَسُوؤُهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بَغِيَّتَهَا وَأَصَابَتْهُ بِعَظِيمٍ مِنْ أَذًى حَتَّى تَرَكَتْهُ لَقًى (١) فَقَالَ صلی الله علیه وسلم مَا أَسْرَعَ مَا وَجَدْنَا فَقْدَكَ يَا عَمِّ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ وَجُزِيتَ خَيْراً يَا عَمِّ ثُمَّ مَاتَتْ خَدِيجَةُ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِشَهْرٍ وَاجْتَمَعَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ حُزْنَانِ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِيهِ.

قُلْتُ وَسُمِّيَ تِلْكَ السَّنَةُ عَامَ الْحُزْنِ.

________________

(١) اللقى : سيأتي معناه في كلام المصنّف (ره) وكذا شرح غيره من معضلات الحديث مما لم أفسره في الذيل.

٤٠٢

قَالَ هِنْدٌ ثُمَّ انْطَلَقَ ذَوُو الطَّوْلِ وَالشَّرَفِ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ لِيَرْتَئُوا وَيَأْتَمِرُوا (١) فِي رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَقَالُوا نَبْنِي لَهُ بُرْجاً نَسْتَوْدِعُهُ فِيهِ فَلَا يَخْلُصُ مِنَ الصُّبَاةِ إِلَيْهِ أَحَدٌ ثُمَّ لَا يَزَالُ فِي رَنِقٍ مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَنُونُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَأُمَيَّةُ وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ فَقَالَ قَائِلٌ كَلَّا مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ وَلَئِنْ صَنَعْتُمْ ذَلِكَ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْحَدَبَ وَالْحَمِيمَ وَالْمَوْلَى وَالْحَلِيفَ ثُمَّ لَيَأْتِيَنَّ الْمَوَاسِمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِالْأَمْنِ فَلْيَنْتَزِعَنَّ مِنْ أُنْشُوطَتِكُمْ قُولُوا قَوْلَكُمْ.

فَقَالَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَشَرِكَهُمَا أَبُو سُفْيَانَ قَالُوا فَإِنَّا نَرَى أَنْ نَرْحَلَ لَهُ بَعِيراً صَعْباً وَنُوثِقُ مُحَمَّداً عَلَيْهِ كِتَافاً وَشَدّاً ثُمَّ نَخِزُ الْبَعِيرَ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَيُوشِكُ أَنْ يَقْطَعَهُ بَيْنَ الدَّكَادِكِ إِرْباً إِرْباً فَقَالَ صَاحِبُ رَأْيِهِمْ إِنَّكُمْ لَمْ تَصْنَعُوا بِقَوْلِكُمْ هَذَا شَيْئاً أَرَأَيْتُمْ إِنْ خَلَصَ بِهِ الْبَعِيرُ سَالِماً إِلَى بَعْضِ الْأَفَارِيقِ فَأَخَذَ بِقُلُوبِهِمْ بِسِحْرِهِ وَبَيَانِهِ وَطَلَاقَةِ لِسَانِهِ فَصَبَا الْقَوْمُ إِلَيْهِ وَاسْتَجَابَتْ لَهُ القَبَائِلُ وَسَارَ إِلَيْكُمْ فَأَهْلَكَكُمْ قُولُوا قَوْلَكُمْ.

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَكِنْ أَرَى أَنْ تَعَمَّدُوا إِلَى قَبَائِلِكُمُ الْعَشْرِ فَتَنْتَدِبُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْهَا رَجُلاً نَجْداً (٢) وَتُبَيِّتُونَ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ (٣) فَيَذْهَبُ دَمُهُ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ جَمِيعاً فَلَا يَسْتَطِيعُ قَوْمُهُ مُحَارَبَةَ النَّاسِ فَيَرْضَوْنَ حِينَئِذٍ بِالْعَقْلِ فَقَالَ صَاحِبُ رَأْيِهِمْ أَصَبْتَ يَا أَبَا الْحَكَمِ.

قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ أَشَارَ بِهِ إِبْلِيسُ عَلَيْهِمْ وَجَاءَهُمْ فِي زِيِّ رَجُلٍ مِنْ نَجْدٍ.

________________

(١) ارتأى في الأمر : نظر وتدبره. وأتمروا بفلان : إذا هموا به وتشاوروا فيه.

(٢) انتدبه لامر فانتدب هو له : اي دعاه له فأجاب لازم متعد ورجل نجد اي شجاع ماض في ما يعجز غيره سريع الإجابة فيما دعى إليه.

(٣) قال الجزريّ : كان المشركون ينسبون النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم إلى أبى كبشة ، وهو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان وعبد الشعرى العبور ، فلما خالفهم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم في عبادة الأوثان شبهوه به ، وقيل إنه كان جد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم من قبل أمه فأرادوا انه نزع في الشبه إليه.

٤٠٣

قَالَ فَأَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيِّهِ بِمَا كَانَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَتَلَا عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) الْآيَةَ وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ فَدَعَا عَلِيّاً علیهما السلام لِوَقْتِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَمَا أُمِرَ بِهِ وَأَنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ بِالْمَبِيتِ عَلَى فِرَاشِي أَوْ عَلَى مَضْجَعِي لِيَخْفَى بِمَبِيتِكَ عَلَيْهِ أَمْرِي فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ وَصَانِعٌ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَوَتَسْلَمُ بِمَبِيتِي هُنَاكَ يَا نَبِيَّ اللهِ قَالَ نَعَمْ فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ علیهما السلام ضَاحِكاً وَأَهْوَى إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً شُكْراً لِمَا أَنْبَأَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ سَلَامَتِهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ شُكْراً وَأَوَّلَ مَنْ وَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ سَجْدَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فِدَاكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَسُوَيْدَاءُ قَلْبِي وَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ أَكُنْ فِيهِ كَمَسَرَّتِكَ وَأَقَعْ مِنْهُ بِحَيْثُ مُرَادِكَ وَإِنْ تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ.

قَالَ إِنِّي أُخْبِرُكَ يَا عَلِيُّ أَنَّ اللهَ يَخْتَبِرُ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ مِنْ دِينِهِ فَأَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَقَدِ امْتَحَنَكَ اللهُ يَا ابْنَ أُمِّ وَامْتَحَنَنِي فِيكَ بِمِثْلِ مَا امْتَحَنَ اللهُ بِهِ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَالذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلَ فَصَبْراً صَبْراً فَ (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ثُمَّ ضَمَّهُ النَّبِيُّ علیهما السلام إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى وَجْداً بِهِ وَبَكَى عَلِيٌّ علیهما السلام حُزْناً (٢) لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ ص.

وَاسْتَتْبَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ وَهِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَنْتَظِرَاهُ بِمَكَانٍ عَيَّنَهُ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِهِ إِلَى الْغَارِ وَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِمَكَانِهِ يُوصِي عَلِيّاً وَيَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ وَخَرَجَ فِي فَحْمَةِ الْعِشَاءِ وَالرَّصَدُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ طَافُوا بِالدَّارِ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَنْتَصِفَ اللَّيْلُ وَتَنَامُ الْأَعْيُنُ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (٣) الْآيَةَ وَرَمَاهُمْ بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ فَمَا شَعَرُوا بِهِ وَمَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَاحِبَيْهِ فَنَهَضَا مَعَهُ وَوَصَلُوا إِلَى الْغَارِ وَرَجَعَ هِنْدٍ إِلَى مَكَّةَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ علیهما السلام وَدَخَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ.

________________

(١) الأنفال : ٣٠.

(٢) وفي نسخة «جزعا».

(٣) يس : ٩.

٤٠٤

فَلَمَّا نَامَتِ الْأَعْيُنُ أَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى عَلِيٍّ قَذْفاً بِالْحِجَارَةِ وَلَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم حَتَّى إِذَا بَرَقَ الْفَجْرُ وَأَشْفَقُوا أَنْ يَفْضَحَهُمُ الصُّبْحُ هَجَمُوا عَلَى عَلِيٍّ علیهما السلام وَكَانَتْ دُورُ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ بِغَيْرِ أَبْوَابٍ فَلَمَّا بَصُرَ بِهِمْ عَلِيٌّ قَدِ انْتَضَوُا السُّيُوفَ وَأَقْبَلُوا يَقْدُمُهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَثَبَ بِهِ عَلِيٌّ فَخَتَلَهُ وَهَمَزَ يَدَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَشَدَّ عَلَيْهِمْ فَأَجْفَلُوا (١) فَعَرَفُوهُ وَقَالُوا إِنَّا لَمْ نُرِدْكَ فَمَا فَعَلَ صَاحِبُكَ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي فَأَذْكَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ الْعُيُونَ وَرَكِبَتْ فِي طَلَبِهِ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ.

وَلَمَّا أَعْتَمَ عَلِيٌّ (٢) انْطَلَقَ هُوَ وَهِنْدٌ إِلَى الْغَارِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ هِنْداً أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُ لِي وَلَكَ يَا رَسُولَ اللهِ رَاحِلَتَيْنِ نَرْتَحِلُهُمَا إِلَى يَثْرِبَ فَقَالَ لَا آخُذُهُمَا إِلَّا بِالثَّمَنِ قَالَ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِذَلِكَ فَأَمَرَ عَلِيّاً فَأَقْبَضَهُ الثَّمَنَ وَوَصَّاهُ بِحِفْظِ ذِمَّتِهِ وَأَدَاءِ أَمَانَتِهِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَدْعُو النَّبِيَّ علیهما السلام فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ وَتُودِعُهُ أَمْوَالَهَا وَبُعِثَ وَالْحَالُ كَذَلِكَ فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يُقِيمَ صَارِخاً بِالْأَبْطَحِ يَهْتِفُ غُدْوَةً وَعَشِيّاً مَنْ كَانَ لَهُ قِبَلَ مُحَمَّدٍ أَمَانَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَلْيَأْتِ فَلْتُؤَّدَ إِلَيْهِ أَمَانَتُهُ وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ علیهما السلام لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ مِنَ الْآنَ بِأَمْرٍ تَكْرَهُهُ حَتَّى تَقْدَمَ عَلَيَّ فَأَدِّ أَمَانَتِي عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ظَاهِراً.

ثُمَّ إِنِّي أَسْتَخْلِفُكَ عَلَى فَاطِمَةَ ابْنَتِي وَمُسْتَخْلِفٌ رَبِّي عَلَيْكُمَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْتَاعَ رَوَاحِلَ لَهُ وَلِلْفَوَاطِمِ وَمَنْ يُهَاجِرُ مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ لِعَلِيٍّ إِذَا أَبْرَمْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَكُنْ عَلَى أُهْبَةِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَسِرْ إِلَيَّ لِقُدُومِ كِتَابِي عَلَيْكَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَؤُمُّ الْمَدِينَةَ وَأَقَامَ فِي الْغَارِ ثَلَاثاً (٣) وَمَبِيتُ عَلِيٍّ عَلَى فِرَاشِهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فِي ذَلِكَ

________________

(١) أجفل القوم : أسرعوا في الهرب.

(٢) اعتم الرجل : دخل في العتمة وهي ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق وقيل وقت صلاة العشاء الآخرة.

(٣) وفي نسخة بعد قوله وأقام في الغار هكذا : «ثلاثة أيّام بلياليهن وخرج يوم الرابع من ربيع الأوّل وكان مبيت عليّ عليه السلام اه».

٤٠٥

وَقَيْتُ بِنَفْسِي خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى

وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَبِالْحَجَرِ

مُحَمَّدٌ لَمَّا خَافَ أَنْ يَمْكُرُوا بِهِ

فَوَقَاهُ رَبِّي ذُو الْجَلَالِ مِنَ الْمَكْرِ

وَبِتُّ أُرَاعِيهِمْ مَتَى يَأْسِرُونَنِي

وَقَدْ وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ

وَبَاتَ رَسُولُ اللهِ فِي الْغَارِ آمِناً

هُنَاكَ وَفِي حِفْظِ الْإِلَهِ وَفِي سِتْرٍ

أَقَامَ ثَلَاثاً ثُمَّ زمنت [زَمَّتْ] قَلَائِصُ

قَلَائِصُ يَفْرِينَ الْفَلَا أَيْنَمَا يَفْرِي (١)

وَلَمَّا وَرَدَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَا وَأَرَادُوهُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلِهَا حَتَّى يَقْدَمَ ابْنُ عَمِّي وَابْنَتِي يَعْنِي عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ ع.

قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ وَحَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَنَحْنُ بِقُبَا عَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ مِنَ الْمَكْرِ بِهِ وَمَبِيتِ عَلِيٍّ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ أَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ علیهما السلام أَنِّي قَدْ آخَيْتُ بَيْنَكُمَا وَجَعَلْتُ عُمُرَ أَحَدِكُمَا أَطْوَلَ مِنْ عُمُرِ صَاحِبِهِ الحديث بتمامه وقد ذكرته قبل هذا.

وَنَقَلْتُ مِنَ الْكَشَّافِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ ـ وَكَتَبَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِلَى عَلِيٍّ يَأْمُرُهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَصَلَهُ الْكِتَابُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ وَخَرَجَ بِالْفَوَاطِمِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام وَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ أُمِّهِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَخَرَجَ مَعَهُ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَجَمَاعَةٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَحِقَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَتَلَ علیهما السلام مِنْهُمْ فَارِساً وَعَادَوْا عَنْهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى نَزَلَ ضَجْنَانَ فَأَقَامَ بِهَا قَدْرَ يَوْمِهِ وَلَحِقَ بِهِ نَفَرٌ مِنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِمْ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ رَسُولُ اللهِ علیهما السلام فَصَلَّى لَيْلَتَهُ تِلْكَ هُوَ وَالْفَوَاطِمُ وَبَاتُوا (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَسَارَ وَهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَنْزِلاً فَمَنْزِلاً يَعْبُدُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ بِمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ قَبْلِ قُدُومِهِمْ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَ

________________

(١) وفي نسخة مخطوطة بدل المصراع الا خير هكذا «ويفرين عزما للفلا أينما يفرى» وزم البعير : خطمه وفرى الأرض : سارها.

٤٠٦

عَلى جُنُوبِهِمْ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) فَالذَّكَرُ عَلِيٌّ وَالْأُنْثَى فَاطِمَةُ وَفَاطِمَةُ وَفَاطِمَةُ (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) يَقُولُ عَلِيٌّ مِنْ فَاطِمَةَ وَالْفَوَاطِمُ مِنْ عَلِيٍ (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) (١) الْآيَةَ.

قَالَ وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم يَا عَلِيُّ أَنْتَ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِيمَاناً بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَوَّلُهُمْ هِجْرَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَآخِرُهُمْ عَهْداً بِرَسُولِهِ لَا يُحِبُّكَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ قَدِ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ أَوْ كَافِرٌ.

أقول خبر الغار أوردته في أول هذا الكتاب من طريق آخر وأوردته هنا لما فيه من زيادات تتعلق بأمير المؤمنين علیهما السلام وكان طويلا فاختصرت بعض ألفاظه وفيه ألفاظ أنبه عليها كما شرطت.

شرح اللقى الشيء الملقى لهوانه والجمع ألقاء الندي على فعيل مجلس القوم ومتحدثهم وكذلك الندوة والنادي والمستندي فإن تفرق القوم فليس بندي ومنه سميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا يندون فيها أي يجتمعون للمشاورة والصباة إليه المائلون إلى دينه من صبا يصبو أو من صبأ الرجل صبؤا خرج من دين إلى دين قال أبو عبيدة صبأ من دينه إلى دين آخر كما تصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها وهو أنسب والأول صحيح المعنى وصبأ أيضا أي صار صابئا والصابئون جنس من أهل الكتاب وليس من قبيل ما نحن بصدده ماء رنق بالتسكين كدر وعيش رنق بالكسر كذلك ويقال حدب عليه وحدب أي عطف عليه وحميمك قريبك الذي تهتم لأمره والأنشوطة عقدة يسهل انحلالها مثل عقدة التكة والصعب نقيض الذلول والوخز الطعن بالرمح ونحوه لا يكون نافذا يقال وخزه بالخنجر الدكداك من الرمل ما التبد منه بالأرض والجمع الدكادك والفرقة الطائفة من الناس والفريق أكثر منهم وفي الحديث أفاريق العرب وهو جمع أفراق وأفراق جمع فرقة والبيات معروف والعقل

________________

(١) آل عمران : ١٩١.

٤٠٧

الدية قال الأصمعي وسميت بذلك لأن الإبل كانت تعقل في فناء ولي المقتول ثم كثر استعمالهم هذا الحرف حتى قالوا عقلت المقتول إذا أعطيت ديته دراهم أو دنانير والكيد المكر كاده يكيده كيدا ومكيدة وكذلك المكايدة وربما سميت الحرب كيدا وامتحنه اختبره وفحمة العشاء ظلمته يقال أفحموا من الليل أي لا يستروا في أول فحمته الراصد للشيء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا ورصدا والترصد الترقب والقذف بالحجارة الرمي بها وختله وخاتله خادعه والهمز مثل الغمز والضغط وأذكيت عليه العيون إذا أرسلت عليه الطلائع وهتف به هتافا أي صاح والقلوص من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء والجمع قلص وقلائص وجمع القلص قلاص قال العدوي القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة والقعود أول ما يركب من ذكور الإبل فإذا أثنى فهو جمل وضجنان جبل بناحية مكة.

قَالَ أَبُو ثَابِتٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ يَقُولُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْحُجْرَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَيُّهَا النَّاسُ يُوشِكُ أَنْ أُقْبَضَ قَبْضاً سَرِيعاً فَيَنْطَلِقَ بِي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ الْقَوْلَ مَعْذِرَةً إِلَيْكُمْ أَلَا وَإِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ علیهما السلام فَرَفَعَهَا فَقَالَ هَذَا عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ خَلِيفَتَانِ نَصِيرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَسْأَلُهُمَا مَا ذَا خُلِّفْتُ فِيهِمَا.

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بِكَفِّ عَلِيٍّ علیهما السلام الْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عَلِيٍّ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ مَا دَارَ.

وَعَنْ رَافِعٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ صَعِدَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ ثُمَّ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَّفَنِي فَقَدْ عَرَّفَنِي وَمَنْ أَنْكَرَنِي فَأَنَا أَبُو ذَرٍّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَرَكَهَا هَلَكَ

٤٠٨

وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ اجْعَلُوا أَهْلَ بَيْتِي مِنْكُمْ مَكَانَ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَمَكَانَ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ فَإِنَّ الْجَسَدَ لَا يَهْتَدِي إِلَّا بِالرَّأْسِ وَلَا يَهْتَدِي الرَّأْسُ إِلَّا بِالْعَيْنَيْنِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ نَائِمٌ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي فَتَذَاكَرْنَا الدَّجَّالَ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم مُحْمَرّاً وَجْهُهُ فَقَالَ لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنَ الدَّجَّالِ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ وَسَفْكُ دِمَاءِ عِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُمْ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ.

وَعَنْ عُمَرَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَالا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ فِي حِجَّتِهِ عَلِيٌّ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّالِمِينَ ـ عَلِيٌّ أَخِي وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِي وَهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّ اللهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ فَلَا نَبِيَّ بَعْدِي وَهُوَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدِي.

وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَكَانَ رَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَالْعَبَّاسُ يَذُبُّ عَنْ وَجْهِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَهُ فَقَالَ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ اقْبَلْ وَصِيَّتِي وَاضْمَنْ دَيْنِي وَعِدَاتِي فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ وَلَيْسَ فِي مَالِي وَفَاءٌ لِدَيْنِكَ وَعِدَاتِكَ فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثاً وَالْعَبَّاسُ يُجِيبُ بِمَا قَالَ أَوَّلاً فَقَالَ علیهما السلام لَأَقُولَنَّهَا لِمَنْ يَقْبَلُهَا وَلَا يَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِكَ يَا عَبَّاسُ وَقَالَ يَا عَلِيُّ اقْبَلْ وَصِيَّتِي وَاضْمَنْ دَيْنِي وَعِدَاتِي فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ وَارْتَجَّ جَسَدِي (١) وَنَظَرْتُ إِلَى رَأْسِهِ علیهما السلام يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي حَجْرِي فَقَطَرَتْ دُمُوعِي عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُجِيبَهُ ثُمَّ ثَنَّى فَقَالَ يَا عَلِيُّ اقْبَلْ وَصِيَّتِي وَاضْمَنْ دَيْنِي وَعِدَاتِي فَقُلْتُ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ أَجْلِسْنِي فَأَجْلَسْتُهُ فَكَانَ ظَهْرُهُ فِي صَدْرِي فَقَالَ يَا عَلِيُّ أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي.

ثُمَّ قَالَ يَا بِلَالُ هَلُمَّ سَيْفِي وَدِرْعِي وَبَغْلَتِي وَسَرْجَهَا وَلِجَامَهَا وَمِنْطَقَتِي الَّتِي أَشُدُّهَا

________________

(١) خنقه : عصر حلقه ، والعبرة : الدمع. وخنقته لعبرة اي غص بالبكاء حتّى كان الدموع اخذت بحلقه. ارتج : اضطرب.

٤٠٩

عَلَى دِرْعِي فَجَاءَ بِلَالٌ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَوَقَفَ الْبَغْلَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ يَا عَلِيُّ قُمْ فَاقْبِضْ قَالَ فَقُمْتُ وَقَامَ الْعَبَّاسُ فَجَلَسَ فِي مَكَانِي وَقَبَضْتُ ذَلِكَ قَالَ فَانْطَلِقْ بِهِ إِلَى مَنْزِلِكَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَائِماً فَنَظَرَ إِلَيَّ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى خَاتَمِهِ فَنَزَعَهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَالَ هَاكَ يَا عَلِيُّ هَذَا لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْبَيْتُ غَاصٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُسْلِمِينَ.

فَقَالَ يَا بَنِي هَاشِمٍ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا تُخَالِفُوا عَلِيّاً فَتَضِلُّوا وَلَا تَحْسُدُوهُ فَتَكْفُرُوا وَمِنْ تَمَامِهِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ فِي مَعْنَاهُ.

فَقَالَ يَا بِلَالُ ائْتِنِي بِوَلَدَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِهِمَا فَأَسْنَدَهُمَا إِلَى صَدْرِهِ فَجَعَلَ يَشَمُّهُمَا قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَظَنَنْتُ أَنَّهُمَا قَدْ غَمَّاهُ أَيْ أَكْرَبَاهُ فَذَهَبْتُ لِأُؤَخِّرَهُمَا عَنْهُ فَقَالَ دَعْهُمَا يَا عَلِيُّ يَشَمَّانِي وَأَشَمُّهُمَا وَيَتَزَوَّدَا مِنِّي وَأَتَزَوَّدُ مِنْهُمَا فَسَيَلْقَيَانِ مِنْ بَعْدِي زِلْزَالاً وَأَمْراً عُضَالاً فَلَعَنَ اللهُ مَنْ يَحِيفُهُمَا (١) اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهُمَا وَصَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقِيلَ سَمِعَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ مِنْ عُقَلَاءِ قُرَيْشٍ ابْناً لَهُ يَنْتَقِصُ عَلِيّاً فَقَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَنْتَقِصْ عَلِيّاً فَإِنَّ الدِّينَ لَمْ يَبْنِ شَيْئاً فَاسْتَطَاعَتِ الدُّنْيَا أَنْ تَهْدِمَهُ وَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَبْنِ شَيْئاً إِلَّا وَهَدَمَهُ الدِّينُ يَا بُنَيَّ إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَهِجُوا بِسَبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَجَالِسِهِمْ وَلَعَنُوا عَلَى مَنَابِرِهِمْ فَكَأَنَّمَا يَأْخُذُونَ وَاللهِ بِضَبُعِهِ إِلَى السَّمَاءِ مَدّاً وَإِنَّهُمْ لَهِجُوا بِتَقْرِيظِ ذَوِيهِمْ وَأَوَائِلِهِمْ فَكَأَنَّمَا يَكْشِفُونَ عَنْ أَنْتَنَ مِنْ بُطُونِ الْجِيَفِ فَأَنْهَاكَ عَنْ سَبِّهِ.

يقال التقريظ بالظاء والضاد المدح بحق أو باطل واللهج بالشيء الولوغ به ولهج بالكسر بالشيء يلهج لهجا إذا أغري به فثابر عليه.

" وَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ خَالِدَ بْنَ مُعَمَّرٍ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ عَلِيّاً قَالَ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ عَلَى حِلْمِهِ إِذَا غَضِبَ وَعَلَى صِدْقِهِ إِذَا قَالَ وَعَلَى عَدْلِهِ إِذَا وُلِيَ.

قلت رحمه‌الله خالد بن معمر فقد وصف عليا علیهما السلام ببعض ما فيه ونفى

________________

(١) حاف حيفا : جار وظلم.

٤١٠

عن معاوية بعض ما فيه.

وَعَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ النَّحْوِيِّ وَكَانَ عُثْمَانِيّاً قَالَ قُلْتُ لِلْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَتَكْتُمَهَا عَلَيَّ فَقَالَ قَوْلُكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ أَغْلَظُ مِنَ السُّؤَالِ فَتَكْتُمُهُ أَنْتَ أَيْضاً قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَيَّامَ حَيَاتِكَ قَالَ سَلْ قُلْتُ مَا بَالُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَرَحِمِهِمْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو أُمِّ وَاحِدَةٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَيْنِهِمْ كَأَنَّهُ ابْنُ عِلَّةٍ فَقَالَ إِنَّ عَلِيّاً يَقْدُمُهُمْ إِسْلَاماً وَفَاقَهُمْ عِلْماً وَبَذَّهُمْ شَرَفاً (١) وَرَجَحَهُمْ زُهْداً وَطَالَهُمْ جِهَاداً وَالنَّاسُ إِلَى أَشْكَالِهِمْ وَأَشْبَاهِهِمْ أَمْيَلُ مِنْهُمْ إِلَى مَنْ بَانَ مِنْهُمْ فَافْهَمْ.

قِيلَ دَخَلَ الْحَارِثُ الْهَمْدَانِيُّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام فِي نَفَرٍ مِنَ الشِّيعَةِ قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ وَكُنْتُ فِيمَنْ دَخَلَ فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَتَأَوَّدُ فِي مِشْيَتِهِ (٢) وَيَخْبِطُ الْأَرْضَ بِمِحْجَنِهِ وَكَانَ مَرِيضاً فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ مَنْزِلَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا حَارُ قَالَ نَالَ الدَّهْرُ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَزَادَنِي أُوَاراً وَغَلِيلاً اخْتِصَامُ أَصْحَابِكَ بِبَابِكَ (٤) قَالَ وَفِيمَ خُصُومَتُهُمْ قَالَ فِي شَأْنِكَ وَالْبَلِيَّةِ مِنْ قِبَلِكَ فَمِنْ مُفْرِطٍ غَالٍ وَمُبْغِضٍ قَالٍ وَمِنْ مُتَرَدِّدٍ مُرْتَابٍ لَا يَدْرِي أَيُقْدِمُ أَمْ يُحْجِمُ (٥) قَالَ فَحَسْبُكَ يَا أَخَا هَمْدَانَ أَيْ كَفَاكَ هَذَا الْقَوْلُ أَلَا إِنَّ خَيْرَ شِيعَتِي النَّمَطُ (٦) الْأَوْسَطُ إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ الْغَالِي وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالِي

________________

(١) يقال بذه يبذه بذا اي غلبه ، وبنوا العلات : أولاد الرجل من نسوة شتّى (ه. م).

(٢) أود الشيء ـ بالكسر ـ يأود أودا : اي اعوج ، وتأود : تعوج (ه. م).

(٣) المحجن كالصولجان (ه. م) قلت : وهو العصا المنعطفة الرأس.

(٤) الأوار بالضم ـ : حرارة النار والشمس والعطش ، والغل والغلة والغليل : حرارة العطش أيضا تقول : غل الرجل يغل غلا فهو مغلول على ما لم يسم فاعله ، هذا حقيقته لغة وكثر حتّى صار كل امر يوجب ألم القلب وحرارة الصدر واذى النفس يسمى اوارا وغليلا (ه. م).

(٥) حجم عن الشيء : كف. وأحجم بمعناه أيضا.

(٦) النمط : الجماعة من الناس.

٤١١

قَالَ لَوْ كَشَفْتَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي الرَّيْنَ عَنْ قُلُوبِنَا (١) وَجَعَلْتَنَا فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا قَالَ قَدْكَ فَإِنَّكَ امْرُؤٌ مَلْبُوسٌ عَلَيْكَ (٢) إِنَّ دِينَ اللهِ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ بَلْ بِآيَةِ الْحَقِّ وَالْآيَةُ الْعَلَامَةُ فَاعْرِفِ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ يَا حَارِ إِنَّ الْحَقَّ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَالصَّادِعَ مُجَاهِدٌ (٣) وَبِالْحَقِّ أُخْبِرُكَ فَأَرْعِنِي سَمْعَكَ ثُمَّ خَبِّرْ بِهِ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَصَاةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ (٤).

أَلَا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَأَخُو رَسُولِهِ وَصِدِّيقُهُ الْأَوَّلُ صَدَّقْتُهُ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ثُمَّ إِنِّي صِدِّيقُهُ الْأَوَّلُ فِي أُمَّتِكُمْ حَقّاً فَنَحْنُ الْأَوَّلُونَ وَنَحْنُ الْآخِرُونَ أَلَا وَأَنَا خَاصَّتُهُ يَا حَارِ وَخَالِصَتُهُ وَصِنْوُهُ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّهُ وَصَاحِبُ نَجْوَاهُ وَسِرِّهِ أُوتِيتُ فَهْمَ الْكِتَابِ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَعِلْمَ الْقُرُونِ وَالْأَسْبَابِ وَاسْتُودِعْتُ أَلْفَ مِفْتَاحِ يَفْتَحُ كُلُّ مِفْتَاحٍ أَلْفَ بَابٍ يُفْضِي كُلُّ بَابٍ إِلَى أَلْفِ أَلْفِ عَهْدٍ وَأُيِّدْتُ أَوْ قَالَ أُمْدِدْتُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ نَفْلاً وَإِنَّ ذَلِكَ لَيَجْرِي لِي وَمَنِ اسْتُحْفِظَ مِنْ ذُرِّيَّتِي (٥) مَا جَرَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَرِثَ اللهُ (الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) وَأُبَشِّرُكَ يَا حَارِ لَيَعْرِفَنِّي وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ وَلِيِّي وَعَدُوِّي فِي مَوَاطِنَ شَتَّى لَيَعْرِفَنِّي عِنْدَ الْمَمَاتِ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ وَعِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ قَالَ وَمَا الْمُقَاسَمَةُ يَا مَوْلَايَ فَقَالَ لِي مُقَاسَمَةُ النَّارِ أَقْسِمُهَا قِسْمَةً صِحَاحاً

________________

(١) قلت : الرين : الطبع والدنس ، يقال : ان ذنبه على قلبه يرين رينا وريونا اى غلب قال أبو عبيدة في قوله تعالى :«كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»اى غلب ، وقال الحسن : هو الذنب حتّى يسود القلب ، وقال أبو عبيدة : كلما غلبك فقد ران بك ورانك وران عليك. (منه ره).

(٢) قدك بمعنى حسبك وقدى وقدنى بمعنى حسبي (ه. م).

(٣) يقال صدع بالحق : إذا تكلم به جهارا (ه. م).

(٤) يقال فلان ذو حصاة اي ذو عقل ولب ، قال كعب بن سعد الغنوي :وان لسان المرء ما لم تكن له * حصاة على عوراته لدليل(ه. م)

(٥) النفل والنافلة : عطية التطوع من حيث لا يجب يقال حفظته الكتاب : اي حملته على حفظه واستحفظته : سألته ان يحفظ (ه. م).

٤١٢

أَقُولُ هَذَا وَلِيِّي وَهَذَا عَدُوِّي ثُمَّ أَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام بِيَدِ الْحَارِثِ وَقَالَ يَا حَارِثُ أَخَذْتُ بِيَدِكَ كَمَا أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ لِي وَاشْتَكَيْتُ إِلَيْهِ حَسَدَةَ قُرَيْشٍ وَالْمُنَافِقِينَ لِي إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخَذْتُ بِحَبْلٍ أَوْ حُجْزَةٍ يَعْنِي عِصْمَةً مِنْ ذِي الْعَرْشِ تَعَالَى وَأَخَذْتَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ بِحُجْزَتِي وَأَخَذَ ذُرِّيَّتُكَ بِحُجْزَتِكَ وَأَخَذَ شِيعَتُكُمْ بِحُجَزِكُمْ فَمَا ذَا يَصْنَعُ اللهُ بِنَبِيِّهِ وَمَا يَصْنَعُ نَبِيُّهُ بِوَصِيِّهِ وَمَا يَصْنَعُ وَصِيُّهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَا يَصْنَعُ أَهْلُ بَيْتِهِ بِشِيعَتِهِمْ خُذْهَا إِلَيْكَ حَارِ قَصِيرَةٌ مِنْ طَوِيلَةٍ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ أَوْ قَالَ مَا اكْتَسَبْتَ قَالَهَا ثَلَاثاً فَقَالَ الْحَارِثُ وَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ جَذَلاً (١) مَا أُبَالِي وَرَبِّي بَعْدَ هَذَا أَلَقِيتُ الْمَوْتَ أَوْ لَقِيَنِي.

قال جميل بن صالح فأنشدني السيد بن محمد في كلمة له :

قول علي لحارث عجب

كم ثم أعجوبة له جملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بنعته واسمه وما فعلا

وأنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمإ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض

للعرض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

قلت السيد الحميري ره كان كيسانيا يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفية علیهما السلام فلما عرفه الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام الحق والقول بمذهب الإمامية الاثني عشرية ترك ما كان عليه ورجع إلى الحق وقال به وشعره رحمه‌الله في مذهبه مشهور لا حاجة إلى ذكره لاشتهاره وكان نظاما للوقائع مجيدا وهو كثير الشعر ولا يوجد من شعره إلا القليل.

وروي أنه وجد حمال وهو يمشي بحمل ثقيل فقيل ما معك قال ميميات

________________

(١) الجذل ـ بالتحريك ـ : الفرح وجذل بالكسر يجذل فهو جذلان ؛ وأجذله غيره افرحه واجتذل : ابتهج (ه. م).

٤١٣

السيد وغلب هذا الاسم عليه فلم يكن علويا فإنه بطريق تسميته السيد يتوهم ذلك وعلى ذكره.

حَدَّثَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى السَّيِّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيِّ عَائِداً فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَوَجَدْتُهُ يُسَاقُ بِهِ وَوَجَدْتُ عِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ جِيرَانِهِ وَكَانُوا عُثْمَانِيَّةً وَكَانَ السَّيِّدُ جَمِيلَ الْوَجْهِ رَحْبَ الْجَبْهَةِ عَرِيضَ مَا بَيْنَ السَّالِفَيْنِ (١) فَبَدَتْ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ مِثْلُ النُّقْطَةِ مِنَ الْمِدَادِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُنْمِي وَتَزِيدُ حَتَّى طَبِقَتْ وَجْهَهُ بِسَوَادِهَا فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشِّيعَةِ وَظَهَرَ مِنَ النَّاصِبَةِ سُرُورٌ وَشَمَاتَةٌ فَلَمْ يَلْبَثْ بِذَلِكَ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى بَدَتْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ وَجْهِهِ لُمْعَةٌ بَيْضَاءُ فَلَمْ تَزَلْ تَزِيدُ أَيْضاً وَتُنْمِي حَتَّى اصْفَرَّ وَجْهُهُ وَأَشْرَقَ وَافْتَرَّ السَّيِّدُ ضَاحِكاً (٢) وَقَالَ

كَذَبَ الزَّاعِمُونَ أَنَّ عَلِيّاً

لَمْ يُنْجِي مُحِبَّهُ مِنْ هَنَاتٍ (٣)

قَدْ وَرَبِّي دَخَلْتُ جَنَّةَ عَدْنٍ

وَعَفَا لِيَ الْإِلَهُ عَنْ سَيِّئَاتِي

فَأَبْشِرُوا الْيَوْمَ أَوْلِيَاءَ عَلِيٍ

وَتَوَلَّوْا عَلِيَّ حَتَّى الْمَمَاتِ

ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ تَوَلَّوْا بَنِيهِ

وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ بِالصِّفَاتِ

ثُمَّ أَتْبَعَ قَوْلَهُ هَذَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حَقّاً حَقّاً أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ حَقّاً حَقّاً أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثُمَّ أَغْمَضَ عَيْنَهُ لِنَفْسِهِ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ رُوحُهُ ذُبَالةً طَفِئَتْ (٤) أَوْ حَصَاةً سَقَطَتْ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ لِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَوْنٍ وَكَانَ أُذَيْنَةُ حَاضِراً فَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ مَا مَنْ شَهِدَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَخْبَرَنِي وَإِلَّا صَمَّتَا الْفُضَيْلُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ علیهما السلام أَنَّهُمَا قَالا حَرَامٌ عَلَى رُوحٍ أَنْ تُفَارِقَ جَسَدَهَا حَتَّى تَرَى الْخَمْسَةَ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً بِحَيْثُ تَقَرُّ عَيْنُهَا أَوْ تُسْخِنُ عَيْنُهَا فَانْتَشَرَ هَذَا الْحَدِيثُ

________________

(١) رحب الوجه : واسعه. والسالفة : صفحة العنق عند معلق القرط.

(٢) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا.

(٣) الهنات : الداهية.

(٤) الذبالة : الفتيلة.

٤١٤

فِي النَّاسِ فَشَهِدَ جَنَازَتَهُ وَاللهِ الْمُوَافِقُ وَالْمُفَارِقُ

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ ابْنِ أَخِي أَبِي ذَرٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ وَكَانَ صَفْوُهُ وَانْقِطَاعُهُ إِلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ (١) قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَقْوَاماً مَا أَبْلُغُ أَعْمَالَهُمْ قَالَ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَ قُلْتُ فَإِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَأَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ قَالَ فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْهُمْ فَإِنَّا نُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَهْلَ بَيْتِهِ فَغَضِبَ صلی الله علیه وسلم وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَحِبُّوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا يَغْدُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ رَبِّي وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلاً صَفَنَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ صَائِماً وَرَاكِعاً وَسَاجِداً ثُمَّ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُحِبٍّ لِأَهْلِ بَيْتِي لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ قَالُوا وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ دَعْوَتِي وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتِي وَمَنْ خَلَقَهُ اللهُ مِنِّي وَمِنْ لَحْمِي وَدَمِي فَقَالُوا نَحْنُ نُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَأَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَقَالَ بَخْ بَخْ فَأَنْتُمْ إِذًا مِنْهُمْ أَنْتُمْ إِذًا مِنْهُمْ وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَ.

والصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم وقد أقام الرابع على طرف الحافر يقال صفن يصفن صفونا والصافن الذي يصف قدميه وفِي الْحَدِيثِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قُمْنَا خَلْفَهُ صُفُوفاً.

وَعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً بِالرَّحْبَةِ (٤) وَالنَّاسُ حَوْلَهُ مُجْتَمِعُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْزَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَأَبُوكَ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ فَقَالَ مَهْ فَضَّ اللهُ فَاكَ (٣) وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وسلم بِالْحَقِّ لَوْ شَفَعَ أَبِي فِي كُلِّ مُذْنِبٍ عَلَى

________________

(١) يقال : صغوه معك وصغوه وصغاه اى ميله (ه. م)

(٢) محلة بالكوفة.

(٣) فض اللّه فاه : نثر أسنانه.

٤١٥

وَجْهِ الْأَرْضِ لَشَفَّعَهُ اللهُ فِيهِمْ أَأَبِي يُعَذَّبُ بِالنَّارِ وَابْنُهُ قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وسلم إِنَّ نُورَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيُطْفِئُ أَنْوَارَ الْخَلْقِ إِلَّا خَمْسَةَ أَنْوَارٍ نُورَ مُحَمَّدٍ وَنُورِي وَنُورَ فَاطِمَةَ وَنُورَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَنْ وَلَدْتُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِنَا الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ علیهما السلام أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ صَدَقْتَ يَا بُنَيَّ مِنْبَرُ أَبِيكَ لَا مِنْبَرُ أَبِي فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام مَا هُوَ وَاللهِ عَنْ رَأْيِي فَقَالَ صَدَقْتَ وَاللهِ مَا أَتَّهِمُكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ثُمَّ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ احْفَظُونِي فِي عِتْرَتِي وَذُرِّيَّتِي فَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللهُ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى مَنْ آذَانِي فِيهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى مَنْ آذَانِي فِيهِمْ ثَلَاثاً.

قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله عنه قد كنت طالعت كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري فرأيت فيها أخبارا ما كنت أظنه يروي مثلها لموضع مذهبه ولمن جمع له الكتاب وسماه باسم نسبه إليه وهو الأمير الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل أخو المعتمد وولي عهده وكان يخطب له بلقبين اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد طلحة الموفق بالله وولي عهد المسلمين وأخا أمير المؤمنين ومات في ثاني رجب سنة ثمان وسبعين ومائتين لقب بالناصر حين فرغ من أمر محمد بن علي صاحب الزنج وهو متولي حروبه وكان هو وأبوه وبنو أبيه في انحرافهم عن أهل البيت في أبعد الغاية لا سيما الموفق والمتوكل وحربه لصاحب الزنج وإن كان محافظة على الملك وإنما قوى هممهم على مطاولته واتصال الحروب بينهم ما أظهره ذلك الخائن من انتسابه إلى أهل البيت وأنه علوي وكان مدعيا لم يصحح النسابون نسبه وحكى العمري النسابة ره أنه كان دعيا وكان من قرية اسمها ورزنين من قرى الري فلم يزالوا على حربه ومنازلته جرى من قتله وتفرقة جموعه ما جرى وكان انتماؤه إلى هذا البيت الشريف أقوى

٤١٦

الموجبات لاستئصاله هذا حال من عمل الكتاب من أجله.

فأما جامعه فقد حكى ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء كلاما هذا مختصره الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام يكنى أبا عبد الله الكثير العلم الغزير الفهم أعلم الناس قاطبة بأخبار قريش وأنسابها ومآثرها وأشعارها ولد ونشأ بالحجاز ومات بمكة في ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين عن أربع وثمانين سنة وكان أبوه على قضاء مكة وولاه المتوكل القضاء بها بعد أبيه ومات وهو قاضيها ودخل بغداد عدة دفعات آخرها سنة ثلاث وخمسين ومائتين وكان فتى في شعره ومروته وبطالته مع سنه وعفافه ومثل هذا على صدقه عندهم إذا روى شيئا يكون صحيحا قطعا لأن الزمان قديم والمخبر صدوق والمصنف له متعنت وكيف يقدم على تصنيف كتابه باسمه وفيه ما يناقض مذهبه ويخالف عقيدته ويجبهه برده عليه ما قد عقد عليه خنصره وجعله دينه الذي يرجو به الفوز في آخرته.

حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبٌ عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللهِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ تَقَدَّمَ وَكِيلُ الْمُونِسَةِ إِلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقَاضِي مَعَ خَصْمٍ لَهُ فَإِذَا الْوَكِيلُ مُدِلٌّ بِمَوْضِعِهِ مِنْ مُونِسَةَ (١) فَجَعَلَ يَسْطُو عَلَى خَصْمِهِ وَيُغَلِّظُ لَهُ فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ كُفَّ لَا أُمَّ لَكَ فَقَالَ أَوَتَقُولُ لِي هَذَا وَأَنَا قَهْرَمَانُ مُونِسَةَ فَقَالَ يَا غُلَامُ اصْفَعْهُ فَصَفَعَهُ عَشْرَ صَفَعَاتٍ (٢) فَانْصَرَفَ بِخِزْيٍ فَدَخَلَ عَلَى مُونِسَةَ فَشَكَا إِلَيْهَا مَا صَنَعَ بِهِ فَكَتَبَتْ رُقْعَةً إِلَى الْمَهْدِيِّ تَشْكُو شَرِيكاً وَمَا صَنَعَ بِوَكِيلِهَا فَعَزَلَهُ وَكَانَ قَبْلَ هَذَا قَدْ دَخَلَ إِلَيْهِ فَأَغْلَظَ لَهُ الْكَلَامَ وَقَالَ لَهُ مَا مِثْلُكَ مَنْ يُوَلِّي أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِخِلَافِكَ الْجَمَاعَةَ وَلِقَوْلِكَ بِالْإِمَامَةِ قَالَ مَا أَعْرِفُ دِيناً إِلَّا عَنِ الْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ أُخَالِفُهَا وَعَنْهَا أَخَذْتُ دِينِي وَأَمَّا الْإِمَامَةُ فَمَا أَعْرِفُ إِمَاماً إِلَّا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلی الله علیه وسلم فَهُمَا إِمَامَايَ وَعَلَيْهِمَا عَقْدِي فَأَمَّا مَا ذَكَرَ

________________

(١) القهرمان : الوكيل أو امين الدخل والخرج.

(٢) صفعه صفعا : ضرب قفاه أو بدنه بكفه مبسوطة.

٤١٧

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ مَا مِثْلِي يُوَلِّي أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فَذَاكَ شَيْءٌ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ فَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَ عَلَيْكُمْ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَوَاباً وَجَبَ عَلَيْكُمُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ.

قَالَ مَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ مَا قَالَ فِيهِ جَدُّكَ الْعَبَّاسُ وَعَبْدُ اللهِ قَالَ وَمَا قَالا فِيهِ قَالَ أَمَّا الْعَبَّاسُ فَمَاتَ وَهُوَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ شَاهَدَ كُبَرَاءَ الصَّحَابَةِ وَالْمُهَاجِرِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللهُ فَضَارَبَ مَعَهُ بِسَيْفَيْنِ وَشَهِدَ حُرُوبَهُ وَكَانَ فِيهَا رَأْساً مُتَّبَعاً وَقَائِداً مُطَاعاً فَلَوْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ جَوْراً كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَقْعُدُ عَنْهُ أَبُوكَ لِعِلْمِهِ بِدِينِ اللهِ وَفِقْهِهِ فِي أَحْكَامِ اللهِ فَسَكَتَ الْمَهْدِيُّ وَخَرَجَ شَرِيكٌ فَمَا كَانَ بَيْنَ عَزْلِهِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَجْلِسِ إِلَّا جُمْعَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.

وَعَنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رِجَالِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعُ خِصَالٍ فِي مُعَاوِيَةَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْهُنَّ إِلَّا وَاحِدَةٌ لَكَانَتْ مُوبِقَةً ابْتِزَاؤُهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسُّفَهَاءِ حَتَّى ابْتَزَّهَا أَمْرَهَا بِغَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَذَوُو الْفَضِيلَةِ وَاسْتِخْلَافُهُ ابْنَهُ يَزِيدَ مِنْ بَعْدِهِ سَكِيراً خَمِيراً يَلْبَسُ الْحَرِيرَ وَيَضْرِبُ بِالطَّنَابِيرِ وَادِّعَاؤُهُ زِيَاداً وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَقَتْلُهُ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَأَصْحَابَهُ فَيَا وَيْلَهُ مِنْ حُجْرٍ وَأَصْحَابِ حُجْرٍ.

قلت هذا الخبر وإن لم يكن من غرض هذا الكتاب لكن ساق إليه ما بينهما من أمر ما وابتزاؤه توثبه وبزه يبز بزا سلبه وابتزها سلبها والعهر والعهر الزنا وعهر فهو عاهر والاسم العهر بالكسر.

وعلى هذا حَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ قَالَ مِطْرَفُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَفَدْتُ مَعَ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَانَ أَبِي يَأْتِيهِ فَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَيَّ فَيَذْكُرُ مُعَاوِيَةَ وَيَذْكُرُ عَقْلَهُ وَيُعْجِبُ بِمَا يَرَى مِنْهُ إِذْ جَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمْسَكَ عَنِ الْعَشَاءِ وَرَأَيْتُهُ مُغْتَمّاً مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِشَيْءٍ قَدْ حَدَثَ فِينَا وَفِي عِلْمِنَا فَقُلْتُ مَا لِي أَرَاكَ مُغْتَمّاً مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَخْبَثِ النَّاسِ قُلْتُ وَمَا ذَاكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ وَقَدْ خَلَوْتُ بِهِ إِنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ سِنّاً يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ

٤١٨

أَظْهَرْتَ عَدْلاً وَبَسَطْتَ خَيْراً فَإِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَلَوْ نَظَرْتَ إِلَى إِخْوَتِكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَوَصَلْتَ أَرْحَامَهُمْ فَوَ اللهِ مَا عِنْدَهُمُ الْيَوْمَ شَيْءٌ تَخَافُهُ فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَلَكَ أَخُو تَيْمٍ فَعَدَلَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ فَوَ اللهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ مَلَكَ أَخُو بَنِي عَدِيٍّ فَاجْتَهَدَ وَشَمَّرَ عَشْرَ سِنِينَ فَوَ اللهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ عُمَرُ ثُمَّ مَلَكَ عُثْمَانُ فَمَلَكَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي مِثْلِ نَسَبِهِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ وَعُمِلَ بِهِ مَا عُمِلَ فَوَ اللهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ مَا فُعِلَ بِهِ وَإِنَّ أَخَا بَنِي هَاشِمٍ يُصَاحُ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ فَأَيُّ عَمَلٍ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا لَا أُمَّ لَكَ لَا وَاللهِ إِلَّا دَفْناً دَفْناً.

فانظر أيدك الله إلى قول معاوية في النبي علیهما السلام وعقيدته فيه يهن عندك فعله مع علي علیهما السلام كما قدمنا أن حب علي فرع على حب الرسول صلی الله علیه وسلم والإقرار بنبوته وتصديقه.

وإن الجرح ينفر بعد حين

إذا كان البناء على فساد

" حَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَاتَلْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيَّ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَأَفْتَيْتَ بِتَزْوِيجِ الْمُتْعَةِ قَالَ أَنْتَ أَخْرَجْتَهَا وَأَبُوكَ وَخَالُكَ وَبِنَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنَّا لَهَا خَيْرَ بَنِينَ فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهَا وَقَاتَلْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ عَلِيّاً فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ مُؤْمِناً فَقَدْ ضَلَلْتُمْ بِقِتَالِكُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ كَافِراً فَقَدْ بُؤْتُمْ (بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) بِفِرَارِكُمْ مِنَ الزَّحْفِ وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنَّا نُحِلُّهَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم يُحِلُّهَا وَيُرَخِّصُ فِيهَا فَأَفْتَيْتُ فِيهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

" وَحَدَّثَ الزُّبَيْرُ عَنْ رِجَالِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنِّي لَأُمَاشِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ قَالَ لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَظُنُّ صَاحِبَكَ إِلَّا مَظْلُوماً قُلْتُ فِي نَفْسِي وَاللهِ لَا يَسْبِقُنِي بِهَا فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَارْدُدْ ظُلَامَتَهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي وَمَضَى وَهُوَ يُهَمْهِمُ سَاعَةً ثُمَّ وَقَفَ فَلَحِقْتُهُ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَظُنُّهُمْ مَنَعَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْتَصْغَرُوهُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاللهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى فَقُلْتُ وَاللهِ مَا اسْتَصْغَرَهُ اللهُ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ سُورَةَ بَرَاءَةَ مِنْ صَاحِبِكَ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنِّي.

٤١٩

" قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى عَفَا اللهُ عَنْهُ قَدْ ذَكَرْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثاً يُشَابِهُهُ نَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ عِزِّ الدِّينِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْحَدِيدِ فِي تَفْسِيرِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ قَالَ نَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ تَارِيخِ بَغْدَادَ لِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ وَقَدْ أُلْقِيَ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عَلَى خَصَفَةٍ فَدَعَانِي لِلْأَكْلِ فَأَكَلْتُ تَمْرَةً وَاحِدَةً وَأَقْبَلَ يَأْكُلُ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ جَرٍّ كَانَ عِنْدَهُ وَاسْتَلْقَى عَلَى مِرْفَقَةٍ لَهُ وَطَفِقَ يَحْمَدُ اللهَ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ يَا عَبْدَ اللهِ قُلْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ كَيْفَ خَلَّفْتَ بَنِي عَمِّكَ فَظَنَنْتُهُ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَقُلْتُ خَلَّفْتُهُ يَلْعَبُ مَعَ أَتْرَابِهِ قَالَ لَمْ أَعْنِ ذَلِكَ إِنَّمَا عَنَيْتُ عَظِيمَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ قُلْتُ خَلَّفْتُهُ يَمْتَحُ بِالْغَرَبِ عَلَى نَخَلَاتٍ لَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللهِ عَلَيْكَ دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ كَتَمْتَنِيهَا أَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْخِلَافَةِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم جَعَلَهَا لَهُ قُلْتُ نَعَمْ وَأَزِيدُكَ سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا يَدَّعِيهِ قَالَ صَدَقَ فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ فِي أَمْرِهِ ذَرْوٌ مِنْ قَوْلٍ لَا يُثْبِتُ حُجَّةً وَلَا يَقْطَعُ عُذْراً وَقَدْ كَانَ يَزِيغُ فِي أَمْرِهِ وَقْتاً مَا وَلَقَدْ أَرَادَ فِي مَرَضِهِ أَنْ يُصَرِّحَ بِاسْمِهِ فَمَنَعْتُ مِنْ ذَلِكَ إِشْفَاقاً وَحَفِيظَةً عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَا تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ أَبَداً وَلَوْ وَلِيَهَا لَانْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ أَقْطَارِهَا فَعَلِمَ رَسُولُ اللهِ أَنِّي عَلِمْتُ مَا فِي نَفْسِهِ فَأَمْسَكَ وَأَبَى اللهُ إِلَّا إِمْضَاءَ مَا حَتَمَ.

قلت يشير إلى اليوم الذي قال فيه ائتوني بدواة وكتف الحديث فقال عمر رضي الله عنه إن الرجل ليهجر.

الخصفة بالتحريك الجلة من الخوص تعمل للتمر وجمعها خصف وخصاف والصاع أربعة أمداد والمد مكيال أيضا وهو رطل وثلاث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والمرفقة بالكسر المخدة وقد تمرفق إذا أخذها والماتح المستقي وكذلك المتوح تقول متح الماء يمتحه متحا إذا نزعه والغرب الدلو العظيمة وذرو من قول أي طرف منه ولم يتكامل وأزاغ يزيغ إذا طلب وأراد

________________

(١) الجرة : اناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع ويقال له الا بريق.

٤٢٠